٨١

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيّتَ طَآئِفَةٌ ...}.

يعني بذلك جل ثناؤه بقوله: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ} يعني: الفريق الذي أخبر اللّه عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال، خشوا الناس كخشية اللّه وأشدّ خشية، يقولون لنبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أمرهم بأمر: أمرك طاعة، ولك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه! {فَإذَا بَرزُوا مِنْ عِنْدِكَ}

يقول: فإذا خرجوا من عندك يا محمد {بيّتَ طائفةٌ منهمْ غيرَ الذِي تقولُ} يعني بذلك جلّ ثناؤه: غيّر جماعة منهم ليلاً الذي تقول لهم. وكلّ عَمل عُمل ليلاً فقد بُيّت، ومن ذلك بَيّتَ العدوّ وهو الوقوع بهم ليلاً، ومنه قول عبيدة ابن همام:

أتَوْنِي فَلَمْ أرْضَ ما بَيّتُواوكانُوا أتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُرْ

لاِنْكِحَ أيّمَهُمْ مُنْذِراوَهلْ يُنْكِحُ العَبْدَ حُرّ لِحُرّ

يعني بقوله: (فلم أرض ما بيتوا ليلاً): أي ما أبرموه ليلاً وعزموا عليه. ومنه قول النمر بن تولب العكليّ:

هَبّتْ لِتَعْذُلَنِي بلَيْلٍ اسْمَعِ!سَفَها تُبَيّتُكِ المَلامةُ فاهْجَعي!

يقول اللّه جلّ ثناؤه: {وَاللّه يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ} يعني بذلك جلّ ثناؤه: واللّه يكتب ما يغيرون من قولك ليلاً في كتب أعمالهم التي تكتبها حفظته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٧٩٨٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ} قال: يغيرون ما عهد نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٧٩٨١ـ حدثني محمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ} قال: غيّر أولئك ما قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم.

٧٩٨٢ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثني أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ} قال: غيّر أولئك ما قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّه يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ} قال: هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فأمرهم بأمر

قالوا: طاعة، فإذا خرجوا من عنده غيّرت طائفة منهم ما يقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم. {وَاللّه يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ}

يقول: ما يقولون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قوله: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ} قال: يغيّرون ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٧٩٨٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: {وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ} وهم ناس كانوا يقولون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آمنا باللّه ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فإذا برزوا من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالفوا إلى غير ما قالوا عنده¹ فعابهم اللّه ،

فقال: {بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ}

يقول: يغيّرون ما قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم.

٧٩٨٤ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ،

يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ}: هم أهل النفاق.

وأما رفع (طاعة) فإنه بالمتروك الذي دلّ عليه الظاهر من القول، وهو: أمرك طاعة، أو منا طاعةوأما قوله: {بَيّتَ طائِفَةٌ} فإن التاء من بيّت تحركها بالفتح عامة قراء المدينة والعراق وسائر القراء، لأنها لام فعل. وكان بعض قراء العراق يسكنها ثم يدغمها في الطاء لمقاربتها في المخرج.

قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك، ترك الإدغام، لأنها ـ أعني التاء والطاء من حرفين مختلفين¹ وإذا كان كذلك كان ترك الإدغام أفصح اللغتين عند العرب، واللغة الأخرى جائزة ـ أعني الإدغام في ذلك محكية.

القول في تأويل قوله تعالى: {فأعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ على اللّه وكَفَى باللّه وَكِيلاً}.

يقول جل ثناؤه لمحمد صلى اللّه عليه وسلم: فأعرض يا محمد عن هؤلاء المنافقين الذين يقولون لك فيما تأمرهم: أمرك طاعة، فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به وغيّروه إلى ما نهيتهم عنه، وخلّهم وما هم عليه من الضلالة، وارض لهم بي منتقما منهم، وتوكل أنت يا محمد على اللّه .

يقول: أي وحسبك باللّه وكيلاً: أي فيما يأمرك، ووليّا لها، ودافعا عنك وناصرا.

﴿ ٨١