٧٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُؤْمِنُوَاْ إِلاّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ...}

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم فكان يهوديا. وهذا خبر من اللّه عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من الـيهود: {آمِنُوا بِـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ}. واللام التـي فـي قوله: {لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} نظيرة اللام التـي فـي قوله: {عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} بـمعنى: ردفكم {بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ}.

وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل ذلك،

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٨٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا قول بعضهم لبعض.

٥٨٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

٥٨٥٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} قال: لا تؤمنوا إلا لـمن تبع الـيهودية.

٥٨٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب: قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} قال: لا تؤمنوا إلا لـمن آمن بدينكم لا من خالفه ـ، فلا تؤمنوا به.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه ...}.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه } اعترض به فـي وسط الكلام خبرا من اللّه عن أن البـيان بـيانه والهدى هداه.

قالوا: وسائر الكلام بعد ذلك متصل بـالكلام الأوّل خبرا عن قـيـل الـيهود بعضها لبعض. فمعنى الكلام عندهم: ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم، أو أن يحاجوكم عند ربكم: أي ولا تؤمنوا أن يحاجكم أحد عند ربكم. ثم قال اللّه عزّ وجلّ لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد إن الفضل بـيد اللّه يؤتـيه من يشاء، وإن الهدى هدى اللّه . ذكر من قال ذلك:

٥٨٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ}: حسدا من يهود أن تكون النبوّة فـي غيرهم، وإرادة أن يتبعوا علـى دينهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: تأويـل ذلك: قل يا مـحمد إن الهدى هدى اللّه ، إن البـيان بـيان اللّه أن يؤتـى أحد،

قالوا: ومعناه: لا يؤتـى أحد من الأمـم مثل ما أوتـيتـم، كما قال: {يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا} بـمعنى لا تضلون، وكقوله: {كذلك سَلَكْناهُ فـي قُلُوبِ الـمـجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعنـي: أن لا يؤمنوا {مِثْلَ ما أوتِـيتُـمْ}.

يقول: مثل ما أوتـيت أنت يا مـحمد وأمتك من الإسلام والهدى، أو يحاجوكم عند ربكم.

قالوا: ومعنى (أو) إلا: أي إلا أن يحاجوكم، يعنـي إلا أن يجادلوكم عند ربكم عند ما فعل بهم ربكم. ذكر من قال ذلك:

٥٨٥٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قال اللّه عزّ وجلّ لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ}

يقول: مثل ما أوتـيتـم يا أمة مـحمد، أو يحاجوكم عند ربكم، تقول الـيهود: فعل اللّه بنا كذا وكذا من الكرامة، حتـى أنزل علـينا الـمنّ والسلوى، فإن الذي أعطيتكم أفضل، فقولوا: {إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّه يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشَاءُ}.. الاَية.

فعلـى هذا التأويـل جميع هذا الكلام (أَمْر) من اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أن يقوله للـيهود، وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فـيه، والهدى الثانـي ردّ علـى الهدى الأوّل، و(أن) فـي موضع رفع علـى أنه خبر عن الهدى.

وقال آخرون: بل هذا أمر من اللّه لنبـيه أن يقوله للـيهود، و

قالوا: تأويـله: قل يا مـحمد إن الهدى هدى اللّه ، أن يؤتـى أحد من الناس مثل ما أوتـيتـم،

يقول: مثل الذي أوتـيتـموه أنتـم يا معشر الـيهود من كتاب اللّه ، ومثل نبـيكم، فلا تـحسدوا الـمؤمنـين علـى ما أعطيتهم، مثل الذي أعطيتكم من فضلـي، فإن الفضل بـيدي أوتـيه من أشاء. ذكر من قال ذلك:

٥٨٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِـيتُـمْ}

يقول:لـما أنزل اللّه كتابـا مثل كتابكم، وبعث نبـيا مثل نبـيكم حسدتـموهم علـى ذلك¹ {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّه }.. الاَية.

٥٨٦٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

وقال آخرون: بل تأويل ذلك: قل يا محمد إن الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم أنتم يا معشر اليهود من كتاب اللّه .

قالوا: وهذا آخر القول الذي أمر اللّه به نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لليهود من هذه الاَية،

قالوا:

وقوله: {أوْ يُحاجّوكُمْ} مردود علـى قوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إلاّ لِـمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}. وتأويـل الكلام علـى قول أهل هذه الـمقالة: ولا تؤمنوا إلا لـمن تبع دينكم، فتتركوا الـحقّ أن يحاجوكم به عند ربكم من اتبعتـم دينه، فـاخترتـموه أنه مـحقّ، وأنكم تـجدون نعته فـي كتابكم. فـيكون حينئذ قوله: {أوْ يُحاجّوكُمْ} مردودا علـى جواب نهي متروك علـى قول هؤلاء. ذكر من قال ذلك:

٥٨٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {إنّ الهُدَى هُدَى اللّه أنْ يُؤْتَـى أحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِـيتُـمْ}

يقول: هذا الأمر الذي أنتـم علـيه أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم، أو يحاجوكم عند ربكم، قال: قال بعضهم لبعض: لا تـخبروهم بـما بـين اللّه لكم فـي كتابه لـيحاجوكم، قال: لـيخاصموكم به عند ربكم.

{قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه } معترض به، وسائر الكلام متسق علـى سياق واحد. فـيكون تأويـله حينئذ: ولا تؤمنوا إلا لـمن اتبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم، بـمعنى: لا يؤتـى أحد بـمثل ما أوتـيتـم، {أو يُحاجّوكُمْ عِنْدَ رَبّكُمْ} بـمعنى: أو أن يحاجكم عند ربكم أحد بإيـمانكم، لأنكم أكرم علـى اللّه منهم بـما فضلكم به علـيهم. فـيكون الكلام كله خبرا عن قول الطائفة التـي قال اللّه عزّ وجلّ {وَقَالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ} سوى قوله: {قُلْ إنّ الهُدَى هُدَى اللّه } ثم يكون الكلام مبتدأ بتكذيبهم فـي قولهم: قل يا مـحمد للقائلـين ما قالوا من الطائفة التـي وصفت لك قولها لتبّـاعها من الـيهود {إنّ الهُدَى هُدَى اللّه } إن التوفـيق توفـيق اللّه ، والبـيان بـيانه، وإن الفضل بـيده يؤتـيه من يشاء، لا ما تـمنـيتـموه أنتـم يا معشر الـيهود. وإنـما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التـي ذكرناها، لأنه أصحها معنى، وأحسنها استقامة علـى معنى كلام العرب، وأشدّها اتساقا علـى نظم الكلام وسياقه، وما عدا ذلك من القول، فـانتزاع يبعد من الصحة علـى استكراه شديد الكلام.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّه يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ}.

يعنـي بذلك جل ثناؤه: قل يا مـحمد لهؤلاء الـيهود الذين وصفت قولهم لأولـيائهم: إن الفضل بـيد اللّه ، إن التوفـيق للإيـمان، والهداية للإسلام بـيد اللّه ، وإلـيه دونكم ودون سائر خـلقه، {يُؤْتِـيهِ مَنْ يَشَاءُ} من خـلقه، يعنـي: يعطيه من أراد من عبـاده تكذيبـا من اللّه عزّ وجلّ لهم فـي قولهم لتبّـاعهم: لا يؤتـى أحد مثل ما أوتـيتـم. فقال اللّه عزّ وجلّ لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: قل لهم: لـيس ذلك إلـيكم، إنـما هو إلـى اللّه الذي بـيده الأشياء كلها، وإلـيه الفضل، وبـيده يعطيه من يشاء. {وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ} يعنـي: واللّه ذو سعة بفضله علـى من يشاء أن يتفضل علـيه علـيـم ذو علـم بـمن هو منهم للفضل أهل.)

٥٨٦٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة عن ابن جريج، فـي قوله: {قُلْ إنّ الفَضْلَ بِـيَدِ اللّه يُؤْتِـيهِ مِنَ يَشاءُ} قال: الإسلام.

﴿ ٧٣