١٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ }

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: لـيقطع طرفـا من الذين كفروا أو يكبتهم، أو يتوب علـيهم، أو يعذبهم، فإنهم ظالـمون، لـيس لك من الأمر شيء، فقوله: {أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ} منصوب عطفـا علـى قوله: {أوْ يَكْبِتَهُمْ}. وقد يحتـمل أن يكون تأويـله: لـيس لك من الأمر شيء حتـى يتوب علـيهم، فـيكون نصب (يتوب) بـمعنى (أو) التـي هي فـي معنى (حتـى). والقول الأول أولـى بـالصواب، لأنه لا شيء من أمر الـخـلق إلـى أحد سوى خالقهم قبل توبة الكفـار وعقابهم وبعد ذلك.

وتأويـل قوله: {لَـيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}: لـيس إلـيك يا مـحمد من أمر خـلقـي إلا أن تنفذ فـيهم أمري، وتنتهي فـيهم إلـى طاعتـي، وإنـما أمرهم إلـيّ والقضاء فـيهم بـيدي دون غيري أقضي فـيهم، وأحكم بـالذي أشاء من التوبة علـى من كفر بـي وعصانـي، وخالف أمري، أو العذاب إما فـي عاجل الدنـيا بـالقتل والنقم الـمبـيرة، وإما فـي آجل الاَخرة بـما أعددت لأهل الكفر بـي. كما:

حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم قال لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}: أي لـيس لك من الـحكم فـي شيء فـي عبـادي إلا ما أمرتك به فـيهم، أو أتوب علـيهم برحمتـي، فإن شئت فعلت. أو أعذبهم بذنوبهم، {فإنّهُمْ ظَالِـمُونَ} أي قد استـحقوا ذلك بـمعصيتهم إياي.

وذكر أن اللّه عزّ وجلّ إنـما أنزل هذه الاَية علـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، لأنه لـما أصابه بأحد ما أصابه من الـمشركين، قال كالاَيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلـى الـحقّ: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بنبّـيهم). ذكر الرواية بذلك.

٦٣١٥ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا حميد، قال: قال أنس: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد، وكسرت ربـاعيته، وشجّ، فجعل يـمسح عن وجهه الدم و

يقول: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا نَبِـيّهُمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى رَبّهِمْ؟) فأنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن حميد الطويـل، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

حدثنـي يحيـى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد الطويـل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين شجّ فـي جبهته، وكسرت ربـاعيته: (لا يُفْلِـحُ قَوْمٌ صَنَعُوا هَذَا بِنَبِـيّهِمْ) فأوحى اللّه إلـيه: {لَـيْس لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيّءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِم أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

٦٣١٦ـ حدثنـي يعقوب عن ابن علـية، قال: حدثنا ابن عون، عن الـحسن أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال يوم أُحد: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ أدْمَوْا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّه عَزّ وَجَلّ) فنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن حميد، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحو ذلك.

٦٣١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} ذكر لنا أن هذه الاَية أنزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أُحد، وقد جرح نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي وجهه، وأصيب بعض ربـاعيته، فقال وسالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل عن وجهه الدم: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى رَبّهِمْ) فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيـى بن واضح،، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن مطر، عن قتادة، قال: أصيب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم أُحد وكسرت ربـاعيته، وفرق حاجبه، فوقع وعلـيه درعان والدم يسيـل، فمرّ به سالـم مولـى أبـي حذيفة، فأجلسه، ومسح عن وجهه، فأفـاق وهو

يقول: (كَيْفَ بِقَوْمٍ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّه ) فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

٦٣١٨ـ حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}.. الاَية، قال: قال الربـيع بن أنس، أنزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أُحد وقد شجّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي وجهه، وأصيبت ربـاعيته، فهمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو علـيهم،

فقال: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ أدْمَوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّه وَهُمْ يَدْعُونَهُ إلـى الشّيْطانِ وَيَدْعُوهُمْ إلـى الهُدَى وَيَدْعُونَهُ إلـى الضّلالَةِ، ويَدْعُوهُمْ إلـى الـجَنّةِ وَيَدْعُونَهُ إلـى النّارِ) فهمّ أن يدعو علـيهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} فكفّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الدعاء علـيهم.

حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا عبـاد، عن الـحسن فـي قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ}.. الاَية كلها،

فقال: جاء أبو سفـيان من الـحول غضبـان لـما صنع بأصحابه يوم بدر، فقاتل أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم يوم أُحد قتالاً شديدا، حتـى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلـمة علـم اللّه أنها قد خالطت غضبـا: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى الإسْلامِ) فقال اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: أن ربـاعية النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أصيبت يوم أُحد، أصابها عتبة بن أبـي وقاص، وشجّه فـي وجهه، وكان سالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الدم، والنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ صَنَعُوا بِنَبِـيّهِمْ هَذَا) فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

٦٣١٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، وعن عثمان الـجزري، عن مقسم: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم دعا علـى عتبة بن أبـي وقاص يوم أحد حين كسر بـاعيته، ووثأ وجهه،

فقال: (اللّه مّ لا تُـحِلْ عَلَـيْهِ الـحَوْلَ حتـى يَـمُوتَ كافِرا!) قال: فما حال علـيه الـحول حتـى مات كافرا.

٦٣٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال:

قال ابن عبـاس : شجّ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي فرق حاجبه، وكسرت ربـاعيته. قال ابن جريج: ذكر لنا أنه لـما جرح، جعل سالـم مولـى أبـي حذيفة يغسل الدم عن وجهه، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (كَيْفَ يُفْلِـحُ قَوْمٌ خَضّبُوا وَجْهَ نَبِـيّهِمْ بـالدّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلـى اللّه ؟). فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، لأنه دعا علـى قوم، فأنزل اللّه عزّ وجل: لـيس الأمر إلـيك فـيهم. ذكر من الرواية بذلك:

٦٣٢١ـ حدثنـي يحيـى بن حبـيب بن عربـي، قال: حدثنا خالد بن الـحرث، قال: حدثنا مـحمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كان يدعو علـى أربعة نفر، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ} قال: وهداهم اللّه للإسلام.

٦٣٢٢ـ حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة، قال: حدثنا أحمد بن سفـيان، عن عمر بن حمزة، عن سالـم، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اللّه مّ الْعَنْ أبـا سُفْـيانَ! اللّه مّ الْعَنِ الـحَارِثَ ابْنَ هِشامٍ! اللّه مّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ!) فنزلت: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

٦٣٢٣ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مـحمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الـحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبـي ربـيعة، عن عبد اللّه بن كعب، عن أبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام، قال: صلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلـما رفع رأسه من الركعة الثانـية، قال: (اللّه مّ أنْـجٍ عَيّاشَ بْنَ أبـي رَبِـيعَةَ وَسَلْـمَةَ بْنَ هِشامٍ وَالَولِـيدَ بْنَ الوَلِـيدِ، اللّه مّ أنْـجِ الـمُسْتَضْعفـينَ مِنَ الـمُسْلِـمينَ، اللّه مّ اشْدُدْ وَطأتَكَ علـى مُضَرَ، اللّه مّ سِنِـينَ كَسِنِـينَ آلِ يُوسَف!) فأنزل اللّه : {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِم}.. الاَية.

٦٣٢٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أخبره عن سعيد بن الـمسيب وأبـي سلـمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبـا هريرة

يقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول حين يفرغ فـي صلاة الفجر من القراءة، ويكبر ويرفع رأسه: (سَمِعَ اللّه لـمن حَمِدَهْ، رَبّنَا وَلَكَ الـحَمْدُ) ثم يقول وهو قائم: (الّلهُمّ أنْـجِ الولِـيدَ بْنَ الوَلِـيدِ وَسَلَـمَةَ بْنَ هِشامٍ وعَيّاشَ بْن أبـي رَبـيعَةَ والـمُسْتَضْعَفِـينَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ، اللّه مّ اشْدُدْ وَطأتَكَ علـى مُضرَ، وَاجْعَلْها عَلَـيْهِمْ كَسِنـي يُوسُفَ، اللّه مّ الْعَنِ لْـحْيانَ وَرعلاً وَذَكْوَانَ وعُصَيّةُ عَصَتِ اللّه وَرَسُولَهُ). ثم بلغنا أنه ترك ذلك لـما نزل قوله: {لَـيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَـيْهِمْ أوْ يُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ ظالِـمُونَ}.

﴿ ١٢٨