١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَيْسَتِ التّوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ ...}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولـيست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار علـى معاصي اللّه ، حتـى إذا حضر أحدهم الـموت،

يقول: إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إلـيه لقبض روحه قال: وقد غلب علـى نفسه، وحيـل بـينه وبـين فهمه بشغله بكرب حشرجته وغرغرته: إنـي تبت الاَن، يقول فلـيس لهذا عند اللّه تبـارك وتعالـى توبة، لأنه قال ما قال فـي غير حال توبة. كما:

٧١٥٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن يعلـى بن نعمان، قال: أخبرنـي من سمع ابن عمر

يقول: التوبة مبسوطة ما لـم يَسُقْ. ثم قرأ ابن عمر: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ} ثم قال: وهل الـحضور إلا السّوْق.

٧١٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ} قال: إذا تبـين الـموت فـيه لـم يقبل اللّه له توبة.

٧١٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن أبـي النضر، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس : {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ} فلـيس لهذا عند اللّه توبة.

٧١٦٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت إبراهيـم بن ميـمون، يحدّث عن رجل من بنـي الـحارث، قال: حدثنا رجل منا، عن عبد اللّه بن عمرو، أنه قال: (مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بعَامٍ تِـيبَ عَلَـيْهِ)، حتـى ذكر شهرا، حتـى ذكر ساعة، حتـى ذكر فُواقا، قال: فقال رجل: كيف يكون هذا واللّه تعالـى

يقول: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ}؟ فقال عبد اللّه : أنا أحدثك ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٧١٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن إبراهيـم، قال: كان يقال: التوبة مبسوطة ما لـم يؤخذ بكَظَمِه.

واختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بقوله: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ}

فقال بعضهم: عُنـي به أهل النفـاق. ذكر من قال ذلك:

٧١٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {إنّـمَا التّوْبَةُ علـى اللّه للّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوء بِجَهالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} قال: نزلت الأولـى فـي الـمؤمنـين، ونزلت الوسطى فـي الـمنافقـين، يعنـي: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ} والأخرى فـي الكفـار، يعنـي: {وَلا الّذِينَ يَـموتونَ وَهمْ كفّـارٌ}.

وقال آخرون: بل عنـي بذلك أهل الإسلام. ذكر من قال ذلك:

٧١٦٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، قال: بلغنا فـي هذه الاَية: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ} قال: هم الـمسلـمون، ألا ترى أنه قال: {وَلا الّذِينَ يَـمُوتُونَ وَهُمْ كُفّـارٌ}؟

وقال آخرون: بل هذه الاَية كانت نزلت فـي أهل الإيـمان، غير أنها نسخت. ذكر من قال ذلك:

٧١٦٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: {وَلَـيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتـى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ الـمَوْتُ قالَ إنّـي تبْتُ الاَنَ وَلا الّذِينَ يَـمُوتُونَ وَهُمْ كُفّـارٌ} فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى بعد ذلك: {إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِـمَنْ يَشاءُ} فحرّم اللّه تعالـى الـمغفرة علـى من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلـى مشيئته، فلـم يؤيسهم من الـمغفرة.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه فـي الإسلام، وذلك أن الـمنافقـين كفـار، فلو كان معنـيا به أهل النفـاق لـم يكن لقوله: {وَلا الّذِينَ يَـمُوتُونَ وَهُمْ كفّـارٌ} معنى مفهوم، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم فـي معنى واحد من أن جميعهم كفـار، فلا وجه لتفريق أحد منهم فـي الـمعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة. وفـي تفرقة اللّه جل ثناؤه بـين أسمائهم وصفـاتهم بأن سمى أحد الصنفـين كافرا، ووصف الصنف الاَخر بأنهم أهل سيئات، ولـم يسمهم كفـارا ما دلّ علـى افتراق معانـيهم، وفـي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا، وفساد ما خالفه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلا الّذِينَ يَـمُوتُونَ وَهُمْ كفّـارٌ أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابـا ألِـيـما}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ولا التوبة للذين يـموتون وهم كفـار فموضع (الذين) خفض، لأنه معطوف علـى قوله: {لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ}

وقوله: {أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابـا ألِـيـما}

يقول: هؤلاء الذين يـموتون وهم كفـار، أعتدنا لهم عذابـا ألـيـما، لأنهم أبعدهم من التوبة كونهم علـى الكفر. كما:

٧١٦٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن أبـي النضر، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس : {وَلا الّذِينَ يَـمُوتُونَ وَهُمْ كفّـارٌ} أولئك أبعد من التوبة.

واختلف أهل العربـية فـي معنى: {أعْتَدْنا لَهُمْ} فقال بعض البصريـين: معنى: {أعْتَدْنا}: أفعلنا من العتاد، قال: ومعناها: أعددنا

وقال بعض الكوفـيـين: أعددنا وأعتدنا معناهما واحد، فمعنى قوله: {أعْتَدْنا لَهُمْ} أعددنا لهم {عَذَابـا ألِـيـما}

يقول: مؤلـما موجعا.

﴿ ١٨