٩٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: تأويـله: إن أوّل بـيت وضع للناس يعبد اللّه فـيه مبـاركا وهدى للعالـمين، الذي ببكة. قالوا: ولـيس هو أوّل بـيت وضع فـي الأرض، لأنه قد كانت قبله بـيوت كثـيرة. ذكر من قال ذلك: ٥٩٨٧ـ حدثنا هناد بن السرّي، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عُرعرة، قال: قام رجل إلـى علـيّ، فقال: ألا تـخبرنـي عن البـيت، أهو أوّل بـيت وضع فـي الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أوّل بـيت وضع فـي البركة مقام إبراهيـم، ومن دخـله كان آمنا. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت خالد ابن عرعرة قال: سمعت علـيا، وقـيـل له: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ} هو أول بـيت كان فـي الأرض؟ قال: لا قال: فأين كان قوم نوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال: ولكنه أوّل بـيت وضع للناس مبـاركا وهدى. ٥٩٨٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سأل حفص الـحسنَ وأنا أسمع، عن قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} قال: هو أول مسجد عبد اللّه فـيه فـي الأرض. ٥٩٨٩ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيـى الرملـي، قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر فـي قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ} قال: قد كانت قبله بـيوت، ولكنه أوّل بـيت وضع للعبـادة. ٥٩٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا عبـاد، عن الـحسن، قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ} يعبد اللّه فـيه {للّذِي بِبكّةَ}. ٥٩٩١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن سالـم، عن سعيد: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} قال: وضع للعبـادة. وقال آخرون: بل هو أوّل بـيت وضع للناس. ثم اختلف قائلو ذلك فـي صفة وضعه أوّل، فقال بعضهم: خُـلِق قبل جميع الأرضين، ثم دْحِيَت الأرضون من تـحته. ذكر من قال ذلك: ٥٩٩٢ـ حدثنا مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا شيبـان، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مـجاهد، عن عبد اللّه بن عمرو،قال: خـلق اللّه البـيت قبل الأرض بألفـي سنة، وكان إذا كان عرشه علـى الـماء، زِبْدَةً بـيضاء، فَدُحيت الأرض من تـحته. ٥٩٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا خصيف، قال: سمعت مـجاهدا يقول: إن أوّل ما خـلق اللّه الكعبة، ثم دَحَى الأرض من تـحتها. ٥٩٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو: قال حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ} كقوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}. ٥٩٩٥ـ حدثنـي مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا وهُدًى للْعَالِـمينَ} أمّا أوّل بـيت، فإنه يوم كانت الأرض ماء، وكان زَبْدة علـى الأرض، فلـما خـلق اللّه الأرض، خـلق البـيت معها، فهو أوّل بـيت وضع فـي الأرض. ٥٩٩٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} قال: أوّل بـيت وضعه اللّه عزّ وجلّ، فطاف به آدم ومن بعده. وقال آخرون موضع الكعبة، موضع أوّل بـيت وضعه اللّه فـي الأرض. ذكر من قال ذلك: ٥٩٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذُكر لنا أن البـيت هبط مع آدم حين هبط، قال: أهبط معك بـيتـي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي. فطاف حوله آدم ومن كان بعده من الـمؤمنـين، حتـى إذا كان زمن الطوفـان زمن أغرق اللّه قوم نوح رفعه اللّه وطهره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض، فصار معمورا فـي السماء. ثم إن إبراهيـم تتبع منه أثرا بعد ذلك، فبناه علـى أساس قديـم كان قبله. والصواب من القول فـي ذلك: ما قال جل ثناؤه فـيه: إن أوّل بـيت مبـارك وهدى وضع للناس، للذي ببكة. ومعنى ذلك: إن أوّل بـيت وضع للناس: أي لعبـادة اللّه فـيه مبـاركا وهدى، يعنـي: بذلك ومآبا لنسك الناسكين وطواف الطائفـين، تعظيـما لله وإجلالاً له¹ للّذي ببكة¹ لصحة الـخبر بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذلك ما: ٥٩٩٨ـ حدثنا به مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن إبراهيـم التـيـمي، عن أبـيه، عن أبـي ذر، قال: قلت يا رسول اللّه ، أيّ مسجد وضع أوّل؟ قال: (الـمَسْجدُ الـحَرامُ) قال: ثم أيّ؟ قال: (الـمَسْجدُ الأقْصَى) قال: كم بـينهما؟ قال: (أرْبَعُونَ سَنَةٌ). فقد بـين هذا الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن الـمسجد الـحرام هو أوّل مسجد وضعه اللّه فـي الأرض علـى ما قلنا، فأما فـي وضعه بـيتا بغير معنى بـيت للعبـادة والهدى والبركة، ففـيه من الاختلاف ما قد ذكرت بعضه فـي هذا الـموضع وبعض فـي سورة البقرة وغيرها من سور القرآن وبـينت الصواب من القول عندنا فـي ذلك بـما أغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما قوله: {للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} فإنه يعنـي: للبـيت الذي بـمزدحم الناس لطوافهم فـي حجهم وعمرهم وأصل البكّ: الزحم، يقال منه: بَكّ فلان فلانا: إذا زحمه وصدمه، فهو يَبُكّه بَكّا، وهم يَتَبـاكّون فـيه: يعنـي به: يتزاحمون ويتصادمون فـيه، فكان بَكّة: (فَعْلَة) من بَكّ فلانٌ فلانا: زحمه، سميت البقعة بفعل الـمزدحمين بها. فإذا كانت بكة ما وصفنا، وكان موضع ازدحام الناس حول البـيت، وكان لا طواف يجوز خارج الـمسجد، كان معلوما بذلك أن يكون ما حول الكعبة من داخـل الـمسجد، وأن ما كان خارج الـمسجد فمكة لا بكة¹ لأنه لا معنى خارجه يوجب علـى الناس التبـاكّ فـيه. وإذا كان ذلك كذلك كان بـيّنا بذلك فساد قول من قال بكة: اسم لبطن مكة، ومكة: اسم للـحرم. ذكر من قال فـي ذلك ما قلنا، من أن بكة فـي موضع مزدحم الناس للطواف: ٥٩٩٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك الغفـاري فـي قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} قال: بكة: موضع البـيت، ومكة: ما سوى ذلك. ٦٠٠٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم مثله. ٦٠٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن أبـي جعفر، قال: مرّت امرأة بـين يدي رجل وهو يصلـي، وهي تطوف بـالبـيت، فدفعها. قال أبو جعفر: إنها بكة يبكّ بعضها بعضا. ٦٠٠٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا سلـمة، عن مـجاهد، قال: إنـما سميت بكّة، لأن الناس يتبـاكّون فـيها، الرجال والنساء. ٦٠٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حماد، عن سعيد، قال: قلت أيّ شيء سميت بكة؟ قال: لأنهم يتبـاكّون فـيها، قال: يعنـي يتزاحمون. ٦٠٠٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن الأسود بن قـيس، عن أخيه، عن ابن الزبـير، قال: إنـما سميت بكة لأنهم يأتونها حجاجا. ٦٠٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ مُبـارَكا} فإن اللّه بكّ به الناس جميعا، فـيصلـي النساء قدّام الرجال، ولا يصلـح ببلد غيره. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (بكة): بكّ الناسُ بعضهم بعضا، الرجال والنساء يصلـي بعضهم بـين يدي بعض، لا يصلـح ذلك إلا بـمكة. ٦٠٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي، قال: (بكة): موضع البـيت، و (مكة): ما حولها. ٦٠٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يحيـى بن أزهر، عن غالب بن عبـيد اللّه أنه سأل ابن شهاب عن بكة قال: (بكة) البـيت والـمسجد. وسأله عن مكة. فقال ابن شهاب: (مكة): الـحرم كله. ٦٠٠٨ـ حدثنا الـحسين قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج. عن عطاء ومـجاهد، قالا (بكة): بكّ فـيها الرجال والنساء. ٦٠٠٩ـ حدثنـي عبد الـجبـار بن يحيـى الرملـي قال: قال ضمرة بن ربـيعة: (بكة): الـمسجد. و(مكة): البـيوت وقال بعضهم بـما: ٦٠١٠ـ حدثنـي به يحيـى بن أبـي طالب قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {إنّ أوّلَ بَـيْتٍ وُضِعَ للنّاسِ للّذِي بِبكّةَ} قال: هي مكة. وقـيـل: {مُبـارَكا} لأن الطواف به مغفرة للذنوب، فأما نصب قوله: {مُبَـاركا} فإنه علـى الـخروج من قوله: {وُضِعَ}¹ لأن فـي (وضع) ذكرا من البـيت هو به مشغول وهو معرفة، و (مبـارك) نكرة لا يصلـح أن يتبعه فـي الإعرابوأما علـى قول من قال: هو أول بـيت وضع للناس علـى ما ذكرنا فـي ذلك قول من ذكرنا قوله، فإنه نصب علـى الـحال من قوله: {للّذِي بِبكّةَ}¹ لأن معنى الكلام علـى قولهم: إن أوّل بـيت وضع للناس، البـيت ببكة مبـاركا. فـالبـيت عندهم من صفته (الذي ببكة)، و (الذي) بصلته معرفة، و (الـمبـارك) نكرة¹ فنصب علـى القطع منه فـي قول بعضهم. وعلـى الـحال فـي قول بعضهم. و (هدى) فـي موضع نصب علـى العطف علـى قوله (مبـاركا). |
﴿ ٩٦ ﴾