١٠٣القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ ...}. يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإذا فرغتم أيها المؤمنون من صلاتكم، وأنتم مواقفو عدوّكم التي بيناها لكم، فاذكروا اللّه على كلّ أحوالكم قياما وقعودا، ومضطجعين على جنوبكم بالتعظيم له، والدعاء لأنفسكم بالظفر على عدوّكم، لعلّ اللّه أن يظفركم وينصركم عليهم. وذلك نظير قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وكما: ٨٢٨٥ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {فاذْكُرُوا اللّه قِياما} يقول: لا يفرض اللّه على عباده فريضة إلا جعل لها جزاءا معلوما. ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن اللّه لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، فقال: فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم، بالليل والنهار، في البرّ والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسرّ والعلانية، وعلى كلّ حال. وأما قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصّلاةَ} فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ}: فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم، {فأقِيمُوا} يعني: فأتموا {الصّلاةَ} التي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الأرض. ذكر من قال ذلك: ٨٢٨٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد في قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} قال: الخروج من دار السفر إلى دار الإقامة. ٨٢٨٧ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} يقول: إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلاة. وقال آخرون: معنى ذلك: فإذا استقررتم فأقيموا الصلاة، أي فأتموا حدودها بركوعها وسجودها. ذكر من قال ذلك: ٨٢٨٨ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} قال: فإذا اطمأننتم بعد الخوف. ٨٢٨٩ـ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصّلاةَ} قال: فإذا اطمأننتم فصلوا الصلاة لا تصلّها راكبا ولا ماشيا ولا قاعدا. ٨٢٩٠ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصّلاةَ} قال: أتموها. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الاَية، تأويل من تأوّله: فإذا زال خوفكم من عدوّكم وأمنتم أيها المؤمنون واطمأنت أنفسكم بالأمن، فأقيموا الصلاة، فأتموها بحدودها المفروضة عليكم، غير قاصريها عن شيء من حدودها. وأنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالاَية، لأن اللّه تعالى ذكره عرّف عباده المؤمنين الواجب عليهم من فرض صلاتهم بهاتين الاَيتين في حالين: إحداهما شدة حال خوف أذن لهم فيها بقصر الصلاة، على ما بينت من قصر حدودها عن التمام، والأخرى حال غير شدّة الخوف أمرهم فيها بإقامة حدودها، وإتمامها على ما وصفه لهم جل ثناؤه من معاقبة بعضهم بعضا في الصلاة خلف أئمتهم، وحراسة بعضهم بعضا من عدوّهم وهي حالة لا قصر فيها، لأنه يقول جل ثناؤه لنبيه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الحال: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. فمعلوم بذلك أن قوله: {فإذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصّلاةَ} إنما هو: فإذا اطمأننتم من الحالة التي لم تكونوا مقيمين فيها صلاتكم فأقيموها، وتلك حالة شدة الخوف، لأنه قد أمرهم باقامتها في حال غير شدة الخوف بقوله: {وَإذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصّلاةَ}.. الاَية. القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا}. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إن الصلاة كانت على المؤمنين فريضة مفروضة. ذكر من قال ذلك: ٨٢٩١ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي في قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: فريضة مفروضة. ٨٢٩٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، قال: ثني عليّ عن ابن عباس: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: مفروضا، الموقوت: المفروض. ٨٢٩٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: أما كتابا موقوتا: فمفروضا. ٨٢٩٤ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد: {كِتابا مَوْقُوتا} قال: مفروضا. وقال آخرون: معنى ذلك: إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا واجبا. ذكر من قال ذلك: ٨٢٩٥ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: كتابا واجبا. ٨٢٩٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {كِتابا مَوْقُوتا} قال: واجبا. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٨٢٩٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن معمر بن سام، عن أبي جعفر في قوله: {كِتابا مَوْقُوتا} قال: مُوجَبا. ٨٢٩٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} والموقوت: الواجب. حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا معمر بن يحيـى، قال: سمعت أبا جعفر يقول: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: وجوبها. وقال آخرون: معنى ذلك: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا منجما يؤدونها في أنجمها. ذكر من قال ذلك: ٨٢٩٩ـ حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحجّ. ٨٣٠٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن زيد بن أسلم في قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤمِنِينَ كِتابا مَوْقُوتا} قال: منَجّما، كلما مضَى نَجم جاء نجم آخر، يقول: كلما مضى وقت جاء وقت آخر. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم بمثله. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال قريب معنى بعضها من بعض، لأن ما كان مفروضا فواجب، وما كان واجبا أداؤه في وقت بعد وقت فمنجم. غير أن أولى المعاني بتأويل الكلمة قول من قال: إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا منجما، لأن الموقوت إنما هو مفعول من قول القائل: وَقَتَ اللّه عليك فرضه فهو يَقِتُهُ، ففرضُه عليك موقوت، إذا أخبر أنه جَعل له وقتا يجب عليك أداؤه. فكذلك معنى قوله: {إنّ الصّلاةَ كانَتْ على المُؤْمِنِينَ كِتابا مَوْقوتا} إنما هو كانت على المؤمنين فرضا وقت لهم وقت وجوب أدائه، فبّين ذلك لهم. |
﴿ ١٠٣ ﴾