١٠٠القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً...}. يعني جل ثناؤه بقوله: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه }: ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هربا بدينه منها ومنهم إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين، {في سَبِيلِ اللّه } يعني في منهاج دين اللّه وطريقه الذي شرعه لخلقه، وذلك الدين القيم. {يَجِدْ في الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا} يقول: يجد هذا المهاجر في سبيل اللّه مراغما كثيرا، وهو المضطرب في البلاد والمذهب، يقال منه: راغم فلان قومه مُراغَما ومراغمة مصدران، ومنه قول نابغة بني جعدة: كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكانِهِعَزِيزِ المُرَاغَمِ والمَهْرَبِ وقوله: {وَسَعَةً} فإنه يحتمل السعة في أمر دينهم بمكة، وذلك منعهم إياهم من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجرا من أرض الشرك فارّا بدينه إلى اللّه وإلى رسوله إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض الإسلام ودار الهجرة، فقال: من كان كذلك فقد وقع أجره على اللّه ، وذلك ثواب عمله وجزاء هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه. يقول جلّ ثناؤه: ومن يخرج مهاجرا من داره إلى اللّه وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته إن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنية إياه قبل بلوغه إياها على ربه. {وكانَ اللّه غَفُورا رَحِيما} يقول: ولم يزل اللّه تعالى ذكره غفورا، يعني: ساترا ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها رحيما بهم رفيقا. وذكر أن هذه الاَية نزلت بسبب بعض من كان مقيما بمكة وهو مسلم، فخرج لما بلغه أن اللّه أنزل الاَيتين قبلها، وذلك قوله: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ}.. إلى قوله: {وكانَ اللّه عَفُوّا غَفُورا} فمات في طريقه قبل بلوغه المدينة. ذكر الاَخبار الواردة بذلك: ٨٢٢٠ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ} قال: كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع، قال: فلما أمروا بالهجرة كان مريضا، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: ففعلوا، فأتاه الموت وهو بالتنعيم، فنزلت هذه الاَية. حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت هذه الاَية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه } في ضمرة بن العيص بن الزنباع، أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع، حين بلغ التنعيم مات فنزلت فيه. حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن العوام التيمي بنحو حديث يعقوب، عن هشيم، قال: وكان رجلاً من خزاعة. ٨٢٢١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَمَنْ يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً}.. الاَية، قال: لما أنزل اللّه هؤلاء الاَيات ورجل من المؤمنين يقال له ضمرة بمكة، قال: واللّه إن لي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها وإني لأهتدي، أخرجوني! وهو مريض حينئذ. فلما جاوز الحرم قبضه اللّه فمات، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه }.. الاَية. حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لما نزلت: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ} قال رجل من المسلمين يومئذ وهو مريض: واللّه مالي من عذر إني لدليل بالطريق، وإني لموسر، فاحملوني! فحملوه فأدركه الموت بالطريق، فنزلت فيه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ}. ٨٢٢٢ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عكرمة يقول: لما أنزل اللّه : {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ}.. الاَيتين، قال رجل من بني ضمرة وكان مريضا: أخرجوني إلى الرّوْح! فأخرجوه، حتى إذا كان بالحَصْحَاص مات، فنزل فيه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ}.. الاَية. ٨٢٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكري، قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه } قال: نزلت في رجل من خزاعة. ٨٢٢٤ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرّة، عن الضحاك في قول اللّه جلّ وعزّ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه } قال: لما سمع رجل من أهل مكة أن بني كنانة قد ضربت وجوهَهم وأدبارَهم الملائكةُ قال لأهله: أخرجوني! وقد أدنف للموت قال: فاحتمل حتى انتهى إلى عَقَبة قد سماها، فتوفي، فأنزل اللّه : {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ}.. الاَية. ٨٢٢٥ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدّيّ، قال: لما سمع بهذه ـ يعني بقوله: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ}.. إلى قوله: {وكانَ اللّه عَفُوّا غَفُورا} ضمرةُ بن جندب الضمري قال لأهله وكان وجعا: أرحلوا راحلتي، فإن الأخشبين قد غماني ـ يعني: جبلي مكة لعلي أن أخرج فيصيبني روح! فقعد على راحلته ثم توجه نحو المدينة فمات بالطريق، فأنزل اللّه : {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه }وأما حين توجه إلى المدينة، فإنه قال: اللهمّ مهاجر إليك وإلى رسولك. ٨٢٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: لما نزلت هذه الاَية، يعني قوله: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ} قال جندب بن ضمرة الجندعي: اللهمّ أبلغت في المعذرة والحجة، ولا معذرة لي ولا حجة قال: ثم خرج وهو شيخ كبير فمات ببعض الطريق، فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مات قبل أن يهاجر، فلا ندري أعلى ولاية أم لا؟ فنزلت: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه }. حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك يقول: لما أنزل اللّه في الذين قتلوا مع مشركي قريش ببدر: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ}.. الاَية، سمع بما أنزل اللّه فيهم رجل من بني ليث كان على دين النبيّ صلى اللّه عليه وسلم مقيما بمكة، وكان ممن عذر اللّه كان شيخا كبيرا وضيئا، فقال لأهله: ما أنا ببائت الليلة بمكة! فخرجوا به مريضا حتى إذا بلغ التنعيم من طريق المدينة أدركه الموت، فنزل فيه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه }.. الاَية. ٨٢٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّه يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً} قال: هاجر رجل من بني كنانة يريد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فمات في الطريق. فسخر به قومه واستهزءوا به، و قالوا: لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن! قال: فنزلت القرآن: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه على اللّه }. ٨٢٢٨ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الاَية: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ} وكان بمكة رجل يقال له ضمرة من بني بكر وكان مريضا، فقال لأهله: أخرجوني من مكة، فإني أجد الحرّ! فقالوا: أين نخرجك؟ فأشار بيده نحو المدينة. فنزلت هذه الاَية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ}.. إلى آخر الاَية. ٨٢٢٩ـ حدثني الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، قال: حدثنا قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: لما نزلت هذه الاَية: {لا يَسْتَوِى القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غيرُ أُولي الضّرَرِ} قال: رخص فيها قوم من المسلمين ممن كان بمكة من أهل الضرر حتى نزلت فضيلة المجاهدين على القاعدين، فقالوا: قد بين اللّه فضيلة المجاهدين على القاعدين ورخص لأهل الضرر. حتى نزلت: {إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسهِمْ}.. إلى قوله: {وَساءَتْ مَصيرا} قالوا: هذه موجبة. حتى نزلت: {إلاّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجالِ وَالنّساءِ وَالوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}، فقال ضمرة بن العيص الزرقي أحد بني ليث، وكان مصاب البصر: إني لذو حيلة لي مال ولي رقيق، فاحملوني! فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه هذه الاَية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ}.. الاَية. واختلف أهل التأويل في تأويل المراغَم، فقال بعضهم: هو التحوّل من أرض إلى أرض. ذكر من قال ذلك: ٨٢٣٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: {مُرَاغَما كَثِيرا} قال: المراغم: التحوّل من الأرض إلى الأرض. ٨٢٣١ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك ، يقول في قوله: {مُرَاغَما كَثِيرا} يقول: متحوّلاً. ٨٢٣٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: {يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا} قال: متحوّلاً. ٨٢٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن أو قتادة: {مُرَاغَما كَثِيرا} قال: متحوّلاً. ٨٢٣٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه عز وجل: {يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَما كَثِيرا} قال: مندوحةً عما يكره. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: {مُرَاغَما كَثِيرا} قال: مزحزحا عما يكره. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: {مُرَاغَما كَثيرا} قال: متزحزحا عما يكره. وقال آخرون: مبتغَى معيشةٍ. ذكر من قال ذلك: ٨٢٣٥ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَما كَثِيرا} يقول: مبتغى للمعيشة. وقال آخرون: المراغم: المهاجر. ذكر من قال ذلك: ٨٢٣٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {مُرَاغَما} المراغم: المهاجر. قال أبو جعفر: وقد بينا أولى الأقوال في ذلك بالصواب فيما مضى قبل. واختلفوا أيضا في معنى السّعَة التي ذكرها اللّه في هذا الموضع فقال: {وَسَعَة}¹ فقال بعضهم: هي السعة في الرزق. ذكر من قال ذلك: ٨٢٣٧ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً} قال: السّعة في الرزق. ٨٢٣٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: {مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً} قال: السعة في الرزق. ٨٢٣٩ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {وَسَعَةَ} يقول: سعة في الرزق. وقال آخرون في ذلك ما: ٨٢٤٠ـ حدثني بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {يَجِدْ فِي الأرْض مُرَاغَما كَثِيرا وَسَعَةً}: أي واللّه من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه أخبر أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطربا ومتسعا¹ وقد يدخل في السّعة، السعة في الرزق، والغنى من الفقر¹ ويدخل فيه السعة من ضيق الهمّ، والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان باللّه من المشركين بمكة، وغير ذلك من معاني السّعة التي هي بمعنى الرّوْح والفرج من مكروه ما كره اللّه للمؤمنين بمقامهم بين ظهري المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع اللّه دلالة على أنه عنى بقوله: (وسعة) بعض معاني السعة التي وصفنا، فكل معاني السّعة هي التي بمعنى الروح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش وغمّ جوار أهل الشرك وضيق الصدر، بتعذّر إظهار الإيمان باللّه وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والاَلهة، داخل في ذلك. وقد تأوّل قوم من أهل العلم هذه الاَية، أعني قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ على اللّه } أنها في حكم الغازي يخرج للغزو فيدركه الموت بعد ما يخرج من منزله فاصلاً فيموت، أن له سهمه من المغنم وإن لم يكن شهد الوقعة. كما: ٣٥١٨ حدثني المثنى، قال: حدثنا يوسف بن عديّ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حببب، أن أهل المدينة يقولون: من خرج فاصلاً وجب سهمه¹ وتأوّلوا قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إلى اللّه وَرَسُولِهِ}. ١٧٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ...}. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: يَسْتَفْتُونَكَ يسألونك يا مـحمد أن تفتـيهم فـي الكلالة. وقد بـينا معنى الكلالة فـيـما مضى بـالشواهد الدالة علـى صحته، وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيه فأغنى ذلك عن إعادته، وبـينا أن الكلالة عندنا ما عدا الولد والوالد. إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فلَها نِصْفُ ما تَرَكَ يعنـي بقوله: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ: إن إنسان من الناس مات. كما: ٨٦٢٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّي: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يقول: مات. لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ ذكر ولا أنثى وَلَهُ أُخْتٌ يعنـي: وللـميت أخت لأبـيه وأمه، أو لأبـيه. فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ يقول: فلأخته التـي تركها بعده بـالصفة التـي وصفنا نصف تركته ميراثا عنه دون سائر عصبته، وما بقـي فلعصبته. وذُكر أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هَمّهُم شأن الكلالة، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى فـيها هذه الاَية. ذكر من قال ذلك: ٨٦٢٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ فسألوا عنها نبـيّ اللّه ، فأنزل اللّه فـي ذلك القرآن: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ فقرأ حتـى بلغ: وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ قال: وذكر لنا أن أبـا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه قال فـي خطبته: ألا إن الاَية التـي أنزل اللّه فـي أوّل سورة النساء فـي شأن الفرائض أنزلها اللّه فـي الولد والوالد، والاَية الثانـية أنزلها فـي الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والاَية التـي ختـم بها سورة النساء أنزلها فـي الإخوة والأخوات من الأب والأم، والاَية التـي ختـم بها سورة الأنفـال أنزلها فـي أُوِلـى الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلـى بِبَعْضٍ فِـي كِتابِ اللّه مـما جرّت الرحم من العَصَبة. ٨٦٢٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الشيبـانـي، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: سأل عمر بن الـخطاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الكلالة، فقال: (ألَـيْسَ قَدْ بَـيّنَ اللّه ذَلِكَ؟) قال فنزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. ٨٦٣٠ـ حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام، قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، عن هشام الدّستوائيّ، قال: حدثنا أبو الزبـير، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: اشتكيت وعندي تسع أخوات لـي أو سبع أبو جعفر الذي يشكّ فدخـل علـيّ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فنفخ وجهي، فأفقت وقلت: يا رسول اللّه ، ألا أوصي لأخواتـي بـالثلث؟ قال: (أحْسَنُ)، قلت: الشطر؟ قال: (أحْسَنُ). ثم خرج وتركنـي، ثم رجع إلـيّ فقال: (يا جابِرُ إنّـي لا أُرَاكَ مَيّتا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا، وَإنّ اللّه قَدْ أنْزَلَ فِـي الّذِي لاِءَخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنّ الثّلُثَـيْنِ) قال: فكان جابر يقول: أنزلت هذه الاَية فـيّ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن هشام، يعنـي الدّستوائيّ، عن أبـي الزبـير، عن جابر، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، مثله. ٨٦٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن ابن الـمنكدر، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: مرضت فأتانـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يعودنـي هو وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجدونـي قد أغمى علـيّ، فتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم صبّ علـيّ من وَضوئه، فأفقت، فقلت: يا رسول اللّه كيف أقضي فـي مالـي، أو كيف أصنع فـي مالـي؟ وكان له تسع أخوات ولـم يكن له والد ولا ولد قال: فلـم يجبنـي شيئا حتـى نزلت آية الـميراث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ... إلـى آخر السورة. قال ابن الـمنكدر: قال جابر: إنـما أنزلت هذه الاَية فـيّ. وكان بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن هذه الاَية هي آخر آية أنزلت من القرآن. ذكر من قال ذلك: ٨٦٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن أبـي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: سمعته يقول: إن آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن أبـي إسحاق، عن البراء، قال: آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. حدثنا مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا عبد الصمد بن النعمان، قال: حدثنا مالك بن مِغْول، عن أبـي السّفَر، عن البراء، قال: آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. ٨٦٣٣ـ حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـيّ، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن البراء، قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتـمة سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ. واختلف فـي الـمكان الذي نزلت فـيه الاَية، فقال جابر بن عبد اللّه : نزلت فـي الـمدينة. وقد ذكرت الرواية بذلك عنه فـيـما مضى بعضها فـي أوّل السورة عند فـاتـحة آية الـمواريث، وبعضها فـي مبتدإ الإخبـار عن السبب الذي نزلت فـيه هذه الاَية. وقال آخرون: بل أنزلت فـي مسير كان فـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه. ذكر من قال ذلك: ٨٦٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ والنبـيّ فـي مسير له، وإلـى جنبه حذيفة بن الـيـمان، فبلّغها النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حذيفة، وبلّغها حذيفة عمر بن الـخطاب وهو يسير خـلفه. فلـما استـخـلف عمر سأل عنها حذيفة، ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة: واللّه إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تـحملنـي أن أحدثك فـيها بـما لـم أحدثك يومئذ فقال عمر: لـم أرد هذا رحمك اللّه . حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين بنـحوه، إلا أنه قال فـي حديثه: فقال له حذيفة: واللّه إنك لأحمق إن ظننت. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا ابن عون، عن مـحمد بن سيرين، قال: كانوا فـي مسير ورأس راحلة حذيفة قال: ونزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ فلقّاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذيفة، فلقاها حذيفة عمر. فلـما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة، فقال: واللّه إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقّانـيها رسول اللّه فلقـيتكها كما لقانـيها، واللّه لاأزيدك علـيها شيئا أبدا قال: وكان عمر يقول: اللهمّ إن كنت بـينتها له، فإنها لـم تبـين لـي. واختلف عن عمر فـي الكلالة، فرُوي عنه أنه قال فـيها عند وفـاته: هو من لا ولد له ولا والد. وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فـيـما مضى فـي أول هذه السورة فـي آية الـميراث. ورُوي عنه أنه قال قبل وفـاته: هو ما خلا الأب. ذكر من قال ذلك: ٨٦٣٥ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن مَعْدان بن أبـي طلـحة الـيعمريّ، قال: قال عمر بن الـخطاب: ما أغلظ لـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو ما نازعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي شيء ما نازعته فـي آية الكلالة، حتـى ضرب صدري، وقال: (يَكْفِـيكَ مِنْها آيَةُ الصّيْفِ الّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ سُوَرةِ النّسَاءِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ) وسأقضي فـيها بقضاء يعلـمه من يقرأ ومن لا يقرأ: هو ما خلا الأب كذا حسب قال ابن عرفة قال شبـابة: الشكّ من شعبة. ورُوي عنه أنه قال: إنـي لأستـحيـي أن أخالف فـيه أبـا بكر. وكان أبو بكر يقول: هو ما خلا الولد والوالد، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه فـيـما مضى فـي أوّل السورة. ورُوي عنه أنه قال عند وفـاته: قد كنت كتبت فـي الكلالة كتابـا وكنت أستـخير اللّه فـيه، وقد رأيت أن أترككم علـى ما كنتـم علـيه. وأنه كان يتـمنى فـي حياته أن يكون له بها علـم. ذكر من قال ذلك: ٨٦٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد الـمعمري، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب: أن عمر بن الـخطاب كتب فـي الـجَدّ والكلالة كتابـا، فمكث يستـخير اللّه فـيه، يقول: اللهمّ إن علـمت فـيه خيرا فأمضه حتـى إذا طُعِنَ دعا بـالكتاب فمـحي، فلـم يدر أحد ما كتب فـيه، فقال: إنـي كنت كتبت فـي الـجدّ والكلالة كتابـا وكنت أستـخير اللّه فـيه، فرأيت أن أترككم علـى ما كنتـم علـيه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب، عن عمر، بنـحوه. ٨٦٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، قال: حدثنا عمرو بن مرّة، عن مرّة الهمدانـيّ، قال: قال عمر: ثلاث لأن يكون النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بَـيّنَهنّ لنا أحبّ إلـيّ من الدنـيا وما فـيها: الكلالة، والـخلافة، وأبواب الربـا. ٨٦٣٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعتهم يذكرون، ولا أرى إبراهيـم إلا فـيهم، عن عمر قال: لأن أكون أعلـم الكلالة أحبّ ألـيّ من أن يكون لـي مثل جزية قصور الروم. ٨٦٣٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، قال: حدثنا الأعمس، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، قال: أخذ عمر كتفـا، وجمع أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال: لأقضينّ فـي الكلالة قضاء تـحدّث به النساء فـي خدورهنّ فخرجت حينئذ حية من البـيت، فتفرّقوا، فقال: لو أراد اللّه أن يتـمّ هذا الأمر لأتـمه. ٨٦٤٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أبو حيان، قال: ثنـي الشعبـيّ، عن ابن عمر، قال: سمعت عمر بن الـخطاب يخطب علـى منبر الـمدينة، فقال: أيها الناس: ثلاث وددت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـم يفـارقنا حتـى يعهد إلـينا فـيهنّ عهدا يُنتهَى إلـيه: الـجدّ، والكلالة، وأبواب الربـا. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن سعيد بن أبـي عَروبة، عن قتادة، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن معدان بن أبـي طلـحة، أن عمر بن الـخطاب، قال: ما سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شيء أكثر مـما سألت عن الكلالة، حتـى طعن بأصبعه فـي صدري، وقال: (تَكْفِـيكَ آيَةُ الصّيْفِ التـي فـي آخِرِ سُوَرةِ النّساء). حدثنا إبراهيـم بن سعيد الـجوهري، قال: حدثنا عبد اللّه بن بكر السهميّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن معدان، عن عمر، قال: لـم أدع شيئا أهمّ عندي من أمر الكلالة، فما أغلظ لـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي شيء ما أغلظ لـي فـيها، حتـى طعن بأصبعه فـي صدري، أو قال فـي جنبـي، فقال: (تَكْفِـيكَ الاَيةُ الّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ النّسَاءِ). حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن معدان بن أبـي طلـحة، أن عمر بن الـخطاب خطب الناس يوم الـجمعة، فقال: إنـي واللّه ما أدع بعدي شيئا هو أهمّ إلـيّ من أمر الكلالة، وقد سألت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فما أغلظ لـي فـي شيء ما أغلظ لـي فـيها، حتـى طعن فـي نـحري وقال: (تَكْفِـيكَ آيَةُ الصّيْفِ الّتـي أُنْزِلَتْ فـي آخِرِ سُورَةِ النّساءِ)، وإن أعش أقض فـيها بقضية لا يختلف فـيها أحد قرأ القرآن. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن معدان بن أبـي طلـحة، عن عمر بن الـخطاب، بنـحوه. ٨٦٤١ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق، قال: سمعت أبـي يقول: أخبرنا أبو حمزة، عن جابر، عن الـحسن بن مسروق، عن أبـيه، قال: سألت عمر وهو يخطب الناس عن ذي قرابة لـي ورث كلالة، فقال: الكلالة، الكلالة، الكلالة وأخذ بلـحيته، ثم قال: واللّه لأن أعلـمها أحبّ إلـيّ من أن يكون لـي ما علـى الأرض من شيء، سألت عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (ألـم تسمع الاَية التـي أنزلت فـي الصيف؟) فأعادها ثلاث مرّات. ٨٦٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبـي إسحاق، عن أبـي سلـمة، قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فسأله عن الكلالة، فقال: (ألَـمْ تَسْمَعِ الاَيَةَ الّتِـي أُنْزِلَتْ فِـي الصّيْفِ، وَإنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً)... إلـى آخر الاَية. ٨٦٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، عن أبـي الـخير: أن رجلاً سأل عقبة عن الكلالة، فقال: ألا تعجبون من هذا؟ يسألنـي عن الكلالة، وما عضل بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله جلّ ثناؤه: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ولقد علـمت اتفـاق جميع أهل القبلة ما خلا ابن عبـاس وابن الزبـير، علـى أن الـميت لو ترك ابنة وأختا، أن لابنته النصف، وما بقـي فلأخته إذا كانت أخته لأبـيه وأمه أو لأبـيه؟ وأين ذلك من قوله: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وقد ورّثوها النصف مع الولد؟ قـيـل: إن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه، إنـما جعل اللّه جل ثناؤه بقوله: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَـيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ إذا لـم يكن للـميت ولد ذكر ولا أنثى وكان موروثا كلالة، النصف من تركته فريضة لها مسماة فأما إذا كان للـميت ولد أنثى فهي مع عصبة يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها لو لـم تكن، وذلك غير مـحدود بحدّ، ولا مفروض لها فرض سهام أهل الـميراث بـميراثهم عن ميتهم. ولـم يقل اللّه فـي كتابه: فإن كان له ولد فلا شيء لأخته معه، فـيكون لـما رُوي عن ابن عبـاس وابن الزبـير فـي ذلك وجه يوجه إلـيه، وإنـما بـين جل ثناؤه مبلغ حقها إذا ورث الـميت كلالة وترك بـيان مالها من حقّ إذا لـم يورث كلالة فـي كتابه وبـينه بوحيه علـى لسانه رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فجعلها عصبة مع إناث ولد الـميت، وذلك معنى غير معنى وراثتها الـميت إذا كان موروثا كلالة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَهُوَ يَرِثُها إنْ لَـمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ. يعنـي جل ثناؤه بذلك: وأخو الـمرأة يرثها إن ماتت قبله إذا وُرثت كلالة ولـم يكن لها ولد ولا والد. القول فـي تأويـل قوله: فإنْ كانَتا اثْنَتَـيْنِ فَلَهُما الثّلُثانِ مِـمّا تَرَكَ وَإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فللذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الأُنْثَـيَـيْنِ. يعنـي جل ثناؤه بقوله: فإنْ كانَتا اثْنَتَـيْنِ: فإن كانت الـمتروكة من الأخوات لأبـيه وأمه أو لأبـيه اثنتـين، فلهما ثلثا ما ترك أخوهما الـميت إذا لـم يكن له ولد وورث كلالة. وَإنْ كانُوا إخْوَةً يعنـي: وإن كان الـمتروكون من إخوته رجالاً ونساء. فللذّكَرِ منهم بـميراثهم عنه من تركته مِثْلَ حَظّ الأُنْثَـيَـيْنِ يعنـي: مثل نصيب اثنتـين من أخواته، وذلك إذا ورث كلالة، والإخوة والأخوات إخوته وأخواته لأبـيه وأمه، أو لأبـيه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يبـين اللّه لكم قسمة مواريثكم، وحكم الكلالة، وكيف فرائضهم أنْ تَضِلّوا بـمعنى: لئلا تضلوا فـي أمر الـمواريث وقسمتها: أي لئلا تـجوروا عن الـحقّ فـي ذلك، وتـخطئوا الـحكم فـيه، فتضلوا عن قصد السبـيـل. كما: ٨٦٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا قال: فـي شأن الـمواريث. ٨٦٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد الـمعمري، وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قالا جميعا: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان عمر إذا قرأ: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا قال: اللهمّ من بـينتَ له الكلالة فلـم تبـيّن لـي. قال أبو جعفر: وموضع (أن) فـي قوله: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا نصب فـي قول بعض أهل العربـية لاتصالها بـالفعل، وفـي قول بعضهم خفض، بـمعنى: يبـين اللّه لكم بأن لا تضلوا، ولئلا تضلوا وأسقطت (لا) من اللفظ وهي مطلوبة فـي الـمعنى، لدلالة الكلام علـيها، والعرب تفعل ذلك، تقول: جئتك أن تلومنـي، بـمعنى: جئتك أن لا تلومنـي، كما قال القطاميّ فـي صفة ناقة: رأيْنا ما يَرَى البُصَرَاءُ فِـيهافَآلَـيْنا عَلَـيْها أنْ تُبـاعَا بـمعنى: ألا تبـاع. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّه بِكُلّ شَيّءٍ عَلِـيـمٌ. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وَاللّه بكُلّ شَيْءٍ من مصالـح عبـاده فـي قسمة مواريثهم وغيرها وجميع الأشياء عَلِـيـمٌ يقول: هو بذلك كله ذو علـم. آخر تفسير سورة النساء، والـحمد لله ربّ العالـمين. |
﴿ ١٠٠ ﴾