٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىَ بَعْضُكُمْ إِلَىَ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً }.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: {وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ}: وعلـى أيّ وجه تأخذون من نسائكم ما آتـيتـموهنّ من صدقاتهنّ إذا أردتـم طلاقهنّ واستبدال غيرهنّ بهنّ أزواجا، وقد أفضى بعضكم إلـى بعضكم فتبـاشرتـم وتلامستـم. وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فإنه فـي معنى النكير والتغلـيظ، كما يقول الرجل لاَخر: كيف تفعل كذا وكذا وأنا غير راض به؟ علـى معنى التهديد والوعيدوأما الإفضاء إلـى الشيء فإنه الوصول إلـيه بـالـمبـاشرة له، كما قال الشاعر:

بِلـىً... أفْضَى إلـى كُتْبِةٍ

بَدَا سيرُها مِنْ بـاطِنٍ بَعْدَ ظاهِرِ

يعنـي بذلك: أن الفساد والبلـى وصل إلـى الـخُرَز. والذي عُنـي به الإفضاء فـي هذا الـموضع: الـجماع فـي الفرج.

فتأويـل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتـيتـموهنّ وقد أفضى بعضكم إلـى بعض بـالـجماع؟.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٧٢٠٧ـ حدثنـي عبد الـحميد بن بـيان القناد، قال: حدثنا إسحاق، عن سفـيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد اللّه ، عن ابن عبـاس ، قال: الإفضاء: الـمبـاشرة، ولكن اللّه كريـم يكنـي عما يشاء.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عبـاس قال: الإفضاء: الـجماع، ولكن اللّه يكنـي.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عاصم بن بكر بن عبد اللّه الـمزنـي، عن ابن عبـاس ، قال: الإفضاء: هو الـجماع.

٧٢٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلـى بَعْضٍ} قال: مـجامعة النساء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٧٢٠٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكمْ إلـى بَعْضٍ} يعنـي: الـمـجامعة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا}.

أما ما وثقت به لهنّ علـى أنفسكم من عهد، وإقرار منكم بـما أقررتـم به علـى أنفسكم، من إمساكهنّ بـمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان، وكان فـي عقد الـمسلـمين النكاح قديـما، فـيـما بلغنا أن يقال للناكح: اللّه علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان.

٧٢١٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} والـميثاق الغلـيظ الذي أخذه للنساء علـى الرجال: إمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان فـي عهد الـمسلـمين عند إنكاحهم: اللّه علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان.

واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي عنى اللّه جل ثناؤه بقوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا}.

فقال بعضهم: هو إمساك بـمعروف، أو تسريح بإحسان. ذكر من قال ذلك:

٧٢١١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: إمساك بـمعروف، أو تسريح بإحسان.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله.

٧٢١٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: {وأخَذْن مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: هو ما أخذ اللّه تبـارك وتعالـى للنساء علـى الرجال، فإمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان

قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح.

٧٢١٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أما {وأخَذْنَ مِنْكُمْ ميثاقا غَلِـيظا} فهو أن ينكح الـمرأة فـيقول ولـيها: أنكحناكها بأمانة اللّه ، علـى أن تـمسكها بـالـمعروف أو تسرّحها بإحسان.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: الـميثاق الغلـيظ الذي أخذه اللّه للنساء: إمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان، وكان فـي عقدة الـمسلـمين عند نكاحهنّ: ايـم اللّه علـيك لتـمسكنّ بـمعروف، ولتسرحنّ بإحسان.

٧٢١٤ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو قتـيبة، قال: حدثنا أبو بكر الهذلـي، عن الـحسن، ومـحمد بن سيرين فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: إمساك بـمعروف. أو تسريح بإحسان.

وقال آخرون: هو كلـمة النكاح التـي استـحلّ بها الفرج. ذكر من قال ذلك:

٧٢١٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: كلـمة النكاح التـي استـحلّ بها فروجهنّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيـى بن سعيد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي هاشم الـمكي، عن مـجاهد فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: قوله نكحت.

٧٢١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عنبسة، عن مـحمد بن كعب القرضي: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: هو قولهم: قد ملكت النكاح.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن سالـم الأفطس، عن مـجاهد: {وَأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: كلـمة النكاح.

٧٢١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ققال ابن زيد فـي قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: الـميثاق: النكاح.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا يحيـى بن سعيد، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي سالـم الأفطس، عن مـجاهد: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قال: كلـمة النكاح قوله نكحت.

وقال آخرون: بل عنى قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أخَذْتُـمُوهُنّ بأمانَةِ اللّه ، واسْتَـحْلَلْتُـمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِـمَةِ اللّه ). ذكر من قال ذلك:

٧٢١٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر وعكرمة: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} قالا: أخذتـموهنّ بأمانة اللّه ، واستـحللتـم فروجهنّ بكلـمة اللّه .

٧٢١٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا} والـميثاق الغلـيظ: أخذتـموهنّ بأمانة اللّه ، واستـحللتـم فروجهنّ بكلـمة اللّه .

قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل ذلك قول من قال: الـميثاق الذي عنـي به فـي هذه الاَية، هو ما أخذ للـمرأة علـى زوجها عند عقدة النكاح، من عهد علـى إمساكها بـمعروف، أو تسريحها بإحسان، فأقرّ به الرجل، لأن اللّه جل ثناؤه بذلك أوصى الرجال فـي نساءهم وقد بـينا معنى الـميثاق فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

واختلف فـي حكم هذه الاَية، أمـحكم أم منسوخ؟

فقال بعضهم: مـحكم، وغير جائز للرجل أخذ شيء مـما آتاها إذا أراد طلاقها، إلا أن تكون هي الـمريدة الطلاق.

وقال آخرون: هي مـحكمة، غير جائز له أخذ شيء مـما آتاها منها بحال، كانت هي الـمريدة للطلاق أو هو. ومـمن حكي عنه هذا القول بكر بن عبد اللّه بن الـمزنـي.

٧٢٢٠ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عقبة بن أبـي الـمهنا، قال: سألت بكرا عن الـمختلعة أيأخذ منها شيئا؟ قال: لا {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِـيظا}.

وقال آخرون: بل هي منسوخة نسخها قوله: {وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مـما آتـيتُـمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافـا أنْ لا يَقِـيـما حُدُودَ اللْهِ} ذكر من قال ذلك:

٧٢٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَإنْ أرَدْتُـمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ} إلـى قوله: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقا غَلِـيظا} قال: ثم رخص بعد،

فقال: {وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِـمّا آتَـيْتُـمُوهُنّ شَيْئَا إلاّ أنْ يَخافـا ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّه فَإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـمَا حُدودَ اللّه فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} قال: فنسخت هذه تلك.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك قول من قال: إنها مـحكمة غير منسوخة، وغير جائز للرجل أخذ شيء مـما آتاها إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها، ولا ريبة أتت بها. وذلك أن الناسخ من الأحكام، ما نفـى خلافه من الأحكام، علـى ما قد بـينا فـي سائر كتبنا، ولـيس قوله: {وَإنْ أَرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ} نفـي حكم قوله: {فإنْ خِفْتُـمْ ألاّ يُقِـيـما حُدُودَ اللّه فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} لأن الذي حرّم اللّه علـى الرجل بقوله: {وَإنْ أرَدْتُـمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَـيْتُـمْ إحْدَاهُنّ قِنْطارا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} أخذ ما آتاها منها إذا كان هو الـمريد طلاقها.

وأما الذي أبـاح له أخذه منها بقوله: {فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما فِـيـما افْتَدَتْ بِهِ} فهو إذا كانت هي الـمريدة طلاقه، وهو كاره له ببعض الـمعانـي التـي قد ذكرنا فـي غير هذا الـموضع، ولـيس فـي حكم إحدى الاَيتـين نفـي حكم الأخرى، وإذا كان ذلك كذلك لـم يجز أن يحكم لإحداهما بأنها ناسخة، وللأخرى بأنها منسوخة، إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.

وأما ما قاله بكر بن عبد اللّه الـمزنـي من أنه لـيس لزوج الـمختلعة أخذ ما أعطته علـى فراقه إياها إذا كانت هي الطالبة الفرقة وهو الكاره، فلـيس بصواب لصحة الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأنه أمر ثابت بن قـيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلـى زوجته وفراقها إن طلبت فراقه، وكان النشوز من قبلها.

﴿ ٢١