٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ ...}.

يعنـي بذلك تعالـى ذكره: حرّم علـيكم نكاح أمهاتكم، فترك ذكر النكاح اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه.

وكان ابن عبـاس يقول فـي ذلك، ما:

٧٢٢٨ـ حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن الثوري، عن الأعمش، عن إسماعيـل بن رجاء، عن عمير مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس ، قال: حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع. ثم قرأ: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أمّهاتُكُمْ} حتـى بلغ: {وأنْ تَـجْمَعُوا بَـيْنَ الأخْتَـيْنِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ} قال: والسابعة {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤكُمْ مِنَ النّساءِ}.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إسماعيـل بن رجاء، عن عمير مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس ، قال: يحرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع، ثم قرأ: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أمّهاتُكُمْ}.. إلـى قوله: {والـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ}.

حدثنا ابن بشار مرة أخرى، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إسماعيـل بن رجاء، عن عمير مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس ، مثله.

٧٢٢٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي ذئب، عن الزهري بنـحوه.

٧٢٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: حرم علـيكم سبع نسبـا وسبع صهرا. {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أُمّهاتُكُمْ}.. الاَية.

حدثنا ابن وكيع، قال حدثنا أبـي، عن علـيّ بن صالـح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: {حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ أُمّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وأخَوَاتُكُمْ} قال: حرّم اللّه من النسب سبعا، ومن الصهر سبعا، ثم قرأ: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبـائِبُكُمْ}.. الاَية.

٧٢٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مطرف، عن عمرو بن سالـم مولـى الأنصار، قال: حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع: حرمت علـيكم أمهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت. ومن الصهر: أمهاتكم اللاتـي أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربـائبكم اللاتـي فـي حجوركم من نسائكم اللاتـي دخـلتـم بهنّ، فإن لـم تكونوا دخـلتـم بهن، فلا جناح علـيكم، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم، وأن تـجمعوا بـين الأختـين إلا ما قد سلف. ثم قال: {والـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكتْ أيـمَانُكُمْ}، {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آبـاؤكُمْ مِنَ النّساءِ}.

فكل هؤلاء اللواتـي سماهنّ اللّه تعالـى وبـين تـحريـمهنّ فـي هذه الاَية مـحرّمات غير جائز نكاحهنّ لـمن حرّم اللّه ذلك علـيه من الرجال، بإجماع جميع الأمة، لا اختلاف بـينهم فـي ذلك، إلا فـي أمهات نسائنا اللواتـي لـم يدخـل بهنّ أزواجهنّ، فإن فـي نكاحهنّ اختلافـا بـين بعض الـمتقدمين من الصحابة إذا بـانت الابنة قبل الدخول بها من زوجها، هل هنّ من الـمبهات، أم هنّ من الـمشروط فـيهنّ الدخول ببناتهنّ. فقال جميع أهل العلـم متقدمهم ومتأخرهم: من الـمبهمات، وحرام علـى من تزوّج امرأة أمها دخـل بـامرأته التـي نكحها أو لـم يدخـل بها، و

قالوا: شرط الدخول فـي الربـيبة دون الأم،، فأما أم الـمرأة فمطلقة بـالتـحريـم.

قالوا: ولو جاز أن يكون شرط الدخول فـي قوله: {وَرَبـائِبِكُمُ اللاّتِـي فِـي حُجُورِكُمُ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} فوضع موصولاً به قوله: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ} جاز أن يكون الاستثناء فـي قوله: {وَالـمُـحْصَناتُ مِنَ النّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ} من جميع الـمـحرّمات بقوله: {حُرْمَتْ عَلَـيْكُمْ}.. الاَية،

قالوا: وفـي إجماع الـجميع علـى أن الاستثناء فـي ذلك إنـما هو مـما ولـيه من قوله: {والـمُـحْصَناتُ} أبـين الدلالة علـى أن الشرط فـي قوله: {مِنْ نِسائِكُمْ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} مـما ولـيه من قوله: {وَرَبـائِبُكُمُ اللاّتِـي فـي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} دون أمهات نسائنا. وروي عن بعض الـمتقدمين أنه كان

يقول: حلال نكاح أمهات نسائنا اللواتـي لـم ندخـل بهنّ، وإن حكمهنّ فـي ذلك حكم الربـائب. ذكر من قال ذلك:

٧٢٣٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عدّي وعبد الأعلـى، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علـيّ رضي اللّه عنه فـي رجل تزوّج امرأة فطلقها قبل أن يدخـل بها، أيتزوّج أمها؟ قال: هي بـمنزلة الربـيبة.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة، عن خلاس، عن علـيّ رضي اللّه عنه، قال: هي بـمنزلة الربـيبة.

٧٢٣٣ـ حدثنا حميد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن زيد بن ثابت أنه كان

يقول: إذا ماتت عنده، وأخذ ميراثها، كره أن يخـلف علـى أمها، وإذا طلقها قبل أن يدخـل بها، فإن شاء فعل.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيـى بن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن زيد بن ثابت، قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخـل بها فلا بأس أن يتزوّج أمها.

٧٢٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، أخبرنـي عكرمة بن خالد، أن مـجاهدا قال له: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبـائِبُكُمُ اللاّتِـي فـي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمْ} أريد بهما الدخول جميعا.

قال أبو جعفر: والقول الأوّل أولـى بـالصواب، أعنـي قول من قال: الأم من الـمبهمات، لأن اللّه لـم يشرط معهنّ الدخول ببناتهنّ، كما شرط ذلك مع أمهات الربـائب، مع أن ذلك أيضا إجماع من الـحجة التـي لا يجوز خلافها فـيـما جاءت به متفقة علـيه.

وقد رُوي بذلك أيضا عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خبر، غير أن فـي إسناده نظرا، وهو ما:

٧٢٣٥ـ حدثنا به الـمثنى، قال: حدثنا حبـان بن موسى، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا الـمثنى بن الصبـاح، عن عمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جده، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال:

(إذَا نَكَحَ الرّجُلُ الـمَرأةَ فَلا يَحِلّ لَهُ أنْ يَتَزَوّجَ أُمّها، دَخَـلَ بـالابْنَةِ أمْ لَـمْ يَدْخُـلْ، وَإذَا تَزَوّجَ الأُمّ فَلَـمْ يَدْخُـلْ بِهَا ثُمّ طَلّقَها، فإنْ شاءَ تَزَوّجَ الابْنَة).

قال أبو جعفر: وهذا خبر وإن كان فـي إسناده ما فـيه، فإن فـي إجماع الـحجة علـى صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد علـى صحته بغيره.

٧٢٣٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال لعطاء: الرجل ينكح الـمرأة لـم يرها ولا يجامعها حتـى يطلقها، أيحلّ له أمها؟ قال: لا، هي مرسلة. قلت لعطاء: أكان ابن عبـاس يقرأ: {وأُمّهاتُ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ}؟ قال: لا تبرأ¹ قال حجاج: قلت لابن جريج: ما تبرأ؟ قال: كأنه قال: لا لا.

وأم الربـائب فإنه جمع ربـيبة وهي ابنة امرأة الرجل، قـيـل لها ربـيبة لتربـيته إياها، وإنـما هي مربوبة صرفت إلـى ربـيبة، كما يقال: هي قبـيـلة من مقبولة، وقد يقال لزوج الـمرأة: هو ربـيب ابن امرأته، يعنـي به: هو رابّه، كما يقال: هو جابر وجبـير، وشاهد وشهيد.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: {مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} فقال بعضهم معنى الدخول فـي هذا الـموضع: الـجماع. ذكر من قال ذلك:

٧٢٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: {مِنْ نِسائِكُمْ اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} والدخول: النكاح.

وقال آخرون: الدخول فـي هذا الـموضع: هو التـجريد. ذكر من قال ذلك:

٧٢٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: قلت لعطاء، قوله: {اللاّتِـي دَخَـلْتُـمْ بِهِنّ} ما الدخول بهنّ؟ قال: أن تهدى إلـيه فـيكشف ويعتسّ، ويجلس بـين رجلـيها. قلت: أرأيت إن فعل ذلك فـي بـيت أهلها؟ قال: هو سواء، وحسبه قد حرم ذلك علـيه ابنتها. قلت: تـحرم الربـيبة مـمن يصنع هذا بأمها إلا ما يحرم علـيّ من أمتـي إن صنعته بأمها؟ قال: نعم سواء. قال عطاء: إذا كشف الرجل أمته وجلس بـين رجلـيها أنهاه عن أمها وابنتها.

قال أبو جعفر: وأولـى القولـين عندي بـالصواب فـي تأويـل ذلك، ما قاله ابن عبـاس ، من أن معنى الدخول: الـجماع والنكاح، لأن ذلك لا يخـلو معناه من أحد أمرين: إما أن يكون علـى الظاهر الـمتعارف من معانـي الدخول فـي الناس، وهو الوصول إلـيها بـالـخـلوة بها، أو يكون بـمعنى الـجماع، وفـي إجماع الـجميع علـى أن خـلوة الرجل بـامرأته لا يحرّم علـيه ابنتها إذا طلقها قبل مسيسها ومبـاشرتها، أو قبل النظر إلـى فرجها بـالشهوة ما يدلّ علـى أن معنى ذلك: هو الوصول إلـيها بـالـجماع. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلناه.

وأما قوله: {فإنْ لـمْ تَكُونُوا دخَـلْتُـمْ بِهِنّ فَلا جُناح عَلَـيْكُمْ} فإنه

يقول: فإن لـم تكونوا أيها الناس دخـلتـم بأمهات ربـائبكم اللاتـي فـي حجوركم، فجامعتـموهنّ حتـى طلقتـموهنّ، {فلا جُنَاحَ عَلَـيْكُم}

يقول: فلا حرج علـيكم فـي نكاح من كان من ربـائبكم كذلك.

وأما قوله: {وَحَلائِلُ أبْنائِكُمْ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ} فإنه يعنـي: وأزواج أبنائكم الذين من أصلابكم، وهي جمع حلـيـلة وهي امرأته،

وقـيـل: سميت امرأة الرجل حلـيـلته، لأنها تـحلّ معه فـي فراش واحد. ولا خلاف بـين جميع أهل العلـم أن حلـيـلة ابن الرجل حرام علـيه نكاحها بعقد ابنه علـيها النكاح، دخـل بها أو لـم يدخـل بها.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـي حلائل الأبناء من الرضاع، فإن اللّه تعالـى إنـما حرّم حلائئل أبنائنا من أصلابنا؟

قـيـل: إن حلائل الأبناء من الرضاع، وحلائل الأبناء من الأصلاب سواء فـي التـحريـم، وإنـما قال: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمْ الّذِين مِنْ أصْلابِكُمْ} لأن معناه: وحلائل أبنائكم الذين ولدتـموهم دون حلائل أبنائكم الذين تبنـيتوهم. كما:

٧٢٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء، قوله: {وَحَلائِلُ أبْنائِكُمْ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ} قال: كنا نُـحَدّث واللّه أعلـم أنها نزلت فـي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة، قال الـمشركون فـي ذلك، فنزلت: {وَحَلائِلُ أبْنائِكمُ الّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ}، ونزلت: {وَما جَعَلَ أدْعِياءكُمْ أبْناءَكُمْ}، ونزلت: {ما كانَ مُـحَمّد أبـا أحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ}.

وأما قوله: {وأنْ تَـجْمَعُوا بَـيْنَ الأُخْتَـيْنِ} فإن معناه: وحرّم علـيكم أن تـجمعوا بـين الأختـين عندكم بنكاح، فـ(أن) فـي موضع رفع، كأنه

قـيـل: والـجمع بـين الأختـين. {إلاّ ما قدْ سلفَ} لكن ما قد مضى منكم. {فإنّ اللّه كانَ غفورا} لذنوب عبـاده إذا تابوا إلـيه منها. {رَحِيـما} بهم فـيـما كلفهم من الفرائض وخفف عنهم فلـم يحملهم فوق طاقتهم. يخبر بذلك جل ثناؤه أنه غفور لـمن كان جمع بـين الأختـين بنكاح فـي جاهلـيته وقـيـل تـحريـمه ذلك، إذا اتقـى اللّه تبـارك وتعالـى بعد تـحريـمه ذلك علـيه فأطاعه بـاجتنابه، رحيـم به وبغيره من أهل طاعته من خـلقه.

﴿ ٢٣