٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتْ طّآئِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالّذِيَ...}

اختلف أهل التأويـل فـي صفة الـمعنى الذي أمرت به هذه الطائفة من أمرت به من الإيـمان وجه النهار، والكفر آخره،

فقال بعضهم: كان ذلك أمرا منهم إياهم بتصديق النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي نبوّته، وما جاء به من عند اللّه وأنه حقّ، فـي الظاهر من غير تصديقه فـي ذلك بـالعزم واعتقاد القلوب علـى ذلك، وبـالكفر به وجحود ذلك كله فـي آخره. ذكر من قال ذلك:

٥٨٤١ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرُهُ} فقال بعضهم لبعض: أعطوهم الرضا بدينهم أوّل النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدّقوكم، ويعلـموا أنكم قد رأيتـم فـيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.

٥٨٤٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: حدثنا خالد، عن حصين، عن أبـي مالك فـي قوله: {آمِنُوا بـالّذِينَ أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَه} قال: قالت الـيهود: آمنوا معهم أوّل النهار، واكفروا آخره، لعلهم يرجعون معكم.

٥٨٤٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بِـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} كان أحبـار قرى عَرَبِـيّة اثنـي عشر حبرا، فقالوا لبعضهم: ادخـلوا فـي دين مـحمد أول النهار، وقولوا نشهد أن مـحمدا حقّ صادق، فإذا كان آخر النهار فـاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلـى علـمائنا وأحبرانا فسألناهم، فحدثونا أن مـحمدا كاذب، وأنكم لستـم علـى شيء، وقد رجعنا إلـى ديننا فهو أعجب إلـينا من دينكم، لعلهم يشكون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار، فما بـالهم؟ فأخبر اللّه عزّ وجلّ رسوله صلى اللّه عليه وسلم بذلك.

حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن حصين، عن أبـي مالك الغفـاري، قال: قالت الـيهود بعضهم لبعض: أسلـموا أوّل النهار، وارتدّوا آخره، لعلهم يرجعون. فأطلع اللّه علـى سرّهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

وقال آخرون: بل الذي أمرت به من الإيـمان: الصلاة، وحضورها معهم أوّل النهار، وترك ذلك آخره. ذكر من قال ذلك:

ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه عزّ وجلّ {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ} يهود تقوله صلت مع مـحمد صلاة الصبح، وكفروا آخر النهار مكرا منهم، لـيرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بـمثله.

٥٨٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ}.. الاَية. وذلك أن طائفة من الـيهود

قالوا: إذا لقـيتـم أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلـم منا، لعلهم ينقلبون عن دينهم، ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم.

فتأويـل الكلام إذا: وقالت طائفة من أهل الكتاب، يعنـي من الـيهود الذي يقرءون التوراة: {آمِنُوا} صدّقوا بـالذي أنزل علـى الذين آمنوا، وذلك ما جاءهم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من الدين الـحقّ وشرائعه وسننه. {وَجْهَ النّهارِ} يعنـي أوّل النهار، وسمي أوله وجها له لأنه أحسنه، وأوّل ما يواجه الناظر فـيراه منه، كما يقال لأوّل الثوب وجهه، وكما قال ربـيع بن زياد:

مَنْ كانَ مَسْرُورا بِـمَقْتَلِ مالِكٍفَلْـيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهارِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٨٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَجْهَ النّهارِ}: أوّل النهار.

٥٨٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وَجْهَ النّهارِ}: أول النهار {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}

يقول: آخر النهار.

٥٨٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: {آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} قال: قال صلوا معهم الصبح، ولا تصلوا معهم آخر النهار، لعلكم تستزلونهم بذلك.

وأما قوله: {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} فإنه يعنـي به أنهم

قالوا: واجحدوا ما صدّقتـم به من دينهم فـي وجه النهار فـي آخر النهار {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}: يعنـي بذلك: لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه. كما:

٥٨٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}

يقول: لعلهم يدعون دينهم، ويرجعون إلـى الذي أنتـم علـيه.

٥٨٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

٥٨٥٠ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ}: لعلهم ينقلبون عن دينهم.

٥٨٥١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعلهم يشكون.

٥٨٥٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: {لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال: يرجعون عن دينهم.

﴿ ٧٢