١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ ...}. يعنـي جل ثناؤه بقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ}: والرجل والـمرأة اللذان يأتـيانها، يقول: يأتـيان الفـاحشة والهاء والألف فـي قوله: {يأْتِـيانها} عائدة علـى الفـاحشة التـي فـي قوله: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ} والـمعنى: واللذان يأتـيان منكم الفـاحشة فآذوهما. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ فآذُوهُما} فقال بعضهم: هما البكران اللذان لـم يحصنا، وهما غير اللاتـي عنـين بـالاَية قبلها. و قالوا: قوله: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ} معنـيّ به الثـيبـات الـمـحصنات بـالأزواج، وقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ} يعنـي به: البكران غير الـمـحصنـين. ذكر من قال ذلك: ٧١١٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: ذكر الـجواري والفتـيان اللذين لـم ينكحوا، فقال: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}. ٧١١٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ} البكران فآذوهما. وقال آخرون: بل عُنـي بقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ} الرجلان الزانـيان. ذكر من قال ذلك: ٧١١٩ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا يحيـى، عن ابن جريج، عن مـجاهد: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} قال: الرجلان الفـاعلان لا يكْنـي. ٧١٢٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ}: الزانـيان. وقال آخرون: بل عنـي بذلك الرجل والـمرأة، إلا أنه لـم يقصد به بكر دون ثـيب. ذكر من قال ذلك: ٧١٢١ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا يحيـى، عن ابن جريج، عن عطاء: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} قال: الرجل والـمرأة. ٧١٢٢ـ حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا يحيـى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ} إلـى قوله: {أوْ يَجْعَلَ اللّه لَهُنّ سَبِـيلاً} فذكر الرجل بعد الـمرأة ثم جمعهما جميعا، فقال: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فإنْ تَابـا وأصْلَـحا فـأْعَرِضُوا عَنْهُما إنّ اللّه كانَ تَوّابـا رَحِيـما}. ٧١٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء وعبد اللّه بن كثـير، قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ} قال: هذه للرجل والـمرأة جميعا. قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ} قول من قال: عنـي به البكران غير الـمـحصنـين إذا زنـيا وكان أحدهما رجلاً والاَخر امرأة، لأنه لو كان مقصود بذلك قصد البـيان عن حكم الزناة من الرجال كما كان مقصودا بقوله: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ} قصد البـيان عن حكم الزوانـي، لقـيـل: والذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قـيـل: والذي يأتـيها منكم، كما قـيـل فـي التـي قبلها: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ} فأخرج ذكرهنّ علـى الـجمع، ولـم يقل: واللتان يأتـيان الفـاحشة. وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البـيان علـى الوعيد علـى فعل أو الوعد علـيه، أخرجت أسماء أهله بذكر الـجمع أو الواحد، وذلك أن الواحد يدلّ علـى جنسه، ولا تـخرجها بذكر اثنـين، فتقول: الذين يفعلون كذا فلهم كذا، والذي يفعل كذا فله كذا، ولا تقول: اللذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلا أن يكون فعلاً لا يكون إلا من شخصين مختلفـين كالزنا لا يكون إلا من زان وزانـية. فإذا كان ذلك كذلك، قـيـل بذكر الاثنـين، يراد بذلك الفـاعل والـمفعول به، فإما أن يذكر بذكر الاثنـين والـمراد بذلك شخصان فـي فعل قد ينفرد كلّ واحد منهما به أو فـي فعل لا يكونان فـيه مشتركين فذلك ما لا يعرف فـي كلامها. وإذا كان ذلك كذلك، فبـيّن فساد قول من قال: عُنـي بقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ} الرجلان، وصحة قول من قال: عنـي به الرجل والـمرأة وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنهما غير اللواتـي تقدم بـيان حكمهنّ فـي قوله: {وَاللاّتِـي يَأْتِـينَ الفـاحِشَةَ} لأن هذين اثنان وأولئك جماعة. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الـحبس كان للثـيبـات عقوبة حتـى يتوفـين من قبل أن يجعل لهنّ سبـيلاً، لأنه أغلظ فـي العقوبة من الأذى الذي هو تعنـيف وتوبـيخ أو سبّ وتعيـير، كما كان السبـيـل التـي جعلت لهنّ من الرجم أغلظ من السبـيـل التـي جعلت للأبكار من جلد الـمائة ونفـي السنة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَآذُوهُما فإنْ تابـا وأصْلَـحا فأعْرِضُوا عَنْهُما إنّ اللّه كانَ تَوّابـا رَحِيـما}. اختلف أهل التأويـل فـي الأذى الذي كان اللّه تعالـى ذكره جعله عقوبة للذين يأتـيان الفـاحشة من قبل أن يجعل لهما سبـيلاً منه، فقال بعضهم: ذلك الأذى، أذى بـالقول واللسان، كالتعيـير والتوبـيخ علـى ما أتـيا من الفـاحشة. ذكر من قال ذلك: ٧١٢٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {فَآذُوهُما} قال: كانا يؤذيان بـالقول جميعا. ٧١٢٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {فَآذُوهُما فإنْ تابـا وأصْلَـحا فأعْرِضُوا عَنْهُما} فكانت الـجارية والفتـى إذا زنـيا يعنفـان ويعيران حتـى يتركا ذلك. وقال آخرون: كان ذلك الأذى، أذى اللسان، غير أنه كان سبّـا. ذكر من قال ذلك: ٧١٢٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {فَآذُوهُما} يعنـي: سبّـا. وقال آخرون: بل كان ذلك الأذى بـاللسان والـيد. ذكر من قال ذلك: ٧١٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} فكان الرجل إذا زنى أوذي بـالتعيـير، وضرب بـالنعال. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره كان أمر الـمؤمنـين بأذى الزانـيـين الـمذكورين إذا أتـيا ذلك وهما من أهل الإسلام، والأذى قد يقع بكل مكروه نال الإنسان من قول سيىء بـاللسان أو فعل، ولـيس فـي الاَية بـيان أن ذلك كان أمر به الـمؤمنون يومئذ، ولا خبر به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من نقل الواحد ولا نقل الـجماعة الـموجب مـجيئها قطع العذر. وأهل التأويـل فـي ذلك مختلفون، وجائز أن يكون ذلك أذى بـاللسان والـيد، وجائز أن يكون كان أذى بأيهما، ولـيس فـي العلـم بأيّ ذلك كان من أيّ نفعٌ فـي دين ولا دنـيا ولا فـي الـجهل به مضرّة، إذ كان اللّه جل ثناؤه قد نسخ ذلك من مـحكمه بـما أوجب من الـحكم علـى عبـاده فـيهما وفـي اللاتـي قبلهما¹ فأما الذي أوجب من الـحكم علـيهم فـيهما فما أوجب فـي سورة النور بقوله: {الزّانِـيَةُ والزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدةٍ} وأما الذي أوجب فـي اللاتـي قبلهما، فـالرجم الذي قضى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيهما وأجمع أهل التأويـل جميعا علـى أن اللّه تعالـى ذكره قد جعل لأهل الفـاحشة من الزناة والزوانـي سبـيلاً بـالـحدود التـي حكم بها فـيهم. وقال جماعة من أهل التأويـل: إن اللّه سبحانه نسخ بقوله: {الزّانِـيَةُ والزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدةٍ} قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}. ذكر من قال ذلك: ٧١٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} قال: كل ذلك نسخته الاَية التـي فـي النور بـالـحدّ الـمفروض. حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا يحيـى، عن ابن جريج، عن مـجاهد: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}.. الاَية، قال: هذا نسخته الاَية فـي سورة النور بـالـحد الـمفروض. ٧١٢٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحوي، عن عكرمة والـحسن البصري، قالا فـي قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}.. الاَية، نسخ ذلك بآية الـجلد، فقال: {الزّانِـيَةُ والزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدةٍ}. ٧١٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} فأنزل اللّه بعد هذا: {الزّانِـيَةُ والزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدةٍ} فإن كانا مـحصنـين رجما فـي سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ٧١٣١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {واللاّتِـي يأْتِـينَ الفـاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ}.. الاَية¹ جاءت الـحدود فنسختها. ٧١٣٢ـ حدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول: نسخ الـحدّ هذه الاَية. ٧١٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة: {فأمْسِكُوهُنّ فـي البُـيُوتِ}.. الاَية، قال: نسختها الـحدود، وقوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ} نسختها الـحدود. ٧١٣٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {واللّذّانِ يأْتِـيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}.. الاَية، ثم نسخ هذا وجعل السبـيـل لها إذا زنت وهي مـحصنة رجمت وأخرجت، وجعل السبـيـل للذكر جلد مائة. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {فَأمْسِكُوهُنّ فِـي البُـيُوتِ حتـى يَتَوَفّـاهُنّ الـمَوْتُ} قال: نسختها الـحدود. وأما قوله: {فإنْ تابـا وأصْلَـحا فَأعْرِضُوا عَنْهُما} فإنه يعنـي به جلّ ثناؤه: فإن تابـا من الفـاحشة التـي أتـيا، فراجعا طاعة اللّه بـينهما وأصلـحا، يقول: وأصلـحا دينهما بـمراجعة التوبة من فـاحشتهما والعمل بـما يرضي اللّه ، فأعرضوا عنهما، يقول: فـاصفحوا عنهما، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به، عقوبة لهما علـى ما أتـيا من الفـاحشة، ولا تؤذوهما بعد توبتهما. وأما قوله: {إنّ اللّه كانَ تَوّابـا رَحِيـما} فإنه يعنـي: أن اللّه لـم يزل راجعا لعبـيده إلـى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته رحيـما بهم، يعنـي: ذا رحمة ورأفة. |
﴿ ١٦ ﴾