١٠٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }

اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بذلك،

فقال بعضهم: عنى بقوله: {يا أيّها الّذِين آمَنُوا} الأوس والـخزرج، وبـالذين أوتوا الكتاب: شاس بن قـيس الـيهودي، علـى ما قد ذكرنا قبل من خبره عن زيد بن أسلـم.

وقال آخرون: فـيـمن عُنـي بـالذين آمنوا، مثل قول زيد بن أسلـم، غير أنهم

قالوا: الذي جرى الكلام بـينه وبـين غيره من الأنصار حتـى هموا بـالقتال ووجدوا الـيهودي به مغمزا فـيهم ثعلبة بن عنـمة الأنصاري. ذكر من قال ذلك:

٦٠٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إيـمانِكُمْ كافِرِينَ} قال: نزلت فـي ثعلبة بن عنـمة الأنصاري، كان بـينه وبـين أناس من الأنصار كلام، فمشى بـينهم يهودي من قـينقاع، فحمل بَعْضَهُم علـى بعضٍ حتـى همت الطائفتان من الأوس والـخزرج أن يحملوا السلاح فـيقاتلوا، فأنزل اللّه عز وجل: {إنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إيـمانِكُمْ كافِرِينَ}

يقول: إن حملتـم السلاح فـاقتتلتـم كفرتـم.

٦٠٧٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان، عن حميد الأعرج عن مـجاهد فـي قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتَابَ} قال: كان جماع قبـائل الأنصار بطنـين الأوس والـخزرج، وكان بـينهما فـي الـجاهلـية حرب ودماء وشنآن، حتـى منّ اللّه علـيهم بـالإسلام وبـالنبـي صلى اللّه عليه وسلم، فأطفأ اللّه الـحرب التـي كانت بـينهم، وألّف بـينهم بـالإسلام قال: فبـينا رجل من الأوس ورجل من الـخزرج قاعدان يتـحدثان، ومعهما يهودي جالس، فلـم يزل يذكّرهما أيامهما والعداوة التـي كانت بـينهم، حتـى استبّـا، ثم اقتتلا

قال: فنادى هذا قومه، وهذا قومه، فخرجوا بـالسلاح، وصفّ بعضهم لبعض

قال: ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شاهد يومئذ بـالـمدينة، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلـم يزل يـمشي بـينهم إلـى هؤلاء وإلـى هؤلاء لـيسكنهم، حتـى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنزل اللّه عزّ وجلّ القرآن فـي ذلك: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتَابَ} إلـى قوله: {عَذَابٌ عَظِيـمٌ}.

فتأويـل الاَية: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم من عند اللّه ، إن تطيعوا جماعة مـمن ينتـحل الكتاب من أهل التوراة والإنـجيـل، فتقلبوا منهم ما يأمرونكم به، يضلوكم فـيردّوكم بعد تصديقكم رسول ربكم وبعد إقراركم بـما جاء به من عند ربكم كافرين¹

يقول: جاحدين لـما قد آمنتـم به وصدّقتـموه من الـحقّ الذي جاءكم من عند ربكم. فنهاهم جل ثناؤه أن ينتصحوهم، ويقبلوا منهم رأيا أو مشورة، ويعلـمهم تعالـى ذكره أنهم لهم منطوون علـى غلّ وغشّ وحسد وبغض. كما:

٦٠٧٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تُطِيعُوا فَرِيقا مِنَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إيـمانِكُمْ كافِرِينَ}: قد تقدّم اللّه إلـيكم فـيهم كما تسمعون، وحذركم وأنبأكم يضلالتهم، فلا تأمنوهم علـى دينكم ولا تنصحوهم علـى أنفسكم، فإنهم الأعداء الـحسدة الضلال. كيف تأتـمنون قوما كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتـحيروا فـي دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك واللّه هم أهل التهمة والعداوة!

٦٠٧٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

﴿ ١٠٠