٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّه بِهِ عَلِيمٌ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: لن تدركوا أيها الـمؤمنون البرّ، وهو البرّ من اللّه الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبـادتهم له، ويرجونه منه، وذلك تفضله علـيهم بإدخاله جنته، وصرف عذابه عنهم¹ ولذلك قال كثـير من أهل التأويـل: البرّ: الـجنة، لأن برّ الربّ بعبده فـي الاَخرة وإكرامه إياه بإدخاله الـجنة. ذكر من قال ذلك.

٥٩٦١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون فـي قوله: {لَنْ تَنالُوا البِرّ} قال: الـجنة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون فـي قوله: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ} قال: البرّ: الـجنة.

٥٩٦٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ} أما البرّ. فـالـجنة.

فتأويـل الكلام: لن تنالوا أيها الـمؤمنون جنة ربكم، حتـى تنفقوا مـما تـحبون،

يقول: حتـى تتصدّقوا مـما تـحبون وتهوون أن يكون لكم من نفـيس أموالكم. كما:

٥٩٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {لَنْ تَنالُوا البِرّ حتـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ}

يقول: لن تنالوا برّ ربكم حتـى تنفقوا مـما يعجبكم ومـما تههون من أموالكم.

٥٩٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر، عن عبـاد، عن الـحسن، قوله: {لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتّـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} قال: من الـمال.

وأما قوله: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإنّ اللّه بِهِ عَلِـيـمٌ} فإنه يعنـي به: ومهما تنفقوا من شيء فتتصدّقوا به من أموالكم، فإن اللّه تعالـى ذكره بـما يتصدّق به الـمتصدّق منكم، فـينفقه مـما يحبّ من ماله فـي سبـيـل اللّه ، وغير ذلك علـيـم،

يقول: هو ذو علـم بذلك كله، لا يعزب عنه شيء منه حتـى يجازى صاحبه علـيه جزاءه فـي الاَخرة. كما:

٥٩٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإنّ اللّه بِهِ عَلِـيـمٌ}

يقول: مـحفوظ لكم ذلك اللّه به علـيـم شاكر له.

وبنـحو التأويـل الذي قلنا تأوّل هذه الاَية جماعة من الصحابة والتابعين. ذكر من قال ذلك:

٥٩٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} قال: كتب عمر بن الـخطاب إلـى أبـي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتـحت مدائن كسرى فـي قتال سعد بن أبـي وقاص، فدعا بها عمر بن الـخطاب،

فقال: إن اللّه

يقول: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حَتّـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} فأعتقها عمر. وهي مثل قول اللّه عزّ وجلّ: {وَيُطْعِمُونَ الطّعامَ علـى حُبّهِ مِسكِينا وَيَتِـيـما وأسِيرا}، {وَيُؤْثِرُونَ علـى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن أبـي أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله سواء.

٥٩٦٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: لـما نزلت هذه الاَية: {لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتّـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} أو هذه الاَية: {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا} قال أبو طلـحة: يا رسول اللّه حائطي الذي بكذا وكذا صدقة، ولو استطعت أن أجعله سرّا لـم أجعله علانـية. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اجْعَلْها فِـي فُقَرَاءِ أهْلِكَ).

٥٩٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لـما نزلت هذه الاَية: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حَتـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} قال أبو طلـحة: يا رسول اللّه ، إن اللّه يسألنا من أموالنا، اشهد أنـي قد جعلت أرضي بأرْيَحا لله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اجْعَلْها فِـي قَرَابَتِكَ). فجعلها بـين حسان بن ثابت وأبـيّ بن كعب.

٥٩٦٩ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا لـيث، عن ميـمون بن مهران، أن رجلاً سأل أبـا ذرّ أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة عماد الإسلام، والـجهاد: سنام العمل، والصدقة شيء عجيب. فقال: يا أبـا ذرّ لقد تركت شيئا هو أوثق عملـي فـي نفسي لا أراك ذكرته! فقال: ما هو؟ قال: الصيام،

فقال: قربة، ولـيس هناك! وتلا هذه الاَية: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حَتّـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ}.

٥٩٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي داود بن عبد الرحمن الـمكي، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبـي حسين، عن عمرو بن دينار، قال: لـما نزلت هذه الاَية: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حَتّـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} جاء زيد بفرس له يقال لها: (سَبَل) إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: تصدّق بهذه يا رسول اللّه ! فأعطاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابنة أسامة بن زيد بن حارثة،

فقال: يا رسول اللّه إنـما أردت أن أتصدّق به، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتُكَ).

٥٩٧١ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب وغيره: أنها حين نزلت: {لَنْ تَنَالُوا البِرّ حتـى تُنْفِقُوا مِـمّا تُـحِبّونَ} جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها،

فقال: يا رسول اللّه هذه فـي سبـيـل اللّه ! فحمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيها أسامة بن زيد، فكأن زيدا وجد فـي نفسه، فلـما رأى ذلك منه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (أمَا إنّ اللّه قَدْ قَبِلَها).

﴿ ٩٢