٨٥القول في تأويل قوله تعالى: {مّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ...}. يعني بقوله جلّ ثناؤه: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها} من يَصِرْ يا محمد شفعا لوتر أصحابك، فيشفعهم في جهاد عدوّهم وقتالهم في سبيل اللّه ¹ وهو الشفاعة الحسنة {يَكُنْ له نَصِيبٌ مِنْها} يقوله: يكن له من شفاعته تلك نصيب، وهو الحظّ من ثواب اللّه ، وجزيل كرامته. {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيّئَةً} يقول: ومن يشفع وتر أهل الكفر باللّه على المؤمنين به، فيقاتلهم معهم، وذلك هو الشفاعة السيئة {يَكُنْ له كِفْلٌ مِنْها} يعني: بالكفل النصيب والحظّ من الوزر والإثم. وهو مأخوذ من كِفْل البعير والمركب، وهو الكساء أو الشيء يهيأ عليه شبيه بالسرج على الدابة، يقال منه: جاء فلان مكتفلاً: إذا جاء على مركب قد وُطّىءَ له على ما بينا لركوبه. إنه عنى بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها}.. الاَية، شفاعة الناس بعضهم لبعض. وغير مستنكر أن تكون الاَية نزلت فيما ذكرنا، ثم عمّ بذلك كل شافع بخير أو شرّ. وإنما اخترنا ما قلنا من القول في ذلك لأنه في سياق الاَية التي أمر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم فيها بحضّ المؤمنين على القتال، فكان ذلك بالوعد لمن أجاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والوعيد لمن أبى إجابته أشبه منه من الحثّ على شفاعة الناس بعضهم لبعض التي لم يجر لها ذكر قبل ولا لها ذكر بعد. ذكر من قال ذلك في شفاعة الناس بعضهم لبعض: ٨٠١٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيّئَةً} قال: شفاعة بعض الناس لبعض. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٨٠١١ـ حُدثت عن ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، قال: من يُشَفّع شفاعة حسنة كان له فيها أجران، ولأن اللّه يقول: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها} ولم يقل: يُشَفّع. ٨٠١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: من يشفع شفاعة حسنة كتب له أجرها ما جرت منفعتها. ٨٠١٣ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سئل ابن زيد، عن قول اللّه : {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها} قال: الشفاعة الصالحة التي يشفع فيها وعمل بها هي بينك وبينه هما فيها شريكان. {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} قال: هما شريكان فيها كما كان أهلها شريكين. ذكر من قال ذلك: الكفل النصيب: ٨٠١٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها}: أي حظّ منها. {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} والكفل: هو الإثم. ٨٠١٥ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} أما الكفل: فالحظّ. ٨٠١٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} قال: حظّ منها، فبئس الحظّ. ٨٠١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الكفل والنصيب واحد. وقرأ: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}. القول في تأويل قوله تعالى: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا}. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} فقال بعضهم: تأويله: وكان اللّه على كل شيء حفيظا وشهيدا. ذكر من قال ذلك: ٨٠١٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} يقول: حفيظا. ٨٠١٩ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {مُقِيتا} شهيدا. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل اسمه مجاهد، عن مجاهد، مثله. ٨٠٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {مُقِيتا} قال: شهيدا، حسيبا، حفيظا. ٨٠٢١ـ حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، قال: حدثنا أبي، عن خصيف، عن مجاهد أبي الحجاج: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} قال: المقيت: الحسيب. وقال آخرون: معنى ذلك: القائم على كل شيء بالتدبير. ذكر من قال ذلك: ٨٠٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد اللّه بن كثير: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} قال: المقيت: الواصب. وقال آخرون: هو القدير. ذكر من قال ذلك: ٨٠٢٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} أما المقيت: فالقدير. ٨٠٢٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتا} قال: على كل شيء قديرا. المقيت: القدير. قال أبو جعفر: والصواب من هذه الأقوال، قول من قال: معنى المقيت: القدير، وذلك أن ذلك فيما يذكر كذلك بلغة قريش، وينشد للزبير بن عبد المطلب عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النّفسَ عنْهُوكُنْتُ على مَساءَتِهِ مُقيتا أي قديرا. إن منه قول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: (كَفَى بالمَرْءِ إثْما أنْ يُضَيّعَ مَنْ يُقِيتُ) في رواية من رواها: (يُقيت): يعني من هو تحت يديه في سلطانه من أهله وعياله، فيقدر له قوته. يقال منه: أقات فلان الشيء يقتيه إقاتة، وقاته يقوته قياتة وقُوتا، والقوت الاسموأما المُقِيتُ في بيت اليهودي الذي يقول فيه: لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنّ إذَا مَاقَرّبُوها مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ ألِيَ الفَضْلُ أمْ عَليّ إذَا حُوسِبْتُ إنّي على الحِسابِ مُقِيتُ فإن معناه: فإني على الحساب موقوف، وهو من غير هذا المعنى. |
﴿ ٨٥ ﴾