١٨١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ ...}. ذكر أن هذه الاَية وآيات بعدها نزلت فـي بعض الـيهود، الذين كانوا علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر الاَثار بذلك: ٦٧٣٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أنه حدثه، عن ابن عبـاس ، قال: دخـل أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه بـيت الـمدارس، فوجد من يهود ناسا كثـيرا قد اجتـمعوا إلـى رجل منهم يقال له فنـحاص، كان من علـمائهم وأحبـارهم، ومعه حبر يقال له: أشيع. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه لفنـحاص: ويحك يا فنـحاص، اتق اللّه وأسلـم! فواللّه إنك لتعلـم أن مـحمدا رسول اللّه ، قد جاءكم بـالـحق من عند اللّه ، تـجدونه مكتوبـا عندكم فـي التوراة والإنـجيـل! قال فنـحاص: واللّه يا أبـا بكر ما بنا إلـى اللّه من فقر، وإنه إلـينا لفقـير، وما نتضرع إلـيه كما يتضرع إلـينا، وإنا عنه لأغنـياء، ولو كان عنا غنـيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربـا ويعطيناه، ولو كان غنـيا عنا ما أعطانا الربـا. فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنـحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بـيده، لولا العهد الذي بـيننا وبـينك لضربت عنقك يا عدو اللّه ، فأكذبونا ما استطعتـم إن كنتـم صادقـين! فذهب فنـحاص إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: يا مـحمد انظر ما صنع بـي صاحبك! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبـي بكر: (ما حَمَلَكَ علـى ما صَنَعْتَ؟) فقال: يا رسول اللّه إن عدو اللّه قال قولاً عظيـما، زعم أن اللّه فقـير، وأنهم عنه أغنـياء، فلـما قال ذلك غضبت لله مـما قال، فضربت وجهه. فجحد ذلك فنـحاص، وقال: ما قلت ذلك. فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى فـيـما قال فنـحاص ردّا علـيه وتصديقا لأبـي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنـحْنُ أغنِـياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنْبِـيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الـحَرِيقِ} وفـي قول أبـي بكر وما بلغه فـي ذلك من الغضب: {لتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِـيرا وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فإنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة مولـى ابن عبـاس ، قال: دخـل أبو بكر، فذكر نـحوه، غير أنه قال: وإنا عنه لأغنـياء، وما هو عنا بغنـيّ، ولو كان غنـيا¹ ثم ذكر سائر الـحديث نـحوه. ٦٧٣٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنَـحْنُ أغْنِـيَاءُ} قالها فنـحاص الـيهودي من بنـي مرثد، لقـيه أبو بكر فكلـمه، فقال له: يا فنـحاص، اتق اللّه وآمن وصدق، وأقرض اللّه قرضا حسنا! فقال فنـحاص: يا أبـا بكر، تزعم أن ربنا فقـير، يستقرضنا أموالنا، وما يستقرض إلا الفقـير من الغنـي، إن كان ما تقول حقا، فإن اللّه إذا لفقـير. فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذا، فقال أبو بكر: فلولا هدنة كانت بـين النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وبـين بنـي مرثد لقتلته. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: صكّ أبو بكر رجلاً منهم الذين قالوا: إن اللّه فقـير ونـحن أغنـياء لـمَ يستقرضنا وهو غنـيّ وهم يهود. ٦٧٣٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، قال الذين قالوا: إن اللّه فقـير ونـحن أغنـياء، لـم يستقرضنا وهو غنـيّ؟ قال شبل: بلغنـي أنه فنـحاص الـيهودي، وهو الذي قال: إن اللّه ثالث ثلاثة، ويد اللّه مغلولة. ٦٧٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: ثنـي يحيـى بن واضح، قال: حدثت عن عطاء، عن الـحسن، قال: لـما نزلت: {مَنْ الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا} قالت الـيهود: إن ربكم يستقرض منكم! فأنزل اللّه : {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنـحْنُ أغْنِـياء}. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن الـحسن البصري، قال: لـما نزلت: {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا} قال: عجبت الـيهود فقالت: إن اللّه فقـير يستقرض، فنزلت: {لَقَدَ سَمِعَ اللّه قوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنـحْنُ أغْنِـياءُ}. ٦٧٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ ونـحْنُ أغْنِـياءُ} ذكر لنا أنها نزلت فـي حيـي بن أخطب لـما أنزل اللّه : {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ أضْعافـا كَثِـيرَةً} قال: يستقرضنا ربنا، إنـما يستقرض الفقـير الغنـيّ. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبر نا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لـما نزلت: {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا} قالت الـيهود: إنـما يستقرض الفقـير من الغنـيّ، قال: فأنزل اللّه : {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ وَنْـحنُ أغْنِـياءُ}. ٦٧٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ ونـحْنُ أغْنِـياءُ} قال: هؤلاء الـيهود. فتأويـل الاَية إذا: لقد سمع اللّه قول الذين قالوا من الـيهود: إن اللّه فقـير إلـينا ونـحن أغنـياء عنه، سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية علـى ربهم وقتلهم أنبـياءهم بغير حقّ. واختلفت القراء فـي قراءة قوله: {سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمْ} فقرأ ذلك قراء الـحجاز وعامة قراء العراق: {سَنَكْتُبُ ما قَالُوا} بـالنون، {وَقَتْلَهُمْ الأنْبِـيَاءَ بِغَيْر حَقّ} بنصب القتل. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين: (سَيُكْتَبُ ما قالُوا وَقَتْلُهُمُ الأنْبِـيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ) بـالـياء من سيكتب، وبضمها ورفع القتل علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله، اعتبـارا بقراءة يذكر أنها من قراءة عبد اللّه فـي قوله: (ونقول ذوقوا)، يذكر أنها فـي قراءة عبد اللّه : (ويقال)¹ فأغفل قارىء ذلك وجه الصواب فـيـما قصد إلـيه من تأويـل القراءة التـي تنسب إلـى عبد اللّه ، وخالف الـحجة من قراء الإسلام. وذلك أن الذي ينبغي لـمن قرأ: (سيُكْتَبُ ما قالوا وَقَتْلُهُمُ الأنْبِـياء) علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله، أن يقرأ: ويقال، لأن قوله: (ونقول) عطف علـى قوله: (سنكتب). فـالصواب من القراءة أن يوفق بـينهما فـي الـمعنى بأن يقرأ جميعا علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله، أو علـى مذهب ما يسمى فـاعله، فأما أن يقرأ أحدهما علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله، والاَخر علـى وجه ما قد سمي فـاعله من غير معنى ألـجأه علـى ذلك، فـاختـيار خارج عن الفصيح من كلام العرب. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا: {سَنَكْتُبُ} بـالنون {وَقَتْلَهُمُ} بـالنصب لقوله: (ونقول)، ولو كانت القراءة فـي (سَيُكْتَبُ) بـالـياء وضمها، لقـيـل: (ويقال)، علـى ما قد بـينا. فإن قال قائل: كيف قـيـل: {وَقَتْلَهُمُ الأنْبِـياءَ بِغَيْرِ حَقّ} وقد ذكرت الاَثار التـي رويت، أن الذين عنوا بقوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه فَقِـيرٌ} بعض الـيهود الذين كانوا علـى عهد نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ولـم يكن من أولئك أحد قتل نبـيا من الأنبـياء، لأنهم لـم يدركوا نبـيا من أنبـياء اللّه فـيقتلوه؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى غير الوجه الذي ذهبت إلـيه، وإنـما قـيـل ذلك كذلك لأن الذين عنى اللّه تبـارك وتعالـى بهذه الاَية كانوا راضين بـما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبـياء، وكانوا منهم، وعلـى منهاجهم، من استـحلال ذلك واستـجازته. فأضاف جل ثناؤه فعل ما فعله من كانوا علـى منهاجه وطريقته إلـى جميعهم، إذ كانوا أهل ملة واحدة، ونـحلة واحدة، وبـالرضا من جميعهم فعل ما فعل فـاعل ذلك منهم علـى ما بـينا من نظائره فـيـما مضى قبل. |
﴿ ١٨١ ﴾