١٨٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ...}. يعنـي بذلك تعالـى ذكره: أن مصير هؤلاء الـمفترين علـى اللّه من الـيهود الـمكذبـين برسوله، الذين وصف صفتهم، وأخبر عن جراءتهم علـى ربهم، ومصير غيرهم من جميع خـلقه تعالـى ذكره، ومرجع جميعهم إلـيه، لأنه قد حتـم الـموت علـى جميعهم، فقال لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: لا يحزنك تكذيب من كذّبك يا مـحمد من هؤلاء الـيهود وغيرهم، وافتراء من افترى علـيّ، فقد كذّب قبلك رسل جاءوا من الاَيات والـحجج من أرسلوا إلـيه بـمثل الذي جئت من أرسلت إلـيه، فلك فـيهم أسوة تتعزّى بهم، ومصير من كذّبك، وافترى علـيّ وغيرهم، ومرجعهم إلـيّ، فأوفـي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القـيامة، كما قال جلّ ثناؤه: {وإنّـمَا تُوَفّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ} يعنـي أجور أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ. {فمنْ زُحزِحَ عن النارِ}، يقول: فمن نـحي عن النار وأبعد منها، {فقَدْ فـازَ} يقول: فقد نـجا وظفر بحاجته، يقال منه: فـاز فلان بطلبته يفوز فوزا ومفـازا ومفـازة: إذا ظفر بها. وإنـما معنى ذلك: فمن نُـحّـي عن النار فأبعد منها، وأدخـل الـجنة، فقد نـجا وظفر بعظيـم الكرامة. {وَما الـحَياةُ الدّنْـيا إلاّ مَتاعُ الغُرُورِ} يقول: وما لذات الدنـيا وشهواتها، وما فـيها من زينتها وزخارفها، إلا متاع الغرور، يقول: إلا متعة يـمتعكموها الغرور والـخداع الـمضمـحل، الذي لا حقـيقة له عند الامتـحان، ولا صحة له عند الاختبـار، فأنتـم تلتذّون بـما متعكم الغرور من دنـياكم، ثم هو عائد علـيكم بـالفجائع والـمصائب والـمكاره، يقول تعالـى ذكره: لا تركنوا إلـى الدنـيا فتسكنوا إلـيها، فإنـما أنتـم منها فـي غرور تـمتعون، ثم أنتـم عنها بعد قلـيـل راحلون. وقد رُوي فـي تأويـل ذلك ما: ٦٧٤٦ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن عبد الرحمن بن سابط فـي قوله: {وَما الـحَياةُ الدّنـيْا إلاّ مَتاعٌ الغُرُورِ} قال: كزاد الراعي، تزوده الكف من التـمر، أو الشيء من الدقـيق، أو الشيء يشرب علـيه اللبن. فكأن ابن سابط ذهب فـي تأويـله هذا إلـى أن معنى الاَية: وما الـحياة الدنـيا إلا متاع قلـيـل، لا يبلغ من تـمتعه ولا يكفـيه لسفره. وهذا التأويـل وإن كان وجها من وجوه التأويـل، فإن الصحيح من القول فـيه هو ما قلنا، لأن الغرور إنـما هو الـخداع فـي كلام العرب، وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لصرفه إلـى معنى القلة، لأن الشيء قد يكون قلـيلاً وصاحبه منه فـي غير خداع ولا غرور¹ وأما الذي هو فـي غرور فلا القلـيـل يصح له ولا الكثـير مـما هو منه فـي غرور. والغرور مصدر من قول القائل: غرنـي فلان، فهو يغرنـي غرورا بضم الغين¹ وأما إذا فتـحت الغين من الغرور فهو صفة للشيطان الغرور الذي يغر ابن آدم حتـى يدخـله من معصية اللّه فـيـما يستوجب به عقوبته. وقد: ٦٧٤٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة وعبد الرحيـم، قالا: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو وسلـمة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَوْضعُ سَوْطٍ فِـي الـجَنّة خَيْرٌ مِنَ الدّنْـيا وَما فِـيها، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُـمْ {وَما الـحَياةُ الدّنـيْا إلاّ مَتاعُ الغرُورِ}) |
﴿ ١٨٥ ﴾