١٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُواْ اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإن تصبروا وتتقوا، لا يضرّكم كيدهم شيئا، وينصركم ربكم، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بَبدْرٍ} علـى أعدائكم {وأَنْتُـمْ} يومئذٍ {أذِلّةٌ} يعنـي قلـيـلون، فـي غير منعة من الناس، حتـى أظهركم اللّه علـى عدوّكم مع كثرة عددهم، وقلة عددكم، وأنتـم الـيوم أكثر عددا منكم حينئذٍ، فإن تصبروا لأمر اللّه ينصركم كما نصركم ذلك الـيوم {فـاتّقُوا اللّه }

يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا ربكم بطاعته واجتناب مـحارمه {لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ}

يقول: لتشكروه علـى ما منّ به علـيكم من النصر علـى أعدائكم، وإظهار دينكم، ولـما هداكم له من الـحقّ الذي ضلّ عنه مخالفوكم. كما:

٦٢٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {ولَقَدْ نَصَركُمْ اللّه بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ}

يقول: وأنتـم أقلّ عددا، وأضعف قوّة. {فـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي فـاتقون، فإنه شكر نعمتـي.

واختلف فـي الـمعنى الذي من أجله سمي بدر بدرا،

فقال بعضهم: سمي بذلك لأنه كان ماء لرجل يسمى بدرا، فسمي بـاسم صاحبه. ذكر من قال ذلك:

٦٢٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن زكريا، عن الشعبـي، قال: كانت بدر لرجل يقال له بدر، فسميت به.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبـي أنه قال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بِبَدْرٍ} قال: كانت بدر بئرا لرجل يقال له بدر، فسميت به.

وأنكر ذلك آخرون و

قالوا: ذلك اسم سميت به البقعة كما سمي سائر البلدان بأسمائها ذكر من قال ذلك:

٦٢٥٤ـ حدثنا الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا مـحمد بن عمر الواقدي، قال: حدثنا منصور، عن أبـي الأسود، عن زكريا، عن الشعبـي، قال: إنـما سمي بدرا لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له بدر

وقال الـحرث: قال ابن سعد: قال الواقدي: فذكرت ذلك لعبد اللّه بن جعفر ومـحمد بن صالـح، فأنكراه، وقالا: فلأيّ شيء سميت الصفراء؟ ولأيّ شيء سميت الـحمراء؟ ولأيّ شيء سمي رابغ؟ هذا لـيس بشيء، إنـما هو اسم الـموضع

قال: وذكرت ذلك لـيحيـى بن النعمان الغفـاري،

فقال: سمعت شيوخنا من بنـي غفـار يقولون: هو ماؤنا ومنزلنا، وما ملكه أحد قط يقال له بدر، وما هو من بلاد جهينة إنـما هي بلاد غفـار. قال الواقدي: فهذا الـمعروف عندنا.

٦٢٥٥ـ حُدثت عن الـحسن بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: بدر ماء عن يـمين طريق مكة بـين مكة والـمدينة.

وأما قوله: {أذِلّةٌ} فإنه جمع ذلـيـل، كما الأعزّة جمع عزيز، والألبّة جمع لبـيب. وإنـما سماهم اللّه عزّ وجلّ أذلة لقلة عددهم، لأنهم كانوا ثلثمائة نفس وبضعة عشر، وعدوّهم ما بـين التسعمائة إلـى الألف، علـى ما قد بـينا فـيـما مضى، فجعلهم لقلة عددهم أذلة.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك،

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٦٢٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ فـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} وبدر: ماء بـين مكة والـمدينة، التقـى علـيه نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمشركون، وكان أوّل قتال قاتله نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذٍ: (أنْتُـمْ الـيَوْمَ بعدّةِ أصحَابِ طالُوتَ يَوْمَ لَقِـيَ جالُوتَ): فكانُوا ثَلَثَمِائةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَالـمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ ألْفٌ أوْ رَاهَقُوا ذَلِكَ.

٦٢٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر، عن عبـاد، عن الـحسن فـي قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ فـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال:

يقول: وأنتـم أذلة قلـيـل، وهم يومئذٍ بضعة عشر وثلثمائة.

٦٢٥٨ـ حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، نـحو قول قتادة.

٦٢٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بِبَدْرٍ وأنْتُـمْ أذِلّةٌ} أقلّ عددا وأضعف قوّة.

وأما قوله: {فـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُم تَشْكُرُونَ} فإن تأويـله كالذي قد بـينت كما:

٦٢٦٠ـ حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {فَـاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ}: أي فـاتقونـي، فإنه شكر نعمي.

﴿ ١٢٣