١٧٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا كَانَ اللّه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىَ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ ...} يعنـي بقوله: {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ} ما كان اللّه لـيدع الـمؤمنـين علـى ما أنتـم علـيه من التبـاس الـمؤمن منكم بـالـمنافق، فلا يعرف هذا من هذا {حَتّـى يِـمَيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ} يعنـي بذلك: حتـى يـميز الـخبـيث، وهو الـمنافق الـمستسر للكفر، من الطيب، وهو الـمؤمن الـمخـلص الصادق الإيـمان بـالـمـحن والاختبـار، كما ميز بـينهم يوم أُحد عند لقاء العدو عند خروجهم إلـيه. واختلف أهل التأويـل فـي الـخبـيث الذي عنى اللّه بهذه الاَية، فقال بعضهم فـيه مثل قولنا. ذكر من قال ذلك: ٦٧١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه : {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ} قال: ميز بـينهم يوم أُحد، الـمنافق من الـمؤمن. ٦٧١٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ} قال ابن جريج: يقول: لـيبـين الصادق بإيـمانه من الكاذب قال: ابن جريج: قال مـجاهد: يوم أُحد ميز بعضهم عن بعض، الـمنافق عن الـمؤمن. ٦٧١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ}: أي الـمنافق. وقال آخرون: معنى ذلك: حتـى يـميز الـمؤمن من الكافر بـالهجرة والـجهاد. ذكر من قال ذلك: ٦٧١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ} يعنـي: الكفـار. يقول: لـم يكن اللّه لـيدع الـمؤمنـين علـى ما أنتـم علـيه من الضلالة، {حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ}: يـميز بـينهم فـي الـجهاد والهجرة. ٦٧١٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ} قال: حتـى يـميز الفـاجر من الـمؤمن. ٦٧١٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ} قالوا: إن كان مـحمد صادقا فلـيخبرنا بـمن يؤمن بـاللّه ومن يكفر! فأنزل اللّه : {ما كانَ اللّه لِـيَذَرَ الـمُؤْمِنِـينَ علـى ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ حتـى يَـمِيزَ الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ}: حتـى يخرج الـمؤمن من الكافر. والتأويـل الأوّل أولـى بتأويـل الاَية، لأن الاَيات قبلها فـي ذكر الـمنافقـين وهذه فـي سياقتها، فكونها بأن تكون فـيهم أشبه منها بأن تكون فـي غيرهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَما كانَ لِـيُطْلِعَكُمْ علـى الغَيْبِ وَلَكِنّ اللّه يَجْتَبِـي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم بـما: ٦٧١٧ـ حدثنا به مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {وَما كانَ اللّه لِـيُطْلِعَكُمْ علـى الغَيْبِ} وما كان اللّه لـيطلع مـحمدا علـى الغيب، ولكن اللّه اجتبـاه فجعله رسولاً. وقال آخرون بـما: ٦٧١٨ـ حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {وَما كانَ اللّه لِـيُطْلِعَكُمْ علـى الغَيْبِ} أي فـيـما يريد أن يبتلـيكم به، لتـحذروا ما يدخـل علـيكم فـيه: {وَلَكِنّ اللّه يَجْتَبِـي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ} يعلـمه. وأولـى الأقوال فـي ذلك بتأويـله: وما كان اللّه لـيطلعكم علـى ضمائر قلوب عبـاده، فتعرفوا الـمؤمن منهم من الـمنافق والكافر، ولكنه يـميز بـينهم بـالـمـحن والابتلاء كما ميز بـينهم بـالبأساء يوم أُحد، وجهاد عدوّه، وما أشبه ذلك من صنوف الـمـحن، حتـى تعرفوا مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم. غير أنه تعالـى ذكره يجتبـي من رسله من يشاء، فـيصطفـيه، فـيطلعه علـى بعض ما فـي ضمائر بعضهم بوحيه ذلك إلـيه ورسالته. كما: ٦٧١٩ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {وَلَكِنّ اللّه يَجْتَبِـي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ} قال: يخـلصهم لنفسه. وإنـما قلنا هذا التأويـل أولـى بتأويـل الاَية، ابتداءَها خبر من اللّه تعالـى ذكره أنه غير تارك عبـاده، يعنـي بغير مـحن، حتـى يفرّق بـالابتلاء بـين مؤمنهم وكافرهم وأهل نفـاقهم. ثم عقب ذلك بقوله: {وَما كانَ لِـيُطْلِعَكُمْ علـى الغَيْبِ}، فكان فـيـما افتتـح به من صفة إظهار اللّه نفـاق الـمنافق وكفر الكافر، دلالة واضحة علـى أن الذي ولـي ذلك هو الـخبر عن أنه لـم يكن لـيطلعهم علـى ما يخفـى عنهم من بـاطن سرائرهم إلا بـالذي ذكر أنه مـميز به نعتهم إلا من استثناه من رسله الذي خصه بعلـمه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَآمِنُوا بـاللّه وَرُسُلِهِ وَإنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا فَلَكُمْ أجرٌ عَظِيـمٌ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه بقوله: {وَإنْ تُؤْمِنُوا}: وإن تصدّقوا من اجتبـيته من رسلـي بعلـمي، وأطلعته علـى الـمنافقـين منكم، وتتقوا ربكم بطاعته فـيـما أمركم به نبـيكم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وفـيـما نهاكم عنه، {فَلَكُمْ أجرٌ عَظِيـمٌ} يقول: فلكم بذلك من إيـمانكم واتقائكم ربكم ثواب عظيـم. كما: ٦٧٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: {فَآمِنُوا بـاللّه وَرُسُلِهِ وَإنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا}: أي ترجعوا وتتوبوا، {فَلَكُمْ أجْرٌ عَظِيـمٌ}. |
﴿ ١٧٩ ﴾