١٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ نُوحٍ ...}.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: إنّا أوْحَيْنا إلَـيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلـى نُوحٍ: إنا أرسلنا إلـيك يا مـحمد بـالنبوّة كما أرسلنا إلـى نوح وإلـى سائر الأنبـياء الذين سميتهم لك من بعده والذين لـم أسمهم لك. كما:

٨٦٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن منذر الثوريّ، عن الربـيع بن خُثَـيْـم فـي قوله: إنّا أوْحَيْنا إلَـيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلـى نُوحٍ وَالنّبِـيّـينَ مِنْ بَعْدِه قال: أوحى إلـيك كما أوحى إلـى جميع النبـيـين من قبله.

وذكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأن بعض الـيهود لـما فضحهم اللّه بـالاَيات التـي أنزلها علـى رسوله صلى اللّه عليه وسلم، وذلك من قوله: يَسْئَلُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَـيْهِمْ كِتابـا مِنَ السّماءِ فتلا ذلك علـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

قالوا: ما أنزل اللّه علـى بشر من شيء بعد موسى. فأنزل اللّه هذه الاَيات تكذيبـا لهم، وأخبر نبـيه والـمؤمنـين به أنه قد أنزل علـيه بعد موسى وعلـى من سماهم فـي هذه الاَية وعلـى آخرين لـم يسمهم. كما:

٨٦٠٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حيـمد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال سُكَيْن وعديّ بن زيد: يا مـحمد ما نعلـم اللّه أنزل علـى بشر من شيء بعد موسى، فأنزل اللّه فـي ذلك من قولهما: إنّا أوْحَيْنا إلَـيْكَ كمَا أوْحَيْنا إلـى نُوحٍ وَالنّبِـيّـينَ مِنْ بَعْدِه... إلـى آخر الاَيات.

وقال آخرون: بل

قالوا: لـما أنزل اللّه الاَيات التـي قبل هذه فـي ذكرهم ما أنزل اللّه علـى بشر من شيء، ولا علـى موسى، ولا علـى عيسى، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أنْزَلَ اللّه عَلـى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ولا علـى موسى، ولا علـى عيسى. ذكر من قال ذلك:

٨٦١٠ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ، قال: أنزل اللّه : يَسْئَلُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزّلَ عَلَـيْهِمْ كِتابـا مِنَ السّماءِ... إلـى قوله: وَقَوْلِهِمْ علـى مَرْيَـمَ بُهْتانا عَظِيـما، فلـما تلاها علـيهم يعنـي علـى الـيهود وأخبرهم بأعمالهم الـخبـيثة، جحدوا كلّ ما أنزل اللّه ، و

قالوا: ما أنزل اللّه علـى بشر من شيء، ولا علـى موسى، ولا علـى عيسى، وما أنزل اللّه علـى نبـيّ من شيء

قال: فحل حُبْوَته، وقال: ولا علـى أحد فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا مَا أنْزَلَ اللّه عَلـى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.

وأما قوله: وآتَـيْنا دَاوُدَ زَبُورا فإن القراء اختلفت فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء أمصار الإسلام غير نفر من قرّاء الكوفة: وآتَـيْنا دَاوُدَ زَبُورا بفتـح الزاي علـى التوحيد، بـمعنـي: وآتـينا داود الكتاب الـمسمى زبورا. وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفـيـين: (وآتَـيْنا دَاوُدَ زُبُورا) بضمّ الزاي جمع زُبُر، كأنهم وجهوا تأويـله: وآتـينا داود كتبـا وصحفـا مزبورة، من قولهم: زَبَرْت الكتاب أَزْبُرُه زَبْرا، وذَبَرْته أَذْبُرُه ذَبْرا: إذا كتبته.

قال أبو جعفر: وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندنا، قراءة من قرأ: وآتَـيْنا دَاوُدَ زَبُورا بفتـح الزاي علـى أنه اسم الكتاب الذي أوتـيه داود، كما سمى الكتاب الذي أوتـيه موسى التوراة، والذي أوتـيه عيسى الإنـجيـل، والذي أوتـيه مـحمد الفرقان، لأن ذلك هو الاسم الـمعروف به ما أوتـي داود، وإنـما تقول العرب زَبور داود، وبذلك يعرف كتابه سائر الأمـم.

﴿ ١٦٣