١٣٤القول في تأويل قوله تعالى: {مّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدّنْيَا فَعِندَ اللّه ثَوَابُ الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَكَانَ اللّه سَمِيعاً بَصِيراً }. يعني بذلك جلّ ثناؤه: {مَنْ كانَ يُرِيدُ} ممن أظهر الإيمان لمحمد صلى اللّه عليه وسلم من أهل النفاق الذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون الإيمان. {ثَوَابَ الدّنيْا} يعني: عرض الدنيا، بإظهار ما أظهر من الإيمان بلسانه. {فَعِنْدَ اللّه ثَوَابُ الدّنيْا} يعني: جزاؤه في الدنيا منها وثوابه فيها، هو ما يصيب من المغنم إذا شهد مع النبيّ مشهدا، وأمنه على نفسه وذرّيته وماله، وما أشبه ذلكوأما ثوابه في الاَخرة فنار جهنم. فمعنى الاَية: من كان من العاملين في الدنيا من المنافقين يريد بعمله ثواب الدنيا وجزاءها من عمله، فإن اللّه مجازيه جزاءه في الدنيا من الدنيا، وجزاءه في الاَخرة من العقاب والنكال وذلك أن اللّه قادر على ذلك كله، وهو مالك جميعه، كما قال في الاَية الأخرى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنيْا وَزِينَتَها نُوَفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَة إلاّ النّارُ وَحبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه الذين سعوا في أمر بني أبيرق، والذين وصفهم في قوله: {وَلا تُجادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتانُونَ أنْفُسَهُمْ إنّ اللّه لا يُحِبّ مَنْ كانَ خَوّانا أثِيما يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاس وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّه وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيّنُونَ ما لا يَرْضَى مِنَ القَوْل مِنَ القَوْلِ} ومن كان من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم. وقوله: {كانَ اللّه سَمِيعا بَصِيرا} يعني: وكان اللّه سميعا لما يقول هؤلاء المنافقون الذين يريدون ثواب الدنيا بأعمالهم، وإظهارهم للمؤمنين ما يظهرون لهم إذا لقوا المؤمنين وقولهم لهم آمنا. {بَصِيرا}: يعني: وكان ذا بصر بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمنين فيما يكتمونه ولا يبدونه لهم من الغشّ والغلّ الذي في صدورهم. |
﴿ ١٣٤ ﴾