١١٧القول في تأويل قوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطَاناً مّرِيداً }. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: إن يدعون من دونه إلا اللات والعزّى ومناة، فسماهنّ اللّه إناثا بتسمية المشركين إياهنّ بتسمية الإناث. ذكر من قال ذلك: ٨٣٢٦ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} قال: اللات والعزّى ومناة، كلها مؤنث. حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك بنحوه، إلا أنه قال: كلهنّ مؤنث. ٨٣٢٧ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط عن السديّ: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} يقول: يسمونهم إناثا: لات، ومناة، وعُزّى. ٨٣٢٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} قال: آلهتهم: اللات، والعُزّى، ويِساف، ونائلة، هم إناث يدعونهم من دون اللّه . وقرأ: {وَإنْ يَدْعُونَ إلاّ شَيْطانا مَرِيدا}. وقال آُخرون: معنى ذلك: إن يدعون من دونه إلا مواتا لا روح فيه. ذكر من قال ذلك: ٨٣٢٩ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} يقول: مَيْتا. ٨٣٣٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا}: أي إلا مَيْتا لا روح فيه. ٨٣٣١ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} قال: والإناث: كل شيء ميت ليس فيه روح خشبة يابسة، أو حجر يابس، قال اللّه تعالى: {وَإنْ يَدْعُونَ إلاّ شَيْطانا مَرِيدا}.. إلى قوله: {فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ}. وقال آخرون: عنى بذلك أن المشركين كانوا يقولون: إن الملائكة بنات اللّه . ذكر من قال ذلك: ٨٣٣٢ـ حدثني يحيـى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} قال: الملائكة يزعمون أنهم بنات اللّه . وقال آخرون: معنى ذلك: إن أهل الأوثان كانوا يسمون أوثانهم إناثا، فأنزل اللّه ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك: ٨٣٣٣ـ حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: كان لكلّ حيّ من أحياء العرب صنم يسمونها أنثى بني فلان، فأنزل اللّه : {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا}. حدثني المثنى، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا نوح بن قيس، قال: حدثنا محمد بن سيف أبو رجاء الحِدّاني، قال: سمعت الحسن يقول: كان لكل حيّ من العرب، فذكر نحوه. وقال آخرون: الإناث في هذا الموضع: الأوثان. ذكر من قال ذلك: ٨٣٣٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهاد في قوله: {إناثا} قال: أوثانا. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٨٣٣٥ـ حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان في مصحف عائشة: (إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا). قال أبو جعفر: رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: (أن يدعون من دونه إلا أُثُنا)، بمعنى جمع وثن، فكأنه جمع وَثَنَا وُثُنا، ثم قلب الواو همزة مضمومة، كما قيل: ما أحسن هذه الأجوه، بمعنى الوجوه، وكما قيل: {وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ} بمعنى: وُقّتت. وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (إن يدعون من دونه إلا أُنُثا)، كأنه أراد جمع الإناث، فجمعها أُنُثا، كما تُجمع الثمار ثُمُرا. والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها قراءة من قرأ: {إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاّ إناثا} بمعنى جمع أنثى، لأنها كذلك في مصاحف المسلمين، ولإجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك. وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك إذ كان الصواب عندنا من القراءة ما وصفت، تأويل من قال: عنى بذلك الاَلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون اللّه ، ويسمونها بالإناث من الأسماء كاللات والعزّى ونائلة ومناة، وما أشبه ذلك. وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الاَية، لأن الأظهر من معاني الإناث في كلام العرب ما عرف بالتأنيث دون غيره. فإذ كان ذلك كذلك، فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه، وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الاَية: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نولّه ما تولّى ونصله جهنم وساءت مصيرا، إن يدعون من دونه إلا إناثا، يقول: ما يدعو الذين يشاقون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئا من دون اللّه بعد اللّه وسواه، إلاّ إناثا، يعني: إلا ما سموه بأسماء الإناث كاللات والعزّى وما أشبه ذلك. يقول جلّ ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا باللّه وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثا ويدعونها آلهة وأربابا. والإناث من كلّ شيء أخّسه¹ فهم يقرّون للخسيس من الأشياء بالعبودية على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودية للذي له ملك كل شيء وبيده الخلق والأمر. القول في تأويل قوله تعالى: {وَإنْ يَدْعُونَ إلاّ شَيْطانا مَرِيدا}. يعني جل ثناؤه بقوله: {وَإنْ يَدْعُونَ إلاّ شَيْطانا مَرِيدا}: وما يدعو هؤلاء الذين يدعون هذه الأوثان الإناث من دون اللّه بدعائهم إياها إلا شيطانا مريدا، يعني متمرّدا على اللّه في خلافه فيما أمره به وفيما نهاه عنه. كما: ٨٣٣٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَإنْ يَدْعُونَ إلاّ شَيْطانا مَرِيدا} قال: تمرّد على معاصي اللّه . |
﴿ ١١٧ ﴾