١٤٢

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّه ... }.

قد دللنا فيما مضى قبل على معنى خداع المنافق ربه ووجه خداع اللّه إياهم، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع، مع اختلاف المختلفين في ذلك.

فتأويل ذلك: إن المنافقين يخادعون اللّه باحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم، واللّه خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان، مع علمه بباطن ضمائرهم، واعتقادهم الكفر، استدراجا منه لهم في الدنيا حتى يلقوه في الاَخرة، فيوردهم بما استنبطنوا من الكفر نار جهنم. كما:

٨٥٢٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: {إنّ المُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّه وَهُوَ خادِعُهُمْ} قال: يعطيهم يوم القيامة نورا يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بالسور.

٨٥٢٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: {إنّ المُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّه وَهُوَ خادِعُهُمْ} قال: نزلت في عبد اللّه بن أبيّ، وأبي عامر بن النعمان، وفي المنافقين¹ يخادعون اللّه وهو خادعهم، قال: مثل قوله في البقرة: {يُخادِعُونَ اللّه وَالّذِينَ آمَنُوا وَما يُخادِعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ}

قال: وأما قوله: {وَهُوَ خادِعُهُمْ} ف

يقول: في النور الذي يعطي المنافقون مع المؤمنين، فيعطون النور، فإذا بلغوا السور سلب، وما ذكرا لله من قوله: {انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} قال: قوله: {وَهُوَ خادِعُهُمْ}.

٨٥٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحسن، أنه كان إذا قرأ: {إنّ المُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّه وَهُوَ خادِعُهُمْ} قال: يُلْقَى على كلّ مؤمن ومنافق نور يمشون به، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفيء نور المنافقين، ومضي المؤمنين بنورهم، فينادونهم: {انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}.. إلى قوله: {وَلَكِنّكُمْ فَتَنْتُمْ أنْفُسَكُمْ} قال الحسن: فتلك خديعة اللّه إياهم.

وأما قوله: {وَإذَا قامُوا إلى الصّلاةِ قامُوا كُسَالى يُرَاءُونَ النّاسَ} فإنه يعني: أن المنافقين لا يعملون شيئا من الأعمال التي فرضها اللّه على المؤمنين على وجه التقرب بها إلى اللّه ، لأنهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة بقاء على أنفسهم وحذارا من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي من الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياءً للمؤمنين، ليحسبوهم منهم وليسوا منهم¹ لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كسالي. كما:

٨٥٢٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَإذَا قامُوا إلى الصّلاةِ قامُوا كُسَالى} قال: واللّه لولا الناس ما صلى المنافق ولا يصلي إلا رياء وسمعة.

٨٥٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {وَإذَا قامُوا إلى الصّلاةِ قامُوا كُسَالى يُرَاءونَ النّاسَ} قال: هم المنافقون، لولا الرياء ما صلوا.

وأما قوله: {وَلا يَذْكُرونَ اللّه إلاّ قَلِيلاً} فلعلّ قائلاً أن

يقول: وهل من ذكر اللّه شيء قليل؟ قيل له: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، إنما معناه: ولا يذكرون اللّه إلا ذكرا رياء، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد اللّه مخلص له الربوبية، فلذلك سماه اللّه قليلاً، لأنه غير مقصود به اللّه ولا مُبْتَغَي به التقرّب إلى اللّه ، ولا مرادا به ثواب اللّه ، وما عنده فهو وإن كثر من وجه نَصَب عامله، وذاكره في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٨٥٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن: {وَلا يَذْكُرونَ اللّه إلاّ قَلِيلاً} قال: إنما قلّ لأنه كان لغير اللّه .

٨٥٢٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَلا يَذْكُرونَ اللّه إلاّ قَلِيلاً} قال: إنما قلّ ذكر المنافق لأن اللّه لم يقبله، وكلّ ما ردّ اللّه قليل وكلّ ما قبل اللّه كثير.

﴿ ١٤٢