١٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىَ أحَدٍ ... } يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولقد عفـا عنكم أيها الـمؤمنون إذ لـم يستأصلكم، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم، وهربكم¹ {إذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلَـى أَحَدٍ}. واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه عامة قراء الـحجاز والعراق والشام سوى الـحسن البصري: {إذْ تُصْعِدُونَ} بضمّ التاء وكسر العين، وبه القراءة عندنا لإجماع الـحجة من القراء علـى القراءة به، واستنكارهم ما خالفه. ورُوي عن الـحسن البصري أنه كان يقرؤه: (إذْ تَصْعَدُونَ) بفتـح التاء والعين. ٦٥١٨ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن يونس بن عبـيد، عن الـحسن. فأما الذين قرءوا: {تُصْعِدُونَ} بضم التاء وكسر العين، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلـى أن القوم حين انهزموا عن عدوّهم أخذوا فـي الوادي هاربـين. وذكروا أن ذلك فـي قراءة أبـيّ: (إذْ تُصْعِدون فـي الوادي). ٦٥١٩ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبـيد، قال: حدثنا حجاج، عن هارون. قالوا: الهرب فـي مستوى الأرض، وبطون الأودية والشعاب، إصعاد لا صعود، قالوا وإنـما يكون الصعود علـى الـجبـال والسلالـيـم والدّرَج، لأن معنى الصعود: الارتقاء والارتفـاع علـى الشيء علوّا. قالوا: فأما الأخذ فـي مستوى الأرض الهبوط، فإنـما هو إصعاد، كما يقال: أصعدنا من مكة، إذا ابتدأت فـي السفر منها والـخروج، وأصعدنا من الكوفة إلـى خراسان، بـمعنى خرجنا منها سفرا إلـيها، وابتدأنا منها الـخروج إلـيها. قالوا: وإنـما جاء تأويـل أكثر أهل التأويـل بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوّهم فـي بطن الوادي. ذكر من قال ذلك: ٦٥٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَلا تَلْوُونَ علـى أحَدٍ} ذاكم يوم أُحد أصعدوا فـي الوادي فرارا، ونبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوهم فـي أخراهم، قال: (إلـيّ عِبـادَ اللّه ، إلـيّ عبـادَ اللّه ). وأما الـحسن فإنـي أراه ذهب فـي قراءته: (إذْ تَصْعَدُونَ) بفتـح التاء والعين إلـى أن القوم حين انهزموا عن الـمشركين صَعِدوا الـجبل. وقد قال ذلك عدد من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٦٥٢١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: لـما شدّ الـمشركون علـى الـمسلـمين بـأُحد فهزموهم، دخـل بعضهم الـمدينة، وانطلق بعضهم فوق الـجبل إلـى الصخرة، فقاموا علـيها، وجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو الناس: (إلـيّ عِبَـادَ اللّه ، إلـيّ عِبـادَ اللّه !) فذكر اللّه صعودهم علـى الـجبل، ثم ذكر دعاء نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم، فقال: {إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ علـى أحَدٍ والرّسُولُ يَدْعُوكُم فِـي أُخْرَاكُمْ}. ٦٥٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: انـحازوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فجعلوا يصعدون فـي الـجبل، والرسول يدعوهم فـي أخراهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٦٥٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، قوله: {إذْ تُصْعدُونَ وَلا تَلْوُونَ علـى أحَد} قال: صعدوا فـي أُحد فرارا. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أن أولـى القراءتـين بـالصواب قراءة من قرأ: {إذْ تُصْعِدُونَ} بضم التاء وكسر العين، بـمعنى السبق والهرب فـي مستوى الأرض، أو فـي الـمهابط، لإجماع الـحجة علـى أن ذلك هو القراءة الصحيحة. ففـي إجماعها علـى ذلك الدلـيـل الواضح علـى أن أولـى التأويـلـين بـالاَية تأويـل من قال: أصعدوا فـي الوادي، ومضوا فـيه، دون قول من قال: صعدوا علـى الـجبل. وأما قوله: {وَلا تَلْوْونَ علـى أحَدٍ} فإنه يعنـي: ولا تعطفون علـى أحد منكم، ولا يـلتفت بعضكم إلـى بعض هربـا من عدوّكم مصعدين فـي الوادي. ويعنـي بقوله: {وَالرّسُولُ يَدعُوكُمْ فِـي أُخْرَاكُمْ}: ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوكم أيها الـمؤمنون به من أصحابه فـي أخراكم، يعنـي أنه يناديكم من خـلفكم: (إلـيّ عِبـادَ اللّه ، إلـيّ عِبـادَ اللّه !). كما: ٦٥٢٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : {وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِـي أُخْرَاكُمْ}: إلـيّ عبـاد اللّه ارْجِعُوا، إلـيّ عِبَـاد اللّه ارْجِعُوا!. ٦٥٢٥ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِـي أُخْرَاكُمْ}: رأوا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوهم: إلـيّ عبـاد اللّه ! ٦٥٢٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، مثله. ٦٥٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أنّبهم اللّه بـالفرار عن نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم، وهو يدعوهم لا يعطفون علـيه لدعائه إياهم، فقال: {إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوونَ علـى أحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فـيِ أُخْرَاكُمْ}. ٦٥٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فـي أُخْرَاكُمْ} هذا يوم أُحد حين انكشف الناس عنه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ وَاللّه خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ}. يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ} يعنـي: فجازاكم بفراركم عن نبـيكم، وفشلكم عن عدوّكم، ومعصيتكم ربكم غما بغمّ، يقول: غمّا علـى غمّ. وسمى العقوبة التـي عاقبهم بها من تسلـيط عدوّهم علـيهم حتـى نال منهم ما نال ثوابـا، إذ كان ذلك من عملهم الذي سخطه ولـم يرضه منهم، فدلّ بذلك جل ثناؤه أن كل عوض كالـمعوّض من شيء من العمل، خيرا كان أو شرّا، أو العوض الذي بذله رجل لرجل أو يد سلفت له إلـيه، فإنه مستـحقّ اسم ثواب كان ذلك العوض تكرمة أو عقوبة، ونظير ذلك قول الشاعر: أخافُ زِيادا أنْ يَكُونَ عَطاؤُهُأدَاهِمَ سُودا أوْ مُـحَدْرَجةً سُمْرا فجعل العطاء العقوبة، وذلك كقول القائل لاَخر سلف إلـيه منه مكروه: لأجازينك علـى فعلك، ولأثـيبنك ثوابك. وأما قوله: {غَمّا بِغَمّ} فإنه قـيـل: غما بغمّ، معناه: غما علـى غم، كما قـيـل: {وَلأصَلّبَنّكُمْ فِـي جُذُوعِ النّـخْـلِ} بـمعنى: ولأصلبنكم علـى جذوع النـخـل. وإنـما جاز ذلك، لأن معنى قول القائل: أثابك اللّه غما علـى غمّ: جزاك اللّه غما بعد غمّ تقدّمه، فكان كذلك معنى: فأثابكم غما بغمّ، لأن معناه: فجزاكم اللّه غما بعقب غمّ تقدّمه، وهو نظير قول القائل: نزلت ببنـي فلان، ونزلت علـى بنـي فلان، وضربته بـالسيف، وعلـى السيف. واختلف أهل التأويـل فـي الغمّ الذي أثـيب القوم علـى الغمّ، وما كان غمهم الأوّل والثانـي، فقال بعضهم: أما الغمّ الأوّل، فكان ما تـحدّث به القوم أن نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم قد قُتِلوأما الغمّ الاَخر، فإنه كان ما نالهم من القتل والـجراح. ذكر من قال ذلك: ٦٥٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {فأثابَكُمْ غَمّا بغَمّ} كانوا تـحدثوا يومئذٍ أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصيب، وكان الغمّ الاَخر قتل أصحابهم والـجراحات التـي أصابتهم¹ قال: وذكر لنا أنه قتل يومئذٍ سبعون رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ستة وستون رجلاً من الأنصار، وأربعة من الـمهاجرينوقوله: {لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ} يقول: ما فـاتكم من غنـيـمة القوم، ولا ما أصابكم فـي أنفسكم من القتل والـجراحات. ٦٥٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ} قال: فرّة بعد فرّة، الأولـى: حين سمعوا الصوت أن مـحمدا قد قُتِل¹ والثانـية: حين رجع الكفـار فضربوهم مدبرين، حتـى قتلوا منهم سبعين رجلاً، ثم انـحازوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فجعلوا يصعدون فـي الـجبل، والرسول يدعوهم فـي أخراهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه. وقال آخرون: بل غمهم الأول كان قتل من قُتل منهم، وجرح من جُرح منهم¹ والغمّ الثانـي: كان من سماعهم صوت القائل: قُتل مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ٦٥٣١ـ حدثنا الـحسين بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {غَمّا بِغَمّ} قال: الغمّ الأول: الـجراح والقتل¹ والغمّ الثانـي: حين سمعوا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قُتل. فأنساهم الغمّ الاَخر ما أصابهم من الـجراح والقتل وما كانوا يرجون من الغنـيـمة، وذلك حين يقول: {لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ}. ٦٥٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمْ} قال: الغمّ الأوّل: الـجراح والقتل¹ والغمّ الاَخر: حين سمعوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قتل. فأنساهم الغمّ الاَخر ما أصابهم من الـجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنـيـمة، وذلك حين يقول اللّه : {لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ}. وقال آخرون: بل الغمّ الأوّل ما كان فـاتهم من الفتـح والغنـيـمة¹ والثانـي إشراف أبـي سفـيان علـيهم فـي الشعب. وذلك أن أبـا سفـيان فـيـما زعم بعض أهل السير لـما أصاب من الـمسلـمين ما أصاب، وهرب الـمسلـمون، جاء حتـى أشرف علـيهم وفـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي شعب أُحد الذي كانوا ولوا إلـيه عند الهزيـمة، فخافوا أن يصطلـمهم أبو سفـيان وأصحابه. ذكر الـخبر بذلك: ٦٥٣٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: انطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذٍ يدعو الناس حتـى انتهى إلـى أصحاب الصخرة، فلـما رأوه، وضع رجل سهما فـي قوسه، فأراد أن يرميه، فقال: (أنا رَسُولُ اللّه ) ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيا، وفرح رسول اللّه حين رأى أن فـي أصحابه من يـمتنع. فلـما اجتـمعوا وفـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين ذهب عنهم الـحزن، فأقبلوا يذكرون الفتـح وما فـاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا. فأقبل أبو سفـيان حتـى أشرف علـيهم¹ فلـما نظروا إلـيه، نسوا ذلك الذي كانوا علـيه، وهمّهم أبو سفـيان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـيْسَ لَهُمْ أنْ يَعْلُونا، اللّه مّ إنْ تُقْتَلْ هَذِهِ العِصَابَةُ لا تُعْبَدُ) ثم ندب أصحابه فرموهم بـالـحجارة حتـى أنزلوهم، فقال أبو سفـيان يومئذٍ: اعل هبل! حنظلة بحنظلة، ويوم بـيوم بدر. وقتلوا يومئذٍ حنظلة بن الراهب وكان جنبـا فغسلته الـملائكة، وكان حنظلة بن أبـي سفـيان قُتل يوم بدر¹ قال أبو سفـيان: لنا العزّى، ولا عزّى لكم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمر: (قُلِ اللّه مَوْلانا وَلا مَوْلـى لَكُمْ). فقال أبو سفـيان: فـيكم مـحمد؟ قالوا: نعم، قال: أما إنها قد كانت فـيكم مثلة، ما أمرت بها، ولا نهيت عنها، ولا سرّتنـي، ولا ساءتنـي. فذكر اللّه إشراف أبـي سفـيان علـيهم، فقال: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ} الغمّ الأوّل: ما فـاتهم من الغنـيـمة والفتـح¹ والغمّ الثانـي: إشراف العدوّ علـيهم، لكيلا تـحزنوا علـى ما فـاتكم من الغنـيـمة، ولا ما أصابكم من القتل حين تذكرون، فشغلهم أبو سفـيان. ٦٥٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي ابن شهاب الزهري، ومـحمد بن يحيـى بن حبـان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والـحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علـمائنا فـيـما ذكروا من حديث أُحد، قالوا: كان الـمسلـمون فـي ذلك الـيوم لـما أصابهم فـيه من شدّة البلاء أثلاثا: ثلث قتـيـل، وثلث جريح، وثلث منهزم، وقد بلغته الـحرب حتـى ما يدري ما يصنع، وحتـى خـلص العدو إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدُثّ بـالـحجارة حتـى وقع لشقه، وأصيبت ربـاعيته، وشُجّ فـي وجهه، وكلـمت شفته، وكان الذي أصابه عتبة بن أبـي وقاص. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه لواؤه حتـى قتل، وكان الذي أصابه ابن قميئة اللـيثـي، وهو يظن أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فرجع إلـى قريش فقال: قتلت مـحمدا. ٦٥٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: فكان أوّل من عرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد الهزيـمة، وقول الناس: قتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا ابن شهاب الزهري كعب بن مالك أخو بنـي سلـمة، قال: عرفت عينـيه تزهران تـحت الـمغفر، فناديت بأعلـى صوتـي: يا معشر الـمسلـمين أبشروا، هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم! فأشار إلـيّ رسول اللّه أن أنصت. فلـما عرف الـمسلـمون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهضوا به ونهض نـحو الشعب معه علـيّ بن أبـي طالب وأبو بكر بن أبـي قحافة وعمر بن الـخطاب، وطلـحة بن عبـيد اللّه ، والزبـير بن العوّام، والـحارث بن الصامت فـي رهط من الـمسلـمين قال: فبـينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الشعب ومعه أولئك النفر من أصحابه، إذ علت عالـية من قريش الـجبل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (اللّه مّ إنّهُ لا يَنْبَغِي لَهُمْ أن يَعْلُونا) فقاتل عمر بن الـخطاب ورهط معه من الـمهاجرين، حتـى أهبطوهم عن الـجبل. ونهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى صخرة من الـجبل لـيعلوها، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد بدّن، فظاهر بـين درعين، فلـما ذهب لـينهض، فلـم يستطع، جلس تـحته طلـحة بن عبـيد اللّه ، فنهض حتـى استوى علـيها ثم إن أبـا سفـيان حين أراد الانصراف، أشرف علـى الـجبل، ثم صرخ بأعلـى صوته أنعمت فعالِ، إن الـحرب سجال، يوم بـيوم بدر، أعل هبل! أي أظْهِرْ دينك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمر: (قُمْ فأجِبْهُ فَقُلْ: اللّه أعْلَـى وأجَلّ، لا سَوَاءٌ، قَتْلانا فـي الـجَنّةِ، وقَتْلاَكُمْ فِـي النّارِ) فلـما أجاب عمر رضي اللّه عنه أبـا سفـيان، قال له أبو سفـيان: هلـمّ إلـيّ يا عمر! فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ائْتِهِ فـانْظُرْ ما شأْنُهُ!) فجاءه فقال له أبو سفـيان: أنشدك اللّه يا عمر، أقتلنا مـحمدا؟ فقال عمر: اللهمّ لا، وإنه لـيسمع كلامك الاَن. فقال: أنا أصدق عندي من ابن قميئة، وأشار لقول ابن قميئة لهم: إنـي قتلت مـحمدا. ثم نادى أبو سفـيان، فقال: إنه قد كان فـي قتلاكم مثله، واللّه ما رضيت، ولا سخطت، ولا نهيت، ولا أمرت. ٦٥٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ}: أي كربا بعد كرب قتلُ من قُتل من إخوانكم، وعلوّ عدوّكم علـيكم، وما وقع فـي أنفسكم من قول من قال: قتل نبـيكم، فكان ذلك مـما تتابع علـيكم غما بغم، لكيلا تـحزنوا علـى ما فـاتكم من ظهوركم علـى عدوّكم بعد أن رأيتـموه بأعينكم، ولا ما أصابكم من قتل إخوانكم¹ حتـى فرّجت بذلك الكرب عنكم، واللّه خبـير بـما تعلـمون. وكان الذي فرّج عنهم ما كانوا فـيه من الكرب والغمّ الذي أصابهم أن اللّه عزّ وجلّ ردّ عنهم كذبة الشيطان بقتل نبـيهم، فلـما رأوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيّا بـين أظهرهم، هان علـيهم ما فـاتهم من القوم، فهان الظهور علـيهم والـمصيبة التـي أصابتهم فـي إخوانهم، حين صرف اللّه القتل عن نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم. ٦٥٣٧ـ حدثنا قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ} قال ابن جريج: قال مـجاهد: أصاب الناس حزن وغمّ علـى ما أصابهم فـي أصحابهم الذين قتلوا، فلـما تولـجوا فـي الشعب يتصافون وقـف أبو سفـيان وأصحابه ببـاب الشعب، فظنّ الـمؤمنون أنهم سوف يـميـلون علـيهم فـيقتلونهم أيضا، فأصابهم حزن فـي ذلك أيضا أنساهم حزنهم فـي أصحابهم، فذلك قوله: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ} قال ابن جريج: قوله: {علـى ما فـاتَكُمْ} يقول: علـى ما فـاتكم من غنائم القوم {ولا مَا أصَابَكُمُ} فـي أنفسكم. ٦٥٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن عبـيد بن عمير، قال: جاء أبو سفـيان بن حرب، ومن معه، حتـى وقـف بـالشعب، ثم نادى: أفـي القوم ابن أبـي كبشة؟ فسكتوا، فقال أبو سفـيان: قتل وربّ الكعبة، ثم قال: أفـي القوم ابن أبـي قحافة؟ فسكتوا، فقال: قتل وربّ الكعبة! ثم قال: أفـي القوم عمر بن الـخطاب؟ فسكتوا، فقال: قتل وربّ الكعبة! ثم قال أبو سفـيان: اعل هبل، يوم بـيوم بدر، وحنظلة بحنظلة، وأنتـم واجدون فـي القوم مُثلاً لـم يكن عن رأي سَراتنا وخيارنا، ولـم نكرهه حين رأيناه! فقال النبـي صلى اللّه عليه وسلم لعمر بن الـخطاب: (قُمْ فَنادِ فَقُلْ: اللّه أعْلَـى وأجَلّ، نعم هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا¹ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الـجنة، أصحاب الـجنة هم الفـائزون، قتلانا فـي الـجنة، وقتلاكم فـي النار). وقال آخرون فـي ذلك بـما: ٦٥٣٩ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {إذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ علـى أحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِـي أُخْرَاكُمْ} فرجعوا فقالوا: واللّه لنأتـينهم، ثم لنفتلنهم، قد خرجوا منا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَهْلاً فإنّـمَا أصَابَكُمْ الّذي أصَابَكُمْ مِنْ أجْلِ أنّكُمْ عَصَيْتُـمُونِـي). فبـينـما هم كذلك، إذ أتاهم القوم، قد أنسوا، وقد اخترطوا سيوفهم، فكان غمّ الهزيـمة وغمهم حين أتوهم¹ {لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ} من القتل {وَلا ما أصَابَكُمْ} من الـجراحة {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلا تَـحْزَنُوا}.. الاَية، وهو يوم أُحد. وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الاَية قول من قال: معنى قوله: {فَأثابَكُمْ غَمّا بِغَمّ} أيها الـمؤمنون بحرمان اللّه إياكم غنـيـمة الـمشركين، والظفر بهم، والنصر علـيهم، وما أصابكم من القتل والـجراح يومئذ بعد الذي كان قد أراكم فـي كل ذلك ما تـحبون بـمعصيتكم ربكم، وخلافكم أمر نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم، غمّ ظنكم أن نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم قد قتل، وميـل العدوّ علـيكم بعد فلولكم منهم. والذي يدلّ علـى أن ذلك أولـى بتأويـل الاَية مـما خالفه، قوله: {لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ} والفـائت لا شك أنه هو ما كانوا رجوا الوصول إلـيه من غيرهم، إما من ظهور علـيهم بغلبهم، وإما من غنـيـمة يحتازونها، وأن قوله: {وَلا ما أصَابَكُمْ} هو ما أصابهم إما فـي أبدانهم، وإما فـي إخوانهم. فإن كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الغمّ الثانـي هو معنى غير هذين، لأن اللّه عزّ وجلّ أخبر عبـاده الـمؤمنـين به من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنه ثابهم غما بغمّ، لئلا يحزنهم ما نالهم من الغمّ الناشىء عما فـاتهم من غيرهم، ولا ما أصابهم قبل ذلك فـي أنفسهم، وهو الغمّ الأول علـى ما قد بـيناه قبل. وأما قوله: { لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ} فإن تأويـله علـى ما قد بـينت من أنه لكيلا تـحزنوا علـى ما فـاتكم فلـم تدركوه مـما كنتـم ترجون إدراكه من عدوّكم بـالظفر علـيهم والظهور وحيازة غنائمهم، ولا ما أصابكم فـي أنفسكم من جرح من جُرح وقَتل من قُتل من إخوانكم. وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـيه قبل علـى السبـيـل التـي اختلفوا فـيه، كما: ٦٥٤٠ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { لِكَيْلا تَـحْزَنُوا علـى ما فـاتَكُمْ وَلا ما أصَابَكُمْ} قال: علـى ما فـاتكم من الغنـيـمة التـي كنتـم ترجون، {وَلا ما أصَابَكُمْ} من الهزيـمة. وأما قوله: {وَاللّه خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْلَـمُونَ} فإنه يعنـي جلّ ثناؤه: واللّه بـالذي تعلـمون ـ أيها الـمؤمنون من إصعادكم فـي الوادي هربا من عدوكم، وانهزامكم منهم، وتنرككم نبـيكم وهو يدعوكم فـي أخراكم، وحزنكم علـى ما فـاتكم من عدوّكم، وما أصابكم فـي أنفسهم ـ ذو خبرة وعلـم، وهو مـحص ذلك كله علـيكم حتـى يجازيكم به الـمـحسن منكم بإحسانه، والـمسيء بإساءته، أو يعفو عنه. |
﴿ ١٥٣ ﴾