١١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

اختلف القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} جميعا، ردّا علـى صفة القوم الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم يأمرون بـالـمعروف وينهون عن الـمنكر. وقرأته عامة قراء الـمدينة والـحجاز وبعض قراء الكوفة بـالتاء فـي الـحرفـين جميعا: {وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفُرُوهُ} بـمعنى: وما تفعلوا أنتـم أيها الـمؤمنون من خير فلن يكفركموه ربكم. وكان بعض قراء البصرة يرى القراءتـين فـي ذلك جائزا بـالـياء والتاء فـي الـحرفـين.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا: {وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} بـالـياء فـي الـحرفـين كلـيهما، يعنـي بذلك الـخبر عن الأمة القائمة، التالـية آيات اللّه . وإنـما اخترنا ذلك، لأن ما قبل هذه الاَية من الاَيات خبر عنهم، فإلـحاق هذه الاَية إذ كان لا دلالة فـيها تدلّ علـى الانصراف عن صفتهم بـمعانـي الاَيات قبلها أولـى من صرفها عن معانـي ما قبلها. وبـالذي اخترنا من القراءة كان ابن عبـاس يقرأ.

٦١٨٦ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن أبـي عمرو بن العلاء، قال: بلغنـي عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها جميعا بـالـياء.

فتأويـل الاَية إذًا علـى ما اخترنا من القراءة: وما تفعل هذه الأمة من خير، وتعمل من عمل لله فـيه رضا فلن يكفرهم اللّه ذلك¹ يعنـي بذلك: فلن يبطل اللّه ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم علـيه، ولكنه يجزل لهم الثواب علـيه، ويُسنـي لهم الكرامة والـجزاء.

وقد دللنا علـى معنى الكفر مضى قبل بشواهده، وأن أصله تغطية الشيء، فكذلك ذلك فـي قوله: {فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}: فلن يغطي علـى ما فعلوا من خير، فـيتركوا بغير مـجازاة، ولكنهم يشكرون علـى ما فعلوا من ذلك، فـيجزل لهم الثواب فـيه.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك من التأويـل تأوّل ذلك من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٦١٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ)

يقول: لن يضلّ عنكم.

٦١٨٨ـ حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، بـمثله.

وأما قوله: {وَاللّه عَلـيـمٌ بـالـمُتّقِـينَ} فإنه

يقول تعالـى ذكره: واللّه ذو علـم بـمن اتقاه بطاعته، واجتناب معاصيه، وحافظ أعمالهم الصالـحة حتـى يثـيبهم علـيها، ويجازيهم بها. تبشيرا منه لهم جلّ ذكره فـي عاجل الدنـيا، وحضّا لهم علـى التـمسك بـالذي هم علـيه من صالـح الأخلاق التـي ارتضاها لهم.

﴿ ١١٥