٧٩

وبنـحو ما قلنا فـي معنى: {يَـلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِـالكِتَابِ}

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٨٩٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقا يَـلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِـالكِتَابِ} قال: يحرّفونه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٥٨٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقا يَـلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِـالْكِتَابِ} حتـى بلغ: {وَهُمْ يَعْلَـمُونَ} هم أعداء اللّه الـيهود حرّفوا كتاب اللّه وابتدعوا فـيه، وزعموا أنه من عند اللّه .

٥٨٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

٥٨٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: {وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقا يَـلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بِـالكِتَابِ لَتَـحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ} وهم الـيهود كانوا يزيدون فـي كتاب اللّه ما لـم ينزل اللّه .

٥٨٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {وَإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقا يَـلْوُونَ ألْسِنَتَهُمْ بـالكِتَابِ} قال: فريق من أهل الكتاب يـلوون ألسنتهم، وذلك تـحريفهم إياه عن موضعه.

وأصل اللـيّ: الفتل والقلب، من قول القائل: لوى فلان يد فلان: إذا فتلها وقلبها، ومنه قول الشاعر:

لَـوَى يَـدَهُ اللّه الـذِي هُـوَ غَـالِـبُـهْ

يقال منه: لوى يده ولسانه يـلوي لـيا، وما لوى ظهر فلان أحد: إذا لـم يصرعه أحد، ولـم يفتل ظهره إنسان، وإنه لألوى بعيد الـمستـمر: إذا كان شديد الـخصومة صابرا علـيها لا يغلب فـيها، قال الشاعر:

فَلَوْ كَانَ فِـي لَـيـلَـى شَدا مِنْ خُصُومَةٍلَلَوّيْتُ أعْنَاقَ الـخُصُومِ الـمَلاوِيَا.

القول في تأويله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللّه الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ... }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وما ينبغي لأحد من البشر، والبشر: جمع بنـي آدم، لا واحد له من لفظه، مثل القوم والـخـلق، وقد يكون اسما لواحد. {أنْ يُوءْتِـيَهُ اللّه الكِتابَ}

يقول: أن ينزل اللّه علـيه كتابه، {والـحُكْمَ} يعنـي: ويعلـمه فصل الـحكمة، {وَالنُبُوّةَ}

يقول: ويعطيه النبوّة، {ثُمّ يَقُولَ للنّاسِ كُونُوا عِبـادا لـي مِنْ دُونِ اللّه } يعنـي: ثم يدعو الناس إلـى عبـادة نفسه دون اللّه ، وقد آتاه اللّه ما آتاه من الكتاب والـحكم والنبوّة، ولكن إذا آتاه اللّه ذلك فإنـما يدعوهم إلـى العلـم بـالله، ويحدوهم علـى معرفة شرائع دينه، وأن يكونوا رؤساء فـي الـمعرفة بأمر اللّه ونهيه، وأئمة فـي طاعته وعبـادته بكونهم معلـمي الناس الكتاب، وبكونهم دارسيه.

وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي قوم من أهل الكتاب قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: أتدعونا إلـى عبـادتك؟ كما:

٥٨٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتـمعت الأحبـار من الـيهود والنصارى من أهل نـجران عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاهم إلـى الإسلام: أتريد يا مـحمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريـم؟ فقال رجل من أهل نـجران نصرانـي، يقال له الرئيس: أو ذاك تريد منا يا مـحمد وإلـيه تدعونا؟ أو كما قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَعَاذَ اللّه أنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللّه ، أوْ نَأْمُرَ بِعِبـادَةِ غَيْرِهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِـي، وَلا بِذَلِكَ أمَرَنِـي). أو كما قال¹ فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـي ذلك من قولهم: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يُوءْتِـيهُ اللّه الكِتابَ وَالـحُكْمَ وَالنّبُوّةَ}.. الاَية، إلـى قوله بعد: {إذْ أَنْتُـمْ مُسْلِـمُونَ}.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال أبو رافع القرظي، فذكر نـحوه.

٥٨٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يُوءْتِـيَهُ اللّه الكِتَابَ وَالـحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ للنّاسِ كُونُوا عِبـادا لـي مِنْ دُونِ اللّه }

يقول: ما كان ينبغي لبشر أن يؤتـيه اللّه الكتاب والـحكم والنبوّة يأمر عبـاده أن يتـخذوه ربـا من دون اللّه .

٥٨٩٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

٥٨٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم، بتـحريفهم كتاب اللّه عن موضعه، فقال اللّه عزّ وجلّ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يُوءْتِـيَهُ اللّه الكِتابَ وَالـحُكْمَ والنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ للنّاسِ كُونُوا عِبـادا لِـي مِنْ دُونِ اللّه } ثم يأمر الناس بغير ما أنزل اللّه فـي كتابه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ}.

يعنـي جل ثناؤه بذلك: ولكن يقول لهم: كونوا ربـانـيـين، فترك القول استغناء بدلالة الكلام علـيه.

وأما قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: كونوا حكماء علـماء. ذكر من قال ذلك:

٥٨٩٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن أبـي رزين: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: حكماء علـماء.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن منصور، عن أبـي رزين: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: حكماء علـماء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن أبـي رزين، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبـي رزين: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ}: حكماء علـماء.

٥٩٠٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن فـي قوله: {كُونُوا رَبـانِـيّـينَ} قال: كونوا فقهاء علـماء.

٥٩٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيـينَ} قال: فقهاء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي القاسم، عن مـجاهد، قوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: فقهاء.

٥٩٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: كونوا فقهاء علـماء.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن منصور بن الـمعتـمر، عن أبـي رزين فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: علـماء حكماء. قال معمر: قال قتادة.

٥٩٠٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} أما الربـانـيون: فـالـحكماء الفقهاء.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال الربـانـيون: الفقهاء العلـماء، وهم فوق الأحبـار.

٥٩٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ}

يقول: كونوا حكماء فقهاء.

٥٩٠٥ـ حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي حمزة الثمالـي، عن يحيـى بن عقـيـل فـي قوله الربـانـيون والأحبـار، قال: الفقهاء العلـماء.

حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنـي ابن سنان القزاز، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: كونوا حكماء فقهاء.

٥٩٠٦ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ}

يقول: كونوا فقهاء علـماء.

وقال آخرون: بل هم الـحكماء الأتقـياء. ذكر من قال ذلك:

٥٩٠٧ـ حدثنـي يحيـى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيـينَ} قال: حكماء أتقـياء.

وقال آخرون: بل هم ولاة الناس وقادتهم. ذكر من قال ذلك:

٥٩٠٨ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} قال: الربـانـيون: الذين يربون الناس ولاة هذا الأمر، يربونهم: يـلونهم. وقرأ: {لولا يَنْهَاهُمُ الرّبّـانِـيّونَ والأحْبـارُ} قال: الربـانـيون: الولاة، والأحبـار: العلـماء.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال عندي بـالصواب فـي الربـانـيـين أنهم جمع ربـانـيّ، وأن الربـانـيّ الـمنسوب إلـى الرّبّـان: الذي يربّ الناس، وهو الذي يصلـح أمورهم ويربها، ويقوم بها، ومنه قول علقمة بن عبدة:

وكنتَ امْرأً أفْضَتْ إِلَـيْكَ رِبَـابَتِـيوَقَبْلَكَ رَبّتْنِـي فَضِعْتُ رُبُوبُ

يعنـي بقوله: (ربّتنـي): ولـي أمري والقـيام به قبلك من يربه ويصلـحه، فلـم يصلـحوه، ولكنهم أضاعونـي فضعت، يقال منه: ربّ أمري فلان فهو بربّه رَبّـا وهو رابّه، فإذا أريد به الـمبـالغة فـي مدحه

قـيـل: هو رَبّـان، كما يقال: هو نعسان، من قولهم: نَعَس ينعُس، وأكثر ما يجيء من الأسماء علـى فعلان ما كان من الأفعال الـماضية علـى فَعِل مثل قولهم: هو سكران وعطشان وريان، من سَكِرَ يَسْكَر، وعَطِش يَعطش، ورَوِي يَرْوَى، وقد يجيء مـما كان ماضيه علـى فَعَل يَفْعُل، نـحو ما قلنا من نَعَسَ يَنْعُس، ورَبّ يَرُبّ.

فإذا كان الأمر فـي ذلك علـى ما وصفنا، وكان الربـان ما ذكرنا، والربـانـي: هو الـمنسوب إلـى من كان بـالصفة التـي وصفت، وكان العالـم بـالفقه والـحكمة من الـمصلـحين، يربّ أمور الناس بتعلـيـمه إياهم الـخير، ودعائهم إلـى ما فـيه مصلـحتهم، وكان كذلك الـحكيـم التقـيّ لله، والولـي الذي يـلـي أمور الناس علـى الـمنهاج الذي ولـيه الـمقسطون من الـمصلـحين أمور الـخـلق بـالقـيام فـيهم، بـما فـيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النفع علـيهم فـي دينهم ودنـياهم¹ كانوا جميعا مستـحقـين أنهم مـمن دخـل فـي قوله عزّ وجلّ {وَلَكِنْ كُونُوا رَبـانِـيّـينَ}. فـالربـانـيون إذا، هم عماد الناس فـي الفقه والعلـم وأمور الدين والدنـيا، ولذلك قال مـجاهد: (وهم فوق الأحبـار)، لأن الأحبـار هم العلـماء. والربـانـي: الـجامع إلـى العلـم والفقه، البصرَ بـالسياسة والتدبـير، والقـيام بأمور الرعية، وما يصلـحهم فـي دنـياهم ودينهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {بِـمَا كُنْتُـمْ تعَلّـمُونَ الكِتابَ، وَبِـمَا كُنْتُـمْ تَدْرُسُونَ}.

اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء أهل الـحجاز وبعض البصريـين: (بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ) بفتـح التاء وتـخفـيف اللام، يعنـي: بعلـمكم الكتاب، ودراستكم إياه وقراءتكم. واعتلّوا لاختـيارهم قراءة ذلك كذلك، بأن الصواب لو كان التشديد فـي اللام وضمّ التاء، لكان الصواب فـي (تدرسون) بضم التاء وتشديد الراء. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين: {بِـمَا كُنْتُـمْ تُعَلّـمُونَ الكِتابَ} بضم التاء من تعلّـمون وتشديد اللام، بـمعنى: بتعلـيـمكم الناس الكتاب، ودراستكم إياه. واعتلّوا لاختـيارهم ذلك بأن من وصفهم بـالتعلـيـم فقد وصفهم بـالعلـم، إذ لا يعلّـمون إلا بعد علـمهم بـما يعلـمون.

قالوا: ولا موصوف بأنه يعلـم، إلا وهو موصوف بأنه عالـم.

قالوا: فأما الـموصوف بأنه عالـم، فغير موصوف بأنه معلـم غيره.

قالوا: فأولـى القراءتـين بـالصواب، أبلغهما فـي مدح القوم، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلّـمون الناس الكتاب. كما:

٥٩٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيـى بن آدم، عن ابن عيـينة، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد أنه قرأ: (بِـمَا كُنْتُ تَعْلَـمُونَ الكِتابَ وَبِـمَا كُنْتُـمْ تَدْرُسُونَ) مخففة بنصب التاء

وقال ابن عيـينة: ما عَلّـموه حتـى عَلِـموه.

وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك قراءة من قرأه بضم التاء وتشديد اللام، لأن اللّه عزّ وجلّ وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس فـي دينهم ودنـياهم، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربـية،

يقول جلّ ثناؤه: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبّـانِـيّـينَ} علـى ما بـينا قبل من معنى الربـانـي. ثم أخبر تعالـى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس، وتربـية لهم بتعلـيـمهم إياهم كتاب ربهم. ودراستهم إياه: تلاوته، وقد

قـيـل: دراستهم الفقه.

وأشبه التأويـلـين بـالدراسة ما قلنا من تلاوة الكتاب، لأنه عطف علـى قوله: {تُعَلّـمُونَ الكِتابَ}، والكتاب: هو القرآن، فلأن تكون الدراسة معنـيا بها دراسة القرآن أولـى من أن تكون معنـيا بها دراسة الفقه الذي لـم يجر له ذكر. ذكر من قال ذلك:

٥٩١٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: قال يحيـى بن آدم: قال أبو زكريا: كان عاصم يقرؤها: {بِـمَا كُنْتُـمْ تُعَلّـمُونَ الكِتابَ} قال: القرآن، {وَبِـمَا كُنْتُـمْ تَدْرُسُونَ} قال: الفقه.

فمعنى الاَية: ولكن يقول لهم: كونوا أيها الناس سادة الناس وقادتهم فـي أمر دينهم ودنـياهم، ربـانـيـين بتعلـيـمكم إياهم كتاب اللّه ، وما فـيه من حلال وحرام، وفرض وندب، وسائر ما حواه من معانـي أمور دينهم، وبتلاوتكم إياه ودراستكمونه.

﴿ ٧٩