٤٨

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّه لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ...}.

يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقا لمِا معكم، وإن اللّه لا يغفر أن يشرك به، فإن اللّه لا يغفر الشرك به والكفر، ويغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء من أهل الذنوب والاَثام. وإذ كان ذلك معنى الكلام، فإن قوله: {أنْ يُشْركَ بهِ} في موضع نصب بوقوع يغفر عليها وإن شئت بفقد الخافض الذي كان يخفضها لو كان ظاهرا، وذلك أن يوجه معناه: إلى أن اللّه لا يغفر بأن يشرك به على تأويل الجزاء، كأنه قيل: إن اللّه لا يغفر ذنبا مع شرك أو عن شرك¹ وعلى هذا التأويل يتوجه أن تكون (أن) في موضع خفض في قول بعض أهل العربية. وذكر أن هذه الاَية نزلت في أقوام ارتابوا في أمر المشركين حين نزلت: {يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه إنّ اللّه يَغْفِرُ الذّنُوبَ جمِيعا إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ}. ذكر الخبر بذلك:

٧٧٨٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: ثني محبر، عن عبد اللّه بن عمر، أنه قال: لما نزلت: {يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسهِمْ}.. الاَية، قام رجل فقال: والشرك يا نبيّ اللّه . فكره ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: {إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ باللّه فَقَدِ افْتَرَى إثما عَظِيما}.

حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: {إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} قال: أخبرني محبر، عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: لما نزلت هذه الاَية: {يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ}.. الاَية، قام رجل فقال: والشرك يا نبيّ اللّه . فكره ذلك النبيّ،

فقال: {إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}.

٧٧٨١ـ حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا الهيثم بن حماد، قال: حدثنا بكر بن عبد اللّه المزني، عن ابن عمر، قال: كنا معشر أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لا نشكّ في قاتل النفس، وأكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الاَية: {إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} فأمسكنا عن الشهادة.

وقد أبانت هذه الاَية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة اللّه ، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرة شركا بالله.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكُ باللّه فَقَدِ افْتَرَى إثما عَظِيما}.

يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يشرك باللّه في عبادته غيره من خلقه، فقد افترى إثما عظيما،

يقول: فقد اختلق إثما عظيما. وإنما جعله اللّه تعالى ذكره مفتريا، لأنه قال زورا وإفكا بجحوده وحدانية اللّه وإقراره بأن لله شريكا من خلقه وصاحبة أو ولدا، فقائل ذلك مفتر، وكذلك كلّ كاذب فهو مفتر في كذبه مختلق له.

﴿ ٤٨