١١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ ...}

اختلف أهل التأويـل فـي قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرا أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}

فقال بعضهم: هم الذين هاجروا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، من مكة إلـى الـمدينة، وخاصة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٦١٣٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال فـي: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: هم الذين خرجوا معه من مكة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، عن قـيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: هم الذين هاجروا من مكة إلـى الـمدينة.

٦١٣٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ تَأْمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكِرِ} قال عمر بن الـخطاب: لو شاء اللّه لقال (أنتـم)، فكنا كلنا، ولكن قال: {كُنْتُـمْ} فـي خاصة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومن صنع مثل صنـيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بـالـمعروف، وينهون عن الـمنكر.

٦١٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: قال عكرمة: نزلت فـي ابن مسعود، وسالـم مولـى أبـي حذيفة، وأبـيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل.

٦١٣٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، عن إسرائيـل، عن السديّ، عمن حدثه، قال عمر: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لاَخرنا.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: هم الذين هاجروا مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة.

٦١٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي حجة حجها: ورأى من الناس رِعَة سيئة، فقرأ هذه: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}.. الاَية، ثم قال: يا أيها الناس، من سره أن يكون من تلك الأمة، فلـيؤدّ شرط اللّه منها.

٦١٤١ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاصة، يعنـي وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر اللّه الـمسلـمين بطاعتهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: كنتـم خير أمة أخرجت للناس، إذ كنتـم بهذه الشروط التـي وصفهم جل ثناؤه بها. فكان تأويـل ذلك عندهم: كنتـم خير أمة تأمرون بـالـمعروف، وتنهون عن الـمنكر، وتؤمنون بـاللّه أُخرِجوا للناس فـي زمانكم. ذكر من قال ذلك:

٦١٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}

يقول: علـى هذا الشرط أن تأمروا بـالـمعروف، وتنهوا عن الـمنكر، وتؤمنوا بـالله،

يقول: لـمن أنتـم بـين ظهرانـيه، كقوله: {وَلَقَدْ اخْتَرْناهُمْ عَلـى عِلْـمٍ عَلـى العالَـمِينَ}.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال:

يقول: كنتـم خير الناس للناس، علـى هذا الشرط، أن تأمروا بـالـمعروف، وتنهوا عن الـمنكر، وتؤمنوا بـالله، يقول لـمن بـين ظهريه كقوله: {وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلـى عِلْـمٍ عَلـى العالَـمِينَ}.

٦١٤٣ـ وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ميسرة، عن أبـي حازم، عن أبـي هريرة: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: كنتـم خير الناس للناس، تـجيئون بهم فـي السلاسل، تدخـلونهم فـي الإسلام.

٦١٤٤ـ حدثنا عبـيد بن أسبـاط، قال: حدثنا أبـي، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية فـي قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: خير الناس للناس.

وقال آخرون: إنـما

قـيـل: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} لأنهم أكثر الأمـم استـجابة للإسلام. ذكر من قال ذلك:

٦١٤٥ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ تَأمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكَرِ} قال: لـم تكن أمة أكثر استـجابة فـي الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}.

وقال بعضهم: عنى بذلك أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس. ذكر من قال ذلك:

٦١٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، عن عبـاد، عن الـحسن فـي قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ تَأْمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكَرِ} قال: قد كان ما تسمع من الـخير فـي هذه الأمة:

٦١٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعد عن قتادة قال: كان الـحسن

يقول: نـحن آخرها وأكرمها علـى اللّه .

قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الاَية ما قال الـحسن، وذلك أن:

٦١٤٨ـ يعقوب بن إبراهيـم حدثنـي قال: حدثنا ابن علـية، عن بهز بن حكيـم، عن أبـيه، عن جده، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (ألا إنّكُمْ وَفّـيْتُـمْ سَبْعِينَ أُمّةً أنْتُـمْ آخِرُها وأكْرَمُها علـى اللّه ).

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن بهز بن حكيـم، عن أبـيه، عن جده، أنه سمع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول فـي قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ} قال: (أنْتُـمْ تُتِـمّونَ سَبْعِينَ أُمّةً أنْتُـمْ خَيْرُها وأكْرَمُها علـى اللّه ).

٦١٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ذات يوم، وهو مسند ظهره إلـى الكعبة: (نَـحْنُ نُكَمّلُ يَوْمَ القِـيامَةِ سَبْعينَ أُمّةً نَـحْنُ آخرُها وخَيْرُها).

وأما قوله: {تَأْمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ} فإنه يعنـي: تأمرون بـالإيـمان بـاللّه ورسوله، والعمل بشرائعه، {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكَر} يعنـي: وتنهون عن الشرك بـالله، وتكذيب رسوله، وعن العمل بـما نهى عنه. كما:

٦١٥٠ـ حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ}

يقول: تأمرونهم بـالـمعروف أن يشهدوا أن لا إله إلا اللّه ، والإقرار بـما أنزل اللّه ، وتقاتلونهم علـيه، ولا إله إلا اللّه هو أعظم الـمعروف، وتنهونهم عن الـمنكر والـمنكر: هو التكذيب، وهو أنكر الـمنكر.

وأصل الـمعروف: كل ما كان معروفـا ففعله جميـل مستـحسن غير مستقبح فـي أهل الإيـمان بـالله. وإنـما سميت طاعة اللّه معروفـا، لأنه مـما يعرفه أهل الإيـمان ولا يستنكرون فعله. وأصل الـمنكر ما أنكره اللّه ، ورأوه قبـيحا فعله، ولذلك سميت معصية اللّه منكرا، لأن أهل الإيـمان بـاللّه يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبهاوقوله: {وَتؤْمِنُونَ بـاللّه } يعنـي: تصدّقون بـالله، فتـخـلصون له التوحيد والعبـادة.

فإن سأل سائل فقال: وكيف

قـيـل: {كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ} وقد زعمت أن تأويـل الاَية أن هذه الأمة خير الأمـم التـي مضت، وإنـما يقال: كنتـم خير أمة، لقوم كانوا خيارا فتغيروا عما كانوا علـيه؟

قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: أنتـم خير أمة، كما

قـيـل: {وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ} وقد قال فـي موضع آخر: {وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُـمْ قَلِـيلاً فَكَثّرَكُمْ} فإدخال (كان) فـي مثل هذا وإسقاطها بـمعنى واحد، لأن الكلام معروف معناه. ولو قال أيضا فـي ذلك قائل: كنتـم بـمعنى التـمام، كان تأويـله: خـلقتـم خير أمة، أو وجدتـم خير أمة، كان معنى صحيحا، وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى ذلك: كنتـم خير أمة عند اللّه فـي اللوح الـمـحفوظ أخرجت للناس، والقولان الأوّلان اللذان قلنا، أشبه بـمعنى الـخبر الذي رويناه قبل.

وقال آخرون معنى ذلك: كنتـم خير أهل طريقة، وقال: الأمة: الطريقة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْرا لَهْمُ مِنْهُمُ الـمُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُم الفـاسِقونَ}.

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ولو صدّق أهل التوراة والإنـجيـل من الـيهود والنصارى بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وما جاءهم به من عند اللّه ، لكان خيرا لهم عند اللّه فـي عاجل دنـياهم، وآجل آخرتهم. {مِنْهُمُ الـمُؤْمِنُونَ} يعنـي من أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، الـمؤمنون الـمصدّقون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما جاءهم به من عند اللّه ، وهم عبد اللّه بن سلام، وأخوه، وثعلبة بن سَعْيَة وأخوه، وأشبـاههم مـمن آمنوا بـالله، وصدّقوا برسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، واتبعوا ما جاءهم به من عند اللّه . {وأكْثَرُهُمُ الفـاسِقُونَ} يعنـي: الـخارجون عن دينهم، وذلك أن من دين الـيهود اتبـاع ما فـي التوراة، والتصديق بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ومن دين النصارى اتبـاع ما فـي الإنـجيـل، والتصديق به وبـما فـي التوراة، وفـي كلا الكتابـين صفة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ونعته، ومبعثه، وأنه نبـيّ اللّه ، وكلتا الفرقتـين، أعنـي الـيهود والنصارى مكذبة، فذلك فسقهم وخروجهم عن دينهم الذي يدّعون أنهم يدينون به الذي قال جل ثناؤه {وأكْثَرُهُمُ الفـاسِقُونَ}

وقال قتادة بـما:

٦١٥١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {مِنْهُمُ الـمُؤمِنونَ وأكْثَرُهُمُ الفـاسِقُونَ}: ذمّ اللّه أكثر الناس.

﴿ ١١٠