٧٩

القول في تأويل قوله تعالى: {مّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ...}.

يعني جل ثناؤه بقوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}: ما يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة وعافية وسلامة، فمن فضل اللّه عليك يتفضل به عليك إحسانا منه إليكوأما قوله: {وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} يعني: وما أصابك من شدّة ومشقة وأذى ومكروه، فمن نفسك، يعني: بذنب استوجبتها به اكتسبته نفسك. كما:

٧٩٧١ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} أما من نفسك، ف

يقول: من ذنبك.

٧٩٧٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} عقوبة يا ابن آدم بذنبك

قال: وذكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان

يقول: (لا يُصِيبُ رَجُلاً خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بِذَنْبٍ، وَما يَعْفُوا اللّه أكْثَرُ).

٧٩٧٣ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

يقول: الحسنة: ما فتح اللّه عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح، والسيئة: ما أصابه يوم أُحد أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته.

٧٩٧٤ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}

يقول: بذنبك. ثم قال: {كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّه } النعم والمصيبات.

٧٩٧٥ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر، قالا: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} قال: هذه في الحسنات والسيئات.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية مثله.

٧٩٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: {وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}قال: عقوبة بذنبك.

٧٩٧٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} بذنبك، كما قال لأهل أُحد: {أوَ لَمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} بذنوبكم.

٧٩٧٨ـ حدثني يونس، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: {ماأصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} قال: بذنبك، وأنا قدرتها عليك.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيـى، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وأنا الذي قدرتها عليك.

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح، بمثله.

قال أبو جعفر:

فإن قال قائل: وما وجه دخول (من) في قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} و{مِنْ سَيّئَةٍ}؟ قيل: اختلف في ذلك أهل العربية، فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت (من)، لأن (من) تحسن مع النفي، مثل: ما جاءني من أحد

قال: ودخول الخبر بالفاء لازما بمنزلة (مَنْ)

وقال بعض نحويي الكوفة: أدخلت (مِنْ) مع (ما)، كما تدخل على (إن) في الجزاء لأنهما حرفا جزاء، وكذلك تدخل مع (مَن) إذا كانت جزاء، فتقول العرب: مَنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه، كما تقول: إنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه

قال: وأدخلوها مع (ما) و(مَنْ)، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء.

قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعا شيئين، وذلك أن (ما) في قوله: {ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} رفع بقوله: {أصَابَكَ} فلو حذفت (مِنْ) رفع قوله: {أصَابَكَ} السيئة، لأن معناه: إن تصبك سيئة، فلم يجز حذف (من) لذلك، لأن الفعل الذي هو على فعَل أو يَفعل لا يرفع شيئين، وجاز ذلك مع (مَنْ)، لأنها تشتبه بالصفات، وهي في موضع اسم، فأما (إن)، فإن (من) تدخل معها وتخرج، ولا تخرج مع (أيّ) لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب، ودخلت مع (ما) لأن الإعراب لا يظهر فيها.

القول في تأويل قوله تعالى: {وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً وكَفَى باللّه شَهيدا}.

يعني بقوله جل ثناؤه: {وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً}: إنما جعلناك يا محمد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردوا فعليها. {وكَفَى بالله} عليك وعليهم {شَهِيدا}

يقول: حسبك اللّه تعالى ذكره شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

﴿ ٧٩