١٧٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: إنـما الذي قال لكم أيها الـمؤمنون: إن الناس قد جمعوا لكم، فخوفوكم بجموع عدوكم، ومسيرهم إلـيكم، من فعل الشيطان، ألقاه علـى أفواه من قال ذلك لكم، يخوفكم بأولـيائه من الـمشركين أبـي سفـيان وأصحابه من قريش، لترهبوهم، وتـجبنوا عنهم. كما:

٦٦٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ} يخوف واللّه الـمؤمن بـالكافر، ويرهب الـمؤمن بـالكافر.

٦٧٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ} قال: يخوف الـمؤمنـين بـالكفـار.

٦٧٠١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ}

يقول: الشيطان يخوف الـمؤمنـين بأولـيائه.

٦٧٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ}: أي أولئك الرهط، يعنـي: النفر من عبد القـيس الذين قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قالوا، وما ألقـى الشيطان علـى أفواههم، {يُخَوّفُ أوْلـياءَهُ} أي يرهبكم بأولـيائه.

٦٧٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا علـي بن معبد، عن عتاب بن بشير، مولـى قريش، عن سالـم الأفطس، فـي قوله: {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ} قال: يخوفكم بأولـيائه.

وقال آخرون: معنى ذلك: إنـما ذلكم الشيطان يعظم أمر الـمشركين أيها الـمنافقون فـي أنفسكم فتـخافونه. ذكر من قال ذلك:

٦٧٠٤ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ذكر أمر الـمشركين وعظمهم فـي أعين الـمنافقـين فقال: {إنّـمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ}: يعظم أولـياءه فـي صدوركم فتـخافونهم.

فإن قال قائل: وكيف

قـيـل: {يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ} وهل يخوف الشيطان أولـياءه؟

قـيـل: إن كان معناه يخوفكم بأولـيائه يخوف أولـياءه. قـيـل ذلك نظير قوله: {لِـيُنذِرَ بَـأْسا شَدِيدا} بـمعنى: لـينذركم بأسه الشديد، وذلك أن البأس لا ينذر، وإنـما ينذر به. وقد كان بعض أهل العربـية من أهل البصرة

يقول: معنى ذلك: يخوّف الناس أولـياءه، كقول القائل: هو يعطي الدراهم، ويكسو الثـياب، بـمعنى: هو يعطي الناس الدراهم، ويكسوهم الثـياب، فحذف ذلك للاستغناء عنه. ولـيس الذي شبه ذلك بـمشبه، لأن الدراهم فـي قول القائل: هو يعطي الدراهم معلوم أن الـمُعْطَى هي الدراهم، ولـيس كذلك الأولـياء فـي قوله: {يُخَوّفُ أوْلِـياءَهُ} مخوفـين، بل التـخويف من الأولـياء لغيرهم، فلذلك افترقا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلا تَـخافُوهُمْ وَخافُونِ إنْ كُنُتـمْ مُؤْمِنِـينَ}.

يقول: فلا تـخافوا أيها الـمؤمنون الـمشركين، ولا يعظمنّ علـيكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم مع طاعتكم إياي، ما أطعتـمونـي، واتبعتـم أمري، وإنـي متكفل لكم بـالنصر والظفر، ولكن خافون، واتقوا أن تعصونـي وتـخالفوا أمري، فتهلكوا إن كنتـم مؤمنـين.

يقول: ولكن خافونـي دون الـمشركين، ودون جميع خـلقـي أن تـخالفوا أمري إن كنتـم مصدّقـي رسولـي وما جاءكم به من عندي.

﴿ ١٧٥