٣٦

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّه وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ...}.

يعني بذلك جلّ ثناؤه: وذلّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له الخضوع والذلة، بالانتهاء إلى أمره، والانزجار عن نهيه، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكا تعظمونه تعظيمكم إياه. {وَبالوَالِدَيْنِ إحْسانا}

يقول: وأمركم بالوالدين إحسانا، يعني برّا بهما¹ ولذلك نصب الإحسان، لأنه أمر منه جل ثناؤه بلزوم الإحسان إلى الوالين على وجه الإغراء. وقد قال بعضهم: معناه: واستوصوا بالوالدين إحسانا، وهو قريب المعنى مما قلناه.

وأما قوله: {وَبِذِي القُرْبَى} فإنه يعني: وأمر أيضا بذي القربى، وهم ذوو قرابة أحدنا من قبل أبيه أو أمه ممن قربت منه قرابته برحمه من أحد الطرفين إحسانا بصلة رحمهوأما قوله: {واليَتَامى} فإنهم جمع يتيم، وهو الطفل الذي قد مات والده وهلك. {وَالمَساكِينِ} وهو جمع مسكين، وهو الذي قد ركبه ذلّ الفاقة والحاجة، فتمسكن لذلك. يقول تعالى ذكره: استوصوا بهؤلاء إحسانا إليهم، وتعطفوا عليهم، والزموا وصيتي في الإحسان إليهم.

القول في تأويل قوله تعالى: {والجارِ ذِي القُرْبَي}.

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك والجار ذي القرابة والرحم منك. ذكر من قال ذلك:

٧٥٦٩ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} يعني: الذي بينك وبينه قرابة.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {والجارِ ذي القُرْبَي} يعني: ذا الرحم.

٧٥٧٠ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} قال: جارك هو ذو قرابتك.

٧٥٧١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} قالا: القرابة.

٧٥٧٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك ، في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} قال: جارك الذي بينك وبينه قرابة.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {والجارِ ذِي القُرْبَي} جارك ذو القرابة.

٧٥٧٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {والجارِ ذِي القُرْبَي} إذا كان له جار له رحم، فله حقان اثنان: حقّ القرابة، وحقّ الجار.

٧٥٧٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} قال: الجار ذو القربى: ذو قرابتك.

وقال آخرون: بل هو جار ذي قرابتك. ذكر من قال ذلك:

٧٥٧٥ـ حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن ميمون بن مهران، في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} قال: الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك.

قال أبو جعفر: وهذا القول قول مخالف المعروف من كلام العرب، وذلك أن الموصوف بأنه ذو القرابة في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} الجار دون غيره، فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة، ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل: وجار ذي القربى، ولم يقل: والجار ذي القربي، فكان يكون حينئذً ـ إذا أضيف الجار إلى ذي القرابة الوصية ببرّ جار ذي القرابة دون الجار ذي القربيوأما والجار بالألف واللام فغير جائز أن يكوى (ذي القربى) إلا من صفة الجار. وإذا كان ذلك كذلك كانت الوصية من اللّه في قوله: {والجارِ ذِي القُرْبَي} ببرّ الجار ذي القربى دون جار ذي القرابة، وكان بينا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: والجار ذي القربي منكم بالإسلام. ذكر من قال ذلك:

٧٥٧٦ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال¹ حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي: {والجارِ ذِي القُرْبَي} المسلم.

وهذا أيضا مما لا معنى له، وذلك أن تأويل كتاب اللّه تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب، الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها. وإذا كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة، إنما يعني به: إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين، كان صرفه إلى القرابة بالرحم أوّلَى من صرفه إلى القرب بالدين.

القول في تأويل قوله تعالى: {والجارِ الجُنُبِ}.

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه. ذكر من قال ذلك:

٧٥٧٧ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {والجارِ الجُنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة.

٧٥٧٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: {والجارِ الجُنُبِ} يعني: الجار من قوم جنب.

٧٥٧٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {والجارِ الجُنُبِ}: الذي ليس بينهما قرابة وهو جار، فله حقّ الجوار.

٧٥٨٠ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {والجاره الجُنُبِ} الجار الغريب يكون من القوم.

٧٥٨١ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد: {والجارِ الجُنُبِ} جارك من قوم آخرين.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {والجارِ الجُنُبِ}: جارك لا قرابة بينك وبينه، البعيد في النسب وهو جار.

٧٥٨٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد، في قوله: {والجارِ الجُنُبِ} قال: المجانب.

٧٥٨٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {والجارِ الجُنُبِ}: الذي ليس بينك وبينه وجه ولا قرابة.

٧٥٨٤ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : {والجارِ الجُنُبِ} قال: من قوم آخرين.

وقال آخرون: هو الجار المشرك. ذكر من قال ذلك:

٧٥٨٥ـ حدثني محمد بن عمارة الأسديّ، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي {والجارِ الجُنُبِ} قال: اليهودي والنصرانيّ.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى الجنب في هذا الموضع: الغريب البعيد، مسلما كان أو مشركا، يهوديا كان أو نصرانيا¹ لما بينا قبل أن الجار ذي القربى: هو الجار ذو القرابة والرحم، والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران، قريبهم وبعيدهم. وبعد فإن الجُنب في كلام العرب البعيد كما قال أعشى بني قيس:

أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍفكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا

يعني بقوله: (عن جنابة): عن بعد وغربة، ومنه قيل: اجتنب فلان فلانا: إذا بعد منه. وتجنبه غيره: إذا منعه إياه¹ ومنه قيل للجنب: جُنُب، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل. فمعنى ذلك: والجار المجانب للقرابة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالصّاحِب بالجَنْبِ}.

اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك،

فقال بعضهم: هو رفيق الرجل في سفره. ذكر من قال ذلك:

٧٥٨٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {وَالصّاحِب بالجَنْبِ}: الرفيق في السفر.

٧٥٨٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيـى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن أبي بكير، قال: سمعت سعيد ابن جبير،

يقول: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الرفيق في السفر.

٧٥٨٨ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {وَالصّاحِب بالجَنْب}: صاحبك في السفر.

٧٥٨٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَالصّاحِب بالجَنْب} وهو الرفيق في السفر.

٧٥٩٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَالصّاحِب بالجَنْب}: الرفيق في السفر، منزله منزلك، وطعامه طعامك، ومسيره مسيرك.

٧٥٩١ـ حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد: {وَالصّاحِب بالجَنْب} قالا: الرفيق في السفر.

٧٥٩٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر، عن عليّ وعبد اللّه ، قال: {الصّاحِب بالجَنْب}: الرفيق الصالح.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني سليم، عن مجاهد، قال: {وَالصّاحِب بالجَنْب}: رفيقك في السفر الذي يأتيك ويده مع يدك.

حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج، قال: أخبرنا سليم أنه سمع مجاهدا

يقول: {والصّاحبِ بالجنْب} فذكر مثله.

٧٥٩٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الصاحب في السفر.

٧٥٩٤ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو دكين، قال: حدثنا سفيان، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الرفيق الصالح.

حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي بكير، عن سعيد بن جبير، مثله.

٧٥٩٥ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ} قال: الرفيق في السفر.

حدثني يحيـى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، مثله.

وقال آخرون: بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه. ذكر من قال ذلك:

٧٥٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر أو القاسم، عن عليّ وعبد اللّه : {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ} قالا: هي المرأة.

حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن جابر، عن عليّ وعبد اللّه ، مثله.

٧٥٩٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن بيه، عن ابن عباس: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ} يعني الذي معك في منزلك.

٧٥٩٨ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن هلال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال في هذه الاَية: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ} قال: هي المرأة.

٧٥٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: ثناسفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ} قال: المرأة.

حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: قال الثوري، قال أبو الهيثم، عن إبراهيم: هي المرأة.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم، مثله.

حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم، مثله.

حدثني عمرو بن بيذق، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن محمد بن سوقة، عن أبي الهيثم، عن إبراهيم، مثله.

وقال آخرون: هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك. ذكر من قال ذلك:

٧٦٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الملازم

وقال أيضا: رفيقك الذي يرافقك.

٧٦٠١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الذي يلصق بك وهو إلى جنبك، ويكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك.

والصواب من القول في تأويل ذلك عندي: أن معنى: {وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ}: الصاحب إلى الجنب، كما يقال: فلان بجنب فلان وإلى جنبه، وهو من قولهم: جَنَب فلان فلانا فهو يَجْنُبُهُ جَنْبا، إذا كان لجنبه، ومن ذلك: جَنَبَ الخَيْلَ، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض. وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه، وقد أوصى اللّه تعال بجميعهم لوجوب حقّ الصاحب على المصحوب. وقد:

٧٦٠٢ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا ابن أبي فديك، عن فلان بن عبد اللّه ، عن الثقة عنده: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وسلم في غيضة طرفاء، فقطع فصيلين أحدهما معوجّ والاَخر معتدل، فخرج بهما فأعطى صاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوجّ، فقال الرجل: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي، أنت أحقّ بالمعتدل مني! فقال: (كَلاّ يا فُلانُ، إنّ كُلّ صَاحِبٍ يَصْحَبُ صَاحِبا مَسْئُولٌ عَنْ صَحَابَتِهِ وَلَوْ ساعَةً مِنْ نَهارٍ).

٧٦٠٣ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة، قال: ثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (إنّ خَيْرَ الأصحَابِ عِنْدَ اللّه تَبارَكَ وَتَعالى خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِه، وَخَيْرُ الجِيرانَ عِنْدَ اللّه خَيْرُهُمْ لِجارِه).

وإن كان الصاحب بالجنب معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلاً فيه كل من جنب رجلاً يصحبه في سفر أو نكاح أو انقطاع إليه واتصال به، ولم يكن اللّه جل ثناؤه خصّ بعضهم مما احتمله ظاهر التنزيل¹ فالصواب أن يقال: جميعهم معنيون بذلك، وبكلهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَابْنِ السّبِيلِ}.

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك،

فقال بعضهم: ابن السبيل: هو المسافر الذي يجتاز مارّا. ذكر من قال ذلك:

٧٦٠٤ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَابْنِ السّبِيلِ} هو الذي يمرّ عليك وهو مسافر.

حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقتادة، مثله.

٧٦٠٥ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: {وَابْنِ السّبِيلِ} قال: هو المارّ عليك وإن كان في الأصل غنيّا.

وقال آخرون: هو الضيف. ذكر من قال ذلك:

٧٦٠٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {وَابْنِ السَبِيلِ} قال: الضيف له حقّ في السفر والحضر.

٧٦٠٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَابْنِ السّبِيلِ} وهو الضيف.

حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك : {وَابْنِ السّبِيلِ} قال: الضيف.

حدثنا يحيـى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، مثله.

والصواب من القول في ذلك: أن ابن السبيل: هو صاحب الطريق، والسبيل: هو الطريق، وابنه: صاحبه الضارب فيه، فله الحقّ على من مرّ به محتاجا منقطعا به إذا كان سفره في غير معصية اللّه أن يعينه إن احتاج إلى معونة، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ}.

يعني بذلك جلّ ثناؤه: والذين ملكتموهم من أرقائكم. فأضاف الملك إلى اليمين، كما يقال: تكلم فوك، ومشت رجلُك، وبطشت يدُك، بمعنى: تكلمتَ، ومشيتَ، وبطشتَ. غير أن ما وصفت به كل عضو من ذلك، فإنما أضيف إليه ما وصفت به، لأنه بذلك يكون في المتعارف في الناس دون سائر جوارح الجسد، فكان معلوما بوصف ذلك العضو بما وُصف به من ذلك المعنى المراد من الكلام، فكذلك قوله: {وَمَا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} لأن مماليك أحدنا تحت يده، إنما يَطعم ما تناوله أيماننا ويكتسي ما تكسوه وتصرّفه فيما أحبّ صرفه فيه بها. فأضيف ملكهم إلى الأيمان لذلك.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٧٦٠٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ} مما خوّلك اللّه كل هذا أوصى اللّه به.

وإنما يعني مجاهد بقوله: (كل هذا أوصى اللّه به) الوالدين وذا القربى واليتامى والمساكين والجار ذا القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، فأوصى ربنا جلّ جلاله بجميع هؤلاء عباده إحسانا إليهم، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم، فحقّ على عباده حفظ وصية اللّه فيهم ثم حفظ وصية رسوله صلى اللّه عليه وسلم.

القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه لا يُحِبّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُورا}.

يعني بقوله جلّ ثناؤه: {إنّ اللّه لا يُحِبّ مَنْ كانَ مُخْتالاً}: إن اللّه لا يحبّ من كان ذا خيلاء، والمختال المفتعل من قولك: خال الرجل فهو يَخُول خَوْلاً وخَالاً، ومنه قول الشاعر:

فإنْ كُنْتَ سَيّدَنا سُدْتَناوإن كُنْتَ للخالِ فاذْهبْ فَخَلْ

ومنه قول العجاج:

والخالِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيابِ الجُهّالْ

وأما الفخور: فهو المفتخر على عباد اللّه بما أنعم اللّه عليه من آلائه، وبسط له من فضله، ولا يحد على ما أتاه من طوله، ولكنه به مختال مستكبر، وعلى غيره به مستطيل مفتخر. كما:

٧٦٠٩ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إنّ اللّه لا يُحِبّ مَنْ كانَ مُخْتالاً} قال: متكبرا فخورا، قال: يعدّ ما أُعطي، وهو لا يشكر اللّه .

٧٦١٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا محمد بن كثير، عن عبد اللّه بن واقد أبي رجاء الهروي، قال: لا تجد سيـيء الملكة إلا وجدته مختالاً فخورا، وتلا: {وَما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ إنّ اللّه لا يُحِبّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُورا}. ولا عاقّا إلا وجدته جبارا شقيا، وتلا: {وَبَرّا بِوَالِدِتي وَلْم يَجْعَلْنِي جَبّارا شَقيّا}.

﴿ ٣٦