٤٤القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ...}. اختلف أهل التأويل في معنى قوله جلّ ثناؤه: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ} فقال قوم: معناه: ألم تخبر. وقال آخرون: معناه: ألم تعلم. والصواب من القول في ذلك: ألم تر بقلبك يا محمد علما إلى الذين أوتوا نصيبا. وذلك أن الخبر والعلم لا يجليان رؤية، ولكنه رؤية القلب بالعلم لذلك كما قلنا فيه. وأما تأويل قوله: {إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتَابِ} فإنه يعني: إلى الذين أُعطوا حظّا من كتاب اللّه ، فعلموه. وذكر أن اللّه عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالي مهاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ٧٧٤٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ} فهم أعداء اللّه اليهود، اشتروا الضلالة. ٧٧٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ} إلى قوله: {يحَرّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} قال: نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي. ٧٧٤٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم ـ يعني: من عظماء اليهود إذا كلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لوى لسانه وقال: راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك! ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل اللّه : {ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ}.. إلى قوله: {فَلا يُؤْمِنُونَ إلاّ قَلِيلاً}. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عباس، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: {يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ واللّه أعْلَمُ بأعْدَائِكُمْ وكَفَى باللّه وَلِيّا وكَفَى باللّه نَصِيرا}. يعني جل ثناؤه بقوله: {يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ}: اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يختارون الضلالة، وذلك الأخذ على غير طريق الحق وركوب غير سبيل الرشد والصواب، مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهم الحقّ. وإنما عنى اللّه بوصفهم باشترائهم الضلالة مقامهم على التكذيب بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وتركهم الإيمان به، وهم عالمون أن السبيل الحقّ الإيمان به وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم. وأما قوله: {ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ} يعني بذلك تعالى ذكره: ويريد هؤلاء اليهود الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب أن تضلوا أنتم يا معشر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم المصدّقين به أن تضلوا السبيل، يقول: أن تزولوا عن قصد الطريق، ومحجة الحقّ، فتكذبوا بمحمد، وتكونوا ضلالاً مثلهم. وهذا من اللّه تعالى ذكره تحذير منه عباده المؤمنين أن يستنصحوا أحدا من أعداء الإسلام في شيء من أمر دينهم، أو أن يسمعوا شيئا من طعنهم في الحقّ. |
﴿ ٤٤ ﴾