٨٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ...} اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بهذه الاَية، وفـيـمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت فـي الـحارث بن سويد الأنصاري، وكان مسلـما، فـارتدّ بعد إسلامه. ذكر من قال ذلك: ٥٩٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع البصري، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان رجل من الأنصار أسلـم، ثم ارتدّ ولـحق بـالشرك، ثم ندم، فأرسل إلـى قومه: أرسلوا إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هل لـي من توبة؟ قال: فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيـمانِهِمْ} إلـى قوله: {وَجَاءَهُمُ البَـيّنَاتُ وَاللّه لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالِـمِينَ إِلاّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَـحُوا فَـإِنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ} فأرسل إلـيه قومه، فأسلـم. ٥٩٤٢ـ حدثنـي ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة بنـحوه، ولـم يرفعه إلـى ابن عبـاس ، إلا أنه قال: فكتب إلـيه قومه، فقال: ما كذبنـي قومي، فرجع. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حكيـم بن جميع، عن علـيّ بن مسهر، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة عن ابن عبـاس ، قال: ارتدّ رجل من الأنصار، فذكر نـحوه. ٥٩٤٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان، قال: أخبرنا حميد الأعرج، عن مـجاهد، قال: جاء الـحارث بن سويد، فأسلـم مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، ثم كفر الـحارث فرجع إلـى قومه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـيه القرآن: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إيـمانِهِمْ} إلـى: {إِلاّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَـحُوا فَـإِنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ} قال: فحملها إلـيه رجل من قومه، فقرأها علـيه، فقال الـحارث: إنك واللّه ما عُلِـمْتُ لصدوق، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصدق منك، وإن اللّه عزّ وجلّ لأصدق الثلاثة! قال: فرجع الـحارث فأسلـم، فحسن إسلامه. ٥٩٤٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إيـمانِهِم وَشَهِدُوا أنّ الرّسُولَ حَقّ} قال: أنزلت فـي الـحارث بن سويد الأنصاري كفر بعد إيـمانه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـيه هذه الاَيات، إلـى: {أُولَئِكَ أصْحَابُ النّارِ هُمْ فِـيها خالِدُونَ} ثم تاب وأسلـم، فنسخها اللّه عنه، فـال: {إِلاّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَـحُوا فـإِنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ}. ٥٩٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيـمانِهِمْ وَشَهِدُوا أنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمْ البَـينات} قال رجل من بنـي عمرو بن عوف كفر بعد إيـمانه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٥٩٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريح، عن مـجاهد، قال: هو رجل من بنـي عمرو بن عوف كفر بعد إيـمانه. قال ابن جريج: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قال: لـحق بأرض الروم فتنصر، ثم كتب إلـى قومه: أرسلوا هل لـي من توبة؟ قال: فحسبت أنه آمن ثم رجع قال: ابن جريج: قال عكرمة: نزلت فـي أبـي عامر الراهب، والـحارث بن سويد بن الصامت، ووَحْوَح بن الأسلت فـي اثنـي عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام، ولـحقوا بقريش، ثم كتبوا إلـى أهلهم: هل لنا من توبة؟ فنزلت: {إِلاّ الّذِي تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}.. الاَيات. وقال آخرون: عنى بهذه الاَية أهل الكتاب، وفـيهم نزلت. ذكر من قال ذلك: ٥٩٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيـمانِهِمْ} فهم أهل الكتاب عرفوا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، ثم كفروا به. ٥٩٤٨ـ حدثنا مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا عبـاد بن منصور، عن الـحسن فـي قوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إيـمانِهِمْ}.. الاَية كلها، قال الـيهود والنصارى. ٥٩٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيـمانِهِمْ}.. الاَية، هم أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، رأوا نعت مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي كتابهم، وأقرّوا به، وشهدوا أنه حقّ، فلـما بعث من غيرهم حسدوا العرب علـى ذلك، فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم. ٥٩٥٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن فـي قوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إيـمانِهِمْ} قال: هم أهل الكتاب¹ كانوا يجدون مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم فـي كتابهم، ويستفتـحون به، فكفروا بعد إيـمانهم. قال أبو جعفر: وأشبه القولـين بظاهر التنزيـل ما قال الـحسن، من أن هذه الاَية معنـيّ بها أهل الكتاب علـى ما قال. غير أن الأخبـار بـالقول الاَخر أكثر، والقائلـين به أعلـم بتأويـل القرآن، وجائز أن يكون اللّه عزّ وجلّ أنزل هذه الاَيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصتهم وقصة من كان سبـيـله سبـيـلهم فـي ارتداده عن الإيـمان بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي هذه الاَيات، ثم عرّف عبـاده سنته فـيهم، فـيكون داخلاً فـي ذلك كل من كان مؤمن بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث، ثم كفر به بعد أن بعث، وكل من كان كافرا ثم أسلـم علـى عهده صلى اللّه عليه وسلم ثم ارتدّ وهو حيّ عن إسلامه، فـيكون معنـيا بـالاَية جميع هذين الصنفـين وغيرهما مـمن كان بـمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء اللّه . فتأويـل الاَية إذا: {كَيْفَ يَهْدِي اللّه قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيـمَانِهِمْ} يعنـي: كيف يرشد اللّه للصواب، ويوفق للإيـمان، قوما جحدوا نبوّة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، بعد إيـمانهم: أي بعد تصديقهم إيّاهُ، وإقرارهم بـما جاءهم به من عند ربه. {وَشَهِدُوا أنّ الرّسُولَ حَقّ} يقول: وبعد أن أقرّوا أن مـحمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى خـلقه حقا. {وَجَاءَهُمُ البَـيّناتُ} يعنـي: وجاءهم الـحجج من عند اللّه ، والدلائل بصحة ذلك. {وَاللّه لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالِـمِينَ} يقول: واللّه لا يوفق للـحقّ والصواب الـجماعة الظلـمة، وهم الذين بدّلوا الـحقّ إلـى البـاطل، فـاختاروا الكفر علـى الإيـمان. وقد دللنا فـيـما مضى قبل علـى معنى الظلـم، وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى عن إعادته. |
﴿ ٨٦ ﴾