١٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّه ...}

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وكيف تكفرون أيها الـمؤمنون بعد إيـمانكم بـاللّه وبرسوله، فترتدوا علـى أعقابكم {وأنْتُـمْ تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ آياتُ اللّه } يعنـي: حجج اللّه علـيكم التـي أنزلها فـي كتابه علـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. {وفِـيكُمْ رَسُولُهُ} حجة أخرى علـيكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلـى الـحقّ، ويبصركم الهدى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال يقول لهم تعالـى ذكره: فما وجه عذركم عند ربكم فـي جحودكم نبوّة نبـيكم، وارتدادكم علـى أعقابكم، ورجوعكم إلـى أمر جاهلـيتكم، إن أنتـم راجعتـم ذلك وكفرتـم، وفـيه هذه الـحجج الواضحة، والاَيات البـينة، علـى خطأ فعلكم ذلك إن فعلتـموه. كما:

٦٠٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُـمْ تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ آياتُ اللّه }.. الاَية، علـمان بـينان: وُجْدَانُ نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكتاب اللّه ¹ فأما نبـيّ اللّه فمضى صلى اللّه عليه وسلم¹ وأما كتاب اللّه ، فأبقاه اللّه بـين أظهركم رحمة من اللّه ونعمة، فـيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.

وأما قوله: {مَنْ يَعْتَصِمْ بـاللّه فَقَدْ هُدِيَ إلَـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ} فإنه يعنـي: ومن يتعلق بأسبـاب اللّه ، ويتـمسك بدينه وطاعته، {فَقَدْ هُدِيَ}

يقول: فقد وفق لطريق واضح ومـحجة مستقـيـمة غير معوجة، فـيستقـيـم به إلـى رضا اللّه وإلـى النـجاة من عذاب اللّه والفوز بجنته. كما:

٦٠٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بـاللّه فَقَدْ هُدِيَ} قال: يؤمن بـالله.

وأصل العصم: الـمنع، فكل مانع شيئا فهو عاصمه، والـمـمتنع به معتصم به، ومنه قول الفرزدق:

أنا ابْنُ العاصِمينَ بنـي تَـمِيـمٍإذَا ما أعْظَمُ الـحدَثانِ نابَـا

ولذلك قـيـل للـحبل: عصام، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلـى حاجته: عصام، ومنه قول الأعشى:

إلـى الـمَرْءِ قَـيْسٍ أُطِيـلُ السّرىوآخُذُ مِنْ كُلّ حَيّ عُصُمْ

يعنـي بـالعُصُم: الأسبـاب، أسبـاب الذمة والأمان، يقال منه: اعتصمت بحبل من فلان، واعتصمت حبلاً منه، واعتصمت به واعتصمه. وأفصح اللغتـين: إدخال البـاء، كما قال عزّ وجلّ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعا} وقد جاء (اعتصمته)، كما قال الشاعر:

إذَا أنْتَ جازَيْتَ الإخاءَ بِـمِثْلِهِوَآسَيْتَنِـي ثُمّ اعْتَصَمْتُ حبِـالِـيا

فقال: (اعتصمت حبـالـيا)، ولـم يدخـل البـاء، وذلك نظير قولهم: تناولت الـخطام وتناولت بـالـخطام، وتعلقت به وتعلقته، كما قال الشاعر:

تَعَلّقْتَ هِنْدا ناشِئا ذَاتَ مِئْزَرٍوأنتَ وَقد فـارَقْتَ لـمْ تَدْرِ ما الـحِلْـمُ

وقد بـينت معنى الهدى والصراط وأنه معنّـي به الإسلام فـيـما مضى قبل بشواهده، فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.

وقد ذكر أن الذي نزل فـي سبب تَـحَاوُرْ القبـيـلتـين الأوس والـخزرج، كان منه قوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُـمْ تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ آياتُ اللّه }. ذكر من قال ذلك:

٦٠٨٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن بن عطية، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن الأغرّ بن الصبـاح، عن خـلـيفة بن حصين، عن أبـي نصر، عن ابن عبـاس ، قال: كانت الأوس والـخزرج بـينهم حرب فـي الـجاهلـية كل شهر، فبـينـما هم جلوس إذ ذكروا ما كان بـينهم حتـى غضبوا، فقام بعضهم إلـى بعض بـالسلاح، فنزلت هذه الاَية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وأنْتُـمْ تُتْلَـى عَلَـيْكُمْ آياتُ اللّه وَفِـيكُمْ رَسُولُه}.. إلـى آخر الاَيتـين، {واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ كُنْتُـمْ أعْدَاءً}.. إلـى آخر الاَية.

﴿ ١٠١