١٧٠وفـي نصب قوله: {فَرِحِين} وجهان: أحدهما: أن يكون منصوبـا علـى الـخروج من قوله: {عِنْدَ رَبّهِمْ} والاَخر من قوله: {يُرْزَقُون}. ولو كان رفعا بـالردّ علـى قوله: (بل أحياء فرحون) كان جائزا. القول فـي تأويـل قوله: {ويَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ أنْ لا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. يعنـي بذلك تعالـى ذكره: ويفرحون بـمن لـم يـلـحق بهم من إخوانهم الذين فـارقوهم وهم أحياء فـي الدنـيا علـى مناهجهمّ، من جهاد أعداء اللّه مع رسوله، لعلـمهم بأنهم إن استشهدوا فلـحقوا بهم، صاروا من كرامة اللّه إلـى مثل الذي صاروا هم إلـيه، فهم لذلك مستبشرون بهم، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك، {لا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} يعنـي بذلك: لا خوف علـيهم لأنهم قد أمنوا عقاب اللّه ، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الـخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك فـي الدنـيا، ولا هم يحزنون علـى ما خـلفوا وراءهم من أسبـاب الدنـيا، ونكد عيشها، للـخَفْض الذي صاروا إلـيه والدعة والزّلفة، ونصب أن لا بـمعنى: يستبشرون لهم بأنهم لا خوف علـيهم ولا هم يحزنون. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٦٦٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {ويَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ}.. الاَية، يقول: لإخوانهم الذين فـارقوهم علـى دينهم وأمرهم لـما قدموا علـيه من الكرامة والفضل والنعيـم الذي أعطاهم. ٦٦٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {ويَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ}.. الاَية، قال يقول: إخواننا يقتلون كما قتلنا، يـلـحقون فـيصيبون من كرامة اللّه تعالـى ما أصبنا. ٦٦٧٢ـ حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: ذكر لنا عن بعضهم فـي قوله: {وَلا تَـحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّه أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال: هم قتلـى بدر وأُحد، زعموا أن اللّه تبـارك وتعالـى لـما قبض أرواحهم، وأدخـلهم الـجنة، جعلت أرواحهم فـي طير خضر ترعى فـي الـجنة، وتأوي إلـى قناديـل من ذهب تـحت العرش. فلـما رأوا ما أعطاهم اللّه من الكرامة، قالوا: لـيت إخواننا الذين بعدنا يعلـمون ما نـحن فـيه! فإذا شهدوا قتالاً تعجلوا إلـى ما نـحن فـيه! فقال اللّه تعالـى: إنـي منزل علـى نبـيكم ومخبر إخوانكم بـالذي أنتـم فـيه! ففرحوا به واستبشروا، و قالوا: يخبر اللّه نبـيكم وإخوانكم بـالذي أنتـم فـيه، فإذا شهدوا قتالاً أتوكم قال: فذلك قوله: {فَرِحِينَ بـمَا آتاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ}.. إلـى قول: {أجْرَ الـمُؤْمِنِـينَ}. ٦٦٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {ويَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ}: أي ويُسَرّون بلـحوق من لـحق بهم من إخوانهم علـى ما مضوا علـيه من جهادهم، لـيشركوهم فـيـما هم فـيه من ثواب اللّه الذي أعطاهم، وأذهب اللّه عنهم الـخوف والـحزن. ٦٦٧٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {ويَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ} قال: هم إخوانهم من الشهداء مـمن يستشهد من بعدهم، {لا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} حتـى بلغ: {وأنّ اللّه لا يُضِيعُ أجْرَ الـمُؤْمِنِـينَ}. ٦٦٧٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أما {يَسْتَبْشِرُونَ بـالّذِينَ لَـمْ يَـلْـحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَـلْفِهِمْ}، فإن الشهيد يؤتـى بكتاب فـيه من يقدم علـيه من إخوانه وأهله، فـيقال: يقدم علـيك فلان يوم كذا وكذا، ويقدم علـيك فلان يوم كذا وكذا! فـيستبشر حين يقدم علـيه، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه فـي ما الدنـيا. |
﴿ ١٧٠ ﴾