٩٦

القول في تأويل قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّه غَفُوراً رّحِيماً }.

يعني بقوله جلّ ثناؤه: {دَرَجاتٍ مِنْهُ}: فضائل منه ومنازل من منازل الكرامة.

واختلف أهل التأويل في معنى الدرجات التي قال جل ثناؤه {دَرَجاتٍ مِنْهُ}. فقال بعضهم بما:

٨١٩٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَحَمَةً} كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة في الإسلام درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة.

وقال آخرون بما:

٨١٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قول اللّه تعالى: {وَفَضّلَ اللّه المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجْرا عَظِيما دَرَجاتٍ مِنْه} الدرجات: هي السبع التي ذكرها في سورة براءة: {ما كانَ لأهلِ المدينةِ ومَنْ حَوْلهمْ مِنَ الأعراب أنْ يتَخلّفُوا عنْ رسُولِ اللّه ولا يَرْغبُوا بأنفُسهِمْ عنْ نَفسِهِ ذلك بَأَنهمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمأٌ ولا نَصبٌ} فقرأ حتى بلغ: {أحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}. قال هذه السبع الدرجات

قال: وكان أوّل شيء، فكانت درجة الجهاد مجملة، فكان الذي جاهد بماله له اسم في هذه، فلما جاءت هذه الدرجات بالتفضيل أخرج منها، فلم يكن له منها إلا النفقة. فقرأ: {لا يُصيبُهُمْ ظَمأٌ وَلا نَصَبٌ} وقال: ليس هذا لصاحب النفقة. ثم قرأ: {ولاَ يُنفِقُونَ نفقةً} قال: وهذه نفقة القاعد.

وقال آخرون: عُني بذلك درجات الجنة. ذكر من قال ذلك:

٨٢٠٠ـ حدثنا عليّ بن الحسن الأزدي، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن هشام بن حسان، عن جبلة بن سُحيم، عن ابن محيريز في قوله: {فَضّلَ اللّه المُجاهِدينَ على القاعِدينَ}.. إلى قوله: {دَرَجاتٍ} قال: الدرجات: سبعون درجة، ما بين الدرجتين حُضْرُ الفرس الجواد المضمّر سبعين سنة.

وأولى التأويلات بتأويل قوله¹ {دَرَجاتٍ مِنْه} أن يكون معنيّا به درجات الجنة، كما قال ابن محيريز¹ لأن قوله تعالى ذكره: {دَرَجاتٍ مِنْهُ} ترجمة وبيان عن قوله: {أجْرا عَظِيما}، ومعلوم أن الأجر إنما هو الثواب والجزاء، وإذا كان ذلك كذلك، وكانت الدرجات والمغفرة والرحمة ترجمة عنه، كان معلوما أن لا وجه لقول من وجه معنى قوله: {دَرَجاتٍ مِنْه} إلى الأعمال وزيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد كما قال قتادة وابن زيد. وإذا كان ذلك كذلك، وكان الصحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا، فبيّن أن معنى الكلام: وفضل اللّه المجاهدين في سبيل اللّه على القاعدين من غير أولي الضرر أجرا عظيما وثوابا جزيلاً، وهو درجات أعطاهموها في الاَخرة من درجات الجنة، رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات اللّه . {وَمغفرةً}

يقول: وصفح لهم عن ذنوبهم، فتفضل عليهم بترك عقوبتهم عليها. {ورحمةً}

يقول: ورأفة بهم. {وكانع اللّه غَفُورا رَحِيما}

يقول: ولم يزل اللّه غفورا لذنوب عباده المؤمنين، فيصفح لهم عن العقوبة عليها {رَحِيما} بهم، يتفضل عليهم بنعمه، مع خلافهم أمره ونهيه وركوبهم معاصيه.

﴿ ٩٦