تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

 للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة المائدة

سورة الـمائدة مدنـية وآياتها عشرون ومائة

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...}.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا: يا أيها الذين أقرّوا بوحدانـية اللّه وأذعنوا له بـالعبودية، وسلـموا له الألوهية، وصدّقوا رسوله مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم فـي نبوّته وفـيـما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه، أوْفُوا بـالعُقُودِ يعنـي: أوفوا بـالعهود التـي عاهدتـموها ربكم والعقود التـي عاقدتـموها إياه، وأوجبتـم بها علـى أنفسكم حقوقا وألزمتـم أنفسكم بها لله فروضا، فأتـموها بـالوفـاء والكمال والتـمام منكم لله بـما ألزمكم بها، ولـمن عاقدتـموه منكم بـما أوجبتـموه له بها علـى أنفسكم، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها.

واختلف أهل التأويـل فـي العقود التـي أمر اللّه جل ثناؤه بـالوفـاء بها بهذه الاَية، بعد إجماع جميعهم علـى أن معنى العقود: العهود

فقال بعضهم: هي العقول التـي كان أهل الـجاهلـية عاقد بعضهم بعضا علـى النصرة والـمؤازرة والـمظاهرة علـى من حاول ظلـمه أو بغاه سوءا، وذلك هو معنى الـحلف الذي كانوا يتعاقدونه بـينهم. ذكر من قال ذلك: معنى العقود العهود:

٨٦٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ يعنـي: بـالعهود.

٨٦٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه جلّ وعزّ: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: العهود.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد مثله.

٨٦٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشّخّير وعنده رجل يحدثهم،

فقال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: هي العهود.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: العهود.

٨٦٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: هي العهود.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: أوْفُوا بـالعُقُودِ بـالعهود.

٨٦٥٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة فـي قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: بـالعهود.

٨٦٥١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: هي العهود.

٨٦٥٢ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: سمعت الثوري

يقول: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: بـالعهود.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

قال أبو جعفر: والعقود: جمع عقد، وأصل العقد: عقد الشيء بغيره، وهو وصله به، كما تعقد الـحبل بـالـحبل: إذا وُصِل به شدّا، يقال منه: عقد فلان بـينه وبـين فلان عقدا فهو يعقده، ومنه قول الـحطيئة:

قَوْمٌ إذَا عَقَدُوا عَقْدا لـجارِهِمُشَدّوا العِناجَ وشَدّوا فوْقَهُ الكَرَبـا

وذلك إذا واثقه علـى أمر، وعاهده علـيه عهدا بـالوفـاء له بـما عاقده علـيه، من أمان وذمة، أو نصرة، أو نكاح، أو بـيع، أو شركة، أو غير ذلك من العقود.

ذكر من قال الـمعنى الذي ذكرنا عمن قاله فـي الـمراد من قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ.

٨٦٥٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ أي بعقد الـجاهلـية. ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان

يقول:

(أوْفُوا بعَقْدِ الـجاهِلِـيّةِ، وَلا تُـحْدِثُوا عَقْدا فـي الإسْلامِ). وذكر لنا أن فرات بن حيان العجلـيّ سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن حلف الـجاهلـية، فقال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(لعَلّكَ تَسألُ عَنْ حِلْفِ لْـخَمٍ وَتْـيـمِ اللّه ؟) فقال: نعم يا نبـيّ اللّه ، قال: (لا يَزِيدُهُ الإسْلامُ إلاّ شِدّةً).

٨٦٥٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: عقود الـجاهلـية: الـحلف.

وقال آخرون: بل هي الـحلف التـي أخذ اللّه علـى عبـاده بـالإيـمان به وطاعته فـيـما أحلّ لهم وحرم علـيهم. ذكر من قال ذلك:

٨٦٥٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ يعنـي: ما أُحِلّ، وما حرّم، وما فُرض، وما حدّ فـي القرآن كله، فلا تغدروا ولا تنكُثُو ثم شدّد ذلك فقال: وَالّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّه بِهِ أنْ يُوصَلَ... إلـى قوله: سُوءُ الدّارِ.

٨٦٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أوْفُوا بـالعُقُودِ ما عقد اللّه علـى العبـاد مـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم.

وقال آخرون: بل هي العقود التـي يتعاقدها الناس بـينهم ويعقدها الـمرء علـى نفسه. ذكر من قال ذلك:

٨٦٥٧ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن موسى بن عبـيدة، عن أخيه عبد اللّه بن عبـيدة، قال: العقود خمس: عُقدة الإيـمان، وعقدة النكاح، وعقدة العهد، وعقدة البـيع، وعقدة الـحِلف.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا وكيع. عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القُرَظِيّ أو عن أخيه عبد اللّه بن عبـيدة، نـحوه.

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: عقد العهد وعقد الـيـمين، وعقد الـحلف، وعقد الشركة، وعقد النكاح

قال: هذه العقود خمس.

٨٦٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عتبة بن سعيد الـحمصي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم، قال: حدثنا أبـي فـي قول اللّه جلّ وعزّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: العقود خمس: عقدة النكاح، وعقد الشركة، وعقد الـيـمين، وعقدة العهد، وعقدة الـحلف.

وقال آخرون: بل هذه الاَية أمر من اللّه تعالـى لأهل الكتاب بـالوفـاء بـما أخذ به ميثاقهم من العمل بـما فـي التوراة والإنـجيـل فـي تصديق مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وما جاءهم به من عند اللّه . ذكر من قال ذلك:

٨٦٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أوْفُوا بـالعُقُودِ قال: العهود التـي أخذها اللّه علـى أهل الكتاب أن يعملوا بـما جاءهم.

٨٦٦٠ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي يونس، قال: قال مـحمد بن مسلـم. قرأت كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلـى نـجران، فكان الكتاب عند أبـي بكر بن حزم، فـيه: هذا بـيان من اللّه ورسوله يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بـالعُقُودِ. فكتب الاَيات منها، حتـى بلغ: إنّ اللّه سَرِيعُ الـحِسابِ.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب ما قاله ابن عبـاس ، وأن معناه: أوفوا يا أيها الذين آمنوا بعقود اللّه التـي أوجبها علـيكم وعقدها، فـيـما أحلّ لكم وحرّم علـيكم، وألزمكم فرضه، وبـين لكم حدوده.

وأنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من غيره من الأقوال، لأن اللّه جلّ وعزّ أتبع ذلك البـيان عما أحلّ لعبـاده وحرّم علـيهم وما أوجب علـيهم من فرائضه، فكان معلوما بذلك أن قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ أمر منه عبـاده بـالعمل بـما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقـيب ذلك، ونهي منه لهم عن نقض ما عقده علـيهم منه، مع أن قوله: أوْفُوا بـالعُقُودِ أمر منه بـالوفـاء بكلّ عقد أذن فـيه، فغير جائز أن يخصّ منه شيء حتـى تقوم حجة بخصوص شيء منه يجب التسلـيـم لها. فإذ كان الأمر فـي ذلك كما وصفنا، فلا معنى لقول من وجّه ذلك إلـى معنى الأمر بـالوفـاء ببعض العقود التـي أمر اللّه بـالوفـاء بها دون بعض.

وأما قوله: أوْفُوا فإن للعرب فـيه لغتـين: إحداهما: (أوفوا) من قول القائل: أوفـيت لفلان بعهده أو فـي له به والأخرى من قولهم: وَفَـيْتُ له بعهده أفـي. والإيفـاء بـالعهد: إتـمامه علـى ما عُقد علـيه من شروطه الـجائزة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ.

اختلف أهل التأويـل فـي بهيـمة الأنعام التـي ذكر اللّه عزّ ذكره فـي هذه الاَية أنه أحلها لنا،

فقال بعضهم: هي الأنعام كلها. ذكر من قال ذلك:

٨٦٦١ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن عوف، عن الـحسن، قال: بهيـمة الأنعام: هي الإبل والبقر والغنـم.

٨٦٦٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ قال: الأنعام كلها.

٨٦٦٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا ابن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ قال: الأنعام كلها.

٨٦٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ قال: الأنعام كلها.

٨٦٦٥ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: بَهِيـمَةُ الأنْعامِ: هي الأنعام.

وقال آخرون: بل عنـي بقوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ: أجنة الأنعام التـي توجد فـي بطون أمهاتها إذا نُـحِرت أو ذبحت ميتة. ذكر من قال ذلك:

٨٦٦٦ـ حدثنـي الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن الفزاري، عن عطية العوفـيّ، عن ابن عمر فـي قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ قال: ما فـي بطونها

قال: قلت: إن خرج ميتا آكلُه؟ قال: نعم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن إدريس الأودي، عن عطية، عن ابن عمر نـحوه، وزاد فـيه، قال: نعم، هو بـمنزلة رِئتها وكبدها.

٨٦٦٧ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: الـجنـين من بهيـمة الأنعام فكلوه.

٨٦٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مِسْعر وسفـيان، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : أن بقرة نُـحِرت، فوجد فـي بطنها جنـين، فأخذ ابن عبـاس بذَنَب الـجنـين،

فقال: هذا من بهيـمة الأنعام التـي أحلت لكم.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: هو من بهيـمة الأنعام.

٨٦٦٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم ومؤمّل، قالا: حدثنا سفـيان، عن قابوس، عن أبـيه، قال: ذبحنا بقرة، فإذا فـي بطنها جنـين، فسألنا ابن عبـاس ،

فقال: هذه بهيـمة الأنعام.

وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك قول من قال: عَنَى بقوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ: الأنعام كلها، أجِنَتّها وسِخالها وكبـارها، لأن العرب لا تـمتنع من تسمية جميع ذلك بهيـمة وبهائم، ولـم يخصص اللّه منها شيئا دون شيء، فذلك علـى عمومه وظاهره حتـى تأتـي حجة بخصوصه يجب التسلـيـم لهاوأما النعم فإنها عند العرب: أسم للإبل والبقر والغنـم خاصة، كما قال جلّ ثناؤه: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ثم قال: والـخَيْـلَ وَالبِغالَ والـحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً ففصل جنس النعم من غيرها من أجناس الـحيوانوأما بهائمها فإنها أولادها. وإنـما قلنا: يـلزم الكبـار منها اسم بهيـمة كما يـلزم الصغار، لأن معنى قول القائل: بهيـمة الأنعام، نظير قوله: ولد الأنعام فلـما كان لا يسقط معنى الولادة عنه بعد الكبر، فكذلك لا يسقط عنه اسم البهيـمة بعد الكبر. وقد قال قوم: بهيـمة الأنعام: وحشيها كالظبـاء وبقر الوحش والـحمر.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ.

اختلف أهل التأويـل فـي الذي عناه اللّه بقوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ

فقال بعضهم: عنى اللّه بذلك: أحلت لكم أولاد الإبل والبقر والغنـم، إلا ما بـين اللّه لكم فـيـما يتلـى علـيكم بقوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدّمُ... الاَية. ذكر من قال ذلك:

٨٦٧٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَهِيـمَةُ الإنْعامِ إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ: إلا الـميتة وما ذكر معها.

٨٦٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ: أي من الـميتة التـي نهى اللّه عنها وقدّم فـيها.

٨٦٧٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ قال: إلا الـميتة، وما لـم يذكر اسم اللّه علـيه.

٨٦٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ: الـميتة، والدم، ولـحم الـخنزير.

٨٦٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ: الـميتة ولـحم الـخنزير.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ: هي الـميتة والدم ولـحم الـخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به.

وقال آخرون: بل الذي استثنى اللّه بقوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ الـخنزير. ذكر من قال ذلك:

٨٦٧٥ـ حدثنـي عبد اللّه بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ قال: الـخنزير.

٨٦٧٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ يعنـي: الـخنزير.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: عنـي بذلك: إلا ما يتلـى علـيكم من تـحريـم اللّه ما حرّم علـيكم بقوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ... الاَية، لأن اللّه عزّ وجلّ استثنى مـما أبـاح لعبـاده من بهيـمة الأنعام ما حرّم علـيهم منها، والذي حرّم علـيهم منها ما بـينه فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدّمُ ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ وإن كان حرّمه اللّه علـينا فلـيس من بهيـمة الأنعام فـيستثنى منها، فـاستثناء ما حرّم علـينا مـما دخـل فـي جملة ما قبل الاستثناء أشبه من استثناء ما حرّم مـما لـم يدخـل فـي جملة ما قبل الاستثناء.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: غيرَ مُـحِلّـى الصّيْدِ وأنْتُـمْ حُرُمٌ إنّ اللّه يَحْكُمُ ما يُرِيدُ.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بـالعقود غير مـحلـى الصيد وأنتـم حرم، أحلت لكم بهيـمة الأنعام. فلذلك علـى قولهم من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، ف (غير) منصوب علـى قول قائلـي هذه الـمقالة علـى الـحال مـما فـي قوله: (أوفوا)، من ذكر الذين آمنوا. وتأويـل الكلام علـى مذهبهم: أوفوا أيها الـمؤمنون بعقود اللّه التـي عقدها علـيكم فـي كتابه، لا مـحلـين الصيد وأنتـم حرم.

وقال آخرون: معنى ذلك: أحلت لكم بهيـمة الأنعام الوحشية من الظبـاء والبقر والـحمر، غير مـحلـي الصيد: غير مستـحلـي اصطيادها، وأنتـم حرم، إلا ما يتلـى علـيكم. ف (غير) علـى قول هؤلاء منصوب علـى الـحال من الكاف والـميـم اللتـين فـي قوله: (لَكُمْ) بتأويـل: أحلت لكم أيها الذين آمنوا بهيـمة الأنعام، لا مستـحّلـي اصطيادها فـي حال إحرامكم.

وقال آخرون: معنى ذلك: أحلت لكم بهيـمة الأنعام كلها، إلا ما يتلـى علـيكم، إلا ما كان منها وحشيا، فإنه صيد فلا يحلّ لكم وأنتـم حرم. فكأنّ من قال ذلك، وجه الكلام إلـى معنى: أحلت لكم بهيـمة الأنعام كلها، إلا ما يتلـى علـيكم، إلا ما يُبـيّن لكم من وحشيها، غير مستـحلـي اصطيادها فـي حال إحرامكم، فتكون (غير) منصوبة علـى قولهم علـى الـحال من الكاف والـميـم فـي قوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ. ذكر من قال ذلك:

٨٦٧٧ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مُطَرّفَ بن الشّخّير وعنده رجل، فحدثهم فقال: أحلت لكم بهيـمة الأنعام صيدا، غير مـحلـي الصيد وأنتـم حرم، فهو علـيكم حرام. يعنـي: بقر الوحش والظبـاء وأشبـاهه.

٨٦٧٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ غيرَ مُـحِلّـي الصّيْدِ وأنْتُـمْ حُرُمٌ قال: الأنعام كلها حِلّ إلا ما كان منها وحشيّا، فإنه صيد، فلا يحلّ إذا كان مـحرِما.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب علـى ما تظاهر به تأويـل أهل التأويـل فـي قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ من أنها الأنعام وأجنتها وسخالها، وعلـى دلالة ظاهر التنزيـل قول من قال: معنى ذلك: أوفوا بـالعقود غير مـحلـي الصيد وأنتـم حرم، فقد أحلت لكم بهيـمة الأنعام فـي حال إحرامكم أو غيرها من أحوالكم، إلا ما يتلـى علـيكم تـحريـمه من الـميتة منها والدم وما أهلّ لغير اللّه به. وذلك أن قوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ لو كان معناه: إلا الصيد، لقـيـل: إلا ما يتلـى علـيكم من الصيد غير مـحلـيه، وفـي ترك اللّه وصْل قوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ بـما ذكرت، وإظهار ذكر الصيد فـي قوله: غيرَ مُـحِلّـي الصّيْدِ أوضح الدلـيـل علـى أن قوله: إلاّ ما يُتْلَـى عَلَـيْكُمْ خبر متناهيةٌ قصته، وأن معنى قوله: غيرَ مُـحِلّـي الصّيْدِ منفصل منه. وكذلك لو كان قوله: أُحِلّتْ لَكُمْ بَهِيـمَةُ الأنْعامِ مقصودا به قصد الوحش، لـم يكن أيضا لإعادة ذكر الصيد لفـي قوله: غيرَ مُـحِلّـي الصّيْدِ وجه وقد مضى ذكره قبل، ولقـيـل: أحلت لكم بهيـمة الأنعام، إلا ما يتلـى علـيكم، غير مـحلـيه وأنتـم حرم. وفـي أظهاره ذكر الصيد فـي قوله: غيرَ مُـحِلّـي الصّيْدِ أبـين الدلالة علـى صحة ما قلنا فـي معنى ذلك.

فإن قال قائل: فإن العرب ربـما أظهرت ذكر الشيء بـاسمه وقد جرى ذكره بـاسمه؟

قـيـل: ذلك من فعلها ضرورة شعر، ولـيس ذلك بـالفصيح الـمستعمل من كلامهم، وتوجيه كلام اللّه إلـى الأفصح من لغات من نزل كلامه بلغته أولـى ما وجد إلـى ذلك سبـيـل من صرفه إلـى غير ذلك.

فمعنى الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بعقود اللّه التـي عقد علـيكم، مـما حرّم وأحلّ، لا مـحلـين الصيد فـي حَرمكم، ففـيـما أحلّ لكم من بهيـمة الأنعام الـمذكّاة دون ميتتها متسع لكم ومستغنى عن الصيد فـي حال إحرامكم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّه يَحْكُمُ ما يُرِيد.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن اللّه يقضي فـي خـلقه ما يشاء من تـحلـيـل ما أراد تـحلـيـله، وتـحريـم ما أراد تـحريـمه، وإيجاب ما شاء إيجابه علـيهم، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه، فأوفوا أيها الـمؤمنون له بـما عقد علـيكم من تـحلـيـل ما أحلّ لكم وتـحريـم ما حرّم علـيكم، وغير ذلك من عقوده فلا تنكُثُوها ولا تنقضوها. كما:

٨٦٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنّ اللّه يَحْكُمُ ما يُرِيدُ: إن اللّه يحكم ما أراد فـي خـلقه، وبـين لعبـاده، وفرض فرائضه، وحدّ حدوده، وأمر بطاعته، ونَهَى عن معصيته.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلّواْ شَعَآئِرَ اللّه ...}.

اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول اللّه : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه

فقال بعضهم: معناه: لا تـحلوا حُرُمات اللّه ، ولا تتعدّوا حدوده. كأنهم وجهوا الشعائر إلـى الـمعالـم، وتأوّلوا لا تـحلوا شعائر اللّه : معالـم حدود اللّه ، وأمره، ونهيه، وفرائضه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: حدثنا حبـيب الـمعلـم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر اللّه ،

فقال: حرمات اللّه : اجتناب سخط اللّه ، واتبـاع طاعته، فذلك شعائر اللّه .

وقال آخرون: معنى قوله: لا تُـحِلّوا حَرَمَ اللّه . فكأنهم وجهوا معنى قوله: شَعائِرَ اللّه : أي معالـم حَرَم اللّه من البلاد. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: أما شعائر اللّه : فحُرَم اللّه .

وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا مناسك الـحجّ فتضيعوها. وكأنهم وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود اللّه التـي حدّها لكم فـي حجكم. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج،

قال ابن عبـاس : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: مناسك الـحجّ.

٨٦٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ ابن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: كان الـمشركون يحجون البـيت الـحرام، ويهُدون الهدايا، ويعظمون حرمة الـمشاعر، ويتـجرون فـي حجهم، فأراد الـمسلـمون أن يُغيروا علـيهم، فقال اللّه عزّ وجلّ: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه .

٨٦٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : شَعائِرَ اللّه : الصفـا والـمروة، والهدي، والبدن، كل هذا من شعائر اللّه .

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا ما حرّم اللّه علـيكم فـي حال إحرامكم. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨٤ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: شعائر اللّه : ما نهى اللّه عنه أن تصيبه وأنت مـحرم.

وكأنّ الذين قالوا هذه الـمقالة، وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود اللّه التـي حرّمها علـيكم فـي إحرامكم.

وأولـى التأويلات بقوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلـى: لا تـحلوا حُرُمات اللّه ، ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة: فعيـلة من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الأمر: إذا علـم به، فـالشعائر: الـمعالـم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: لا تستـحلوا أيها الذين آمنوا معالـم اللّه ، فـيدخـل فـي ذلك معالـم اللّه كلها فـي مناسك الـحجّ، من تـحريـم ما حرم اللّه إصابته فـيها علـى الـمـحرم، وتضيـيع ما نهى عن تضيـيعه فـيها، وفـيـما حرم من استـحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لأن كل ذلك من معالـمه وشعائره التـي جعلها أمارات بـين الـحقّ والبـاطل، يُعلـم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه.

وإنـما قلنا ذلك القول أولـى بتأويـل قوله تعالـى: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه لأن اللّه نهى عن استـحلال شعائره ومعالـم حدوده، وإحلالها نهيا عامّا من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء، فلـم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلـى الـخصوص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها، ولا حجة بذلك كذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ: ولا تستـحلوا الشهر الـحرام بقتالكم به أعداءكم من الـمشركين، وهو كقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ قُلْ قِتالٌ فِـيهِ كَبِـيرٌ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن عبـاس وغيره. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨٥ـ حدثنـي مـحمدقال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ يعنـي: لا تستـحلوا قتالاً فـيه.

٨٦٨٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان الـمشرك يومئذ لا يُصَدّ عن البـيت، فأمروا أن لا يقاتَلوا فـي الشهر الـحرام ولا عند البـيت.

وأما الشهر الـحرام الذي عناه اللّه بقوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ فرجب مضر، وهو شهر كانت مضر تـحرّم فـيه القتال. وقد

قـيـل: هو فـي هذا الـموضع ذو القَعدة. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: هو ذو القعدة.

وقد بـينا الدلالة علـى صحة ما قلنا فـي ذلك فـيـما مضى، وذلك فـي تأويـل قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ.

أما الهدي: فهو ما أهداه الـمرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك إلـى بـيت اللّه ، تقرّبـا به إلـى اللّه وطلب ثوابه. يقول اللّه عزّ وجلّ: فلا تستـحلوا ذلك فتغضِبوا أهله علـيه، ولا تـحولوا بـينهم وبـين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به الـمـحلّ الذي جعله اللّه مَـحِله من كعبته. وقد رُوي عن ابن عبـاس أن الهدي إنـما يكون هديا ما لـم يقلّد.

٨٦٨٨ـ حدثنـي بذلك مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا الهَدْيَ قال: الهدي ما لـم يقلد، وقد جعل علـى نفسه أن يهديه ويقلده.

وأما قوله: وَلا القَلائِدَ فإنه يعنـي: ولا تـحلوا أيضا القلائد.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي القلائد التـي نهى اللّه عزّ وجلّ عن إحلالها،

فقال بعضهم: عنى بـالقلائد: قلائد الهدي و

قالوا: إنـما أراد اللّه بقوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ: ولا تـحلوا الهدايا الـمقلدات منها وغير الـمقلدات فقوله: وَلا الهَدْيَ ما لـم يقلد من الهدايا، وَلا القَلائِدَ الـمقلد منها.

قالوا: ودلّ بقوله: وَلا القَلائِدَ علـى معنى ما أراد من النهي عن استـحلال الهدايا الـمقلدة. ذكر من قال ذلك:

٨٦٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَلا القَلائِدَ القلائد: مقلدات الهدي، وإذا قلد الرجل هديه فقد أحرم، فإن فعل ذلك وعلـيه قميصه فلـيخـلعه.

وقال آخرون: يعنـي ذلك: القلائد التـي كان الـمشركون يتقلدونها إذا أرادوا الـحجّ مقبلـين إلـى مكة من لـحاء السّمُر، وإذا خرجوا منها إلـى منازلهم منصرفـين منها، من الشّعر. ذكر من قال ذلك:

٨٦٩٠ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ قال: كان الرجل فـي الـجاهلـية إذا خرج من بـيته يريد الـحجّ تقلد من السّمُر فلـم يعرض له أحد، فإذا رجع تقلد قلادة شعر فلـم يعرض له أحد.

وقال آخرون: بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الـخروج من الـحرم أو خرج من لـحاء شجر الـحرم فـيأمن بذلك من سائر قبـائل العرب أن يعرضوا له بسوء. ذكر من قال ذلك:

٨٦٩١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مالك بن مغول، عن عطاء: وَلا القَلائِدَ قال: كانوا يتقلدون من لـحاء شجر الـحرم، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الـحرم، فنزلت: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... الاَية، وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ.

٨٦٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلا القَلائِدَ قال: القلائد: اللـحاء فـي رقاب الناس والبهائم أمنٌ لهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٦٩٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ قال: إن العرب كانوا يتقلدون من لـحاء شجر مكة، فـيقـيـم الرجل بـمكانه، حتـى إذا انقضت الأشهر الـحرم فأراد أن يرجع إلـى أهله قلد نفسه وناقته من لـحاء الشجر، فـيأمن حتـى يأتـي أهله.

٨٦٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد فـي قوله: وَلا القَلائِدَ قال: القلائد: كان الرجل يأخذ لـحاء شجرة من شجر الـحرم فـيتقلدها، ثم يذهب حيث شاء، فـيأمن بذلك، فذلك القلائد.

وقال آخرون: إنـما نهى اللّه الـمؤمنـين بقوله: وَلا القَلائِدَ أن ينزعوا شيئا من شجر الـحرم فـيتقلّدوه كما كان الـمشركون يفعلون فـي جاهلـيتهم. ذكر من قال ذلك:

٨٦٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد الـملك، عن عطاء فـي قوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ كان الـمشركون يأخذون من شجر مكة من لـحاء السّمُر، فـيتقلدونها، فـيأمنون بها من الناس، فنهى اللّه أن يُنزع شجرها فـيُتقلد.

٨٦٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير، وعنده رجل، فحدثهم فـي قوله: وَلا القَلائِدَ قال: كان الـمشركون يأخذون من شجر مكة من لـحاء السّمُر فـيتقلدون، فـيأمنون بها فـي الناس، فنهى اللّه عزّ ذكره أن ينزل شجرها فـيتقلد.

والذي هو أولـى بتأويـل قوله: وَلا القَلائِدَ إذ كانت معطوفة علـى أوّل الكلام، ولـم يكن فـي الكلام ما يدلّ علـى انقطاعها عن أوله، ولا أنه عنى بها النهى عن التقلد أو اتـخاذ القلائد من شيء أن يكون معناه: ولا تـحلوا القلائد. فإذا كان ذلك بتأويـله أولـى، فمعلوم أنه نهي من اللّه جلّ ذكره عن استـحلال حرمة الـمقلد هديا كان ذلك أو إنسانا، دون حرمة القلادة وأن اللّه عزّ ذكره إنـما دلّ بتـحريـمه حرمة القلادة علـى ما ذكرنا من حرمة الـمقلد، فـاجتزأ بذكره القلائد من ذكر الـمقلد، إذ كان مفهوما عند الـمخاطبـين بذلك معنى ما أريد به.

فمعنى الاَية إذ كان الأمر علـى ما وصفنا: يا أيها الذين آمنوا لا تـحلوا شعائر اللّه ، ولا الشهر الـحرام، ولا الهدي، ولا الـمقلد بقسميه بقلائد الـحرم.

وقد ذكر بعض الشعراء فـي شعره، ما ذكرنا عمن تأوّل القلائد أنها قلائد لـحاء شجر الـحرم الذي كان أهل الـجاهلـية يتقلدونه، فقال وهو يعيب رجلـين قتلا رجلـين كانا تقلدا ذلك:

أَلـمْ تَقْتُلا الـحِرْجَيْنِ إذْ أعْوَرَاكمايُـمِرّانِ بـالأيْدِي اللّـحاءَ الـمُضَفّرَا

والـحِرجان: الـمقتولان كذلك. ومعنى قوله: أعوراكما: أمكناكما من عورتهما.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ.

يعنـي بقوله عزّ ذكرهوَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ: ولا تـحلوا قاصدين البـيت الـحرام العامدية، تقول منه: أمـمت كذا: إذا قصدته وعَمَدته، وبعضهم

يقول: يَـمَـمْتُه، كما قال الشاعر:

إنّـي كَذاك إذَا ما ساءَنِـي بَلَدٌيَـمَـمْتُ صدْرَ بَعِيرِي غيرَهُ بَلَدَا

والبـيت الـحرام: بـيت اللّه الذي بـمكة وقد بـينت فـيـما مضى لـم قـيـل له الـحرام. يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ يعنـي: يـلتـمسون أربـاحا فـي تـجارتهم من اللّه . وَرِضْوَانا

يقول: وأن يرضى اللّه عنهم بنُسُكهم. وقد

قـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي رجل من بنـي ربـيعة يقال له الـحُطَم. ذكر من قال ذلك:

٨٦٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبل الـحُطَم بن هند البكريّ، ثم أحد بنـي قـيس بن ثعلبة، حتـى أتـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وحده، وخـلّف خيـله خارجة من الـمدينة، فدعاه فقال: إلامَ تدعو؟ فأخبره، وقد كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه: (يَدْخُـلُ الـيَوْمَ عَلَـيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ رَبِـيَعةَ، يَتَكَلّـمُ بلسَانِ شَيْطَانٍ). فلـما أخبره النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: انظروا لعّلـي أُسلـم، ولـي من أشاوره. فخرج من عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَقَدْ دَخَـلَ بِوَجْهِ كافِرٍ، وَخَرَجَ بعَقِبِ غادِرٍ). فمرّ بسرح من سرح الـمدينة، فساقه، فـانطلق به وهو يرتـجز:

قَدْ لَفّها اللّـيْـلُ بسَوّاقٍ حُطَمْلَـيْسَ بِرَاعِي إبِلٍ وَلا غَنَـمٍ

وَلا بِجَزّارٍ عَلـى ظَهْرِ الوَضَمْبـاتُوا نِـياما وَابْنُ هِنْدٍ لَـمْ يَنَـمْ

بـاتَ يُقاسِيها غُلامٌ كالزّلَـمْخَدَلّـجُ السّاقَـيْنِ مَـمْسُوحُ القَدَمْ

ثم أقبل من عام قابل حاجّا قد قلد وأهدى، فأراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبعث إلـيه، فنزلت هذه الاَية، حتـى بلغ: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال له ناس من أصحابه: يا رسول اللّه خـلّ بـيننا وبـينه، فإنه صاحبنا قال: (إنّهُ قَدْ قَلّدَ).

قالوا: إنـما هي شيء كنا نصنعه فـي الـجاهلـية. فأبى علـيهم، فنزلت هذه الاَية.

٨٦٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: قدم الـحطم أخو بنـي ضبـيعة بن ثعلبة البكري الـمدينة فـي عير له يحمل طعاما، فبـاعه. ثم دخـل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فبـايعه، وأسلـم. فلـما ولـى خارجا نظر إلـيه، فقال لـمن عنده: (لَقَدْ دَخَـلَ علـيّ بوَجْهِ فَـاجِرِ ووَلّـى بقَـفَـا غاَدِرٍ). فلـما قدم الـيـمامة ارتدّ عن الإسلام، وخرج فـي عير له تـحمل الطعام فـي ذي القعدة، يريد مكة فلـما سمع به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تهيأ للـخروج إلـيه نفر من الـمهاجرين والأنصار لـيقتطعوه فـي عيره، فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه ... الاَية، فـانتهى القوم. قال ابن جريج: قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: ينهى عن الـحجاج أن تقطع سبلهم

قال: وذلك أن الـحطم قدم علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـيرتاد وينظر،

فقال: إنـي داعية قومي، فـاعرض علـيّ ما تقول قال له: (أدْعُوكَ إلـى اللّه أنْ تَعْبُدَهُ ولا تُشْرِكَ به شَيْئا، وتُقِـيـمَ الصّلاةَ، وتُؤْتـي الزّكَاةَ، وتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَان، وتَـحُجّ البَـيْتَ)

قال: الـحطم: فـي أمرك هذا غلظة، أرجع إلـى قومي فأذكر لهم ما ذكرت، فإن قبلوه أقبلت معهم، وإن أدبروا كنت معهم. قال له: (ارْجِعْ) فلـما خرج، قال: (لَقَدْ دَخَـلَ عَلـيّ بَوجْهِ كَافِرٍ وخَرَجَ مِنْ عِنْدي بُعْقَبـي غَادِرٍ، وما الرّجُلُ بـمُسْلِـمٍ). فمرّ علـى سرح لأهل الـمدينة، فـانطلق به فطلبه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ففـاتهم. وقدم الـيـمامة، وحضر الـحجّ، فجهز خارجا، وكان عظيـم التـجارة، فـاستأذنوا أن يتلقوه ويأخذوا ما معه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ.

٨٦٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: هذا يوم الفتـح جاء ناس يأمّون البـيت من الـمشركين، يُهلّون بعمرة، فقال الـمسلـمون: يا رسول اللّه إنـما هؤلاء مشركون، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير علـيهم فنزل القرآن: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ.

٨٧٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ

يقول: من توجّهَ حاجّا.

٨٧٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ يعنـي: الـحاج.

٨٧٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير وعنده رجل، فحدثهم فقال: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: الذين يريدون البـيت.

ثم اختلف أهل العلـم فـيـما نسخ من هذه الاَية بعد إجماعهم علـى أن منها منسوخا،

فقال بعضهم: نسخ جميعها. ذكر من قال ذلك:

٨٧٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن بـيان، عن عام، قال: لـم ينسخ من الـمائدة إلا هذه الاَية لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ.

٨٧٠٤ـ حدثنا ابن وجيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مـجاهد: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه نسختها: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن بـيان، عن الشعبـيّ، قال: لـم ينسخ من سورة الـمائدة غير هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه .

٨٧٠٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: منسوخ

قال: كان الـمشركون يومئذ لا يصدّ عن البـيت، فأمروا أن لا يقاتلوا فـي الأشهر الـحرم ولا عند البـيت، فنسخها قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـموهُمْ.

٨٧٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... إلـى قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: نسختها براءة: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـموهُمْ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن الضحاك ، مثله.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن حبـيب بن أبـي ثابت: لا تُـحلّوا شَعائِرِ اللّه ولا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِد قال: هذا شيء نهي عنه، فترك كما هو.

٨٧٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ وَلا الشّهْرَ الـحَرامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: هذا كله منسوخ، نسخ هذا أمره بجهادهم كافة.

وقال آخرون: الذي نَسخَ من هذه الاَية، قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ. ذكر من قال ذلك:

٨٧٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة،

فقال: هكذا سمعته من قتادة نسخ من الـمائدة: آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ نسختها براءة، قال اللّه : فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ،

وقال: ما كان للْـمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّه شاهِدِينَ عَلـى أنْفُسِهِمْ بـالكُفْرِ،

وقال: إنّـما الـمُشْرِكُونَ نَـجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الـحَرَامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وهو العام الذي حجّ فـيه أبو بكر، فنادى فـيه بـالأذان.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... الاَية، قال: فنسخ منها: آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ نسختها براءة،

فقال: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ، فذكر نـحو حديث عبدة.

٨٧٠٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: نزل فـي شأن الـحُطَم: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آميّنَ البَـيْتَ الـحَرَامَ ثم نسخه اللّه فقال: اقْتُلوهُمْ حَيْثُ ثَقِـفْتُـمُوهُمْ.

٨٧١٠ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لا تُـحِلّوا شَعائرَ اللّه ... إلـى قوله: وَلا آميّنَ البَـيْتَ جميعا، فنهى اللّه الـمؤمنـين أن يـمنعوا أحدا أن يحجّ البـيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر، ثم أنزل اللّه بعد هذا: إنّـما الـمُشْرِكُونَ نَـجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الـحَرَامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا،

وقال: ما كانَ للْـمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّه ،

وقال: إنّـما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّه مَنْ آمَنَ بـاللّه وَالـيَوْمِ الاَخِرِ فنفـي الـمشركين من الـمسجد الـحرام.

٨٧١١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: منسوخ، كان الرجل فـي الـجاهلـية إذا خرج من بـيته يريد الـحجّ، تقلد من السّمُر فلـم يعرض له أحد، وإذا رجع تقلد قلادة شعر فلـم يعرض له أحد، وكان الـمشرك يومئذ لا يُصَدّ عن البـيت، وأمروا أن لا يقاتلوا فـي الأشهر الـحُرم ولا عند البـيت، فنسخها قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ.

وقال آخرون: لـم ينسخ من ذلك شيء إلا القلائد التـي كانت فـي الـجاهلـية يتقلدونها من لـحاء الشجر. ذكر من قال ذلك:

٨٧١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: هذا كله من عمل الـجاهلـية، فعله وإقامته، فحرّم اللّه ذلك كله بـالإسلام، إلا لـحِاء القلائد، فترك ذلك. وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ فحرّم اللّه علـى كل أحد إخافَتَهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة، قول من قال: نسخ اللّه من هذه الاَية قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آميّنَ البَـيْتَ الـحَرَامَ لإجماع الـجميع علـى أن اللّه قد أحلّ قتال أهل الشرك فـي الأشهر الـحُرم وغيرها من شهور السنة كلها، وكذلك أجمعوا علـى أن الـمشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لـحاء جميع أشجار الـحرم لـم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لـم يكن تقدم له عَقْد ذمة من الـمسلـمين أو أمان. وقد بـينا فـيـما مضى معنى القلائد فـي غير هذا الـموضع.

وأما قوله: وَلا أمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ فإنه مـحتـمل ظاهره: ولا تُـحِلّوا حرمة آمين البـيت الـحرام من أهل الشرك والإسلام، لعموم جميع من أمّ البـيت. وإذا احتـمل ذلك، فكان أهل الشرك داخـلـين فـي جملتهم، فلا شكّ أن قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ ناسخ له، لأنه غير جائز اجتـماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم وترك قتلهم فـي حال واحدة ووقت واحد. وفـي إجماع الـجميع علـى أن حكم اللّه فـي أهل الـحرب من الـمشركين قتلهم، أمّوا البـيت الـحرام أو البـيت الـمقدس فـي أشهر الـحرم وغيرها، ما يعلـم أن الـمنع من قتلهم إذا أمّوا البـيت الـحرام منسوخ، ومـحتـمل أيضا: ولا آمين البـيت الـحرام من أهل الشرك، وأكثر أهل التأويـل علـى ذلك. وإن كان عُنِى بذلك الـمشركون من أهل الـحرب، فهو أيضا لا شكّ منسوخ. وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف فـي ذلك بـينهم ظاهر، وكان ما كان مستفـيضا فـيهم ظاهر الـحجة، فـالواجب وإن احتـمل ذلك معنى غير الذي قالوا، التسلـيـم لـما استفـاض بصحته نقلهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا.

يعنـي بقوله: يَبْتَغُونَ: يطلبون ويـلتـمسون. والفضل: الإربـاح فـي التـجارة والرضوان: رضا اللّه عنهم، فلا يحلّ بهم من العقوبة فـي الدنـيا ما أحلّ بغيرهم من الأمـم فـي عاجل دنـياهم بحجهم بـيته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧١٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: هم الـمشركون يـلتـمسون فضل اللّه ورضوانه فـيـما يصلـح لهم دنـياهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة،

فقال: هكذا سمعته من قتادة فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا والفضل والرضوان: اللذان يبتغون أن يصلـح معايشهم فـي الدنـيا، وأن لا يعجل لهم العقوبة فـيها.

٨٧١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا يعنـي: أنهم يترضون اللّه بحجهم.

٨٧١٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير، وعنده رجل، فحدثهم فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: التـجارة فـي الـحجّ، والرضوان فـي الـحجّ.

٨٧١٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي أميـمة، قال: قال ابن عمر فـي الرجل يحجّ، ويحمل معه متاعا، قال: لا بأس به. وتلا هذه الاَية: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا.

٨٧١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: يبتغون الأجر والتـجارة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا الصيد الذي نهيتكم أن تُـحلوه وأنتـم حرُمُ،

يقول: فلا حرج علـيكم فـي اصطياده واصطادوا إن شئتـم حينئذ، لأن الـمعنى الذي من أَجله كنت حرّمته علـيكم فـي حال إحرامكم قد زال.

وبـما قلنا فـي ذلك قال جميع أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧١٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا حصين، عن مـجاهد، أنه قال: هي رخصة. يعنـي قوله: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا.

٨٧١٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن القاسم، عن مـجاهد، قال: خمس فـي كتاب اللّه رخصة، ولـيست بعَزْمة، فذكر: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا قال: من شاء فعل، ومن شاء لـم يفعل.

٨٧٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عطاء، مثله.

٨٧٢١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن مـجاهد: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا قال: إذا حلّ، فإن شاء صاد، وإن شاء لـم يصطد.

٨٧٢٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ابن جريج، عن رجل، عن مـجاهد: أنه كان لا يرى الأكل من هَدْى الـمتعة واجبـا، وكان يتأوّل هذه الاَية: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشرُوا فِـي الأرْضِ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَلا يجْرِمَنّكُمْ ولا يحملنكم. كما:

٨٧٢٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا يجْرِمَنّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ

يقول: لا يحملنكم شنآن قوم.

٨٧٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْم أي لا يحملنكم.

وأما أهل الـمعرفة بـاللغة، فإنهم اختلفوا فـي تأويـلها، فقال بعض البصريـين: معنى قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يحقنّ لكم لأن قوله: لا جَرَمَ أنْ لَهُمِ النّار: هو حقّ أن لهم النار

وقال بعض الكوفـيـين معناه: لا يحملنكم

وقال: يقال: جرمنى فلان علـى أن صنعت كذا وكذا: أي حملنـي علـيه. واحتـجّ جميعهم ببـيت الشاعر:

وَلَقَدْ طَعَنْتَ أبـا عُيَـيْنَةَ طَعْنَةًجَرَمَتْ فَزَارَةَ بعدَها أنْ يغْضَبوا

فتأوّل ذلك كل فريق منهم علـى الـمعنى الذي تأوّله من القرآن، فقال الذين

قالوا: لا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يحقن لكم معنى قول الشاعر: جرمت فزارةَ: أحقت الطعنة لفزارة الغضب

وقال الذين قالوا معناه: لا يحملنكم: معناه فـي البـيت: (جرمت فزارة أن يغضبوا): حملت فزارة علـى أن يغضبوا

وقال آخر من الكوفـيـين: معنى قوله: لا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يكسبنكم شنآن قوم. وتأويـل قائل هذا القول قول الشاعر فـي البـيت: (جرمت فزارةُ): كسبت فزارة أن يغضبوا

قال: وسمعت العرب تقول: فلان جريـمة أهله، بـمعنى: كاسبهم، وخرج يجرمهم: يكسبهم. وهذه الأقوال التـي حكيناها عمن حكيناها عنه متقاربة الـمعنى وذلك أن من حمل رجلاً علـى بغض رجل فقد أكسبه بغضه، ومن أكسبه بغضه فقد أحقه له.

فإذا كان ذلك كذلك، فـالذي هو أحسن فـي الإبـانة عن معنى الـحرف، ما قاله ابن عبـاس وقتادة، وذلك توجيهما معنى قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْم: ولا يحملنكم شنآن قوم علـى العدوان.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار: وَلا يَجْرِمَنّكُم بفتـح الـياء من: جرمته أجْرِمُه. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين، وهو يحيى بـين وثاب والأعمش، ما:

٨٧٢٥ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، أنه قرأ: (وَلا يُجْرِمَنّكُمْ) مرتفعة الـياء من أجرمته أجرمه وهو يُجْرمنـي.

والذي هو أولـى بـالصواب من القراءتـين، قراءة من قرأ ذلك: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ بفتـح الـياء، لاستفـاضة القراءة بذلك فـي قرّاء الأمصار وشذوذ ما خالفها، وأنها اللغة الـمعروفة السائرة فـي العرب، وإن كان مسموعا من بعضها: أجرم يُجْرم، علـى شذوذه، وقراءة القرآن بأفصح اللغات أولـى وأحقّ منها بغير ذلك ومن لغة من قال: جَرَمْتُ، قول الشاعر:

يا أيّها الـمُشْتَكي عُكْلاً وَما جرَمَتْإلـى القبـائلِ منْ قَتْلٍ وَإبآسُ

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: شَنَآنُ قَوْمٍ.

اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: شَنَآنُ بتـحريك الشين والنون إلـى الفتـح، بـمعنى: بغض قوم توجيها منهم ذلك إلـى الـمصدر الذي يأتـي علـى فَعَلان نظير الطّيَران، والنّسَلان، والعَسَلان، والرّمَلان. وقرأ ذلك آخرون: شَنْآنُ قَوْمٍ بتسكين النون وفتـح الشين، بـمعنى الاسم توجيها منهم معناه إلـى: لا يحملنكم بغض قوم، فـيخرج شنآن علـى تقدير فعلان، لأن فَعَلَ منه علـى فَعِلَ، كما يقال: سكران من سكر، وعطشان من عطش، وما أشبه ذلك من الأسماء.

والذي هو أولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب، قراءة من قرأ: شَنَآن بفتـح النون مـحرّكة، لشائع تأويـل أهل التأويـل علـى أن معناه: بغض قوم، وتوجيههم ذلك إلـى معنى الـمصدر دون معنى الاسم. وإذ كان ذلك موجها إلـى معنى الـمصدر، فـالفصيح من كلام العرب فـيـما جاء من الـمصادر علـى الفعلان بفتـح الفـاء تـحريك ثانـيه دون تسكينه، كما وصفت من قولهم: الدّرَجان، والرّمَلان من دَرَجَ وَرَمَل، فكذلك الشنآن من شَنِئة أشنؤه شَنَآنا. ومن العرب من

يقول: شَنَان علـى تقدير فَعَال، ولا أعلـم قارئا قرأ ذلك كذلك، ومن ذلك قول الشاعر:

ومَا العَيْشُ إلاّ ما يَـلَذّ ويُشْتَهَىوَإنْ لامَ فـيهِ ذُو الشنّانِ وَفَنّدَا

وهذا فـي لغة من ترك الهمز من الشنآن، فصار علـى تقدير فَعَال وهو فـي الأصل فَعَلان.

ذكر من قال من أهل التأويـل: شَنَآنُ قَوْمٍ: بغض قوم.

٨٧٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ: لا يحملنكم بُغض قوم.

وحدثنـي به الـمثنى مرّة أخرى بإسناده، عن ابن عبـاس ،

فقال: لا يحملنكم عداوة قوم أن تعتدوا.

٨٧٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ: لا يجرمنكم بغض قوم.

٨٧٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ قال: بغضاؤهم أن تعتدوا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أنْ صَدّوكُمْ عنْ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ أنْ تَعْتَدُوا.

اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الـمدينة وعامة قرّاء الكوفـيـين: أَنْ صَدّوكُمْ بفتـح الألف من (أَن) بـمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم بصدّهم إياكم عن الـمسجد الـحرام أن تعتدوا. وكان بعض قرّاء الـحجاز والبصرة يقرأ ذلك: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إنْ صَدّوكُمْ بكسر الألف من (إن) بـمعنى: ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدّا عن الـمسجد الـحرام، أن تعتدوا. فزعموا أنها فـي قراءة ابن مسعود: إنْ يَصُدّكُمْ فقراءة ذلك كذلك اعتبـارا بقراءته.

والصواب من القول فـي ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان فـي قراءة الأمصار، صحيح معنى كلّ واحدة منهما. وذلك أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم صدّ عن البـيت هو وأصحابه يوم الـحديبـية، وأنزلت علـيه سورة الـمائدة بعد ذلك. فمن قرأ: أنْ صَدّوكُمْ بفتـح الألف من (أن) فمعناه: لا يحملنكم بغض قوم أنها الناس من أجل أن صدوكم يوم الـحديبـية عن الـمسجد الـحرام، أن تعتدوا علـيهم. ومن قرأ: إنْ صَدّوكُمْ بكسر الألف، فمعناه: لا يجرمنكم شنآن قوم إن صَدوكم عن الـمسجد الـحرام إذا أردتـم دخوله، لأن الذين حاربوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتـح مكة قد حاولوا صَدّهم عن الـمسجد الـحرام قبل أن يكون ذلك من الصّادّين. غير أن الأمر وإن كان كما وصفت، فإن قراءة ذلك بفتـح الألف أبـين معنى، لأن هذه السورة لا تَدَافُع بـين أهل العلـم فـي أنها نزلت بعد يوم الـحُدَيْبِـيَة. وإذ كان ذلك كذلك، فـالصدّ قد كان تقدّم من الـمشركين، فنهى اللّه الـمؤمنـين عن الاعتداء علـى الصادين من أجل صدّهم إياهم عن الـمسجد الـحرام، وأما قوله: أنْ تَعْتَدُوا فإنه يعنـي: أن تـجاوزا الـحدّ الذي حدّه اللّه لكم فـي أمرهم. فتأويـل الاَية إذن: ولا يحملنكم بُغض قوم لأن صدوكم عن الـمسجد الـحرام أيها الـمؤمنون أن تعتدوا حكم اللّه فـيهم فتـجاوزوه إلـى ما نهاكم عنه، ولكن الزموا طاعة اللّه فـيـما أحببتـم وكرهتـم. وذُكِر أنها نزلت فـي النهي عن الطلب بذحول الـجاهلـية. ذكر من قال ذلك:

٨٧٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أنْ تَعْتَدُوا رجل مؤمن من حلفـاء مـحمد، قَتَل حلـيفـا لأبـي سفـيان من هُذَيب يوم الفتـح بعرفة، لأنه كان يقتل حلفـاء مـحمد، فقال مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَل بِذَحْلِ الـجاهِلِـيّةِ).

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: هذا منسوخ. ذكر من قال ذلك:

٨٧٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ تَعْتَدُوا قال: بَغْضاؤهم، حتـى تأتوا ما لا يحلّ لكم. وقرأ أنْ صَدّوكُمْ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ أنْ تَعْتَدُوا وتعاونوا، قال: هذا كله قد نسخ، نسخه الـجهاد.

وأولـى القولـيبن فـي ذلك بـالصواب قول مـجاهد: إنه غير منسوخ لاحتـماله أن تعتدوا الـحقّ فـيـما أمرتكم به. وإذا احتـمل ذلك، لـم يجزأن يقال: هو منسوخ، إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتَعاوَنُوا علـى البِرّ وَالتّقْوَى وَلا تَعاوَنُوا علـى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَتَعاوَنُووا علـى البِرّ وَالتّقْوَى ولـيعن بعضكم أيها الـمؤمنون بعضا علـى البرّ، وهو العمل بـما أمر اللّه بـالعمل به والتّقْوَى: هو اتقاء ما أمر اللّه بـاتقائه واجتنابه من معاصيهوقوله: وَلا تَعاوَنُوا علـى الإثْمِ وَالعُدْوَان يعنـي: ولا يُعِن بعضكم بعضا علـى الإثم، يعنـي: علـى ترك ما أمركم اللّه بفعله. والعُدْوَانِ

يقول: ولا علـى أن تتـجاوزا ما حدّ اللّه لكم فـي دينكم، وفرض لكم فـي أنفسكم وفـي غيركم. وإنـما معنى الكلام: ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن الـمسجد الـحرام أن تعتدوا، ولكن لـيعن بعضكم بعضا بـالأمر بـالانتهاء إلـى ما حدّه اللّه لكم فـي القوم الذين صدّوكم عن الـمسجد الـحرام وفـي غيرهم، والانتهاء عما نهاكم اللّه أن تأتوا فـيهم وفـي غيرهم وفـي سائر ما نهاكم عنه، ولا يعن بعضكم بعضا علـى خلاف ذلك. وبـما قلنا فـي البرّ والتقوى

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وتَعَاوَنُوا علـى البِرّ والتّقْوَى البرّ: ما أُمرتَ به، والتقوى: ما نُهيتَ عنه.

٨٧٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: وتَعَاوَنُوا علـى البِرّ والتّقْوَى قال: البرّ: ما أُمرت به، والتقوى: ما نُهيتَ عنه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه شَدِيدُ العِقابِ.

وهذا وعيد من اللّه جل ثناؤه وتهديد لـمن اعتدى حدّه وتـجاوز أمره. يقول عزّ ذكره: وَاتّقُوا اللّه يعنـي: واحذروا اللّه أيها الـمؤمنون أن تلقوه فـي معادكم وقد اعتديتـم حدّه فـيـما حدّ لكم وخالفتـم أمره فـيـما أمركم به أن نهيه فـيـما نهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه وتستـحقوا ألـيـم عذابه ثم وصف عقابه بـالشدة، فقال عزّ ذكره: إن اللّه شديد عقابه لـمن عاقبه من خـلقه، لأنها نار لا يُطْفأ حرّها، ولا يَخْمُد جمرها، ولا يسكن لهبها. نعوذ بـاللّه منها ومن عمل يقرّبنا منها.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ...}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: حرّم اللّه علـيكم أيها الـمؤمنون الـميتة، والـميتة: كلّ ما له نَفْس سائلة من دوابّ البرّ وطيره، مـما أبـاح اللّه أكلها، وأهلـيها ووحشيّها، فـارقتها روحها بغير تذكية. وقد قال بعضهم: الـميتة: هو كلّ ما فـارقته الـحياة من دوابّ البرّ وطيره بغير تذكية مـما أحلّ اللّه أكله. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بـما قلنا فـي ذلك فـي كتابنا: كتاب (لطيف القول فـي الأحكام)وأما الدم، فإن الدم الـمسفوح دون ما كان منه غير مسفوح، لأن اللّه جل ثناؤه قال: قُلْ لا أجِدُ فـيـما أُوحِيَ إلـيّ مُـحَرّما علـى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَما مَسْفُوحا أوْ لَـحْمَ خِنْزِيرٍ: فأما ما كان قد صار فـي معنى اللـحم كالكبد والطّحال، وما كان فـي اللـحم غير منسفح، فإن ذلك غير حرام، لإجماع الـجميع علـى ذلك.

وأما قوله: ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ فإنه يعنـي: وحرّم علـيكم لـحم الـخنزير، أهلـيه وبرّيه. فـالـميتة والدم مخرجهما فـي الظاهر مخرج عموم، والـمراد منهما الـخصوص وأما لـحم الـخنزير، فإن ظاهره كبـاطنه وبـاطنه كظاهره، حرام جميعه لـم يخصص منه شيء.

وأما قوله ومَا أهِلّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ فإنه يعنـي: وما ذكر علـيه غير اسم اللّه . وأصله من استهلال الصبـيّ وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه، ومنه إهلال الـمـحرّم بـالـحجّ إذا لَبّى به، ومنه قول ابن أحمر:

يُهلّ بـالفَرْقَدِ رُكْبـانُهاكمَا يُهِلّ الرّاكِبُ الـمُعْتَـمِرْ

وإنـما عنى بقوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ: وما ذُبح للاَلهة وللأوثان يسمّى علـيه غير اسم اللّه . وبـالذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فـيـما مضى فكرهنا إعادته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمُنْـخَنِقَةُ.

اختلفت أهل التأويـل فـي صفة الانـخناق الذي عَنَى اللّه جل ثناؤه بقوله وَالـمُنْـخَنِقَةُ. فقال بعضهم بـما:

٨٧٣٣ـ حدثنا مـحمد بن الـجسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: التـي تُدخِـل رأسَها بـين شعبتـين من شجرة، فتـختنق فتـموت.

٨٧٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي الـمنـخنقة، قال: التـي تـختنق فتـموت.

٨٧٣٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ التـي تـموت فـي خِنَاقها.

وقال آخرون: هي التـي تُوْثَق فـيقتلها بـالـخناق وثاقها. ذكر من قال ذلك:

٨٧٣٦ـ حُدثت عن الـحسن، قال: سمعا أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ قال: الشاة توثق، فـيقتلها خناقها، فهي حرام.

وقال آخرون: بل هي البهيـمة من النّعمَ، كان الـمشركون يخنقونها حتـى تـموت، فحرّم اللّه أكلها. ذكر من قال ذلك:

٨٧٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَالـمُنْـخَنِقَةُ: التـي تُـخنق فتـموت.

٨٧٣٨ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَالـمُنْـخَنِقَةُ: كان أهل الـجاهلـية يخنقون الشاة، حتـى إذا ماتت أكلوها.

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب، قول من قال: هي التـي تـختنق، إما فـي وِثاقها، وإما بإدخال رأسها فـي الـموضع الذي لا تقدر علـى التـخـلص منه فتـختنق حتـى تـموت.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك من غيره، لأن الـمنـخنقة: هي الـموصوفة بـالانـخناق دون خنق عيرها لها، ولو كان معنـيا بذلك أنها مفعول بها لقـيـل: والـمخنوقة، حتـى يكون معنى الكلام ما قالوا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالـمَوْقُوذَةُ:

يعنـي جل ثناؤه بقوله وَالـمَوْقُوذَةُ: والـميتة وقـيذا، يقال منه: وَقَذَه يَقِذُهِ وَقْذا: إذا ضربه حتـى أشرف علـى الهلاك، ومنه قول الفرزدق:

شَغّارَةً تقِذُ الفَصِيـلَ برِجْلهافَطّارَةً لِقَوَادِمِ الأبْكارِ

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَالـمَوْقُوذَةُ قال: الـموقوذة التـي تضرب بـالـخشب حتـى يقذها فتـموت.

٨٧٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال حدثنا سعيد، عن قتادة: وَالـمَوْقُوذَةُ كان أهل الـجاهلـية يضربونها بـالعصا، حتـى إذا ماتت أكلوها.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: كانوا يضربونها حتـى يقذوها، ثم يأكلوها.

حدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ التـي توقذَ فتـموت.

٨٧٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: الـمَوْقُوذَةُ: التـي تضرب حتـى تـموت.

٨٧٤٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَالـمَوْقُوذَةُ قال: هي التـي تضرب فتـموت.

٨٧٤٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالـمَوْقُوذَةُ: كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بـالـخشب لاَلهتهم حتـى يقتلوها فـيأكلوها.

حدثنا العبـاس بن الولـيد، قال: أخبرنـي عقبة بن علقمة، ثنـي إبراهيـم بن أبـي عبلة، قال: ثنء نعيـم بن سلامة، عن أبـي عبد اللّه الصنابحي، قال: لـيست الـموقوذة إلاّ فـي مالك، ولـيس فـي الصيد وقـيذ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُتَرَدّيَةُ.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وحرّمت علـيكم الـميتة تردّيا من جبل، أو فـي بئر، أو غير ذلك. وتردّيها: رميُها بنفسها من مكان عالٍ مشرف إلـى سفله.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تتردّى من الـجبل.

٨٧٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ: كانت تتردّى فـي البئر فتـموت فـيأكلونها.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تردّت فِـي البئر.

٨٧٤٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: هي التـي تَرَدّى من الـجبل أو فـي البئر، فتـموت.

٨٧٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : والـمُتَرَدّيَةُ: التـي تَرَدّى من الـجبل فتـموت.

٨٧٤٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والـمُتَرَدّيَةُ قال: التـي تـخرّ فـي ركيّ أو من رأس جبل فتـموت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالنّطِيحَةُ.

يعنـي بقوله النّطِيحَةُ: الشاة التـي تنطحها أخرى فتـموت من النطاح بغير تذكية، فحرم اللّه جل ثناؤه ذلك علـى الـمؤمنـين إن لـم يدركوا ذكاته قبل موته. وأصل النطيحة: الـمنطوحة، صرفت من مفعولة إلـى فعيـلة.

فإن قال قائل: وكيف أثبتت الهاء هاء التأنـيث فـيها، وأنت تعلـم أن العرب لا تكاد تثبت الهاء فـي نظائرها إذا صرفوها صرف النطيحة من مفعول إلـى فعيـل، إنـما تقول: لـحية دهين، وعين كحيـل، وكفّ خضيب، ولا يقولون كفّ خضيبة ولا عين كحيـلة؟

قـيـل: قد اختلفت أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي البصرة: أثبتت فـيها الهاء، أعنـي فـي النطيحة، لأنها جعلت كالاسم مثل الطويـلة والطريقة فكأن قائل هذا القول وجه النطيحة إلـى معنى الناطحة. فتأويـل الكلام علـى مذهبه: وحرمت علـيكم الـميتة نطاحا، كأنه عنى: وحرّمت علـيكم الناطحة التـي تـموت من نطاحها

وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما تـحذف العرب الهاء من الفعيـلة الـمصروفة عن الـمفعول إذا جعلتها صفة لاسم، قد تقدّمها، فتقول: رأينا كفـا خضيبـا وعينا كحيلاً. فأما إذا حذفت الكفّ والعين والاسم الذي يكون فعيـل نعتا لها واجتزءوا بفعيـل منها، أثبتوا فـيه هاء التأنـيث، لـيعلـم بثبوتها فـيه أنها صفة للـمؤنث دون الـمذكر، فتقول: رأينا كحيـلة وخضيبة وأكيـلة السبع،

قالوا: ولذلك أدخـلت الهاء فـي النطيحة، لأنها صفة الـمؤنث، ولو أسقطت منها لـم يُدْر أهي صفة مؤنث أو مذكر. وهذا القول هو أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب الشائع من أقوال أهل التأويـل، بأن معنى النطيحة: الـمنطوحة. ذكر من قال ذلك:

٨٧٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابـي عبـاس، قوله: وَالنّطيحَة قال: الشاة تَنْطح الشاة.

٨٧٥٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد الزّبـيري، عن قـيس، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، قال: كان يقرأ: (والـمنطوحة).

٨٧٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : وَالنّطِيحَةُ: الشاتان تنتطحان فتـموتان.

٨٧٥٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَالنّطِيحَة: هي التـي تنطحها الغنـم والبقر فتـموت.

يقول: هذا حرام، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه.

٨٧٥٣ـ حدثنا بشر، قال حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: والنّطِيحَةُ كان الكبشان ينتطحان، فـيـموت أحدهما، فـيأكلونه.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: والنّطِيحَة الكبشان ينتطحان فـيقتل أحدهما الاَخر، فـيأكلونه.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد،، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والنّطِيحَةُ قال: الشاة تنطح الشاة فتـموت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما أكَلَ السّبُعُ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَما أكَلَ السّبُعُ: وحرّم علـيكم ما أكل السبع غير الـمعلّـم من الصوائد. وكذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَما أكَلَ السّبُعُ

يقول: ما أخذ السبع.

٨٧٥٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : وَما أكَلَ السّبُعُ

يقول: ما أخذ السبع.

٨٧٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما أكَلَ السّبُعُ قال: كان أهل الـجاهلـية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه، أكلوا ما بقـي.

٨٧٥٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، عن قـيس، عن عطاء بن السائب، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس أنه قرأ: وأكيـلُ السّبُعِ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ: إلاّ ما طهرتـموه بـالذبح الذي جعله اللّه طهورا.

ثم اختلفت أهل التأويـل فـيـما استثنى اللّه بقوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ

فقال بعضهم: استثنى من جميع ما سمى اللّه تـحريـمه، من قوله وَما أُهِلّ لغَيْرِ اللّه بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ. ذكر من قال ذلك:

٨٧٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ

يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله، يتـحرّك له ذنب أو تطرف له عين، فـاذبح واذكر اسم اللّه علـيه فهو حلال.

٨٧٥٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن أشعث، عن الـحسن: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ والدّمُ ولَـحْمُ الـخِنْزِيرِ وَما أُهلّ لغيرِ اللّه بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ والـمُتَرَدّيَةُ والنّطيحَة وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال الـحسن: أيّ هذا أدركت ذكاته فذكه وكُلْ. فقلت: يا أبـا سعيد كيف أعرف؟ قال: إذا طَرَفت بعينها أو ضربت بذَنَبها.

٨٧٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ قال: فكلّ هذا الذي سماه اللّه عزّ وجلّ ههنا ما خلا لـحم الـخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبـا يتـحرّك أو قائمة تركُض، فذكيتَه، فقد أحلّ اللّه لك ذلك.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ من هذا كله، فإذا وجدتها تطرف عينها، أو تـحرك أذنها من هذا كله، فهي لك حلال.

٨٧٦١ـ حدثنا حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم وعبـاد، قالا: أخبرنا حجاج، عن حصين، عن الشعبـي، عن الـحارث، عن علـيّ، قال: إذا أدركت ذكاة الـموقوذة والـمتردية والنطيحة وهي تـحرّك يدا أو رجلاً فكُلْها.

٨٧٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا معمر، عن إبراهيـم، قال: إذا أكل السبع من الصيد أو الوقـيذة، أو النطيحة أو الـمتردية فأدركت ذكاته، فكُلْ.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مصعب بن سلام التـميـمي، قال: حدثنا جعفر بن مـحمد، عن أبـيه، عن علـيّ بن أبـي طالب، قال: إذا ركضت برجلها أو طَرَفت بعينها أو حرّكت ذنبها، فقد أجزأ.

٨٧٦٣ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن طاوس، عن أبـيه، قال: إذا ذبحتَ فمصعتْ بذنبها أو تـحرّكت فقدحلت لك. أو قال: فحَسْبه.

٨٧٦٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن، قال: إذا كانت الـموقوذة تطرف ببصرها، أو تركض برجلها، أو تـمصع بذنبها، فـاذبح وكل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن قتادة، بـمثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، عن أبـي الزبـير، أنه سمع عبـيد بن عمير،

يقول: إذا طرفت بعينها، أو مصعت بذنبها، أو تـحرّكت، فقد حلت لك.

٨٧٦٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: كان أهل الـجاهلـية يأكلون هذا، فحرّم اللّه فـي الإسلام إلا ما ذكي منه، فما أدرك فتـحرّك منه رجل أو ذنب أو طرف فذكي، فهو حلال.

٨٧٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ وَالدّمُ وَلـحْمُ الـخَنْزِيرِ

وقوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدّيَةُ والنّطِيحَةُ... الاَية، وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكيّتْـمْ هذا كله مـحرّم، إلا ما ذكي من هذا.

فتأويـل الاَية علـى قول هؤلاء: حرّمت الـموقوذة والـمتردية إن ماتت التردّي والوقذ والنطح وفَرْس السبع، إلا أن تدركوا ذكاتها، فتدركوها قبل موتها، فتكون حنـيئذٍ حلالاً أكلها.

وقال آخرون: هو استثناء من التـحريـم، ولـيس بـاستثناء من الـمـحرّمات التـي ذكرها اللّه تعالـى فـي قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ لأن الـميتة لا ذكاة لها ولا للـخنزير.

قالوا: وإنـما معنى الاَية: حرّمت علـيكم الـمتـية والدم، وسائر ما سمينا مع ذلك، إلا ما ذكيّتـم مـما أحله اللّه لكم بـالتذكية، فإنه لكم حلال. ومـمن قال ذلك جماعة من أهل الـمدينة. ذكر بعض من قال ذلك:

٨٧٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: وسئل عن الشاة التـي يخرق جوفها السبع حتـى تـخرج أمعاوها، فقال مالك: لا أرى أن تذكّي ولا يؤكل أيّ شيء يذكّي منها.

٨٧٦٨ـ حدثنـي يونس، عن أشهب، قال: سئل مالك، عن السّبُع يعدو علـى الكبش، فـيدقّ ظهره، أترى ن يذكّي قبل أن يـموت فـيؤكل؟ إن كان بلغ السّحْر، فلا أرى أن يؤكل، وإن كان إنـما أصاب أطرافه، فلا أرى بذلك بأسا.

قـيـل له: وثب علـيه فدقّ ظهره؟ قال: لا يعجبنـي أن يؤكل، هذا لا يعيش منه.

قـيـل له: فـالذئب يعدو علـى الشاة فـيشقّ بطنها ولا يشقّ الأمعاء؟ قال: إذا شقّ بطنها فلا أرى أن تؤكل.

وعلـى هذا القول يجب أن يكون قوله: إلاّ ما ذَكّيْتُـمْ استثناء منقطعا، فـيكون تأويـل الاَية: حرّمت علـيكم الـميتة والدم، وسائر ما ذكرنا، ولكن ما ذكّيتـم من الـحيوانات التـي أحللتها لكم بـالتذكية حلال.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الأوّل، وهو أن قوله: إلاّ ما ذكيّتـم اسثناء من قوله: وَما أهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وَالـمَوقُوذَةُ وَالـمُترَدّيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ لأن كلّ ذلك مستـحقّ الصفة التـي هو بها قبل حال موته، فـيقال: لـما قرّب الـمشركون لاَلهتهم فسموه لهم: هو ما أهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ بـمعنى: سمى قربـانا لغير اللّه . وكذلك الـمنـخنقة: إذا انـخنقت، وإن لـم تـمت فهي منـخنقة، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه جلّ وعزّ بعد قوله: وَما أُهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ إلا بـالتذكية فإنه يوصف بـالصفة التـي هو بها قبل موته، فحرّمه اللّه علـى عبـاده إلا بـالتذكية الـمـحللة دون الـموت بـالسبب الذي كان به موصوفـا. فإذ كان ذلك كذلك،

فتأويـل الاَية: وحرّم علـيكم ما أهل لغير اللّه به، والـمنـخنقة، وكذا وكذا وكذا، إلا ما ذكيّتـم من ذلك ف(ما) إذ كان ذلك تأويـله فـي موضع نصب بـالاستثناء مـما قبلها، وقد يجوز فـيه الرفع. وإذ كان الأمر علـى ما وصفنا، فكلّ ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيـمة قبل خروج نفسه ومفـارقة روحه جسده، فحلال أكله إذا كان مـما أحله اللّه لعبـاده.

فإن قال لنا قائل: فإذ كان ذلك معناه عندك، فما وجه تكريره ما كرّر بقوله: وما أُهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُرَدّيَةُ وسائر ما عدّد تـحريـمه فـي هذه الاَية، وقد افتتـح الاَية بقوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ؟ وقد علـمت أن قوله: حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه، من علة به من غير جنابة أحد علـيه، أو كان موته من ضرب ضارب إياه، أو انـخناق منه أو انتطاح أو فرس سبع؟ وهلاّ كان قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك من أنه معنىّ بـالتـحريـم فـي كلّ ذلك الـميتة بـالانـخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك، دون أن يكون معنـيا به تـحريـمه إذا تردّى أو انـخنق، أو فَرَسه السبع، فبلغ ذلك منه ما يعلـم أنه لا يعيش مـما أصابه منه إلا بـالـيسير من الـحياة حُرّمَتْ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةُ مغنـيا من تكرير ما كرّر بقوله وَما أهِلّ لغيرِ اللّه بِهِ والـمُنْـخَنِقَةُ وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد؟ وجه تكراره ذلك وإن كان تـحريـم ذلك إذا مات من الأسبـاب التـي هو بها موصوف، وقد تقدم بقوله حُرّمَتْ عَلَـيْكُمْ الـمَيْتَةُ أن الذين خوطبوا بهذه الاَية لا يعدّون الـميتة من الـحيوان، إلا ما مات من علة عارضة به، غير الانـخناق والتردّي والانتطاح، وفرّس السبع، علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها، ولكن العلة فـي ذلك أنها لـم يذبحها من أجل ذبـيحته بـالـمعنى الذي أحلها به. كالذي:

٨٧٦٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: وَالـمُنْـخَنِقَةُ والـمَوْقُوذَةُ وَالـمُتَرَدْيَةُ والنّطِيحَةُ وَما أكَلَ السّبُعُ إلاّ ما ذكّيْتُـمُ

يقول: هذا حرام، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يَعُدّونه ميتا، إنـما يعدّون الـميت الذي يـموت من الوجع، فحرّمه اللّه علـيهم، إلا ما ذكروا اسم اللّه علـيه وأدركوا ذكاته وفـيه الروح.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَا ذُبِحَ علـى النّصُبِ.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ: وحرّم علـيكم أيضا الذي ذبح علـى النصب. ف(ما) فـي قوله وَما ذُبِحَ رفع عطفـا علـى (ما) التـي فـي قوله: وَما أكَلَ السّبُعُ. والنّصُب: الأوثان من الـحجارة جماعة أنصاب كانت تـجمع فـي الـموضع من الأرض، فكان الـمشركون يقربون لها، ولـيست بأصنام. وكان ابن جريج يقول فـي صفته ما:

٨٧٧٠ـ حدثنا القاسم: قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: النّصُب: لـيست بأصنام، الصنـم يصوّر ويُنقس، وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا، منهم من

يقول: ثلثمائة منها لـخزاعة. فكانوا إذا ذبحوا، نضحوا الدم علـى ما أقبل من البـيت، وشرّحوا اللـحم وجعلوه علـى الـحجارة، فقال الـمسلـمون: يا رسول اللّه ، كان أهل الـجاهلـية يعظمون البـيت بـالدم، فنـحن أحقّ أن نعظمه فكان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـم يكره ذلك، فأنزل اللّه : لَنْ يَنالَ اللّه لُـحُومُها وَلا دِماؤها. ومـما يحق قول ابن جريج فـي أن الأنصاب غير الأصنام ما:

٨٧٧١ـ حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : النّصُبُ قال: حجارة حول الكعبة، يذبح علـيها أهل الـجاهلـية، ويبدّلونها إن شاءوا بحجارة أعجب إلـيهم منها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أب نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٧٧٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: حجارة كان أهل الـجاهلـية يعبدونها، ويذبحون لها، فنهى اللّه عن ذلك.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وَما ذَبِحَ علـى النّصُبِ يعنـي: أنصاب الـجاهلـية.

٨٧٧٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ والنصب: أنصاب كانوا يذبحون ويهلون علـيها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد، قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: كان حول الكعبة حجارة كان يذبح علـيها أهل الـجاهلـية ويبدّلونها إذا شاءوا بحجر هو أحبّ إلـيهم منها.

٨٧٧٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال:سمعت الضحاك بن مزاحم

يقول: الأنصاب حجارة كانوا يهلّون لها، ويذبحون علـيها.

٨٧٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا بن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما ذُبِحَ علـى النّصُبِ قال: ما ذبح علـى النصب، وما أهل لغير اللّه به، وهو واحد.

القول فـي تأويـل قوله: وأنْ تَسْتَقْسمُوا بـالأزْلام.

يعنـي بقوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُو بـالأزْلامِ: وأن تطلبوا علـم ما قسم لكم أو لـم يقسم، بـالأزلام. وهو استفعلت من القسم: قسم الرزق والـحاجات. وذلك أن أهل الـجاهلـية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو عزوًا أو نـحو ذلك، أجال القِداح، وهي الأزلام، وكانت قداحا مكتوبـا علـى بعضها: نهانـي ربـي، وعلـى بعضها: أمرنـي ربـي، فإن خرج القِدح الذي هو مكتوب علـيه: أمرنـي ربـي، مضى لـما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي علـيه مكتوب: نهانـي ربـي، كفّ عن الـمضيّ لذلك وأمسك فقـيـل: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم. ومنه قول الشاعر مفتـخرا بترك الاستقسام بها:

ولَـمْ أَقْسِمْ فتَرْبُتَنـي القُسُومُ

وأما الأزلام، فإن واحدها زَلـم، ويقال زُلَـم، وهي القِداح التـي وصفنا أمرها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٧٧٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلام قال: القداح، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا فـي سفر، جعلوا قداحا للـجلوس والـخروج، فإن وقع الـخروج خرجوا، وإن وقع الـجلوس جلسوا.

٨٧٧٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وأنُ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزلامِ قال: حصى بـيض كانوا يضربون بها.

قال أبو جعفر: قال لنا سفـيان بن وكيع: هو الشطرنـج.

٨٧٧٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبـاد بن راشد البزار، عن الـحسن فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا، يعمدون إلـى قداح ثلاثة علـى واحد منها مكتوب: أُؤمرنـي، وعلـى الاَخر: انهنـي، ويتركون الاَخر مـحللاً بـينهما لـيس علـيه شيء. ثم يجيـلونها، فإن خرج الذي علـيه (أُؤمرنـي)، مضوا لأمرهم، وإن خرج الذي علـيه (انهنى) كفّوا، وإن خرج الذي لـيس علـيه شيء أعادوها.

٨٧٧٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، ن ابن بـي نـجيح، عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ حجارة كانوا يكتبون علـيها يسمونها القداح.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٧٨٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم. عن زهير، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كِعاب فـارس التـي يَقْمُرون بها، وسهام العرب.

حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا زهير، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن مـجاهد: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: سهام العرب وكعاب فـارس والروم كانوا يتقامرون بها.

٨٧٨١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا، كتب فـي قداح: هذا يأمرنـي بـالـمكث، وهذا يأمرنـي بـالـخروج، وجعل معها منـيحا، شيء لـم يكتب فـيه شيئا، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج، فإن خرج الذي يأمر بـالـمكث مكث، وإن خرج الذي يأمر بـالـخروج خرج، وإن خرج الاَخر أجالها ثانـية حتـى يخرج أحد القِدحين.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ وكان أهل الـجاهلـية إذا أراد أحدهم خروجا، أخذ قِدْحا فقال: هذا يأمر بـالـخروج، فإن خرج فهو مصيب فـي سفره خيرا ويأخذ قدحا آخر فـ

يقول: هذا يأمر بـالـمكوث، فلـيس يصيب فـي سفره خيرا والـمنـيح بـينهما. فنهى اللّه عن ذلك، وقدّم فـيه.

٨٧٨٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.

٨٧٨٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد: الأزْلامُ قِداح لهم كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب فـي تلك القداح ما أراد، فـيضرب بها، فأيّ قدح خرج وإن كان أبغض تلك، ارتكبه وعمل به.

٨٧٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ قال: الأزلام: قِداح كانت فـي الـجاهلـية عند الكهنة، فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوّج أو يحدِث أمرا، أتـى الكاهن، فأعطاه شيئا، فضرب له بها، فإن خرج منها شيء يعجبه أمره ففعل، وإن خرج منها شيء يكرهه نهاه فـانتهى، كما ضرب عبد الـمطلب علـى زمزم وعلـى عبد اللّه والإبل.

٨٧٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، قال: سمعنا أن أهل الـجاهلـية كانوا يضربون بـالقداح فـي الظّعن والإقامة أو الشيء يريدونه، فـيخرج سهم الظعن فـيظعنون، والإقامة فـيقـيـمون

وقال ابن إسحاق فـي الأزلام ما:

٨٧٨٦ـ حدثنـي به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بـمكة، وكانت علـى بئر فـي جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هي التـي يجمع فـيها ما يُهدى للكعبة، وكانت عند هُبَل سبعة أقداح، كل قدح منها فـيه كتاب: قدح فـيه (العقل) إذا اختلفوا فـي العقل من يحمله منهم ضربوا بـالقداح السبعة (فإن خرج العقل فعل من خرج حَمْلُه) وقدح فـيه: (نَعَم) للأمر إذا أرادوا يُضرب به، فإن خرج قِدح (نَعَم) عملوا به وقدح فـيه لا، فإذا أرادوا أمرا ضربوا به فـي القداح، فإذا خرج ذلك القدح لـم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فـيه: (منكم). وقدح فـيه: (مُلْصق). وقدح فـيه: (من غيركم). وقدح فـيه: الـمياه، إذا أرادوا أن يحفروا للـماء ضربوا بـالقداح وفـيها ذلك القِدْح، فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يجتبوا غلاما، أو أن ينكحوا مَنْكحا، أو أن يدفنوا ميتا، و يشكوّا فـي نسب واحد منهم، ذهبوا به إلـى هُبَل، وبـمائة درهم وبجُزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها، ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم

قالوا: يا إلهنا، هذا فلان ابن فلان، قد أردنا به كذا وكذا، فأخرج الـحقّ فـيه ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب، فـيضرب، فإن (خرج علـيه (منكم) كان وسيطا، وإن) خرج علـيه: (من غيركم)، كان حلـيفـا، وإن خرج: (مُلْصَق)، كان علـى منزلته منهم، لا نسب له ولا حِلف وإن خرج فـيه شيء سوى هذا مـما يعملون به (نعم) عملوا به وإن خرج: (لا)، أخرّوه عامَهم ذلك، حتـى يأتوا به مرة أخرى ينتهون فـي أمورهم إلـى ذلك مـما خرجت به القِداح.

٨٧٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بـالأزْلامِ يعنـي: القدح، كانوا يستقسمون بها فـي الأمور.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكُمْ فِسْق.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: ذَلِكُمْ: هذه الأمور التـي ذكرها، وذلك أكل الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما ذكر فـي هذه الاَية مـما حرّم أكله. والاستقسام بـالأزلام. فِسْقٌ يعنـي: خروج عن أمر اللّه وطاعته إلـى ما نهى عنه وزجر، وإلـى معصيته. كما:

٨٧٨٨ـ حدثنـي الـمثنى: قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : ذَلِكُمْ فِسْقٌ يعنـي: من أكل من ذلك كله، فهو فسق.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ: الاَن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والـجحود أيها الـمؤمنون من دينكم،

يقول: من دينِكم أن تتركوه، فترتدّوا عنه راجعين إلـى الشرك. كما:

٨٧٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، ن علـيّ، عن ابن عبـاس : قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ يعنـي: أن ترجعوا إلـى دينهم أبدا.

٨٧٩٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: أظنّ يئسوا أن ترجعوا عن دينكم.

فإن قال قائل: وأيّ يوم هذا الـيوم الذي أخبر اللّه أن الذين كفروا يئسوا فـيه من دين الـمؤمنـين؟

قـيـل: ذُكر أن ذلك كان يوم عرفة، عام حجّ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حجة الوداع، وذلك بعد دخول العرب فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك:

٨٧٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال مـجاهد: الـيَوْمَ يَئسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الـيوم أكملت لكم دينكم هذا حين فعلت. قال ابن جريج:

وقال آخرون: ذلك يوم عرفة فـي يوم جمعة لـما نظر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فلـم ير إلا موحّدا ولـم ير مشركا حمد اللّه ، فنزل علـيه جبريـل علـيه السلام: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أن يعودوا كما كانوا.

٨٧٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: الـيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال: هذا يوم عرفة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ.

يعنـي بذلك: فلا تـخشوا أيها الـمؤمنون هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفـار، ولا تـخافوهم أن يظهروا علـيكم فـيقهروكم ويردّوكم عن دينكم، واخْشَوْنِ

يقول: ولكن خافون إن أنتـم خالفتـم أمري واجرأتـم علـى معصيتـي وتعديتـم حدودي، أن أحلّ بكم عقابـي وأنزل بكم عذابـي. كما:

٨٧٩٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: فَلا تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ: فلا تـخشوهم أن يظهروا علـيكم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: يعنـي جل ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ: الـيوم أكملت لكم أيها الـمؤمنون فرائضي علـيكم وحدودي، وأمري إياكم ونهيـي، وحلالـي وحرمي، وتنزيـلـي من ذلك ما أنزلت منه فـي كتابـي، وتبـيانـي ما بـينت لكم منه بوحيـي علـى لسان رسولـي، والأدلة التـي نصبتها لكم علـى جميع ما بكم الـحاجة إلـيه من أمر دينكم، فأتـمـمت لكم جميع ذلك، فلا زيادة فـيه بعد هذا الـيوم.

قالوا: وكان ذلك فـي يوم عرفة، عام حجّ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حجة الوداع. و

قالوا: لـم ينزل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الاَية شيء من الفرائض ولا تـحلـيـل شيء ولا تـحريـمه، وإن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـم يعش بعد نزول هذه الاَية إلا إحدى وثمانـين لـيـلة. ذكر من قال ذلك:

٨٧٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وهو الإسلام، قال: أخبر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين أنه قد أكمل لهم الإيـمان فلا يحتاجون إلـى زيادة أبدا، وقد أتـمه اللّه عزّ ذكره فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه اللّه فلا يسخَطُه أبدا.

٨٧٩٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هذا نزل يوم عرفة، فلـم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمات، فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الـحجة، فبـينـما نـحن نسير إذ تـجلّـى له جبريـل صلى اللّه عليه وسلم علـى الراحلة، فلـم تطق الراحلة من ثقل ما علـيها من القرآن، فبركت، فأتـيته فسجيّت علـيه برداء كان علـيّ.

٨٧٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: مكث النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الاَية إحدى وثمانـين لـيـلة، قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.

٨٧٩٧ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن هارون بن عنترة، عن أبـيه، قال: لـمّا نزلت: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك يوم الـحجّ الأكبر، بكى عمر، فقال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ما يُبْكِيكَ)؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا، فأما إذ كمَل فإنه لـم يكمل شيء إلا نقص،

فقال: (صَدَقْتَ).

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أحمد بن بشير، عن هارون بن أبـي وكيع، عن أبـيه، فذكر نـحو ذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ: حجكم، فأفردتـم بـالبلد الـحرام تـحجونه أنتـم أيها الـمؤمنون دون الـمشركين لا يخالطكم فـي حجكم مشرك. ذكر من قال ذلك:

٨٧٩٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن أبـي عبة، عن أبـيه، عن الـحكم: الـيَوْم أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أكمل لهم دينهم أن حجوا ولـم يحجّ معهم مشرك.

٨٧٩٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: الـيَوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: أخـلص اللّه لهم دينهم، ونفـى الـمشركين عن البـيت.

٨٨٠٠ـ حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قال: تـمام الـحجّ، ونفـي الـمشركين عن البـيت.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه عزّ وجلّ أخبر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين به، أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الاَية علـى نبـيه دينهم، بإفرادهم بـالبلد الـحرام، وإجلائه عنه الـمشركين، حتـى حجه الـمسلـمون دونهم، لا يخالطونهم الـمشركون. فأما الفرائض والأحكام، فإنه قد اختلف فـيها، هل كانت أكملت ذلك الـيوم أم لا؟ فرُوي عن ابن عبـاس والسديّ ما ذكرنا عنهما قبل. ورُوِي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فـي الكَلالَةِ. ولا يدفع ذو علـم أن الوحي لـم ينقطع عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى أن قبض، بل كان الوحي قبل وفـاته أكثر ما كان تتابعا. فإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِـيكُمْ فِـي الكَلالَةِ آخرها نزولاً وكان ذلك من الأحكام والفرائض، كان معلوما أن معنى قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ علـى خلاف الوجه الذي تأوّله مَن تأوّله، أعنـي: كمال العبـادات والأحكام والفرائض.

فإن قال قائل: فما جعل قول من قال: قد نزل بعد ذلك فرض أولـى من قول من قال: لـم ينزل؟ قـيـل لأن الذي قال لـم ينزل، مخبر أنه لا يعلـم نزول فرض، والنفـي لا يكون شهادة، والشهادة قول من قال: نزل، وغير جائز دفع خبر الصادق فـيـما أمكن أن يكون فـيه صادقا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.

يعنـي جل ثناؤه بذلك: وأتـمـمت نعمتـي أيها الـمؤمنون بإظهاركم علـى عدوّي وعدوّكم من الـمشركين، ونفـيـي إياهم عن بلادكم، وقطعي طمعهم من رجوعكم، وعودكم إلـى ما كنتـم علـيه من الشرك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: كان الـمشركون والـمسلـمون يحجون جميعا، فلـما نزلت براءة، فنَنَفـي الـمشركين عن البـيت، وحجّ الـمسلـمون لا يشاركهم فـي البـيت الـحرام أحد من الـمشركين، فكأنّ ذلك من تـمام النعمة: وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي.

٨٨٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي... الاَية، ذُكِر لنا أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم عرفة يوم جمعة، حين نفـي اللّه الـمشركين عن الـمسجد الـحرام، وأخـلص للـمسلـمين حجهم.

٨٨٠٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا داود، عن الشعبـيّ، قال: نزلت هذه الاَية بعرفـات، حيث هدم منار الـجاهلـية، واضمـحلّ الشرك، ولـم يحُجّ معهم فـي ذلك العام مشرك.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر فـي هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي قال: نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو واقـف بعرفـات، وقد أطاف به الناس، وتهدّمت منار الـجاهلـية ومناسكهم، واضمـحلّ الشرك، ولـم يطُف حول البـيت عُرْيان، فأنزل اللّه : الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن داود، عن الشعي، بنـحوه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَرَضيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ورضيت لكم الاستسلام لأمري والانقـياد لطاعتـي، علـى ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالـمه دِينا يعنـي بذلك: طاعة منكم لـي.

فإن قال قائل: أَوَ ما كان اللّه راضيا الإسلام لعبـاده، إلا يوم أنزل هذه الاَية؟

قـيـل: لـم يزل اللّه راضيا لـخـلقه الإسلام دينا، ولكنه جل ثناؤه لـم يزل يصرّف نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه فـي درجات ومراتبه درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالاً بعد حال، حتـى أكمل لهم شرائعه ومعالـمه وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه، ثم قال حين أنزل علـيهم هذه الاَية: وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا بـالصفة التـي هو بها الـيوم، والـحال التـي أنتـم علـيها الـيوم منه دِينا فـالزموه ولا تفـارقوه. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:

٨٨٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنه يـمثّل لأهل كل دين دينهم يوم القـيامة، فأما الإيـمان فـيبشر أصحابه وأهله، ويعدهم فـي الـخير حتـى يجيء الإسلام. فـ

يقول: ربّ أنت السلام وأنا الإسلام، فـ

يقول: إياك الـيوم أقبل، وبك الـيوم أجزي.

وأحسب أن قتادة وجّه معنى الإيـمان بهذا الـخبر إلـى معنى التصديق والإقرار بـاللسان، لأن ذلك معنى الإيـمان عند العرب، ووجه معنى الإسلام إلـى استسلام القلب وخضوعه لله بـالتوحيد، وانقـياد الـجسد له بـالطاعة فـيـما أمر ونهى، فلذلك قـيـل للإسلام: إياك الـيوم أقبل، وبك الـيوم أجزي.

ذكر من قال: نزلت هذه الاَية بعرفة فـي حجة الوداع علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

٨٨٠٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، قال: قالت الـيهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو أنزلت فـينا لاتـخذناها عيدا. فقال عمر: إنـي لأعلـم حين أنزلت، وأين نزلت، وأين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أنزلت أنزلت يوم عرفة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واقـف بعرفة قال سفـيان: وأشكّ، كان يوم الـجمعة أم لا الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نَعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا.

حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، قال: قال يهودّي لعمر: لو علـمنا معشر الـيهود حين نزلت هذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلام دِينا لو نعلـم ذلك الـيوم اتـخذنا ذلك الـيوم عيدا. فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي نزلت فـيه والساعة، وأين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزلت نزلت لـيـلة الـجمعة ونـحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعرفـات. لفظ الـحديث لأبـي كريب، وحديث ابن وكيع نـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن أبـي العُمَيس، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق، عن عمر، نـحوه.

٨٨٠٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حماد بن سلـمة، عن عمار مولـى بنـي هاشم، قال: قرأ ابن عبـاس : الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وعنده رجل من أهل الكتاب،

فقال: لو علـمنا أيّ يوم نزلت هذه الاَية لاتـخذناه عيدا،

فقال ابن عبـاس : فإنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا قبـيصة، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن عمار: أن ابن عبـاس قرأ: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمتِـي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا فقال يهودي: لو نزلت هذه الاَية علـينا لاتـخذنا يومها عيدا،

فقال ابن عبـاس : فإنها نزلت فـي يوم عيدين اثنـين: يوم عيد، ويوم جمعة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن عمار بن أبـي عمار، عن ابن عبـاس نـحوه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا رجاء بن أبـي سلـمة، قال: أخبرنا عبـادة ابن نسيّ، قال: حدثنا أميرنا إسحاق، قال أبو جعفر إسحاق هو ابن خَرَشة عن قبـيصة قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت علـيهم هذه الاَية لنظروا الـيوم الذي أنزلت فـيه علـيهم فـاتـخذوه عيدا يجتـمعون فـيه، فقال عمر: أيّ آية يا كعب؟ فقال: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فقال عمر: قد علـمت الـيوم الذي أنزلت فـيه، والـمكان الذي أنزلت فـيه، يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد اللّه لنا عيد.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن عيسى بن حارثة الأنصاريّ، قال: كنا جلوسا فـي الديوان، فقال لنا نصرانـي: يا أهل الإسلام: لقد نزلت علـيكم آية لو نزلت علـينا لاتـخذنا ذلك الـيوم وتلك الساعة عيدا ما بقـي منا اثنان:

(الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). فلـم يجبه أحد منا، فلقـيت مـحمد ابن كعب القرظيّ، فسألته عن ذلك،

فقال: ألا رددتـم علـيه؟ فقال: قال عمر بن الـخطاب:أنزلت علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو واقـف علـى الـجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك الـيوم عيدا للـمسلـمين ما بقـي منهم أحد.

٨٨٠٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال حدثنا داود، عن عامر، قال: أنزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْـمَـمْتُ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلامَ دِينا عشية عرفة وهو فـي الـموقـف.

٨٨٠٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، قال: قلت لعامر: إن الـيهود تقول: كيف لـم تـحفظ العرب هذا الـيوم الذي أكمل اللّه لها دينها فـيه؟ فقال عامر: أو ما حفظته؟ قلت له: فأيّ يوم؟ قال: يوم عرفة، أنزل اللّه فـي يوم عرفة.

٨٨٠٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: بلغنا أنها نزلت يوم عرفة، ووافق يوم الـجمعة.

٨٨٠٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن حبـيب، عن ابن أبـي نـجيح، عن عكرمة: أن عمر بن الـخطاب، قال: نزلت سورة الـمائدة يوم عرفة، ووافق يوم الـجمعة.

٨٨١٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن لـيث، عن شهر ابن حوشب، قال: نزلت سورة الـمائدة علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو واقـف بعرفة علـى راحلته، فَتَنَوّخَتْ لأن يُدق ذراعها.

٨٨١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت: نزلت سورة الـمائدة جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العضبـاء قالت: فكادت من ثقلها أن يدقّ عضُدُ الناقة.

٨٨١٢ـ حدثنـي أبو عامر إسماعيـل بن عمرو السّكونـي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا ابن عياش، قال: حدثنا السكونـي أنه سمعت معاوية بن أبـي سفـيان علـى الـمنبر ينتزع بهذه الاَية: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ حتـى ختـمها،

فقال: نزلت فـي يوم عرفة، فـي يوم جمعة.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية، أعنـي قوله: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يوم الاثنـين،

وقالوا: أنزلت سورة الـمائدة بـالـمدينة. ذكر من قال ذلك:

٨٨١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا مـحمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبـي عمران، عن حَنَش، عن ابن عبـاس : ولد نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنـين، وخرج من مكة يوم الاثنـين، ودخـل الـمدينة يوم الاثنـين، وأنزلت سورة الـمائدة يوم الاثنـين الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ورفع الذكر يوم الاثنـين.

٨٨١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا همام، عن قتادة، قال: الـمائدة مدنـية.

وقال آخرون: نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي مسيره فـي حجة الوداع. ذكر من قال ذلك:

٨٨١٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، قال: نزلت سورة الـمائدة علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الـمسير فـي حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها.

وقال آخرون: لـيس ذلك بـيوم معلوم عند الناس، وإنـما معناه الـيوم الذي أعلـمه أنا دون خـلقـي، أكملت لكم دينكم. ذكر من قال ذلك:

٨٨١٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

يقول: لـيس بـيوم معلوم يعلـمه الناس.

وأولـى الأقوال فـي وقت نزول الاَية، القول الذي رُوي عن عمر بن الـخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة، لصحة سنده ووَهْي أسانـيد غيره.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ.

يعنـي تعالـى ذكره بقول: فَمَنِ اضْطُرّ: فمن أصابه ضرّ فـي مخمصة، يعنـي فـي مـجاعة، وهي مفعلة مثل الـمَـجْبنة والـمَبْخـلة والـمَنْـجبة، من خَمَصِ البَطْنِ، وهو اضطماره، وأظنه هو فـي هذا الـموضع معنـيّ به اضطماره من الـجوع وشدة السغب، وقد يكون فـي غير هذا الـموضع اضطمارا من غير الـجوع والسغب، ولكن من خِـلْقة، كما قال نابغة بنـي ذبـيان فـي صفة امرأة بخَمَصِ البطن:

والبَطْنُ ذو عُكَنٍ خَميصٌ لَـيّنٌوالنّـحرُ تَنْفُجُه بثَدْيٍ مُقْعَدِ

فمعلوم أنه لـم يرد صفتها بقوله خميص بـالهزال الضرّ من الـجوع، ولكنه أراد وصفها بلطافة طيّ ما علـى الأوراكَ والأفخاذ من جسدها، لأن ذلك مـما يحمد من النساء. ولكن الذي فـي معنى الوصف بـالاضطمار والهزال من الضرّ، من ذلك، قول أعشى بن ثعلبة.

تَبـيتُونَ فِـي الـمَشْيَتـى مِلاءً بطونُكُمْوجارَاتُكمْ غَرْثَـي يَبِتْنَ خَمائِصَا

يعنـي بذلك: يبتن مضطمرات البطون من الـجوع والسّغَب والضرّ، فمن هذا الـمعنى قوله: فـي مخمصة. وكان بعض نـحويـي البصرة

يقول: الـمخمصة: الـمصدر من خَمَصَهُ الـجوع. وكان غيره من أهل العربـية يري أنها اسم للـمصدر ولـيست بـمصدر ولذلك تقع الـمفعلة اسما فـي الـمصادر للتأنـيث والتذكير.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٨١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ يعنـي فـي مـجاعة.

٨٨١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ أي فـي مـجاعة.

حدثنا الـحسن بن يحيى، (قال: أخبرنا عبد الرزاق) قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

٨٨١٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: ذكر الـميتة وما فـيها وأحلها فـي الاضطرار. فِـي مَخْمَصَةٍ

يقول: فـي مـجاعة.

٨٨٢٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ قال: الـمخمصة: الـجوع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: فَمَنه اضْطُرّ فِـي مَخْمَصَةٍ إلـى أكل ما حرمت علـيه منكم أيها الـمؤمنون من الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وسائر ما حرّمت علـيه بهذه الاَية. غيرَ متَـجانِفٍ لإِثْمٍ

يقول: لا متـجانفـا لإثم، فلذلك نصب (غيرَ) لـخروجها من الاسم الذي فـي قوله: فَمَنِ اضْطُرّ وبـمعنى لا، فنصب بـالـمعنى الذي كان به منصوبـا الـمتـجانف لو جاء الكلام: لا متـجانفـاوأما الـمتـجانف للإثم، فإنه الـمتـمايـل له، الـمنـحرف إلـيه، وهو فـي هذا الـموضع مراد به الـمتعَمّدله القاصد إلـيه، من جَنَف القوم علـيّ إذا مالوا، وكلّ أعوج فهو أّنف عند العرب وقد بـينا معنى الـجنف بشواهده فـي قوله: فَمَنْ خافَ منْ مُوصٍ جَنَفـا بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضعوأما تـجانف آكل الـميتة فـي أكلها وفـي غيرها مـما حرّم اللّه أكله علـى الـمؤمنـين بهذه الاَية للإثم فـي حال أكله، فهو تعمّده الأكل لغير دفع الضرورة النازلة به، ولكن لـمعصية اللّه وخلاف أمره فـيـما أمره به من ترك أكل ذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٨٢١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَمَنِ اضْطُر فِـي مَخْمَصَةٍ غيرَ مُتَـجانِفٍ لإثْمٍ يعنـي: إلـى ما حُرّم مـما سمى فـي صدر هذه الاَية: غيرَ مُتـجانِفٍ لإِثْمٍ

يقول: غير متعمّد لإثم.

٨٨٢٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم، قال: إلـى حِرْم اللّه ما حَرّم، رخص للـمضطّر إذا كان غير متعمد لإثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج فـي معصية اللّه ، فإنه مـحرّم علـيه أن يأكله.

٨٨٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: أي غير معترّض لـمعصية.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: غير متعمد لإثم، غير متعرّض.

٨٨٢٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ

يقول: غير متعرّض لإثم: أي يبتغي فـيه شهوة، أو يعتدي فـي أكله.

٨٨٢٥ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ: لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم، ولا جراءة علـيه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ.

وفـي هذا الكلام متروك اكتفـي بدلالة ما ذكر علـيه منه، وذلك أن معنى الكلام: فمن اضطرّ فـي مخصمة إلـى ما حرّمت علـيه مـما ذكرت فـي هذه الاَية، غيرَ مُتَـجانِفٍ لإِثْمٍ فأكله، فإن اللّه غَفُور رَحِيـمٌ، فترك ذكر: (فأكله). وذكر: (له)، لدلالة سائر ما ذكر من الكلام علـيهما.

وأما قوله: فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ فإن معناه: فإن اللّه لـمن أكل ما حرّمت علـيه بهذه الاَية أكله فـي مخمصة، غير متـجانف لإثم، غفور رحيـم،

يقول: يستر له عن أكله ما أكل من ذلك بعفوه عن مؤاخذته إياه، وصفحه عنه، وعن عقوبته علـيه رَحِيـمٌ

يقول: وهو به رفـيق، من رحمته ورفقه به، أبـاح له أكل ما أبـاح له أكله من الـميتة وسائر ما ذكر معها فـي هذه الاَية، فـي حال خوفه علـى نفسه، من كَلَب الـجوع وضُرّ الـحاجة العارضة ببدنه.

فإن قال قائل: وما الأكل وعد اللّه الـمضطرّ إلـى الـميتة وسائر الـمـحرّمات معها بهذه الاَية غفرانَه إذا أكل منها؟

قـيـل: ما:

٨٨٢٦ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ، قال: حدثنا مـحمد بن القاسم الأسديّ، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبـي واقد اللـيثـي، قال: قلنا يا رسول اللّه إنا بأرض تصيبنا فـيها مخمصة، فما يصلـح لنا من الـميتة؟ قال: (إذا لَـمْ تَصْطَبِحُوا، أوْ تَغْتَبِقُوا، أوْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً، فَشأنْكُمْ بِها).

٨٨٢٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، عن الـخصيب بن زيد التـميـم، قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: إلـى متـى يحلّ لـي الـحرام؟ قال: فقال: (إلـى أنْ يُرْوَى أهْلُكَ مِنَ اللّبَنِ، أوْ تَـجِيءَ مِيرَتُهُمْ).

٨٨٢٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا خصيب بن زيد التـميـميّ، قال: حدثنا الـحسن: أن رجلاً سأل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر مثله، إلا أنه قال: (أوْ تَـحيْا مِيرَتُهُمْ).

٨٨٢٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي عمر بن عبد اللّه بن عروة عن جده عروة بن الزبـير، عمن حدثه: أن رجلاً من الأعراب أتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يستفتـيه فـي الذي حرم اللّه علـيه والذي أحلّ له، فقال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم:

(يَحِلّ لَكَ الطّيّبـاتُ، وَيحْرُمُ عَلَـيْكَ الـخَبـائِثُ، إلاّ أنْ تَفْتَقِرَ إلـى طَعامٍ لَكَ فَتأكُلَ مِنْهُ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ)، فقال الرجل: وما فقري الذي يُحِلّ لِـي، وما غناي الذي يغنـينـي عن ذلك؟ فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم:

(إذَا كُنْتَ تَرْجو نِتاجا فَتَبَلّغَ بلُـحُوم ماشِيَتِكَ إلـى نِتاجِكَ، أوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلّغ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا، فأطْعِمْ أهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حتـى تَسْتَغْنِـيَ عَنْهُ) فقال الأَعرابـيّ: ما غناي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم:

(إذَا أرْوَيْتَ أهْلَكَ غَبُوقا مِنَ اللّـيْـلِ فـاجْتَنِبْ ما حَرّمَ اللّه عَلَـيْكَ مِنْ طَعامِ مالِكَ، فإنّه ميْسُورٌ كُلّهُ، لَـيْسَ فِـيهِ حَرامٌ).

٨٨٣٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن عون، قال: وجدت عند الـحسن كتاب سَمُرة، فقرأته علـيه، وكان فـيه: ويجزي من الاضطرار غَبوق أو صَبوح.

حدثنا هناد وأبو هشام الرفـاعيّ، قالا: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة، عن ابن عون، قال: قرأت فـي كتاب سَمُرة بن جُنْدَب: يكفـي من الاضطرار أو من الضرورة غَبوق أو صَبوح.

٨٨٣١ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي وأبو كريب، قالا: حدثنا عبد اللّه بن إدريس، عن هشام بن حسان، عن الـحسن، قال: إذا اضطْر الرجل إلـى الـميتة أكل منها قوته يعنـي: مُسْكَته.

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا ابن مبـارك، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: قال رجل: يا رسول اللّه إنا بأرض مخمصة، فما يحِل لنا من الـميتة؟ ومتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: (إذَا لَـمْ تَصْطَبِحُوا أوْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأْنُكمْ بِها).

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن رجل قد سمي لنا، أن رجلاً للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إنا نكون بأرض مخمصة، فمتـى تـحلّ لنا الـميتة؟ قال: (إذَا لَـمْ تَغْتَبِقُوا ولَـمْ تَصْطَبِحُوا ولَـمْ تَـحْتَفِئُوا بَقْلاً فَشأنُكُمْ بِها).

قال أبو جعفر: يروى هذا علـى أربعة أوجه: (تـحتفئوا) بـالهمزة، (وتـحتفـيوا) بتـخفـيف الـياء والـحاء، و(تـحتفّوا) بتشديد الفـاء، و(تَـجْتَفوا) بـالـحاء والتـخفـيف، ويحتـمل الهمز.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلّ لَهُمْ ... }.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا مـحمد أصحابك ما الذي أُحلّ لهم أكله من الـمطاعم والـمآكل، فقل لهم: أحلّ منها الطيبـات، وهي الـحلال الذي أذن لكم ربكم فـي أكله من الذبـائح، وأحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علـمتـم من الـجوارح، وهن الكواسب من سبـاع البهائم والطير، سميت جوارح لـجرحها لأربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد، يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا: إذا أكسبهم خيرا، وفلان جارحة أهله: يعنـي بذلك: كاسبهم، ولا جارحة لفلانة إذا لـم يكن لها كاسب، ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:

ذَاتَ خَدّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُيُذْكِرُ الـجارحَ ما كانَ اجْتَرَحْ

يعنـي: اكتسب. وترك من قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ: (وصيد) ما علـمتـم من الـجوارح اكتفـاء بدلالة ما ذكر من الكلام علـى ما ترك ذكره. وذلك أن القوم فـيـما بلغنا كانوا سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحلّ لهم اتـخاذه منها وصيده، فأنزل اللّه عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الاَية فـاستثنى مـما كان حرم اتـخاذه منها، وأمر بقُنـية كلاب الصيد وكلاب الـماشية وكلاب الـحرث، وأذن لهم بـاتـخاذ ذلك. ذكر الـخير بذلك:

٨٨٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا زيد بن حبـاب العكلـي، قال: حدثنا موسى بن عبـيدة، قال: أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم، عن سلـمى أم رافع، عن أبـي رافع، قال: جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يستأذن علـيه، فأذن له،

فقال: (قد أذنّا لَكَ يا رَسُولَ اللّه )، قال: أجل، ولكنا لا ندخـل بـيتا فـيه كلب. قال أبو رافع: فأمرنـي أن أقتل كل كلب بـالـمدينة، فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها، فتركته رحمة لها، ثم جئت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرته، فأمرنـي، فرجعت إلـى الكلب فقتلته، فجاءوا

فقالوا: يا رسول اللّه ، ما يحلّ لنا من هذه الأمة التـي أمرتَ بقتلها؟ قال: فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ.

٨٨٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلاب، فقتل حتـى بلغ العوالـي، فدخـل عاصم بن عديّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة،

فقالوا: ماذا أُحلّ لنا يا رسول اللّه ؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ.

٨٨٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، قال: حدثونا عن مـحمد بن كعب القرظيّ، قال: لـما أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بقتل الكلاب،

قالوا: يا رسول اللّه ، فماذا يحلّ لنا من هذه الأمة؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ... الاَية.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـجوارح التـي عنى اللّه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ فقال بعضهم هو كلّ ما علّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر. ذكر من قال ذلك:

٨٨٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: كل ما عُلّـم فصاد: من كلب، أو صقر، أو فَهِد، أو غيره.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن: مُكَلّبِـينَ قال: كلّ ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره.

٨٨٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي صيد الفهد، قال: هو من الـجوارح.

٨٨٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الطير، والكلاب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الـحجاج، عن عطاء، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن حميد، عن مـجاهد: مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب والطير.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: من الطير والكلاب.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٨٣٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا شعبة (ح) وثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن الهيثم، عن طلـحة بن مصرف، قال: خيثمة بن عبد الرحمن: هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت الهيثم يحدّث عن طلـحة الإيامي، عن خيثمة، قال: أنبئت أن الصقر، والبـاز، والكلب: من الـجوارح.

٨٨٣٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عن علـيّ بن حسين، قال: البـاز الصقر من الـجوارح.

٨٨٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن شريك، عن جابر، عن أبـي جعفر، قال: البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين.

٨٨٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يعنـي بـالـجوارح: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها.

٨٨٤٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِح مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب وغيرها، من الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلّـم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الـجوارح: الكلاب والصقور الـمعلـمة.

٨٨٤٣ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن دينار سمع عبـيد بن عمير يقول فـي قوله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الكلاب والطير.

وقال آخرون: إنـما عنى اللّه جل ثناؤه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الكلاب دون غيرها من السبـاع. ذكر من قال ذلك:

٨٨٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك : وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: هي الكلاب.

٨٨٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ

يقول: أحلّ لكم صيد الكلاب التـي علـمتـموهن.

٨٨٤٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير، فما أدركت فهو لك، وإلا فلا تطعَمه.

وأولـى القولـين بتأويـل الاَية، قول من قال: كلّ ما صاد من الطير والسبـاع فمن الـجوارح، وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعلـيـم، لأن اللّه جل ثناؤه عمّ بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ: كلّ جارحة، ولـم يخصص منها شيئا، فكل جارحة كانت بـالصفة التـي وصف اللّه من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها. وقد روِيَ عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحو ما قلنا فـي ذلك خبر، مع ما فـي الاَية من الدلالة التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك، وهو ما:

٨٨٤٧ـ حدثنا به هناد، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مـجالد، عن الشعبـيّ عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صيد البـازيّ، فـاقل: (ما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ فَكُلْ).

فأبـاح صلى اللّه عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح، ففـي ذلك دلالة بـينة علـى فساد قول من قال: عنى اللّه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: ما علـمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح.

فإن ظنّ ظانّ أن فـي قوله مُكَلّبِـينَ دلالة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: هي الكلاب خاصة، فقد ظنّ غير الصواب، وذلك أن معنى الاَية: قل أحلّ لكم أيها الناس فـي حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبـات وصيد ما علّـمتـموه الصيد من كواسب السبـاع والطير. فقوله: مُكَلّبِـينَ صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب فـي بعض أحيانه، وهو نظير قول القائل يخاطب قوما: أحلّ لكم الطيبـات، وما علـمتـم من الـجوارح مكلبـين مؤمنـين فمعلوم أنه إنـما عنى قائل ذلك إخبـار القوم أن اللّه جلّ ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات، وصيد الـجوارح التـي أعلـمهم أنه لا يحلّ لهم منه إلا ما صادوه بها، فكذلك قوله: أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ لذلك نظيره فـي أن التكلـيب للقانص بـالكلاب كان صيده أو بغيرها، لا أنه إعلام من اللّه عزّ ذكره أنه لا يحلّ من الصيد إلا ما صادته الكلاب.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه .

يعنـي جل ثناؤه بقوله: تُعَلّـمُونَهُنّ: تؤدّبون الـجوارح، فتعلـمونهنّ طلب الصيد لكم مـما علـمكم اللّه ، يعنـي بذلك: من التأديب الذي أدبكم اللّه والعلـم الذي علـمكم.

وقد قال بعض أهل التأويـل: معنى قوله: مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه : كما علـمكم اللّه . ذكر من قال ذلك:

٨٨٤٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه

يقول: تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم اللّه .

ولسنا نعرف فـي كلام العرب (من) بـمعنى الكاف، لأن (من) تدخـل فـي كلامهم بـمعنى التبعيض، والكاف بـمعنى التشبـيه. وإنـما يوضع الـحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنـياهما، فأما إذا اختلفت معانـيهما فغير موجود فـي كلامهم وضع أحدهما عقـيب الاَخر، وكتاب اللّه وتنزيـله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن الـمفهوم والغاية فـي الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.

٨٨٤٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إسماعيـل بن صبـيح، قال: حدثنا أبو هانىء، عن أبـي بشر، قال: حدثنا عامر، أن عديّ بن حاتـم الطائي، قال: أتـى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب، فلـم يدر ما يقول له، حتـى نزلت هذه الاَية: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه .

قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك،

فقال بعضهم: هو أن يُسْتَشْلَـى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه، ويـمسك علـيه إذا أخذه فلا يأكل منه، ويستـجيب له إذا دعاه، ولا يفرّ منه إذا أراده، فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلّـما. وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض أهل العراق. ذكر من قال ذلك:

٨٨٥٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عصام، قال: أخبرنا ابن جرج، قال: قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلّـم ويـمسك ويصيد فهو ميَتة، ولا يكون قتله إياه ذكاة حتـى يعلّـم ويُـمسك ويصيد، فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته.

٨٨٥١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: الـمعلّـم من الكلاب أن يـمسك صيده فلا يأكل منه حتـى يأتـيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.

٨٨٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل، فإنـما أمسك علـى نفسه.

٨٨٥٣ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو الـمعلـى، عن سعيد بن جبـير، قال:

قال ابن عبـاس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده، وإن كان ذكر اسم اللّه حين أرسله فزعم أنه إنـما أمسك علـى نفسه واللّه يقول مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعَلـمُوَنهنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه . فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه أنه لـيس بـمعلـم، وأنه ينبغي أن يضرب ويعلـم حتـى يترك ذلك الـخـلق.

٨٨٥٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معمر الرقـي، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أخذ الكلب فقتل فأكل، فهو سبع.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن ابن عبـاس ، قال: لا يأكل منه، فإنه لو كان معلـما لـم يأكل منه ولـم يتعلـم ما علـمته، إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن الشعبـيّ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أكلت الكلاب فلا تأكل.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن الشعبـي، عن ابن عبـاس ، بـمثله.

٨٨٥٥ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا ابن عون، قال: فعلت لعامر الشعبـيّ: الرجل يرسل كلبه فـيأكل منه، أنأكل منه؟ لا، لـم يتعلـم الذي علـمته.

٨٨٥٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، عن ابن عمر، قال: إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه، فإنه لـيس بـمعلّـم.

٨٨٥٧ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: إذا أكل الكلب فهو ميتة، فلا تأكله.

٨٨٥٨ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير وسيار، عن الشعبـيّ ومغيرة، عن إبراهيـم أنهم قالوا فـي الكلب: إذا أكل من صيده فلا تأكل، فإنـما أمسك علـى نفسه.

٨٨٥٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد، فما وجدته ميتا فدعه، فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيدا، إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك، وإن كان قد علـم.

٨٨٦٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسن، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: بنـحوه.

وقال آخرون نـحو هذه الـمقالة، غير أنهم حدّوا لـمعرفة الكَلاّب بأن كلبه قد قبل التعلـيـم، وصار من الـجوارح الـحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلاثا، وهذا قول مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن.

وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة: لا حدّ لعلـم الكلاّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم

قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلّـما حلالاً صيده. وهذا قول بعض الـمتأخرين.

وفرّق بعض قائلـي هذه الـمقالة بـين تعلـيـم البـازي وسائر الطيور الـجارحة، وتعلـيـم الكلب وضاري السبـاع الـجارحة،

فقال: جائز أكل ما أكل منه البـازي من الصيد.

قالوا: وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي، ويجب إذا دُعي، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه.

قالوا: ولـيس من شروط تعلـيـمه أن لا يأكل من الصيد. ذكر من قال ذلك:

٨٨٦١ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم وحجاج، عن عطاء، قال: لا بأس بصيد البـازي وإن أكل منه.

٨٨٦٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أسبـاط، قال: حدثنا أبو إسحاق، الشبـيانـيّ، عن حماد، عن إبراهيـم، عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإن الكلب إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير: أن يرجع إلـى صاحبه، ولـيس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكُلْ.

٨٨٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن الشعبـي، قال: لـيس البـازي والصقر كالكلب، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتـياك، فكُلْ منه.

٨٨٦٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو زبـيد، عن مطرّف، عن حماد، قال إبراهيـم: كُل صيد البـازي وإن أكل منه.

٨٨٦٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، وجابر عن الشعبـيّ، قالا: كل من صيد البـازي وإن أكل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم: إذا أكل البـازي والصقر من الصيد، فكل، فإنه لا يعُلّـم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، قال: لا بأس بـما أكل منه البـازي.

٨٨٦٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، أنه قال فـي البـازي: إذا أكل منه فكُلْ.

وقال آخرون منهم: سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع، لا يكون نوع من ذلك معلّـما إلا بـما يكون به سائر الأنواع معلـما. و

قالوا: لا يحلّ أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه، كائنة ما كانت تلك الـجارحة بهيـمة أو طائرا.

قالوا: لأن من شروط تعلـيـمها. الذي يحلّ به صيدها، أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فلا تأكل منه. ذكر من قال ذلك:

٨٨٦٧ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا مـحمد بن سالـم، عن عامر، قال: قال علـيّ: إذا أكل البـازي من صيده فلا تأكل.

٨٨٦٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن جعفر، عن شعبة، عن مـجاهد بن سعيد، عن الشعبـي، قال: إذا أكل البـازي منه فلا تأكل.

٨٨٦٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.

٨٨٧٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ، قال: سمعت عكرمة، قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.

٨٨٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الكلب والبـازي كلّه واحد، لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه

قال: قلت لعطاء: البـازي ينتف الريش؟ قال: فما أدركته ولـم يأكل، فكُلْ. قال ذلك غير مرّة.

وقال آخرون: تعلـيـم كل جارحة من البهائم والطير واحد،

قالوا: وتعلـيـمه الذي يحلّ به صيده أن يُشْلَـى علـى الصيد فـيَسْتَشْلِـي ويأخذ الصيد، ويدعوه صاحبه فـيجيب، أو لا يفرّ منه إذا أخذه.

قالوا: فإذا فعل الـجارح ذلك كان معلـما داخلاً فـي الـمعنى الذي قال اللّه : وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعْلّـمونهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ

قالوا: ولـيس من شرط تعلـيـم ذلك أن لا يأكل من الصيد،

قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟ ذكر من قال ذلك:

٨٨٧٢ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد أو سعد، عن سلـمان، قال: إذا أرسلت كلبك علـى صيد، وذكرت اسم اللّه فأكل ثلثـيه وبقـي ثلثه، فكل ما بقـي.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا حميد، قال: ثنـي القاسم بن ربـيعة، عمن حدّثه، عن سلـمان وبكر بن عبد اللّه ، عمن حدثه، عن سلـمان: أن الكلب يأخذ الصيد فـيأكل منه، قال: كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم اللّه وكان معلّـما.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل منه الكلب.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان، نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد، عن شعبة (ح) وحدثنا هناد قال: حدثنا عبدة جميعا، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم اللّه فأكل ثلثه فكُلْ.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، عن سلـمان، نـحوه.

حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، عن بكر بن عبد اللّه الـمزنـي والقاسم، أن سلـمان قال: إذا أكل الكلب فكل، وإن أكل ثلثـيه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود بن أبـي الفرات، عن مـحمد بن زيد، عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو بـازك، فسمتَ، فأكَل نصفه أو ثلثـيه، فكل بقـيته.

٨٨٧٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مخرمة بن بكير، عن أبـيه، عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي، أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب،

فقال: كُلْ وإن لـم يبق منه إلا حذْية، يعنـي بَضْعة.

٨٨٧٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنى عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت بكير بن الأشج يحدّث عن سعد، قال: كل وإن أكل ثلثـيه.

٨٨٧٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت بكير بن الأشجّ، عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة، قلت: سمعت من سعيد؟ قال: لا قال: كل وإن أكل ثلثـيه

قال: ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد، قال: كل وإن أكل نصفه.

٨٨٧٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنى عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن أبـي هريرة، قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه، فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن إبـي هريرة، بنـحوه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن أبـي هريرة، نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي سالـم بن نوح العطار، عن عمر، يعنـي ابن عامر، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان، قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقلت، فكُلْ وإن أكل ثلثـيه.

٨٨٧٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت عبد اللّه (ح) وحدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن عبـيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن عبد اللّه بن عمر، قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم اللّه فكُلْ ما أمسك علـيك، أكل أو لـم يأكل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن نافع، عن ابن عمر، بنـحوه.

٨٨٧٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعا حدثهم: أن عبد اللّه بن عمر كان لا يرَى بأكل الصيد بأسا، إذا قتله الكلب أكل منه.

حدثنـي يونس به مرة أخرى،

فقال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عبـيد اللّه بن عمر وابن أبـي ذئب وغير واحد، أن نافعا حدثهم عن عبد اللّه بن عمر، فذكر نـحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأسا بـما أكل الكلب الضاري.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبـي ذئب، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشج، عن حميد بن عبد اللّه ، عن سعد، قال: قلت: لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقـين؟ قال: كل وإن لـم يبق إلا بَضْعة.

حدثنا هناد، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن ابن أبـي ذئب، عن يعقوب بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن حميد، قال: سألت سعدا، فذكر نـحوه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه أن التعلـيـم الذي ذكره اللّه فـي هذه الاَية للـجوارح، إنـما هو أن يعلـم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أُشلـي علـى الصيد، وطلبه إياه أغري، أو إمساكه علـيه إذا أَخذ من غير أن يأكل منه شيئا، وألا يفرّ منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه، فذلك هو تعلـيـم جميع الـجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصيد جارحة صائد، فجارحه حينئذٍ غير معلـم. فإن أدرك صاحبه حيّا فذكّاه حلّ له أكله، وإن أدركه ميتا لـم يحلّ له، لأنه مـما أكله السبع الذي حرّمه اللّه تعالـى بقوله: وَما أكَلَ السّبُع ولـم يدرك ذكاته.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لتظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بـما:

٨٨٧٩ـ حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عاصم بن سلـيـمان الأحول، عن الشعبـيّ، عن عديّ بن حاتـم، أنه سأل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الصيد،

فقال: (إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فـاذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ، فإنْ أدْرَكْتَهُ وقد قَتَلَ وأَكَلَ مِنْهُ، فلا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئا، فإنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ).

حدثنا أبو كريب، وأبو هشام الرفـاعي، قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن بـيان بن بشر، عن عامر، عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب؟ فقال:

(إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ الـمُعَلّـمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّه عَلَـيْها، فَكُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَـيْكَ وَإنْ قَتَلْنَ، إلاّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ، فإنْ أكَلَ تَأْكُلْ، فإنّـي أخافُ أنْ يَكُونَ إنّـمَا حَبَسَهُ علـى نَفْسِهِ).

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:

٨٨٨٠ـ حدثك به عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى، قال: حدثنا مـحمد بن دينار، عن أبـي إياس، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان الفـارسي، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (إذَا أرْسَلَ الرّجُلُ كَلْبَهُ علـى الصّيْدِ فَأدْرَكَهُ وَقَدْ أكَلَ مِنْهُ، فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ).

قـيـل: هذا خبر فـي إسناده نظر، فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلـمان، والثقات من أهل الاَثار يقـفون هذا الكلام علـى سلـمان ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد لـيس له حفظهم، كانت الـجماعة الأثبـات أحقّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي لـيس له حفظهم. وإذا كان الأمر فـي الكلب علـى ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلّـم، فكذلك حكم كلّ جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلّـم، لا يحلّ له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ.

يعنـي بقوله: فَكُلُوا مِـما أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ: فكلوا أيها الناس مـما أمسكتْ علـيكم جوارحكم.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: ذلك علـى الظاهر والعموم كما عمـمه اللّه حلال أكل كل ما أمسكت علـينا الكلاب والـجوارح الـمعلـمة من الصيد الـحلال أكله، أكل منه الـجارح والكلاب أو لـم يأكل منه، أدركت ذكاته فذُكي أو لـم تدرك ذكاته حتـى قتلته الـجوارح، بجرحها إياه أو بغير جرح. وهذا قول الذين

قالوا: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلّـم الاستشلاء علـى الصيد وطلبه إذا أُشلـيت علـيه وأخذَه، وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـا.

وقال آخرون: بل ذلك علـى الـخصوص دون العموم،

قالوا: ومعناه: فكلوا مـما أمسكن علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه.

قالوا: فإن أكلت الـجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا، فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها لا علـينا، واللّه تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما أمسكته جوارحنا الـمعلّـمة علـيه بقوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ دون ما أمسكته علـى أنفسها، وهذا قول من قال: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها، أن تَسْتَشْلـي للصيد إذا أُشلـيت فتطلبه وتأخذه، فتـمسكه علـى صاحبها فلا تأكل منه شيئا، ولا تفرّ من صاحبها وقد ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة، ونذكر منهم جماعة آخرين فـي هذا الـموضع.

٨٨٨١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ

يقول: كلوا مـما قلتن. قال علـيّ: وكان ابن عبـاس

يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل، وإن أمسك فأدركته حيّا فذَكّه.

٨٨٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: إن أكل الـمعلـم من الكلاب من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.

٨٨٨٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَكُلوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه، فهو حلّ، فإن أكل منه، فـيقال: إنـما أمسك علـى نفسه، فلا تأكل منه شيئا، إنه لـيس بـمعلّـم.

٨٨٨٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحلّ لَهُمْ إلـى قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو طيرك أو سهمك، فذكرت اسم اللّه ، فأخذ أو قتل، فكل.

٨٨٨٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: إذا أرسلت كلبك الـمعلّـم فذكرت اسم اللّه حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال، فإذا أكل منه فلا تأكله، فإنـما أمسكه علـى نفسه.

٨٨٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبـيّ، عن عديّ، قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قال: قلت يا رسول اللّه إن أرضى أرض صيد؟ قال:

(إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمّيْتَ فكُلْ مـما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ كَلْبَكَ، وإنْ قَتَلَ، فإنْ أَكَلَ فلا تَأْكُلْ فإنّه إنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ).

وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.

فإن قال قائل: وما وجه دخول (مِن) فـي قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ، وقد أحلّ اللّه لنا صيد جوارحنا الـحلال، (ومن) إنـما تدخـل فـي الكلال مبعضة لـما دخـلت فـيه؟

قـيـل: قد اختلف فـي معنى دخولها فـي هذا الـموضع أهل العربـية، فقال بعض نـحويـي البصرة حين دخـلت (من) فـي هذا الـموضع لغير معنى، كما تدخـله العرب فـي قولهم: كان من مطر، وكان من حديث

قال: ومن ذلك قوله: وَيُكفَرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ،

وقوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماء مِنَ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ

قال: وهو فـيـما فسر: وينزل من السماء جبـالاً فـيها برد

قال: .

وقال بعضهم: وُينزّل مِنَ السّماء مِنْ جِبـالٍ فـيها مِنْ بَرَدٍ أي من السماء من برد، بجعل الـجبـال من برد فـي السماء، وبجعل الإنزال منها. وكان غيره من أهل العربـية يُنكر ذلك و

يقول: لـم تدخـل (من) إلا لـمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلـح إلا به، وذلك أنها دالة علـى التبعيض. وكان

يقول: معنى قولهم: (قد كان من مطر، وكان من حديث): هل كان من مَطَرٍ مَطَر عندكم، وهل من حَدِيثٍ حُدّث عندكم. و

يقول: معنى وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشار ويريد، وفـي قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ فـيجيز حذف (مِنْ) من مِنْ بَرَدٍ ولا يجز حذفها من (الـجبـال)، ويتأوّل معنى ذلك: وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ، ثم أدخـلت (من) فـي البرَد، لأن البرَد مفسر عنده عن الأمثال: أعنـي: أمثال الـجبـال، وقد أقـيـمت الـجبـال مقام الأمثال، والـجبـال وهي جبـال برَد، فلا يجيز حذف (من) من الـجبـال، لأنها دالة علـى أن الذي فـي السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبـال برد، وأجاز حذف (مِنْ) من (البرد)، لأن (البرد) مفسر عن الأمثال، كما تقول: عندي رطلان زيتا، وعندي رطلان من زيت، ولـيس عندك الرطل وإنـما عندك الـمقدار، ف(مِنْ) تدخـل فـي الـمفسر وتـخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السماء، من أمثال جبـال، ولـيس بجبـال

وقال: وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالاً، ثم حذف (الـجبـال) الثانـية و(الـجبـال) الأوّل فـي السماء جاز، تقول: أكلت من الطعام، تريد: أكلت من الطعام طعاما، ثم تـحذف الطعام ولا تسقط (من).

والصواب من القول فـي ذلك، أن (مِنْ) لا تدخـل فـي الكلام إلا لـمعنى مفهوم، وقد يجوز حذفها فـي بعض الكلام وبـالكلام إلـيها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام علـيها، فأما أن تكون فـي الكلام لغير معنى أفـادته بدخولها، فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير جائز أن يكون فـيـما صحّ من الكلام. ومعنى دخولها فـي قوله: فَكُلُوا مـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أحلّ اللّه لهم لـحومه وحرم علـيهم فرثه ودمه، فقال جلّ ثناؤه: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ جوارحكم الطيبـات التـي أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من الفَرْث والدم وما أشبه ذلك مـما لـم أطيبه لكم، فذلك معنى دخول (من) فـي ذلك.

وأما قوله: وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادتهوأما دخولها فـي قوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فسنبـينه إذا أتـينا علـيه إن شاء اللّه تعالـى:

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: واذْكُرُوا اسْمَ اللّه علـى ما أمسكت علـيكم جوارحكم من الصيد. كما:

٨٨٨٧ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: واذكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ

يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم اللّه ، وإن نسيت فلاحرج.

٨٨٨٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه سَرِيعُ الـحِسابِ.

يعنـي جلّ ثناؤه: واتقوا اللّه أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه، فـاحذروه فـي ذلك أن تقدموا علـى خلافه، وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلّـمة أو مـما لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها، أو تَطعَموا ما لـم يسمّ اللّه علـيه من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لـم يوحد اللّه من خـلقه، أو ذبحوه، فإن اللّه قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه. ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلـموا أن اللّه سريع حسابه لـمن حاسبه علـى نعمته علـيه منكم وشكر الشاكر منكم ربه، علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى، لأنه حافظ لـجميع ذلك فـيكم فـيحيط به، لا يخفـى علـيه منه شيء، فـيجازي الـمطيع منك بطاعته والعاصي بـمعصيته، وقد بـين لكم جزاء الفريقـين.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ ... }.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: الـيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ: الـيوم أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـحلال من الذبـائح والـمطاعم، دون الـخبـائث منها. قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ وذبـائح أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنـجيـل، وأنزل علـيهم، فدانوا بهما أو بأحدهما حِلّ لَكُمْ

يقول: حلال لكم أكله دون ذبـائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام، فإن من لـم يكن منهم مـمن أقرّ بتوحيد اللّه عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام علـيكم ذبـائحهم.

ثم اختلف فـيـمن عنى اللّه عزّ ذكره بقوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ من أهل الكتاب،

فقال بعضهم: عنى اللّه بذلك ذبـيحة كلّ مـمن أنزل علـيه التوراة والإنـجيـل، أو مـمن دخـل فـي ملتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمـم. ذكر من قال ذلك:

٨٨٨٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: خَصيف، قال: حدثنا عكرمة، قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فقرأ هذه الاَية: يا أيها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ... إلـى قوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ... الاَية.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عثمة، قال: حدثنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الـحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب وبتزوّج نسائْهم، ويتلوان: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.

٨٨٩٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب: أنهما كانا لا يريان بأسا بذبـيحة نصارى بنـي تغلب.

٨٨٩١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن الشعبـيّ: أنه كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب، وقرأ: وَما كانَ رَبكَ نَسِيّا.

٨٨٩٢ـ حدثنـي ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: ثنـي ابن شهاب عن ذبـيحة نصارى العرب، قال: تؤكل من أجل أنهم فـي الدين أهل كتاب، ويذكرون اسم اللّه .

٨٨٩٣ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج: قال: قال عطاء: إنـما يقرءون ذلك الكتاب.

٨٨٩٤ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا شعبة، قال: سألت الـحكم وحمادا وقتادة عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب،

فقالوا: لا بأس بها

قال: وقرأ الـحكم: وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لا يَعْلَـمُونَ الكِتابَ إلاّ أمانِـيّ.

٨٨٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كلوا من ذبـائح بنـي تغلب، وتزوّجوا من نسائهم، فإن اللّه قال فـي كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ فلو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.

٨٨٩٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن أبـي عروبة، عن قتادة: أن الـحسن كان لا يرى بأسا بذبـائح نصارى بنـي تغلب، وكان

يقول: انتـحلوا دينا فذاك دينهم.

وقال آخرون: إنـما عَنَى بـالذين أوتوا الكتاب فـي هذه الاَية، الذين أنزل علـيهم التوراة والإنـجيـل، من بنـي إسرائيـل وأبنائهم، فأما من كان دخيلاً فـيهم من سائر الأمـم مـمن دان بدينهم وهم من غير بنـي إسرائيـل، فلـم يُعْنَ بهذه الاَية ولـيس هو مـمن يحلّ أكل ذبـائحه لأنه لـيس مـمن أوتـى الكتاب من قَبْل الـمسلـمين. وهذا قول كان مـحمد بن إدريس الشافعيّ يقوله حدثنا بذلك عنه الربـيعّ ويتأوّل فـي ذلك قول من كره ذبـائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. ذكر من حرّم ذبـائح نصارى العرب:

٨٨٩٧ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، عن مـحمد، عن عبـيدة قال: قال علـيّ رضوان اللّه علـيه: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فإنهم إنـما يتـمسكون من النصرانـية بشرب الـخمر.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، عن علـيّ، قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فإنهم لـم يتـمسكوا بشيء من النصرانـية إلا بشرب الـخمر.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا عبد اللّه بن بكر، قال: حدثنا هشام، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة، قال: سألت علـيّا عن ذبـائح نصارى العرب،

فقال: لا تؤكل ذبـائحهم، فإنهم لـم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الـخمر.

٨٨٩٨ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، عن عطاء بن السائب، عن أبـي البختري، قال: نهانا علـيّ عن ذبـائح نصارى العرب.

٨٨٩٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة القصاب، قال: سمعت مـحمد بن علـيّ يحدثّ عن علـيّ: أنه كان يكره ذبـائح نصارى بنـي تغلب.

٨٩٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى العرب وذبـائح نصارى أرمينـية.

وهذه الأخبـار عن علـيّ رضوان اللّه علـيه، إنـما تدلّ علـى أنه كان ينهي عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب من أجل أنهم لـيسوا علـى النصرانـية، لتركهم تـحلـيـل ما تـحلل النصارى وتـحريـم ما تـحرّم غير الـخمر. ومن كان منتـحلاً ملة هو غير متـمسك منها بشيء، فهو إلـى البراءة منها أقرب إلـى اللـحاق بها وبأهلها، فلذلك نهى علـيّ عن أكل ذبـائح نصارى بنـي تغلب، لا من أجل أنهم لـيسوا من بنـي إسرائيـل. فإذا كان ذلك كذلك، وكان إجماعا من الـحجة إحلال ذبـيحة كلّ نصرانـيّ ويهوديّ، إن انتـحل دين النصاري أو الـيهود، فأحلّ ما أحلوا، وحرّم ما حرّموا من بنـي إسرائيـل كان أو من غيرهم، فبّـين خطأ من قال الشافعي فـي ذلك وتأويـله الذي تأوّله فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أنه ذبـائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنـجيـل من بنـي إسرائيـل، وصواب ما خالف تأويـله ذلك، وقول من قال: إن كل يهوديّ ونصرانـيّ فحلال ذبـيحته من أيّ أجناس بنـي آدم كان.

وأما الطعام الذي قال اللّه : وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ فإنه الذبـائح. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٨٩٠١ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: الذبـائح.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة، قالا: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي، عن أبـي سنان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَطَعامُ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـيحة أهل الكتاب.

٨٩٠٢ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، بـمثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن مغيرة، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم وقبـيصة، قالا: حدثنا سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم مثله.

٨٩٠٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: ذبـائحهم.

٨٩٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد، قال: حدثنا خالد، عن يونس، عن الـحسن، مثله.

٨٩٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ: أي ذبـائحهم.

٨٩٠٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ أما طعامهم فهو الذبـائح.

٨٩٠٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ قال: أحلّ اللّه لنا طعامهم ونساءهم.

٨٩٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس أما قوله: وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ فإنه أحلّ لنا طعامهم ونساءهم.

٨٩٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته يعنـي ابن يزيد عما ذُبح للكنائس وسُمي علـيها فقال: أحلّ اللّه لنا طعام أهل الكتاب، ولـم يستثن منه شيئا.

٨٩١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي معاوية، عن أبـي الزاهرية حدير بن كريب، عن أبـي الأسود، عن عمير بن الأسود: أنه سأل أبـا الدرداء عن كبش ذبح لكنـيسة يقال لها جرجس أهدوه لها، أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهمّ عفوا إنهم هم أهل كتاب، طعامهم حلّ لنا وطعامنا حلّ لهم. وأمره بأكله.

وأما قوله وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ فإنه يعنـي: ذبـائحكم أيها الـمؤمنون حلْ لأهل الكتاب.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنات والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتَابَ أُوتُوا مِنْ قَبْلِكُمْ إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـمـحصنات من الـمؤمنات وهنّ الـحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ. والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي: والـحرائر من الذين أعطوا الكتاب، وهم الـيهود والنصارى الذين دانوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل من قبلكم أيها الـمؤمنون بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم من العرب وسائر الناس، أن تنكحوهنّ أيضا إذا آتَـيْتُـمُوهُنّ أجُورَهُنّ يعنـي: إذا أعطيتـم من نكحتـم من مـحصناتكم ومـحصناتهم أجورهنّ، وهي مهورهن.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمـحصنات اللاتـي عناهنّ اللّه عزّ ذكره بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ

فقال بعضهم: عنـي بذلك الـحرائر خاصة، فـاجرة كانت أو عفـيفة. وأجاز قائلوا هذه الـمقالة نكاح الـحرّة مؤمنة كانت أو كتابـية من الـيهود والنصارى من أيّ أجناس كانت، بعد أن تكونَ كتابـية فـاجرة كانت أو عفـيفة، وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لأن اللّه جل ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيـمان بقوله: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤْمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤْمِناتِ ذكر من قال ذلك:

٨٩١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو داود، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَالـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ قال: من الـحرائر.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: من الـحرائر.

٨٩١٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: إن رجلاً طلق امرأته وخطبت إلـيه أخته، وكانت قد أحدثت، فأتـى عمر فذكر ذلك له منها، فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيت منها إلاّ خيرا فقال: زوّجها ولا تُـخْبر.

٨٩١٣ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـيّ، قال: حدثنا عامر، قال: زَنَت امرأة من هَمْدان، قال: فجلدها مصدّق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـحدّ، ثم تابت. فأتَوا عمر،

فقالوا: نزوّجها وبئس ما كان من أمرها قال عمر: لئن بلغنـي أنكم ذكرتـم شيئا من ذلك لأعاقبنكم عقوبة شديدة.

٨٩١٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: أن رجلاً أراد أن يزوّج أخته، فقالت: إنـي أَخْشَى أن أفضح أبـي، فقد بغيت. فأتـى عمر فقال: ألـيس قد تابت؟ قال: بلـى

قال: فزوّجها.

٨٩١٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي: أن نبـيشة امرأة من همدان بغت، فأردات أن تذبح نفسها، قال: فأدركوها فداووها فبرئت، فذكروا ذلك لعمر،

فقال: أنكحوها نكاح العفـيفة الـمسلـمة.

٨٩١٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر: أن رجلاً من أهل الـيـمن أصابت أخته فـاحشة، فأمرت الشفرة علـى أوداجها، فأدركت، فدُووي جرحها حتـى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتـى قدم الـمدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتـى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلـى عمها، وكان يكره أن يدلّسها، ويكره أن يفشي علـى ابنة أخيه، فأتـى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت علـيها لعاقبتك، إذ أتاك رجل صالـح ترضاه فزوّجها إياه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر: أن جارية بـالـيـمن يقال لها نبـيشة، أصابت فـاحشة، فذكر نـحوه.

٨٩١٧ـ حدثنا تـميـم بنننن الـمنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيـل عن عامر، قال: أتـى رجل عمر فقال: إن ابنة لـي كانت وُئدت فـي الـجاهلـية، فـاستـخرجتها قبل أن تـموت، فأدركت الإسلام، فلـما أسلـمت أصابت حدّا من حدود اللّه ، فعمدت إلـى الشفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتـى برئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تـخطب إلـيّ يا أمير الـمؤمنـين، فأُخبر من شأنها بـالذي كان؟ فقال عمر: أتـخبر بشأتها؟ تعمد إلـى ما ستره اللّه فتبدينه واللّه لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس، لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار بل أنكحها بنكاح العفـيفة الـمسلـمة.

حدثنا أحمد بن منـيع، قال: حدثنا مروان، عن إسماعيـل، عن الشعبـيّ، قال: جاء رجل إلـى عمر. فذكر نـحوه.

٨٩١٨ـ حدثنا مـجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن أبـي الزبـير: أن رجلاً خطب من رجل أخته، فأخبره أنها قد أحدثت. فبلغ ذلك عمر بن الـخطاب، فضرب الرجل، وقال: مالك والـخبر؟ أنكح واسكت

٨٩١٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن الـحسن، قال: قال عمر بن الـخطاب: لقد همـمت أن أدع أحدا أصاب فـاحشة فـي الإسلام أن يتزوّج مـحصنة. فقال له أبـيّ بن كعب: يا أمير الـمؤمنـين، الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب

وقال آخرون: إنـما عنى اللّه بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: العفـائف من الفريقـين، إماءكنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه الـمقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الاَية، وحرّموا البغايا من الـمؤمنات وأهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:

٨٩٢٠ـ حدثنا أبو كريب، قال حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: العفـائف.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

٨٩٢١ـ حدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير عن مطرف، عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي وأن تغتسل من الـجنابة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن مطرف، عن عامر: والـمُـحْصَناتُ مَنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن تغتسل من الـجنابة، وأن تـحصن فرجها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مطرف، عن رجل، عن الشعبـيّ فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي، وأن تغتسل من الـجنابة.

حدثنا الـمثنى قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مطرّف، عن الشعبـي فـي قوله: والـمـحصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: إحصانها أن تغتسل من الـجنابة، وأن تـحصن فرجها من الزنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: حدثنا خالد، قال: أخبرنا مطرف عن عامر، بنـحوه.

٨٩٢٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ قال: العفـائف.

٨٩٢٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال: أما الـمـحصنات: فهنّ العفـائف.

٨٩٢٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن امرأة اتـخذت مـملوكها وقالت: تأوّلت كتاب اللّه : وما ملكت أيـمانكم

قال: فَأُتِـيَ بها عمر بن الـخطاب، فقال له ناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب اللّه علـى غير وجهها

قال: فقرب العبد وجزّ رأسه، وقال: أنت بعده حرام علـى كلّ مسلـم.

٨٩٢٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيـم: أنه قال فـي التـي تسرى قبل أن يُدخـل بها، قال: لـيس لها صداق ويفرّق بـينهما.

٨٩٢٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا أشعث، عن الشعبـيّ فـي البكر تهجر، قال: تضرب مائة سوط، وتنفـي سنة، وتردّ علـى زوجها ما أخذت منه.

٨٩٢٧ـ حدثنا حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا أشعث، عن أبـي الزبـير، عن جابر، مثل ذلك.

٨٩٢٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الـحسن، مثل ذلك.

٨٩٢٩ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس أن الـحسن كان

يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فـاحشة فـاستـيقن فإنه لا يـمسكها.

٨٩٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبـي ميسرة، قال: مـملوكات أهل الكتاب بـمنزلة حرائرهم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم قوله عزّ ذكره: والـمُـحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أعامّ أم خاصّ؟

فقال بعضهم: هو عامّ فـي العفـائف منهنّ، لأن الـمـحصنات العفـائف، وللـمسلـم أن يتزوّج كلّ حرّة وأمة كتابـية حربـية كانت أو ذمية. واعتلوا فـي ذلك بظاهر قوله تعالـى: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وأن الـمعنـيّ بهنّ العفـائف كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عنـي بـالـمـحصنات فـي هذا الـموضع: العفـائف.

وقال آخرون: بل اللواتـي عنى بقوله جلّ ثناؤه: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ: الـحرائر منهنّ، والاَية عامة فـي جميعهنّ، فنكاح جميع الـحرائر الـيهود والنصارى جائز، حربـيات كنّ أو ذميات، من أيّ أجناس الـيهود والنصارى كنّ وهذا قول جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:

٨٩٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب والـحسن: أنهما كانا لا يريان بأسا بنكاح نساء الـيهود والنصارى، وقالا: أحله اللّه علـى علـم.

وقال آخرون منهم: بل عنـي بذلك: نكاح بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهنّ خاصة دون سائر أجناس الأمـم الذين دانوا بـالـيهودية والنصرانـية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.

وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من الـمسلـمين ذمة وعهد، فأما أهل الـحرب فإن نساءهم حرام علـى الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:

٨٩٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مـحمد بن عقبة، قال: حدثنا الفزاري، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، قال: من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا، ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ ولا يُحَرّمُونَ ما حَرّم اللّه وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُون دِينَ الـحَقّ مِنْ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حتّـى يُعْطُوا الـجِزْيَةَ فمن أعطي الـجزية حلّ لنا نساؤه، ومن لـم يعط الـجزية لـم يحل لنا نساؤه. قال الـحكم: فذكرت ذلك لإبراهيـم فأعجبه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ حرائر الـمؤمنـين وأهل الكتاب، لأن اللّه جل ثناؤه لـم يأذن بنكاح الإماء الأحرار فـي الـحال التـي أبـاحهنّ لهم إلاّ أن يكنّ مؤمنات، فقال عزّ ذكره: وَمَنْ لَـمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أن يَنْكحَ الـمُـحْصَناتِ الـمُؤمِناتِ فَمِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ فَتَـياتِكُمُ الـمُؤمِناتِ فلـم يبح منهنّ إلاّ الـمؤمنات، فلو كان مرادا بقوله: والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ: العفـائف، لدخـل العفـائف من إمائهم فـي الإبـاحة، وخرج منها غير العفـائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيـمان. وقد أحل اللّه لنا حرائر الـمؤمنات، وإن كنّ قد أتـين بفـاحشة بقوله: وأنْكحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وإمائكم، وقد دللنا علـى فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتـى الفـاحشة من نساء الـمؤمنـين وأهل الكتاب للـمؤمنـين فـي موضع غير هذا بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع، فنكاح حرائر الـمسلـمين وأهل الكتاب حلال للـمؤمنـين، كنّ قد أتـين بفـاحشة أو لـم يأتـين بفـاحشة، ذمية كانت أو حربـية، بعد أن تكون بـموضع لا يخاف الناكح فـيه علـى ولده أن يجبر علـى الكفر، بظاهر قول اللّه جلّ وعزّ: والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. فأما قول الذي قال: عنى بذلك نساء بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهن خاصة، فقول لا يوجب التشاغل بـالبـيان عنه لشذوذه والـخروح عما علـيه علـماء الأمة من تـحلـيـل نساء جميع الـيهود والنصارى. وقد دللنا علـى فساد قول قائل هذه الـمقالة من جهة القـياس فـي غير هذا الـموضع بـما فـيه الكفـاية فكرهنا إعادته.

وأما قوله: إذَا آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ فإن الأجر: العوض الذي يبذله الزوج للـمرأة للاستـمتاع بها، وهو الـمهر. كما:

٨٩٣٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: آتَـيْتُـمُوهُنّ أُجُورَهُنّ يعنـي مهورهنّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أحلّ لكم الـمـحصنات من الـمؤمنات،والـمـحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وأنتـم مـحصنون غير مسافحين ولا متـخذي أخدان. ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: مُـحْصِنِـين: أعفـاء غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: لا معالنـين بـالسفـاح بكل فـاجرة وهو الفجور وَلا مُتـخِذِي أخْدَانٍ

يقول: ولا منفردين ببغية واحدة قد خادنها وخادنته واتـخذها لنفسه صديقة يفجر بها. وقد بـينا معنى الإحصان ووجوهه ومعنى السفـاح والـخدن فـي غير هذا الـموضع بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع وهو كما:

٨٩٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ يعنـي: ينكحوهن بـالـمهر والبـينة، غَيْر مُسَافِحِينَ متعالنـين بـالزنا، وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ يعنـي: يُسِرّون بـالزنا.

٨٩٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: أحلّ اللّه لنا مـحصنتـين: مـحصنة مؤمنة، ومـحصنة من أهل الكتاب وَلا مُتّـخِذِي أخْدَانٍ ذات الـخدن: ذات الـخـلـيـل الواحد.

٨٩٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سلـيـمان بن الـمغيرة، عن الـحسن، قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل الـمرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر اللّه الـمسلـمات؟ فإن كان لا بد فـاعلاً، فلـيعمد إلـيها حصانا غير مسافحة. قال الرجل: وما الـمسافحة؟ قال: هي التـي إذا لـمـح الرجل إلـيها بعينه اتبعته.

القول فـي تأويـل قوله عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ ومن يجحد ما أمر اللّه بـالتصديق به من توحيد اللّه ونبوّة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وما جاء به من عند اللّه ، وهو الإيـمان الذي

قال اللّه جلّ ثناؤه: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإِيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ

يقول: فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله فـي الدنـيا، يرجو أن يدرك به منزلة عند اللّه . وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسرِينَ

يقول: وهو فـي الاَخرة من الهالكين الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب اللّه بكفرهم بـمـحمد وعملهم بغير طاعة اللّه . وقد ذكر أن قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ عُنـي به أهل الكتاب، وأنه أنزل علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل قوم تـحرجّوا نكاح نساء أهل الكتاب لـما قـيـل لهم: أُحِلَ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وطَعَامُ الذّين أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحصَنَاتُ مِنَ الّذين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. ذكر من قال ذلك.

٨٩٣٧ـ حدثنا بشر، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر بنا أن ناسا من الـمسلـمين

قالوا: كيف نتزوّج نساءهم يعنـي نساء أهل الكتاب وهم علـى غير ديننا؟ فأنزل اللّه عزّ ذكره: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ فأحلّ اللّه تزويجهنّ علـى علـم.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل الإيـمان

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.

٨٩٣٨ـ حدثنا مـحمد ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: بـالإيـمان بـالله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن واصل، عن عطاء: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الإيـمان: التوحيد.

٨٩٣٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: بـالله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: من يكفر بـالله.

حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: من يكفر بـالله.

حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ قال: الكفر بـالله.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٩٤٠ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال: أخبر اللّه سبحانه أن الإيـمان هو العروة الوثقـى، وأنه لا يقبل عملاً إلاّ به، ولا يحرّم الـجنة إلاّ علـى من تركه.

فإن قال لنا قائل: وما وجّه تأويـل من وجّه قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ إلـى معنى: ومن يكفر بـالله؟ قـيـل وجه تأويـله ذلك كذلك أن الإيـمان هو التصديق بـاللّه وبرسله وما ابتعثهم به من دينه والكفر: جحود ذلك.

قالوا: فمعنى الكفر بـالإيـمان، هو جحود اللّه وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلـمة بـما أريد بها، وأعرضوا عن تفسير الكلـمة علـى حقـيقة ألفـاظها وظاهرها فـي التلاوة.

فإن قال قائل: فما تأويـلها علـى ظاهرها وحقـيقة ألفـاظها؟

قـيـل: تأويـلها: ومن يأب الإيـمان بـاللّه ويـمتنع من توحيده والطاعة له فـيـما أمره به ونهاه عنه، فقد حبط عمله وذلك أن الكفر هو الـجحود فـي كلام العرب، والإيـمان: التصديق والإقرار، ومن أبى التصديق بتوحيد اللّه والإقرار به فهو من الكافرين، فذلك تأويـل الكلام علـى وجهه.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ ...}.

يعنـي بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتـم إلـى الصلاة وأنتـم علـى غير طهر الصلاة، فـاغسلوا وجوهكم بـالـماء، وأيديكم إلـى الـمرافق.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي قوله: إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ أمراد به كلّ حال قام إلـيها، أو بعضها؟ وأيّ أحوال القـيام إلـيها؟ فقال بعضهم فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه من أنه معنىّ به بعض أحوال القـيام إلـيها دون كلّ الأحوال، وأن الـحال التـي عنـي بها حال القـيام إلـيها علـى غير طهر. ذكر من قال ذلك:

٨٩٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، قال: سئل عكرمة عن قول اللّه : إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيكُمْ إلـى الـمَرَافقِ فكلّ ساعة يتوضأ؟ فقال:

قال ابن عبـاس : لا وضوء إلاّ من حدث.

٨٩٤٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت مسعود بن علـيّ الشيبـانـي، قال: سمعت عكرمة، قال: كان سعد بن أبـي وَقّاص يصلـي الصلوات بوضوء واحد.

٨٩٤٣ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن مسعود بن علـيّ، عن عكرمة، قال: كان سعد بن أبـي وقاص

يقول: صلّ بطهورك ما لـم تـحدث.

٨٩٤٤ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: أخبرنا سلـيـم بن أخضر، قال: أخبرنا ابن عون عن مـحمد، قال: قلت لعبـيدة السلـمانـي: ما يوجب الوضوء؟ قال: الـحدث.

٨٩٤٥ـ حدثنا حميد ين مسعدة، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن واقع بن سحبـان، عن يزيد ابن طريف أو طريف بن يزيد أنهم كانوا مع أبـي موسى علـى شاطىء دجلة، فتوضئوا فصلوا الظهر، فلـما نودي بـالعصر، قام رجال بتوضئون من دجلة،

فقال: إنه لا وضوء إلاّ علـى من أحدث.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن طريف بن زياد أو زياد بن طريف عن واقع بن سحبـان: أنه شهد أبـا موسى صلّـى بأصحابه الظهر، ثم جلسوا حلقا علـى شاطىء دجلة، فنُودي بـالعصر، فقام رجال يتوضئون، فقال أبو موسى: لا وضوء إلاّ علـى من أحدث.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن واقع بن سحبـان، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف قال: كنت مع أبـي موسى بشاطىء دجلة فذكر نـحوه.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن واقع بن سحبـان، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف عن أبـي موسى، مثله.

٨٩٤٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا أبو خالد، قال: توضأت عند أبـي العالـية الظهر أو العصر، فقلت: أصلـي بوضوئي هذا، فإنـي لا أرجع إلـى أهلـي إلـى العتـمة؟ قال أبو العالـية: لا حرج. وعلّـمنا: إذا توضأ الإنسان فهو فـي وضوئه حتـى يحدث حدثا.

٨٩٤٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا ابن هلال، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: الوضوء من غير حدث اعتداء.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد، مثله.

٨٩٤٨ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، قال: رأيت إبراهيـم صلّـى بوضوء واحد، الظهر والعصر والـمغرب.

٨٩٤٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، قال: حدثنا الأعمش، قال: كنت مع يحيى، فأصلـي الصلوات بوضوء واحد، قال: وإبراهيـم مثل ذلك.

٨٩٥٠ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيـم، قال: سمعت الـحسن سئل عن الرجل يتوضأ فـيصلـي الصلوات كلها بوضوء واحد،

فقال: لا بأس به ما لـم يحدث.

٨٩٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك ، قال: يصلـي الصلوات بـالوضوء الواحد ما لـم يحدث.

٨٩٥٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا زائدة عن الأعمش، عن عمارة، قال: كان الأسود يصلـي الصلوات بوضوء واحد.

٨٩٥٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أساط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ

يقول: قمتـم وأنتـم علـى غير طهر.

٨٩٥٤ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن الأسود: أنه كان له قَعْبٌ قدر رِيّ رجل، فكان يتوضأ ثم يصلـي بوضوئه ذلك الصلوات كلها.

٨٩٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبـاد بن موسى، قال: أخبرنا زياد بن عبد اللّه بن الطفـيـل البكائي، قال: حدثنا الفضل بن الـمبشر، قال: رأيت جابر بن عبد اللّه يصلـي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بـال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الـخفـين. فقلت: أبـا عبد اللّه أشيء تصنعه برأيك؟ قال: بل رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصنعه، فأنا أصنعه كما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصنع.

وقال آخرون: معنى ذلك: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتـم من نومكم إلـى الصلاة. ذكر من قال ذلك:

٨٩٥٦ـ حدثنا حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي من سمع مالك بن أنس، يحدث عن زيد بن أسلـم، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ قال: يعنـي: إذا قمتـم من النوم.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس، أخبره عن زيد بن أسلـم، بـمثله.

٨٩٥٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاة فـاغْسِلُوا وُجُوهُكُمْ قال: فقال: قمتـم إلـى الصلاة من النوم.

وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به كل حال قـيام الـمرء إلـى صلاته أن يجدّد لها طهرا. ذكر من قال ذلك:

٨٩٥٨ـ حدثنا حميد بن مسعدة: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن مسعود بن علـيّ، قال: سألت عكرمة، قال: قلت يا أبـا عبد اللّه ، أتوضأ لصلاة الغد ثم آتـي السوق فتـحضر صلاة الظهر فأصلـي؟ قال: كان علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه

يقول: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت مسعود بن علـيّ الشيبـانـي، قال: سمعت عكرمة

يقول: كان علـيّ رضي اللّه عنه يتوضأ عند كلّ صلاة، ويقرأ هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُم... الاَية.

٨٩٥٩ـ حدثنا حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين: أن الـخـلفـاء كانوا يتوضئون لكلّ صلاة.

٨٩٦٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس، قال: توضأ عمر بن الـخطاب وضوءا فـيه تـجوّز خفـيفـا،

فقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِث.

٨٩٦١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن عبد الـملك بن ميسرة عن النزال، قال: رأيت علـيّا صلّـى الظهر ثم قعد للناس فـي الرّحْبة، ثم أُتـي بـماء فغسل وجهه ويديه، ثم مسح برأسه ورجلـيه، وقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِثْ.

٨٩٦٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: أن علـيّا اكتال من حُبْ فتوضأ وضوءا فـيه تـجوّز،

فقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِث.

وقال آخرون: بل كان هذا أمرا من اللّه عزّ ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين به أن يتوضؤا لكلّ صلاة، ثم نسخ ذلك بـالتـخفـيف. ذكر من قال ذلك:

٨٩٦٣ـ حدثنـي عبد اللّه بن أبـي زياد القطوانـي، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبـي، عن ابن إسحاق قال: ثنـي مـحمد بن يحيى بن حبـان الأنصاري ثم الـمازنـيّ، مازن بنـي النـجار، فقال لعبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر: أخبرنـي عن وضوء عبد اللّه لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، عمن هو؟ قال: حدثَتْنـيه أسماء ابنة زيد بن الـخطاب، أن عبد اللّه بن زيد بن حنظلة بن أبـي عامر الغسيـل حدثها: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلاة، فشقّ ذلك علـيه، فأمر بـالسواك، ورفع عنه الوضوء إلاّ من حدث. فكان عبد اللّه يرى أن به قوّة علـيه، فكان يتوضأ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن طلـحة بن يزيد بن ركانة قال: ثنـي مـحمد بن يحيى بن حبـان الأنصاري، قال: قلت لعبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، أخبرنـي عن وضوء عبد اللّه لكل صلاة ثم ذكر نـحوه.

٨٩٦٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن علقمة بن مرثَد، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلـما كان عام الفتـح، صلّـى الصلوات بوضوء واحد، ومسح علـى خفـيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئاٍ لـم تكن تفعله قال: (عَمْدا فَعَلْتُهُ).

٨٨٨١حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن مـحارب بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلـما كان يوم فتـح مكة، صلّـى الصلوات كلها بوضوء واحد.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن مـحارب، بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يتوضأ، فذكر نـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبـيه، قال: صلّـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلوات كلها بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول اللّه ، صنعت شيئا لـم تكن تصنعه؟ فقال: (عَمْدا فَعَلْته يا عمَرُ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية، عن سفـيان، عن مـحارب بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلـما فتـح مكة، صلّـى الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد.

٨٩٦٥ـ حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا الـحكم بن ظهير، عن مسعر، عن مـحارب بن دثار، عن ابن عمر: أن رسول اللّه صلّـى صلى اللّه عليه وسلم الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد.

فإن ظنّ ظان أن فـي الـحديث الذي ذكرناه عن عبد اللّه بن حنظلة، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلاة، دلالة علـى خلاف ما قلنا من أن ذلك كان ندبـا للنبـي علـيه الصلاة والسلام وأصحابه، وخيـل إلـيه أن ذلك كان علـى الوجوب فقد ظنّ غير الصواب، وذلك أن قول القائل: أمر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بكذا وكذا، مـحتـمل من وجوه لأمر الإيجاب والإرشاد والندب والإبـاحة والإطلاق، وإذ كان مـحتـملاً ما ذكرنا من الأوجه، كان أولـى وجوهه به ما علـى صحته الـحجة مـجمعة دون ما لـم يكن علـى صحته برهان يوجب حقـية مدّعية. وقد أجمعت الـحجة علـى أن اللّه عزّ وجلّ لـم يوجب علـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ولا علـى عبـاده فرض الوضوء لكلّ صلاة، ثم نسخ ذلك، ففـي إجماعها علـى ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما قلنا من أن فعل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ما كان يفعل من ذلك كان علـى ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه اللّه عزّ ذكره إلـى فعله وندب إلـيه عبـاده الـمؤمنـين بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافقِ... الاَية، وأن تركه فـي ذلك الـحال التـي تركه كان ترخيصا لأمته وإعلاما منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم، إلاّ من حدَث يوجب نقض الطهر. وقد رُوي بنـحو ما قلنا فـي ذلك أخبـار:

٨٩٦٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أُتـي بقعب صغير، فتوضأ

قال: قلت لأنس: أكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتـم؟ قال: كنا نصلـي الصلوات بوضوء واحد.

٨٩٦٧ـ حدثنا سلـيـمان بن عمر بن خالد الرقـي، حدثنا عيسى بن يونس، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقـي، عن أبـي غطيف، قال: صلـيت مع ابن عمر الظهر، فأتـى مـجلسا فـي داره، فجلس وجلست معه، فلـما نُودي بـالعصر دعا بوَضوء فتوضأ، ثم خرج إلـى الصلاة، ثم رجع إلـى مـجلسه فلـما نودي بـالـمغرب دعا بوضوء فتوضأ، فقلت: أسنة ما أراك تصنع؟ قال: لا، وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كافـيا للصلوات كلها ما لـم أُحدث، ولكنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (مَنْ تَوَضّأ علـى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ)، فأنا رغبت فـي ذلك.

 

حدثنـي أبو سعيد البغداي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن هريـم، عن عبد الرحمن بن زياد، عن أبـي غطيف، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ تَوَضّأعلـى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ).

وقد قال قوم: إن هذه الاَية أنزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إعلاما من اللّه له بها أن لا وضوء علـيه، إلاّ إذا قام إلـى صلاته دون غيرها من الأعمال كلها، وذلك أنه كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتـى يتوضأ، فأذن له بهذه الاَية أن يفعل كلّ ما بدا له من الأفعال بعد الـحدث عدا الصلاة توضأ أو لـم يتوضأ، وأمره بـالوضوء إذا قام إلـى الصلاة قبل الدخول فـيها. ذكر من قال ذلك:

٨٩٦٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن جابر بن عبد اللّه بن أبـي بكر، عن عمرو بن حزم، عن عبد اللّه بن علقمة بن وقاص، عن أبـيه، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراق البول نكلـمه فلا يكلـمنا ونسلّـم علـيه فلا يردّ علـينا، حتـى يأتـي منزله فـيتوضأ كوضوئه للصلاة، فقلنا: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نكلـمك فلا تكلـمنا ونسلـم علـيك فلا تردّ علـينا قال: حتـى نزلت آية الرخصة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ ...الاَية.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.

اختلف أهل التأويـل فـي حدّ الوجه الذي أمر اللّه بغسله، القائم إلـى الصلاة بقوله: إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

فقال بعضهم: هو ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص شعر رأسه، منـحدرا إلـى منقطع ذقنه طولاً، وما بـين الأذنـين عرضا.

قالوا: فأما الأذن وما بطن من داخـل الفم والأنف والعين فلـيس من الوجه ولا غيره، ولا أحبّ غسل ذلك ولا غسل شيء منه فـي الوضوء.

قالوا: وأما ما غطاه الشعر منه كالذقن الذي غطاء شعر اللـحية والصدغين اللذين قد عطاهما عذر اللـحية، فإن إمرار الـماء علـى ما علـى ذلك من الشعر مـجزىء عن غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، لأن الوجه عندهم هو ما ظهر لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره. ذكر من قال ذلك:

٨٩٦٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عمر بن عبـيد، عن معمر، عن إبراهيـم، قال: يجزىء اللـحية ما سال علـيها من الـماء.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: يكفـيه ما سال من الـماء من وجهه علـى لـحيته.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، بنـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، بنـحوه.

٨٩٧٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن مغيرة فـي تـخـلـيـل اللـحية، قال: يجزيك ما مرّ علـى لـحيتك.

٨٩٧١ـ حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـي، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: حدثنا زائدة، عن منصور، قال: رأيت إبراهيـم يتوضأ، فلـم يخـلل لـحيته.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن سعيد الزبـيدي، عن إبراهيـم، قال: يجزيك ما سال علـيها من أن تـخـللها.

٨٩٧٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن يونس، قال: كان الـحسن إذا توضأ مسح لـحيته مع وجهه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا هشام، عن الـحسن، أنه كان لا يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن هشام، عن الـحسن أنه كان لا يخـلل لـحيته إذا توضأ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن إسماعيـل، عن الـحسن، مثله.

٨٩٧٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: لـيس غسل اللـحية من السنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عيسى بن يزيد، عن عمرو، عن الـحسن أنه كان إذا توضأ لـم يبلغ الـماء فـي أصول لـحيته.

٨٩٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن أبـي شيبة سعيد بن عبد الرحمن الزبـيدي، قال: سألت إبراهيـم أخـلل لـحيتـي عند الوضوء بـالـماء؟ فقال: لا، إنـما يكفـيك ما مرّت علـيه يدك.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: سألت شعبة عن تـخـلـيـل اللـحية فـي الوضوء،

فقال: قال الـمغيرة: قال إبراهيـم: يكفـيه ما سال من الـماء من وجهه علـى لـحيته.

٨٩٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا حجاج بن رشدين، قال: حدثنا عبد الـجبـار بن عمر: أن ابن شهاب وربـيعة توضئا، فأمرّا الـماء علـى لـحاهما، ولـم أر واحدا منهما خـلل لـحيته.

٨٩٧٦ـ حدثنا حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: سألت سعيد بن عبد العزيز، عن عرْك العارضين فـي الوضوء،

فقال: لـيس ذلك بواجب، رأيت مكحولاً يتوضأ فلا يفعل ذلك..

٨٩٧٧ـ حدثنا أبو الولـيد أحمد بن عبد الرحمن القرشيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الـحسن، قال: لـيس عرك العارضين فـي الوضوء بواجب.

حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي إبراهيـم بن مـحمد، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: يكفـيه ما مرّ من الـماء علـى لـحيته.

٨٩٧٨ـ حدثنا حدثنا أبو الولـيد القرشي، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن سلـيـمان بن أبـي زينب، قال: سألت القاسم بن مـحمد كيف أصنع بلـحيتـي إذا توضأت؟ قال: لست من الذين يغسلون لـحاهم.

٨٩٧٩ـ حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال أبو عمرو: لـيس عرك العارضين وتشبـيك اللـحية بواجب فـي الوضوء.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من الفم والأنف:

٨٩٨٠ـ حدثنا حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الـملك بن أبـي بشير، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لولا التلـمظ فـي الصلاة ما مضمضت.

٨٩٨١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك

يقول: سئل عطاء، عن رجل صلّـى ولـم يتـمضمض قال: ما لـم يسمّ فـي الكتاب يجزئه.

٨٩٨٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: لـيس الـمضمضة والاستنشاق من واجب الوضوء.

٨٩٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الصبـاح، عن أبـي سنان، قال: كان الضحاك ينهانا عن الـمضمضة والاستنشاق فـي الوضوء فـي رمضان.

٨٩٨٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت هشاما، عن الـحسن، قال: إذا نسي الـمضمضة والاستنشاق، قال: إن ذكر وقد دخـل فـي الصلاة فلـيـمض فـي صلاته، وإن كان لـم يدخـل تـمضمض واستنشق.

٨٩٨٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن شعبة، قال: سألت الـحكم وقتادة، عن رجل ذكر وهو فـي الصلاة أنه لـم يتـمضمض ولـم يستنشق،

فقال: يـمضي فـي صلاته.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن الأذنـين لـيستا من الوجه:

٨٩٨٦ـ حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي، قال: حدثنا هشيـم، عن غيلان، قال: سمعت ابن عمر

يقول: الأذنان من الرأس.

حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير، قال: حدثنا أبو مطرف، قال: حدثنا غيلان مولـى بنـي مخزوم، قال: سمعت ابن عمر

يقول: الأذنان من الرأس.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد، عن مـحمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس، فإذا مسحت الرأس فـامسحهما.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنـي غيلان بن عبد اللّه مولـى قريش، قال: سمعت ابن عمر سأله سائل، قال: إنه توضأ ونسي أن يـمسح أذنـيه، قال: فقال ابن عمر: الأذنان من الرأس. ولـم ير علـيه بأسا.

حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أيوب بن سويد. ح، وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن جميعا، عن سفـيان، عن سالـم أبـي النضر، عن سعيد بن مرجانة، عن ابن عمر، أنه قال: الأذنان من الرأس.

حدثنـي ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن رجل، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

٨٩٨٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف ابن مهران، عن ابن عبـاس ، قال: الأذنان من الرأس.

٨٩٨٨ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب، قالا: الأذنان من الرأس.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، قال: الأذنان من الرأس عن الـحسن وسعيد.

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي أبو عمرو، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن أبـي النضر، عن ابن عمر، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عيس بن يزيد، عن عمرو، عن الـحسن، قال: الأذنان من الرأس.

٨٩٨٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربـيعة، عن شهر بن حوشب عن أبـي أمامة أو عن أبـي هريرة شك ابن بزيع أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ).

٨٩٩٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معلـى بن منصور، عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربـيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، قال: الأذنان من الرأس. قال حماد: لا أدري هذا عن أبـي أمامة أو عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: ثنـي حماد بن زيد، قال: ثنـي سنان بن ربـيعة أبو ربـيعة عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ).

٨٩٩١ـ حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي ابن جريج وغيره، عن سلـيـمان بن موسى، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ).

٨٩٩٢ـ حدثنا الـحسن بن شبـيب، قال: حدثنا علـيّ بن هاشم بن البريد، قال: حدثنا إسماعيـل بن مسلـم، عن عطاء، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ).

٨٩٩٣ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن يونس، أن الـحسن، قال: الأذنان من الرأس.

وقال آخرون: الوجه: كلّ ما دون منابت شعر الرأس إلـى منقطع الذقن وعلـى العارضين، وما كان منه داخـل الفم والأنف، وما أقبل من الأذنـين علـى الوجه. كلّ ذلك عندهم من الوجه الذي أمر اللّه بغسله بقوله: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ. و

قالوا: إن ترك شيئا من ذلك الـمتوضىء فلـم يغسله لـم تـجزه صلاته بوضوئه ذلك. ذكر من قال ذلك:

٨٩٩٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنـي مـحمد بن بكر وأبو عاصم، قالا: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع: أنّ ابن عمر كان يبلّ أصول شعر لـحيته، ويغلغل بـيده فـي أصول شعرها حتـى تكثر القطرات منها.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع مولـى ابن عمر: أن ابن عمر كان يغلغل يديه فـي لـحيته حتـى تكثر منها القطرات.

حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، عن سعيد، قال: حدثنا لـيث، عن نافع، عن ابن عمر: كان إذا توضأ خـلل لـحيته حتـى يبلغ أصول الشعر.

٨٩٩٥ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: يزيد، قال: حدثنا معلـى بن جابر اللقـيطي، قال: أخبرنـي الأزرق ابن قـيس، قال: رأيت ابن عمر توضأ فخـلل لـحيته.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا لـيث، عن نافع: أن ابن عمر كان يخـلل لـحيته بـالـماء حتـى يبلغ أصول الشعر.

٨٩٩٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عبـيد ابن عمير: أن أبـاه عبـيد بن عمير كان إذا توضأ غلغل أصابعه فـي أصول شعر الوجه يغلغلها بـين الشعر فـي أصوله يدلك بأصابعه البشرة. فأشار لـي عبد اللّه كما أخبره الرجل، كما وصف عنه.

٨٩٩٧ـ حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال: حدثنا أبو عمرو، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، وشبك لـحيته بأصابعه أحيانا ويترك أحيانا.

٨٩٩٨ـ حدثنا أبو الولـيد، وعلـيّ بن سهل، قالا: حدثنا الولـيد، قال: قال حدثنا أبو عمرو، وأخبرنـي عبدة، عن أبـي موسى الأشعري نـحو ذلك.

٨٩٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن مسلـم، قال: رأيت ابن أبـي لـيـلـى توضأ فغسل لـحيته وقال: من استطاع منكم أن يبلغ الـماء أصول الشعر فلـيفعل.

٩٠٠٠ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا سفـيان بن حبـيب، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: حُقّ علـيه أن يبلّ أصول الشعر.

٩٠٠١ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: كان مـجاهد يخـلل لـحيته.

حدثنا حميد، قال: حدثنا سفـيان، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: أنه كان يخـلل لـحيته إذا توضأ.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

٩٠٠٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو داود الـحفري، عن سفـيان، عن ابن شبرمة، عن سعيد بن جبـير، قال: ما بـال اللـحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لـم تغسل؟.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يخـلل لـحيته إذا توضأ.

٩٠٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن لـيث، عن طاوس، أنه كان يخـلل لـحيته.

٩٠٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن إسماعيـل، عن ابن سيرين، أنه كان يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن هشام، عن ابن سيرين، مثله.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: سألت شعبة، عن تـخـلـيـل اللـحية فـي الوضوء، فذكر عن الـحكم بن عتـيبة: أن مـجاهدا كان يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو عن معروف، قال: رأيت ابن سيرين توضأ فخـلل لـحيته.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا هشام، عن ابن سيرين، مثله.

٩٠٠٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن الزبـير بن عديّ، عن الضحاك ، قال: رأيته يخـلل لـحيته.

٩٠٠٦ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد، عن أبـي الأشهب، عن موسى بن أبـي عائشة، عن زيد الـخدري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: رأيت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم توضأ فخـلل لـحيته، فقلت: لـم تفعل هذا يا نبـيّ اللّه ؟ قال: (أمَرنِـي بِذَلِكَ رَبّـي).

حدثنا تـميـم، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد، عن سلام بن سَلْـم، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة أو يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: وضأت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأدخـل أصابعه من تـحت حنكه، فخـلل لـحيته، وقال: (بِهَذَا أمَرَنِـي رَبّـي جَلّ وعَزّ).

حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن سلام بن سَلْـم الـمدينـي، قال: حدثنا زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو عبـيدة الـحدّاد، قال: حدثنا موسى بن شروان، عن يزيد الرقاشيّ، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هَكَذَا أمَرَنِـي رَبـي). وأدخـل أصابعه فـي لـحيته، فخـلّلها.

٩٠٠٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام وعبـيد اللّه بن موسى، عن خالد بن إلـياس، عن عبد اللّه بن رافع، عن أمّ سلـمة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ، فخـلّل لـحيته.

٩٠٠٨ـ حدثنا علـيّ بن الـحسين بن الـحر، قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة، عن واصل بن السائب، عن أبـي سورة، عن أبـي أيوب، قال: (رأينا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم توضأ، وخـلل لـحيته).

٩٠٠٩ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، قال: حدثنا عمر بن سلـيـمان، عن أبـي غالب، عن أبـي أمامة: (أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خـلّل لـحيته).

٩٠١٠ـ حدثنا مـحمد بن عيسى الدامغانـي، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الكريـم أبـي أمية: أن حسان بن ثابت الـمزنـي رأى عمار بن ياسر توضأ وخـلل لـحيته، فقـيـل له: أتفعل هذا،

فقال: إنـي رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعله.

٩٠١١ـ حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال: حدثنا أبو عمرو، قال: أخبرنـي عبد الواحد بن قـيس، عن يزيد الرقاشي وقتادة: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كان إذا توضأ عرك عارضيه، وشبك لـحيته بأصابعه).

٩٠١٢ـ حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي أبو مهدي بن سنان، عن أبـي الزاهرية، عن جبـير بن نفـير، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه.

٩٠١٣ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي أبو عبد اللّه ، قال: ثنـي واصل الرقاشي، عن أبـي سورة هكذا قال الأحمسي عن أبـي أيوب، قال: (كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا توضأ تـمضمض ومسح لـحيته من تـحتها بـالـماء).

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من الأنف والفم:

٩٠١٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، قال: سمعت مـجاهدا

يقول: الاستنشاق شطر الوضوء.

٩٠١٥ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن شعبة، قال: سألت حمادا عن رجل ذكر وهو فـي الصلاة أنه لـم يتـمضمض ولـم يستنشق، قال حماد: ينصرف فـيتـمضمض ويستنشق.

٩٠١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الصبـاح، عن أبـي سنان، قال: قدمت الكوفة فأتـيت حمادا فسألته عن ذلك، يعنـي عمن ترك الـمضمضة والاستنشاق وصلّـى فقال: أرى علـيه إعادة الصلاة.

٩٠١٧ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، قال: كان قتادة

يقول: إذا ترك الـمضمضة أو الاستنشاق أو أذنه أو طائفة من رجله حتـى يدخـل فـي صلاته، فإنه ينفتل ويتوضأ، ويعيد صلاته.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن ما أقبل من الأذنـين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس:

٩٠١٨ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا أشعث، عن الشعبـيّ، قال: ما أقبل من الأذنـين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: ثنـي شعبة، عن الـحكم وحماد، عن الشعبـي فـي الأذنـين: بـاطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن الشعبـي، قال: مقدّم الأذنـين من الوجه، ومؤخرهما من الرأس.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم وحماد، عن الشعبـي بـمثله، إلاّ أنه قال: بـاطن الأذنـين.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، عن الشعبـي بـمثله، إلاّ أنه قال: بـاطن الأذنـين.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، عن الشعبـي، بـمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: بـاطن الأذنـين من الوجه، وظاهرهما من الرأس.

٩٠١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة. ح، وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قالا جميعا: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن طلـحة بن يزيد بن ركانة، عن عبـيد اللّه الـخولانـي، عن ابن عبـاس قال: قال علـيّ بن أبـي طالب: ألا أتوضأ لكم وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: قلنا: نعم. فتوضأ، فلـما غسل وجهه، ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنـيه، قال: ثم لـما مسح برأسه مسح أذنـيه من ظهورهما.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندنا قول من قال: الوجه الذي أمر اللّه جلّ ذكره بغسله القائم إلـى صلاته: كلّ ما انـحدر عن منابت شعر الرأس إلـى منقطع الذقن طولاً، وما بـين الأذنـين عرضا مـما هو ظاهر لعين الناظر، دون ما بطن من الفم والأنف والعين، ودون ما غطاه شعر اللـحية والعارضين والشاربـين فستره عن أبصار الناظرين، ودون الأذنـين.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب وإن كان ما تـحت شعر اللـحية والشاربـين قد كان وجها يجب غسله قبل نبـات الشعر الساتر عن أعين الناظرين علـى القائم إلـى صلاته، لإجماع جميعهم علـى أن العينـين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم علـى ذلك مـجمعون علـى أن غسل ما علاهما من أجفـانهما دون إيصال الـماء إلـى ما تـحت الأجفـان منهما مـجزىء فإذا كان ذلك منهم إجماعا بتوقـيف الرسول صلى اللّه عليه وسلم أمته علـى ذلك، فنظير ذلك كلّ ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نفس خـلقة ساتره لا يصل الـماء إلـيه إلاّ بكلفة ومؤنة وعلاج، قـياسا لـما ذكرنا من حكم العينـين فـي ذلك. فإذا كان ذلك كذلك، فلا شكّ أن مثل العينـين فـي مؤنة إيصال الـماء إلـيهما عند الوضوء ما بطن من الأنف والفم وشعر اللـحية والصدغين والشاربـين، لأن كل ذلك لا يصل الـماء إلـيه إلاّ بعلاج لإيصال الـماء إلـيه نـحو كلفة علاج الـحدقتـين لإيصال الـماء إلـيهما أو أشدّ. وإذا كان ذلك كذلك، كان بـيّنا أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تـحت منابت شعر اللـحية والعارضين والشاربـين وما بطن من الأنف والفم، إنـما كان إيثارا منه لأشقّ الأمرين علـيه من غسل ذلك وترك غسله، كما آثر ابن عمر غسل ما تـحت أجفـان العينـين بـالـماء بصبه الـماء فـي ذلك، لا علـى أن ذلك كان علـيه عنده فرضا واجبـا. فأما من ظنّ أن ذلك من فعلهم كان علـى وجه الإيجاب والفرض، فإنه خالف فـي ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبـيـل القـياس، لأن القـياس هو ما وصفنا من تـمثـيـل الـمختلف فـيه من ذلك بـالأصل الـمـجمع علـيه من حكم العينـين، وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أوجب علـى تارك إيصال الـماء فـي وضوئه إلـى أصول شعر لـحيته وعارضيه، وتارك الـمضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلّـى بطهره ذلك، ففـي ذلك أوضح الدلـيـل علـى صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثارا منهم لأفضل الفعلـين من الترك والغسل.

فإن ظنّ ظانّ أن فـي الأخبـار التـي رويت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال: (إذَا تَوَضّأ أحَدُكُمْ فَلْـيَسْتَنْثِرْ) دلـيلاً علـى وجوب الاستنثار، فإن فـي إجماع الـحجة علـى أن ذلك غير فرض يجب علـى من تركه إعادة الصلاة التـي صلاها قبل غسله، ما يغنـي عن إكثار القول فـيهوأما الأذنان فإن فـي إجماع جميعهم علـى أن ترك غسلهما أو غسل ما أقبل منهما علـى الوجه، غير مفسد صلاة من صلّـى بطهره الذي ترك فـيه غسلهما، مع إجماعهم جميعا علـى أنه لو ترك غسل شيء مـما يجب علـيه غسله من وجهه فـي وضوئه أن صلاته لا تـجزئه بطهوره ذلك، ما ينبىء عن القول فـي ذلك مـما قاله أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي ذكرنا قولهم إنهما لـيسا من الوجه دون ما قاله الشعبـي.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمرافق، هل هي من الـيد الواجب غسلها أم لا؟ بعد إجماع جميعهم علـى أن غسل الـيد إلـيها واجب. فقال مالك بن أنس وسئل عن قول اللّه : فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ: أترى أن يخـلف الـمرفقـين فـي الوضوء؟ قال: الذي أمر به أن يُبلغ (الـمرفقـين)، قال تبـارك وتعالـى: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فذهب هذا يغسل خـلفه فقـيـل له: فإنـما يغسل إلـى الـمرفقـين والكعبـين لا يجاوزهما؟ فقال: لا أدري ما لا يجاوزهما أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا: إلـى الـمرفقـين والكعبـين. حدثنا يونس، عن أشهب عنه

وقال الشافعي: لـم أعلـم مخالفـا فـي أن الـمرافق فـيـما يغسل كأنه يذهب إلـى أن معناها: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى أن تغسل الـمَرَافِقِ. حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وقال آخرون: إنـما أوجب اللّه بقوله: وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ غسل الـيدين إلـى الـمرافق، فـالـمرفقان غاية لـما أوجب اللّه غسله من آخر الـيد، والغاية غير داخـلة فـي الـحدّ، كما غير داخـل اللـيـل فـيـما أوجب اللّه تعالـى علـى عبـاده من الصوم بقوله: ثُمّ أتِـمّوا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ لأن اللـيـل غاية لصوم الصائم، إذا بلغه فقد قضى ما علـيه.

قالوا: فكذلك الـمرافق فـي قوله: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ غاية لـما أوجب اللّه غسله من الـيد. وهذا قول زفر بن الهذيـل.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا: أن غسل الـيدين إلـى الـمرفقـين من الفرض الذي إن تركه أو شيئا منه تارك، لـم تَـجزه الصلاة مع تركه غسله. فأما الـمرفقان وما وراءهما، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إلـيه صلى اللّه عليه وسلم أمته بقوله:

(أُمّتـي الغُرّ الـمُـحَجّلُونَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيـلَ غُرّتَهُ فَلْـيَفْعَلْ) فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما، لـما قد بـينا قبل فـيـما مضى من أن لك غاية حدت ب (إلـى) فقد فقد تـحتـمل فـي كلام العرب دخول الغاية فـي الـحدّ وخروجها منه. وإذا احتـمل الكلام ذلك لـم يجز لأحد القضاء بأنها داخـلة فـيه، إلاّ لـمن لا يجوّز خلافه فـيـما بـين وحكم، ولا حكم بأن الـمرافق داخـلة فـيـما يجب غسله عندنا مـمن يجب التسلـيـم بحكمه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ.

اختلف أهل التأويـل فـي صفة الـمسح الذي أمر اللّه به بقوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ

فقال بعضهم: وامسحوا بـما بدا لكم أن تـمسحوا به من روؤسكم بـالـماء إذا قمتـم إلـى الصلاة. ذكر من قال ذلك:

٩٠٢٠ـ حدثنا نصر بن علـيّ الـجهضمي، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عيسى بن حفص، قال: ذكر عند القاسم بن مـحمد مسح الرأس،

فقال: يا نافع كيف كان ابن عمر يـمسح؟ فقال: مسحة واحدة. ووصف أنه مسح مقدّم رأسه إلـى وجهه. فقال القاسم: ابن عمر أفقهنا وأعلـما.

٩٠٢١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد،

يقول: أخبرنـي نافع أن ابن عمر كان إذا توضأ ردّ كفـيه إلـى الـماء ووضعهما فـيه، ثم مسح بـيديه مقدّم رأسه.

٩٠٢٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكير، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع: أن ابن عمر كان يضع بطن كفـيه علـى الـماء ثم لا ينفضهما ثم يـمسح بهما ما بـين قرنـيه إلـى الـجبـين واحدة، ثم لا يزيد علـيها فـي كلّ ذلك مسحة واحدة، مقبلة من الـجبـين إلـى القرن.

حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا شريك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه.

٩٠٢٣ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الأعلـى الثعلبـيّ، عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، قال: يجزيك أن تـمسح مقدّم رأسك إذا كنت معتـمرا، وكذلك تفعل الـمرأة.

٩٠٢٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد اللّه الأشجعي، عن سفـيان، عن ابن عجلان، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر مسح بـيافوخه مسحة

وقال سفـيان: إن مسح شعرة أجزأه يعنـي واحدة.

٩٠٢٥ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، قال: أيّ جوانب رأسك مسست الـماء أجزأك.

٩٠٢٦ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا علـيّ بن ظبـيان، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـيّ، مثله.

حدثنا الرفـاعي، قال: حدثنا وكيع، عن إسماعيـل الأزرق، عن الشعبـيّ، مثله.

٩٠٢٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يـمسح رأسه هكذا، فوضع أيوب كفه وسط رأسه، ثم أمرّها علـى مقدّم رأسه.

٩٠٢٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يزيد بن الـحبـاب، عن سفـيان، قال: إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه.

٩٠٢٩ـ حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لأبـي عمرو: ما يجزىء من مسح الرأس؟ قال: أن تـمسح مقدم رأسك إلـى القـفـا أحبّ إلـيّ.

حدثنـي العبـاس بن الولـيد، عن أبـيه، عنه، نـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: فـامسحوا بجميع رءوسكم.

قالوا: إن لـم يـمسح بجميع رأسه بـالـماء لـم تـجزه الصلاة بوضوئه ذلك. ذكر من قال ذلك:

٩٠٣٠ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا أشهب، قال: قال مالك: من مسح بعض رأسه ولـم يعمّ أعاد الصلاة بـمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه

قال: وسئل مالك عن مسح الرأس، قال: يبدأ من مقدّم وجهه، فـيدير يديه إلـى قـفـاه، ثم يردّهما إلـى حيث بدأ منه.

وقال آخرون: لا يجزىء مسح الرأس بأقلّ من ثلاث أصابع، وهذا قول أبـي حنـيفة وأبـي يوسف ومـحمد.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن اللّه جل ثناؤه أمر بـالـمسح برأسه القائم إلـى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولـم يحدّ ذلك بحدّ لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك، فما مسح به الـمتوضىء من رأسه فـاستـحقّ بـمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدّى ما فرض اللّه علـيه من مسح ذلك لدخوله فـيـما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلـى صلاته.

فإن قال لنا قائل: فإن اللّه قد قال فـي التـيـمـم: فـامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ أفـيجزىء الـمسح ببعض الوجه والـيدين فـي التـيـمـم؟

قـيـل له: كلّ ما مسح من ذلك بـالتراب فـيـما تنازعت فـيه العلـماء،

فقال بعضهم: يجزيه ذلك من التـيـمـم، .

وقال بعضهم: لا يجزئه، فهو مـجزئه، لدخوله فـي أسم الـماسحين به. وما كان من ذلك مـجمعا علـى أنه غير مـجزئه، فمسلـم لـما جاءت به الـحجة نقلا عن نبـيها صلى اللّه عليه وسلم، ولا حجة لأحد علـينا فـي ذلك إذ كان من قولنا: إن ما جاء فـي آي الكتاب عاما فـي معنى فـالواجب الـحكم به علـى عمومه حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له، فإذا خصّ منه منه شيء كان ما خصّ منه خارجا من ظاهره، وحكم سائره علـى العموم. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بذلك فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. والرأس الذي أمر اللّه جلّ وعزّ بـالـمسح بقوله به: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلـى القـفـا مـما استدبر، ودون ما انـحدر عن ذلك مـما استقبل من قِبَل وجهه إلـى الـجبهة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرّاء الـحجاز والعراق: وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ نصبـا. فتأويـله: إذا قمتـم إلـى الصلاة، فـاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلـى الـمرافق، وأرجُلَكم إلـى الكعبـين، وامسحوا برءوسكم. وإذا قرىء كذلك كان من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، وتكون (الأرجل) منصوبة، عطفـا علـى (الأيدي). وتأوّل قارئو ذلك كذلك، أن اللّه جل ثناؤه إنـما أمر عبـاده بغسل الأرجل دون الـمسح بها.

ذكر من قال: عنى اللّه بقوله: وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ الغسل:

٩٠٣١ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا خالد الـحذاء، عن أبـي قلابة: أن رجلاً صلـى وعلـى ظهر قدمه موضع ظُفُر، فلـما قضى صلاته، قال له عمر: أعد وضوءك وصلاتك.

٩٠٣٢ـ حدثنا حميد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا إسرائيـل، قال: حدثنا عبد اللّه بن حسن، قال: حدثنا هزيـل بن شرحبـيـل، عن ابن مسعود، قال: خـلّلوا الأصابع بـالـماء لا تـخـلّلها النارُ.

٩٠٣٣ـ حدثنا عبد اللّه بن الصبـاح العطار، قال: حدثنا حفص بن عمر الـحوضي، قال: حدثنا مرجى، يعنـي ابن رجاء الـيشكري، قال: حدثنا أبو روح عمارة بن أبـي حفصة، عن الـمغيرة بن حنـين: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً يتوضأ وهو يغسل رجلـيه،

فقال: (بهذا أُمِرْت).

٩٠٣٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن واقد مولـى زيد بن خـلـيدة، قال: سمعت مصعب بن سعيد،

يقول: رأى عمر بن الـخطاب قوما يتوضئون،

فقال: خَـلّلوا.

٩٠٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى، قال: سمعت القاسم، قال: كان ابن عمر يخـلع خفـيه، ثم يتوضأ فـيغسل رجلـيه، ثم يخـلّل أصابعه.

٩٠٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الزبـير بن عديّ، عن إبراهيـم، قال: قلت للأسود: رأيت عمر يغسل قدميه غَسْلاً؟ قال: نعم.

٩٠٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا مـحمد بن مسلـم، عن إبراهيـم بن ميسرة، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لابن أبـي سويد: بلغنا عن ثلاثة كلهم رأوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يغسل قدميه غسلاً، أدناهم ابن عمك الـمغيرة.

٩٠٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الصبـاح، عن مـحمد، وهو ابن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال: اغسلوا الأقدام إلـى الكعبـين.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن خالد، عن أبـي قلابة: أن عمر بن الـخطاب رأى رجلاً قد ترك علـى ظهر قدمه مثل الظفر، فأمره أن يعيد وضوءه وصلاته.

٩٠٣٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن مـحمد بن إسحاق، عن شيبة بن نصاح، قال: صحبت القاسم بن مـحمد إلـى مكة، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخـل أصابع رجلـيه يصبّ علـيها الـماء، قلت: يا أبـا مـحمد، لـم تصنع هذا؟ قال: رأيت ابن عمر يصنعه.

٩٠٤٠ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن حماد، عن إبراهيـم فـي قوله: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ قال: عاد الأمر إلـى الغسل.

٩٠٤١ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا أبـي، عن حفص الغاضري، عن عامر بن كلـيب، عن أبـي عبد الرحمن، قال: قرأ علـيّ الـحسن والـحسين رضوان اللّه علـيهما، فقرءا: وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ فسمع علـيّ رضي اللّه عنه ذلك، وكان يقضي بـين الناس،

فقال: (وأَرْجُلَكُمْ)، هذا من الـمقدّم والـمؤخر من الكلام.

٩٠٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الرهاب بن عبد الأعلـى، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أنه قرأها: فـامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ بـالنصب، وقال: عاد الأمر إلـى الغسل.

٩٠٤٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبـيه أنه قرأها: وأرْجُلَكُمْ وقال: عاد الأمر إلـى الغسل.

٩٠٤٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن قـيس، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد اللّه : أنه كان يقرأ: وأرْجُلَكُمْ بـالنصب.

٩٠٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ فـ

يقول: اغسلوا وجوهكم، واغسلوا أرجلكم، وامسحوا برءوسكم فهذا من التقديـم والتأخير.

٩٠٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين بن علـيّ، عن شيبـان، قال: أَثْبِتْ لـي عن علـيّ أنه قرأ: وأرْجُلَكم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه: وأرْجُلَكُمْ رجع الأمر إلـى الغسل.

٩٠٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خالد، عن عكرمة، مثله.

٩٠٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: وأرْجُلَكُمْ فـيغسلون.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال: اغسل القدمين إلـى الكعبـين.

٩٠٤٩ـ حدثنـي عبد اللّه بن مـحمد الزهري، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن أبـي السوداء، عن ابن عبد خير، عن أبـيه، قال: رأيت علـيّا توضأ، فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أنـي رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعل ذلك، ظنت أن بطن القدم أحقّ من ظاهرها.

٩٠٥٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا عبد الـملك، عن عطاء، قال: لـم أر أحدا يـمسح علـى القدمين.

٩٠٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي الـحجاج بن الـمنهار، قال: حدثنا حماد، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد أنه قرأ: وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ فنصبها، وقال: رجع إلـى الغسل.

٩٠٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: سمعت الأعمش يقرأ: وأرْجُلَكُمْ بـالنصب.

٩٠٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك عن قول اللّه : وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ أهي (أرجلِكم) أو (أرجلَكم)؟ فقال: إنـما هو الغسل ولـيس بـالـمسح، لا تـمسح الأرجل، إنـما تغسل.

قـيـل له: أفرأيت من مسح أيجزيه ذلك؟ قال: لا.

٩٠٥٤ـ حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سلـمة، عن الضحاك : وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ قال: اغسلوها غسلاً.

وقرأ ذلك آخرون من قرّاء الـحجاز والعراق: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ) بخفض الأرجل. وتأوّل قارئو ذلك كذلك أن اللّه إنـما أمر عبـاده بـمسح الأرجل فـي الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفـا علـى الرأس، فخفضوها لذلك. ذكر من قال ذلك من أهل التأويـل:

٩٠٥٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مـحمد بن قـيس الـخراسانـي، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.

٩٠٥٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، عن حميد. ح، وحدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا حميد، قال: قال موسى بن أنس لأنس ونـحن عنده: يا أبـا حمزة إن الـحجاج خطبنا بـالأهواز ونـحن معه، فذكر الطهور،

فقال: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرْجُلَكم، وإنه لـيس شيء من ابن آدم أقرب إلـى خبثه من قدميه، فـاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقـيبهما). فقال أنس: صدق اللّه وكذب الـحجاج، قال اللّه : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.

٩٠٥٧ـ حدثنا ابن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا عاصم الأحول، عن أنس، قال: نزل القرآن بـالـمسح، والسنة الغَسل.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن موسى بن أنس، قال: خطب الـحجاج،

فقال: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجُلَكم، ظهورَهما وبطونَهما وعراقـيبهما، فإن ذلك أدنى إلـى خبثكم). قال أنس: صدق اللّه وكذب الـحجاج، قال اللّه : (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ).

٩٠٥٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا عبـيد اللّه العتكي، عن عكرمة، قال: لـيس علـى الرجلـين غسل، إنـما نزل فـيهما الـمسح.

٩٠٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن أبـي جعفر، قال: امسح علـى رأسك وقدميك.

٩٠٦٠ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، قال: نزل جبريـل بـالـمسح

قال: ثم قال الشعبـي: ألا ترى أن التـيـمـم أن يـمسح ما كان غسلاً ويـلغي ما كان مسحا؟

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: أُمر بـالتـيـمـم فـيـما أُمر به بـالغسل.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي، أنه قال: إنـما هو الـمسح علـى الرجلـين، ألا ترى أنه ما كان علـيه الغسل جعل علـيه الـمسح، وما كان علـيه الـمسح أهمل؟

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر أنه قال: أمر أن يـمسح فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل فـي الوضوء، وأبطل ما أمر أن يـمسح فـي الوضوء الرأس والرجلان.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن الشعبـيّ، قال: أمر أن يـمسح بـالصعيد فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل بـالـماء، وأهمل ما أمر أن يـمسح بـالـماء.

حدثنا ابن أبـي زياد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا إسماعيـل، قال: قلت لعامر: إن ناسا: يقولون: إن جبريـل صلى اللّه عليه وسلم نزل بغسل الرجلـين،

فقال: نزل جبريـل بـالـمسح.

٩٠٦١ـ حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن يونس، قال: ثنـي من صحب عكرمة إلـى واسط، قال: فما رأيته غسل رجلـيه، إنـما يـمسح علـيهما حتـى خرج منها.

٩٠٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:

(يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ) افترض اللّه غسلتـين ومسحتـين.

٩٠٦٣ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، عن علقمة أنه قرأ: (وأرْجُلِكُمْ) مخفوضة اللام.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، مثله.

٩٠٦٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو الـحسين العكلـي، عن عبد الوارث، عن حميد، عن مـجاهد أنه كان يقرأ: (وأرْجُلِكُمْ).

٩٠٦٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، قال: كان الشعبـيّ يقرأ: (وأرْجُلِكُمْ) بـالـخفض.

٩٠٦٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـحسن بن صالـح، عن غالب، عن أبـي جعفر، أنه قرأ: (وأرْجُلِكُمْ) بـالـخفض.

٩٠٦٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة، عن الضحاك ، أنه قرأ: (وأرْجُلِكُمْ) بـالكسر.

والصواب من القول عندنا فـي ذلك، أن اللّه أمر بعموم مسح الرجلـين بـالـماء فـي الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بـالتراب فـي التـيـمـم، وإذا فعل ذلك بهما الـمتوضيء كان مستـحقا اسم ماسح غاسل، لأن غسلهما إمرار الـماء علـيهما أو إصابتهما بـالـماء. ومسحهما: إمرار الـيد أو ما قام مقام الـيد علـيهما. فإذا فعل ذلك بهما فـاعل فهو غاسل ماسح، ولذلك من احتـمال الـمسح الـمعنـيـين اللذين وصفت من العموم والـخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والاَخر مسح بـالـجميع اختلفت قراءة القرّاء فـي قوله: وأرْجُلَكُمْ فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلـى أن الفرض فـيهما الغسل وإنكارا منه الـمسح علـيهما مع تظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعموم مسحهما بـالـماء، وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلـى أن الفرض فـيهما الـمسح. ولـما قلنا فـي تأويـل ذلك إنه معنـيّ به عموم مسح الرجلـين بـالـماء كره من كره للـمتوضىء الاجتزاء بإدخال رجلـيه فـي الـماء دون مسحهما بـيده، أو بـما قام مقام الـيد توجيها منه قوله: (وَامْسَحُوا برُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ) إلـى مسح جميعهما عاما بـالـيد، أو بـما قام مقام الـيد دون بعضهما مع غسلهما بـالـماء. كما:

٩٠٦٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر. وعن الأحول، عن طاوس: أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخـل رجلـيه فـي الـماء، قال: ما أعدّ ذلك طائلاً.

وأجاز ذلك من أجاز توجيهه منه إلـى أنه معنـيّ به الغسل. كما:

٩٠٦٩ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت هشاما يذكر عن الـحسن فـي الرجل يتوضأ فـي السفـينة، قال: لا بأس أن يغمس رجلـيه غمسا.

٩٠٧٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنـي أبو حرة، عن الـحسن فـي الرجل إذا توضأ علـى حرف السفـينة، قال: يخضخض قدميه فـي الـماء.

فإذا كان فـي الـمسح الـمعنـيان اللذان وصفنا من عموم الرجلـين بـالـماء، وخصوص بعضهما به، وكان صحيحا بـالأدلة الدالة التـي سنذكرها بعد أن مراد اللّه من مسحهما العموم، وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والـمسح فبـين صواب القراءتـين جميعا، أعنـي النصب فـي الأرجل والـخفض، لأن فـي عموم الرجلـين بـمسحهما بـالـماء غسلهما، وفـي إمرار الـيد وما قام مقام الـيد علـيهما مسحهما، فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبـا لـما فـي ذلك من معنى عمومهما بأمرار الـماء علـيهما. ووجه صواب قراءة من قرأه خفضا لـما فـي ذلك من إمرار الـيد علـيهما، أو ما قام مقام الـيد مسحا بهما. غير أن ذلك وإن كان كذلك وكانت القراءتان كلتاهما حسنا صوابـا، فأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضا لـما وصفت من جمع الـمسح الـمعنـيـين اللذين وصفت، ولأنه بعد قوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فـالعطف به علـى الرءوس مع قربه منه أولـى من العطف به علـى الأيدي، وقد حيـل بـينه وبـينها بقوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ.

فإن قال قائل: وما الدلـيـل علـى أن الـمراد بـالـمسح فـي الرجلـين العموم دون أن يكون خصوصا نظير قولك فـي الـمسح بـالرأس؟

قـيـل: الدلـيـل علـى ذلك تظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

(وَيْـلٌ للأَعْقابِ وَبُطُونِ الأقْدَامِ منَ النارِ)، ولو كان مسح بعض القدم مـجزيا عن عمومها بذلك لـما كان لها الويـل بترك ما ترك مسحه منها بـالـماء بعد أن يـمسح بعضها، لأن من أدّى فرض اللّه علـيه فـيـما لزمه غسله منها لـم يستـحقّ الويـل، بل يجب أن يكون له الثواب الـجزيـل، فوجوب الويـل لعقب تارك غسل عقبه فـي وضوئه، أوضح الدلـيـل علـى وجوب فرض العموم بـمسح جميع القدم بـالـماء، وصحة ما قلنا فـي ذلك وفساد ما خالفه. ذكر بعض الأخبـار الـمروية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـما ذكرنا:

٩٠٧١ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن مـحمد بن زياد، قال: كان أبو هريرة يـمرّ ونـحن نتوضأ من الـمَطْهَرة، فـ

يقول: أسبغوا الوضوء أسبغوا الوضوء قال أبو القاسم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه، إلا أنه قال: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، قال: كان أبو هريرة يـمرّ بأناس يتوضئون مسرعين الطهور، فـ

يقول: اسبغوا الوضوء فإنـي سمعت أبـا القاسم صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للْعَقِبِ مِنَ النّارِ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: ثنـي سلـيـمان بن بلال، قال: ثنـي سهيـل، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ يَوْمَ القِـيامَةِ).

حدثنـي إسحاق بن شاهين وإسماعيـل بن موسى قالا: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ)، وقال إسماعيـل فـي حديثه: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

٩٠٧٢ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا حسين الـمعلـم، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن سالـم الدوسي، قال: دخـلت مع عبد الرحمن بن أبـي بكر علـى عائشة، فدعا بوَضوء، فقالت عائشة: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عمر بن يونس الـحنفـي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير، قال: ثنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن، قال: ثنـي أبو سالـم مولـى الـمهدي، هكذا قال عمر بن يونس قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبـي بكر فـي جنازة سعد بن أبـي وقاص، قال: فمررت أنا وعبد الرحمن علـى حجرة عائشة أخت عبد الرحمن، فدعا عبد الرحمن بوضوء فسمعت عائشة تناديه: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا علـيّ بن الـمبـارك، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن سالـم مولـى دوس، قال: سمعت عائشة، تقول لأخيها عبد الرحمن: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنـي يعقوب وسوّار بن عبد اللّه ، قالا: حدثنا يحيى القطان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبـي سعيد عن أبـي سلـمة، أن عائشة رأت عبد الرحمن يتوضأ، فقالت: أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة ويحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبـي سعيد، عن أبـي سلـمة، قال: رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ، فقالت: أسبغ الوضوء، فإنس سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: أخبرنا أبو رواحة وعبد اللّه بن راشد، قالا: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو الأسود، أخبرنا عبد اللّه مولـى شدّاد بن الهاد، حدّثه أنه دخـل علـى عائشة زوج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وعندها عبد الرحمن، فتوضأ عبد الرحمن، ثم قام فأدبر، فنادته عائشة فقالت: يا عبد الرحمن فأقبل علـيها، فقالت له: إنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

٩٠٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: ثنـي أبو إسحاق، عن سعد أو سعيد بن أبـي كرب، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه

يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت ابن أبـي كرب، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه ، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للْعَقِبِ أو العَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنـي إسماعيـل بن مـحمود الـحجيري، قال: حدثنا خالد بن الـحرث، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت سعيدا

يقول: سمعت جابرا

يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الصبـاح بن مـحارب، عن مـحمد بن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: سمع أذنـي من النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الصبـاح بن مـحارب، عن مـحمد بن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: سمع أذنـي من النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ).

حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا الولـيد بن القاسم، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: أبصر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رجلاً يتوضأ، وبقـي من عقبه شيء،

فقال: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

حدثنـي علـيّ بن مسلـم، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان، عن جابر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رأى قوما يتوضئون لـم يصب أعقابهم الـماء،

فقال: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

٩٠٧٤ـ حدثنا أبو سفـيان الغنوي يزيد بن عمرو، قال: حدثنا خـلف بن الولـيد، قال: ثنـي أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، عن معيقـيب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ).

٩٠٧٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوما يتوضئون، فرأى أعقابهم تلوح،

فقال: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى الأعرج، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: أبصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوما يتوضئون لـم يتـموا الوضوء،

فقال: (أسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ أو الأعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن رجل من أهل مكة، عن عبد اللّه بن عمرو، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى قوما يتوضئون، فلـم يتـموا الوضوء،

فقال: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى، عن عبد اللّه بن عمرو، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح،

فقال: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ).

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن منصور، عن هلال، عن أبـي يحيى مولـى عبد اللّه بن عمرو، قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـين مكة والـمدينة، فسبقنا ناس فتوضئوا، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فرأى أقدامهم بـيضا من أثر الوضوء،

فقال: (وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ).

٩٠٧٦ـ حدثنـي علـيّ بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن مطرّح بن يزيد، عن عبـيد اللّه بن زَحر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أمامة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ) قال: فما بقـي فـي الـمسجد شريف ولا وضيع إلا نظرت إلـيه يقلب عرقوبـيه ينظر إلـيهما.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسين، عن زائدة، عن لـيث، قال: ثنـي عبد الرحمن بن سابط، عن أبـي أمامة، أو أخي أبـي أمامة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبصر أقواما يتوضئون، وفـي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو موضع الظفر، لـم يـمسه الـماء،

فقال: (وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النّارِ) قال: فجعل الرجل إذا رأى فـي عقبه شيئا لـم يصبه الـماء أعاد وضوءه.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:

٩٠٧٧ـ حدّثكم به مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن يعلـى بن عطاء، عن أبـيه، عن أوس بن أبـي أوس، قال: (رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توضأ ومسح علـى نعلـيه، ثم قام فصلـى).

٩٠٧٨ـ وما حدّثك به عبد اللّه بن الـحجاج بن الـمنهال، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة، قال: (أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبـاطة قوم، فبـال علـيها قائما، ثم دعا بـماء فتوضأ ومسح علـى نعلـيه).

وما حدّثك به الـحرث، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا يعلـى بن عطاء، عن أبـيه، عن أوس بن أبـي أوس قال: (رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتـى سبـاطة قوم، فتوضأ ومسح علـى قدميه).

وما أشبه ذلك من الأخبـار الدالة علـى أن الـمسح ببعض الرجلـين فـي الوضوء مـجزىء؟

قـيـل له: أما حديث أوس بن أبـي أوس فإنه لا دلالة فـيه علـى صحة ذلك، إذ لـم يكن فـي الـخبر الذي رُوِى عنه ذكر أنه رأى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم توضأ بعد حدث يوجب علـيه الوضوء لصلاته، فمسح علـى نعلـيه، أو علـى قدميه، وجائز أن يكون مسحه علـى قدميه الذي ذكره أوس كان فـي وضوء توضأه من غير حدث كان منه، وجب علـيه من أجله تـجديد وضوئه، لأن الرواية عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا توضأ لغير حدث، كذلك يفعل. يدلّ علـى ذلك ما:

٩٠٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أبو مالك الـجنبـي، عن مسلـم، عن حبة العرنـي، قال: رأيت علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه شرب فـي الرحبة قائما، ثم توضأ ومسح علـى نعلـيه، وقال: هذا وضوء من لـم يحدث، هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صنع.

فقد أنبأ هذا الـخبر عن صحة ما قلنا فـي معنى حديث أوس.

فإن قال: فإن حديث أوس، وإن كان مـحتـملاً من الـمعنى ما قلت، فإنه مـحتـمل أيضا ما قاله من قال: إنه معنـيّ به الـمسح علـى النعلـين أو القدمين فـي وضوء توضأه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من حدث؟

قـيـل: أحسن حالات الـخبر، ما احتـمل ما قلت، إن سلـم له ما ادّعى من احتـماله ما ذكر من الـمسح علـى القدم أو النعل بعد الـحدث وإن كان ذلك غير مـحتـمله عندنا، إذ كان غير جائز أن تكون فرائض اللّه وسنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متنافـية متعارضة، وقد صحّ عنه صلى اللّه عليه وسلم الأمر بعموم غسل القدمين فـي الوضوء بـالـماء بـالنقل الـمستفـيض القاطع عذر من انتهى إلـيه وبلغه. وإذا كان ذلك عنه صحيحا، فغير جائز أن يكون صحيحا عنه إبـاحة ترك غسل بعض ما قد أوجب فرضا غسله فـي حال واحدة ووقت واحد، لأن ذلك إيجاب فرض وإبطاله فـي حال واحدة، وذلك عن أحكام اللّه وأحكام رسوله صلى اللّه عليه وسلم منتف. غير أنا إذا سلـمنا لـمن ادّعى فـي حديث أوس ما ادّعى من احتـماله مسح النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم علـى قدمه فـي حال وضوء من حدث، ففـيه نبأ بـالفلْـج علـيه، فإنه لا حجة له فـي ذلك. قلنا: فإذا كان مـحتـملاً ما ادّعيت، أفمـحتـمل هو ما قلناه إن ذلك كان من النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي حال وضوئه لا من حدث.

فإن قال: لا، ثبتت مكابرته لأنه لا بـيان فـي خبر أوس أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فعل ذلك فـي وضوء من حدث، وإن قال: بل هو مـحتـمل ما قلت ومـحتـمل ما قلنا

قـيـل له: فما البرهان علـى أن تأويـلك الذي ادّعيت فـيه أولـى به من تأويـلنا؟ فلن يدّعي برهانا علـى صحة دعواه فـي ذلك إلا عورض بـمثله فـي خلاف دعواهوأما حديث حذيفة، فإن الثقات الـحفـاظ من أصحاب الأعمش، حدّثوا به عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أتـى سبـاطة قوم، فبـال قائما، ثم توضأ ومسح علـى خفـيه.

حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبـيّ، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقـيق، عن حذيفة (ح). وحدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـي، قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن شقـيق، عن حذيفة (ح). وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة.

وكلّ هؤلاء يحدّث ذلك عن الأعمش، بـالإسناد الذي ذكرنا عن حذيفة أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مسح علـى خفـيه، وهم أصحاب الأعمش. ولـم يَنقل هذا الـحديث عن الأعمش، غير جرير بن حازم، ولو لـم يخالفه فـي ذلك مخالف لوجب التثبت فـيه لشذوذه، فكيف والثقات من أصحاب الأعمش يخالفونه فـي روايته ما روى من ذلك؟ ولو صحّ ذلك عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان جائزا أن يكون مسح علـى نعلـيه وهما ملبوستان فوق الـجوربـين، وإذا جاز ذلك لـم يكن لأحد صرف الـخبر إلـى أحد الـمعانـي الـمـحتـملها الـخبر إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلـى الكَعْبَـيْنِ.

واختلف أهل التأويـل فـي الكعب، فقال بعضهم بـما:

٩٠٨٠ـ حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاريّ، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا القاسم بن الفضل الـحُدّانـي، قال: قال أبو جعفر: أين الكعبـان؟ فقال: القوم ههنا،

فقال: هذا رأس الساق، ولكن الكعبـين هما عند الـمفصل.

٩٠٨١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: قال مالك: الكعب الذي يجب الوضوء إلـيه، هو الكعب الـملتصق بـالساق الـمـحاذي العقب، ولـيس بـالظاهر فـي ظاهر القدم.

وقال آخرون بـما:

٩٠٨٢ـ حدثنا الربـيع، قال: قال الشافعي: لـم أعلـم مخالفـا فـي أن الكعبـين اللذين ذكرهما اللّه فـي كتابه فـي الوضوء هما الناتئان وهما مـجمع فصل الساق والقدم.

والصواب من القول فـي ذلك أن الكعبـين هما العظمان اللذان فـي مفصل الساق والقدم تسميهما العرب الـمِنْـجَمين. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب

يقول: هما عظما الساق فـي طرفها.

واختلف أهل العلـم فـي وجوب غسلهما فـي الوضوء وفـي الـحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بـالغسل إلـيه من الرجلـين نـحو اختلافهم فـي وجوب غسل الـمرفقـين، وفـي الـحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بـالغسل إلـيه من الـيدين. وقد ذكرنا ذلك ودللنا علـى الصحيح من القول فـيه بعلله فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطّهَرُوا.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا: وإن كنتـم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلـى صلاتكم فقمتـم إلـيها فـاطهروا،

يقول: فتطهروا بـالاغتسال منها قبل دخولكم فـي صلاتكم التـي قمتـم إلـيها. ووحد الـجنب وهو خبر عن الـجميع، لأنه اسم خرج مخرج الفعل، كما

قـيـل: رجل عَدْل وقوم عَدْل، ورجل زَوْر وقوم زَوْر، وما أشبه ذلك لفظ الواحد والـجميع والاثنـين والذكر الأنثى فـيه واحد، يقال منه: أجْنَب الرجل وجَنُبَ واجْتَنَبَ والفعل الـجنابة والإجناب، وقد سمع فـي جمعه أجناب، ولـيس ذلك بـالـمستفـيض الفـاشي فـي كلام العرب، بل الفصيح من كلامهم ما جاء به القرآن.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ كُنْتُـمْ مَرْضَى أوْ علـى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُـمُ النّساءَ.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإن كنتـم جرحى أو مـجدرين وأنتـم جنب، وقد بـينا أن ذلك كذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادتهوأما قوله: أوْ علـى سَفَرٍ فإنه

يقول: وإن كنتـم مسافرين وأنتـم جنب أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ

يقول: أو جاء أحدكم من الغائط بعد قضاء حاجته فـيه وهو مسافر وإنـما عنى بذكر مـجيئه منه قضاء حاجته فـيه. أوْ لامَسْتُـمُ النّساءَ

يقول: أو جامعتـم النساء وأنتـم مسافرون. وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيـما مضى قبل فـي اللـمس وبـينا أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.

فإن قال قائل: وما وجه تكرير قوله: أوْ لامَسْتُـمُ النّساءَ إن كان معنى اللـمس الـجماع، وقد مضى ذكر الواجب علـيه بقوله: وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطّهَرُوا؟

قـيـل: وجه تكرير ذلك أن الـمعنى الذي ذكره تعالـى من فرضه بقوله: وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطّهَرُوا غير الـمعنى الذي ألزمه بقوله: أوْ لامَسْتُـمُ النّساءَ وذلك أنه بـين حكمه فـي قوله: وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطّهَرُوا إذا كان له السبـيـل إلـى الـماء الذي يطهره فرض علـيه الاغتسال به ثم بـين حكمه إذا أعوزه الـماء فلـم يجد إلـيه السبـيـل وهو مسافر غير مريض مقـيـم، فأعلـمه أن التـيـمـم بـالصعيد له حينئذ الطهور.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمْ تَـجِدُوا ماءً فَتَـيَـمّـمُوا صَعِيدا طَيّبـا فـامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: فَلَـمْ تَـجِدُوا ماءً فَتَـيَـمّـمُوا صَعِيدا طَيّبـا فإن لـم تـجدوا أيها الـمؤمنون إذا قمتـم إلـى الصلاة وأنتـم مرضى مقـيـمون، أو علـى سفر أصحاء، أو قد جاء أحد منكم من قضاء حاجته، أو جامع أهله فـي سفره ماء فتـيـمـموا صعيدا طيبـا،

يقول: فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض طيبـا، يعنـي طاهرا نظيفـا غير قذر ولا نـجس، جائزا لكم حلالاً. فـامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ

يقول: فـاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تـيـمـمتـموه وتعمدتـموه بأيديكم، فـامسحوا بوجوهكم وأيديكم مـما علق بأيديكم منه، يعنـي: من الصعيد الذي ضربتـموه بأيديكم من ترابه وغبـاره. وقد بـينا فـيـما مضى كيفـية الـمسح بـالوجوه والأيدي منه واختلاف الـمختلفـين فـي ذلك والقول فـي معنى الصعيد والتـيـمـم، ودللنا علـى الصحيح من كل القول فـي ذلك بـما أغنى عن تكريره فـي هذا الـموضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ما يُرِيدُ اللّه لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: ما يُرِيدُ اللّه لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ما يريد اللّه بـما فرض علـيكم من الوضوء إذا قمتـم إلـى صلاتكم، والغسل من جنابتكم والتـيـمـم صعيدا طيبـا عند عدمكم الـماء، لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ لـيـلزمكم فـي دينكم من ضيق، ولا لـيعنتكم فـيه. وبـما قلنا فـي معنى الـحرج،

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٠٨٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن خالد بن دينار، عن أبـي العالـية، وعن أبـي مكين، عن عكرمة فـي قوله: مِنْ حَرَجٍ قالا: من ضيق.

٩٠٨٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ حَرَجٍ: من ضيق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِـيُطَهّرَكُمْ ولِـيُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَلَكنْ يُرِيدُ لـيُطَهّرَكُمْ: ولكن اللّه يريد أن يطهركم بـما فرض علـيكم من الوضوء من الأحداث والغسل من الـجنابة، والتـيـمـم عند عدم الـماء، فتنظّفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب. كما:

٩٠٨٥ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ الوُضُوءَ يُكَفّرُ ما قَبْلَهُ، ثم تَصِيرُ الصّلاة نَافِلة)

قال: قلت: أنت سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم، لا مرّة، ولا مرّتـين، ولا ثلاثَ، ولا أربَع، ولا خمس.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثنـي أبـي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة صديّ بن عجلان، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه.

٩٠٨٦ـ حدثنا أبو كريب، ومـحمد بن الـمثنى ويحيى بن داود الواسطي،

قالوا: حدثنا إبراهيـم بن يزيد يَزرانبِه القرشيّ، قال: أخبرنا رقبة بن مصقلة العبديّ، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ تَوَضّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمّ قامَ إلـى الصّلاةِ، خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَـيْهِ).

٩٠٨٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن منصور عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن كعب بن مرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضّأُ فَـيَغْسِلُ وَجْهَهُ إلاّ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رأسِهِ، وَإذَا غَسَلَ رِجْلَـيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رِجْلَـيْهِ).

٩٠٨٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا حاتـم، عن مـحمد بن عجلان، عن أبـي عبـيد مولـى سلـيـمان بن عبد الـملك، عن عمرو بن عبسة، أنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول:

(إذَا غَسَلَ الـمُؤْمِنُ كَفّـيْهِ انْتَثَرَتِ الـخَطايا مِنْ كَفّـيْهِ، وإذَا تَـمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ فِـيهِ وَمِنْـخَرَيْهِ، وَإذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ حتـى تَـخْرُجَ مِنْ أشْفـارِ عَيْنَـيْهِ، فإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ وأُذُنَـيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رأسِهِ وأذنَـيْهِ، فإذَا غَسَلَ رِجْلَـيْهِ خَرَجَتْ حتـى تَـخْرُجَ مِنْ أظْفـارِ قَدَمَيْهِ، فإذَا انْتَهَى إلـى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كانَ ذَلِكَ حَظّهُ مِنْهُ، فإنْ قامَ فَصَلّـى رَكْعَتَـيْنِ مُقْبِلاً فِـيهِما بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ علـى رَبّهِ كانَ مِنـح خَطاياهُ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ).

٩٠٨٩ـ حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي مالك بن أنس، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (إذا توضأ العَبْدُ الـمُسْلِـمُ أوِ الـمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَـيْها بعَيْنَـيْهِ مَعَ الـمَاءِ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الـمَاءِ، أوْ نَـحْوِ هَذَا. وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلّ خَطِيئَةٍ بِها يَدَاهُ مَعَ الـمَاءِ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الـمَاءِ، حتـى يَخْرُجَ نَقِـيّا مِنَ الذّنُوبِ).

٩٠٩٠ـ حدثنا عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا علـيّ بن عياش، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زيد بن أسلـم، عن حُمران مولـى عثمان، قال: أتـيبت عثمان بن عفـان بوَضوء وهو قاعد، فتوضأ ثلاثا ثلاثا، ثم قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ كوضوئي هذا، ثم قال: (مَنْ تَوّضّأ وُضُوئي هَذَا كانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ، وكانَتْ خُطاهُ إلـى الـمَساجِدِ نافِلَةً).

وقوله: وَلِـيُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ فإنه

يقول: ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فـيـما فرض علـيكم من الوضوء والغسل إذا قمتـم إلـى الصلاة بـالـماء إن وجدتـموه، وتـيـمـمكم إذا لـم تـجدوه، أن يتـمّ نعمته علـيكم بإبـاحته لكم التـيـمـم، وتصيـيره لكم الصعيد الطيب طهورا، رخصة منه لكم فـي ذلك مع سائر نعمه التـي أنعم بها علـيكم أيها الـمؤمنون لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ

يقول: تشكرون اللّه علـى نعمه التـي أنعمها علـيكم بطاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ ...}.

يعنـي جل ثناؤه بذلك: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ أيها الـمؤمنون بـالعقود التـي عقدتـموها لله علـى أنفسكم، واذكروا نعمته علـيكم فـي ذلكم، بأن هداكم من العقود لـما فـيه الرضا، ووفقكم لـما فـيه نـجاتكم من الضلالة والردى فـي نعم غيرها جمة. كما:

٩٠٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ قال: النعم: آلاء اللّه .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وأما قوله: وَمِيثاقَهُ الّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ فإنه يعنـي: واذكروا أيضا أيها الـمؤمنون فـي نعم اللّه التـي أنعم علـيكم ميثاقه الذي واثقكم به، وهو عهده الذي عاهدكم به.

واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي ذكر اللّه فـي هذه الاَية، أيّ مواثـيقه عنـي؟

فقال بعضهم: عنـي به ميثاق اللّه الذي واثق به الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حين بـايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى السمع والطاعة له فـيـما أحبوا وكرهوا، والعمل بكلّ ما أمرهم اللّه به ورسوله. ذكر من قال ذلك:

٩٠٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُـمْ سَمِعْنا وأطَعْنا... الاَية، يعنـي: حيث بعث اللّه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل علـيه الكتاب،

فقالوا: آمنا بـالنبـيّ وبـالكتاب، وأقررنا بـما فـي التوراة. فذكّرهم اللّه ميثاقه الذي أقرّوا به علـى أنفسهم، وأمرهم بـالوفـاء به.

٩٠٩٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُـمْ سَمِعْنا وأطَعْنا فإنه أخذ ميثاقنا، فقلنا سمعنا وأطعنا علـى الإيـمان والإقرار به وبرسوله.

وقال آخرون: بل عنى به جلّ ثناؤه: ميثاقه الذي أخذ علـى عبـاده حين أخرجهم من صلب آدم صلى اللّه عليه وسلم، وأشهدهم علـى أنفسهم: ألست بربكم؟

فقالوا: بلـى شهدنا. ذكر من قال ذلك:

٩٠٩٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَمِيثاقَهُ الّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ قال: الذي واثق به بنـي آدم فـي ظهر آدم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك: قول ابن عبـاس ، وهو أن معناه: واذكروا أيها الـمؤمنون نعمة اللّه علـيكم التـي أنعمها علـيكم بهدايته إياكم للإسلام وميثاقه الذي واثقكم به، يعنـي: وعهده الذي عاهدكم به حين بـايعتـم رسوله مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم علـى السمع والطاعة له فـي الـمنشط والـمكره، والعسر والـيسر، إذ قلتـم سمعنا ما قلت لنا، وأخذت علـينا من الـمواثـيق وأطعناك فـيـما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأنعم علـيكم أيضا بتوفـيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له سمعنا وأطعنا،

يقول: ففوا لله أيها الـمؤمنون بـميثاقه الذي واثقكم به، ونعمته التـي أنعم علـيكم فـي ذلك بإقراركم علـى أنفسكم بـالسمع له والطاعة فـيـما أمركم به، وفـيـما نهاكم عنه، يف لكم بـما ضمن لكم الوفـاء به إذا أنتـم وفـيتـم له بـميثاقه من إتـمام نعمته علـيكم، وبـادخالكم جنته وبـانعامكم بـالـخـلود فـي دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وألـيـم عذابه.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب من قول من قال: عنـي به الـميثاق الذي أخذ علـيهم فـي صلب آدم صلوات اللّه علـيه، لأن اللّه جل ثناؤه ذكر بعقب تذكرة الـمؤمنـين ميثاقه الذي واثق به أهل التوراة بعد ما أنزل كتابه علـى نبـيه موسى صلى اللّه عليه وسلم فـيـما أمرهم به ونهاهم فـيها،

فقال: وَلَقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنـي إِسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنـي عَشَرَ نَقِـيبـا... الاَيات بعدها، منبها بذلك أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مـحمد علـى مواضع حظوظهم من الوفـاء لله بـما عدهدهم علـيه، ومعرّفهم سوء عاقبة أهل الكتاب فـي تضيـيعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به فـي أمره ونهيه، وتعزير أنبـيائه ورسله، زاجرا لهم عن نكث عهودهم، فـيحلّ بهم ما أحلّ بـالناكثـين عهوده من أهل الكتاب قبلهم، فكان إذا كان الذي ذكّرهم فوعظهم به، ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إلـيهم، وإنزال الكتاب علـيهم واجبـا، أن يكون الـحال التـي أخذ فـيها الـميثاق والـموعوظين نظير حال الذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بـيّنا صحة ما قلنا فـي ذلك وفساد خلافه.

وأما قوله: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصدُورِ فإنه وعيد من اللّه جلّ اسمه للـمؤمنـين الذين أطافوا برسوله صلى اللّه عليه وسلم من أصحابه، وتهديدا لهم أن ينقضوا ميثاق اللّه الذي واثقهم به فـي رسله وعهدهم الذي عاهدوه فـيه، بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم. يقول لهم جلّ ثناؤه: واتقوا اللّه أيها الـمؤمنون، فخافوه أن تبدّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تـخالفوا ما ضمنتـم له بقولكم: سمعنا وأطعنا، بأن تضمروا له غير الوفـاء بذلك فـي أنفسكم، فإن اللّه مطلع علـى ضمائر صدوركم، وعالـم بـما تـخفـيه نفوسكم لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، فـيحلّ بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حلّ بـمن قبلكم من الـيهود من الـمسخ وصنوف النقم، وتصيروا فـي معادكم إلـى سخط اللّه وألـيـم عقابه.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ ... }.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بـاللّه وبرسوله مـحمد، لـيكن من أخلاقكم وصفـاتكم القـيام لله، شهداء بـالعدل فـي أولـيائكم وأعدائكم، ولا تـجوروا فـي أحكامكم وأفعالكم، فتـجاوزوا ما حددت لكم فـي أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصروا فـيـما حددت لكم من أحكامي وحدودي فـي أولـيائكم لولايتهم، ولكن انتهوا فـي جميعهم إلـى حدّي، واعملوا فـيه بأمري.

وأما قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَنآنُ قَوْمٍ علـى ألاّ تَعْدِلُوا فإنه

يقول: ولا يحملنكم عدواة قوم علـى ألا تعدلوا فـي حكمكم فـيهم وسيرتكم بـينهم، فتـجوروا علـيهم من أجل ما بـينكم وبـينهم من العداوة.

وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويـل فـي معنى قوله: كُونُوا قَوّامِينَ بـالقِسْطِ شُهَدَاءِ لِلّهِ وفـي قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ واختلاف الـمختلفـين فـي قراءة ذلك والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـيه والقراءة بـالأدلة الدالة علـى صحته بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وقد قـيـل: إن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين همت الـيهود بقتله. ذكر من قال ذلك:

٩٠٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير: يا أيُها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بـالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاّ تَعْدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَبُ للتّقْوَى نزلت فـي يهود خيبر، أرادوا قتل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

وقال ابن جريج: قال عبد اللّه بن كثـير: ذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى يهود يستعينهم فـي دية، فهموا أن يقتلوا، فذلك قوله: وَلا يَجِرْمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ علـى ألاّ تَعْدِلُوا... الاَية.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ للتّقْوَى وَاتّقُوا اللّه خَبِـيرٌ بِـما تَعْمَلُونَ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: اعْدِلُوا أيها الـمؤمنون علـى كلّ أحد من الناس ولـيّا لكم كان أو عدوّا، فـاحملوهم علـى ما أمرتـم أن تـحملوهم علـيه من أحكامي، ولا تـجوروا بأحد منهم عنه.

وأما قوله: هُوَ أقْربُ للتّقْوَى فإنه يعنـي بقوله: هو العدل علـيهم أقرب لكم أيها الـمؤمنون إلـى التقوى، يعنـي: إلـى أن تكونوا عند اللّه بـاستعمالكم إياه من أهل التقوى، وهم أهل الـخوف والـحذر من اللّه أن يخالفوه فـي شيء من أمره، أو يأتوا شيئا من معاصيه. وإنـما وصفه جل ثناؤه العدل بـما وصف به من أنه أقرب للتقوى من الـجور، لأن من كان عادلاً كان لله بعدله مطيعا، ومن كان لله مطيعا كان لا شكّ من أهل التقوى، ومن كان جائرا كان لله عاصيا، ومن كان لله عاصيا كان بعيدا من تقواه. وإنـما كنى بقوله: هُوَ أقْرَبُ عن الفعل، والعرب تكنـي عن الأفعال إذا كنَت عنها ب (هو) وب (ذلك)، كما قال جل ثناؤه فهو خَيْرٌ لَكُمْ وذلكم أزْكَى لَكُمْ ولـم لـم يكن فـي الكلام (هو) لكان أقرب (نصبـا)، ولقـيـل: اعدلوا أقربَ للتقوى، كما

قـيـل: انْتَهُوا خَيْرا لَكُمْ.

وأما قوله: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ فإنه يعنـي: واحذروا أيها الـمؤمنون أن تـجوروا فـي عبـاده، فتـجاوزوا فـيهم حكمه وقضاءه الذين بـين لكم، فـيحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا منه ألـيـم نكاله. إنّ اللّه خَبِـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ

يقول: إن اللّه ذو خبرة وعلـم بـما تعملون أيها الـمؤمنون فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه من عمل به أو خلاف له، مُـحْصٍ ذلكم علـيكم كله، حتـى يجازيكم به جزاءكم الـمـحسن منكم بإحسانه، والـمسيء بـاساءته، فـاتقوا أن تسيئوا.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِـحاتِ وعد اللّه أيها الناس الذين صدّقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بـما جاءهم به من عند ربهم، وعملوا بـما واثقهم اللّه به، وأوفّوا بـالعقود التـي عاقدهم علـيها بقولهم: لنسمعنّ ولنطيعنّ اللّه ورسوله. فسمعوا أمر اللّه ونهيه، وأطاعوه فعملوا بـما أمرهم اللّه به، وانتهوا عما نهاهم عنه. ويعنـي بقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ: لهؤلاء الذين وَفّوْا بـالعقود والـميثاق الذي واثقهم به ربهم مغفرة، وهي ستر ذنوبهم السالفة منهم علـيهم، وتغطيتها بعفوه لهم عنها، وتركه عقوبتهم علـيها وفضيحتهم بها. وأجْرٌ عَظِيـمٌ

يقول: ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم جزاء علـى أعمالهم التـي عملوها ووفـائهم بـالعقود التـي عاقدوا ربهم علـيها أجر عظيـم، والعظيـم من خير غير مـحدود مبلغه ولا يعرف منتهاه غيره تعالـى ذكره.

فإن قال قائل: إن اللّه جل ثناؤه أخبر فـي هذه الاَية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالـحات، ولـم يخبر بـما وعدهم، فأين الـخبر عن الـموعود؟

قـيـل: بلـى، إنه قد أخبر عن الـموعود، والـموعود هوقوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيـمٌ.

فإن قال قائل: فإن قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيـمٌ خبر مبتدأ، ولو كان هو الـموعود لقـيـل: وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالـحات مغفرة وأجرا عظيـما، ولـم يدخـل فـي ذلك (لهم)، وفـي دخول ذلك فـيه دلالة علـى ابتلاء الكلام، وانقضاء الـخبر عن الوعد؟

قـيـل: إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإنه مـما اكتفـى بدلالة ما ظهر من الكلام علـى ما بطن من معناه من ذكر بعض قد ترك ذكره فـيه، وذلك أن معنى الكلام: وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالـحات أن يغفر لهم، ويأجرهم أجرا عظيـما لأن من شأن العرب أن يصحبوا (الوعد) (أن) يعملوه فـيها، فتركت (أن) إذ كان الوعد قولاً، ومن شأن القول أن يكون ما بعده من جمل الأخبـار مبتدأ وذكر بعده جملة الـخبر اجتزاء بدلالة ظاهر الكلام علـى معناه وصرفـا للوعد الـموافق للقول فـي معناه وإن كان للفظه مخالفـا إلـى معناه، فكأنه

قـيـل: قال اللّه للذين آمنوا وعملوا الصالـحات مغفرة وأجر عظيـم. وكان بعض نـحويـي البصرة

يقول: إنـما

قـيـل: وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِـحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيـمٌ الوعد الذي وعدوا، فكان معنى الكلام علـى تأويـل قائل هذا القول: وعد اللّه الذي آمنوا وعملوا الصالـحات لهم مغفرة وأجر عظيـم.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وَالّذِينَ كَفَرُوا: والذين جحدوا وحدانـية اللّه ، ونقضوا ميثاقه وعقوده التـي عاقدوها إياه. وكَذّبُوا بآياتِنا

يقول: وكذّبوا بأدلة اللّه وحججه الدالة علـى وحدانـيته التـي جاءت بها الرسل وغيرها. أولَئِكَ أصْحَابُ الـجَحِيـمِ

يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم أهل الـجحيـم، يعنـي: أهل النار الذين يخـلدون فـيها ولا يخرجون منها أبدا.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ ...}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا: أقرّوا بتوحيد اللّه ورسالة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وما جارهم به من عند ربهم. اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ: اذكروا النعمة التـي أنعم اللّه بها علـيكم، فـاشكروه علـيها بـالوفـاء له بـميثاقه الذي واثقكم به، والعقود التـي عاقدتـم نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم علـيها. ثم وصف نعمته التـي أمرهم جل ثناؤه بـالشكر علـيها مع سائر نعمه،

فقال: هي كفه عنكم أيدي القوم الذين هموا بـالبطش بكم، فصرفهم عنكم، وحال بـينهم وبـين ما أرادوه بكم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة هذه النعمة التـي ذكّر اللّه جل ثناؤه أصحاب نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بها وأمرهم بـالشكر له علـيها.

فقال بعضهم: هو استنقاذ اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه مـما كانت الـيهود من بنـي النضير هموا به يوم أتوهم يستـحملونهم دية العامريـين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري. ذكر من قال ذلك:

٩٠٩٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد اللّه بن أبـي بكر، قالا: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى بنـي النضير لـيستعينهم علـى دية العامريـين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فلـما جاءهم خلا بعضهم ببعض،

فقالوا: إنكم لن تـجدوا مـحمدا أقرب منه الاَن، فمُروا رجلاً يظهر علـى هذا البـيت فـيطرح علـيه صخرة فـيريحنا منه فقام عمرو بن جحاش بن كعب. فأتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـخبر، وانصرف عنهم، فأنزل اللّه عزّ ذكره فـيهم وفـيـما أراد هو وقومه: يا أيها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نَعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ... الاَية.

٩٠٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ قال الـيهود: دخـل علـيهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حائطا لهم، وأصحابه من وراء جداره، فـاستعانهم فـي مَغرم دية غرمها، ثم قام من عندهم، فـائتـمروا بـينهم بقتله، فخرج يـمشي القهقري ينظر إلـيهم، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتـى تتامّوا إلـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: اذْكُرُوا نَعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ يهود حين دخـل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حائطا لهم، وأصحابه من وراء جدار لهم، فـاستعانهم فـي مغرم فـي دية غرمها، ثم قام من عندهم، فـائتـمروا بـينهم بقتله، فخرج يـمشي معترضا ينظر إلـيهم خيفتهم، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتـى تتاموا إلـيه. قال اللّه جلّ وعزّ: فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّه وَعلـى اللّه فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ.

٩٠٩٨ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: ثنـي أبو معشر، عن يزيد بن أبـي زياد، قال: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـي النضير يستعينهم فـي عَقْل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلـيّ فقال: (أعِينُونـي فـي عَقْلٍ أصَابَنـي)

فقالوا: نعم يا أبـا القاسم، قد آن لك أن تأتـينا وتسألنا حاجة، اجلس حتـى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه، وجاء حيـي ابن أخطب وهو رأس القوم، وهو الذي قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال، فقال حيـي لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الاَن، اطرحوا علـيه حجارة فـاقتلوه ولا ترون شرّا أبدا فجاءوا إلـى رجي لهم عظيـمة لـيطرحوها علـيه، فأمسك اللّه عنها أيديهم، حتـى جاءه جبريـل صلى اللّه عليه وسلم فأقامه من ثم، فأنزل اللّه جلّ وعزّ: يا أيّها الّذِيَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّه وَعلـى اللّه فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ، فأخبر اللّه عز ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ما أرادوا به.

٩٠٩٩ـ حدثنـي القام، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ... الاَية، قال: يهود دخـل علـيهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حائطا، فـاستعانهم فـي مغرم غرمه، فـائتـمروا بـينهم بقتله، فقام من عندهم، فخرج معترضا ينظر إلـيهم خيفتهم، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتـى تتاموا إلـيه.

٩١٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمنذر بن عمرو الأنصاري أحد بنـي النـجار وهو أحد النقبـاء لـيـلة العقبة، فبعثه فـي ثلاثـين راكبـا من الـمهاجرين والأنصار. فخرجوا، فلقوا عامر بن الطفـيـل بن مالك بن جعفر علـى بئر معونة، وهي من مياه بنـي عامر، فـاقتتلوا، فقتل الـمنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا فـي طلب ضالّة لهم، فلـم يَرُعْهُم إلا والطير تـحوم فـي السماء، يسقط من بـين خراطيـمها عَلَقُ الدم، فقال أحد النفر: قتل أصحابنا والرحمن ثم تولـى يشتدّ حتـى لقـي رجلاً، فـاختلفـا ضربتـين، فلـما خالطته الضربة، رفع رأسه إلـى السماء ففتـح عينـيه، ثم قال: اللّه أكبر، الـجنة وربّ العالـمين فكان يدعى (أعْنَق لـيـموتَ). ورجع صاحبـاه، فلقـيا زجلـين من بنـي سلـيـم، وبـين النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وبـين قومهما موادعة، فـانتسبـا لهما إلـى بنـي عامر، فقتلاهما. وقدم قومهما إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلـيّ وطلـحة وعبد الرحمن بن عوف، حتـى دخـلو علـى كعب بن الأشرف ويهود بنـي النّضير، فـاستعانهم فـي عقلهما

قال: فـاجتـمعت الـيهود لقتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، واعتلوا بصنـيعة الطعام، فأتاه جبريـل صلى اللّه عليه وسلم بـالذي اجتـمعت علـيه يهود من الغدر، فخرج ثم دعا علـيّا،

فقال: (لا تَبْرَحْ مَقَامَكَ، فَمَنْ خَرَجَ عَلَـيْكَ مِنْ أصْحَابـي فَسَألَكَ عَنّـي فَقُلْ وَجّه إلـى الـمدينة فأَدْرِكُوه) قال: فجعلوا يـمرّون علـى علـيّ، فـيأمرهم بـالذي أمره حتـى أتـى علـيه آخرُهم، ثم تبعهم فذلك قوله: وَلا تَزَالُ تَطّلِعُ عَلـى خاِئنَةٍ مِنْهُمْ.

٩١٠١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن السديّ، عن أي مالك فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ

قال: نزلت فـي كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: بل النعمة التـي ذكرها اللّه فـي هذه الاَية، فأمر الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالشكر له علـيها، أن الـيهود كانت همت بقتل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي طعام دعوه إلـيه، فأعلـم اللّه عزّ وجلّ نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ما هموا به، فـانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إلـيه. ذكر من قال ذلك:

٩١٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ... إلـى قوله: فَكَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وذلك أن قوما من الـيهود صنعوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه طعاما لـيقتلوه إذا أتـى الطعام، فأوحى اللّه إلـيه بشأنهم، فلـم يأت الطعام وأمر أصحابه فأبوه.

وقال آخرون: عنى اللّه جل ثناؤه بذلك النعمة التـي أنعمها علـى الـمؤمنـين بـاطلاع نبـيه صلى اللّه عليه وسلم علـى ما همّ به عدوّه وعدوّهم من الـمشركين يوم بطن نـخـل من اغترارهم إياهم، والإيقاع بهم إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم، فسجدوا فـيها، وتعريفه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم الـحذار من عدوّه فـي صلاته بتعلـيـمه إياه صلاة الـخوف. ذكر من قال ذلك:

٩١٠٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ... الاَية، ذكر لنا أنها نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ببطن نـخـل فـي الغزوة السابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو مـحارب أن يفتكوا به، فأطلعه اللّه علـى ذلك. ذكر لنا أن رجلاً انتدب لقتله، فأتـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسيفه موضوع،

فقال: آخذه يا نبـيّ اللّه ؟ قال: (خُذْهُ) قال: أستلّه؟ قال: (نَعَمْ) فسلّه،

فقال: من يـمنعك منـي؟ قال: (اللّه يَـمْنَعُنِـي مِنْكَ). فهدّده أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأغلظوا له القول، فشام السيف، وأمر نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بـالرحيـل، فأنزل علـيه صلاة الـخوف عند ذلك.

٩١٠٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، ذكره عن ابن أبـي سلـمة، عن جابر: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم نزل منزلاً، وتفرّق الناس فـي العِضَاه يستظلون تـحتها، فعلق النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابـيّ إلـى سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأخذه فسلّه، ثم أقبل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: من يـمنعك منـي؟ والنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (اللّه )، فشام الأعرابـيّ السيف، فدعا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أصحابه، فأخبرهم خبر الأعرابـي وهو جالس إلـى جنبه لـم يعاقبه. قال معمر: وكان قتادة يذكر نـحو هذا، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأرسلوا هذا الأعرابـيّ. وتأوّل: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ... الاَية.

وأولـى الأقوال بـالصحة فـي تأويـل ذلك، قول من قال: عنى اللّه بـالنعمة التـي ذكر فـي هذه الاَية نعمته علـى الـمؤمنـين به وبرسوله، التـي أنعم بها علـيهم فـي استنقاذه نبـيهم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، مـما كانت يهود بنـي النضير همت به من قتله وقتل من معه يوم سار إلـيهم نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الدية التـي كان تـحملها عن قتـيـلـي عمرو بن أمية.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصحة فـي تأويـل ذلك، لأن اللّه عقب ذكر ذلك برمي الـيهود بصنائعها وقبـيح أفعالها وخيانتها ربها وأنبـياءها. ثم أمر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بـالعفو عنهم والصفح عن عظيـم جهلهم، فكان معلوما بذلك أنه صلى اللّه عليه وسلم لـم يؤمر بـالعفو عنهم والصفح عقـيب قوله: إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ ومن غيره كان يبسط الأيدي إلـيهم، لأنه لو كان الذين هموا ببسط الأيدي إلـيهم غيرهم لكان حريّا أن يكون الأمر بـالعفو والصفح عنهم لا عمن لـم يجر لهم بذلك ذكر، ولكان الوصف بـالـخيانة فـي وصفهم فـي هذا الـموضع لا فـي وصف من لـم يَجْر لـخيانته ذكر، ففـي ذلك ما ينبـيء عن صحة ما قضينا له بـالصحة من التأويلات فـي ذلك دون ما خالفه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: واتّقُوا اللّه وَعَلـى اللّه فَلْـيَتَوَكَلّ الـمُؤْمِنُونَ.

يعنـي جلّ ثناؤه: واحذروا اللّه أيها الـمؤمنون أن تـخالفوه فـيـما أمركم ونهاكم أن تنقضوا الـميثاق الذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قِبَل لكم به. وَعَلـى اللّه فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ

يقول: وإلـى اللّه فلـيـلق أزمة أمورهم، ويستسلـم لقضائه، ويثق بنصرته وعونه، الـمقرّون بوحدانـية اللّه ورسالة رسوله، العاملون بأمره ونهيه، فإن ذلك من كمال دينهم وتـمام إيـمانهم، وأنهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم مـمن أرادهم بسوء، كما حفظكم ودافع عنكم أيها الـمؤمنون الـيهود الذين هموا بـما هموا به من بسط أيديهم إلـيكم، كلاءة منه لكم، إذ كنتـم من أهل الإيـمان به وبرسوله دون غيره، فإن غيره لا يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ولا اجتلاب نفع لكم لـم يقضه لكم.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ ...}.

وهذه الاَية أنزلت إعلاما من اللّه جل ثناؤه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين به، أخلاقَ الذين هموا ببسط أيديهم إلـيهم من الـيهود. كالذي:

٩١٠٥ـ حدثنا الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك، عن الـحسن فـي قوله: ولقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: الـيهود من أهل الكتاب.

وأن الذي هموا به من الغدر ونقض العهد الذي بـينهم وبـينه من صفـاتهم وصفـات أوائلهم وأخلاقهم وأخلاق أسلافهم قديـما، واحتـجاجا لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم علـى الـيهود بـاطلاعه إياه علـى ما كان علـمه عندهم دون العرب من خفـيّ أمورهم ومكنون علومهم، وتوبـيخا للـيهود فـي تـماديهم فـي الغيّ، وإصرارهم علـى الكفر مع علـمهم بخطإ ما هم علـيهم مقـيـمون. يقول اللّه لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: لا تستعظموا أمر الذين هموا ببسط أيديهم إلـيهم من هؤلاء الـيهود بـما هموا به لكم، ولا أمر الغدر الذي حاولوه وأرادوه بكم، فإن ذلك من أخلاق أوائلهم وأسلافهم، لا يعدُون أن يكونوا علـى منهاج أوّلهم وطريق سلفهم. ثم ابتدأ الـخبر عزّ ذكره عن بعض غدراتهم وخياناتهم وجراءتهم علـى ربهم ونقضهم ميثاقهم الذي واثقهم علـيه بـارئهم، مع نعمه التـي خصهم بها، وكراماته التـي طوّقهم شكرها،

فقال: ولقد أخذ اللّه ميثاق سلف من همّ ببسط يده إلـيكم من يهود بنـي إسرائيـل يا معشر الـمؤمنـين بـالوفـاء له بعهوده وطاعته فـيـما أمرهم ونهاهم. كما:

٩١٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم العسقلانـي، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: وَلَقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: أخذ اللّه مواثـيقهم أن يخـلصوا له ولا يعبدوا غيره.

وَبَعَثْنا مِنْهُمْ اثْنَى عَشَرَ نَقِـيبـا يعنـي بذلك: وبعثنا منهم اثنـي عشر كفـيلاً، كفلوا علـيهم بـالوفـاء لله بـما واثقوه علـيه من العهود فـيـما أمرهم به، وفما نهاهم عنه. والنقـيب فـي كلام العرب، كالعريف علـى القوم، غير أنه فوق العريف، يقال منه: نَقَبَ فلان علـى بنـي فلان فهو يَنْقُب نقبـا، فإذا أريد أنه لـم يكن نقـيبـا فصار نقـيبـا،

قـيـل: قد نَقُب فهو يَنْقب نَقَابة، ومن العريف: عَرُف علـيهم يَعْرُف عِرَافَةً. فأما الـمناكب فإنهم كالأعوان يكونون مع العرفـاء، واحدهم مَنْكِب. وكان بعض أهل العلـم بـالعربـية

يقول: هو الأمين الضامن علـى القوم. فأما أهل التأويـل فإنهم قد اختلفوا بـينهم فـي تأويـله،

فقال بعضهم: هو الشاهد علـى قومه. ذكر من قال ذلك:

٩١٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنِـي إسْرائيـل وَبَعَثْنا مِنْهُمْ اثْنَـيْ عَشَرَ نَقِـيبـا: من كلّ سبط رجل شاهد علـى قومه.

وقال آخرون: النقـيب: الأمين. ذكر من قال ذلك:

٩١٠٨ـ حُدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: النقبـاء: الأمناء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

وإنـما كان اللّه أمر موسى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ببعثه النقبـاء الأثنـي عشر من قومه بنـي إسرائيـل إلـى أرض الـجبـابرة بـالشام لـيتـجسسوا لـموسى أخبرهم إذ أراد هلاكهم، وأن يورّث أرضهم وديارهم موسى وقومه، وأن يجعلها مساكن لبنـي إسرائيـل بعد ما أنـجاهم من فرعون وقومه، وأخرجهم من أرض مصر، فبعث موسى الذين أمره اللّه ببعثهم إلـيها من النقبـاء. كما:

٩١٠٩ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أمر اللّه بنـي إسرائيـل بـالسير إلـى أريحاء، وهي أرض بـيت الـمقدس، فساروا حتـى إذا كانوا قريبـا منهم بعث موسى اثنـي عشر نقـيبـا من جميع أسبـاط بنـي إسرائيـل، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الـجبـابرة، فلقـيهم رجل من الـجبـارين يقال له عاج، فأخذ الاثنـي عشر، فجعلهم فـي حُجْزته وعلـى رأسه حزمة حطب، فـانطلق بهم إلـى امرأته،

فقال: انظري إلـى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بـين يديها،

فقال: ألا أطحنهم برجلـي؟ فقالت امرأته: بل خـلّ عنهم حتـى يخبروا قومهم بـما رأوا ففعل ذلك. فلـما خرج القوم، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنكم إن أخبرتـم بنـي إسرائيـل خبر القوم، ارتدّوا عن نبـيّ اللّه علـيه السلام، لكن اكتـموه وأخبروا انِـيَ اللّه ، فـيكونان فـيـما يريان رأيهما، فأخذ بعضهم علـى بعض الـميثاق بذلك لـيكتـموه. ثم رجعوا فـانطلق عشرة منهم فنكثوا العهد، فجعل الرجل يخبر أخاه وأبـاه بـما رأى من عاج، وكتـم رجلان منهم، فأتوا موسى وهارون، فأخبروهما الـخبر، فذلك حين يقول اللّه : وَلَقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَـيْ عَشَرَ نَقِـيبـا.

٩١١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : اثْنَـيْ عَشَرَ نَقِـيبـا من كلّ سبط من بنـي إسرائيـل رجل أرسلهم موسى إلـى الـجبـارين، فوجدوهم يدخـل فـي كمّ أحدهم اثنان منهم يـلفونهم لفّـا، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بـينهم فـي خشبة، ويدخـل فـي شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربع. فرجع النقبـاء كلّ منهم ينهي سبطه عن قتالهم إلا يُوشَع ابن نون وكالب بن يوقنا يأمران الأسبـاط بقتال الـجبـابرة وبجهادهم، فعصوا هذين وأطاعوا الأخرين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بنـحوه، إلا أنه قال: من بنـي إسرائيـل رجال، وقال أيضا: يـلقونهما.

٩١١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أمر موسى أن يسير ببنـي إسرائيـل إلـى الأرض الـمقدسة، وقال: إنـي قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلاً، فـاخرج إلـيها وجاهد من فـيها من العدوّ، فإنـي ناصركم علـيهم، وخذ من قومك اثنـي عشر نقـيبـا من كلّ سبط نقـيبـا يكون علـى قومه بـالوفـاء منهم علـى ما أمروا به، وقل لهم إن اللّه يقول لكم: إنّـي معكُمْ لِئن أقمتُـم الصّلاةَ وآتـيتـمُ الزكاة... إلـى قوله: فقدْ ضلّ سواءَ السّبِـيـلِ. وأخذ موسى منهم اثنـي عشر نقـيبـا اختارهم من الأسبـاط كُفلاء علـى قومهم بـما هم فـيه علـى الوفـاء بعهده وميثاقه، وأخذ من كلّ سبط منهم خيرهم وأوفـاهم رجلاً. يقول اللّه عزّ وجلّ: ولَقَدْ أَخَذَ اللّه ميثاقَ بَنِـي إسْرائِيـل وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنـي عَشرَ نَقِـيبـا فسار بهم موسى إلـى الأرض الـمقدسة بأمر اللّه ، حتـى إذا نزل التـيه بنـي مصر والشام، وهي بلاد لـيس فـيها شجر ولا ظلّ، دعا موسى ربه حين آذاهم الـحرّ، فظلّل علـيهم بـالغمام، ودعا لهم بـالرزق، فأنزل اللّه علـيهم الـمنّ والسلوى. وأمر اللّه موسى فقال: أرسل رجالاً يتـجسسون إلـى أرض كنعان التـي وهبت لبنـي إسرائيـل، من كلّ سبط رجلاً. فأرسل موسى الرءوس كلهم الذين فـيهم، وهذه أسماء الرهط الذين بعث اللّه من بنـي إسرائيـل إلـى أرض الشام، فـيـما يذكر أهل التوراة لـيجوسوها لبنـي إسرائيـل: من سبط روبـيـل: شامون بن ركون، ومن سبط شمعون سافـاط بن حربـي، ومن سبط يهوذا كالب بن يوقنا، ومن سبط كاذ ميخائيـل بن يوسف، ومن سبط يوسف وهو سبط إفرائيـم يوشع بن نون، ومن سبط بـينامين فلط بن ذنون، ومن سبط ربـالون كرابـيـل بن سودي، ومن سبط منشا بن يوسف حدي بن سوشا، ومن سبط دان حملائل بن حمل، ومن سبط أشار سابور بن ملكيـل، ومن سبط نفتالـي مـحرّ بن وقسي، ومن سبط يساخر حولايـل بن منكد. فهذه أسماء الذين بعثهم موسى يتـجسسون له الأرض، ويومئذٍ سَمّى يوشع بن نون: يوشع بن نون، فأرسلهم وقال لهم: ارتفعوا قبل الشمس، فـارقوا الـجبل، وانظروا ما فـي الأرض، وما الشعب الذي يسكنونه، أقوياء هم أم ضعفـاء؟ أقلـيـل هم أم هم كثـير؟ وانظروا أرضهم التـي يسكنون أشمسة هي أم ذات شجر؟ واحملوا إلـينا من ثمرة تلك الأرض وكان فـي أوّل ما سَمّى لهم من ذلك ثمرة العنب.

٩١١٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَـيْ عَشَرَ نَقِـيبـا فهم من بنـي إسرائيـل، بعثهم موسى لـينظروا له إلـى الـمدينة. فـانطلقوا فنظروا إلـى الـمدينة، فجاءوا بحبة من فـاكهتهم وِقْرَ رجل،

فقالوا: قدروا قوّة قوم وبأسهم هذه فـاكهتهم. فعند ذلك فتنوا،

فقالوا: لا نستطيع القتال فَـاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلاَ إنّا هَهُنا قَاعِدونَ.

٩١١٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج الـمروزي، قال: سمع أبـا معاذ الفضل بن خالد يقول فـي قوله: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَـيْ عَشَرَ نَقِـيبـا أمر اللّه بنـي إسرائيـل أن يسيروا إلـى الأرض الـمقدّسة مع نبـيهم موسى صلى اللّه عليه وسلم فلـما كانوا قريبـا من الـمدينة، قال لهم موسى: ادخـلوها فأبوا وجبنوا، وبعثوا اثنـي عشر نقـيبـا لـينظروا إلـيهم. فـانطلقوا فنظروا، فجاءوا بحبة من فـاكهتهم بوِقْر الرجل،

فقالوا: قدرّوا قوّة قوم وبأسهم، هذه فـاكهتهم فعند ذلك قالوا لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ ورَبّكَ فَقَاتِلاَ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقالَ اللّه إنّـي مَعَكُمْ لَئِنْ أقَمْتُـمُ الصّلاةَ وآتَـيْتُـمُ الزّكاةَ وآمَنْتُـمْ بِرُسُلِـي وَعَزّرْتـمُوهُمْ وأقْرَضْتُـمُ اللّه قَرْضا حَسَنَا.

يقول اللّه تعالـى ذكره وَقالَ اللّه لبنـي إسرائيـل إنّـي مَعَكُمْ

يقول: إنى ناصركم علـى عدوّكم وعدوي الذين أمرتكم بقتالهم إن قاتلتـموهم ووفـيتـم بعهدي وميثاقـي الذي أخذته علـيكم. وفـي الكلام مـحذوف استُغنـي بـما ظهر من الكلام عما حذف منه، وذلك أن معنى الكلام: وقال اللّه لهم: إنـي معكم، فترك ذكر (لهم)، استغناء بقوله: وَلَقَدْ أخَذَ اللّه مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ إذ كان متقدم الـخبر عن قوم مسمّين بأعيانهم كان معلوما أن سياق ما فـي الكلام من الـخبر عنهم، إذ لـم يكن الكلام مصروفـا عنهم إلـى غيرهم. ثم ابتدأ ربنا جل ثناؤه القسم،

فقال: قسم لَئِنْ أقَمْتُـمْ معشر بنـي إسرائيـل الصّلاةَ وآتَـيْتُـمُ الزّكاةَ: أي أعطيتـموها من أمرتكم بـاعطائها، وآمَنْتُـمْ بِرُسُلِـي

يقول: وصدّقتـم بـما آتاكم به رسلـي من شرائع دينـي. وكان الربـيع بن أنس

يقول: هذا خطاب من اللّه للنقبـاء الاثنـي عشر.

٩١١٤ـ حُدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: أن موسى صلى اللّه عليه وسلم قال للنقبـاء الاثنـي عشر: سيروا إلـيهم يعنـي إلـى الـجبـارين فحدثونـي حديثهم، وما أمَرُهم، ولا تـخافوا إن اللّه معكم ما أقمتـم الصلاة وآتـيتـم الزكاة وآمنتـم برسلـي وعزّرتـموهم وأقرضتـم اللّه قرضا حسنا.

ولـيس الذي قاله الربـيع فـي ذلك ببعيد من الصواب، غير أن من قضاء اللّه فـي جميع خـلقه أنه ناصرٌ من أطاعه، وولـىّ من اتبع أمره وتـجنب معصيته وجافـي ذنوبه. فإذ كان ذلك كذلك، وكان من طاعته: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيـمان بـالرسل، وسائر ما ندب القوم إلـيه كان معلوما أن تكفـير السيئات بذلك وإدخال الـجنات به لـم يخصص به النقبـاء دون سائر بنـي إسرائيـل غيرهم، فكان ذلك بأن يكون ندبـا للقوم جميعا وحضّا لهم علـى ما حضهم علـيه، أحقّ وأولـى من أن يكون ندبـا لبعض وحضّا لـخاصّ دون عام.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: وَعَزّرْتُـمُوهُمْ

فقال بعضهُم: تأويـل ذلك: ونصرتـموهم. ذكر من قال ذلك:

٩١١٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : وَعَزّرْتُـمُوهُمْ قال: نصرتـموهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩١١٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قوله: وَعَزّرْتُـمُوهُمْ قال: نصرتـموهم بـالسيف.

وقال آخرون: هو الطاعة والنصرة. ذكر من قال ذلك:

٩١١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول فـي قوله: وَعَزّرْتـموهُم قال: التعزر والتوقـير: الطاعة والنصرة.

واختلف أهل العربـية فـي تأويـله، فذكر عن يونس الـحِرمرِي أنه كان

يقول: تأويـل ذلك: أثنـيتـم علـيهم.

٩١١٨ـ حُدثت بذلك عن أبـي عبـيدة معمر بن الـمثنى عنه.

وكان أبو عبـيدة

يقول: معنى ذلك نصرتـموهم وأعنتـموهم ووقرتـموهم وعظمتـموهم وأيدتـموهم، وأنشد فـي ذلك:

وكَمْ مِنْ ماجِدٍ لَهُمُ كَرِيـمٍومِنْ لَـيْثٍ يُعَزّزُ فـي النّدِيّ

وكان الفرّاء

يقول: العزر الردّ عزررته رددته: إذا رأيته يظلـم، فقلت: اتق اللّه أو نهيته، فذلك العزر.

وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: نصرتـموهم، وذلك أن اللّه جل ثناؤه قال فـي سورة الفتـح: إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدا وَمُبَشّرا وَنَذِيرا لِتُؤْمِنُوا بـاللّه وَرَسُولِهِ وتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ. فـالتوقـير: هو التعظيـم. وإذا كان ذلك كذلك، كان القول فـي ذلك إنـما هو بعض ما ذكرنا من الأقوال التـي حكيناها عمن حكينا عنه. وإذا فسد أن يكون معناه التعظيـم، وكان النصر قد يكون بـالـيد واللسان فأما بـالـيد فـالذبّ بها عنه بـالسيف وغيره، وأما بـاللسان فحسن الثناء، والذبّ عن العرض، صحّ أنه النصر إذ كان النصر يحوي معنى كلّ قائل قال فـيه قولاً مـما حكينا عنه.

وأما قوله: وأقْرَضْتُـمُ اللّه قَرْضا حَسَنا فإنه

يقول: وأنفقتـم فـي سبـيـل اللّه ، وذلك فـي جهاد عدوّه وعدوّكم، قَرْضا حَسَنا

يقول: وأنفقتـم ما أنفقتـم فـي سبـيـله، فأصبتـم الـحقّ فـي إنفـاقكم ما أنفقتـم فـي ذلك، ولـم تتعدّوا فـيه حدود اللّه وما ندبكم إلـيه وحثكم علـيه إلـى غيره.

فإن قال لنا قائل: وكيف قال: وأقْرَضْتُـمْ اللّه قَرْضا حَسَنا ولـم يقل: إقراضا حسنا، وقد علـمت أن مصدر أقرضت: الإقراض؟

قـيـل: لو قـيـل ذلك كان صوابـا، ولكن قوله: قَرْضا حَسَنا أخرج مصدرا من معناه لا من لفظه، وذلك أن فـي قوله: أقرض معنى قرض، كما فـي معنى أعطى أخذ، فكان معنى الكلام: وقرضتـم اللّه قرضا حسنا، ونظير ذلك: واللّه أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرضِ نَبَـاتا إذ كان فـي أنبتكم معنى فنبتـم، وكما قال امرؤ القـيس:

(وَرُضْتُ فَذَلّتْ صَعْبَةً أيّ إذْلالِ )

إذ كان فـي رضت معنى أذللت، فخرج الإذلال مصدرا من معناه لا من لفظه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لأُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ وَلأُدْخِـلَنّكُمْ جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ.

يعنـي جل ثناؤه بذلك بنـي إسرائيـل، يقول لهم جلّ ثناؤه: لئن أقمتـم الصلاة أيها القوم الذين أعطونـي ميثاقهم بـالوفـاء بطاعتـي، واتبـاع أمري، وآتـيتـم الزكاة، وفعلتـم سائر ما وعدتكم علـيه جنتـي لأُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئَاتَكُمْ

يقول: لأغطين بعفوي عنكم وصفحي عن عقوبتكم، علـى سالف إجرامكم التـي أجرمتـموها فـيـما بـين وبـينكم علـى ذنوبكم التـي سلفت منكم من عبـادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم ولأدْخِـلَنّكُمْ مع تغطيتـي علـى ذلك منكم بفضلـي يوم القـيامة جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأَنْهارُ فـالـجنات: البساتـين.

وإنـما قلت: معنى قوله: لأُكَفّرَنّ: لأغطينّ، لأن الكفر معناه الـجحود والتغطية والستر، كما قال لبـيد:

(فِـي لَـيْـلَةٍ كَفَرَ النّـجومَ غَمامُها )

يعنـي: (غطاها). التفعيـل من الكَفْر.

واختلف أهل العربـية فـي معنى (اللام) التـي فـي قوله: لأُكَفّرَنّ فقال بعض نـحويـيّ البصرة: اللام الأولـى علـى معنى القَسَم، يعنـي اللام التـي فـي قوله: لَئِنْ أقَمْتُـمْ الصّلاةَ قال: والثانـية معنى قسم آخر.

وقال بعض نـحويـيّ الكوفة: بل اللام الأولـى وقعت موقع الـيـمين، فـاكتفـى بها عن الـيـمين، يعنـي بـاللام الأولـى: لئن أقمتـم الصلاة

قال: واللام الثانـية، يعنـي قوله: لأُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئاتَكُمْ جواب لها، يعنـي للام التـي فـي قوله: لَئِنْ أقَمْتُـمُ الصّلاةَ. واعتلّ لقـيـله ذلك بأن قوله: لَئِنْ أقَمْتُـمُ الصّلاةَ غير تام ولا مستغن عن قوله: لأُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ. وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز أن يكون قوله: لأُكَفّرَنّ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ قسما مبتدأ، بل الواجب أن يكون جوابـا للـيـمين إذ كانت غير مستغنـية عنهوقوله: تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ

يقول: يجري من تـحت أشجار هذه البساتـين التـي أدخـلكموها الأنهار.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِـيـلِ.

يقول عزّ ذكره: فمن جحد منكم يا معشر بنـي إسرائيـل شيئا مـما أمرته به، فتركه، أو ركب ما نهيته عنه فعمله بعد أخذي الـميثاق علـيه بـالوفـاء لـي بطاعتـي واجتناب معصيتـي، فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِـيـلِ

يقول: فقد أخطأ قصد الطريق الواضح، وزلّ عن منهج السبـيـل القاصد. والضلال: الركوب علـى غير هدى وقد بـينا ذلك بشاهده فـي غير هذا الـموضعوقوله: سَوَاءَ يعنـي به: وسط السبـيـل، وقد بـيّنا تأويـل ذلك كله فـي غير هذا الـموضع، فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنّاهُمْ ... }.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: يا مـحمد، لا تعجبنّ من هؤلاء الـيهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك، ونكثوا العهد الذي بـينك وبـينهم، غدرا منهم بك وأصحابك، فإن ذلك من عاداتهم وعادات سلفهم ومن ذلك أنى أخذت ميثاق سلفهم علـى عهد موسى صلى اللّه عليه وسلم علـى طاعتـي، وبعثت منهم اثنـي عشر نقـيبـا وقد تُـخيروا من جميعهم لـيتـجسسوا أخبـار الـجبـابرة، ووعدتهم النصر علـيهم، وأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، بعد ما أريتهم من العبر والاَيات بإهلاك فرعون وقومه فـي البحر وفَلْق البحر لهم وسائر العبر ما أريتـم، فنقضوا ميثاقهم الذي واثقونـي ونكثوا عهدي، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم فإذا كان ذلك من فعل خيارهم مع أياديّ عندهم، فلا تستنكروا مثله من فعل آراذلهم. وفـي الكلام مـحذوف اكتفـي بدلالة الظاهر علـيه، وذلك أن معنى الكلام: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبـيـل، فنقضوا الـميثاق، فلعنتهم، فـيـما نقضهم ميثاقهم لعناهم، فـاكتفـى بقوله: فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ من ذكر (فنقضوا). ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: فبـما نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ فبنقضهم ميثاقهم. كماقال قتادة.

٩١١٩ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَبِـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ

يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم.

٩١٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال:

قال ابن عبـاس : فَبـما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ قال: هو ميثاق أخذه اللّه علـى أهل التوراة فنقضوه.

وقد ذكرنا معنى اللعن فـي غير هذا الـموضع. والهاء والـميـم من قوله: فَبِـما نَقْضِهِمْ عائدتان علـى ذكر بنـي إسرائيـل قبل.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل مكة والبصرة والكوفة: قاسِيَةً بـالألف، علـى تقدير فـاعلة، من قسوة القلب، من قول القائل: قسا قلبه، فهو يقسو وهو قاس، وذلك إذا غلظ واشتدّ وصار يابسا صلبـا، كما قال الراجز:

(وَقَدْ قَسَوْتُ وَقَسَتْ لِدَاتـي )

فتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: فلعنا الذين نقضوا عهدي ولـم يفوا بـميثاقـي من بنـي إسرائيـل بنقضهم ميثاقهم الذي واثقونـي، وجعلنا قلوبهم قاسية غلـيظة يابسة عن الإيـمان بـي والتوفـيق لطاعتـي، منزوعة منها الرأفة والرحمة. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قَسِيةً).

ثم اختلف الذين قرءوا ذلك كذلك فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معنى ذلك: معنى القسوة، لأن فعيـلة فـي الذمّ أبلغ من فـاعلة، فـاخترنا قراءتها قسيّة علـى قاسية لذلك.

وقال آخرون منهم: بل معنى (قسية) غير معنى القسوة وإنـما القسية فـي هذا الـموضع القلوب التـي لـم يخـلص إيـمانها بـالله، ولكن يخالط إيـمانها كفر كالدراهم القَسِية، وهي التـي يخالط فضتها غش من نـحاس أو رصاص وغير ذلك، كما قال أبو زُرَبـيْد الطائي:

لَهَا صَوَاهِلُ فـي صُمّ السّلامِ كمَاصاحَ القَسِيّاتُ فـي أيدِي الصّيارِيفِ

يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان علـى الصخور، وهي السّلام.

وأعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ: (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قَسِيّةً) علـى فعلـية، لأنها أبلغ فـي ذمّ القوم من قاسية.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من تأوّله فعيـلة من القسوة، كما

قـيـل: نفس زكية وزاكية، وامرأة شاهدة وشهيدة لأن اللّه جل ثناؤه وصف القوم بنقضهم ميثاقهم وكفرهم به، ولـم يصفهم بشيء من الإيـمان، فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيـمانها يخالطه كفر كالدراهم القسية التـي يخالط فضتها غشّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.

يقول عزّ ذكره: وجعلنا قلوب هؤلاء الذين نقضوا عهودنا من بنـي إسرائيـل قسية، منزوعا منها الـخير، مرفوعا منها التوفـيق، فلا يؤمنون، ولا يهتدون، فهم لنزع اللّه عزّ وجلّ التوفـيق من قلوبهم والإيـمان يحرّفون كلام ربهم الذي أنزله علـى نبـيهم موسى صلى اللّه عليه وسلم، وهو التوراة، فـيبدّلونه ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزله اللّه جلّ وعزّ علـى نبـيهم ويقولون لـجهال الناس: هذا هو كلام اللّه الذي أنزله علـى نفسه موسى صلى اللّه عليه وسلم والتوراة التـي أوحاها إلـيه. وهذا من صفة القرون التـي كانت بعد موسى من الـيهود مـمن أدرك بعضهم عصر نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ولكن اللّه عزّ ذكره أدخـلهم فـي عداد الذين ابتدأ الـخبر عنهم مـمن أدرك موسى منهم، إذ كانوا من أبنائهم وعلـى منهاجهم فـي الكذب علـى اللّه والفرية علـيه ونقض الـمواثـيق التـي أخذها علـيهم فـي التوراة. كما:

٩١٢١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ يعنـي: حدود اللّه فـي التوراة، ويقولون: إن أمركم مـحمد بـما أنتـم علـيه فـاقبلوه، وإن خالفكم فـاحذروا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَنَسُوا حَظّا مِـمّا ذُكّرُوا بِهِ.

ينـي تعالـى ذكره بقوله: وَنَسُوا حَظّا: وتركوا نصيبـا، وهو كقوله: نَسُوا اللّه فَنَسِيَهُمْ أي تركوا أمر اللّه فتركهم اللّه وقد مضى بـيان ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع فأغنـي ذلك عن إعادته.

وبـالذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩١٢٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَنَسُوا حَظّا مِـمّا ذُكّرُوا بِهِ

يقول: تركوا نصيبـا.

٩١٢٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا مبـارك بن فضالة، عن الـحسن فـي قوله: وَنَسُوا حَظّا مِـمّا ذُكّرُوا بِهِ قال: تركوا عُرَى دينهم ووظائف اللّه جل ثناؤه التـي لا تقبل الأعمال إلا بها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَزَالُ تَطّلِعُ علـى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ.

يقول تبـارك وتعالـى لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولا تزال يا مـحمد تطلع من الـيهود الذين أنبأتك نبأهم من نقضهم ميثاقـي، ونكثهم عهدي، مع أياديّ عندهم، ونعمتـي علـيهم، علـى مثل ذلك من الغدر والـخيانة، إلا قلـيلاً منهم. والـخائنة فـي هذا الـموضع: الـخيانة، وهو اسم وضع موضع الـمصدر، كما قـيـل خاطئة: للـخطيئة، وقائلة: للقـيـلولة.

وقوله: إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ اسثناء من الهاء والـميـم اللتـين فـي قوله: علـى خائِنَةٍ مِنْهُمْ.

وبنـحو الذين قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩١٢٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: ولاَ تَزَالُ تَطّلِعُ علـى خائنَةٍ مِنْهُمْ قال: علـى خيانة وكذب وفجور.

٩١٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : وَلا تَزَالُ تَطّلِعُ علـى خائِنَةٍ مِنْهُمْ قال: هم يهود مثل الذي همّوا به من النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم دخـل حائطهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

٩١٢٦ـ حدثنا القاسم، حدثنا الـحسين، قال: قال ابن جريج، قال مـجاهد وعكرمة: قوله: وَلا تَزَالُ تَطّلِعُ علـى خائِنَةٍ مِنْهُمْ من يهود مثل الذي همّوا بـالنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم دخـل علـيهم.

وقال بعض القائلـين: معنى ذلك: ولا تزال تطلع علـى خائن منهم، قال: والعرب تزيد الهاء فـي آخر الـمذكر كقولهم: هو رواية للشعر، ورجل علامة، وأنشد:

حَدّثْتَ نفسَكَ بـالوَفـاءِ ولـم تكُنْللغدْرِ خائنةً مُغِلّ الإصْبَعِ

فقال خائنة، وهو يخاطب رجلاً.

والصواب من التأويـل فـي ذلك القول الذي رويناه عن أهل التأويـل، لأن اللّه عنى بهذه الاَية القوم من يهود بنـي النضير الذين هموا بقتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، إذ أتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستعينهم فـي دية العامريـين، فأطلعه اللّه عزّ ذكره علـى ما قد همّوا به. ثم قال جل ثناؤه بعد تعريفه أخبـار أوائلهم وإعلامه منهج أسلافهم وأن آخرهم علـى منهاج أوّلهم فـي الغدر والـخيانة، لئلا يكبر فعلهم ذلك علـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال جلّ ثناؤه: ولا تزال تطلع من الـيهود علـى خيانة وغدر ونقض عهد. ولـم يرد أنه لا يزال يطلّع علـى رجل منهم خائن، وذلك أن الـخبر ابتدىء به عن جماعتهم، فقـيـل: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَـيْكُمـح إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ، ثم

قـيـل: وَلا تَزَالَ تَطّلِعُ علـى خائِنَةٍ مِنْهُمْ، فإذ كان الابتداء عن الـجماعة فلتـختـم بـالـجماعة أولـى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إنّ اللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنـينَ.

وهذ أمر من اللّه عزّ ذكره نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم بـالعفو عن هؤلاء القوم الذين همّوا أن يبسطوا أيديهم إلـيه من الـيهود، يقول اللّه جلّ وعزّ له: اعف يا مـحمد عن هؤلاء الـيهود الذين همّوا بـما همّوا به من بسط أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك بـالقتل، واصفح لهم عن جرمهم بترك التعرّض لـمكروههم، فإنـي أحبّ من أحسن العفو والصفح إلـى من أساء إلـيه. وكان قتادة

يقول: هذه منسوخة، و

يقول: نسختها آية براءة: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ... الاَية.

٩١٢٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: فـاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ قال: نسختها: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَلا يُحَرّمونَ ما حَرّمَ اللّه وَرَسُولُهُ.

٩١٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا همام، عن قتادة: فـاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إنّ اللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنِـينَ ولـم يؤمر يؤمئذٍ بقتالهم، فأمره اللّه عزّ ذكره أن يعفو عنهم ويصفح، ثم نسخ ذلك فـي براءة فقال: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَلا يُحَرّمونَ ما حَرّمَ اللّه وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الـحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حتـى يُعْطُوا الـجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وهم أهل الكتاب. فأمر اللّه جل ثناؤه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يقاتلهم حتـى يسلـموا، أو يقرّوا بـالـجزية.

حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـم، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة، عن قتادة نـحوه.

والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانه، غير أن الناسخ الذي لا شكّ فـيه من الأمر، هو ما كان نافـيا كلّ معانـي خلافه الذي كان قبله. فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبـيـل إلـى العلـم بأنه ناسخ إلا بخبر من اللّه جلّ وعزّ، أو من رسوله صلى اللّه عليه وسلم. ولـيس فـي قوله: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ دلالة علـى الأمر بنفـي معانـي الصفح والعفو عن الـيهود. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جائزا مع إقرارهم بـالصّغار وأدائهم الـجزية بعد القتال، الأمر بـالعفو عنهم فـي غدرة هموا بها أو نكثة عزموا علـيها، ما لـم ينصبوا حربـا دون أداء الـجزية، ويـمتنعوا من الأحكام اللازمة منهم، لـم يكن واجبـا أن يحكم لقوله: قاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَلا بـالـيَوْمِ الاَخِرِ... الاَية، بأنه ناسخ قوله: فـاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إنّ اللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنِـينَ.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ الّذِينَ قَالُواْ إِنّا نَصَارَىَ ... }.

يقول عزّ ذكره: وأخذنا من النصارى الـميثاق علـى طاعتـي وأداء فرائضي واتبـاع رسلـي والتصديق بهم، فسلكوا فـي ميثاقـي الذي أخذته علـيهم منهاج الأمة الضالة من الـيهود، فبدّلوا كذلك دينهم ونقضوا نقضهم وتركوا حظهم من ميثاقـي الذي أخذته علـيهم بـالوفـاء بعهدي وضيعوا أمري. كما:

٩١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَمِنَ الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى أخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّا مِـمّا ذُكّرُوا بِهِ: نسوا كتاب اللّه بـين أظهرهم، وعهد اللّه الذي عهده إلـيه، وأمر اللّه الذي أمرهم به.

٩١٣٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قالت النصارى مثل ما قالت الـيهود، ونسوا حظّا مـما ذكّروا به.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ: حرشنا بـينهم وألقـينا، كما نُغزي الشيءَ بـالشيء.

يقول جلّ ثناؤه: لـما ترك هؤلاء النصارى الذين أخذت ميثاقهم بـالوفـاء بعهدي حظهم، مـما عهدت إلـيهم من أمري ونهيـي، أغريت بـينهم العداوة والبغضاء.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة إغراء اللّه بـينهم العداوة والبغضاء،

فقال بعضهم: كان إغراؤه بـينهم بـالأهواء التـي حدثت بـينهم. ذكر من قال ذلك:

٩١٣١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم النـخعي فـي قوله: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ قال: هذه الأهواء الـمختلفة، والتبـاغض فهو الإغراء.

حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشب، قال: سمعت النـخعي

يقول: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال: أغرى بعضهم ببعض بخصومات بـالـجدال فـي الدين.

٩١٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم النـخعي والتـيـمي، قوله: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال: ما أرى الإغراء فـي هذه الاَية إلا الأهواء الـمختلفة

وقال معاوية بن قرة: الـخصومات فـي الدين تـحبط الأعمال.

وقال آخرون: بل ذلك هو العداوة التـي بـينهم والبغضاء. ذكر من قال ذلك:

٩١٣٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ... الاَية. إن القوم لـما تركوا كتاب اللّه ، وعَصَوا رسله، وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده، ألقـى بـينهم العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة بأعمالهم أعمال السوء، ولو أخذ القوم كتاب اللّه وأمره، ما افترقوا ولا تبـاغضوا.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندنا بـالـحقّ، تأويـل من قال: أغرى بـينهم بـالأهواء التـي حدثت بـينهم، كما قال إبراهيـم النـخعي لأن عداوة النصارى بـينهم، إنـما هي بـاختلافهم فـي قولهم فـي الـمسيح، وذلك أهواء لا وحي من اللّه .

واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بـالهاء والـميـم اللتـين فـي قوله: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ

فقال بعضهم: عنـي بذلك: الـيهود والنصارى. فمعنى الكلام علـى قولهم وتأويـلهم: فأغرينا بـين الـيهود والنصارى، لنسيانهم حظّا مـما ذكّروا به. ذكر من قال ذلك:

٩١٣٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، وقال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قال فـي النصارى أيضا: فنسوا حظّا مـما ذكّروا به، فلـما فعلوا ذلك أغرى اللّه عزّ وجلّ بـينهم وبـين الـيهود العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة.

٩١٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَأغْرَيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلـى يَوْمه القـيامَةِ قال: هم الـيهود والنصارى. قال ابن زيد: كما تغري بـين اثنـين من البهائم.

٩١٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، ال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : فَأغْرَيْنَا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ قال: الـيهود والنصارى.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩١٣٧ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة، قال: هم الـيهود والنصارى، أغرى اللّه بـينهم العداوة والبغضاء إلـى يوم القـيامة.

وقال آخرون: بل عنى اللّه بذلك: النصارى وحدها. و

قالوا: معنى ذلك: فأغرينا بـين النصارى عقوبة لها بنـيسانها حظا مـما ذكرت به.

قالوا: وعلـيها عادت الهاء والـميـم فـي بـينهم دون الـيهود. ذكر من قال ذلك:

٩١٣٨ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قال: إن اللّه عزّ ذكره تقدّم إلـى بنـي إسرائيـل أن لا تشتروا بآيات اللّه ثمنا قلـيلاً، وعلّـموا الـحكمة ولا تأخذوا علـيها أجرا. فلـم يفعل ذلك إلا قلـيـل منهم، فأخذوا الرشوة فـي الـحكم وجاوزوا الـحدود، فقال فـي الـيهود حيث حكموا بغير ما أمر اللّه : وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمه القِـيامَةِ وقال فـي النصارى: فَنَسُوا حَظّا مِـمّا ذُكّرُوا بِهِ فأغْرَيْنا بَـيْنَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إلـى يَوْمَ القِـيامةِ.

وأولـى التأويـلـين بـالاَية عندي ما قاله الربـيع بن أنس، وهو أن الـمعنىّ بـالإغراء بـينهم: النصارى فـي هذه الاَية خاصة، وأن الهاء والـميـم عائدتان علـى النصارى دون الـيهود، لأن ذكر الإغراء فـي خبر اللّه عن النصارى بعد تقضي خبره عن الـيهود، وبعد ابتدائه خبره عن النصارى، فأن لا يكون ذلك معنـيا به إلا النصارى خاصة أولـى من أن يكون معنـيا به الـحزبـان جميعا لـما ذكرنا.

فإن قال قائل: وما العداوة التـي بـين النصارى، فتكون مخصوصة بـمعنى ذلك؟

قـيـل: ذلك عداوة النّسطورية والـيعقوبـية والـملكية النسطورية والـيعقوبـية، ولـيس الذي قاله من قال معنى بذلك: إغراء اللّه بـين الـيهود والنصارى ببعيد، غير أن هذا أقرب عندي وأشبه بتأويـل الاَية لـما ذكرنا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللّه بِـمعا كانُوا يَصْنَعُونَ.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: اعف عن هؤلاء الذين هموا ببسط أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك، واصفح فإن اللّه من وراء الانتقام منهم، وسينبئهم اللّه عند ورودهم اللّه علـيه فـي معادهم بـما كانوا فـي الدنـيا يصنعون من نقضهم ميثاقه، ونكثهم عهده، وتبديـلهم كتابه، وتـحريفهم أمره ونهيه، فـيعاقبهم علـى ذلك حسب استـحقاقهم.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا ...}.

يقول عزّ ذكره لـجماعة أهل الكتاب من الـيهود والنصارى الذين كانوا فـي عصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، قد جاءكم رسولنا، يعنـي مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم.، كما:

٩١٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقوله: يُبَـيّنُ لَكُمْ كَثِـيرا مِـمّا كُنْتُـمْ تُـخْفُونَ مِنَ الكِتابِ

يقول: يبـين لكم مـحمد رسولنا كثـيرا مـما كنتـم تكتـمونه الناس ولا تبـينونه لهم مـما فـي كتابكم. وكان مـما يخفونه من كتابهم فبـينه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس: رجم الزانـين الـمـحصنـين.

وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي تبـيـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس من إخفـائهم ذلك من كتابهم. ذكر من قال ذلك:

٩١٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحوي، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: من كفر بـالرجم فقد كفر بـالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله: يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـيّنُ لَكُمْ كَثِـيرا مِـمّا تُـخْفُونَ مِنَ الكِتابِ فكان الرجم مـما أخَفَوْا.

حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن شَبّويَهْ، أخبرنا علـيّ بن الـحسين، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا يزيد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، مثله.

٩١٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي، عن خالد الـحذّاء، عن عكرمة فـي قوله: يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـينُ لَكُمْ... إلـى قوله: صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ قال: إن نبـيّ اللّه أتاه الـيهود يسألونه عن الرجم، واجتـمعوا فـي بـيت، قال: (أيّكم أَعْلَـمُ؟) فأشاروا إلـى ابن صُورِيا،

فقال: (أنْتَ أعْلَـمُهُمْ؟) قال: سل عما شئت، قال: (أنْتَ أعْلَـمُهُمْ؟) قال: إنهم لـيزعمون ذلك

قال: فناشده بـالذي أنزل التوراة علـى موسى، والذي رفع الطور، وناشده بـالـمواثـيق التـي أُخذت علـيهم، حتـى أخذه أَفْكَل،

فقال: إن نساءنا نساء حسان، فكثر فـينا القتل، فـاختصرنا أُخْصُورة، فجلدنا مِئة، وحلقنا الرءوس، وخالفنا بـين الرءوس إلـى الدّوابّ أحسبه قال: الإبل قال: فحُكِم علـيهم بـالرجْم، فأنزل اللّه فـيهم: يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـيّـينُ لَكُمْ... الاَية، وهذه الاَية: وَإذَا خَلا بَعْضُهُمْ إلـى بَعْضٍ قالُوا أُتَـحدّثُونَهُمْ بِـمَا فَتَـحَ اللّه عَلَـيْكُمْ لِـيُحاجّوكُمُ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ.

قوله: وَيَعْفُو عَنْ كَثِـيرٍ يعنـي بقوله ويعفو: ويترك أخذكم بكثـير مـما كنتـم تـخفون من كتابكم الذي أنزله اللّه إلـيكم، وهو التوراة، فلا تعملون به حتـى يأمره اللّه بأخذكم به.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللْهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِـينٌ.

يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: قد جاءكم يا أهل التوراة والإنـجيـل من اللّه نور، يعنـي بـالنور مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، الذي أنار اللّه به الـحقّ، وأظهر به الإسلام، ومـحق به الشرك فهو نور لـمن استنار به يبـين الـحقّ، ومن إنارته الـحقّ تبـيـينه للـيهود كثـيرا مـما كانوا يخفون من الكتابوقوله: وكِتابٌ مُبِـينٌ

يقول جلّ ثناؤه: قد جاءكم من اللّه تعالـى النور الذي أنار لكم به معالـم الـحقّ. وكِتَابٌ مُبِـينٌ يعنـي: كتابـا فـيه بـيان ما اختلفوا فـيه بـينهم من توحيد اللّه وحلاله وحرامه وشرائع دينه، وهو القرآن الذي أنزله علـى نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، يبـين للناس جميع ما بهم الـحاجة إلـيه من أمر دينهم ويوضحه لهم، حتـى يعرفوا حقه من بـاطله.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَهْدِي بِهِ اللّه ...}.

يعنـي عزّ ذكره: يهدي بهذا الكتاب الـمبـين الذي جاء من اللّه جلّ جلاله، ويَعْنِـي بقوله: يَهْدِي بِهِ اللّه يرشد به اللّه ويسدّد به. والهاء فـي قوله به عائدة علـى الكتاب. مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ

يقول: من اتبع رضا اللّه .

واختلف فـي معنى الرضا من اللّه جلّ وعزّ،

فقال بعضهم: الرضا منه بـالشيء: القبول له والـمدح والثناء.

قالوا: فهو قابل الإيـمان ومزكّ له، ومثن علـى الـمؤمن بـالإيـمان، وواصف الإيـمان بأنه نور وهدًى وفَصْل.

وقال آخرون: معنى الرضا من اللّه جلّ وعزّ معنى مفهوم، هو خلاف السّخْط، وهو صفة من صفـاته علـى ما يقعل من معانـي الرضا، الذي هو خلاف السخط، ولـيس ذلك بـالـمدح، لأن الـمدح والثناء قول، وإنـما يثنـي ويـمدح ما قدر رُضِي

قالوا: فـالرضا معنى، والثناء والـمدح معنى لـيس به.

ويعنـي بقوله: سُبُلَ السّلام: طرق السلام، والسلام هو اللّه عزّ ذكره.

٩١٤٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلامِ: سبـيـل اللّه الذي شرعه لعبـاده، ودعاهم إلـيه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يَقبَل من أحد عملاً إلا به، لا الـيهودية، ولا النصرانـية، ولا الـمـجوسية.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ويُخْرِجُهُمْ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ بإذْنِهِ.

يقول عزّ ذكره: يهدي اللّه بهذا الكتاب الـمبـين من اتبع رضوان اللّه إلـى سبل السلام، وشرائع دينه. ويُخْرِجُهُمْ

يقول: ومن يخرج من اتبع رضوانه، والهاء والـميـم فـي: ويخرجهم إلـى من ذكر من الظلـمات إلـى النور، يعنـي: من ظلـمات الكفر والشرك إلـى نور الإسلام وضيائه بإذنه، يعنـي: بإذن اللّه جلّ وعزّ. وإذنه فـي هذا الـموضع تـحبـيبه إياه الإيـمان برفع طابعَ الكفر عن قلبه، وخاتَـم الشرك عنه، وتوفـيقه لإبصار سبل السلام.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيهْدِيهِمْ إلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ.

يعنـي عزّ ذكره بقوله: وَيهْدِيهِمْ: ويرشدهم ويسدّدهم إلـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ

يقول: إلـى طريق مسقـيـم، وهو دين اللّه القويـم الذي لا اعوجاج فـيه.

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَآلُوَاْ إِنّ اللّه هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ...}.

هذه ذمّ من اللّه عزّ ذكره للنصارى والنصرانـية الذين ضلوا عن سبل السلام، واحتـجاج منه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي فريتهم علـيه بـادعائهم له ولدا،

يقول جلّ ثناؤه: أقسم لقد كفر الذين

قالوا: إن اللّه هو الـمسيح بن مريـم، وكفرهم فـي ذلك تغطيتهم الـحقّ فـي تركهم نفـي الولد عن اللّه جلّ وعزّ، وادّعائهم أن الـمسيح هو اللّه فرية وكذبـا علـيه. وقد بـينا معنى الـمسيح فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قُلْ فَمَنْ يَـمْلِكُ مِنَ اللّه شَيئْا إنْ أرَادَ أنْ يُهْلِكَ الـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَـمَ وأُمّهُ وَمَنْ فِـي الأرْضِ جَمِيعا.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد للنصارى الذين افتروا علـيّ، وضلوا عن سواء السبـيـل، بقـيـلهم: إن اللّه هو الـمسيح ابن مريـم مَنْ يَـمْلِكُ مِنَ اللّه شَيْئا

يقول: من الـي يطيق أن يدفع من أمر اللّه جلّ وعزّ شيئا، فـيردّه إذا قضاه من قول القائل: ملكت علـى فلان أمره: إذا صار لا يقدرأن ينفذ أمرا إلا بهوقوله: إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ الـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَـمَ وأُمّهُ وَمَنْ فـي الأرْضِ جَمِيعا

يقول: من ذا الذي يقدر أن يردّ من أمر اللّه شيئا إن شاء أن يهلك الـمسيح ابْن مريـم بإعدامه من الأرض وإعدام أمه مريـم، وإعدام جميع من فـي الأرض من الـخـلق جميعا. يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهؤلاء الـجهلة من النصارى لو كان الـمسيح كما يزعمون أنه هو اللّه ، ولـيس كذلك لقدَر أن يردّ أمر اللّه إذا جاءه بـاهلاكه وإهلاك أمه، وقد أهلك أمه فلـم يقدر علـى دفع أمره فـيها إذ نزل ذلك، ففـي ذلك لكم معتبر إن اعتبرتـم، وحجة علـيكم إن عقلتـم فـي أن الـمسيح بشر كسائر بنـي آدم، وأن اللّه عزّ وجلّ هو الذي لا يغلب ولا يقهر ولا يردّ له أمر، بل هو الـحيّ الدائم القـيوم الذي يُحيى ويـميت، وينشيء ويفنـي، وهو حيّ لا يـموت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ولِلّهِ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ وما بَـيْنَهُما يَخْـلُقُ ما يَشاءُ.

يعنـي تبـارك وتعالـى بذلك: واللّه له تصريف ما فـي السموات والأرض وما بـينهما، يعنـي: وما بـين السماء والأرض، يهلك من يشاء من ذلك، ويبقـى ما يشاء منه، ويوجد ما أراد، ويعدم ما أحبّ، لا يـمنعه من شيء أراد من ذلك مانع، ولا يدفعه عنه دافع ينفذ فـيهم حكمه، ويـمضي فـيهم قضاءه، لا الـمسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه، لـم يـملك دفع ما أراد به ربه من ذلك. يقول جلّ وعزّ: كيف يكون إلها يُعبد من كان عاجزا عن دفع ما أراد به غيره من السوء، وغير قادر علـى صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله الـمعبود الذي له ملك كلّ شيء، وبـيده تصريف كلّ من فـي السماء والأرض وما بـينهما.

فقال جل ثناؤه: وَما بَـيْنَهُما، وقد ذكر السموات بلفظ الـجمع، ولـم يقل: وما بـينهنّ، لأن الـمعنى: وما بـين هذين النوعين من الأشياء، كما قال الراعي.

طَرَقا فَتِلكَ هَمَاهِمِي أقْرِيهِماقُلُصا لَوَاقِحَ كالقِسِيّ وحُولاً

فقال: طرقا، مخبرا عن شيئين، ثم قال: فتلك هما همي، فرجع إلـى معنى الكلام.

وقوله: يَخْـلُقُ ما يَشاءُ

يقول: جلّ ثناؤه: وينشيء ما يشاء ويوجده، ويخرجه من حال العدم إلـى حال الوجود، ولن يقدر علـى ذلك غير اللّه الواحد القهار، وإنـما يعنـي بذلك أن له تدبـير السموات والأرض وما بـينهما، وتصريفه وإفناءه وإعدامه، وإيجاد ما يشاء مـما هو غير موجود ولا منشأ،

يقول: فلـيس ذلك لأحد سواي، فكيف زعمتـم أيها الكذبة أن الـمسيح إلـيه، وهو لا يطيق شيئا من ذلك، بل لا يقدر علـى دفع الضرر عن نفسه، ولا عن أمه، ولا اجتلاب نفع إلـيها، إلا بإذنـي.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّه علـى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

يقول عزّ ذكره: اللّه الـمعبود هو القادر علـى كلّ شيء، والـمالك كل شيء، الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يغلبه شيء طلبه، الـمقتدر علـى هلاك الـمسيح وأمه ومن فـي الأرض جميعا، لا العاجز الذي لا يقدر علـى منع نفسه من ضرّ نزل به من اللّه ولا منع أمه من الهلاك.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّه ...}.

وهذا خبر من اللّه جلّ وعزّ عن قوم من الـيهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول. وقد ذكر عن ابن عبـاس تسمية الذين قالوا ذلك من الـيهود.

٩١٤٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير، أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحريّ بن عمرو، وشأس بن عديّ، فكلـموه، فكلّـمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاهم إلـى اللّه وحذّرهم نقمته،

فقالوا: ما تـخوّفنا يا مـحمد، نـحن واللّه أبناء اللّه وأحبـاؤه كقول النصارى، فأنزل اللّه جلّ وعزّ فـيهم: وَقَالَتِ الـيَهُودُ وَالنّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّه وأحِبّـاؤُهُ... إلـى آخر الاَية. وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما:

٩١٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَقالَتِ الـيَهُودُ والنّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّه وأحبّـاؤُهُ أما أبناء اللّه فإنهم

قالوا: إن اللّه أوحى إلـى إسرائيـل أن ولدا من ولدك أدخـلهم النار فـيكونون فـيها أربعين يوما حتـى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيـل، فأُخْرجهم. فذلك قوله: لَنْ تَـمَسّنا النّارُ إلاّ أيّاما مَعْدُوداتٍوأما النصارى، فإن فريقا منهم قال للـمسيح: ابن اللّه .

والعرب قد تـخرج الـخبر إذا افتـخرت مُخْرج الـخبر عن الـجماعة، وإن كان ما افتـخرت به من فعل واحد منهم، فتقول: نـحن الأجواد الكرام، وإنـما الـجواد فـيهم واحد منهم وغير الـمتكلـم الفـاعل ذلك، كما قال جرير:

نَدسْنا أبـا مَندوسة القَـيْنَ بـالقَنَاوَما رَدَمٌ من جارِ بَـيْبَةَ ناقعُ

فقال: (ندسنا)، وإنـما النادس: رجل من قوم جرير غيره، فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن جماعة هو أحدهم. فكذا أخبر اللّه عزّ ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك علـى هذا الوجه إن شاء اللّه وقوله: وأحِبّـاؤُهُ وهو جمع حبـيب، يقول اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهؤلاء الكذبة الـمفترين علـى ربهم فَلِـمَ يُعَذّبُكُمْ رَبّكُمْ؟

يقول: فلأيّ شيء يعذّبكم ربكم بذنوبكم إن كان الأمر كما زعمتـم أنكم أبناؤه وأحبـاؤه، فإن الـحبـيب لا يعذّب حبـيبه، وأنتـم مقرّون أنه معذّبكم. وذلك أن الـيهود قالت: إن اللّه معذّبنا أربعين يوما عدد الأيام التـي عبدنا فـيه العجل، ثم يخرجنا جميعا منها فقال اللّه لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهم: إن كنتـم كما تقولون أبناءُ اللّه وأحبـاؤه، فلـم يعذّبكم بذنوبكم؟ يُعلـمهم عزّ ذكره أنهم أهل فِرية وكذب علـى اللّه جلّ وعزّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: بَلْ أنْتُـمْ بَشَرٌ مِـمّنْ خَـلَقَ يَغْفِرُ لِـمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يشاءُ.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهم: لـيس الأمر كما زعمتـم أنكم أبناء اللّه وأحبـاؤه بل أنتـم بشر مـمن خـلق،

يقول: خـلق من بنـي آدم، خـلقكم اللّه مثل سائر بنـي آدم، إن أحسنتـم جُوزيتـم بإحسانكم كما سائر بنـي آدم مَـجْزِيّون بإحسانهم، وإن أسأتـم جوزيتـم بإساءتكم كما غيركم مـجزىّ بها، لـيس لكم عند اللّه إلا ما لغيركم من خـلقه، فإنه يغفر لـمن يشاء من أهل الإيـمان به ذنوبه، فـيصفح عنه بفضله، ويسترها علـيه برحمته، فلايعاقبه بها. وقد بـينا معنى الـمغفرة فـي موضع غير هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ

يقول: ويعدل علـى من يشاء من خـلقه، فـيعاقبه علـى ذنوبه، ويفضحه بها علـى رءوس الأشهاد، فلا يسترها علـيه، وإنـما هذا من اللّه عزّ وجلّ وعيد لهؤلاء الـيهود والنصارى، الـمتكلـين علـى منازل سلفهم الـخيار عند اللّه ، الذين فضلهم اللّه بطاعتهم إياه، واجتنابهم معصيته، لـمسارعتهم إلـى رضاه، واصطبـارهم علـى ما نابهم فـيه. يقول لهم: لا تغتروا بـمكان أولئك منـي، ومنازلهم عندي، فإنهم إنـما نالوا منـي بـالطاعة لـي، وإيثار رضاي علـى مـحابهم، لا بـالأمانـي، فجِدّوا فـي طاعتـي، وانتهوا إلـى أمري، وانزجروا عما نهيتهم عنه، فإنـي إنـما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتـي، وأعذّب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتـي، لا لـمن قرُبت زلفة آبـائه منـي، وهو لـي عدوّ ولأمري ونهيـي مخالف. وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما:

٩١٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قوله: يَغْفِرُ لِـمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ

يقول: يهدي منكم من يشاء فـي الدنـيا فـيغفر له، ويـميت من يشاء منكم علـى كفره فـيعذّبه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ولِلّهِ مُلْكُ السّمَواتِ والأرْضه وَما بَـيْنَهُما وإلَـيْهِ الـمَصِيرُ.

يقول: لله تدبـير ما فـي السموات وما فـي الأرض وما بـينهما، وتصريفه، وبـيده أمره، وله ملكه، يصرّفه كيف يشاء ويدبره كيف أحبه، لا شريك له فـي شيء منه ولا لأحد معه فـيه ملك، فـاعلـموا أيها القائلون: نـحن أبناء اللّه وأحبـاؤه، أنه إن عذّبكم بذنوبكم، لـم يكن لكم منه مانع ولا لكم عنه دافع لأنه لا نسب بـين أحد وبـينه فـيحابـيَه لسبب ذلك، ولا لأحد فـي شيء ومرجعه. فـاتقوا أيها الـمفترون عقابه إياكم علـى ذنوبكم بعد مرجعكم إلـيه، ولا تغترّوا بـالأمانـي وفضائل الاَبـاء والأسلاف.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا ...}.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: يا أهْلَ الكِتابِ الـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـيْ مهاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم نزلت هذه الاَية. وذلك أنهم أو بعضهم فـيـما ذُكِر لـما دعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الايـمان به وبـما جاءهم به من عند اللّه ،

قالوا: ما بعث اللّه من نبـيّ بعد موسى، ولا أنزل بعد التوراة كتابـا.

٩١٤٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثـين مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال قال معاذ بن جبل وسعد بن عبـادة وعقبة بن وهب للـيهود: يا معشر الـيهود، اتقوا اللّه ، فواللّه إنكم لتعلـمون أنه رسول اللّه ، لقد كنتـم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته. فقال رابع بن حَرْملة وهب بن يهوذا: أما قلنا هذا لكم وما أنزل اللّه من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده. فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـي (ذلك من) قولهما: يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـيّنُ لَكُمْ علـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ أنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنّ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّه عَلـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا: قد جاءكم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولنا، يُبَـيّنُ لَكُمْ

يقول: يعرّفكم الـحقّ، ويوضح لكم أعلام الهدى، ويرشدكم إلـى دين اللّه الـمرتضى. كما:

٩١٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـينُ لَكُمْ علـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، جاء بـالفرقان الذي فرق اللّه به بـين الـحقّ والبـاطل، فـيه بـيان اللّه ونوره وهداه، وعصمة لـمن أخذ به.

عَلَـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ

يقول: علـى انقطاع من الرسل. والفّترة فـي هذا الـموضع: الانقطاع،

يقول: قد جاءكم رسولنا يبـين لكم الـحقّ والهدى علـى انقطاع من الرسل. والفترة: الفَعْلة، من قول القائل: فَتَر هذا الأمر يَفْتُر فتورا، وذلك إذا هدأ وسكن، وكذلك الفَترة فـي هذا الـموضع معناها: السكون، يراد به سكون مـجِيـيء الرسُل، وذلك انقطاعها.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي قدر مدة تلك الفترة، فـاختُلف فـي الرواية فـي ذلك عن قتادة. فروى معمر عنه، ما:

٩١٤٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: علـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ قال: كان بـين عيسى ومـحمد صلـى اللّه علـيهما وسلـم خمسمائة وستون سنة. وروى سعيد بن أبـي عَرُوبة عنه، ما:

٩١٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت الفترة بـين عيسى ومـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ذكر لنا أنها كانت ستـمائة سنة، أو ما شاء من ذلك اللّه أعلـم.

٩١٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن أصحابه، قوله: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَـينُ لَكُمْ علـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ قال: كان بـين عيسى ومـحمد صلـى اللّه علـيهما وسلـم خمسمائة سنة وأربعون سنة. قال معمر: قال قتادة: خمسمائة سنة وستون سنة.

وقال آخرون بـما:

٩١٥١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: علـى فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ قال: كانت الفترة بـين عيسى ومـحمد صلـى اللّه علـيهما وسلـم أربعمائة سنة وبضعا وثلاثـين سنة.

ويعين بقوله: أنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ: أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا، كما قال جلّ ثناؤه: يُبّـينُ اللّه لكُمْ أنْ تَضِلّوا بـمعنى: أن لا تضلوا، وكي لا تضلوا. فمعنى الكلام: قد جاءكم رسولنا يبـين لكم علـى فترة من الرسل، كي لا تقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير. يُعلـمهم عزّ ذكره أنه قد قطع عذرهم برسوله صلى اللّه عليه وسلم، وأبلغ إلـيهم فـي الـحجة. ويعنـي بـالبشير: الـمبشر من أطاع اللّه وآمن به وبرسوله وعمل بـما آتاه من عند اللّه بعظيـم ثوابه فـي آخرته، وبـالنذير الـمنذر من عصاه وكذّب رسوله صلى اللّه عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند اللّه من أمره ونهيه بـما لا قِبَل له به من ألـيـم عقابه فـي معاده وشديد عذابه فـي قـيامته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّه علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يقول جل ثناؤه لهؤلاء الـيهود الذين وصفنا صفتهم: قد أعذرنا إلـيكم، واحتـججنا علـيكم برسولنا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم إلـيكم، وأرسلناه إلـيكم، لـيبـين لكم ما أشكل علـيكم من أمر دينكم، كيلا تقولوا لـم يأتنا من عندك رسول يبـين لنا ما نـحن علـيه من الضلالة، فقد جاءكم من عندي رسول، يبشر من آمن بـي وعمل بـما أمرتُهُ، وانتهى عما نهيته عنه، ويُنذر من عصانـي وخالف أمري، وأنا القادر علـى كلّ شيء، أقدر علـى عقاب من عصانـي وثواب من أطاعنـي، فـاتقوا عقابـي علـى معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولـي، واطلبوا ثوابـي علـى طاعتكم إياي، وتصديقكم بشيري ونذيري، فإنـي أنا الذي لا يعجزه شيء أراده ولا يفوته شيء طلبه.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ ...}.

وهذا أيضا من اللّه تعريف لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم قديـم بتـمادي هؤلاء الـيهود فـي الغيّ وبعدهم عن الـحقّ وسوء اختبـارهم لأنفسهم وشدّة خلافهم لأنبـيائهم وبطء إنابتهم إلـى الرشاد، مع كثرة نعم اللّه عندهم وتتابع أياديه وآلائه علـيه، مسلـيا بذلك نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عما يحلّ به من علاجهم وينزل به من مقاساتهم فـي ذات اللّه . يقول اللّه له صلى اللّه عليه وسلم: لا تأس علـى علـى ما أصابك منهم، فإن الذهاب عن اللّه والبعد من الـحقّ وما فـيه لهم الـحظّ فـي الدنـيا والاَخرة من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم، وتعزّ بـما لاقـى منهم أخوك موسى صلى اللّه عليه وسلم، واذكر إذ قال موسى لهم: يا قَوْم اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ

يقول: اذكروا أياديَ اللّه عندكم وآلاءه قِبَلكم. كما:

٩١٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ قال: أيادي اللّه عندكم وأيامه.

٩١٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ

يقول: عافـية اللّه .

وإنـما أخترنا ما قلنا، لأن اللّه لـم يخصص من النعم شيئا، بل عمّ ذلك بذكر النعم، فذلك علـى العافـية وغيرها، إذ كانت العافـية أحد معانـي النعم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إذْ جَعَلَ فِـيكُمْ أنْبِـياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه، أن موسى ذكّر قومه من بنـي إسرائيـل بأيام اللّه عندهم وبآلائه قِبَلهم، فحرّضهم بذلك علـى اتبـاع أمر اللّه فـي قتال الـجبـارين، فقال لهم: اذكروا نعمة اللّه علـيكم أنْ فَضّلَكم بأن جعل فـيكم أنبـياء يأتونكم بوحيه ويخبرونكم بآياته الغيب، ولـم يعط ذلك غيركم فـي زمانكم هذا. فقـيـل إن الأنبـياء الذين ذكرهم موسى أنهم جُعِلوا فـيهم هم الذين اختارهم موسى، إذ صار إلـى الـجبل وهم السبعون الذين ذكرهم اللّه ،

فقال: واخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا.

وجَعَلَكُمْ مُلُوكا سخر لكم من غيركم خدّ ما يخدمونكم.

وقـيـل: إنـما قال ذلك لهم موسى، لأنه لـم يكن فـي ذلك الزمان أحد سواهم يخدمه أحد من بنـي آدم. ذكر من قال ذلك:

٩١٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذْ قال مُوسَى لقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِـيكُم أنْبِـياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: كنا نـحدّث أنهم أوّل من سخر لهم الـخدم من بنـي آدم وملكوا.

وقال آخرون: كلّ من ملك بـيتا وخادما وامرأة، فهو مَلِك كائنا من كان من الناس. ذكر من قال ذلك:

٩١٥٥ـ حدثنا يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو هانىء، أنه سمع أبـا عبد الرحمن الـحبلـي

يقول: سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص وسأله رجل،

فقال: ألسنا من فقراء الـمهاجرين؟ فقال له عبد اللّه : ألك امرأة تأوي إلـيها؟ نعم

قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم

قال: فأنت من الأغنـياء. فقال: إن لـي خادما

قال: فأنت من الـملوك.

٩١٥٦ـ حدثنا الزبـير بن بكار، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، قال: سمعت زيد بن أسلـم،

يقول: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاٍ فلا أعلـم إلاّ أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ كانَ لَهُ بَـيْتٌ وَخادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ).

٩١٥٧ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الـجبـار، عن حماد بن سلـمة، عن حميد، عن الـحسن، أنه تلا هذه الاَية: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا فقال: وهل الـملكِ إلاّ مركب وخادم ودار؟

فقال قائلو هذه الـمقالة: إنـما قال لهم موسى ذلك، لأنهم كانوا يـملكون الدور والـخدم، ولهم نساء وأزواج. ذكر من قال ذلك:

٩١٥٨ـ حدثنا سفـيان بن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، قال: أراه عن الـحكم: وَجَعَلَكمْ مُلُوكا قال: كانت بنو إسرائيـل إذا كان للرجل منهم بـيت وامرأة وخادم، عدّ ملكا.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان. ح، وحدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن الـحكم: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: الدار والـمرأة والـخادم. قال سفـيان: أو اثنتـين من الثلاثة.

٩١٥٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عبـاس فـي قوله: وَجَعَلكُمْ مُلُوكا قال: البـيت والـخادم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن الـحكم أو غيره، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: الزوجة والـخادم والبـيت.

٩١٦٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: جعل لكم أزواجا وخدما وبـيوتا.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا علـيّ بن مـحمد الطنافسي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج بن تـميـم، عن ميـمون بن مهران، عن ابن عبـاس فـي قول اللّه : وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: كان الرجل من بنـي إسرائيـل إذا كانت له الزوجة والـخادم والدار يسمى ملكا.

٩١٦١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبدالرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: ملّكهم الـخدم. قال قتادة: كانوا أوّل من ملك الـخدم.

حدثنـي الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـان، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مـجاهد: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا قال: جعل لكم أزواجا وخدما وبـيوتا.

وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا أنهم بـملكون أنفسهم وأهلـيهم وأموالهم. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٢ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكا يـملك الرجل منكم نفسه وأهله وماله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ.

اختلف فـيـمن عنُوا بهذا الـخطاب،

فقال بعضهم: عُنـي به أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٣ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك وسعيد بن جبـير: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ قالا: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: عُنـي به قوم موسى صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: هم قوم موسى.

٩١٦٥ـ حدثنـي الـحارث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـان، قال: حدثنا سفـيان عن الأعمش، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ قال: هم بـين ظهرانـيه يومئذٍ.

ثم اختلفوا فـي الذي آتاهم اللّه ما لـم يؤت أحد من العالـمين،

فقال بعضهم: هو الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٦ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمينَ قال: الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ يعنـي أهل ذلك الزمان، الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام.

وقال آخرون: هو الدار والـخادم والزوجة. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا بشر بن السريّ، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبـاس : وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ قال: الرجل يكون له الدار والـخادم والزوجة.

٩١٦٨ـ حدثنـي الـحرث

قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ الـمنّ والسلوى والـحجر والغمام.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: وآتاكم ما لـم يؤت أحدا من العالـمين، خطاب لبنـي إسرائيـل، حيث جاء فـي سياق قوله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ ومعطوفـا علـيه. ولا دلالة فـي الكلام تدلّ علـى أن قوله: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ مصروف عن خطاب الذين ابتدىء بخطابهم فـي أوّل الاَية. فإذا كان ذلك كذلك، فأن يكون خطابـا لهم أولـى من أن يقال: هو مصروف عنهم إلـى غيرهم. فإن ظنّ ظانّ أن قوله: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ لا يجوز أن يكون خطابـا لبنـي إسرائيـل، إذ كانت أمة مـحمد قد أوتـيت من كرامة اللّه نبـيها علـيه الصلاة والسلام مـحمدا، ما لـم يؤت أحدا غيرهم، وهم من العالـمين فقد ظنّ غير الصواب، وذلك أن قوله: وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العالَـمِينَ خطاب من موسى صلى اللّه عليه وسلم لقومه يومئذٍ، وعنى بذلك عالـمي زمانه لا عالـمي كلّ زمان، ولـم يكن أُوتـي فـي ذلك الزمان من نعم اللّه وكرامته ما أُوتـي قومه صلى اللّه عليه وسلم أحد من العالـمين، فخرج الكلام منه صلى اللّه عليه وسلم علـى ذلك لا علـى جميع كلّ زمان.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدّسَةَ الّتِي كَتَبَ اللّه لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدّوا عَلَىَ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ }.

وهذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن قول موسى صلى اللّه عليه وسلم لقومه من بنـي إسرائيـل، وأمره إياهم عن أمر اللّه إياه، يأمرهم بدخول الأرض الـمقدسة.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الأرض التـي عناها بـالأرض الـمقدسة،

فقال بعضهم: عنى بذلك: الطور وما حوله. ذكر من قال ذلك:

٩١٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأرض الـمقدسة: الطور وما حوله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩١٧٠ـ حدثنـي الـحارث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَةَ قال: الطّور وما حوله.

وقال آخرون: هو الشأم. ذكر من قال ذلك:

٩١٧١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: الأرْضُ الـمقدّسة قال: هي الشأم.

وقال آخرون: هي أرض أريحاء. ذكر من قال ذلك:

٩١٧٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ قال: أريحاء.

٩١٧٣ـ حدثنـي يوسف بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: هي أريحاء.

٩١٧٤ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: هي أريحاء.

وقـيـل: إن الأرض الـمقدسة: دمشق وفلسطين وبعض الأردنّ. وعنى بقوله الـمُقَدّسَة: الـمطهرة الـمبـاركة. كما:

٩١٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأرْضَ الـمُقَدّسَة قال: الـمبـاركة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بـمثله.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، أن يقال: هي الأرض الـمقدسة، كما قال نبـيّ اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم. لأن القول فـي ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تدرك حقـيقة صحته إلاّ بـالـخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تـخرج من أن تكون من الأرض التـي بـين الفرات وعريش مصر لإجماع جميع أهل التأويـل والسير والعلـماء بـالأخبـار علـى ذلك. ويعنـي بقوله: التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ: التـي أثبت فـي اللوح الـمـحفوظ أنها لكم مساكن، ومنازل دون الـجبـابرة التـي فـيها.

فإن قال قائل: فكيف قال: التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ، وقد علـمت أنهم لـم يدخـلوها بقوله: فإنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ؟ فكيف يكون مثبتا فـي اللوح الـمـحفوظ أنها مساكن لهم، ومـحرّما علـيهم سكناها؟

قـيـل: إنها كتبت لبنـي إسرائيـل دارا ومساكن، وقد سكنوها ونزلوها، وصارت لهم كما قال اللّه جلّ وعزّ. وإنـما قال لهم موسى: ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ يعنـي بها: كتبها اللّه لبنـي إسرائيـل وكان الذين أمرهم موسى بدخولها من بنـي إسرائيـل ولـم يعن صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه تعالـى ذكره كتبها للذين أمرهم بدخولها بأعيانهم، ولو قال قائل: قد كانت مكتوبة لبعضهم، ولـخاصّ منهم، فأخرج الكلام علـى العموم والـمراد منه الـخاص، إذ كان يُوشَع وكالب قد دخلا، وكانا مـمن خوطب بهذا القول، كان أيضا وجها صحيحا.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن إسحاق.

٩١٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق: التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ: التـي وهب اللّه لكم.

وكان السديّ

يقول: معنى (كتب) فـي هذا الـموضع بـمعنى (أمر).

٩١٧٧ـ حدثنا بذلك موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ: التـي أمركم اللّه بها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَرْتَدّوا علـى أدْبـارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

وهذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن قـيـل موسى علـيه السلام لقومه من بنـي إسرائيـل، إذ أمرهم عن أمر اللّه عزّ ذكره إياه بدخول الأرض الـمقدسة، أنه قال لهم: امضوا أيها القوم لأمر اللّه الذي أمركم به من دخول الأرض الـمقدسة، وَلا تَرْتَدّوا

يقول: لا ترجعوا القهقري مرتدين علـى أدْبَـارِكُمْ يعنـي: إلـى ورائكم، ولكن امضوا قدما لأمر اللّه الذي أمركم به من الدخول علـى القوم الذين أمركم اللّه بقتالهم والهجوم علـيهم فـي أرضهم، وأن اللّه عزّ ذكره قد كتبها لكم مسكنا وقرارا.

ويعنـي بقوله: فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ: أنكم تنصرفوا خائبـين هكذا. وقد بـينا معنى الـخسارة فـي غير هذا الـموضع بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع.

فإن قال قائل: وما كان وجه قـيـل موسى لقومه إذ أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة لا ترتدّوا علـى أدْبـارِكُمْ فتنقلبوا خاسرين؟ أو يستوجب الـخسارة من لـم يدخـل أرضا جعلت له؟

قـيـل: إن اللّه عزّ ذكره كان أمره بقتال من فـيها من أهل الكفر به وفرض علـيهم دخولها، فـاستوجب القوم الـخسارة بتركهم. إذا فرض اللّه علـيهم من وجهين: أحدهما تضيـيع فرض الـجهاد الذي كان اللّه فرضه علـيهم. والثانـي: خلافهم أمر اللّه فـي تركهم دخول الأرض، وقولهم لنبـيهم موسى صلى اللّه عليه وسلم إذ قال لهم (ادخـلوا الأرض الـمقدسة): إنّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْها فإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنّا دَاخِـلُونَ.

كان قتادة يقول فـي ذلك بـما:

٩١٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا قَوْمِ ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ أمروا بها كما أمروا بـالصلاة والزكاة والـحجّ والعمرة.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوا يَامُوسَىَ إِنّ فِيهَا قَوْماً جَبّارِينَ ...}.

وهذا خبر من اللّه جل ثناؤه عن جواب قوم موسى علـيه السلام، إذا أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة، أنهم أبوا علـيه إجابة إلـى ما أمرهم به من ذلك، واعتلّوا علـيه فـي ذلك بأن

قالوا: إن فـي الأرض الـمقدسة التـي تأمرنا بدخولها قوما جبـارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوّة لنا بهم. وسموهم جبـارين، لأنهم كانوا بشدّة بطشهم وعظيـم خـلقهم فـيـما ذُكر لنا قد قهروا سائر الأمـم غيرهم. وأصل الـجبـار: الـمصلـح أمر نفسه وأمر غيره، ثم استعمل فـي كل من اجترّ نفعا إلـى نفسه بحقّ أو بـاطل طلب الإصلاح لها حتـى قـيـل للـمتعدي إلـى ما لـيس له بغيا علـى الناس وقهرا لهم وعتوّا علـى ربه: جبـار، وإنـما هو فعّال من قولهم: جبر فلان هذا الكسر إذا أصلـحه ولأمه، ومنه قول الراجز:

قَدْ جَبَرَ الدّينَ الإلَهُ فَجَبَرْوعَوّرَ الرّحْمَنُ مَنْ وَلّـى العَوَرْ

يريد: قد أصلـح الدين الإله فصلـح ومن أسماء اللّه تعالـى ذكره الـجبـار، لأنه الـمصلـح أمر عبـاده القاهر لهم بقدرته. ومـما ذكرته من عظم خـلقهم ما:

٩١٧٩ـ حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ فـي قصة ذكرها من أمر موسى وبنـي إسرائيـل، قال: ثم أمرهم بـالسير إلـى أريحاء، وهي أرض بـيت الـمقدس، فساروا حتـى إذا كانوا قريبـا منهم، بعث موسى اثنـي عشر نقـيبـا من جميع أسبـاط بنـي إسرائيـل، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الـجبـارين، فلقـيهم رجل من الـجبـارين، يقال له: عوج، فأخذ الاثنـي عشر فجعلهم فـي حجزته، وعلـى رأسه حملة حطب، وانطلق بهم إلـى امرأته،

فقال: انظري لـي هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بـين يديها،

فقال: ألا أطحنهم برجلـي؟ فقالت امرأته: لا، بل خـلّ عنهم حتـى يخبروا قومهم بـما رأوا، ففعل ذلك.

٩١٨٠ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا سفـيان، قال: قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أمِرَ موسى أن يدخـل مدينة الـجبـارين، قال: فسار موسى بـمن معه حتـى نزل قريبـا من الـمدينة، وهي أريحاء. فبعث إلـيهم اثنـي عشر عينا، من كلّ سبط منهم عينا، لـيأتوه بخبر القوم

قال: فدخـلوا الـمدينة، فرأوا أمرا عظميا من هيئتهم وجثثهم وعظمهم، فدخـلوا حائطا لبعضهم، فجاء صاحب الـحائط لـيجتنـي الثمار من حائطه، فجعل يجتنـي الثمار وينظر إلـى آثارهم وتتبعهم، فكلـما أصاب واحدا منهم أخذه، فجعله فـي كمه مع الفـاكهة. وذهب إلـى ملكهم فنثرهم بـين يديه، فقال الـملك: قد رأيتـم شأننا وأمرنا، اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال: فرجعوا إلـى موسى فأخبروه بـما عاينوا من أمرهم.

٩١٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: إنّ فِـيها قَوْما جَبّـارِينَ ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخـلق لـيست لغيرهم.

٩١٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: إن موسى علـيه السلام قال لقومه: إنـي سأبعث رجالاً يأتوننـي بخبرهم وإنه أخذ من كلّ سبط رجلاً، فكانوا اثنـي عشر نقـيبـا،

فقال: سيروا إلـيهم وحدثونـي حدثهم وما أمرهم ولا تـخافوا إن اللّه معكم ما أقمتـم الصلاة، وآتـيتـم الزكاة، وآمنتـم برسله، وعزّرتـموهم، وأقرضتـم اللّه قرضا حسنا. ثم إن القوم ساروا حتـى هجموا علـيهم، فرأوا أقواما لهم أجساما عجبٌ، عظما وقوّة، وأنه فـيـما ذكر أبصرهم أحد الـجبـارين، وهم لا يألون أن يخفوا أنفسهم حين رأوا العجب، فأخذ ذلك الـجبـار منهم رجالاً، فأتـى رئيسهم، فألقاهم قدامه، فعجبوا وضحكوا منهم، فقال قائل منهم: إن هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم، وأنه لولا ما دفع اللّه عنهم لقتلوا. وإنهم رجعوا إلـى موسى علـيه السلام فحدثوه العجب.

٩١٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أْئنىْ عَشَرَ نَقِـيبـا من كلّ سبط من بنـي إسرائيـل رجل أرسلهم موسى إلـى الـجبـارين، فوجدوهم يدخـل فـي كمّ أحدهم اثنان منهم، يـلقونهم إلقاء، ولا يحمل عنقود عنهم إلاّ خمسة أنفس بـينهم فـي خشبة، ويدخـل فـي شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حديفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه.

٩١٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن الوزير بن قـيس، عن أبـيه، عن جويبر، عن الضحاك : إنّ فِـيها قَوْما جَبّـارِينَ قال: سِفْلة لا خلاق لهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْهافإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنّا داخِـلونَ.

وهذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن قول قوم موسى لـموسى جوابـا لقوله لهم: ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ

فقالوا: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها حتـى يَخْرُجُوا مِنْها يعنون: من الأرض الـمقدسة الـجبـارون الذين فـيها، جبنا منهم وجزعا من قتالهم

وقالوا له: إن يخرج منها هؤلاء الـجبـارون دخـلناها، وإلاّ فإنا لا نطيق دخولها وهم فـيها، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يد.

٩١٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، أن كالب بن يوفنا، أسكت الشعب عن موسى صلى اللّه عليه وسلم، فقال لهم: إنا سنعلو الأرض ونرثها، وإن لنا بهم قوّةوأما الذين كانوا معه،

فقالوا: لا نستطيع نصل إلـى ذلك الشعب من أجل أنهم أجرأ منا. ثم إن أولئك الـجواسيس أخبروا بنـي إسرائيـل الـخبر، و

قالوا: إنا مررونا فـي أرض وأحسسناها، فإذا هي تأكل ساكنها، ورأينا رجالها جساما، ورأينا الـجبـابرة بنـي الـجبـابرة، وكنا فـي أعينهم مثل الـجراد. فأرجفت الـجماعة من بنـي إسرائيـل، فرفعوا أصواتهم بـالبكاء. فبكى الشعب تلك اللـيـلة، ووسوسوا علـى موسى وهارون، فقالوا لهما: يا لـيتنا متنا فـي أرض مصر، ولـيتنا نـموت فـي هذه البرية ولـم يدخـلنا اللّه هذه الأرض لنقع فـي الـحرب، فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا عنـيـمة، ولو كنا قعودا فـي أرض مصر، كان خيرا لنا وجعل الرجل يقول لأصحابه: تعالوا نـجعل علـينا رأسا وننصرف إلـى مصر.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الّذِينَ يَخَافُونَ ...}.

وهذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن الرجلـين الصالـحين من قوم موسى: يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، أنهما وفـيا لـموسى بـما عهد إلـيهما من ترك إعلام قومه بنـي إسرائيـل الدين أمرهم بدخول الأرض الـمقدسة علـى الـجبـابرة من الكنعانـيـين، بـما رأيا وعاينا من شدة بطش الـجبـابرة وعظم خـلقهم، ووصفهما اللّه بأنهما مـمن يخاف اللّه ويراقبه فـي أمره ونهيه كما:

٩١٨٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان. ح، وحدثنا ابن وكيع، قال حدثنا أبـي، عن سفـيان. ح، وحدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما قال: كلاب بن يوفنا ويوشع بن نون.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن منصور، عن مـجاهد، قال: رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما قال: يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنا، وهما من النقبـاء.

٩١٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قصة ذكرها، قال: فرجع النقبـاء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم، إلاّ يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنا، يأمران الأسبـاط بقتال الـجبـارين ومـجاهدتهم، فعصوهما، وأطاعوا الاَخرين، فهما الرجلان اللذان أنعم اللّه علـيهما.

حدثنا ابن حميد، وسفـيان بن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، مثل حديث ابن بشار، عن ابن مهدي، إلاّ أن ابن حميد قال فـي حديثه: هما من الاثنى عشر نقـيبـا.

٩١٨٨ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا سفـيان، قال: قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قصة ذكرها، قال: فرجعوا يعنـي النقبـاء الاثنـي عشر إلـى موسى، فأخبروه بـما عاينوا من أمرهم، فقال لهم موسى: اكتـموا شأنهم ولا تـخبروا به أحدا من أهل العسكرة فإنكم إن أخبرتـموهم بهذا الـخبر فشلوا ولـم يدخـلوا الـمدينة

قال: فذهب كلّ رجل منهم، فأخبر قريبه وابن عمه، إلاّ هذين الرجلـين يوشع بن نون وكلاب بن يوفنا، فإنهما كتـما ولـم يخبرا به أحدا، وهما اللذان قال اللّه : قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما... إلـى قوله: وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ.

٩١٨٩ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما وهما اللذان كتـماهم: يوشع بن نون فتـى موسى، وكالوب بن يوفنة ختن موسى.

٩١٩٠ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما كالوب ويوشع بن نون فتـى موسى.

٩١٩١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما والرجلان اللذان أنعم اللّه علـيهما من بنـي إسرائيـل: يوشع بن نون، كالوب بن يوفنة.

٩١٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما ذُكر لنا أن الرجلـين: يوشع بن نون، وكالب.

٩١٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: أن موسى قال للنقبـاء لـما رجعوا فحدّثوه العجب: لا تـحدّثوا أحدا بـما رأيتـم، إن اللّه سيفتـحها لكم ويظهركم علـيها من بعد ما رأيتـم وإن القوم أفشوا الـحديث من بنـي إسرائيـل، فقام رجلان من الذين يخافون أنعم اللّه علـيهما: كان أحدهما فـيـما سمعنا يوشع بن نون وهو فتـى موسى، والاَخر كالب، فقالا: ادخـلوا علـيهم البـاب إن كنتـم مؤمنـين.

واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ. قرأ ذلك قرّاء الـحجاز والعراق والشام: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما بفتـح الـياء من (يخافون)، علـى التأويـل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفـا، أنهما يوشع بن نون وكالب من قوم موسى، مـمن يخاف اللّه ، وأنعم علـيهما بـالتوفـيق. وكان قتادة يقول فـي بعض القراءة: (قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما).

٩١٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. ح، وحدثثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما فـي بعض الـحروف: (يخافون اللّه أنعم اللّه علـيهما).

وهذا أيضا مـما يدلّ علـى صحة تأويـل من تأوّل ذلك علـى ما ذكرنا عنه أنه قال: يوشع، وكالب. ورُوي عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرأ ذلك: (قال رَجُلانِ منَ الّذِينَ يُخافونَ) بضم الـياء (أنعم اللّه عَلَـيْهِما).

٩١٩٥ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا هشيـم، عن القاسم بن أبـي أيوب، ولا نعلـمه أنه سمع منه، عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرؤها بضم الـياء من: (يُخافُونَ).

وكأنّ سعيدا ذهب فـي قراءته هذه إلـى أن الرجلـين اللذين أخبر اللّه عنهما أنهما قالا لبنـي إسرائيـل: ادخـلوا علـيهم البـاب فإذا دخـلتـموه فإنكم غالبون، كانا من رهط الـجبـابرة، وكانا أسلـما واتبعا موسى، فهما من أولاد الـجبـابرة، اغلذين يخافهم بنو إسرائيـل وإن كان لهم فـي الدين مخالفـين. وقد حُكِي نـحو هذا التأويـل عن ابن عبـاس .

٩١٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: ادْخُـلُوا الأرْضَ الـمُقَدّسَة التـي كَتَبَ اللّه لَكُمْ وَلا تَرْتَدّوا علـى أدبـارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ قال: هي مدنة الـجبـارين، لـما نزل بها موسى وقومه، بعث منهم اثنـي عشر رجلاً، وهم النقبـاء الذين ذكر نعتهم لـيأتوه بخبرهم. فساروا، فلقـيهم رجل من الـجبـارين، فجعلهم فـي كسائه، فحملهم حتـى أتـى بهم الـمدينة، ونادى فـي قومه، فـاجتـمعوا إلـيه،

فقالوا: من أنتـم؟

فقالوا: نـحن قوم موسى، بعثنا إلـيكم لنأتـيه بخبركم، فأعطوهم حبة من عنب بوقر الرجل، فقالوا لهم: اذهبوا إلـى موسى وقومه، فقولوا لهم: اقدُروا قدر فـاكهتهم فلـما أتوهم، قالوا لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما وكانا من أهل الـمدينة أسلـما واتبعا موسى وهارون، فقالا لـموسى: ادْخُـلُوا عَلَـيْهِمُ البـابَ فإذَا دَخَـلْتُـمُوهُ فَإنّكُمْ غالِبونَ وَلعى اللّه فَتَوَكّلُوا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.

فعلـى هذه القراءة وهذا التأويـل لـم يكتـم من الاثنى عشر نقـيبـا أحدا ما أمرهم موسى بكتـمانه بنـي إسرائيـل مـما رأوا وعاينوا من عظم أجسام الـجبـابرة وشدّة بطشهم وعجيب أمورهم، بل أفشوا ذلك كله. وإنـما القائل للقوم ولـموسى: ادخـلوا علـيهم البـاب، رجلان من أولاد الذين كان بنو إسرائيـل يخافونهم ويرهبون الدخول علـيهم من الـجبـابرة، كان أسلـما وتبعا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا، قراءة من قرأ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما لإجماع قرّاء فـيه الـخطأ والسهو. ثم فـي إجماع الـحجة فـي تأويـلها علـى أنهما رجلان من أصحاب موسى من بنـي إسرائيـل وأنهما يوشع وكلاب، ما أغنى عن الاستشهاد علـى صحة القراءة بفتـح الـياء فـي ذلك وفساد غيره، وهو التأويـل الصحيح عندنا لـما ذكرنا من أجماعها علـيه.

وأما قوله: أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما فإته يعنـي: أنعم اللّه علـيهم بطاعة اللّه فـي طاعة نبـيه موسى صلى اللّه عليه وسلم، وانتهائهم إلـى أمره، والانزجار عما زجرهما عنه صلى اللّه عليه وسلم، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الـجبـارين إلـى بنـي إسرائيـل الذي حذّر عنه أصحابهما الاَخرين الذين كانوا معهما من النقبـاء. وقد

قـيـل: إن معنى ذلك: أنعم الل علـيهما بـالـخوف. ذكر من قال ذلك:

٩١٩٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خـلف بن تـميـم، قال: حدثنا إسحاق بن القاسم، عن سهل ابن علـيّ، قوله: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما قال: أنعم اللّه علـيهما بـالـخوف.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، كان الضحاك يقول وجماعة غيره.

٩١٩٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللّه عَلَـيْهِما بـالهدى فهداهما، فكانا علـى دين موسى، وكانا فـي مدينة الـجبـارين.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ادْخُـلُوا عَلَـيْهِمُ البـابَ فإذَا دَخَـلْتُـمُوهُ فإنّكُمْ غالِبُونَ.

وهذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن قول الرجلـين اللذين يخافـان اللّه لبنـي إسرائيـل إذ جبنوا وخافوا من الدخول علـى الـجبـارين لـما سمعوا خبرهم، وأخبرهم النقبـاءالذين أفشوا ما عاينوا من أمرهم فـيهم، و

قالوا: إن فـيها قوما جبـارين وإنا لن ندخـلها حتـى يخرجوا منها، فقالا لهم: ادخـلوا علـيهم أيها القوم بـاب مدينتهم، فإن اللّه معكم وهو ناصركم، وإنكم إذا دخـلتـم البـاب غلبتـموهم. كما:

٩١٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل، قال: لـما همّ بنو إسرائيـل بـالانصراف إلـى مصر حين أخبرهم النقبـاء بـما أخبروهم من أمر الـجبـابرة، خرّ موسى وهارون علـى وجوههما سجودا قدام جماعة بنـي إسرائيـل، وخرّق يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ثـيابهما، وكانا من جواسيس الأرض، وقالا لـجماعة بنـي إسرائيـل: إن الأرض مررنا بها وجسسناها صالـحة رضيها ربنا لنا فوهبها لنا، وإنها لـم تكن تفـيض لبنا وعسلاً، ولكن افعلوا واحدة، لا تعصُوا اللّه ، ولا تـخَشوُا الشعب الذين بها، فإنهم جبناء، مدفوعون فـي أيدينا، إن حاربناهم ذهبت منهم، وإن اللّه معنا فلا تـخشوهم. فأراد من بنـي إسرائيـل أن يرجموهما بـالـحجارة.

٩٢٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنهم بعثوا اثنـي عشر رجلاً، من كل سبط رجلاً، عيونا لهم، ولـيأتوهم بأخبـار القوم. فأما عشرة فجبّنوا قومهم وكَرّهُوا إلـيهم الدخول علـيهموأما الرجلان فأمرا قومهما أن يدخـلوها، وأن يتبعوا أمر اللّه ، ورغبـا فـي ذلك، وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك.

٩٢٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : عَلَـيْهِمُ البـابَ قرية الـجبـارين.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وعلـى اللّه فَتَوَكّلُوا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنـينَ.

وهذا أيضا خبر من اللّه جلّ وعزّ، عن قول الرجلـين اللذين يخافـان اللّه أنهما قالا لقوم موسى يشجعانهم بذلك، ويرغبـانهم فـي الـمضيّ لأمر اللّه بـالدخول علـى الـجبـارين فـي مدينتهم: توكلوا أيها القوم علـى اللّه فـي دخولكم علـيهم ويقولان لهم: ثقوا بـاللّه فإنه معكم إن أطعتـموه فـيـما أمركم من جهاد عدوّكم. وعنـيا بقولهما إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ: إن كنتـم مصدّقـي نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم، فـيـما أنبأكم عن ربكم من النصرة والظفر علـيهم، وفـي غير ذلك من إخبـاره عن ربه، ومؤمنـين بأن ربكم قادر علـى الوفـاء لكم بـما وعدكم من تـمكينكم فـي بلاد عدوّه وعدوّكم.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَامُوسَىَ إِنّا لَنْ نّدْخُلَهَآ أَبَداً ...}.

وهذا خبر من اللّه جلّ ذكره عن قول الـملإ من قوم موسى لـموسى، إذ رغبوا فـي جهاد عدوّهم، ووعدوا نصر اللّه إياهم، إن هم ناهضوهم، ودخـلوا علـيهم بـاب مدينتهم أنهم قالوا له: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها أبَدا يعنون: إنا لن ندخـل مدينتهم أبدا. والهاء والألف فـي قوله: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها من ذكر الـمدينة. ويعنون بقولهم: أبدا: أيام حياتنا ما داموا فـيها، يعنـي: ما كان الـجبـارون مقـيـمين فـي تلك الـمدينة التـي كتبها اللّه لهم وأُمروا بدخولها. فـاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ لا نـجيء معك يا موسى إن ذهبت إلـيهم لقتالهم، ولكن نتركك تذهب أنت وحدك وربك فتقاتلانهم.

وكان بعضهم يقول فـي ذلك: لـيس معنى الكلام: اذهب أنت ولـيذهب معك ربك فقاتلا، ولكن معناه: اذهب أنت يا موسى، ولـيُعِنْك ربك، وذلك أن اللّه لا يجوز علـيه الذهاب. وهذا إنـما كان يحتاج إلـى طلب الـمخرج له لو كان الـخبر عن قوم مؤمنـين، فأما قوم أهل خلاف علـى اللّه عزّ ذكره وسوله، فلا وجه لطلب الـمخرج لكلامهم فـيـما قالوا فـي اللّه عزّ وجلّ وافترَوا علـيه إلا بـما يشبه كفرهم وضلالتهم. وقد ذكر عن الـمقداد أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلاف ما قال قوم موسى لـموسى.

٩٢٠٢ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي، وحدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن مخارق، عن طارق: أن الـمقداد بن الأسود قال للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيـل: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون.

٩٢٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوم الـحديبـية، حين صدّ الـمشركون الهدي وحيـل بـينهم وبـين مناسكهم: (إنّى ذَاهِبٌ بـالهَدْي فَناحِرُهُ عِنْدَ البَـيْتِ). فقال له الـمقداد بن الأسود: أما واللّه لا نكون كالـملإ من بنـي إسرائيـل، إذ قالوا لنبـيهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فلـما سمعها أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم تتابعوا علـى ذلك.

وكان ابن عبـاس والضحاك بن مزاحم وجماعة غيرهما يقولون: إنـما قالوا هذا القول لـموسى علـيه السلام حين تبـين لهم أمر الـجبـارين وشدة بطشهم.

٩٢٠٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: أمر اللّه جلّ وعزّ بنـي إسرائيـل أن يسيروا إلـى الأرض الـمقدسة مع نبـيهم موسى صلى اللّه عليه وسلم، فلـما كانوا قريبـا من الـمدينة قال لهم موسى: ادخـلوها فأبوا وجبنوا، وبعثوا اثنـي عشر نقـيبـا لـينظروا إلـيهم. فـانطلقوا فنظروا، فجاءوا بحبة فـاكهة من فـاكهتهم بوقر الرجل،

فقالوا: قدروا قوّة قوم وبأسهم هذه فـاكهتهم فعند ذلك قالوا لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ.

٩٢٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس نـحوه.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّي لآ أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }.

وهذا خبر من اللّه جلّ وعزّ عن قـيـل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا من قولهم: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها أبَدا ما دَامُوا فِـيها فـاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ أنه قال عند ذلك، وغضب من قـيـلهم لهم داعيا: يا ربّ إنّى لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي يعنـي بذلك: لا أقدر علـى أحد أن أحمله علـى ما أحبّ وأريد من طاعتك واتبـاع أمرك ونهيك، إلا علـى نفسي وعلـى أخي. من قول القائل: ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا، بـمعنى: لا أقدر علـى شيء غيره.

ويعنـي بقوله: فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ افصل بـيننا وبـينهم بقضاء منك تقضيه فـينا وفـيهم فتبعدهم منا، من قول القائل: فَرَقت بـين هذين الشيئين، بـمعنى: فصلت بـينهما من قول الراجز:

يا رَبّ فـافْرُقْ بَـيْنَهُ وَبَـيْنـيأشَدّ ما فَرَقْتَ بـينَ اثنَـيْنِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٢٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ

يقول: اقض بـينـي وبـينهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ

يقول: اقض بـيننا وبـينهم.

٩٢٠٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: غضب موسى صلى اللّه عليه وسلم حين قال له القوم: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ، فدعا علـيهم فقال: رَبّ إنّى لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ وكانت عجْلة من موسى عجلها.

٩٢٠٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فـافْرُقْ بَـيْنَنا وبـينَ القَوْمِ الفـاسِقِـينَ

يقول: اقض بـيننا وبـينهم، وافتـح بـيننا وبـينهم، كل هذا من قول الرجل: اقض بـيننا، فقضى اللّه جل ثناؤه بـينه وبـينهم أن سماهم فـاسقـين.

وعنى بقوله: الفـاسِقِـينَ: الـخارجين عن الإيـمان بـاللّه وبه، إلـى الكفر بـاللّه وبه. وقد دللنا علـى أن معنى الفسق: الـخروج من شيء إلـى شيء، فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَإِنّهَا مُحَرّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الناصب للأربعين،

فقال بعضهم: الناصب له قوله: مُـحَرّمَةٌ وإنـما حرّم اللّه جلّ وعزّ علـى القوم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم موسى وأبوا حرب الـجبـارين، دخولَ مدينتهم أربعين سنة، ثم فتـحها علـيهم، وأسكنوها، وأهلك الـجبـارين بعد حرب منهم لهم، بعد أن قضيت الأربعون سنة، وخرجوا من التـيه.

٩٢٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: لـما قال لهم القوم ما قالوا ودعا موسى علـيهم، أوحى اللّه إلـى موسى: إنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ فَلاَ تَأْسَ علـى القَوْمِ الفـاسِقِـينَ وهو يومئذ فـيـما ذكر ستـمائة ألف مقاتل فجعلهم فـاسقـين بـما عصوا، فلبثوا أربعين سنة فـي فراسخ ستة، أو دون ذلك، يسيرون كلّ يوم جادّين لكي يخرجوا منها، حتـى يـمسوا وينزلوا، فإذا هم فـي الدار التـي منها ارتـحلوا. وإنهم اشتكوا إلـى موسى ما فعل بهم، فأنزل علـيهم الـمنّ والسلوى، وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم، ينشأ الناشيء فتكون معه علـى هيئته. وسأل موسى ربه أن يسقـيهم، فأتـى بحجر الطور، وهو حجر أبـيض، إذا ما نزل القوم ضربه بعصاه فـيخرج منه اثنتا عشرة عينا لكلّ سبط منهم عين، قد علـم كلّ أناس مَشْربهم. حتـى إذا خـلت أربعون سنة، وكانت عذابـا بـما اعتدوا وعصوا، أوحى إلـى موسى أن مرهم أن يسيروا إلـى الأرض الـمقدسة، فإن اللّه قد كفـاهم عدوّهم، وقل لهم إذا أتوا الـمسجد أن يأتوا البـاب ويسجدوا إذا دخـلوا، ويقولوا حطة. وإنـما قولهم حطة، أن يَحُطّ عنهم خطاياهم. فأبى عامة القوم، وعصوا، وسجدوا علـى خدّهم، وقاوا حنطة، فقال اللّه جلّ ثناؤه: فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَـمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِـيـلَ لَهُمْ... إلـى: بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ.

وقال آخرون: بل الناصب للأربعين: يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ.

قالوا: ومعنى الكلام: قال: فإنها مـحرّمة علـيهم أبدا يتـيهون فـي الأرض أربعين سنة.

قالوا: ولـم يدخـل مدينة الـجبـارين أحد مـمن قال: إنّا لَنْ نَدْخُـلَها أبَدا ما دَامُوا فِـيها فـاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ، وذلك أن اللّه عزّ ذكره حرّمها علـيهم.

قالوا: وإنـما دخـلها من أولئك القوم: يوشع وكلاب اللذان قالا لهم: ادْخُـلُوا عَلَـيْهِمُ البـابَ فإذَا دَخَـلْتُـمُوهُ فإنّكُمْ غالِبُونَ وأولاد الذين حرّم اللّه علـيهم دخولها، فتـيّهم اللّه فلـم يدخـلها منهم أحد. ذكر من قال ذلك:

٩٢١٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة فـي قول اللّه : إنهَها مُـحَرّمَةٌ عَلـيهِمْ قال: أبدا.

٩٢١١ـ حدثنا ابن بشار قال: سلـيـمان بن حرب قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة فـي قول اللّه : يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ قال: أربعين سنة.

٩٢١٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا هارون النـحوي، قال: ثنـي الزبـير بن الـخرّيت، عن عكرمة فـي قوله: فإنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ قال: التـحريـم لا منتهى له.

٩٢١٣ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: غضب موسى علـى قومه، فدعا علـيهم،

فقال: ربّ إنّى لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي... الاَية، فقال اللّه جلّ وعزّ: فإنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ فلـما ضرب علـيهم التـيه، ندم موسى، وأتاه قومه الذين كانوا يطيعونه، فقال له: ما صنعت بنا يا موسى؟ فمكثوا فـي التـيه فلـما خرجوا من التـيه، رفع الـمنّ والسلوى، وأكلوا من البقول. والتقـى موسى وعوج، فوثب موسى فـي السماء عشرة أذرع، وكانت عصاه عشرة أذرع، وكان طوله عشرة أذرع، فأصاب كعب عوج فقتله. ولـم يبق (أحد) مـمن أبى أن يدخـل قرية الـجبـارين مع موسى إلا مات، ولـم يشهد الفتـح. ثم إن اللّه لـما انقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبـيا، فأخبرهم أنه نبـيّ، وأن اللّه قد أمره أن يقاتل الـجبـارين، فبـايعوه وصدّقوه، فهزم الـجبـارين، واقتـحموا علـيهم يقاتلونهم، فكانت العصابة من بنـي إسرائيـل يجتـمعون علـى عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها.

٩٢١٤ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا سفـيان، قال: قال أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما دعا موسى، قال اللّه : فإنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ قال: فدخـلوا التـيه، فكلّ من دخـل التـيه مـمن جاوز العشرين سنة مات فـي التـيه

قال: فمات موسى فـي التـيه، ومات هارون قبله

قال: فلبثوا فـي تـيههم أربعين سنة، فناهض يوشع بـمن بقـي معه مدينة الـجبـارين، فـافتتـح يوشع الـمدينة.

٩٢١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال اللّه : فإنّها مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً حرمت علـيهم (القرى)، وكانوا لا يهبطون قرية، ولا يقدرون علـى ذلك، إنـما يتبعون الأطواء أربعين سنة. وذكر لنا أن موسى صلى اللّه عليه وسلم مات فـي الأربعين سنة، وأنه لـم يدخـل بـيت الـمقدس منهم إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا.

٩٢١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل، قال: لـما فعلت بنو إسرائيـل ما فعلت، من معصيتهم نبـيهم، وهمّهم بكالب ويوشع، إذ أمراهم بدخول مدينة الـجبـارين، وقالا لهم ما قالا، ظهرت عظمة اللّه بـالغمام علـى نار فـيه الرمز علـى كلّ بنـي إسرائيـل، فقال جل ثناؤه لـموسى: إلـى متـى يعصينـي هذا الشعب وإلـى متـى لا يصدّقون بـالاَيات كلها التـي وضعت بـينهم؟ أضربهم بـالـموت فأهلكهم، وأجعل لك شعبـا أشدّ منهم. فقال موسى يسمع أهل الـمِصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوّتك من بـينهم، ويقول ساكنو هذه البلاد الذين قد سمعوا أنك أنت اللّه فـي هذا الشعب، فلو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد، لقالت الأمـم الذين سمعوا بـاسمك: إنـما قتل هذا الشعب من أجل لا يستطيع أن يدخـلهم الأرض التـي خـلق لهم، فقتلهم فـي البرية، ولكن لترتفع أياديك، ويعظم جزاؤك يا ربّ كما كنت تكلـمت وقلت لهم، فإنه طويـل صبرك، كثـيرة نعمك، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق، وإنك تـحفظ الاَبـاء علـى الأبناء وأبناء الأبناء إلـى ثلاثة أجيال وأربعة، فـاغفر أي ربّ آثام هذا الشعب، بكثرة نعمك، وكما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلـى الاَن فقال اللّه جل ثناؤه لـموسى صلى اللّه عليه وسلم: قد غفرت لهم بكلـمتك، ولكن قد أنى لـي أنا اللّه ، وقد ملأَتِ الأرضَ مـحمدتـي كلّها، ألاّ يرى القوم الذين قد رأوا مـحمدتـي وآياتـي التـي فعلت فـي أرض مصر وفـي القـفـاز، سَأَلونـي عشر مرات ولـم يطيعونـي، لا يرون الأرض التـي خَـلَقْتُ لاَبـائهم، ولا يراها من أغضبنـي فأما عبدي كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي، فإنـي مدخـله الأرض التـي دخـلها، ويراها خَـلَفُه. وكان العمالـيق والكنعانـيون جلوسا فـي الـجبـال، ثم غدوا فـارتـحلوا فـي القـفـاز فـي طريق يحرسون، وكلـم اللّه عزّ وجلّ موسى وهارون، وقال لهما: إلـى متـى توسوس علـيّ هذه الـجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بنـي إسرائيـل

وقال: لأفعلنّ بكم كما قلت لكم، ولَتُلْقَـيَنّ جيفكم فـي هذه القـفـار، وحسابكم من بنـي عشرين سنة فما فوق ذلك من أجل أنكم وسوستـم علـيّ، فلا تدخـلوا الأرض التـي دفعت إلـيها، ولا ينزل فـيها أحد منكم غير كالب بن يوفنا ويوشع بن نون، وتكون أثقالكم كما كنتـم الغنـيـمةوأما بنوكم الـيوم الذين لـم يعلـموا ما بـين الـخير والشرّ، فإنهم يدخـلون الأرض، وإنـي بهم عارف لهم الأرض التـي أردت لهم وتسقط جيفكم فـي هذه القـفـار، وتتـيهون فـي هذه القـفـار علـى حساب الأيام التـي جسستـم الأرض أربعين يوما مكان كلّ يوم سنة وتُقتلون بخطاياكم أربعين سنة، وتعلـمون أنكم وسوستـم: قد أنى لـي أنا اللّه فـاعل بهذه الـجماعة، جماعة بنـي إسرائيـل، الذين وُعِدوا بأن يُتـيّهوا فـي القـفـار، فـيها يـموتون فأما الرهط الذين كان موسى بعثهم يتـجسسون الأرض، ثم حرّشوا الـجماعة، فأفشوا فـيهم خبر الشرّ، فماتوا كلهم بغتة، وعاش يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتـحسسون الأرض. فلـما قال موسى علـيه السلام هذا الكلام كله لبنـي إسرائيـل، حزن الشعب حزنا شديدا، وغدوا فـارتفعوا علـى رأس الـجبل، و

قالوا: نرتقـي الأرض التـي قال جل ثناؤه من أجل أنا قد أخطأنا. فقال لهم موسى: لـم تَعْتَدُون فـي كلام اللّه من أجل ذلك، لا يصلـح لكم عمل، ولا تصعدوا من أجل أن اللّه لـيس معكم، فـالاَن تنكسرون من قدام أعدائكم من أجل العمالقة والكنعانـيـين أمامكم، فلا تقعوا فـي الـحرب من أجل أنكم انقلبتـم علـى اللّه فلـم يكن اللّه معكم فأخذوا يرقون فـي الـجبل، ولـم يبرح التابوت الذي فـيه مواثـيق اللّه جلّ ذكره وموسى من الـمـحلة يعنـي من الـحكمة، حتـى هبط العمالـيق والكنعانـيون فـي ذلك الـحائط، فحرّقوهم وطردوهم وقتلوهم. فتـيّهم اللّه عزّ ذكره فـي التـيه أربعين سنة بـالـمعصية، حتـى هلك من كان استوجب الـمعصية من اللّه فـي ذلك

قال: فلـما شبّ النواشيء من ذراريهم، وهلك آبـاؤهم، وانقضت الأربعون سنة التـي تتـيهوا فـيها وسار بهم موسى ومعه يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، وكان فـيـما يزعمون علـى مريـم ابنة عمران أخت موسى وهارون، وكان لهما صهرا قدم يوشع بن نون إلـى أريحاء فـي بنـي إسرائيـل، فدخـلها بهم، وقتل الـجبـابرة الذين كانوا فـيها، ثم دخـلها موسى ببنـي إسرائيـل، فأقام فـيها ما شاء اللّه أن يقـيـم، ثم قبضه اللّه إلـيه لا يعلـم قبره أحد من الـخلائق.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: إن الأربعين منصوبة بـالتـحريـم، وإن قوله: مُـحَرّمَةٌ عَلَـيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً معنـيّ به جميع قوم موسى لا بعض دون بعض منهم لأن اللّه عزّ ذكره عمّ بذلك القوم، ولـم يخصصص منهم بعضا دون بعض. وقد وفـى اللّه بـما وعدهم به من العقوبة، فتـيههم أربعين سنة، وحرّم علـى جميعهم فـي الأربعين سنة التـي مكثوا فـيها تائهين دخول الأرض الـمقدسة، فلـم يدخـلها منهم أحد، لا صغير ولا كبـير ولا صالـح ولا طالـح، حتـى انقضت السنون التـي حرّم اللّه عزّ وجلّ علـيهم فـيها دخولها. ثم أذن لـمن بقـي منهم وذراريهم بدخولها مع نبـيّ اللّه موسى، والرجلـين اللذين أنعم اللّه علـيهما. وافتتـح قرية الـجبـارين إن شاء اللّه نبـيّ اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم وعلـى مقدمته يوشع، وذلك لإجماع أهل العلـم بأخبـار الأوّلـين أن عوج بن عنق قتله موسى صلى اللّه عليه وسلم، فلو كان قتله إياه قبل مصيره فـي التـيه وهو من أعظم الـجبـارين خـلقا لـم تكن بنو إسرائيـل تـجزع من الـجبـارين الـجزع الذي ظهر منها، ولكن ذلك كان إن شاء اللّه بعد فناء الأمة التـي جزعت وعصت ربها وأبت الدخول علـى الـجبـارين مدينتهم. وبعد: فإن أهل العلـم بأخبـار الأوّلـين مـجمعون علـى أن بعلـم بن بـاعوراء كان مـمن أعان الـجبـارين بـالدعاء علـى موسى ومـحال أن يكون ذلك كان وقوم موسى مـمتنعون من حربهم وجهادهم، لأن الـمعونة إنـما يحتاج إلـيها من كان مطلوبـا، فأما ولا طالب فلا وجه للـحاجة إلـيها.

٩٢١٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نوف، قال: كان سرير عوج ثمانـمائة ذراع، وكان طول موسى عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ووثب فـي السماء عشرة أذرع، فضرب عوجا فأصاب كعبه، فسقط ميتا، فكان جسرا للناس يـمرّون علـيه.

٩٢١٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: كانت عصا موسى عشرة أذرع ووثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع، فوثب فأصاب كعب عوج فقتله، فكان جسرا لأهل النـيـل سنة.

ومعنى: يَتِـيهُونَ فِـي الأرْضِ: يحارون فـيها ويضلون، ومن ذلك قـيـل للرجل الضالّ عن سبـيـل الـحقّ تائه. وكان تـيههم ذلك أنهم كانوا يصبحون أربعين سنة كلّ سنة يوم جادّين فـي قدر سته فراسخ للـخروج منه، فـيـمسون فـي الـموضع الذي ابتدءوا السير منه.

٩٢١٩ـ حدثنـي بذلك الـمثنى، قال: ثنا، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع.

٩٢٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: تاهت بنو إسرائيـل أربعين سنة، يُصْبحون حيث أمسوا، ويـمسون حيث أصبحوا فـي تـيههم.

القول فـي تأويـل قوله: فَلا تَأْسَ علـى القَوْمِ الفـاسِقِـينَ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: فَلاَ تَأْسَ: فلا تـحزن، يقال منه: أَسِيَ فلان علـى كذا يَأْسَى أَسًى، وقد أسيت من كذا: أي حزنت، ومنه قول امرىء القـيس:

وُقُوفـا بِها صَحْبِـي علـيّ مَطِيّهُمْيقُولُونَ لا تَهْلِكْ أسًى وتَـجَمّلِ

يعنـي: لا تهلك حزنا.

وبـالذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٢٢١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : فَلا تَأْسَ

يقول: فلا تـحزن.

٩٢٢٢ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَلا تَأْسَ علـى القَوْمِ الفـاسِقـينَ قال: لـما ضرب علـيهم التـيه، ندم موسى صلى اللّه عليه وسلم. فلـما ندم أوحى اللّه إلـيه: فَلا تَأْسَ عَلَـى القَوْمِ الفـاسِقِـينَ: لا تـحزن علـى القوم الذين سميتهُم فـاسقـين.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقّ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: واتل علـى هؤلاء الـيهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إلـيكم، علـيك وعلـى أصحابك معك، وعرّفهم مكروه عاقبة الظلـم والـمكر، وسوء مغبة الـجور ونقض العهد، وما جزاء الناكث وثواب الوافـي، خَبَرَ ابنـي آدم هابـيـل وقابـيـل، وما آل إلـيه أمر الـمطيع منهما ربه الوافـي بعهده، وما إلـيه صار أمر العاصي منهما ربه الـجائر الناقض عهده فلتعرف بذلك الـيهود وخامة غبّ غدرهم، ونقضهم ميثاقهم بـينك وبـينهم، وهمهم بـما هموا به من بسط أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك. فإن لك ولهم فـي حسن ثوابـي وعظم جزائي علـى الوفـاء بـالعهد الذي جازيت الـمقتول الوافـيَ بعهده من ابنـي آدم، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلاً.

واختلف أهل العلـم فـي سبب تقريب ابنـي آدم القربـان، وسبب قبول اللّه عزّ وجلّ ما تقبل منه، ومن اللذان قرّبـا؟

فقال بعضهم: كان ذلك عن أمر اللّه جلّ وعزّ إياهما بتقريبه. وكان سبب القبول أن الـمتقبل منه قرب خير ماله وقرّب الاَخر شرّ ماله، وكان الـمقرّبـان ابنـي آدم لصلبه

أحدهما: هابـيـل، والاَخر قابـيـل. ذكر من قال ذلك:

٩٢٢٣ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن هشام بن سعيد، عن إسماعيـل بن رافع، قال: بلغنـي أن ابنـي آدم لـما أمرا بـالقربـان، كان أحدهما صاحب غنـم، وكان أُنِتـج له حَمَل فـي غنـمه، فأحبه حتـى كان يؤثره بـاللـيـل، وكان يحمله علـى ظهره من حبه، حتـى لـم يكن له مال أحبّ إلـيه منه فلـما أمر بـالقربـان، قرّبه لله فقبله اللّه منه، فما زال يرتع فـي الـجنة حتـى فدَى به ابن إبراهيـم صلى اللّه عليه وسلم.

٩٢٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا عوف، عن أبـي الـمغيرة، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: إن ابنـي آدم اللذين قرّبـا قربـانا فتقبل من أحدهما ولـم يتقبل من الاَخر، كان أحدهما صاحب حرث، والاَخر صاحب غنـم، وأنهما أمرا أن يقرّبـا قربـانا وإن صاحب الغنـم قرّب أكرم غنـمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه، وإن صاحب الـحرث قرّب شرّ حرثه الكَوْزَن والزّوَان غير طيبة بها نفسه وإن اللّه تقبل قربـان صاحب الغنـم ولـم يتقبل قربـان صاحب الـحرث. وكان من قصتهما ما قصّ اللّه فـي كتابه، وقال: ايْـمُ اللّه إن كان الـمقتول لأشدّ الرجلـين، ولكن منعه التـحرّج أن يبسط يده إلـى أخيه

وقال آخرون: لـم يكن ذلك من أمرهما عن أمر اللّه إياهما به. ذكر من قال ذلك:

٩٢٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: حدثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: كان من شأنهما أنه لـم يكن مسكين فـيتصدّق علـيه، وإنـما كان القربـان يقربه الرجل. فبَـيْنا ابنا آدم قاعدان، إذ قالا: لو قربنا قربـانا وكان الرجل إذا قرّب قربـانا فرضيه اللّه أرسل إلـيه نارا فأكلته، وإن لـم يكن رضيه اللّه خبت النار. فقرّبـا قربـانا، وكان أحدهما راعيا، وكان الاَخر حراثا، وإن صاحب الغنـم قرّب خير غنـمه وأسمنها وقرّب الاَخر أبغض زرعه، فجاءت النار، فنزلت بـينهما، فأكلت الشاة وتركت الزرع. وإن ابن آدم قال لأخيه: أتـمشي فـي الناس وقد علـموا أنك قرّبت قربـانا فتقبل منك وردّ علـيّ؟ فلا والله، لا تنظر الناس إلـيّ وإلـيك وأنت خير منـي فقال: لأقتلنك فقال له أخوه: ما ذنبـي، إنـما يتقبل اللّه من الـمتقـين.

٩٢٢٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : إذْ قَرَبـا قُرْبـانا قال: ابنا آدم هابـيـل وقابـيـل لصلب آدم، فقرّب أحدهما شاة وقرّب الاَخر بقلاً، فقبل من صاحب الشاة، فقتله صاحبه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩٢٢٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد فـي قوله: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ قَرّبـا قُرْبـانا قال: هابـيـل وقابـيـل، فقرب هابـيـل عَنَاقا من أحسن غنـمه، وقرّب قابـيـل زرعا من زرعه

قال: فأكلت النار العناق، ولـم تأكل الزرع، ف قال لأَقْتُلَنّكَ قَالَ إنّـما يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

٩٢٢٨ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا رجل سمع مـجاهدا فـي قوله: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ قَرّبـا قُرْبـانا قال: هو هابـيـل وقابـيـل لصلب آدم، قرّبـا قربـانا، قرب أحدهما شاة من غنـمه وقرّب الاَخر بقلاً، فتقبل من صاحب الشاة، فقال لصاحبه: لأقتلنك فقتله، فعقل اللّه إحدى رجلـيه بساقها إلـى فخذها إلـى يوم القـيامة، وجعل وجهه إلـى الشمس حيثما دارت علـيه حظيرة من ثلـج فـي الشتاء وعلـيه فـي الصيف حظيرة من نار، ومعه سبعة أملاك كلـما ذهب ملك جاء الاَخر.

٩٢٢٩ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان (ح). وحدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ قَرّبـا قُرْبـانا فَتُقُبّلَ مِنْ أحَدِهِما ولَـمْ يُتَقَبّلْ مِنَ الاَخَرِ قال: قرّب هذا كبشا وقرّب هذا صُبْرة من طعام فتقبل من أحدهما

قال: تقبّل من صاحب الشاة ولـم يتقبل من الاَخر.

٩٢٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق إذْ قَرّبـا قُرْبـانا فَتُقُبّلَ مِنْ أحَدهِما وَلـمْ يُتَقَبّلْ مِنَ الاَخَرِ كان رجلان من بنـي آدم، فتقبل من أحدهما ولـم يتقبل من الاَخر.

٩٢٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّققال: كان أحدهما اسمه قابـيـل والاَخر هابـيـل أحدهما صاحب غنـم، والاَخر صاحب زرع، فقرّب هذا من أمثل غنـمه حَمَلاً، وقرّب هذا من أردإ زرعه

قال: فنزلت النار، فأكلت الـحَمَل، فقال لأخيه: لأقتلنك

٩٢٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل: أن آدم أمر ابنه قابـيـل أن ينكح أخته توأمة هابـيـل، وأمر هابـيـل أن ينكح أخته توأمة قابـيـل. فسلـم لذلك هابـيـل ورضى، وأبـي قابـيـل ذلك وكرهه، تكرما عن أخت هابـيـل، ورغب بأخته عن هابـيـل، وقال: نـحن ولادة الـجنة وهما من ولادة الأرض، وأنا أحقّ بأختـي ويقول بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل: كانت أخت قابـيـل من أحسن الناس، فضنّ بها علـى أخيه وأرادها لنفسه، فـاللّه أعلـم أيّ ذلك كان. فقال له أبوه: يا بنـيّ إنها لا تـحلّ لك فأبى قابـيـل أن يقبل ذلك من قول أبـيه، فقال له أبوه: يا بنـيّ فقرّب قربـانا، ويقرّب أخوك هابـيـل قربـانا، فأيكما قبل اللّه قربـانه فهو أحقّ بها. وكان قابـيـل علـى بَذْر الأرض، وكان هابـيـل علـى رعاية الـماشية، فقرّب قابـيـل قمـحا وقرّب هابـيـل أبكارا من أبكار غنـمه وبعضهم

يقول: قرّب بقرة فأرسل اللّه نارا بـيضاء، فأكلت قربـان هابـيـل وتركت قربـان قابـيـل، وبذلك كان يقبل القربـان إذا قبله.

٩٢٣٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـيـما ذكر عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس . وعن مرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: كان لا يولد لاَدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الاَخر، ويزوّج جارية هذا البطن غلام البطن هذا الاَخر. حتـى ولد له ابنان يقال لهما: قابـيـل، وهابـيـل، وكان قابـيـل صاحب زرع، وكان هابـيـل صاحب ضرع. وكان قابـيـل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابـيـل. وإن هابـيـل طلب أن ينكح أخت قابـيـل، فأبى علـيه وقال: هي أخت ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحقّ أن أتزوّجها. فأمره أبوه أن يزوّجها هابـيـل فأبى. وإنهما قرّبـا قربـانا إلـى اللّه أيهما أحقّ بـالـجارية، وكان آدم يومئذ قد غاب عنهما إلـى مكة ينظر إلـيها، قال اللّه لاَدم: يا آدم، هل تعلـم أن لـي بـيتا فـي الأرض؟ قال: اللهمّ لا قال: فإن لـي بـيتا بـمكة فأته فقال آدم للسماء: احفظي ولدي بـالأمانة، فأبت

وقال للأرض فأبت، وقال للـجبـال فأبت، وقال لقابـيـل،

فقال: نعم تذهب وترجع وتـجد أهلك كما يسرّك. فلـما انطلق آدم قرّبـا قربـانا، وكان قابـيـل يفخر علـيه،

فقال: أنا أحقّ بها منك، هي أختـي، وأنا أكبر منك، وأنا وصيّ والديّ. فلـما قرّبـا، قرّب هابـيـل جذعة سمينة، وقرّب قابـيـل حُزمة سنبل، فوجد فـيها سنبلة عظيـمة ففركها فأكلها. فنزلت النار فأكلت قربـان هابـيـل، وتركت قربـان قابـيـل، فغضب وقال: لأقتلنك حتـى لا تنكح أختـي فقال هابـيـل إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

٩٢٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق ذكر لنا أنهما هابـيـل وقابـيـل. فأما هابـيـل فكان صاحب ماشية، فعمد إلـى خير ماشيته، فتقرّب بها، فنزلت علـيه نار فأكلته. وكان القربـان إذا تقبل منهم نزلت علـيه نار فأكلته، وإذا ردّ علـيهم أكلته الطير والسبـاعوأما قابـيـل فكان صاحب زرع، فعمد إلـى أردإ زرعه، فتقرّب به، فلـم تنزل علـيه النار، فحسد أخاه عند ذلك فقال: لاَءَقْتُلَنّكَ قالَ إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّقّ قال: هما قابـيـل وهابـيـل

قال: كان أحدهما صاحب زرع والاَخر صاحب ماشية، فجاء أحدهما بخير ماله وجاء الاَخر بشرّ ماله، فجاءت النار، فأكلت قربـان أحدهما وهو هابـيـل، وتركت قربـان الاَخر، فحسده فقال: لأقتلنك

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: إذْ قَرّبـا قُرْبـانا قال: قرّب هذا زرعا وذا عناقا، فتركت النار الزرع وأكلت العناق.

وقال آخرون: اللذان قرّبـا قربـانا وقصّ اللّه عزّ ذكره قصصهما فـي هذه الاَية، رجلان من بنـي إسرائيـل لا من ولد آدم لصلبه. ذكر من قال ذلك:

٩٢٣٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الـحسن، قال: كان الرجلان اللذان فـي القرآن، اللذان قال اللّه : وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبَأ ابْنَـيْ آدَم بِـالَـحّق من بـين إسرائيـل، ولـم يكونا ابنـي آدم لصلبه، وإنـما كان القربـان فـي بنـي إسرائيـل، وكان آدم أوّل من مات.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، أن اللذين قرّبـا القربـان كان ابنـي آدم لصلبه، لا من ذريته من بنـي إسرائيـل. وذلك أن اللّه عزّ وجلّ يتعالـى عن أن يخاطب عبـاده بـما لا يفـيدهم به فـائدة، والـمخاطبون بهذه الاَية كانوا عالـمين أن تقريب القربـان لله لـم يكن إلا فـي ولد آدم دون الـملائكة والشياطين وسائر الـخـلق غيرهم. فإذا كان معلوما ذلك عندهم، فمعقول أنه لو لـم يكن معنـيا بـابنـي آدم اللذين ذكرهما اللّه فـي كتابه ابناه لصلبه، لـم يفدْهم بذكره جلّ جلاله إياهما فـائدة لـم تكن عندهم. وإذا كان غير جائز أن يخاطبهم خطابـا لا يفـيدهم به معنى، فمعلوم أنه عنى ابنـي آدم لصلبه، لا ابنـي بنـيه الذين بَعُد منه نسبهم مع إجماع أهل الأخبـار والسير والعلـم بـالتأويـل علـى أنهما كانا ابنـي آدم لصلبه وفـي عهد آدم وزمانه، وكفـى بذلك شاهدا. وقد ذكرنا كثـيرا مـمن نصّ عنه القول بذلك، وسنذكر كثـيرا مـمن لـم يذكر إن شاء اللّه .

٩٢٣٦ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حسام بن مصكّ، عن عمار الدهنـيّ، عن سالـم بن أبـي الـجعف، قال: لـما قتل ابن آدم أخاه، مكث آدم مائة سنة حزينا لا يضحك، ثم أتـى فقـيـل له: حيّاك اللّه وبـيّاك فقال: بـيّاك: أضحكك.

٩٢٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن غياث بن إبراهيـم، عن أبـي إسحاق الهمدانـي، قال: قال علـيّ بن أبـي طالب رضوان اللّه علـيه: لـما قتل ابن آدم أخاه، بكى آدم فقال:

تَغَيّرَتِ البلادُ وَمَنْ عَلَـيْهافَلَوْنُ الأرْضِ مُغْبَرّ قَبـيحُ

تَغَيّرَ كلّ ذي لوْنٍ وطَعْمٍوَقَلّ بَشاشَةُ الوَجْهِ الـمَلِـيحَ

فأجيب آدم علـيه السلام:

أبـا هابِـيـلَ قَدْ قُتِلا جَمِيعاوصَارَ الـحَيّ كالـمَيْتِ الذّبِـيحِ

وجاءَ بِشَرّةٍ قدْ كانَ مِنْهاعلـى خَوْفٍ فجاءَ بها يصيحُ

وأما القول فـي تقريبهما ما قرّبـا، فإن الصواب فـيه من القول أن يقال: إن اللّه عزّ ذكره أخبر عبـاده عنهما أنهما قد قرّبـا، ولـم يخبر أن تقريبهما ما قرّبـا كان عن أمر اللّه إياهما به ولا عن غير أمره. وجائز أن يكون كان عن أمر اللّه إياهما بذلك، وجائز أن يكون عن غير أمره. غير أنه أيّ ذلك كان فلـم يقرّبـا ذلك إلا طلب قربة إلـى اللّه إن شاء اللّه .

وأما تأويـل قوله: قالَ لاَءَقْتُلَنّكَ فإن معناه: قال الذي لـم يتقبل منه قربـانه للذي تقبل منه قربـانه: لأقتلنك فترك ذكر الـمتقبل قربـانه والـمردود علـيه قربـانه، استغناء بـما قد جرى من ذكرهما عن إعادته، وكذلك ترك ذكر الـمقبل قربـانه مع قوله: قالَ إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك رُوِى الـخبر عن ابن عبـاس :

٩٢٣٨ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : قالَ لاَءَقْتُلَنّكَ فقال له أخوه: ما ذنبـي إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

٩٢٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ قال:

يقول: إنك لو اتقـيت اللّه فـي قربـانك تقبل منك، جئت بقربـان مغشوش بأشرّ ما عندك، وجئت أنا بقربـان طيب بخير ما عندي قال: وكان قال: يتقبل اللّه منك ولا يتقبل منـي.

ويعنـي بقوله: مِنَ الـمُتّقِـينَ: من الذين اتقوا اللّه وخافوه بأداء ما كلفهم من فرائضه واجتناب ما نهاهم عنه من معصيته.

وقد قال جماعة من أهل التأويـل: الـمتقون فـي هذا الـموضع الذين اتقوا الشرك. ذكر من قال ذلك:

٩٢٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك ، قوله: إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ الذين يتقون الشرك.

وقد بـينا معنى القربـان فـيـما مضى، وأنه الفعلان من قول القائل: قرّب، كما الفرقان: الفعلان من فرّق، والعدوان من عدا. وكانت قرابـين الأمـم الـماضية قبل أمتنا كالصدقات والزكوات فـينا، غير أن قرابـينهم كان يعلـم الـمتقبّل منها وغير الـمتقبل فـيـما ذكر بأكل النار ما تقبل منها وترك النار ما لـم يتقبل منها. والقربـان فـي أمّتنا: الأعمال الصالـحة: من الصلاة، والصيام، والصدقة علـى أهل الـمسكنة، وأداء الزكاة الـمفروضة، ولا سبـيـل لها إلـى العلـم فـي عاجل بـالـمتقبل منها والـمردود.

وقد ذكر عن عامر بن عبد اللّه العنبري، أنه حين حضرته الوفـاة بكى، فقـيـل له: ما يبكيك، فقد كنت وكنت؟ فقال: يبكينـي أنـي أسمع اللّه

يقول: إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ.

٩٢٤١ـ حدثنـي بذلك مـحمد بن عمر الـمقدمي، قال: ثنـي سعيد بن عامر، عن همام، عمن ذكره، عن عامر.

وقد قال بعضهم: قربـان الـمتقـين: الصلاة.

٩٢٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن عمران بن سلـيـم، عن عديّ بن ثابت، قال: كان قربـان الـمتقـين: الصلاة.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّه رَبّ الْعَالَمِينَ }.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن الـمقتول من ابنـي آدم أنه قال لأخيه لـما قال له أخوه القاتل لأقتلنك: واللّه لَئِنْ بَسَطْتَ إلـيّ يَدَكَ

يقول: مددت إلـيّ يدك لِتَقْتُلَنِـي ما أنا بِبـاسِطٍ يَديَ إلَـيك.

يقول: ما أنا بـمادّ يدي إلـيك لاِءَقْتُلَكَ.

وقد اختلف فـي السبب الذي من أجله قال الـمقتول ذلك لأخيه ولـم يـمانعه ما فعل به،

فقال بعضهم: قال ذلك إعلاما منه لأخيه القاتل أنه لا يستـحلّ قتله ولا بسط يده إلـيه بـما لـم يأذن اللّه به. ذكر من قال ذلك:

٩٢٤٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا عوف عن أبـي الـمغيرة، عن عبد اللّه بن عمرو، أنه قال: وايـم اللّه إن كان الـمقتول لأشدّ الرجلـين، ولكن منعه التـحرّج أن يبسط إلـى أخيه.

٩٢٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : لَئِنْ بَسَطْتَ إلـيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِـي ما أنا بِبـاسِطٍ يَدِيَ إلَـيْكَ لا أنا بـمنتصر، ولأمسكنّ يدي عنك.

وقال آخرون: لـم يـمنعه مـما أراد من قتله، وقال ما قال له مـما قصّ اللّه فـي كتابه. إلاّ أن اللّه عزّ ذكره فرض علـيهم أن لا يـمتنع من أريد قتله مـمن أراد ذلك منه. ذكر من قال ذلك:

٩٢٤٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا رجل، سمع مـجاهدا يقول فـي قوله: لَئِنْ بَسَطْتَ إلـيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِـي ما أنا بِبـاسِطٍ يَدِيَ إلَـيْكَ لاِءَقُتُلَكَ قال مـجاهد: كان كتب اللّه علـيهم: إذا أراد الرجل أن يقتل رجلاً تركه ولا يـمتنع منه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه عزّ ذكره قد كان حرّم علـيهم قتل نفس بغير نفس ظلـما، وأن الـمقتول قال لأخيه: ما أنا ببـاسط يدي إلـيك إن بسطت إلـيّ يدك لأنه كان حراما علـيه من قتل أخيه مثل الذي كان حراما علـى أخيه القاتل من قتله. فأما الامتناع من قتله حين أراد قتله، فلا دلالة علـى أن القاتل حين أراد قتله وعزم علـيه كان الـمقتول عالـما بـما هو علـيه عازم منه ومـحاولٌ من قتله، فتَرَك دَفْعَه عن نفسه بل قد ذكر جماعة من أهل العلـم أنه قتله غيـلة، اغتاله وهو نائم، فشدخ رأسه بصخرة. فإذا كان ذلك مـمكنا، ولـم يكن فـي الاَية دلالة علـى أنه كان مأمورا بترك منع أخيه من قتله، لـم يكن جائزا ادّعاء ما لـيس فـي الاَية إلا ببرهان يجب تسلـيـمه.

وأما تأويـل قوله: إنّى أخافُ اللّه رَبّ العالَـمِينَ: فإنى أخاف اللّه فـي بسط يدي إلـيك إن بسطتها لقتلك. رَبّ العَالَـمِينَ يعنـي: مالك الـخلائق كلها أن يعاقبنـي علـى بسط يدي إلـيك.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معناه: إنـي أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إياي وإثمك فـي معصيتك اللّه بغير ذلك من معاصيك. ذكر من قال ذلك:

٩٢٤٦ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي حديثه عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس . وعن مرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنّى أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ

يقول: إثم قتلـي إلـى إثمك الذي فـي عنقك فَتَكُونَ مِنْ أصَحابِ النّارِ.

٩٢٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّى أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ يقول بقتلك إياي، وإثمك قبل ذلك.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إنّى أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ قال: بإثم قتلـي وإثمك.

٩٢٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: إنّى أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ

يقول: إنـي أريد أن يكون علـيك خطيئتك ودمي، تبوء بهما جميعا.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ

يقول: إنـي أريد أن تبوء بقتلك إياي. وإثْمِكَ قال: بـما كان منك قبل ذلك.

٩٢٤٩ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـم، عن الضحاك ، قوله: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ قال: أما إثمك، فهو الإثم الذي عمل قبل قتل النفس، يعنـي أخاهوأما إثمه: فقتله أخاه.

وكأن قائلـي هذه الـمقالة وجهوا تأويـل قوله: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ: أي إنـي أريد أن تبوء بإثم قتلـي، فحذف القتل واكتفـى بذكر الإثم، إذ كان مفهوما معناه عند الـمخاطبـين به.

وقال آخرون: معنى ذلك: إنـي أريد أن تبوء بخطيئتـي فتتـحمل وزرها وإثمك فـي قتلك إياي. وهذا قول وجدته عن مـجاهد، وأخشى أن يكون غلطا، لأن الصحيح من الرواية عنه ما قد ذكرنا قبل. ذكر من قال ذلك:

٩٢٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وإثْمِكَ

يقول: إنـي أريد أن تكون علـيك خطيئتـي ودمي، فتبوء بهما جميعا.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن تأويـله: إنـي أريد أن تنصرف بخطيئتك فـي قتلك إياي، وذلك هو معنى قوله: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِيوأما معنى وإثْمِكَ: فهو إثمه بغير قتله، وذلك معصية اللّه جل ثناؤه فـي أعمال سواه.

وإنـما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع أهل التأويـل علـيه، لأن اللّه عزّ ذكره قد أخبرنا أن كلّ عامل فجزاء عمله له أو علـيه، وإذا كان ذلك حكمه فـي خـلقه فغير جائز أن يكون آثام الـمقتول مأخوذا بها القاتل وإنـما يؤخذ القاتل بإثمه بـالقتل الـمـحرّم وسائر آثام معاصيه التـي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتـيـله.

فإن قال قائل: أو لـيس قتل الـمقتول من بـين آدم كان معصية لله من القاتل؟

قـيـل: بلـى، وأعْظِمْ بها معصية.

فإن قال: فإذا كان لله جلّ وعزّ معصية، فكيف جاز أن يريد ذلك منه الـمقتول و

يقول: إنّـي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بإثْمِي وقد ذكرت أن تأويـل ذلك: إنـي أريد أن تبوء بإثم قتلـي؟ فمعناه: إنـي أريد أن تبوء بإثم قتلـي إن قتلتنـي لأنـي لا أقتلك، فإن أنت قتلتنـي فإنـي مريد أن تبوء بإثم معصيتك اللّه فـي قتلك إياي. وهو إذا قتله، فهو لا مـحالة بـاء به فـي حكم اللّه ، فإرادته ذلك غير موجبة له الدخول فـي الـخطأ.

ويعنـي بقوله: فَتَكُونَ مِنْ أصَحابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظّالِـمينَ

يقول: فتكون بقتلك إياي من سكان الـجحيـم، ووقود النار الـمخـلدين فـيها. وذَلِكَ جَزَاءُ الظّالِـمِينَ

يقول: والنار ثواب التاركين طريق الـحقّ الزائلـين عن قصد السبـيـل، الـمتعدين ما جعل لهم إلـى ما لـم يجعل لهم. وهذا يدلّ علـى أن اللّه عزّ ذكره قد كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلـى الأرض، ووعد وأوعد، ولولا ذلك ما قال الـمقتول للقائل: فتكون من أصحاب النار بقتلك إياي، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالـمين. فكان مـجاهد

يقول: علقت إحدى رجلـي القاتل بساقها إلـى فخذها من يومئذ إلـى يوم القـيامة، ووجهه فـي الشمس حيثما دارت دار، علـيه فـي الصيف حظيرة من نار وعلـيه فـي الشتاء حظيرة من ثلـج.

٩٢٥١ـ حدثنا بذلك القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مـجاهد ذلك

قال: وقال عبد اللّه بن عمرو: إنا لنـجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذابَ، علـيه شطرُ عذابهم.

وقد رُوِي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحو ما رُوي عن عبد اللّه بن عمرو خبر.

٩٢٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، وحدثنا سفـيان، قال: حدثنا جرير وأبو معاوية (ح)، وحدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، ووكيع جميعا، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه ، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ما مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْـما إلاّ كانَ علـى ابْنِ آدَمَ الأوّلِ كِفْلٌ مِنْها، ذَلِكَ بأنه أَوّل مَنْ سَنّ القَتْلَ).

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي (ح). وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن جميعا، عن سفـيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه ، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم نـحوه.

٩٢٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حسن بن صالـح، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن إبراهيـم النـخعي، قال: ما من مقتول يقتل ظلـما، إلا كان علـى ابن آدم الأوّل والشيطان كِفْلٌ منه.

٩٢٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن حكيـم بن حكيـم، أنه حدّث عن عبد اللّه بن عمرو، أنه كان

يقول: إن أشقـي الناس رجلاً لابنُ آدم الذي قتل أخاه، ما سفك دم فـي الأرض منذ قتل أخاه إلـى يوم القـيامة إلا لـحق به منه شيء، وذلك أنه أوّل من سنّ القتل.

وبهذا الـخبر الذي ذكرنا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تبـين أن القول الذي قاله الـحسن فـي ابنـي آدم اللذَين ذكرهما اللّه فـي هذا الـموضع أنهما لـيسا بـابنـي آدم لصلبه، ولكنهما رجلان من بنـي إسرائيـل، وأن القول الذي حكي عنه، أن أوّل من مات آدم، وأن القربـان الذي كانت النار تأكله لـم يكن إلا فـي بنـي إسرائيـل خطأ لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أخبر عن هذا القاتل الذي قتل أخاه أنه أوّل من سنّ القتل، وقد كان لا شكّ القتل قبل إسرائيـل، فكيف قبل ذرّيته وخطأ من القول أن يقال: أوّل من سنّ القتل رجل من بنـي إسرائيـل. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الصحيح من القول هو قول من قال: هو ابن آدم لصلبه، لأنه أوّل من سنّ القتل، فأوجب اللّه له من العقوبة ما روينا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }.

يعنـي جل ثناؤه بقوله فَطَوّعَتْ: فأقامته وساعدته علـيه. وهو (فَعّلْت) من الطوع، من قول القائل: طاعنـي هذا الأمر: إذا انقاد له.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: فشجعت له نفسه قتل أخيه. ذكر من قال ذلك:

٩٢٥٥ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي ومـحمد بن حميد، قالا: حدثنا حكام بن سلـم، عن عنبسة، عن أبـي لـيـلـى، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال: شجعت.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال: فشجعته.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ قال: شجعته علـى قتل أخيه.

وقال آخرون: معنى ذلك: زينت له. ذكر من قال ذلك:

٩٢٥٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قال: زينت له نفسه قتل أخيه، فقتله.

ثم اختلفوا فـي صيغة قتله إياه كيف كانت، والسبب الذي من أجله قتله.

فقال بعضهم: وجده نائما فشَدَخ رأسه بصخرة. ذكر من قال ذلك:

٩٢٥٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـيـما ذكر عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس . وعن مرّة، عن عبد اللّه . وعن ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلُ أخيهِ فطلبه لـيقتله، فراغ الغلام منه فـي رءوس الـجبـال. وأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنـما له فـي جبل وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، فمات، فتركه بـالعراء.

وقال بعضهم، ما:

٩٢٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمر بن علـيّ، قال: سمعت أشعث السجِستانـي

يقول: سمعت ابن جريج قال: ابن آدم الذي قتل صاحبه لـم يدر كيف يقتله، فتـمثل إبلـيس له فـي هيئة طير، فأخذ طيرا فقصع رأسه، ثم وضعه بـين حجرين فشدَخَ رأسه، فعلّـمه القتل.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قتله حيث يرعى الغنـم، فأتـى فجعل لا يدري كيف يقتله، فَلَوى برقبته وأخذ برأسه. فنزل إبلـيس، وأخذ دابة أو طيرا، فوضع رأسه علـى حجر، ثم أخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه، وابن آدم القاتل ينظر، فأخذ أخاه، فوضع رأسه علـى حجر وأخذ حجرا آخر فرضخ به رأسه.

٩٢٥٩ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا رجل سمع مـجاهدا يقول، فذكر نـحوه.

٩٢٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: لـما أكلت النار قربـان ابن آدم الذي تقبّل قربـانه، قال الاَخر لأخيه: أتـمشي فـي الناس وقد علـموا أنك قرّبت قربـانا فتقبل منك وردّ علـيّ؟ واللّه لا تنظر الناس إلـيّ وإلـيك وأنت خير منـي فقال: لأقتلنك فقال له أخوه: ما ذنبـي إنّـمَا يَتَقَبّلُ اللّه مِنَ الـمُتّقِـينَ؟ فخوّفه بـالنار، فلـم ينته ولـم ينزجر، فطوّعت له نفسه قتل أخيه، فقتله فأصبح من الـخاسرين.

٩٢٦١ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، قال: أقبلت مع سعيد بن جبـير أرمي الـجمرة وهو متقنع متوكىء علـى يديّ، حتـى إذا وازينا بـمنزل سمرة الصرّاف، وقـف يحدثنـي عن ابن عبـاس ، قال: نهى أن ينكح الـمرأة أخوها توأمها وينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد فـي كلّ بطن رجل وامرأة، فولدت امرأة وسيـمة، وولدت امرأة دميـمة قبـيحة، فقال أخو الدميـمة: أنكحنـي أختك وأنكحك أختـي قال: لا، أنا أحقّ بأختـي. فقرّبـا قربـانا فتقبل من صاحب الكبش، ولـم يتقبل من صاحب الزرع، فقتله. فلـم يزل ذلك الكبش مـحبوسا عند اللّه حتـى أخرجه فـي فداء إسحاق، فذبحه علـى هذا الصفـا فـي ثَبِـيِر عند منزل سَمُرة الصراف، وهو علـى يـمينك حين ترمي الـجمار. قال ابن جريج:

وقال آخرون بـمثل هذه القصة

قال: فلـم يزل بنو آدم علـى ذلك حتـى مضى أربعة آبـاء، فنكح ابنة عمه، وذهب نكاح الأخوات.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه عزّ ذكره قد أخبر عن القاتل أنه قتل أخاه، ولا خبر عندنا يقطع العذر بصفته قتله إياه. وجائز أن يكون علـى نـحو ما قد ذكر السديّ فـي خبره، وجائز أن أن يكون كان علـى ما ذكره مـجاهد، واللّه أعلـم أيّ ذلك كان، غير أن القتل قد كان لا شكّ فـيه.

وأما قوله: فأصْبَحَ مِنَ الـخاسِرِينَ فإن تأويـله: فأصبح القاتل أخاه من ابنـي آدم من حزب الـخاسرين، وهم الذين بـاعو آخرتهم بدنـياهم بإيثارهم إياها علـيها فوُكسوا فـي بـيعهم وغُبنوا فـيه، وخابوا فـي صفقتهم.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَعَثَ اللّه غُرَاباً ...}.

قال أبو جعفر: وهذا أيضا أحد الأدلة علـى أن القول فـي أمر ابنـي آدم بخلاف ما رواه عمرو عن الـحسن لأن الرجلـين اللذين وصف اللّه صفتهما فـي هذه الاَية لو كانا من بنـي إسرائيـل لـم يجهل القاتل دفن أخيه ومواراة سوأة أخيه، ولكنهما كانا من ولد آدم لصلبه. ولـم يكن القاتل منهما أخاه علـم سنة اللّه فـي عادة الـموتـى، ولـم يدر ما يصنع بأخيه الـمقتول، فذكر أنه كان يحمله علـى عاتقه حينا حتـى أراحت جِيفته، فأحبّ اللّه تعريفه السنة فـي موتـى خـلقه، فقّـيض له الغرابـين اللذين وصف صفتهما فـي كتابه.

ذكر الأخبـار عن أهل التأويـل بـالذي كان من فعل القاتل من ابنـي آدم بأخيه الـمقتول بعد قتله إياه:

٩٢٦٢ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن أبـي رَوْق الهَمْدانـي، عن أبـيه، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، قال: مكث يحمل أخاه فـي جراب علـى رقبته سنة، حتـى بعث اللّه جلّ وعزّ الغرابَـين، فرآهما يبحثان،

فقال: أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟ فدفن أخاه.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ لِـيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أخيهِ بعث اللّه جلّ وعزّ غرابـا حيا إلـى غراب ميت، فجعل الغراب الـحيّ يواري سوأة الغراب الـميت، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ... الاَية.

٩٢٦٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـيـما ذكر عن أبـي مالك. وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس . وعن مرّة، عن عبد اللّه . وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: لـما مات الغلام تركه بـالعَراء ولا يعلـم كيف يُدْفن، فبعث اللّه غرابـين أخوين، فـاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له، ثم حثا علـيه، فلـما رآه قال: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ فَأُوارِىَ سَوْءَةَ أخِي فهو قول اللّه : فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ لِـيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أخيهِ.

٩٢٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَبْحَثُ قال: بعث اللّه غرابـا حتـى حفر لاَخر إلـى جنبه ميت وابن آدم القاتل ينظر إلـيه، ثم بحث علـيه حتـى غيبه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: غُرابـا يَبْحَثُ فـي الأَرْضِ حتـى حفر لاَخر ميت إلـى جنبه، فغيّبه، وابن آدم القاتل ينظر إلـيه حيث يبحث علـيه، حتـى غيبه فقال: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ... الاَية.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قوله: فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ قال: بعث اللّه غرابـا إلـى غراب، فـاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فجعل يَحْثِـي علـيه التراب،

فقال: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ فَأُوَارِىَ سَوْأةَ أخِي فأصْبَحَ منَ النّادِمِينَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ قال: جاء غراب إلـى غراب ميت، فحثـي علـيه من التراب حتـى واراه، فقال الذي قتل أخاه: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ... الاَية.

٩٢٦٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية، قال: لـما قتله ندم، فضمه إلـيه حتـى أرْوَح، وعكفت علـيه الطير والسبـاع تنتظر متـى يرمي به فتأكلَه.

٩٢٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ لِـيُرِيَهُ أنه بعثه اللّه عزّ ذكره يبحث فـي الأرض ذُكِر لنا أنهما غرابـان اقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، وذلك يعنـي ابن آدم ينظر، وجعل الـحيّ يحثـي علـى الـميت التراب، فعند ذلك قال ما قال: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ... الاَية، إلـى قوله: مِنَ النّادِمِينَ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: أما قوله: فَبَعَثَ اللّه غُرابـا قال: قتل غراب غرابـا، فجعل يحثو علـيه، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ فَأُوَارِىَ سَوْءَةَ أخِي فأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فِـي الأرْضِ لِـيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أخيهِ قال: وارى الغرابُ الغرابَ

قال: كان يحمله علـى عاتقه مائة سنة لا يدري ما يصنع به، يحمله ويضعه إلـى الأرض حتـى رأى يدفن الغراب،

فقال: يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ فَأُوَارِىَ سَوأة أخِي فأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.

٩٢٦٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: حدثنا خالد، عن حصين، عن أبـي مالك فـي قول اللّه : يَا وَيْـلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أكُونَ مِثَلَ هَذَا الغُرابِ قال: بعث اللّه غرابـا، فجعل يبحث علـى غراب ميت التراب، قال: فقال عند ذلك: أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِىَ سَوأة أخِي فأصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ.

٩٢٦٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَبَعَثَ اللّه غُرَابـا يَبْحَثُ فـي الأرْضِ: بعث اللّه غرابـا حيا إلـى غراب ميت، فجعل الغراب الـحيّ يواري سوأة الغراب الـميت، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه: يَا وَيْـلَتا أعَجَزْتُ أنْ أكونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ... الاَية.

٩٢٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فـيـما يذكر عن بعض أهل العلـم بـالكتاب الأوّل، قال: لـما قتله سُقِط فـي يديه، ولـم يد كيف يواريه، وذلك أنه كان فـيـما يزعمون أوّل قتـيـل من بـين آدم، وأول ميت (قال) يا وَيْـلَتا أعَجَزْتُ نْ أكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوأةَ أخي... الاَية (إلـى قوله: ثُمّ إنّ كثـيرا مِنْهُمْ بعد ذلكَ فـي الأرْضِ لـمُسْرِفون قال:) ويزعم أهل التوراة أن قابـيـل حين قتل أخاه هابـيـل، قال له جلّ ثناؤه: يا قابـيـل أين أخوك هابـيـل؟ قال: ما أدري ما كنت علـيه رقـيبـا. فقال اللّه جلّ وعزّ له: إن صوت دم أخيك لـيَنُادينـي من الأرض، الاَن أنت ملعون من الأرض التـي فتـحت فـاها فبلعت دم أخيك من يدك، فإذا أنت عملت فـي الأرض، فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتـى تكون فزعا تائها فـي الأرض. قال قابـيـل: عظمت خطيئتـي عن أن تغفرها، قد أخرجتنـي الـيوم عن وجه الأرض، وأتواري من قدّامك، وأكون فزعا تائها فـي الأرض، وكلّ من لقـينـي قتلنـي فقال جلّ وعزّ: لـيس ذلك كذلك، ولا يكون كل قاتل قتـيلاً يجزى واحدا، ولكن يجزي سبعة، وجعل اللّه فـي قابـيـل آية، لئلا يقتله كلّ من وجده. وخرج قابـيـل من قدّام اللّه عزّ وجلّ، من شرقـي عَدَن الـجنة.

٩٢٧٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن خيثمة، قال: لـما قتل ابن آدم أخاه نَشفَت الأرض دمه، فُلعنت، فلـم تنشف الأرض دما بعد.

فتأويـل الكلام: فأثار اللّه للقاتل إذ لـم يدر ما يصنع بأخيه الـمقتول غرابـا يبحث فـي الأرض،

يقول: يحفر فـي الأرض، فـيثـير ترابها لـيريه كيف يواري سوءة أخيه،

يقول: لـيريه كيف يواري جيفة أخيه. وقد يحتـمل أن يكون عنى بـالسوءة الفَرْج، غير أن الأغلب من معناه ما ذكرت من الـجِيفة، وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل. وفـي ذلك مـحذوف ترك ذكره، استغناء بدلالة ما ذكر منه، وهو: فأراه بأن بحث فـي الأرض لغراب آخر ميت، فواراه فـيها، فقال القاتل أخاه حينئذٍ: يا وَيْـلَتا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ الذي وارى الغرابَ الاَخر الـميت فَأُوارِيَ سَوأةَ أخِي؟ فواراه حينئذٍ فأصْبَحَ منَ النّادِمينَ علـى ما فَرَط منه من معصية اللّه عزّ ذكره فـي قتله أخاه. وكلّ ما ذكر اللّه عزّ وجلّ فـي هذه الاَيات، مَثَل ضربه اللّه لبنـي آدم، وحرّض به الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى استعمال العفو والصفح عن الـيهود، الذين كانوا هَمّوا بقتل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وقتلهم من بنـي النضير، إذ أتوهم يستعينونهم فـي دية قتـيَـلْـي عمرو بن أمية الضّمْرِي، وعرّفهم جلّ وعزّ رداءة سجية أوائلهم وسوء استقامتهم علـى منهج الـحقّ مع كثرة أياديه وآلائه عندهم، وضرب مثلهم فـي عدوّهم ومثل الـمؤمنـين فـي الوفـاء لهم والعفو عنهم بـابَنْـي آدم الـمقرّبَـين قرابـينهما اللذين ذكرهما اللّه فـي هذه الاَيات. ثم ذلك مَثَل لهم علـى التأسّي بـالفـاضل منهما دون الطالـح، وبذلك جاء الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٩٢٧١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: قلت لبكر بن عبد اللّه : أما بلغك أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ اللّه جلّ وَعَزّ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَـيْ آدَمَ مَثَلاً، فخُذُوا خَيْرَهُما وَدَعُوا شَرّهُما؟) قال: بلـى.

٩٢٧٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق،، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ ابْنَـيْ آدَمَ ضُرِبـا مَثَلاً لِهَذِهِ الأُمّةِ فَخُذُوا بـالـخَيْرِ مِنْهُما).

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عاصم الأحول، عن الـحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه ضَرَبَ لَكُمْ ابْنَـيْ آدَمَ مَثَلاً، فَخُذُوا مِنْ خَيْرِهِمْ وَدَعُوا الشّرّ).

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ...}.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ من جَرّ ذلك وجريرته وجنايته،

يقول: من جرّ القاتل أخاه من ابنـي آدم اللذَين اقتصصنا قصتهما الـجريرة التـي جرّها وجنايته التـي جناها، كتبنا علـى بنـي إسرائيـل. يقال منه: أجَلْتُ هذا الأمر: أي جرررته إلـيه وكسبته آجُلُه له أجْلاً، كقولك: أخذته أخذا، ومن ذلك قول الشاعر:

وأهْلِ خِبـاءٍ صَالـحٍ ذاتُ بَـيْنِهِمْقَد احْتَرَبوا فِـي عاجِلٍ أنا آجِلُهْ

يعنـي بقوله: أنا آجله: آنا الـجارّ ذلك علـيه والـجانـي.

فمعنى الكلام: من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلـما، حكمنا علـي بنـي إسرائيـل أنه من قتل منهم نفسا ظلـما بغير نفس قَتَلت فُقِتل بها قصاصا أو فَسَادٍ فـي الأرْضِ

يقول: أو قتل منهم نفسا بغير فساد كان منها فـي الأرض، فـاستـحقت بذلك قتلها. وفسادها فـي الأرض إنـما يكون بـالـحرب لله ولرسوله وإخافة السبـيـل.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٢٧٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ

يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلـما.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله جلّ ثناؤه: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أحْياها فَكأنّـما أحيْا النّاس جَمِيعا

فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن قتل نبـيا أو إمام عدل، فكأنـما قتل الناس جميعا، ومن شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل، فكأنـما أحيا الناس جميعا. ذكر من قال ذلك:

٩٢٧٤ـ حدثنا أبو عمار حسين بن حُرَيْثٍ الـمَرْوَزِيّ، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الـحسين بن واقد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسع جَمِيعا وَمَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل فكأنـما أحيا الناس جميعا. ومن قتل نبـيا أو إمام عدل فكأنـما قتل الناس جميعا.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس فـي قوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إْسرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنّـما قَتَلَ النّاس جَمِيعا

يقول: من قتل نفسا واحدة حرّمتها، فهو مثل من قتل الناس جميعا. وَمَنْ أحْياها

يقول: من ترك قتل نفس واحدة حرّمتها مخافتـي واستـحيا أن يقتلها، فهو مثل استـحياء الناس جميعا يعنـي بذلك الأنبـياء.

وقال آخرون: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا عند الـمقتول فـي الإثم وَمَنْ أحيْاها فـاستنقذها من هلكة فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا عند الـمستنقذ. (ذكر من قال ذلك):

٩٢٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـيـما ذكر عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرّة الهمدانـي، عن عبد اللّه ، وعن ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قوله: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا عند الـمقتول، يقول فـي الإثم: ومن أحياها فـاستنقذها من هلكة، فكأنـما أحيا الناس جميعا عند الـمستنقَذ.

وقال آخرون: معنى ذلك: أن قاتل النفس الـمـحرّم قتلها يصلـي النار كما يصلاها لو قتل الناس جميعا، من أحياها: من سلـم من قتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعا. ذكر من قال ذلك:

٩٢٧٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن خَصِيف، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: مَنْ أحْياها فَكأنَـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من كفّ عن قتلها فقد أحياها، ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنـما قتل الناس جميعا

قال: ومن أوبقها.

٩٢٧٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن خصيف، عن مـجاهد، قال: من أوبق نفسا فكما لو قتل الناس جميعا، ومن أحياها وسلـم من طلبها فلـم يقتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعا، ومن أحياها وسلـم من طلبها فلـم يقتلها فقد سلـم من قتل الناس جميعا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شريك، عن خصيف، عن مـجاهد: فَكأنَـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أحْياها فَكأنَـما أحيْا النّاسَ جَمِيعا لـم يقتلها، وقد سلـم منه الناس جميعا لـم يقتل أحدا.

٩٢٧٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الأوزاعي، قال: أخبرنا عبدة ابن أبـي لُبـابة، قال: سألت مـجاهدا، أو سمعته يُسْأل عن قوله: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: لو قتل الناس جميعا كان جزاؤه جهنـم خالدا فـيها، وغضب اللّه علـيه ولعنه، وأعدّ له عذابـا عظيـما.

حدثنـي الـمثنى، قال:ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج قراءة، عن الأعرج، عن مـجاهد فـي قوله: فَكأنَـما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: الذي يقتل النفس الـمؤمنة متعمدا، جعل اللّه جزاءه جهنـم، وغضب اللّه علـيه ولعنه، وأعدّ له عذابـا عظيـما

يقول: لو قتل الناس جميعا لـم يزد علـى مثل ذلك من العذاب قال ابن جريج، قال مـجاهد: وَمَنْ أحْياها فَكأنَـما أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من لـم يقتل أحدا فقد استراح الناس منه.

٩٢٧٩ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن خصيف، عن مـجاهد، قال: أوبق نفسا.

٩٢٨٠ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: فـي الإثم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا،

وقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنّـمُ قال: يصير إلـى جهنـم بقتل الـمؤمن، كما أنه لو قتل الناس جميعا لصار إلـى جهنـم.

٩٢٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: هو كما قال

وقال: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا فإحياؤها لا يقتل نفسا حرّمها اللّه ، فذلك الذي أحيا الناس جميعا، يعنـي أنه من حرّم قتلها إلا بحقّ حيـي الناس منه جميعا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن العلاء بن عبد الكريـم، عن مـجاهد: وَمَنْ أحيْاها قال: ومن حرّمها فلـم يقلتها.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن العلاء، قال: سمعت مـجاهدا

يقول: مَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من كفّ عن قتلها فقد أحياها.

٩٢٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: هي كالتـي فـي النساء: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا فَجَزاؤُهُ جَهَنّـمُ فـي جزائه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَكأنـمَا قَتَل النّاسَ جَمِيعا كالتـي فـي سورة النساء: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِنا مُتَعَمّدا فـي جزائه وَمَنْ أحْياها ولـم يقتل أحدا فقد حيـي الناس منه.

٩٢٨٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن العلاء بن عبد الكريـم، عن مـجاهد فـي قوله: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: التفت إلـى جلسائه فقال: هو هذا وهذا.

وقال آخرون: معنى ذلك: ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد فـي الأرض فكأنـما قتل الناس جميعا، لأنه يجب علـيه من القصاص به والقود بقتله، مثل الذي يجب علـيه من القود والقصاص لو قتل الناس جميعا. ذكر من قال ذلك:

٩٢٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: يجب علـيه من القتل مثل لو أنه قتل الناس جميعا

قال: كان أبـي يقول ذلك.

وقال آخرون: معنى قوله: وَمَنْ أحيْاها من عفـا عمن وجب له القصاص منه فلـم يقتله. ذكر من قال ذلك:

٩٢٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَمنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا

يقول: من أحياها أعطاه اللّه جلّ وعزّ من الأجر مثلَ لو أنه أحيا الناس جميعا. أحياها فلـم يقتلها وعفـا عنها

قال: وذلك ولـيّ القتـيـل، والقتـيـل نفسه يعفو عنه قبل أن يـموت

قال: كان أبـي يقول ذلك.

٩٢٨٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن يوسن، عن الـحسن فـي قوله: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيَعا قال: من عفـا.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن يونس، عن الـحسن: وَمَنْ أحيْاها فَكأنّـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من قُتل حميـم له فعفـا عن دمه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: العفو بعد القدرة.

وقال آخرون: معنى قوله: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا ومن أنـجاها من غرق أو حرق. ذكر من قال ذلك:

٩٢٨٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد: وَمَنْ أحيْاها فَكأنَـما أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: من أنـجاها من غَرَق أو حَرَق أو هلكة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، وحدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاه: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسع جَمِيعا قال: من غَرَق أو حَرَق أو هَدَم.

٩٢٨٨ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن خصيف، عن مـجاهد: وَمَنْ أحيْاها قال: أنـجاها

وقال الضحاك بـما:

٩٢٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي عامر، عن الضحاك ، قال: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ قال: من تروّع أو لـم يتورّع.

٩٢٩٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا

يقول: لو لـم يقتله لكان قد أحيا الناس، فلـم يستـحلّ مـحرّما

وقال قتادة والـحسن فـي ذلك بـما:

٩٢٩١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن يونس، عن الـحسن: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ قال: عَظُم ذلك.

٩٢٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ... الاَية: من قتلها علـى غير نفس ولا فساد أفسدته فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا عظُم واللّه أجْرُها، وعظُم وِزْرُها فأحيها يا ابن آدم بـمالك، وأحيها بعفوك إن استطعت، ولا قوّة إلا بـالله. وإنا لا نعلـمه يحلّ دم رجل مسلـم من أهل هذه القبلة إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فعلـيه القتل، أو زنى بعد إحصانه فعلـيه الرجم، أو قتل متعمدا فعلـيه القَوَد.

٩٢٩٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: تلا قتادة: مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكأنـمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أحْيها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا قال: عَظُم واللّه أجرُها، وَعظُم واللّه وِزْرُها.

٩٢٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرا ابن الـمبـارك، عن سلام بن مسكين، قال: ثنـي سلـيـمان بن علـيّ الرّبْعي، قال: قلت للـحسن: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسً... الاَية، أهي لنا يا أبـا سعيد كما كانت لبنـي إسرائيـل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبنـي إسرائيـل وما جعل دماء بنـي إسرائيـل أكرم علـى اللّه من دمائنا.

٩٢٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سعيد بن زيد، قال: سمعت خالدا أبـا الفضل، قال: سمعت الـحسن تلا هذه الاَية: فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ... إلـى قوله: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا ثم قال: عَظّم واللّه فـي الوزر كما تسمعون، ورغّب واللّه فـي الأجر كما تسمعون إذا ظننت يا ابن آدم أنك لو قتلت الناس جميعا فإن لك من عملك ما تفوز به من النار، كَذَبَتْك واللّه نفسك، وكَذَبَكَ الشيطان.

٩٢٩٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عاصم، عن الـحسن فـي قوله: فَكأنَـما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا قال: وزرا وَمَنْ أحيْاها فَكأنّـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا

قال: أجرا.

وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك أنه من قتل نفسا مؤمنة بغير نفس قتلتها فـاستـحقت القود بها والقتل قصاصا، أو بغير فساد فـي الأرض، بحرب اللّه ورسوله وحرب الـمؤمنـين فـيها، فكأنـما قتل الناس جميعا فـيـما استوجب من عظيـم العقوبة من اللّه جلّ ثناؤه، كما أوعده ذلك من فعله ربّه بقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنّـمُ خالِدا فِـيها وَغَضِبَ اللّه عَلَـيْهِ وَلَعَنَهُ وأعَدّ لَهُ عَذَابـا عَظِيـما.

وأما قوله: وَمَنْ أحيْاها فَكأنـمَا أحيْا النّاسَ جَمِيعا فأولـى التأويلات به قول من قال: من حرّم قتل من حرّم اللّه عزّ ذكره قتَله علـى نفسه، فلـم يتقدم علـى قتله، فقد حِيـيَ الناس منه بسلامتهم منه، وذلك إحياؤه إياها. وذلك نظير خبر اللّه عزّ ذكره عمن حاجّ إبراهيـم فـي ربه، إذ قال له إبراهيـم: ربّـيَ الّذِين يُحْيِى ويُـمِيتُ قال أنا أُحْيِى وأُمِيتُ. فكان معنى الكافر فـي قـيـله: أنا أحيى وأميت: أنا أترك من قدرت علـى قتله وفـي قوله: وأميت: قَتْلُه من قتله. فكذلك معن الإحياء فـي قوله: وَمَنْ أحْياها: من سلـم الناس من قتله إياهم، إلا فـيـما أذن اللّه فـي قتله منهم فَكأنـمَا أحْيا النّاسَ جَمِيعا.

وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات بتأويـل الاَية، لأنه لا نفس يقوم قتلها فـي عاجل الضرّ مقام قتل جميع النفوس، ولا إحياؤها مقام إحياء جميع النفوس فـي عاجل النفع، فكان معلوما بذلك أن معنى الإحياء: سلامة جميع النفوس منه، لأنه من لـم يتقدم علـى نفس واحدة، فقد سلـم منه جميع النفوس، وأن الواحدة منها التـي يقوم قتلها مقام جميعها إنـما هو فـي الوزر، لأنه لا نفس من نفوس بنـي آدم يقوم فقدها مقام فقد جميعها وإن كان فقد بعضها أعمّ ضررا من فقد بعض.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ولَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بـالبَـيّناتِ ثُمّ إنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فـي الأرْضِ لَـمُسْرِفُونَ.

وهذا قسم من اللّه جل ثناؤه أقسم به، إن رسله صلوات اللّه علـيهم قد أتت بنـي إسرائيـل الذين قصّ اللّه قصصهم وذكر نبأهم فـي الاَيات التـي تقدمت من قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ إذْ هَمّ قَوْمٌ أنْ يَبْسُطُوا إلَـيْكُمْ أيْدِيَهُمْ إلـى هذا الـموضع. بـالبَـيّناتِ يعنـي: بـالاَيات الواضحة، والـحجج البـينة علـى حقـية ما أرسلوا به إلـيهم وصحة ما دعوهم إلـيه من الإيـمان بهم وأداء فرائض اللّه علـيهم، يقول اللّه عزّ ذكره: ثُمّ إنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِـي الأرْضِ لَـمُسْرِفُونَ يعنـي أن كثـيرا من بنـي إسرائيـل، والهاء والـميـم فـي قوله: ثُمّ إنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ من ذكر بنـي إسرائيـل، وكذلك ذلك فـي قوله: وَلَقَدْ جارَتْهُمْ بعد ذلك، يعنـي بعد مـجيـيء رسل اللّه بـالبـينات فـي الأرض. لـمُسْرِفُونَ يعنـي: أنهم فـي الأرض لعاملون بـمعاصي اللّه ، ومخالفون أمر اللّه ونهيه، ومـحادوا اللّه ورسله، بـاتبـاعهم أهواءهم وخلافهم علـى أنبـيائهم وذلك كان إسرافهم فـي الأرض.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا جَزَآءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ ...}.

وهذا بـيان من اللّه عزّ ذكره عن حكم الفساد فـي الأرض الذي ذكره فـي قوله: مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أنّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ أعلـم عبـاده ما الذي يستـحقّ الـمفسد فـي الأرض من العقوبة والنكال، فقال تبـارك وتعالـى: لا جزاء له فـي الدنـيا إلا القتل والصلب وقطع الـيد والرجل من خلاف أو النفـي من الأرض، خزيا لهم وأما فـي الاَخرة إن لـم يتب فـي الدنـيا فعذاب عظيـم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الاَية.

فقال بعضهم: نزلت فـي قوم من أهل الكتاب، كانوا أهل موادعة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنقضوا العهد وأفسدوا فـي الأرض، فعرّف اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم الـحكم فـيها. ذكر من قال ذلك:

٩٢٩٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا قال: كان قوم من أهل الكتاب بـينهم وبـين النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا فـي الأرض فخير اللّه رسوله، إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

٩٢٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كان قوم بـينهم وبـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبـيـل وأفسدوا فـي الأرض فخير اللّه جلّ وعزّ نبـيه صلى اللّه عليه وسلم فـيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فذكر نـحوه.

وقال آخرون: نزلت فـي قوم من الـمشركين. ذكر من قال ذلك:

٩٢٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: قال: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... إلـى: إنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ نزلت هذه الاَية فـي الـمشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا علـيه لـم يكن علـيه سبـيـل ولـيست تَـحْرز هذه الاَية الرجل الـمسلـم من الـحدّ إن قتل أو أفسد فـي الأرض أو حارب اللّه ورسوله ثم لـحق بـالكفـار قبل أن يُقَدَر علـيه، لـم يـمنعه ذلك أن يقام فـيه الـحدّ الذي أصاب.

٩٣٠٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الـحسن: إنّـما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ قال: نزلت فـي أهل الشرك.

وقال آخرون: (ذكر من قال ذلك): بل نزلت فـي قوم من عُرَينة وعُكْل ارتدّوا عن الإسلام، وحاربوا اللّه ورسوله.

٩٣٠١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا سعيد بن أبـي عَرُوبة، عن قتادة، عن أنس: أن رهطا من عُكل وعرينة أتوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقالوا: يا رسول اللّه أنا أهل ضَرْع ولـم نكن أهل ريف، وإنا استوخمنا الـمدينة. فأمر لهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بَذوْد وراع، وأمرهم أن يخرجوا فـيها فـيشربوا من ألبـانها وأبوالها. فقتلوا راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتِـيَ بهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم فـي الـحرّة حتـى ماتوا. فذكر لنا أن هذه الاَية نزلت فـيهم: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا هشام بن أبـي عبد اللّه ، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـمثل هذه القصة.

٩٣٠٢ـ حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق، قال: سمعت أبـي

يقول: أخبرنا أبو حمزة، عن عبد الكريـم وسئل عن أبوال الإبل،

فقال: حدثنـي سعيد بن جبـير عن الـمـحاربـين،

فقال: كان ناس أتوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

فقالوا: نبـايعك عن الإسلام فبـايعوه وهم كذبة، ولـيس الإسلامَ يريدون. ثم

قالوا: نا نـجتَوي الـمدينة. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (هَذِهِ اللّقاحُ تَغْدُو عَلَـيْكُمْ وَتَرُوحُ، فـاشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وألْبـانِها)

قال: فبـينا هم كذلك إذ جاء الصريخ، فصرخ إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: قتلوا الراعي، وساقوا النعم فأمر نبـيّ اللّه فنُودي فـي الناس، أن: يا خيـل اللّه اركبـي

قال: فركبوا لا ينتظر فـارس فـارسا

قال: فركب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى أثرهم، فلـم يزالوا يطلبونهم حتـى أدخـلوهم مأمنهم، فرجع صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، قال: فكان نفـيهم أن نفوهم، حتـى أدخـلوهم مأمنهم وأرضهم، ونفوهم من أرض الـمسلـمين، وقتل نبـيّ اللّه منهم وصلب وقطع وسمل الأعين

قال: فما مثّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل ولا بعد

قال: ونهى عن الـمُثْلة، وقال: (لا تُـمَثّلوا بشَيْءٍ) قال: فكان أنس بن مالك يقول ذلك، غير أنه قال: أحرقهم بـالنار بعد ما قتلهم.

قال: وبعضهم

يقول: هم ناس من بنـي سلـيـم، ومنهم من عرينة وناس من بجيـلة.

٩٣٠٣ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا الـحسن بن هناد، عن عمرو بن هاشم، عن موسى بن عبـيد، عن مـحمد بن إبراهيـم، عن جرير، قال: قدم علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قوم من عينة حفـاة مضرورين، فأمر بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلـما صحّوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح، ثم خرجوا بـاللقاح عامدين بها إلـى أرض قومهم. قال جرير: فبعثنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي نفر من الـمسلـمين حتـى أدركناهم بعد ما أشرفوا علـى بلاد قومهم، فقدمنا بهم علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمل أعينهم، وجعلوا يقولون: الـماء ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (النّار) حتـى هلكوا

قال: وكره اللّه سمل الأعين، فأنزل هذه الاَية: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... إلـى آخر الاَية.

٩٣٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن أبـي الأسود مـحمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبـير (ح). وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يحيى بن عبد اللّه بن سالـم، وسعيد بن عبد الرحمن، وابن سمعان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: أغار ناس من عرينة علـى لقاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـاستاقوها وقتلوا غلاما له فـيها، فبعث فـي آثارهم فأُخِذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم.

٩٣٠٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث، عن سعيد بن أبـي هلال عن أبـي الزناد، عن عبد اللّه بن عبد اللّه ، عن عبد اللّه بن عمر أو عمرو، شكّ يونس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك، ونزلت فـيهم آية الـمـحاربة.

٩٣٠٦ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي قلابة، عن أنس، قال: قدم ثمانـية نفر من عكل علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأسلـموا، ثم اجتووا الـمدينة، فأمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فـيشربوا من أبوالها وألبـانها، ففعلوا، فقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل. فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي أثرهم قافة، فأُتـي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وتركهم فلـم يحسمهم حتـى ماتوا.

٩٣٠٧ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: ثنـي سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: كانوا أربعة نفر من عرينة وثلاثة من عكل، فلـما أُوتـي بهم قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينِهم ولـم يحسمهم، وتركهم يتلقمون الـحجارة بـالـحرّة، فأنزل اللّه جلّ وعزّ فـي ذلك: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية،

٩٣٠٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب أن عبد الـملك بن مروان كتب إلـى أنس يسأله عن هذه الاَية، فكتب إلـيه أنس يخبره أن هذه الاَية نزلت فـي أولئك النفر العرنـيـين، وهم من بجيـلة، قال أنس: فـارتدّوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستقاوا الإبل، وأخافوا السبـيـل، وأصابوا الفَرْج الـحرام.

٩٣٠٩ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعُوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا قال: أنزلت فـي سُودان عرينة، قال: أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبهم الـماء الأصفر، فشكوا ذلك إلـيه، فأمرهم فخرجوا إلـى إبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الصدقة،

فقال: (اشْرَبُوا منْ ألْبـانِها وأبْوَالِهَا). فشربوا من ألبـانها وأبوالها، حتـى إذا صحّوا وبرءوا، قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي أن يقال: أنزل اللّه هذه الاَية علـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم معرّفة حكمه علـى من حارب اللّه ورسوله وسعى فـي الأرض فسادا، بعد الذي كان من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالعرنـيـين ما فعل.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك، لأن القصص التـي قصها اللّه جلّ وعزّ قبل هذه الاَية وبعدها من قصص بنـي إسرائيـل وأنبأئهم، فأن يكون ذلك متوسطا منه يعرف الـحكم فـيهم وفـي نظرائهم، أولـى وأحقّ. وقلنا: كان نزلو ذلك بعد الذي كان من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالعرنـيـين ما فعل لتظاهر الأخبـار عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك. وإذ كان ذلك أولـى بـالاَية لـما وصفنا، فتأويـلها: من أجل كتبنا علـى بنـي إسرائيـل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو سَعَى بفساد فـي الأرض فكأنـما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنـما أحيا الناس جميعا، ولقد جاءتهم رسلنا بـالبـينات، ثم إن كثـيرا منهم بعد ذلك فـي الأرض لـمسرفون،

يقول: لساعون فـي الأرض بـالفساد، وقاتلو النفوس بغير نفس وغير سعي فـي الأرض بـالفساد حربـا لله ولرسوله، فمن فعل ذلك منهم يا مـحمد، فإنـما جزاؤه أن يقتلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض.

فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الاَية نزلت فـي الـحال التـي ذكرت من حال نقض كافر من بنـي إسرائيـل عهده، ومن قولك إن حكم هذه الاَية حكم من اللّه فـي أهل الإسلام دون أهل الـحرب من الـمشركين؟

قـيـل: جاز أن يكون ذلك كذلك، لأن حكم من حارب اللّه ورسوله وسَعَى فـي الأرض فسادا من أهل ذمتنا وملتنا واحد، والذين عُنُوا بـالاَية كانوا أهل عهد وذمة، وإن كان داخلاً فـي حكمها كل ذمي وملـيَ، ولـيس يبطل بدخول من دخـل فـي حكم الاَية من الناس أن يكون صحيحا نزولها فـيـمن نزلت فـيه.

وقد اختلف أهل العلـم فـي نسخ حكم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي العُرَنـيـين،

فقال بعضهم: ذلك حكم منسوخ، نسخه نهيه عن الـمثلة بهذه الاَية، أعنـي بقوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعُوْنَ فـي الأرْضِ فَسادا... الاَية، و

قالوا: أنزلت هذه الاَية عتابـا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما فعل بـالعرنـيـين.

وقال بعضهم: بل فِعْلُ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـالعرنـيـين حكم ثابت فـي نظرائهم أبدا، لـم يُنْسخ ولـم يبدّلوقوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، حكم من اللّه فـيـمن حارب وسعى فـي الأرض فسادا بـالـحِرَابة.

قالوا: والعرنـيون ارتدوا وقتلوا وسرقوا وحاربوا اللّه ورسوله، فحكمهم غير حكم الـمـحارِب الساعي فـي الأرض بـالفساد من أهل الإسلام والذمة.

وقال آخرون: لـم يَسْمُلِ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أعين العرنـيـين، ولكنه كان أراد أن يسمُل، فأنزل اللّه جلّ وعزّ هذه الاَية علـى نبـيه يعرّفه الـحكم فـيهم ونهاه عن سمل أعينهم. ذكر القائلـين ما وصفنا:

٩٣١٠ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: ذاكرت اللـيث بن سعد ما كان من سمل رسول اللهصلى اللّه عليه وسلم أعينهم وتركه حَسْمهم حتـى ماتوا،

فقال: سمعت مـحمد بن عجلان

يقول: أنزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معاتبة فـي ذلك، وعَلـمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفـي، ولـم يسمُل بعده مغيرهم

قال: وكان هذا القول ذُكِر لأبـي عمرو، فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بلـى كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الاَية فـي عقوبة غيرهم مـمن حارب بعدهم فرفع عنهم السّمْل.

٩٣١١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنـي أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأُتـي بهم يعنـي العُرنـيـين فأراد أن يسمُل أعينهم، فنهاه اللّه عن ذلك، وأمره أن يقـيـم فـيهم الـحدود كما أنزلها اللّه علـيه.

واختلف أهل العلـم فـي الـمستـحقّ اسم الـمـحارب لله ورسوله الذي يـلزمه حكم هذه،

فقال بعضهم: هو اللصّ الذي يقطع الطريق. ذكر من قال ذلك:

٩٣١٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عطاء الـخراسانـي فـي قوله: إنّـما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا... الاَية، قالا: هذا هو اللصّ الذي يقطع الطريق، فهو مـحارب.

وقال آخرون: هو اللصّ الـمـجاهر بلصوصيته، الـمكابر فـي الـمصر وغيره. ومـمن قال ذلك الأوزاعي.

٩٣١٣ـ حدثنا بذلك العبـاس عن أبـيه عنه.

وعن مالك واللـيث بن سعد وابن لهَيعة.

٩٣١٤ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لـمالك بن أنس: تكون مـحاربة فـي الـمصر؟ قال: نعم، والـمـحارب عندنا من حمل السلاح علـى الـمسلـمين فـي مصر أو خلاء، فكان ذلك منه علـى غير نائرة كانت بـينهم ولا ذَحْل ولا عداوة، قاطعا للسبـيـل والطريق والديار، مخيفـا لهم بسلاحه، فقتْل أحدا منهم قتله الإمام كقتله الـمـحارب لـيس لولـيّ الـمقتول فـيه عفو ولا قَوَد.

٩٣١٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: سألت عن ذلك اللـيث بن سعد وابن لهيعة، قلت: تكون الـمـحاربة فـي دور الـمصر والـمدائن والقرى؟ فقالا: نعم، إذا هم دخـلوا علـيهم بـالسيوف علانـية، أو لـيلاً بـالنـيران. قلت: فقتلوا أو أخذوا الـمال ولـم يقتلوا؟ فقال: نعم هم الـمـحاربون، فإن قَتَلوا قتُلوا، وإن لـم يقتلوا وأخذوا الـمال قُطعوا من خلاف إذا هم خرجوا به من الدار، لـيس من حارب الـمسلـمين فـي الـخلاء والسبـيـل بأعظم من مـحاربة من حاربهم فـي حريـمهم ودُورهم.

٩٣١٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: قال أبو عمرو: وتكون الـمـحاربة فـي الـمصر شُهِر علـى أهله بسلاحه لـيلاً أو نهارا. قال علـيّ: قال الولـيد: وأخبرنـي مالك أن قتل الغيـلة عنده بـمنزلة الـمـحاربة. قلت: وما قتل الغِيـلة؟ قال: هو الرجل يخدع الرجل والصبـيّ، فـيدخـله بـيتا أو يخـلوا به فـيقتله ويأخذ ماله، فـالإمام ولـي قتل هذا، ولـيس لولـيّ الدم والـجرح قَوَد ولا قصاص.

وهو قول الشافعي. حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وقال آخرون: الـمـحارب: هو قاطع الطريق فأما الـمكابر فـي الأمصار فلـيس بـالـمـحارب الذي له حكم الـمـحاربـين. ومن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه.

٩٣١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، عن داود بن أبـي هند، قال: تذاكرنا الـمـحارب ونـحن عند ابن هبـيرة فـي ناس من أهل البصرة، فـاجتـمع رأيهم أن الـمـحارب ما كان خارجا من الـمصر

وقال مـجاهد بـما:

٩٣١٨ـ حدثنـي القاسم، قال:ثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا قال: الزنا والسرقة، وقتل الناس، وإهلاك الـحرث والنسل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد: وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا قال: الفساد: القتل، والزنا، والسرقة. وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب، قول من قال: الـمـحارب لله ورسوله من حارب فـي سابلة الـمسلـمين وذمتهم، والـمغير علـيهم فـي أمصارهم وقراهم حَرَابة.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصواب، لأنه لا خلاف بـين الـحجة أن من نصب حربـا للـمسلـمين علـى الظلـم منه لهم أنه لهم مـحارب، ولا خلاف فـيه. فـالذي وصفنا صفته، لا شك فـيه أنه لهم مناصب حربـا ظلـما. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان نصبه الـحرب لهم فـي مصرهم وقراهم أو فـي سبلهم وطرقهم فـي أنه لله ولرسوله مـحارب بحربه من نهاه اللّه ورسوله عن حربه.

وأما قوله: وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا فإنه يعنـي: يعملون فـي أرض اللّه بـالـمعاصي من إخافة سبل عبـاده الـمؤمنـين به، أو سبل ذمتهم وقطع طرقهم، وأخذ أموالـم ظلـما وعدوانا، والتوثّب علـى علـى حُرَمهم فجورا وفسوقا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أنْ يُقَتّلُوا أوْ يُصَلّبوا أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خلافٍ أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ.

يقول تعالـى ذكره: ما للذي حارب اللّه ورسوله وسعى فـي الأرض فسادا من أهل ملة الإسلام أو ذمتهم إلا بعض هذه الـخلال التـي ذكرها جلّ ثناؤه.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي هذه الـحلال أتلزم الـمـحارب بـاستـحقاقه اسم الـمـحاربة، أم يـلزمه ما لزمه من ذلك علـى قدر جُرْمه مختلفـا بـاختلاف أجرامه؟ (

فقال بعضهم: يـلزمه ما لزمه من ذلك علـى قدر جرمه، مختلفـا بـاختلاف أجرامه) ذكر من قال ذلك:

٩٣١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: إنـما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَه... إلـى قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: إذا حار ب فقَتَل، فعلـيه القتل إذا ظُهِر علـيه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ الـمال وقَتَل، فعلـيه الصلب إن ظُهِر علـيه قبل توبته. وإذا حارب وأخذ ولـم يقتُل، فعلـيه قطع الـيد والرجل من خلاف إن ظُهِر علـيه قبل توبته. وإذا حارب وأخاف السبـيـل، فإنـما علـيه النفـي.

٩٣٢٠ـ حدثنا ابن وكيع وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن حماد، عن إبراهيـم: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ قال: إذا خرج فأخاف االسبـيـل وأخذ الـمال، قطعت يده ورجله من خلاف. وإذا أخاف السبـيـل ولـم يأخذ الـمال وقتل، صُلب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم فـيـما أُرى فـي الرجل يخرج مـحاربـا، قال: إن قطع الطريق وأخذ الـمال قطعت يده ورجله، وإن أخذ الـمال وقَتَل قُتِل، وإن أخذ الـمال وقتَل ومثّل: صُلب.

٩٣٢١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن عمران بن حدير، عن أبـي مـجلز: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية

قال: إذا قتل وأخذ الـمال وأخاف السبـيـل صُلب، وإذا قتَل لـم يعدُ ذلك قُتل، وإذا أخذ الـمال لـم يعد ذلك قُطع، وإذا كان يفسد نُفـي.

٩٣٢٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال حدثنا الـحمانـي، قال حدثنا شريك، عن سماك، عن الـحسن: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... إلـى قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: إذا أخاف الطريق ولـم يقتل ولـم يأخذ الـمالَ نُفـي.

٩٣٢٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، قال: كان يقال: من حارب فأخاف السبـيـل وأخذ الـمال ولـم يقتل: قُطعت يده ورجله من خلاف. وإذا أخذ الـمال وقتَل: صُلب.

٩٣٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، أنه كان يقول فـي قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... إلـى قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ حدود أربعة أنزلها اللّه . فأما من أصاب الدم والـمال جميعا: صُلب وأما من أصاب الدم وكفّ عن الـمال: قُتل ومن أصاب الـمال وكفّ عن الدم: قُطِع ومن لـم يصب شيئا من هذا: نُفـي.

٩٣٢٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ

قال: نهى اللّه نبـيه علـيه الصلاة والسلام عن أن يَسْمُل أعين العرنـيـين الذين أغاروا علـى لِقاحه، وأمره أن يقـيـم فـيهم الـحدود كما أنزلها اللّه علـيه. فنطر إلـى من أخذ الـمال ولـم يقتل فقطع يده ورجله من خلاف، يده الـيـمنى ورجله الـيسرى. ونظر إلـى من قتل ولـم يأخذ مالاً فقتله. ونظر إلـى من أخذ الـمال وقَتل فصلبه. وكذلك ينبغي لكلّ من أخاف طريق الـمسلـمين وقطع أن يصنع به إن أُخِذ وقد أخذ مالاً قطعت يده بأخذه الـمال ورجله بإخافة الطريق، وإن قتل ولـم يأخذ مالاً قتل، وإن قتل وأخذ الـمال: صُلب.

٩٣٢٦ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق، قال سمعت السديّ يسأل عطية العوفـي، عن رجل مـحارب خرج، فأخذ ولـم يصب مالاً ولـم يُهْرِق دما

قال: النفـي بـالسيف وإن أخذ مالاً فـيده بـالـمال ورجله بـما أخاف الـمسلـمين وإن هو قَتَل ولـم يأخذ مالاً: قُتِل وإن هو قتل وأخذ الـمال: صُلِب. وأكبر ظنـي أنه قال: تُقطع يده ورجله.

٩٣٢٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عطاء الـخراسانـي وقتادة فـي قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، قال: هذا اللصّ الذي يقطع الطريق، فهو مـحارب. فإن قَتل وأخذ مالاً: صُلِب وإن قتل، ولـم يأخذ مالاً: قُتل وإن أخذ مالاً ولـم يَقتل: قُطِعت يده ورجله وإن أُخِذ قبل أن يفعل شيئا من ذلك: نُفـي.

٩٣٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن قـيس بن سعد، عن سعيد بن جبـير، قال: من خرج فـي الإسلام مـحاربـا لله ورسوله فقَتل وأصاب مالاً، فإنه يُقْتل ويُصلب ومن قَتل ولـم يُصب مالاً، فإنه يقْتل كما قَتَل ومن أصاب مالاً ولـم يقْتُل، فإنه يقطع من خلاف وإن أخاف سبـيـل الـمسلـمين نُفـي من بلده إلـى غيره، لقول اللّه جلّ وعزّ: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ.

٩٣٢٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُلولَهُ قال: كان ناس يسعون فـي الأرض فسادا وقتلوا وقطعوا السبـيـل، فصَلَب أولئك. وكان آخرون حاربوا واستـحلّوا الـمال ولـم يَعْدُوا ذلك، فقُطِعت أيديهم وأرجلهم. وآخرون حاربوا واعتزلوا ولـم يَعْدُوا ذلك، فأولئك أُخرِجوا من الأرض.

٩٣٣٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي هلال، قال: حدثنا قتادة، عن مورّق العجلـي فـي الـمـحارب، قال: إن كان خرج فقتَل وأخذ الـمَال: صُلب وإن قتَل ولـم يأخذ الـمال: قُتِل وإن كان أخذ الـمال ولـم يقتُل: قُطِع وإن كان خرج مشاقّا للـمسلـمين: نُفـي.

٩٣٣١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوي، عن حجاج، عن عطية العوفـي، عن ابن عبـاس ، قال: إذا خرج الـمـحارب وأخاف الطريق وأخذ الـمال: قُطِعت يده ورجله من خلاف فإن هو خرج فقتل وأخذ الـمال: قُطِعت يده ورجله من خلاف ثم صُلب وإن خرج فقَتل ولـم يأخذ الـمال: قُتل وإن أخاف السبـيـل ولـم يقتُل ولـم يأخذ الـمال: نُفـي.

٩٣٣٢ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثنـي أبو صخر، عن مـحمد بن كعب القرظي وعن أبـي معاوية، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: إنّـمَا جَزَءُ الّذِينَ يُحارِبونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعُوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا قالا: إن أخاف الـمسلـمين، فـاقتطع الـمال، ولـم يسفك: قُطِع وإذا سفك دما: قُتِل وصُلِب وإن جمعهما فـاقتطع مالاً وسفك دما: قُطِع ثم قُتِل ثم صلُب. كأنّ الصلب مُثْله، وكأنّ القطع السّارِقُ وَالسّارِقَةُ فـاقْطَعُوا أيْدَيهُما، وكأن القتل. النفس بـالنفس. وإن امتنع فإن من الـحقّ علـى الإمام وعلـى الـمسلـمين أن يطلبوه حتـى يأخذوه فـيقـيـموا علـيه حكم كتاب اللّه ، أو يُنْفَوْا من الأرض من أرض الإسلام إلـى أرض الكفر.

واعتلّ قائلوا هذه الـمقالة لقولهم هذا، بأن

قالوا: إن اللّه أوجب علـى القاتل القود، وعلـى السارق القطع و

قالوا: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم:

(لاَ يَحلّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِـمِ إلاّ بإحْدَى ثَلاثِ خِلالٍ: رَجُلٍ قَتَلَ فَقُتلَ، وَرَجُلٍ زَنى بَعْدَ إحْصَانٍ فَرُجمَ، وَرَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إسْلامهِ)

قالوا: فحظر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قتل رجل مسلـم إلا بإحدى هذه الـخلال الثلاث، فإما أن يقتل من أجل إخافته السبـيـل من غير أن يقتل أو يأخذ مالاً، فذلك تقدّمٌ علـى اللّه ورسوله بـالـخلاف علـيهما فـي الـحكم.

قالوا: ومعنى قول من قال: الإمام فـيه بـالـخيار إذا قَتَل وأخاف السبـيـل وأخذ الـمال فهنالك خيار الإمام فـي قولهم بـين القتل أو القتل والصلب، أو قطع الـيد والرجل من خلافوأما صلبه بـاسم الـمـحاربة من غير أن يفعل شيئا من قتل أو أخذ مال، فذلك ما لـم يقله عالـم.

وقال آخرون: الإمام فـيه بـالـخيار أن يفعل أيّ هذه الأشياء التـي ذكرها اللّه فـي كتابه. ذكر من قال ذلك:

٩٣٣٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن عطاء، وعن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد فـي الـمـحارب: أن الإمام مخير فـيه أيّ ذلك شاء فعل.

٩٣٣٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن عبـيدة، عن إبراهيـم، عن عبـيدة، عن إبراهيـم: الإمام مخير فـي الـمـحارب، أيّ ذلك شاء فعل: إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء نفـي، وإن شاء صلب.

٩٣٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عاصم، عن الـحسن فـي قوله: إنّـما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبون اللّه وَرَسُولَهُ... إلـى قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: يأخذ الإمام بأيهما أحبّ.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عاصم، عن الـحسن: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبونَ اللّه وَرَسُولَهُ قال: الإمام مخير فـيها.

٩٣٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله.

٩٣٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن قـيس بن سعد، قال: قال عطاء: يصنع الإمام فـي ذلك ما شاء: إن شاء قتل، أو قطع، أو نفـي، لقول اللّه : أنْ يُقَتّلُوا أوْ يُصَلّبُوا أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ فذلك إلـى الإمام الـحاكم يصنع فـيه ما شاء.

٩٣٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، قال: من شهر السلاح فـي فئة الإسلام، وأخاف السبـيـل، ثم ظُفِر به وقُدِر علـيه، فإمام الـمسلـمين فـيه بـالـخيار، إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله.

٩٣٣٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرنا أبو هلال، قال: أخبرنا قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، أنه قال فـي الـمـحارب: ذلك إلـى الإمام، إذا أخذه يصنع به ما شاء.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي هلال، قال: حدثنا هارون، عن الـحسن فـي الـمـحارب، قال: ذاك إلـى الإمام يصنع به ما شاء.

حدثنا هناد، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الـحسن: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبونَ اللّه وَرَسُولَهُ قال: ذلك إلـى الإمام.

واعتلّ قائلو هذه الـمقالة بأن

قالوا: وجدنا العطوف التـي بأو فـي القرآن بـمعنى التـخيـير فـي كلّ ما أوجب اللّه به فرضا منها، وذلك كقوله فـي كفـارة الـيـمين:

فَكَفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وكقوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أوْ بِهِ أذًى مِنْ رأسِهِ فَفِدْيَةٌ من صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ، وكقوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ منْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفّـارَةُ طَعامِ مَساكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما.

قالوا: فإذا كانت العطوف التـي بأو فـي القرآن فـي كلّ ما أوجب اللّه به فرضا منها فـي سائر القرآن بـمعنى التـخيـير، فكذلك ذلك فـي آية الـمـحاربـين الإمام مخير فـيـما رأى الـحكم به علـى الـمـحارب إذا قدر علـيه قبل التوبة.

وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك عندنا تأويـل من أوجب علـى الـمـحارب من العقوبة علـى قدر استـحقاقه وجعل الـحكم علـى الـمـحاربـين مختلفـا بـاختلاف أفعالهم، فأوجب علـى مخيف السبـيـل منهم إذا قُدِر علـيه قبل التوبة وقبل أخذ مال أو قتل: النفـي من الأرض وإذا قُدِر علـيه بعد أخذ الـمال وقتل النفس الـمـحرّم قتلها: الصلب لـما ذكرت من العلة قبل لقائي هذه الـمقالة. فأما ما اعتلّ به القائلون: إن الإمام فـيه بـالـخيار من أن (أو) فـي العطف تأتـي بـمعنى التـخيـير فـي الفرض، فنقول: لا معنى له، لأن (أو) فـي كلام العرب قد تأتـي بضروب من الـمعانـي لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها، وقد بـينت كثـيرا من معانـيها فـيـما مضى وسنأتـي علـى بـاقـيها فـيـما يستقبل فـي أماكنها إن شاء اللّه . فأما فـي هذا الـموضع فإن معناها: التعقـيب، وذلك نظير قول القائل: إن جزاء الـمؤمنـين عند اللّه يوم القـيامة أن يدخـلهم الـجنة، أو يرفع منازلهم فـي علـيـين، أو يسكنهم مع الأنبـياء والصدّيقـين. فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقـيـله إلـى أن جزاء كلّ مؤمن آمن بـاللّه ورسوله، فهو فـي مرتبة واحدة من هذه الـمراتب ومنزلة واحدة من هذه الـمنازل بإيـمانه، بل الـمعقول عنه أن معناه: أن جزاء الـمؤمن لـم يخـلو عند اللّه من بعض هذه الـمنازل، فـالـمقتصد منزلته دون منزلة السابق بـالـخيرات، والسابق بـالـخيرات أعلـى منه منزلة، والظالـم لنفسه دونهما، وكلّ فـي الـجنة كما قال جلّ ثناؤه: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها. فكذلك معنى الـمعطوف بأو فـي قوله: إنّـما جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، إنـما هو التعقـيب. فتأويـله: إن الذي يحارب اللّه ورسوله، ويسعى فـي الأرض فسادا، لن يخـلو من أن يستـحقّ الـجزاء بإحدى هذه الـخلال الأربع التـي ذكرها اللّه عزّ ذكره، لا أن الإمام مـحكّم فـيه، ومخير فـي أمره كائنة ما كانت حالته، عظمت جريرته أو خَفّت لأن ذلك لو كان كذلك لكان للإمام قتل من شَهَر السلاح مخيفـا السبـيـل وصلبه، وإن لـم يأخذ مالاً ولا قتل أحدا، وكان له نفـي من قَتل وأخذ الـمال وأخاف السبـيـل. وذلك قول إن قاله قائل خلاف ما صحت به الاَثار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قوله: (لا يَحلّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلـمٍ إلاّ بإحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً فَقُتِلَ، أوْ زَنى بَعْدَ إحْصَانٍ فرُجِمَ، أوِ ارْتَدّ عَنْ دِينِهِ) وخلاف قوله: (القَطْعُ فِـي رُبْعِ دِينار فَصَاعِدا) وغير الـمعروف من أحكامه.

فإن قال قائل: فإن هذه الأحكام التـي ذكرت كانت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي غير الـمـحارب، وللـمـحارب حكم غير ذلك منفرد به؟

قـيـل له: فما الـحكم الذي انفرد به الـمـحارب فـي سننه، فإن ادّعى عنه صلى اللّه عليه وسلم حكما خلاف الذي ذكرنا، أكذبه جميع أهل العلـم، لأن ذلك غير موجود بنقل واحد ولا جماعة، وإن زعم أن ذلك الـحكم هو ما فـي ظاهر الكتاب.

قـيـل له: فإن أحسن حالاتك أن يُسلّـم لك أن ظاهر الاَية قد يحتـمل ما قلت، وما قاله من خالفك فما برهانك علـى أن تأويـلك أولـى بتأويـل الاَية من تأويـله. وبعد: فإذا كان الإمام مخيرا فـي الـحكم علـى الـمـحارب من أجل أنّ (أو) بـمعنى التـخيـير فـي هذا الـموضع عندك، أفله أن يصلبه حيا ويتركه علـى الـخشبة مصلوبـا حتـى يـموت من غير قتله؟

فإن قال: ذلك له، خالف فـي ذلك الأمة. وإن زعم أن ذلك لـيس له، وإنـما له قتله ثم صلبه أو صلبه ثم قتله، ترك علته من أن الإمام إنـما كان له الـخيار فـي الـحكم علـى الـمـحارب من أجل أن (أو) تأتـي بـمعنى التـخيـير، وقـيـل له: فكيف كان له الـخيار فـي القتل أو النفـي أو القطع ولـم يكن له الـخيار فـي الصلب وحده، حتـى تـجمع إلـيه عقوبة أخرى؟ وقـيـل له: هل بـينك وبـين من جعل الـخيار حيث أبـيت وأبى ذلك حيث جعلته حيث جعلته له، فرقٌ كم أصل أو قـياس؟ فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلاّ ألزم فـي الاَخر مثله. وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتصحيح ما قلنا فـي ذلك بـما فـي إسناده نظر. وذلك ما:

٩٣٤٠ـ حدثنا به علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب: أن عبد الـملك بن مروان كتب إلـى أنس بن مالك يسأله عن هذه الاَية، فكتب إلـيه أنس يخبره أن هذه الاَية نزلت فـي أولئك النفر العرنـيـين، وهم من بجيـلة. قال أنس: فـارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، وأخافوا السبـيـل، وأصابوا الفرْج الـحرام. قال أنس: فسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريـل علـيه السلام عن القضاء فـيـمن حارب،

فقال: (من سرق وأخاف السبـيـل فـاقطع يده بسرقته ورِجْلَه بإخافته. ومن قتل فـاقتله. ومن قتل وأخاف السبـيـل واستـحلّ الفرج الـحرام فـاصلبه).

وأما قوله: أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنَ خِلافٍ فإنه يعنـي جلّ ثناؤه: أنه تقطع أيديهم مخالفـا فـي قطعها قطع أرجلهم، وذلك أن تقطع أيـمن أيديهم وأشمل أرجلهم، فذلك الـخلاف بـينهما فـي القطع. ولو كان مكان (من) فـي هذا الـموضع (علـى) أو البـاء، فقـيـل: أو تقطع أيديهم وأرجلهم خلاف أو بخلاف، لأدّيا عما أدت عنه (مِن) من الـمعنى.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى النفـي الذي ذكر اللّه فـي هذا الـموضع.

فقال بعضهم: هو أن يُطلب حتـى يُقدر علـيه، أو يهرب من دار الإسلام. ذكر من قال ذلك:

٩٣٤١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: أوْ يُنْفَوْا منَ الأرْضِ قال: يطلبهم الإمام بـالـخيـل والرجال حتـى يأخذهم، قـيقـيـم فـيهم الـحكم، أو يُنفوا من أرض الـمسلـمين.

٩٣٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: نفـيه: أن يطلب.

٩٣٤٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ

يقول: أو يهربوا حتـى يخرجوا من دار الإسلام إلـى دار الـحرب.

٩٣٤٤ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن لَهِيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، عن كتاب أنس بن مالك، إلـى عبد الـملك بن مروان: أنه كتب إلـيه: (ونَفْـيُه: أن يطلبه الإمام حتـى يأخذه، فإذا أخذه أقام علـيه إحدى هذه الـمنازل التـي ذكر اللّه جلّ وعزّ بـما استـحلّ).

٩٣٤٥ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد، قال: فذكرت ذلك للـيث بن سعد،

فقال: نفـيه: طلبه من بلد إلـى بلد حتـى يؤخذ، أو يخرجه طلبه من دار الإسلام إلـى دار الشرك والـحرب، إذا كان مـحاربـا مرتدّا عن الإسلام. قال الولـيد: وسألت مالك بن أنس، فقال مثله.

٩٣٤٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: قلت لـمالك بن أنس واللـيث بن سعد: وكذلك يطلب الـمـحارب الـمقـيـم علـى إسلامه، يضطره بطلبه من بلد إلـى بلد حقّ يصير إلـى ثغر من ثغور الـمسلـمين، أو أقصى جوار الـمسلـمين، فإن هم طلبوه دخـل دار الشرك؟ قالا: لا يُضْطَرّ مسلـم إلـى ذلك.

٩٣٤٧ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك : أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: أن يطلبوه حتـى يعجزوا.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فذكر نـحوه.

٩٣٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن الـحسن: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: ينفـى حتـى لا يقدر علـيه.

٩٣٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: أخرجوا من الأرض أينـما أدركوا، أُخرجوا حتـى يـلـحقوا بأرض العدوّ.

٩٣٥٠ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري فـي قوله: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: نفـيه: أن يطلب فلا يقدر علـيه، كلـما سمع به فـي أرض طلب.

٩٣٥١ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي سعيد، عن قتادة: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: إذا لـم يقتل ولـم يأخذ مالاً، طُلب حتـى يعجِز.

٩٣٥٢ـ حدثنـي ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنـي نافع بن يزيد، قال: ثنـي أبو صخر، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ، وعن أبـي معاوية، عن سعيد بن جبـير: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ من أرض الإسلام إلـى أرض الكفر.

وقال آخرون: معنى النفـي فـي هذا الـموضع: أن الإمام إذا قدر علـيه نفـاه من بلدته إلـى بلدة أخرى غيرها. ذكر من قال ذلك:

٩٣٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن قـيس بن سعد، عن سعيد بن جبـير: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ قال: من أخاف سبـيـل الـمسلـمين نُفـي من بلده إلـى غيره، لقول اللّه عزّ وجلّ: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ.

٩٣٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي يزيد بن أبـي حبـيب وغيره، عن حبـان بن شريح، أنه كتب إلـى عمر بن عبد العزيز فـي اللصوص، ووصف له لصوصيتهم وحبسهم فـي السجون، قال: قال اللّه فـي كتابه:

إنّـما جَزَاءُ الّذِينَ يُجارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا أنْ يُقَتّلُوا أوْ يُصَلّبُوا أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وترك: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ.

فكتب إلـيه عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإنك كتبت إلـيّ تذكر قول اللّه جلّ وعزّ:

إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا أنْ يُقَتّلُوا أوْ يُصَلّبُوا أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وتركت قول اللّه : أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ، فنبـيّ أنت يا حبـان ابن أمّ حبـان لا تـحرّك الأشياء عن مواضعها، أتـجرّدت للقتل والصلب كأنك عبد بنـي عقـيـل من غير ما أشبّهك به؟ إذا أتاك كتابـي هذا فـانفهم إلـى شغب.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي اللـيث، عن يزيد وغيره بنـحو هذا الـحديث، غير أن يونس قال فـي حديثه: كأنك عبد بنـي أبـي عقال من غير أن أشبّهك به.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، أن الصلت كاتب حبـان بن شريح، أخبرهم أن حبـان كتب إلـى عمر بن عبد العزيز: أن ناسا من القبط قامت علـيهم البـينة بأنهم حاربوا اللّه ورسوله وسعوا فـي الأرض فسادا، وأن اللّه

يقول: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا أنْ يُقَتّلُوا أوْ يُصَلّبُوا أوْ تُقَطّعَ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ وسكت عن النفـي، وكتب إلـيه: فإن رأى أمير الـمؤمنـين أن يـمضي قضاء اللّه فـيهم، فلـيكتب بذلك. فلـما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه، قال: لقد اجتزأ حبـان. ثم كتب إلـيه: إنه قد بلغنـي كتابك وفهمته، ولقد اجتزأت كأنـما كتبت بكتاب يَزِيدَ بن أبـي مسلـم أو عِلْـج صاحب العراق من غير أن أشبهك بهما، فكتبت بأوّل الاَية ثم سكتّ عن آخرها، وإن اللّه

يقول: أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ فإن كانت قامت علـيهم البـينة بـما كتبت به، فـاعقد فـي أعناقهم حديدا، ثم غيبهم إلـى شَغْبٍ وبَدَا.

قال أبو جعفر: شغب وبدا: موضعان.

وقال آخرون: معنى النفـي من الأرض فـي هذا الـموضع: الـحبس، وهو قول أبـي حنـيفة وأصحابه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب فـي قول من قال: معنى النفـي من الأرض فـي هذا الـموضع: هو نفـيه من بلد إلـى بلد غيره وحبسه فـي السجن فـي البلد الذي نفـي إلـيه، حتـى تظهر توبته من فسوقه ونزوعه عن معصيته ربه.

وإنـما قلت ذلك أولـى الأقوال بـالصحة، لأن أهل التأويـل اختلفوا فـي معنى ذلك علـى أحد الأوجه الثلاثة التـي ذكرت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن اللّه جل ثناؤه إنـما جعل جزاء الـمـحارب: القتل أو الصلب، أو قطع الـيد والرجل من خلاف، بعد القدرة علـيه لا فـي حال امتناعه كان معلوما أن النفـي أيضا إنـما هو جزاؤه بعد القدرة علـيه لا قبلها، ولو كان هروبه من الطلب نفـيا له من الأرض، كان قطع يده ورجله من خلاف فـي حال امتناعه وحربه علـى وجه القتال بـمعنى إقامة الـحدّ علـيه بعد القدرة علـيه. وفـي إجماع الـجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفـيه الذي جعله اللّه عزّ وجلّ حدّا له بعد القدرة علـيه. وإذ كان كذلك، فمعلوم أنه لـم يبق إلاّ الوجهان الاَخران، وهو النفـي من بلدة إلـى أخرى غيرها أو السجن. فإذ كان كذلك، فلا شكّ أنه إذا نفـي من بلدة إلـى أخرى غيرها فلـم ينف من الأرض، بل إنـما نفـي من أرض دون أرض. وإذ كان ذلك كذلك، وكان اللّه جل ثناؤه إنـما أمر بنفـيه من الأرض، كان معلوما أنه لا سبـيـل إلـى نفـيه من الأرض إلاّ بحبسه فـي بقعة منها عن سائرها، فـيكون منفـيا حينئذٍ عن جميعها، إلاّ مـما لا سبـيـل إلـى نفـيه منهوأما معنى النفـي فـي كلام العرب: فهو الطرد، ومن ذلك قول أوس بن حجر:

يُنْفَوْنَ عَنْ طُرُقِ الكِرَامِ كمَايَنْفِـي الـمُطارِقُ ما يَـلـي القَرَدُ

ومنه قـيـل للدراهم الرديئة وغيرها من كلّ شيء: النّفـايةوأما الـمصدر من نفـيت، فإنه النفـي والنّفـاية، ويقال: الدلو ينفـي الـماء. ويقال لـما تطاير من الـماء من الدلو النفـيّ، ومنه قول الراجز:

كأنّ مَتْنَـيْهِ مِنَ النّفـيّمَوَاقِعُ الطّيْرِ علـى الصّفِـيّ

ومنه

قـيـل: نَفَـى شَعَرُه: إذا سقط، يقال: حال لونك ونَفَـى شعرك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِـي الدّنْـيا ولهمْ فِـي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: ذَلِكَ: هذا الـجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا اللّه ورسوله وسعوا فـي الأرض فسادا فـي الدنـيا، من قتل، أو صلب، أو قطع يد ورجل من خلاف لَهُمْ يعنـي: لهؤلاء الـمـحاربـين خِزْيٌ فـي الدّنْـيَا

يقول: هو لهم شرّ وعار وذلة، ونكال وعقوبة فـي عاجل الدنـيا قبل الاَخرة، يقال منه: أخزيت فلانا فخَزِيَ هو خِزْيا،

وقوله: وَلَهُمْ فـي الاَخرةِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ يقول عزّ ذكره لهؤلاء الذين حاربوا اللّه ورسوله وسعول فـي الأرض فسادا فلـم يتوبوا من فعلهم ذلك، حتـى هلكوا فـي الاَخرة مع الـخزي الذي جازيتهم به فـي الدنـيا، والعقوبة التـي عاقبتهم بها فـيها عذاب عظيـم، يعنـي: عذاب جهنـم.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: إلاّ الذين تابوا من شركهم ومناصبتهم الـحرب لله ولرسوله، والسعي فـي الأرض بـالفساد بـالإسلام، والدخول فـي الإيـمان من قبل قدرة الـمؤمنـين علـيهم، فإنه لا سبـيـل للـمؤمنـين علـيهم بشيء من العقوبـات التـي جعلها اللّه جزاء لـمن حاربه ورسوله وسعى فـي الأرض فسادا، من قَتْل، أو صَلْب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفـي من الأرض، فلا تِبـاعة قِبَله لأحد فـيـما كان أصاب فـي حال كفره وحربه الـمؤمنـين فـي مال ولا دم ولا حرمة

قالوا: فأما الـمسلـم إذا حارب الـمسلـمين أو الـمعاهدين وأتـى بعض ما يجب علـيه العقوبة، فلن تضع توبته عنه عقوبة ذنبه، بل توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه ، وعلـى الإمام إقامة الـحدّ الذي أوجبه اللّه علـيه وأخذه بحقوق الناس. ذكر من قال ذلك:

٩٣٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ... إلـى قوله: فـاعْلَـمُوا أنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ نزلت هذه الاَية فـي الـمشركين، فمن تاب منهم من قبل أن يُقْدَر علـيه لـم يكن علـيه سبـيـل، ولـيس تـحرز هذه الاَية الرجل الـمسلـم من الـحدّ إن قتل أو أفسد فـي الأرض أو حارب اللّه ورسوله ثم لـحق بـالكفـار قبل أن يُقْدَر علـيه، ذلك يقام علـيه الـحدّ الذي أصاب.

٩٣٥٦ـ حدثنا بشار، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ فـاعْلَـمُوا أنّ اللّه غَفُورٌ رَحيـمٌ قال: هذا لأهل الشرك إذا فعلوا شيئا فـي شركهم، فإن اللّه غفور رحيـم إذا تابوا وأسلـموا.

٩٣٥٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا بـالزنا، والسرقة وقتل النفس، وإهلاك الـحرث والنسل إلاّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ علـى عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم.

٩٣٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كان قوم بـينهم وبـين الرسول صلى اللّه عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبـيـل وأفسدوا فـي الأرض، فخير اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم فـيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فمن تاب من قبل أن تقدروا علـيه قُبِل ذلك منه.

٩٣٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ... الاَية، فذكر نـحو قول الضحاك ، إلاّ أنه قال: فإن جاء تائبـا فدخـل فـي الإسلام قُبِل منه ولـم يؤاخذ بـما سلف.

٩٣٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: إلاّ الّذِينَ مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ قال: هذا لأهل الشرك إذا فعلوا شيئا من هذا فـي شركهم ثم تابوا وأسلـموا، فإن اللّه غفور رحيـم.

٩٣٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن عطاء الـخراسانـي وقتادة، أما قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ فهذه لأهل الشرك، فمن أصاب من الـمشركين شيئا من الـمسلـمين وهو لهم حرب، فأخذ مالاً أو أصاب دما ثم تاب قبل أن تقدروا علـيه، أُهدر عنه ما مضى.

وقال آخرون: بل هذه الاَية معنـيّ بـالـحكم بها الـمـحاربون اللّه ورسوله الـحُرّابُ من أهل الإسلام، من قطع منهم الطريق وهو مقـيـم علـى إسلامه، ثم استأمن فأومن علـى جناياته التـي جناها وهو للـمسلـمين حرب. ومن فعل ذلك منهم مرتدّا عن الإسلام ثم لـحق بدار الـحرب، ثم استأمن فأومن

قالوا: فإذا أمنه الإمام علـى جناياته التـي سلفت لـم يكن قبله لأحد تبعة فـي دم ولا مال أصابه قبل توبته وقبل أمان الإمام إياه. ذكر من قال ذلك:

٩٣٦٢ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي أبو أسامة عن أشعث بن سوار، عن عامر الشعبـي: أن حارثة بن بدر خرج مـحاربـا، فأخاف السبـيـل، وسفك الدم، وأخذ الأموال، ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقدر علـيه، فقبل علـيّ بن أبـي طالب علـيه السلام توبته، وجعل له أمانا منشورا علـى ما كان أصاب من دم أو مال.

٩٣٦٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مـجالد، عن الشعبـيّ: أن حارثة بن بدر حارب فـي عهد علـيّ بن أبـي طالب، فأتـى الـحسن بن علـيّ رضوان اللّه علـيهما، فطلب إلـيه أن يستأمن له من علـيّ، فأبى. ثم أتـى ابن جعفر، فأبى علـيه. فأتـى سعيد بن قـيس الهمدانـي فأمنه، وضمه إلـيه، وقال له: استأمن إلـى أمير الـمؤمنـين علـيّ بن أبـي طالب قال: فلـما صلّـى علـيّ الغداة، أتاه سعيد بن قـيس،

فقال: يا أمير الـمؤمنـين، ما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله؟ قال: أن يقتلوا أو يصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض

قال: ثم قال: إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا علـيهم. قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر؟ قال: وإن كان حارثة بن بدر قال: فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبـا فهو آمن؟ قال: نعم

قال: فجاء به فبـايعه، وقَبِل ذلك منه، وكتب له أمانا.

٩٣٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء، عن مـجالد، عن الشعبـيّ، قال: كان حارثة بن بدر قد أفسد فـي الأرض وحارب ثم تاب، وكُلّـم له علـيّ فلـم يؤمنه. فأتـى سعيد بن قـيس فكلـمه، فـانطلق سعيد بن قـيس إلـى علـيّ،

فقال: يا أمير الـمؤمنـين، ما تقول فـيـمن حارب اللّه ورسوله؟ فقرأ الاَية كلها،

فقال: أرأيت من تاب من قبل أن تقدر علـيه؟ قال: أقول كما قال اللّه

قال: فإنه حارثة بن بدر

قال: فأمنه علـيّ، فقال حارثة:

ألا أبْلِغَنْ همَدانَ إمّا لَقـيتَهاعلـى النّأْيِ لا يسْلَـمْ عدُوّ يَعيبُها

لعَمْرُ أبـيها إنّ هَمْدَانَ تَتّقِـي الإِلَه ويَقْضِي بـالكِتابِ خَطِيبُها

٩٣٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ وتوبته من قبل أن يقدر علـيه أن يكتب إلـى الإمام يستأمنه علـى ما قتل وأفسد فـي الأرض: فإن لـم يومنـي علـى ذلك ازددت فسادا وقتلاً وأخذا للأموال أكثر مـما فعلت ذلك قبل. فعلـى الإمام من الـحقّ أن يؤمنه علـى ذلك، فإذا أمنه الإمام جاء حتـى يضع يده فـي يد الإمام. فلـيس لأحد من الناس أن يتبعه ولا يأخذه بدم سفكه ولا مال أخذه، وكلّ مال كان له فهو له، لكيلا يقتل الـمؤمنـين أيضا ويفسده. فإذا رجع إلـى اللّه جلّ وعزّ فهو ولـيه يأخذه بـما صنع. وتوبته فـيـما بـينه وبـين الإمام والناس، فإذا أخذه الإمام وقد تاب فـيـما يزعم إلـى اللّه جل ثناؤه قبل أن يؤمنه الإمام فلـيقم علـيه الـحدّ.

٩٣٦٦ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، عن سعيد بن عبد العزيز، أخبرنـي مكحول، أنه قال: إذا أعطاه الإمام أمانا، فهو آمن ولا يقام علـيه الـحدّ ما كان أّصاب.

وقال آخرون: معنى ذلك: كلّ من جاء تائبـا من الـحُرّاب قبل القدرة علـيه، استأمن الإمام فأمنه أو لـم يستأمنه بعد أن يجيء مستسلـما تاركا للـحرب. ذكر من قال ذلك:

٩٣٦٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن أشعث، عن عامر، قال: جاء رجل من مراد إلـى أبـي موسى وهو علـى الكوفة فـي إمرة عثمان بعد ما صلـى الـمكتوبة،

فقال: يا أبـا موسى هذا مقام العائذ بك، أنا فلان ابن فلان الـمرادي، كنت حاربت اللّه ورسوله وسعيت فـي الأرض، وإنـي تبت من قبل أن يُقْدَر علـيّ. فقام أبو موسى فقال: هذا فلان ابن فلان، وإنه كان حارب اللّه ورسوله وسعى فـي الأرض فسادا، وإنه تاب قبل أن يقدر علـيه، فمن لقـيه فلا يعرض له إلاّ بخير. فأقام الرجل ما شاء اللّه ، ثم إنه خرج، فأدركه اللّه بذنوبه فقتله.

حدثنـي الـحارث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل السديّ، عن الشعبـيّ قال: جاء رجل إلـى أبـي موسى، فذكر نـحوه.

٩٣٦٨ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لـمالك: أرأيت هذا الـمـحارب الذي قد أخاف السبـيـل وأصاب الدم والـمال، فلـحق بدار الـحرب أو تـمنّع فـي بلاد الإسلام، ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقْدَر علـيه؟ قال: تقبل توبته

قال: قلت: فلا يتّبع بشيء من أحداثه؟ قال: لا، إلاّ أن يوجد معه مال بعينه فـيردّ إلـى صاحبه، أو يطلبه ولـيّ من قتل بدم فـي حربه يثبت ببـينة أو اعتراف فـيقاد به وأما الدماء التـي أصابها ولـم يطلبها أولـياؤها فلا يتبعه الإمام بشيء. قال علـيّ: قال الولـيد: فذكرت ذلك لأبـي عمرو،

فقال: تقبل توبته إذا كان مـحاربـا للعامة والأئمة قد آذاهم بحربه فشهر سلاحه وأصاب الدماء والأموال، فكانت له منعة أو فئة يـلـجأ إلـيهم، أو لـحق بدار الـحرب فـارتدّ عن الإسلام، أو كان مقـيـما علـيه ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقْدَر علـيه، قُبِلت توبته ولـم يُتّبع بشيء منه.

٩٣٦٩ـ حدثنـي علـي، قال: حدثنا الولـيد، قال: قال أبو عمرو: سمعت ابن شهاب الزهري يقول ذلك.

٩٣٧٠ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد، قال: فذكرت قول أبـي عمرو ومالك للـيث بن سعد فـي هذه الـمسألة،

فقال: إذا أعلن بـالـمـحاربة للعامة والأئمة وأصاب الدماء والأموال، فـامتنع بـمـحاربته من الـحكومة علـيه، أو لـحق بدار الـحرب ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقْدَر علـيه، قُبلت توبته ولـم يتبع بشيء من أحداثه فـي حربه من دم خاصة ولا عامة وإن طلبه ولـيه.

٩٣٧١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: قال اللـيث: وكذلك ثنـي موسى بن إسحاق الـمدنـيّ، وهو الأمير عندنا: أن علـيا الأسدي حارب وأخاف السبـيـل وأصاب الدم والـمال، فطلبته الأئمة والعامة، فـامتنع ولـم يُقْدَر علـيه، حتـى جاء تائبـا وذلك أنه سمع رجلاً يقرأ هذه الاَية: يا عِبَـادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا علـى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمةِ اللّه ... الاَية، فوقـف علـيه فقال: يا عبد اللّه ، أعد قراءتها فأعادها علـيه. فغمد سيفه، ثم جاء تائبـا، حتـى قدم الـمدينة من السّحَر، فـاغتسل، ثم أتـى مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فصلّـى الصبح، ثم قعد إلـى أبـي هريرة فـي غمار أصحابه فلـما أسفر عرفه الناس وقاموا إلـيه،

فقال: لا سبـيـل لكم علـيّ، جئت تائبـا من قبل أن تقدروا علـيّ فقال أبو هريرة: صدق. وأخذ بـيده أبو هريرة حتـى أنى مروان بن الـحكم فـي إمرته علـى الـمدينة فـي زمن معاوية،

فقال: هذا علـيّ جاء تائبـا ولا سبـيـل لكم علـيه ولا قتل

قال: فتُرك من ذلك كله

قال: وخرج علـيّ تائبـا مـجاهدا فـي سبـيـل اللّه فـي البحر، فلقُوا الروم، فقرّبوا سفـينته إلـى سفـينة من سفنهم، فـاقتـحم علـى لروم فـي سفـينتهم، فهُزموا منه إلـى سفـينتهم الأخرى، فمالت بهم وبه فغرقوا جميعا.

٩٣٧٢ـ حدثنـي أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا مُطَرّف بن مَعْقل، قال: سمعت عطاء قال فـي رجل سرق سرقة فجاء بها تائبـا من غير أن يؤخذ: فهل علـيه حدّ؟ قال: لا، ثم قال: إلاّ الّذِينَ تابُوا منْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ... الاَية.

٩٣٧٣ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثنـي أبو صخر، عن مـحمد بن كعب القرظي، وعن أبـي معاوية، عن سعيد بن جبـير، قالا: إن جاء تائبـا لـم يقتطع مالاً ولـم يسفك دما تُرك، فذلك الذي قال اللّه : إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَـيْهِمْ يعنـي بذلك: أنه لـم يسفك دما ولـم يقتطع مالاً.

وقال آخرون: بل عنى بـالاستثناء فـي ذلك التائبَ من حربه اللّه ورسوله والسعي فـي الأرض فسادا، بعد لـحاقه فـي حربه بدار الكفر فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقـيـم فـي دار الإسلام وداخـل فـي غمار الأمة، فلـيست توبته واضعة عنه شيئا من حدود اللّه ولا من حقوق الـمسملـين والـمعاهدين، بل يؤخذ بذلك. ذكر من قال ذلك:

٩٣٧٤ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي إسماعيـل، عن هشام بن عروة: أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصص فـي الإسلام فأصاب حدودا ثم جاء تائبـا،

فقال: لا تقبل توبته، لو قُبِل ذلك منهم اجترءوا علـيه وكان فسادا كبـيرا، ولكن لو فرّ إلـى العدو ثم جاء تائبـا، لـم أر علـيه عقوبة.

وقد رُوي عن عروة خلاف هذا القول، وهو ما:

٩٣٧٥ـ حدثنـي به علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي من سمع هشام بن عروة، عن عروة قال: يقام علـيه حدّ ما فرّ منه، ولا يجوز لأحد فـيه أمان يعنـي: الذي يصيب حدّا ثم يفرّ فـيـلـحق الكفـار، ثم يجيء تائبـا.

وقال آخرون: إن كانت حرابته وحربه فـي دار الإسلام، وهو فـي غير منعة من فئة يـلـجأ إلـيها، ثم جاء تائبـا قبل القدرة علـيه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس. وإن كانت حرابته وحربه فـي دار الإسلام أو هو لاحق بدار الكفر، غير أنه فـي كل ذلك كان يـلـجأ إلـى فئة تـمنعه مـمن أراده من سلطان الـمسلـمين، ثم جاء تائبـا قبل القدرة علـيه، فإن توبته تضع عنه كلّ ما كان من أحداثه فـي أيام حرابته تلك، إلاّ أن يكون أصاب حدّا أو أمر الرّفقة بـما فـيه عقوبة أو غُرْم لـمسلـم أو معاهد، وهو غير ملتـجىء إلـى فئة تـمنعه، فإنه يؤخذ بـما أصاب من ذلك وهو كذلك، ولا يضع ذلك عنه توبته. ذكر من قال ذلك:

٩٣٧٦ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد، قال: قال أبو عمرو: إذا قطع الطريق لصّ أو جماعة من اللصوص، فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال ولـم يكن لهم فئة يـلـجئون إلـيها ولا منعة ولا يأمنون إلاّ بـالدخول فـي غمار أمتهم وسواد عامتهم، ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقْدر علـيه، لـم تُقبل توبته وأقـيـم علـيه حدّه ما كان.

٩٣٧٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: ذكرت لأبـي عمرو قول عروة: يقام علـيه حدّ ما فرّ منه، ولا يجوز لأحد فـيه أمان. فقال أبو عمرو: إن فرّ من حدثه فـي دار الإسلام فأعطاه إمام أمانا، لـم يجز أمانه. وإن هو لـحق بدار الـحرب، ثم سأل إماما علـى أحداثه، لـم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانا، وإن أعطاه الإمام أمانا وهو غير عالـم بأحداثه، فهو آمن، وإن جاء أحد يطلبه بدم أو مال، رُدّ إلـى مأمنه، فإن أبى أن يرجع فهو آمن، ولا يتعرّض له

قال: وإن أعطاه أمانا علـى أحداثه وهو يعرفها، فـالإمام ضامن واجب علـيه عَقْل ما كان أصاب من دم أو مال، وكان فـيـما عطّل من تلك الـحدود والدماء آثما، وأمره إلـى اللّه جلّ وعزّ

قال: وقال أبو عمرو: فإذا أصاب ذلك وكانت له منعة أو فئة يـلـجأ إلـيها، أو لـحق بدار الـحربِ فـارتدّ عن الإسلام، أو كان مقـيـما علـيه ثم جاء تائبـا من قبل أن يُقْدَر علـيه، قُبِلت توبته، ولـم يُتّبع بشيء من أحداثه التـي أصابها فـي حربه، إلاّ أن يوجد معه شيء قائم بعينه فـيردّ إلـى صاحبه.

٩٣٧٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن ربـيعة، قال: تقبل توبته، ولا يتبع بشيء من أحداثه فـي حربه إلاّ أن يطلبه أحد بدم كان أصابه فـي سلـمه قبل حربه فإنه يُقاد به.

٩٣٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا معمر الرّقّـي، قال: حدثنا الـحجاج، عن الـحكم بن عتـيبة، قال: قاتل اللّه الـحجاج إن كان لـيفقه أمّن رجلاً من مـحاربته،

فقال: انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه؟

وقال آخرون تضع توبته عنه حدّ اللّه الذي وجب علـيه بـمـحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بنـي آدم. ومـمن قال ذلك الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال: توبة الـمـحارب الـمـمتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القدرة علـيه، تضع عنه تبعات الدنـيا التـي كانت لزمته فـي أيام حربه وحِرابته من حدود اللّه ، وغرم لازم وقَوَد وقِصاص، إلاّ ما كان قائما فـي يده من أموال الـمسلـمين والـمعاهدين بعينه، فـيردّ علـى أهله لإجماع الـجميع علـى أن ذلك حكم الـجماعة الـمـمتنعة الـمـحاربة لله ولرسوله الساعية فـي الأرض فسادا علـى وجه الردّة عن الإسلام، فكذلك حكم كلّ مـمتنع سعى فـي الأرض فسادا، جماعة كانوا أو واحدا، فأما الـمستـخفـي بسرقته والـمتلصص علـى وجه إغفـال من سرقه، والشاهر السلاح فـي خلاء علـى بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر علـى الامتناع، فإن حكم اللّه علـيه تاب أو لـم يتب ماضٍ، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب ولـيه بدم أو خَتْل مأخوذ، وتوبته فـيـما بـينه وبـين اللّه قـياسا علـى إجماع الـجميع علـى أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للـمسلـمين سِلْـم ثم صار لهم حربـا، أن حربه إياهم لن يضع عنه حقا لله عزّ ذكره ولا لاَدميّ، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك فـي خلاء أو بـاستـخفـاء وهو غير مـمتنع من السلطان بنفسه إن أراده وذلك أن ذلك لو كان حكما فـي أهل الـحرب من الـمشركين دون الـمسلـمين ودون ذمتهم لوجب أو لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلـموا أو تابوا بعد قدرتنا علـيهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل وما للـمسلـمين فـي أهل الـحرب من الـمشركين. وفـي إجماع الـمسلـمين أن إسلام الشرك الـحربـي يضع عنه بعد قدرة الـمسلـمين علـيه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة علـيه، ما يدلّ علـى أن الصحيح من القول فـي ذلك قول من قال: عنـي بآية الـمـحاربـين فـي هذا الـموضع: حُرّاب أهل الإسلام أو الذمة دون من سواهم من مشركي أهل الـحرب.

وأما قوله: فـاعْلَـمُوا أنّ اللّه غَفُورٌ رَحيـمٌ فإن معناه: فـاعلـموا أيها الـمؤمنون أن اللّه غير مؤاخذ من تاب من أهل الـحرب لله ولرسوله الساعين فـي الأرض فسادا وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فـيسترها علـيه ولا يفضحه بها بـالعقوبة فـي الدنـيا والاَخرة، رحيـم به فـي عفوه عنه وتركه عقوبته علـيها.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّه وَابْتَغُوَاْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

يعنـي جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله فـيـما أخبرهم ووعدهم من الثواب، وأوعد من العقاب اتّقُوا اللّه

يقول: أجيبوا اللّه فـيـما أمركم ونهاكم بـالطاعة له فـي ذلك، وحققوا إيـمانكم وتصديقكم ربكم ونبـيكم بـالصالـح من أعمالكم. وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ

يقول: واطلبوا القربة إلـيه بـالعمل بـما يرضيه. والوسيـلة: هي الفعلـية من قول القائل: توسلت إلـى فلان بكذا، بـمعنى: تقرّبت إلـيه، ومنه قول عنترة:

إنّ الرّجالَ لهُمْ إلَـيْكِ وَسِيـلَةٌأنْ يأْخُذُوكِ تَكَحّلِـي وتَـخَضّبِـي

يعنـي بـالوسيـلة: القُرْبة. ومنه قول الاَخر:

إذا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنا لِوَصْلِناوَعادَ التّصَافِـي بَـيْنَنا وَالوَسائِلُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٣٨٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان (ح)، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، عن سفـيان، عن منصور، عن أبـي وائل: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلةَ قال: القربة فـي الأعمال.

٩٣٨١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع (ح)، وحدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن طلـحة، عن عطاء: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ قال: القُربة.

٩٣٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ قال: هي الـمسألة والقربة.

٩٣٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَابْتَغُواإلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ: أي تقرّبوا إلـيه بطاعته والعمل بـما يرضيه.

٩٣٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ: القربة إلـى اللّه .

٩٣٨٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن فـي قوله: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ قال: القربة.

٩٣٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، قوله: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ قال: القربة.

٩٣٨٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَابْتَغُوا إلَـيْهِ الوَسِيـلَةَ قال: الـمـحبة، تـحببوا إلـى اللّه . وقرأ: أولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَجاهِدُوا فِـي سَبِـيـلِهِ لَعَلكُمْ تُفْلِـحُونَ.

يقول جل ثناؤه للـمؤمنـين به وبرسوله: وجاهدوا أيها الـمؤمنون أعدائي وأعداءكم فـي سبـيـلـي، يعنـي: فـي دينه وشريعته التـي شرعها لعبـاده، وهي الإسلام،

يقول: أتعبوا أنفسكم فـي قتالهم وحملهم علـى الدخول فـي الـحنـيفـية الـمسلـمة لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ

يقول: كيـما تنـجحوا فتدركوا البقاء الدائم، والـخـلود فـي جناته. وقد دللنا علـى معنى الفلاح فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ ...}.

يقول عزّ ذكره: إن الذين جحدوا ربوبـية ربهم وعبدوا غيره من بنـي إسرائيـل الذين عبدوا العجل ومن غيرهم الذين عبدوا الأوثان والأصنام، وهلكوا علـى ذلك قبل التوبة، لو أنّ لهم ملك ما فـي الأرض كلها وضِعفه معه لـيفتدوا به من عقاب اللّه إياهم علـى تركهم أمره وعبـادتهم غيره يوم القـيامة، فـافتدوا بذلك كله ما تقبل اللّه منهم ذلك فداء وعوضا من عذابهم وعقابهم، بل هو معذّبهم فـي حميـم يوم القـيامة عذابـا موجعا لهم. وإنـما هذا إعلام من اللّه جل ثناؤه للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانَـيْ مُهاجَر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم وغيرهم من سائر الـمشركين به سواء عنده فـيـما لهم من العذاب الألـيـم والعقاب العظيـم، وذلك أنهم كانوا يقولون: لَنْ تَـمَسّنا النّارُ إلاّ أيّاما مَعْدُودَةً واغترارا بـاللّه وكذبـا علـيه. فكذبهم تعالـى ذكره بهذه الاَية وبـالتـي بعدها، وحسم طمعهم، فقال لهم ولـجميع الكفرة به وبرسوله:إنّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أنّ لَهُمْ ما فِـي الأرْضِ جَميعا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِـيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القِـيامَةِ ما تُقُبّلَ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلهُمْ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ يقول لهم جل ثناؤه: فلا تطمعوا أيها الكفرة فـي قبول الفدية منكم ولا فـي خروجكم من النار بوسائل آبـائكم عندي بعد دخولكموها إن أنتـم متـم علـى كفركم الذي أنتـم علـيه، ولكن توبوا إلـى اللّه توبة نَصُوحا.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مّقِيمٌ }.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: يُرِيدُونَ أنْ يَخْرَجُوا مِنَ النّارِ يريد: هؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القـيامة أن يخرجوا من النار بعد دخولها، وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلهُمْ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ

يقول: لهم عذاب دائم ثابت لا يزول عنهم ولا ينتقل أبدا، كما قال الشاعر:

فإنّ لكمْ بِـيَوْمِ الشّعْبِ مِنّـيعَذَابـا دائما لَكُمُ مُقِـيـمَا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.

٩٣٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحوّي، عن عكرمة، أن نافع بن الأزرق قال لابن عبـاس : يا أعمى البصر، أعمى القلب، تزعم أن قوما يخرجون من النار، وقد قال اللّه جلّ وعزّ: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها؟

فقال ابن عبـاس : ويحك، اقرأ ما فوقها هذه للكفـار.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مّنَ اللّه وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.

 

يقول جلّ ثناؤه: ومن سرق من رجل أو امرأة، فـاقطعوا أيها الناس يده. ولذلك رفع السارق والسارقة، لأنهما غير معينـين، ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب. وقد رُوي عن عبد لله بن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: (والسارقو ن والسارقات).

٩٣٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن إبراهيـم، قال: فـي قراءتنا قال: وربـما قال فـي قراءة عبد اللّه : (والسارقون والسارقات فـاقطعوا أيـمانهما).

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن عون، عن إبراهيـم: فـي قراءتنا: (والسارقون والسارقات فـاقطعوا أيـمانهما).

وفـي ذلك دلـيـل علـى صحة ما قلنا من معناه، وصحة الرفع فـيه، وأن السارق والسارقة مرفوعان بفعلهما علـى ما وصفت للعلل التـي وصفت

وقال تعالـى ذكره: فـاقْطَعُوا أيْدِيَهُما والـمعنى أيديهما الـيـمنى كما:

٩٣٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فـاقْطَعُوا أيْدِيَهُما: الـيـمنى.

٩٣٩١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن جابر، عن عامر، قال: فـي قراءة عبد اللّه : (والسارق والسارقة فـاقطعوا أيـمانهما).

ثم اختلفوا فـي السارق الذي عناه اللّه ،

فقال بعضهم: عنـي بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدا وذلك قول جماعة من أهل الـمدينة، منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله. واحتـجوا لقولهم ذلك بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (قطع فـي مـجنّ قـيـمته ثلاثة دراهم).

وقال آخرون: بل عنى بذلك: سارق ربع دينار أو قـيـمته. ومـمن قال ذلك الأوزاعي ومن قال بقوله. واحتـجوا لقولهم ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (القَطْعُ فـي رُبْعِ دينارٍ فَصَاعِدا).

وقال آخرون: بل عنـي بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا. ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه. واحتـجوا فـي ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عبد اللّه بن عمر وابن عبـاس ، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم (قطع فـي مـجنّ قـيـمته عشرة دراهم).

وقال آخرون: بل عنى بذلك: سارق ربع دينار أو قـيـمته. ومـمن قال ذلك الأوزاعي ومن قال بقوله. واحتـجوا لقولهم ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عائشة أنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (القَطْعُ فـي رُبْعِ دينارٍ فَصَاعِدا).

وقال آخرون: بل عنـي بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا. ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه. واحتـجوا فـي ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن عبد اللّه بن عمر وابن عبـاس ، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم (قطع فـي مـجنّ قـيـمته عشرة دراهم).

وقال آخرون: بل عنـي بذلك سارق القلـيـل والكثـير. واحتـجوا فـي ذلك بأن الاَية علـى الظاهر، وأنه لـيس لأحد أن يخصّ منها شيئا إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها. و

قالوا: لـم يصحّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر بأن ذلك فـي خاصّ من السّرّاق.

قالوا: والأخبـار فـيـما قَطَع فـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مضطربة مختلفة، ولـم يرو عنه أحد أنه أُتِـي بسارق درهم فخـلّـى عنه، وإنـما رووا عنه أنه قطع فـي مـجنّ قـيـمته ثلاثة دراهم.

قالوا: ومـمكن أن يكون لو أتـى بسارق ما قـيـمته دانق أن يقطع.

قالوا: وقد قطع ابن الزبـير فـي درهم. ورُوي عن ابن عبـاس أنه قال: الاَية علـى العموم.

٩٣٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبد الـمؤمن، عن نـجدة الـحنفـي، قال: سألت ابن عبـاس عن قوله: وَالسّارِقُ والسّارِقَةُ أخاصّ أم عامّ؟ فقال: بل عامّ.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا قول من قال: الاَية معنـيّ بها خاصّ من السراق، وهو سراق ربع دينار فصاعدا أو قـيـمته، لصحة الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (القَطْعُ فـي رُبعِ دِينَارٍ فصَاعِدا). وقد استقصيت ذكر أقوال الـمختلفـين فـي ذلك مع عللهم التـي اعتلوا بها لأقوالهم، والتلـميح عن أوْلاها بـالصواب بشواهده فـي كتابنا كتاب السرقة، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك فـي هذا الـموضعوقوله: جَزَاءً بِـمَا كَسَبـا نَكالاً مِنَ اللّه

يقول: مكافأة لهما علـى سرقتهما وعملهما فـي التلصص بـمعصية اللّه . نَكَالاً مِنَ اللّه

يقول: عقوبة من اللّه علـى لصوصيتهما. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:

٩٣٩٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالسّارِقُ والسّارِقَةُ فـاقْطَعُوا أيدِيَهُما جَزَاءً بِـمَا كَسَبـا نِكالاٍ مِنَ اللّه وَاللّه عَزَيزٌ حَكيـمٌ: لا تَرْثُوا لهم أن تقـيـموا فـيهم الـحدود، فإنه واللّه ما أمر اللّه بأمر قطّ إلاّ وهو صلاح، ولا نهى عن أمر قطّ إلاّ وهو فساد.

وكان عمر بن الـخطاب

يقول: اشتدّوا علـى السّراق فـاقطعوهم يدا يدا ورِجلاً رجلاًوقوله: وَاللّه عَزِيزٌ حَكيـمٌ

يقول جلّ ثناؤه: واللّه عزيز فـي انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه، حكيـم فـي حكمه فـيهم وقضائه علـيهم.

يقول: فلا تفرطوا إيها الـمؤمنون فـي إقامة حكمي علـى السارق وغيرهم من أهل الـجرئم الذين أوجبت علـيهم حدودا فـي الدنـيا عقوبة لهم، فإنـي بحكمي قضيت ذلك علـيهم، وعلـمي بصلاح ذلك لهم ولكم.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنّ اللّه يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول جل ثناؤه فمَنْ تَابَ من هؤلاء السرّاق،

يقول: من رجع منهم عما يكرهه اللّه من معصيته إياه إلـى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلـمه وظلـمُه: هو اعتداؤه وعمله ما نهاه اللّه عنه من سرقة أموال الناس.

يقول: وأصلـح نفسه بحملها علـى مكروهها فـي طاعة اللّه والتوبة إلـيه مـما كان علـيه من معصيته. وكان مـجاهد فـيـما ذكر لنا

يقول: توبته فـي هذا الـموضع، الـحدّ الذي يقام علـيه.

٩٣٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْـمِهِ وأصْلَـحَ

يقول: فتاب علـيه بـالـحدّ.

٩٣٩٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا موسى بن داود، قال: حدثنا بـان لهيعة، عن حُيـي بن عبد اللّه ، عن أبـي عبد الرحمن الـحُبْلـي، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: سرقت امرأة حلـيّا، فجاء الذين سرقهم،

فقالوا: يا رسول اللّه سرقتنا هذه الـمرأة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اقْطَعُوا يَدَها الـيُـمْنَى) فقالت الـمرأة: هل من توبة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أنْتِ الـيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمَ وَلَدَتْك أُمّكِ)

قال: فأنزل اللّه جلّ وعزّ: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْـمِهِ وأصْلَـحَ فإنّ اللّه يَتُوبُ عَلَـيْهِ.

وقوله: فإنّ اللّه يَتُوبُ عَلَـيْهِ

يقول: فإن اللّه جلّ وعزّ يرجعه إلـى ما يحبّ ويرضى عما يكرهه ويسخط من معصيتهوقوله: إنّ اللّه عَفُورٌ رَحيـمٌ

يقول: إن اللّه عزّ ذكره ساتر علـى من تاب وأناب عن معاصيه إلـى طاعته ذنوبه بـالعفو عن عقوبته علـيها يوم القـيامة وتركه فضيحته بها علـى رؤوس الأشهاد، رحيـم به وبعبـاده التائبـين إلـيه من ذنوبهم.

٤٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّه لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ...}.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ألـم يعلـم هؤلاء القائلون: لَنْ تَـمَسّنا النّارُ إلاّ أيّاما مَعْدُودَةً الزّاعمون أنهم أبناء اللّه وأحبـاؤه، أن اللّه مدبر ما فـي السموات وما فـي الأرض، ومصرّفه وخالقه، لا يـمتنع شيء مـما فـي واحدة منهما مـما أراده لأن كلّ ذلك ملكه وإلـيه أمره، ولا نسب بـينه وبـين شيء مـما فـيها ولا مـما فـي واحدة منهما فـيحابـيه بسبب قرابته منه فـينـجيه من عذابه وهو به كافر ولأمره ونهيه مخالف، أو يدخـله النار وهو له مطيع لبعد قرابته منه ولكنه يعذّب من يشاء من خـلقه فـي الدنـيا علـى معصيته بـالقتل والـخسف والـمسخ وغير ذلك من صنوف عذابه، ويغفر لـمن يشاء منهم فـي الدنـيا بـالتوبة علـيه من كفره ومعصيته، فـينقذه من الهَلَكة وينـجيه من العقوبة. وَاللّه علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

يقول: واللّه علـى تعذيب من أراد تعذيبه من خـلقه علـى معصيته وغفران ما أراد غفرانه منهم بـاستنقاذه من الهكة بـالتوبة علـيه وغير ذلك من الأمور كلها قادر، لأن الـخـلق خـلقه والـملك ملكه والعبـاد عبـاده. وخرج قوله: ألَـمْ تَعْلَـمْ أن اللّه لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ خطابـا له صلى اللّه عليه وسلم، والـمعنـيّ به من ذكرت من فرق بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـمدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما حوالـيها. وقد بـينا استعمال العرب نظير ذلك فـي كلامها بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الرّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ... }.

اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنـي بهذه الاَية،

فقال بعضهم: نزلت فـي أبـي لُبـابة بن عبد الـمنذر بقوله لبنـي قريظة حين حاصرهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (إنـما هو الذبح، فلا تنزلوا علـى حكم سعد). ذكر من قال ذلك:

٩٣٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لا يحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قالُوا آمَنّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ قال: نزلت فـي رجل من الأنصار زعموا أنه أبو لُبـابة أشارت إلـيه بنو قُريظة يوم الـحصار ما الأمر؟ وعلام ننزل؟ فأشار إلـيهم: إنه الذبح.

وقال آخرون: بل نزلت فـي رجل من الـيهود سأل رجلاً من الـمسلـمين يسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن حكمه فـي قتـيـل قتله. ذكر من قال ذلك:

٩٣٩٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، عن زكريا، عن عامر: لا يحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ قال: كان رجل من الـيهود قتله رجل من أهل دينه، فقال القاتل لـحلفـائهم من الـمسلـمين: سلوا لـي مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، فإن كان يقضي بـالدية اختصمنا إلـيه، وإن كان يأمرنا بـالقتل لـم نأته.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن زكريا، عن عامر نـحوه.

وقال آخرون: بل نزلت فـي عبد اللّه بن صُورِيا، وذلك أنه ارتدّ بعد سلامه. ذكر من قال ذلك:

٩٣٩٨ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي الزهريّ، قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب، أن أبـا هريرة حدثهم، أن أحبـار يهود اجتـمعوا فـي بـيت الـمدارس حين قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بـامرأة من يهود قد أحصنت.

فقالوا: انطلقوا بهذا الرجل وبهذه الـمرأة إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فـاسألوه كيف الـحكم فـيهما فولوه الـحكم علـيهما، فإن عمل فـيهما بعملكم من التـحميـم، وهو الـجلد بحبل من لـيف مطلـيّ بقارٍ، ثم يُسوّد وجوههما، ثم يُحملان علـى حمارين وتـحوّل وجوههما من قِبَل دبر الـحمار، فـاتبعوه، فإنـما هو ملك. وإن هو حكم فـيهما بـالرجم (فإنه نبـيّ) فـاحذروه علـى ما فـي أيديكم أن يسلُبكموه. قأتوه

فقالوا: يا مـحمد هذا الرجل قد زنى بعد إحصانه بـامرأة قد أحصنت، فـاحكم فـيهما، فقد ولـيناك الـحكم فـيهما فمشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أتـى أحبـارهم فـي بـيت الـمدارس،

فقال: (يا مَعْشَرَ الـيَهُودِ أخْرِجُوا إلـى أعْلَـمَكُمْ) فأخرجوا إلـيه عبد اللّه بن صُورِيا الأعور. وقد روي بعض بنـي قريظة أنهم أخرجوا إلـيه يومئذٍ مع ابن صوريا أبـا ياسر بن أخطب ووهب بن يهودا،

فقالوا: هؤلاء علـماؤنا فسألهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى حصل أمرهم، إلـى أن قالوا لابن صوريا: هذا أعلـم من بقـي بـالتوراة. فخلا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان غلاما شابـا من أحدثهم سنا، فألظّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمسألة،

يقول: (يا ابْنَ صُورِيا أنْشُدُك اللّه وأذكرك أيادِيه عِنْدَ بنـي إسْرائيـل)، ألهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى حصل أمرهم، إلـى أن قالوا لابن صوريا: هذا أعلـم من بقـي بـالتوراة. فخلا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان غلاما شابـا من أحدثهم سنا، فألظّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمسألة،

يقول: (يا ابْنَ صُورِيا أنْشُدُك اللّه وأذكرك أيادِيه عِنْدَ بنـي إسْرائيـل، هل تَعْلَـمُ أنّ اللّه حَكَمَ فـيـمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بـالرّجْمِ فـي التّوْرَاة؟) فقال: اللهمّ نعم أما واللّه يا أبـا القاسم إنهم لـيعلـمون أنكّ نبـيّ مرسل، ولكنهم يحسدونَك. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمر بهما فرُجما عند بـاب مسجده فـي بنـي عثمان بن غالب بن النـجار. ثم كفر بعد ذلك ابن صُوريا، فأنزل اللّه : يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قالُوا آمَنّا بأفْوَاهِهِمْ ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ.

٩٣٩٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي (ح) وحدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش (ح)، وحدثنا هناد، قال: حدثنا عبـيدة بن عبـيد، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازب، قال: مُرّ علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـيهودي مـحمّـم مـجلود، فدعا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من علـمائهم،

فقال: (أهَكَذا تَـجِدُونَ حَدّ الزّانـي فِـيكُمْ؟) قال: نعم

قال: (فأنْشُدُك بـالذي أنْزَلَ التّورَاةَ علـى مُوسَى، أهَكَذا تَـجِدُونَ حَدّ الزانـي فـيكم)؟ قال: لا، ولولا أنك نَشَدْتَنـي بهذا لـم أحدثك، ولكن الرجم، ولكن كثر الزنا فـي أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا علـيه الـحدّ، فقلنا تعالوا نـجتـمع فنضع شيئا مكان الرجم فـيكون علـى الشريف والوضيع، فوضعنا التـحميـم والـجلد مكان الرّجم. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (اللهمّ إنـي أنا أوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إذْ أَماتُوهُ) فأمر به فرجم، فأنزل اللّه : لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ... الاَية.

٩٤٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن الزهريّ، قال: كنت جالسا عند سعيد بن الـمسيب وعند سعي، رجل يوقره، فإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الـحديبـية وكان من أصحاب أبـي هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (ح)، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح كاتب اللـيث، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي عقـيـل، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي رجل من مزينة مـمن يتبع العلـم ويعيه، حدّث عن سعيد بن الـمسيب، أن أبـا هريرة قال: بـينا نـحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذ جاءه رجل من الـيهود، وكانوا قد أشاروا فـي صاحب لهم زنى بعد ما أحصن، فقال بعضهم لبعض: إن هذا النبـيّ قد بُعث، وقد علـمتـم أن قد فرض علـيكم الرجم فـي التوراة فكتـمتـموه واصطلـحتـم بـينكم علـى عقوبة دونه، فـانطلقوا فنسأل هذا النبـيّ، فإن أفتانا بـما فرض علـينا فـي التوراة من الرجم تركنا ذلك، فقد تركنا ذلك فـي التوراة، فهي أحقّ أن تطاع وتصدّق. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقالوا: يا أبـا القاسم إنه زنى صاحب لنا قد أحصن، فما ترى علـيه من العقوبة؟ قال أبو هريرة: فلـم يرجع إلـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى قام وقمنا معه، فـانطلق يؤمّ مدراس الـيهود حتـى أتاهم، فوجدهم يتدارسون التوراة فـي بـيت الـمدارس، فقال لهم: (يا مَعْشَرَ الـيَهُودِ أنْشُدُكُمْ بـاللّه الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى ماذَا تَـجِدُونَ فِـي التّوْرَاةِ مِنَ العُقُوبَةِ علـى مَنْ زَنى وَقَدْ أحْصِن)؟

قالوا: إنا نـجده يُحَمّـم ويجلده. وسكت حبرهم فـي جانب البـيت. فلـما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صمته ألظّ به النشدة، فقال حبرهم: اللهمّ إذ نشدتنا فإنا نـجد علـيهم الرجم. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فَمَاذَا كانَ أوّلَ ما تَرَخّصْتُـمْ بِهِ أمْرَ اللّه )؟ قال: زنى ابن عمّ ملك فلـم يرجمه، ثم زنى رجل آخر فـي أسرة من الناس، فأراد ذلك الـملك رجمه، فقام دونه قومه،

فقالوا: واللّه لا ترجمه حتـى ترجم فلانا ابن عمّ الـملك فـاصطلـحوا بـينهم عقوبةً دون الرجم، وتركوا الرجم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فإنّـي أقْضِي بِـمَا فِـي التّوْرَاةِ). فأنْزَلَ اللّه فـي ذلك: يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ... إلـى قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.

وقال آخرون: بل عُنـي بذلك الـمنافقون. ذكر من قال ذلك:

٩٤٠١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير فـي قوله: يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قالُوا آمَنّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ قال: هم الـمنافقون.

٩٤٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: آمَنّا بأفْوَاهِهِمْ قال: يقول هم الـمنافقون.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: عُنِـي بذلك: لا يحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قالُوا آمَنّا بأفْوَاهِهِم ولَـمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ: قوم من الـمنافقـين. وجائز أن يكون كان مـمن دخـل فـي هذه الاَية ابن صُوريا، وجائز أن يكون أبو لُبـابة، وجائز أن يكون غيرهما. غير أن أثبت شيء رُوي فـي ذلك ما ذكرناه من الرواية قبل عن أبـي هريرة والبراء بن عازب، لأن ذلك عن رجلـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وإذا كان ذلك كذلك، كان الصحيح من القول فـيه أن يقال: عُنـي به عبد اللّه بن صُورِيا. وإذا صحّ ذلك كان تأويـل الاَية: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فـي جحود نبوّتك والتكذيب بأنك لـي نبـيّ من الذين

قالوا: صدّقنا بك يا مـحمد أنك لله رسول مبعوث، وعلـمنا بذلك يقـينا بوجودنا صفتك فـي كتابنا وذلك أن فـي حديث أبـي هريرة الذي رواه ابن إسحاق، عن الزهري، أن ابن صوريا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أما واللّه يا أبـا القاسم إنهم لـيعلـمون أنك نبـيّ مرسل، ولكنهم يحسدونك. فذلك كان علـى هذا الـخبر من ابن صوريا إيـمانا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفـيه، ولـم يكن مصدّقا لذلك بقلبه، فقال اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مطلعه علـى ضمير ابن صوريا وأنه لـم يؤمن بقلبه،

يقول: ولـم يصدّق قلبه بأنك لله رسول مرسل.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمِنَ الّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يأْتُوكَ.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: يا أيها الرسول، لا يحزنك تسرّع من تسرّع من هؤلاء الـمنافقـين الذين يظهرون بألسنتهم تصديقك، وهم معتقدون تكذيبك إلـى الكفر بك، ولا تسرع الـيهود إلـى جحود نبوّتك. ثم وصف جلّ ذكره صفتهم ونعتهم له بنعوتهم الذميـمة وأفعالهم الرديئة، وأخبره معزّيا له علـى ما يناله من الـحزن بتكذيبهم إياه مع علـمهم بصدقه أنهم أهل استـحلال الـحرام والـمآكل الرديئة والـمطاعم الدنـيئة من الرّشَا والسّحْت، وأنهم أهل إفك وكذب علـى اللّه وتـحريف كتابه. ثم أعلـمه أنه مـحلّ بهم خزيه فـي عاجل الدنـيا، وعقابه فـي آجل الاَخرة،

فقال: همْ سَمّاعُونَ للكَذِبِ يعنـي هؤلاء الـمنافقـين من الـيهود،

يقول: هم يسمعون الكذب، وسمعهم الكذب: سمعهم قول أحبـارهم أن حكم الزانـي الـمـحْصن فـي التوراة: التـحميـم والـجلد، سَمّاعُونَ لَقْومٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ

يقول: يسمعون لأهل الزانـي الذي أرادوا الاحتكام إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهم القوم الاَخرون الذين لـم يكونوا أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانوا مصرّين علـى أن يأتوه، كما قال مـجاهد.

٩٤٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال مـجاهد: سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ: مع من أتوك.

واختلف أهل التأويـل فـي السمّاعين للكذب السمّاعين لقوم آخرين،

فقال بعضهم: سماعون لقول آخرين يهود فدك، والقوم الاَخرون الذين لـم يأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يهود الـمدينة. ذكر من قال ذلك:

٩٤٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، قال: حدثنا زكريا ومـجالد، عن الشعبـيّ، عن جابر فـي قوله: وَمِنَ الّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ قال: يهود الـمدينة لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ قال: يهود فدك يقولون لـيهود الـمدينة: إن أوتـيتـم هذا فخذوه.

وقال آخرون: الـمعنىّ بذلك قوم من الـيهود كان أهل الـمرأة التـي بغت بعثوا بهم يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الـحكم فـيها، والبـاعثون بهم هم القوم الاَخرون، وهم أهل الـمرأة الفـاجرة، لـم يكونوا أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩٤٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَمِنَ الّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ كان بنو إسرائيـل أنزل اللّه علـيهم: إذا زنى منكم أحد فـارجموه. فلـم يزالوا بذلك حتـى زنى رجل من خيارهم فلـما اجتـمعت بنو إسرائيـل يرجمونه، قام الـخيار والأشراف فمنعوه. ثم زنى رجل من الضعفـاء، فـاجتـمعوا لـيرجموه، فـاجتـمعت الضعفـاء

فقالوا: لا ترجموه حتـى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعا فقالت بنو إسرود يقال لها بُسرة، فبعث أبوها ناسا من أصحابه إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: سلوه عن الزنا وما نزل إلـيه فـيه فإنا نـخاف أن يفضحنا ويخبرنا بـما صنعنا، فإن أعطاكم الـجلد فخذوه وإن أمركم بـالرجم فـاحذروه. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه،

فقال: (الرّجْم). فأنزل اللّه عزّ وجلّ: وَمِنَ الّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ حين حرّفوا الرجم فجعلوه جلدا.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: إن السماعين للكذب، هم السماعون لقوم آخرين. وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود الـمدينة والـمسموع لهم من يهود فدك، ويجوز أن يكونوا كانوا من غيرهم. غير أنه أيّ ذلك كان، فهو من صفة قوم من يهود سمعوا الكذب علـى اللّه فـي حكم الـمرأة التـي كانت بغت فـيهم وهي مـحصنة، وأن حكمها فـي التوراة التـحميـم والـجلد، وسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الـحكم اللازم لها، وسمعوا ما يقول فـيها قوم الـمرأة الفـاجرة قبل أن يأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مـحتكمين إلـيه فـيها. وإنـما سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك لهم لـيعلـموا أهل الـمرأة الفـاجرة ما يكون من جوابه لهم، فإن لـم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكما فـيهم، وإن كان من حكمه الرجم حذروه وتركوا الرضا به وبحكمه. وبنـحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول.

٩٤٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: سّماعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ قال: لقوم آخرين لـم يأتوك من أهل الكتاب، هؤلاء سماعون لأولئك القوم الاَخرين الذين لـم يأتوه، يقولون لهم الكذب: مـحمد كاذب، ولـيس هذا فـي التوراة، فلا تؤمنوا به.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضَعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا.

يقول تعالـى ذكره: يحرّف هؤلاء السماعون للكذب، السماعون لقوم آخرين منهم لـم يأتوك بعد من الـيهود الكَلِـم. وكان تـحريفهم ذلك: تغيـيرهم حكم اللّه تعالـى ذكره الذي أنزله فـي التوراة فـي الـمـحصنات والـمـحصنـين من الزناة بـالرجم إلـى الـجلد والتـحميـم، فقال تعالـى ذكره: يَحرّفُونَ الكَلِـمَ يعنـي: هؤلاء الـيهود، والـمعنى: حكم الكلـم، فـاكتفـى بذكر الـخبر من تـحريف الكلـم عن ذكر الـحكم لـمعرفة السامعين لـمعناه. وكذلك قوله: مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ والـمعنى: من بعد وضع اللّه ذلك مواضعه، فـاكتفـى بـالـخبر من ذكر مواضعه عن ذكر وضع ذلك، كما قال تعالـى ذكره: وَلَكِنّ البِرّ مَنْ آمَنَ بـاللّه وَالـيَوْمِ الاَخِرِ والـمعنى: ولكن البرّ برّ من آمن بـاللّه الاَخر. وقد يحتـمل أن يكون معناه: يحرّفون الكلـم عن مواضعه، فتكون (بعد) وُضعت موضع (عن)، كما يقال: جئتك عن فراغي من الشغل، يريد: بعد فراغي من الشغل.

ويعنـي بقوله إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا

يقول: هؤلاء البـاغون السماعون للكذب، إن أفتاكم مـحمد بـالـجلد والتـحميـم فـي صاحبنا فخذوه،

يقول: فـاقبلوه منه، وإن لـم يُفتِكم بذلك وأفتاكم بـالرجم، فـاحذروا.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٤٠٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي الزهري، قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدّث سعيد بن الـمسيب، أن أبـا هريرة حدثهم فـي قصة ذكرها: وَمِنَ الّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ للكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَـمْ يَأْتُوكَ قال: بعثوا وتـخـلفوا، وأمروهم بـما أمروهم به من تـحريف الكلـم عن مواضعه،

فقال: يحرّفون الكلـم من بعد مواضعه، يقولون: إن أوتـيتـم هذا فخذوه للتـحميـم، وإن لـم تؤتوه فـاحذروا: أي الرجم.

٩٤٠٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذا: إن وافقكم هذا، فَخُذُوهُ يهود تقوله للـمنافقـين.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ: إن وافقكم هذا فخذوه، وإن لـم يوافقكم فـاحذروه. يهود تقوله للـمنافقـين.

٩٤٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ حين حرّفوا الرجم فجعلوه جلدا، يقولون: إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتُوهُ فـاحْذَرُوا.

٩٤١٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، قال: حدثنا زكريا ومـجالد، عن الشعبـيّ، عن جابر: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ يهود فدك يقولون لـيهود الـمدينة: إن أوتـيتـم هذا الـجلد فخذوه، وإن لـم تؤتوه فـاحذروا الرجم.

٩٤١١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا هُمُ الـيهود، زنت منهم امرأة، وكان اللّه قد حكم فـي التوراة فـي الزنا بـالرجم، فنفسوا أن يرجموها، و

قالوا: انطلقوا إلـى مـحمد فعسى أن يكون عنده رخصة، فإن كانت عنده رخصة فـاقبلوها. فأتَوْه

فقالوا: يا أبـا القاسم إن امرأة منا زنت، فما تقول فـيها؟ فقال لهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (كَيْفَ حُكْمُ اللّه فِـي التّوْرَاةِ فـي الزّانِـي؟)

فقالوا: دعنا من التوراة، ولكن ما عندك فـي ذلك فقال: (ائْتُونِـي بأعْلَـمِكُمْ بـالتّوْرَاةِ التـي أُنْزِلَتْ علـى مُوسَى). فقال لهم: (بـالّذِي نَـجّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَبـالّذِي فَلَقَ لَكُمْ البَحْرَ فَأْنـجاكمْ وأغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ إلاّ أخْبَرْتُـمُونِـي ما حُكْمُ اللّه فِـي التّوْرَاةِ فِـي الزّانِـي)

قالوا: حكمه الرجم. فأمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجمت.

٩٤١٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَـمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا ذكر لنا أن هذا كان فـي قتـيـل من بنـي قريظة قتلته النضير، فكانت النضير إذا قتلت من بنـي قريظة لـم يقـيدوهم، إنـما يعطونهم الدية لفضلهم علـيهم، وكانت قريظة إذا قتلت من النضير قتـيلاً لـم يرضوا إلا بـالقود لفضلهم علـيهم فـي أنفسهم تعزّزا. فقدم نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة علـى هيئة فعلهم هذا، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال لهم رجل من الـمنافقـين: إن قتـيـلكم هذا قتـيـل عمد، متـى ما ترفعوه إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أخشى علـيكم القود، فإن قبل منكم الدية فخذوه، وإلا فكونوا منه علـى حذر.

٩٤١٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُحَرّفُونَ الكَلِـمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يقول يحرّف هؤلاء الذين لـم يأتوك الكلـم عن مواضعه، لا يضعونه علـى ما أنزله اللّه

قال: وهؤلاء كلهم يهود، بعضهم من بعض.

٩٤١٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية وعبـيدة بن حميد، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازب: يَقُولُونَ إنْ أُوتِـيُتـمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإنْ لَـمْ تُؤْتَوْهُ فـاحْذَرُوا يقولون: ائتوا مـحمدا، فإن أفتاكم بـالتـحميـم والـجلد فخذوه، وإن أفتاكم بـالرجم فـاحذروا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يُرِدِ اللّه فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَـمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّه شَيْئا.

وهذا تسلـية من اللّه تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم من حزنه علـى مسارعة الذين قصّ قصتهم من الـيهود والـمنافقـين فـي هذه الاَية، يقول له تعالـى ذكره: لا يحزنك تسرّعهم إلـى جحود نبوّتك، فإنـي قد حَتَـمْتُ علـيهم أنهم لا يتوبون من ضلالتهم، ولا يرجعون عن كفرهم للسابق من غضبـي علـيهم، وغير نافعهم حزنك علـى ما ترى من تسرّعهم إلـى ما جعلته سبـيلاً لهلاكهم واستـحقاقهم وعيدي. ومعنى الفتنة فـي هذا الـموضع: الضلالة عن قصد السبـيـل.

يقول تعالـى ذكره: ومن يرد اللّه يا مـحمد مرجعه بضلالته عن سبـيـل الهدى، فلن تـملك له من اللّه استنقاذا مـما أراد اللّه به من الـحيرة والضلالة، فلا تشعر نفسك بـالـحزن علـى ما فـاتك من اهتدائه للـحقّ. كما:

٩٤١٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَمَنْ يُرِدِ اللّه فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَـمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّه شَيْئا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُولَئِكَ الّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللّه أنْ يُطَهّرَ قُلُوَبهُمْ لَهُمْ فِـي الدّنْـيا خِزْيٌ، ولَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لا يحزنك الذين يسارعون فـي الكفر، من الـيهود الذين وصفت لك صفتهم، وإن مسارعتهم إلـى أُولَئِكَ الّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللّه أنْ يُطَهّرَ قُلُوَبهُمْ لَهُمْ فِـي الدّنْـيا خِزْيٌ، ولَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لا يحزنك الذين يسارعون فـي الكفر، من الـيهود الذين وصفت لك صفتهم، وإن مسارعتهم إلـى لدنـيا وذلك الذلّ والهوان، وفـي الاَخرة عذاب جهنـم خالدين فـيها أبدا.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـخزي روي القول عن عكرمة.

٩٤١٦ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن علـيّ بن الأرقم وغيره، عن عكرمة: أُولَئِكَ الّذِينَ لَـمْ يُرِدِ اللّه أنْ يُطَهّرَ قُلُوَبهُمْ لَهُمْ فِـي الدّنْـيا خِزْيٌ قال: مدينة فـي الروم تُفتـح فـيُسْبَوْن.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ ... }.

يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الـيهود الذين وصفت لك يا مـحمد كاذب، لـيس بنبـيّ، وقِـيـل بعضهم: إن حكم الزانـي الـمـحصَن فـي التوراة الـجلد والتـحميـم، وغير ذلك من الأبـاطيـل والإفك، ويقبلون الرشا، فـيأكلونها علـى كذبهم علـى اللّه وفريتهم علـيه. كما:

٩٤١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو عقـيـل، قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ قال: تلك الـحكام سمعوا كِذْبةً، وأكلوا رِشْوَةً.

٩٤١٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ قال: كان هذا فـي حكام الـيهود بـين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشا.

٩٤١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشوة فـي الـحكم وهم يهود.

٩٤٢٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي وإسحاق الأزرق، وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفـيان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد اللّه : أكّالُونَ للسّحْتِ قال: السحت: الرشوة.

٩٤٢١ـ حدثنا سفـيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلـى، قالا: حدثنا ابن فضيـل، عن الأعمش، عن سلـمة بن كهيـل، عن سالـم بن أبـي الـجعد، قال: قـيـل لعبد اللّه : ما السحت؟ قال: الرشوة.

قالوا: فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن مسروق، عن عبد اللّه ، قال: السحت: الرشوة.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حريث، عن عامر، عن مسروق، قال: قلنا لعبد اللّه : ما كنا نرى السحت إلا الرشوة فـي الـحكم قال عبد اللّه : ذاك الكفر.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمار الدهنـي، عن سالـم بن أبـي الـجعد عن مسروق، قال: سألت عبد اللّه عن السحت،

فقال: الرجل يطلب الـحاجة فـيقضيها، فـيهدي إلـيه فـيقبلها.

حدثنا سوار، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا شعبة، عن منصور وسلـيـمان الأعمش، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن مسروق، عن عبد اللّه أنه قال: السحت: الرشا.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن سفـيان، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد اللّه : السّحْت، قال: الرشوة فـي الدين.

٩٤٢٢ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عمر: ما كان من السحت: الرشا، ومهر الزانـية.

٩٤٢٣ـ حدثنـي سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: السحت: الرشوة.

٩٤٢٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشا.

٩٤٢٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن طلـحة، عن أبـي هريرة، قال: مهر البغيّ سُحت، وعَسْبُ الفحل سُحْت، وكسب الـحَجّام سُحْت، وثمن الكلب سُحْت.

٩٤٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: السحت: الرشوة فـي الـحكم.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيـل، عن حكيـم بن جبـير، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعود عن السحت، قال: الرشا، فقلت: فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر.

٩٤٢٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أكّالُونَ للسّحْتِ

يقول: للرشا.

٩٤٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن سلـمة بن كهيـل، عن مسروق، عن علقمة: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة،

فقال: هي السحت، قالا فـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر، ثم تلا هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.

٩٤٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن الـمسعودي، عن بكير بن أبـي بكير، عن مسلـم بن صبـيح، قال: شفع مسروق لرجل فـي حاجة، فأهدى له جارية، فغضب غضبـا شديدا وقال: لو علـمت أنك تفعل هذا ما كلـمت فـي حاجتك ولا أكلـم فـيـما بقـي من حاجتك، سمعت ابن مسعود

يقول: من شفع شفـاعة لـيردّ بها حقا أو يرفع بها ظلـما، فأُهدي له فقبل، فهو سُحْتٌ، فقـيـل له: يا أبـا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ علـى الـحكم قال: الأخذ علـى الـحكم كفر.

٩٤٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـيأبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : سَمّاعُونَ للكَذِبِ أكّالُونَ للسّحْتِ وذلك أنهم أخذوا الرشوة فـي الـحكم وقضوا بـالكذب.

٩٤٣١ـ حدثنا هناد،قال: حدثنا عبـيدة، عن عمار، عن مسلـم بن صبـيح، عن مسروق، قال: سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشا فـي الـحكم؟ فقال: لا، من لـم يَحْكم بـما أنزل اللّه فهو كافر، ومن لـم يحكم بـما أنزل اللّه فهو ظالـم، ومن لـم يحكم بـما أنزل اللّه فهو فـاسق، ولكن السحت يستعينك الرجل علـى الـمَظْلِـمة فتعينه علـيها، فَـيُهدي لك الهدية فتقبلها.

٩٤٣٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن يحيى بن سعيد، عن عبد اللّه بن هبـيرة السبئي، قال: من السحت ثلاثة: مهر البغيّ، والرشوة فـي الـحكم، وما كان يُعْطَى الكهان فـي الـجاهلـية.

٩٤٣٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن مطيع، عن حماد بن سلـمة، عن عطاء الـخراسانـي، عن ضَمْرة، عن علـيّ بن أبـي طالب، أنه قال فـي كسب الـحجام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستـجعال فـي القضية، وحلوان الكاهن، وعَسْب الفحل، والرشوة فـي الـحكم، وثمن الـخمر، وثمن الـمتـية: من السّحْت.

٩٤٣٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: أكّالُونَ للسّحْتِ قال: الرشوة فـي الـحكم.

٩٤٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد الرحمن بن أبـي الـموالـى، عن عمر بن حمزة بن عبد اللّه بن عمر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (كُلّ لْـحَمٍ أَنْبَتَهُ السّحْتُ فـالنّارُ أوْلَـى بِهِ).

قـيـل: يا رسول اللّه ، وما السحت؟ قال: (الرّشْوَةُ فِـي الـحُكْمِ).

٩٤٣٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد الـجبـار بن عمر، عن الـحكم بن عبد اللّه ، قال: قال لـي أنس بن مالك، إذا انقلبتْ إلـى أبـيك فقل له: إياك والرّشوة فإنها سحت وكان أبوه علـى شُرَطَ الـمدينة.

٩٤٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سالـم، عن مسروق، عن عبد اللّه ، قال: الرشوة سحت. قال مسروق: فقلنا لعبد اللّه : أفـي الـحكم؟ قال: لا، ثم قرأ: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَل اللّه ....

وأصل السحت: كلَب الـجوع، يقال منه: فلان مسحوت الـمعدة: إذا كان أكولاً لا يُـلَفـى أبدا إلا جائعا. وإنـما قـيـل للرّشوة السحت، تشيبها بذلك كأن بـالـمسترشِي من الشره إلـى أخذ ما يعطاه من ذلك مثل الذي بـالـمسحوت الـمعدة من الشره إلـى الطعام، يقال منه: سَحتَه وأسْحَتَه، لغتان مـحكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:

وَعَضّ زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَدَعْمنَ الـمَالِ إلا مُسَحَتا أوْ مُـجَلّفُ

يعنـي بـالـمسحت: الذي قد أستأصله هلاكا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالـى: فَـيُسْحِتَكُمْ بعَذَابِ وتقول العرب للـحالق: اسحت الشعر: أي استأصله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ ....

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ: إن جاء هؤلاء القوم الاَخرون الذين لـم يأتوك بعد، وهم قوم الـمرأة البغية، مـحتكمين إلـيك، فـاحكم بـينهم إن شئت بـالـحقّ الذي جعله اللّه حكما له، فـيـمن فعَل فِعْل الـمرأة البغية منهم، أو أعرض عنهم، فدع الـحكم بـينهم إن شئت والـخيار إلـيك فـي ذلك.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٤٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ يهودُ، زنى رجل منهم له نسب حقـير فرجموه، ثم زنى منهم شريف فحمّـموه، ثم طافوا به، ثم استفتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيوافقهم

قال: فأفتاهم فـيه بـالرجم، فأنكروه، فأمرهم أن يدعوا أحبـارهم ورهبـانهم، فناشدهم بـاللّه أيجدونه فـي التوراة، فكتـموه إلا رجلاً من أصغرهم أعور،

فقال: كذَبوك يا رسول اللّه ، إنه لفـي التوراة

٩٤٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي اللـيث، عن ابن شهاب: أن الاَية التـي فـي سورة الـمائدة: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ كانت فـي شأن الرجم.

٩٤٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: إنهم أتوه يعنـي الـيهود فـي امرأة منهم زنت يسألونه عن عقوبتها، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كَيْفَ تَـجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ مَكْتُوبـا فِـي التّوْرَاةِ؟) فقالوا نؤمر برجم الزانـية. فأمر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فرجمت، وقد قال اللّه تبـارك وتعالـى: وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ إنّ اللّه يُحبّ الـمُقْسِطِينَ.

٩٤٤١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: كانوا يَحدّون فـي الزنا، إلـى أن زنى شابّ منهم ذو شرف، فقال بعضهم لبعض: لا يدعُكم قومه ترجمونه، ولكن اجلدوه ومثّلوا به فجلدوه وحملوه علـى إكاف حمار، وجعلوا وجهه مستقبل ذنب الـحمار، إلـى أن زنى آخرُ وضيع لـيس له شرف

فقالوا: ارجموه ثم

قالوا: فكيف لـم ترجموا الذي قبله؟ ولكن مثل ما صنعتـم به فـاصنعوا بهذا. فلـما كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

قالوا: سلوه، لعلكم تـجدون عنده رخصة فنزلت: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ... إلـى قوله: إنّ اللّه يُحبّ الـمُقْسِطِينَ.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية فـي قتـيـل قتل فـي يهود منهم قتله بعضهم. ذكر من قال ذلك:

٩٤٤٢ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي داود بن الـحصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : أن الاَيات فـي الـمائدة، قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ... إلـى قوله: الـمُقْسِطِينَ إنـما نزلت فـي الدية فـي بنـي النضير وبنـي قريظة، وذلك أن قتلـى بنـي النضير كان لهم شرف تؤدّي الدية كاملة، وإن قريظة كانوا يؤدّون نصف الدية. فتـحاكموا فـي ذلك إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه ذلك فـيهم، فحملهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الـحقّ فـي ذلك، فجعل الدية فـي ذاك سواء. واللّه أعلـم أيّ ذلك كان.

٩٤٤٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن علـيّ بن صالـح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كانت قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قُتِل به، وإذا قَتل رجل من النضير رجلاً من قريظة أدّى مئة وَسْق تـمر. فلـما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قَتل رجل من النضير رجلاً من قريظة،

فقالوا: ادفعوه إلـينا

فقالوا: بـيننا وبـينكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فنزلت: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ.

٩٤٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان فـي حكم حيّ بن أخطب للنضري ديتان، والقُرَظي دية، لأنه كان من النضير قال: وأخبر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بـما فـي التوراة، قال: وكتَبَنْا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... إلـى آخر الاَية

قال: فلـما رأت ذلك قُريظة، لـم يرضوا بحكم بن أخطب،

فقالوا: نتـحاكم إلـى مـحمد فقال اللّه تبـارك وتعالـى: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ فخيره، وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْم اللّه ... الاَية كلها. وكان الشريف إذا زنى بـالدنـيئة رجموها هي وحمّـموا وجه الشريف، وحملوه علـى البعير، أو جعلوا وجهه من قِبَل ذنب البعير. وإذا زنى الدنـيء بـالشريفة رجموه، وفعلوا بها ذلك. فتـحاكموا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فرجمها

قال: وكان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لهم: (مَنْ أعْلَـمُكُمْ بـالتّوْرَاةِ؟)

قالوا: فلان الأعور. فأرسل إلـيه، فأتاه،

فقال: (أنْتَ أعْلَـمُهُمْ بـالتّوْرَاةِ؟) قال: كذاك تزعم يهود، فقال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أُنْشُدُكَ بـاللّه وَبـالتّوْرَاةِ التـي أنْزَلهَا علـى مُوسَى يَوْمَ طُورِسِيناءَ ما تَـجِدُ فِـي التّوْرَاةِ فِـي الزّانِـيَـيْنِ؟) فقال: يا أبـا القاسم يرجمون الدنـيئة، ويحملون الشريف علـى بعير، ويحمـمون وجهه، ويجعلون وجهه من قِبَل ذَنَب البعير، ويرجمون الدنـيء إذا زنى بـالشريفة، ويفعلون بها هي ذلك. فقال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أَنْشُدُكَ بـاللّه وَبـالتّوْرَاةِ التـي أنْزَلهَا عَلـى مُوسَى يَوْمَ طُورِسِيناءَ ما تَـجِدُ فِـي التّوْرَاةِ؟) فجعل يروغ والنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يَنْشُدُه بـاللّه وبـالتوراة التـي أنزلها علـى موسى يوم طورسيناء، حتـى قال: يا أبـا القاسم الشيخ والشيخة إذا زنـيا فـارجموهما البتة. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فَهُوَ ذَاكَ، اذْهَبُوا بِهِما فـارْجُمُوهُما). قال عبد اللّه : فكنت فـيـمن رجمهما، فما زال يُجْنىءُ علـيها ويقـيها الـحجارة بنفسه حتـى مات.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم هذه الاَية هل هو ثابت الـيوم وهل للـحكام من الـخيار فـي الـحكم والنظر بـين أهل الذمة والعهد إذا احتكموا إلـيهم، مثل الذي جعل لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم، فـي هذه الاَية، أم ذلك منسوخ؟

فقال بعضهم: ذلك ثابت الـيوم لـم ينسخه شيء، وللـحكام من الـخيار فـي كل دهر بهذه الاَية مثل ما جعله لرسوله صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩٤٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي: إن رُفع إلـيك أحد من الـمشركين فـي قضاء، فإن شئت فـاحكم بـينهم بـما أنزل اللّه ، وإن شئت أعرض عنهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـي وإبراهيـم، قالا: إذا أتاك الـمشركون فحكّموك فـاحكم بـينهم، أو أعرض عنهم، وإن حكمت فـاحكم بحكم الـمسلـمين ولا تعْدُه إلـى غيره.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، وحدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: إن شاء حكم، وإن شاء لـم يحكم.

٩٤٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: إن شاء حكم وإن شاء لـم يحكم.

٩٤٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مـحمد بن سالـم، عن الشعبـيّ، قال: إذا أتاك أهل الكتاب بـينهم أمر، فـاحكم بـينهم بحكم الـمسلـمين، أو خـلّ عنهم وأهل دينهم يحكمون فـيهم إلا فـي سرقة أو قتل.

٩٤٤٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الروزاق، عن ابن جريج، قال: قال لـي عطاء: نـحن مخيرون، إن شئنا حكمنا بـين أهل الكتاب، وإن شئنا أعرضنا فلـم نـحكم بـينهم، وإن حكمنا بـينهم حكمنا بـيننا أو نتركهم وحكمهم بـينهم. قال ابن جريج: وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب، وذلك قوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي فـي قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قالا: إذا جاءوا إلـى حاكم الـمسلـمين، فإن شاء حكم بـينهم وإن شاء أعرض عنهم، وإن حكم بـينهم حكم بـينهم بـما فـي كتاب اللّه .

٩٤٤٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ

يقول: إن جاءوك فـاحكم بـينهم بـما أنزل اللّه ، أو أعرض عنهم. فجعل اللّه له فـي ذلك رخصة، إن شاء حكم بـينهم، وإن شاء أعرض عنهم.

حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي، قالا: إذا أتاك الـمشركون فحكموك فـيـما بـينهم، فـاحكم بـينهم بحكم الـمسلـمين ولا تَعْدُه إلـى غيره، أو أعرض عنهم وخـلّهم وأهلَ دينهم.

وقال آخرون: بل التـخيـير مسنوخ، وعلـى الـحاكم إذا احتكم إلـيه أهل الذمة أن يحكم بـينهم بـالـحقّ، ولـيس له ترك النظر بـينهم. ذكر من قال ذلك:

٩٤٥٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة والـحسن البصريّ: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ نسخت بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٩٤٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن السديّ، قال: سمعت عكرمة

يقول: نسختها وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٩٤٥٢ـ حدثنا ابن وكيع ومـحمد بن بشار، قالا: حدثنا ابن مهدي، عن سفـيان، عن السديّ، قال: سمعت عكرمة

يقول: نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٩٤٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مـجاهد: لـم ينسخ من الـمائدة إلا هاتان الاَيتان: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وَلا تَتّبعْ أهْوَاءَهُمْ

وقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْىَ وَلا القَلائِدَ نسختها: اقْتُلُوا الـمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ.

٩٤٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحكم، عن مـجاهد قال: نسختها: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٩٤٥٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا همام، عن قتادة، قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ يعنـي الهيود. فأمر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يحكم بـينهم، ورخص له أن يعرض عنهم إن شاء، ثم أنزل اللّه تعالـى الاَية التـي بعدها: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ... إلـى قوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ فأمر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يحكم بـينهم بـما أنزل اللّه بعد ما رخص له إن شاء أن يعرض عنهم.

٩٤٥٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريـم الـجزري: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلـى عديّ بن عديّ: إذا جاءك أهل الكتاب فـاحكم بـينهم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن السديّ، عن عكرمة قال: نسخت بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٩٤٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ قال: مضت السنة أن يُرَدّوا فـي حقوقهم ومواريثهم إلـى أهل دِينهم، إلا أن يأتوا راغبـين فـي حدّ يُحكم بـينهم فـيه بكتاب اللّه .

٩٤٥٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما نزلت: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إن شاء حكم بـينهم، وإن شاء أعرض عنهم. ثم نسخها فقال: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ وكان مـجبورا علـى أن يحكم بـينهم.

٩٤٥٩ـ حدثنا مـحمد بن عمار، قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: آيتان نسختا من هذه السورة، يعنـي الـمائدة، آية القلائد،

وقوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ، فكان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مخيرا، إن شاء حكم، وإن شاء أعرض عنهم، فردّهم إلـى أن يحكم بـينهم بـما فـي كتابنا.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: إن حكم هذه الاَية ثابت لـم ينسخ، وإن للـحكام من الـخيار فـي الـحكم بـين أهل العهد إذا ارتفعوا إلـيهم فـاحتكموا وترك الـحكم بـينهم والنظر مثل الذي جعله اللّه لرسوله صلى اللّه عليه وسلم من ذلك فـي هذه الاَية.

وإنـما قلنا: ذلك أولاهما بـالصواب، لأن القائلـين أن حكم هذه الاَية منسوخ زعموا أنه نسخ بقوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه ، وقد دللنا فـي كتابنا: (كتاب البـيان عن أصول الأحكام) أن النسخ لا يكون نسخا إلا ما كان نفـيا لـحكم غيره بكلّ معانـيه، حتـى لا يجوز اجتـماع الـحكم بـالأمرين جميعا علـى صحته بوجه من الوجوه، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستـحيـل فـي الكلام أن يقال: وأن احكم بـينهم بـما أنزل اللّه ، ومعناه: وأن احكم بـينهم بـما أنزل اللّه إذ حكمت بـينهم بـاخيتارك الـحكم بـينهم إذا اخترت ذلك ولـم تـختر الإعراض عنهم، إذ كان قد تقدم إعلام الـمقول له ذلك من قائله أن له الـخيار فـي الـحكم وترك الـحكم كان معلوما بذلك أن لا دلالة فـي قوله: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه أنه ناسخ قوله: فإنْ جاءُوكَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ لـما وصفنا من احتـمال ذلك ما بـينا، بل هو دلـيـل علـى مثل الذي دلّ علـيه قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ. وإذا لـم يكن فـي ظاهر التنزيـل دلـيـل علـى نسخ إحدى الاَيتـين الأخرى، ولا نفـي أحد الأمرين حكمَ الاَخر، ولـم يكن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر يصحّ بأن أحدهما ناسخ صاحبه، ولا من الـمسلـمين علـى ذلك إجماع صحّ ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيد أحدهما صاحبه ويوافق حكمه حكمه ولا نسخ فـي أحدهما للاَخر.

وأما قوله: وَإنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئا فإن معناه: وإن تعرض يا مـحمد عن الـمـحتكمين إلـيك من أهل الكتاب فتدع النظر بـينهم فـيـما احتكموا فـيه إلـيك، فلا تـحكم فـيه بـينهم، فلن يضرّوك شيئا،

يقول: فلن يقدروا لك علـى ضرّ فـي دين ولا دنـيا، فدع النظر بـينهم إذا اخترت ترك النظر بـينهم.

وأما قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ فإن معناه: وإن اخترت الـحكم والنظر يا مـحمد بـين أهل العهد إذا أتوك، فـاحكم بـينهم بـالقسط، وهو العدل، وذلك هو الـحكم بـما جعله اللّه حكما فـي مثله علـى جميع خـلقه من أمة نبـينا صلى اللّه عليه وسلم.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٤٦٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قالا: إن حكم بـينهم حكم بـما فـي كتاب اللّه .

٩٤٦١ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا يزيد بن هاون، عن العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: أمِر أن يحكم فـيهم بـالرجم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن العوّام، عن إبراهيـم التـيـمي فـي قوله: وَإنْ حَكَمْتَ فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: بـالرجم.

٩٤٦٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بـالقِسْطِ: بـالعدل.

حدثنا هناد، قال: حدثنا هشيـم، عن العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم التـيـمي فـي قوله: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بـالقِسْطِ قال: أمر أن يحكم بـينهم بـالرجم.

وأما قوله: إنّ اللّه يُحِبّ الـمُقْسِطِينَ فمعناه: إن اللّه يحبّ العاملـين فـي حكمه بـين الناس، القاضين بـينهم بحكم اللّه الذي أنزله فـي كتابه وأمر أنبـياءه صلوات اللّه علـيهم، يقال منه: أقسط الـحاكم فـي حكمه إذا عدل وقضى بـالـحقّ يُقسط إقساطا بهوأما قسط فمعناه: الـجور، ومنه قول اللّه تعالـى: وأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِـجَهَنّـمَ حَطَبـا يعنـي بذلك: الـجائرين علـى الـحقّ.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّه ثُمّ يَتَوَلّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَآ أُوْلَـَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }.

يعنـي تعالـى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء الـيهود يا مـحمد بـينهم، فـيرضون بك حكما بـينهم، وعندهم التوراة التـي أنزلتها علـى موسى، التـي يقرّون بها أنها حقّ وأنها كتابـي الذي أنزلته علـى نبـي، وأن ما فـيه من حكم فمن حكمي، يعلـمون ذلك لا يتناكرونه ولا يتدافعونه، ويعلـمون أن حكمي فـيها علـى الزانـي الـمـحصن الرجم، وهم مع عملهم بذلك يَتَولّوْنَ

يقول: يتركون الـحكم به بعد اعلـم بحكمي فـيه جراءة علـيّ وعصيانا لـي. وهذا وإن كان من اللّه تعالـى ذكره خطابـا لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم، فإنه تقريع منه للـيهود الذين نزلت فـيهم هذه الاَية، يقول لهم تعالـى: كيف تقرّون أيها الـيهود بحكم نبـي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مع جحود نبوّته وتكذيبكم إياه، وأنتـم تتركون حكمي الذي تقرّون به أنه حقّ علـيكم واجب جاءكم به موسى من عند اللّه ؟

يقول: فإذا كنتـم تتركون حكمي لـيس مَن فعل هذا الفعل: أي من تولـى عن حكم اللّه الذي حكم به فـي كتابه الذي أنزله علـى نبـيه فـي خـلقه بـالذي صدّق اللّه ورسوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة نبـيه صلى اللّه عليه وسلم لأن ذلك لـيس من فعل أهل الإيـمان. وأصل التولـي عن الشيء: الانصراف عنه كما:

٩٤٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير: ثُمّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ قال: تولـيهم ما تركوا من كتاب اللّه .

٩٤٦٤ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـي بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْمُ اللّه يعنـي: حدود اللّه ، فأخبر اللّه بحكمه فـي التوراة.

٩٤٦٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ فِـيها حُكْمُ اللّه : أي بـيان اللّه ما تشاجروا فـيه من شأن قتـيـلهم، ثمّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الاَية.

٩٤٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال يعنـي الربّ تعالـى ذكره يعيرهم: وكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةَ فِـيها حُكمُ اللّه يقول الرجم.

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّآ أَنزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ...}.

يقول تعالـى ذكره: إنا أنزلنا التوراة فـيها بـيان ما سألك هؤلاء الـيهود عنه من حكم الزانـيـين الـمـحصنـين، ونُورٌ

يقول: وفـيها جلاء ما أظلـم علـيهم وضياء ما التبس من الـحكم. يَحْكُمُ بها النّبِـيّونَ الّذِينَ أَسْلَـمُوا

يقول: يحكم بحكم التوراة فـي ذلك: أي فـيـما احتكموا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـيه من أمر الزانـيـين النبـيون الذين أسلـموا، وهم الذين أذعنوا الـحكم اللّه وأقرّوا به. وإنـما عنى اللّه تعالـى ذكره بذلك نبـينا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم فـي حكمه علـى الزانـيـين الـمـحصنـين من الـيهود بـالرجم، وفـي تسويته بـين دم قتلـى النضير وقُريظة فـي القصاص والدية، ومَنْ قبل مـحمد من الأنبـياء يحكم بـما فـيها من حكم اللّه . كما:

٩٤٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا يعنـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

٩٤٦٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول لـما أنزلت هذه الاَية: (نَـحْنُ نَـحْكُمُ علـى الـيَهُودِ وَعلـى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أهْلِ الأدْيانِ).

٩٤٦٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: حدثنا رجل من مزينة ونـحن عند سعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة قال: زنى رجل من الـيهود بـامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلـى هذا النبـيّ فإنه نبـيّ بعث بتـخفـيف، فإن أفتانا بفتـيا دون الرجم قبلناها واحتـججنا بها عند اللّه وقلنا: فتـيا نبـيّ من أنبـيائك قال: فأتوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو جالس فـي الـمسجد فـي أصحابه،

فقالوا: يا أبـا القاسم ما تقول فـي رجل وامرأة منهم زنـيا؟ فلـم يكلـمهم كلـمة، حتـى أتـى بـيت الـمِدْراس، فقام علـى البـاب،

فقال: (أَنْشُدُكُمْ بـاللّه الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى ما تَـجِدُونَ فِـي التّوْرَاةِ علـى مَنْ زَنى إذَا أُحْصِنَ؟)

قالوا: يُحَمّـمـم ويُجَبّهُ ويجلد والتـجبـيه: أن يحمل الزانـيان علـى حمار تقابل أقـفـيتهما، ويطاف بهما وسكت شاب، فلـما رآه سكت ألظّ به النّشْدة،

فقال: اللهمّ إذ نَشَدْتنا، فإنا نـجد فـي التوراة الرجم. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فَمَا أوّلُ ما ارْتُـخِصَ أمْرُ اللّه ؟) قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنـي رجل فـي أسرة من الناس، فأراد رجمه، فحال قومه دونه، و

قالوا: لا ترجم صاحبنا حتـى تـجيء بصاحبك فترجمه، فـاصطلـحوا علـى هذه العقوبة بـينهم. قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فإنّى أحْكُم بِـمَا فِـي التّوْرَاةِ). فأمِر بهما فرجما. قال الزهري: فبلغنا أن هذه الاَية نزلت فـيهم إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدّى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا فكان النبـيّ منهم.

٩٤٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومن قبله من الأنبـياء يحكمون بـما فـيها من الـحقّ.

٩٤٧١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن فـي قوله: يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا يعنـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. لِلّذِينَ هادُوا يعنـي الـيهود، فـاحكم بـينهم ولا تـخشهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالرّبـانِـيّونَ وَالأحْبـارُ بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّه وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ.

يقول تعالـى ذكره: ويحكم بـالتوراة وأحكامها التـي أنزل اللّه فـيها فـي كلّ زمان علـى ما أمر بـالـحكم به فـيها مع النبـيـين الذين أسلـموا، الربـانـيون والأحبـار. والربـانـيون: جمع ربـانـيّ، وهم العلـماء الـحكماء، البصراء بسياسة الناس وتدبـير أمورهم والقـيام بـمصالـحهم. والأحبـار: هم العلـماء. وقد بـينا معنى الربـانـيـين فـيـما مضى بشواهده، وأقوال أهل التأويـل فـيهوأما الأحبـار: فإنهم جمع حبر، وهو العالـم الـمـحكم للشيء، ومنه قـيـل لكعب: كعب الأحبـار. وكان الفرّاء

يقول: أكثر ما سمعت العرب تقول فـي واحد الأحبـار: حِبر بكسر الـحاء.

وكان بعض أهل التأويـل

يقول: عُنى بـالربـانـيـين والأحبـار فـي هذا الـموضع: ابنا صوريا اللذان أقرّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحكم اللّه تعالـى فـي التوراة علـى الزانـيـين الـمـحصنـين. ذكر من قال ذلك:

٩٤٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان رجلان من الـيهود أخوان يقال لهما ابنا صوريا، وقد اتبعا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ولـم يسلـما، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء فـي التوراة إلا أخبراه به. وكان أحدهما رِبّـيّا، والاَخر حبرا، وإنـما اتبعا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يتعلـمان منه. فدعاهما فسألهما، فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى الـمسكين، وكيف غيروه. فأنزل اللّه : إنّا أنْزَلْنا التّوْرَاةَ فِـيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النّبِـيّونَ الّذِينَ أسْلَـمُوا للّذِينَ هادُوا يعنـي: النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم والربـانـيون والأحبـار: هما ابنا صوريا. لِلّذِينَ هادُوا. ثم ذكر ابنى صوريا،

فقال: وَالرّبـانِـيّونَ وَالأحْبـارُ بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّه وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ.

والصواب من القول فـي ذلك عندي، أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلـمو الأنبـياء للـيهود والربـانـيون من خـلقه والأحبـار. وقد يجوز أن يكون عُنـي بذلك ابنا صوريا وغيرهما، غير أنه قد دخـل فـي ظاهر التنزيـل مسلـمو الأنبـياء وكلّ ربـانـي وحبر، ولا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى أنه معنىّ به خاصّ من الربـانـيـين والأحبـار، ولا قامت بذلك حجة يجب التسلـيـم لها، فكلّ ربـانـي وحبر داخـل فـي الاَية بظاهر التنزيـل.

وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل الأحبـار

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٤٧٣ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة، عن الضحاك : الربـانـيون والأحبـار: قرّاؤهم وفقهاؤهم.

٩٤٧٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الـحسن: الربـانـيون والأحبـار: الفقهاء والعلـماء.

٩٤٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الربـانـيون العلـماء الفقهاء، وهم فوق الأحبـار.

٩٤٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: الربـانـيون: فقهاء الـيهود، والأحبـار: علـماؤهم.

٩٤٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا سُنـيد بن داود، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: والرّبّـانِـيّونَ والأَحْبَـارُ كلهم يحكم بـما فـيها من الـحقّ.

٩٤٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الربـانـيون: الولاة، والأحبـار: العلـماء.

وأما قوله: بِـمَا اسْتُـحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّه فإن معناه: يحكم النبـيون الذين أسلـموا بحكم التوراة، والربـانـيون والإحبـار يعنـي العلـماء بـما استودعوا علـمه من كتاب اللّه الذي هو التوراة. والبـاء فـي قوله: بِـما اسْتُـحْفِظُوا من صلة الأحبـار.

وأما قوله: وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ فإنه يعنـي أن الربـانـيـين والأحبـار بـما استودعوا من كتاب اللّه يحكمون بـالتوراة مع النبـيـين الذين أسملوا للذين هادوا، وكانوا علـى حكم النبـيـين الذين أسلـموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا علـيهم بكتاب اللّه الذي أنزله علـى نبـيه موسى وقضائه علـيهم. كما:

٩٤٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وكانُوا عَلَـيْهِ شُهَدَاءَ يعنـي الربـانـيـين والأحبـار هم الشهداء لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم بـما قال أنه حقّ جاء من عند اللّه ، فهو نبـيّ اللّه مـحمد، أتته الـيهود فقضى بـينهم بـالـحقّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلا تَـخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً.

يقول تعالـى ذكره لعلـماء الـيهود وأحبـارهم: لا تـخشوا الناس فـي تنفـيذ حكمي الذي حكمت به علـى عبـادي وإمضائه علـيهم علـى ما أمرت، فإنهم لا يقدرون لكم علـى ضرّ ولا نفع إلا بإذنـي، ولا تكتـموا الرجم الذي جعلته حكما فـي التوراة علـى الزانـيـين الـمـحصنـين، ولكن اخشونـي دون كلّ أحد من خـلقـي، فإن النفع والضرّ بـيدي، وخافوا عقابـي فـي كتـمانكم ما استـحفظتـم من كتابـي. كما:

٩٤٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَلا تَـخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ

يقول: لا تـخشوا الناس فتكتـموا ما أنزلت.

وأما قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً

يقول: ولا تأخذوا بترك الـحكم بآيات كتابـي الذي أنزلته علـى موسى أيها الأحبـار عوضا خسيسا، وذلك هو الثمن القلـيـل. وإنـما أراد تعالـى ذكره نهيهم عن أكل السحت علـى تـحريفهم كتاب اللّه وتغيـيرهم حكمه عما حكم به فـي الزّانـيـين الـمـحصنـين، وغير ذلك من الأحكام التـي بدّلوها، طلبـا منهم للرشا كما:

٩٤٨١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً قال: لا تأكلوا السحت علـى كتابـي

وقال مرّة أخرى، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قال: لا تأخذوا به رشوة.

٩٤٨٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَلا تَشْتَرُوا بآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً: ولا تأخذوا طُعْما قلـيلاً علـى أن تكتـموا ما أنزلت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.

يقول تعالـى ذكره: ومن كتـم حكم اللّه الذي أنزله فـي كتابه، وجعله حكما بـين عبـاده فأخفـاه، وحكم بغيره، كحكم الـيهود فـي الزانـيـين الـمـحصنـين بـالتـجبـيه والتـحميـم، وكتـمانهم الرجم، وكقضائهم فـي بعض قتلاهم بدية كاملة وفـي بعض بنصف الدية، وفـي الأشراف بـالقصاص وفـي الأدنـياء بـالدية، وقد سوّى اللّه بـين جميعهم فـي الـحكم علـيهم فـي التوراة فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ

يقول: هؤلاء الذين لـم يحكموا بـما أنزل اللّه فـي كتابه، ولكن بدّلوا وغيروا حكمه وكتـموا الـحقّ الذي أنزله فـي كتابه. هُمُ الكَافِرُونَ

يقول: هم الذين ستروا الـحقّ الذي كان علـيهم كشفه وتبـيـينه وغَطّوه عن الناس وأظهروا لهم غيره وقضوا به لسحت أخذوه منهم علـيه.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الكفر فـي هذا الـموضع. فقال بعضهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك، من أنه عنى به الـيهود الذين حرّفوا كتاب اللّه وبدّلوا حكمه. ذكر من قال ذلك:

٩٤٨٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازب، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ، وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقونَ فـي الكافرين كلها.

٩٤٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن القاسم، قال: حدثنا أبو حيان، عن أبـي صالـح، قال: الثلاث الاَيات التـي فـي الـمائدة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ، فَأُولَئِكَ هُم الظّالِـمُونَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ لـيس فـي أهل الإسلام منها شيء، هي فـي الكفـار.

٩٤٨٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي حيان، عن الضحاك : وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالـمون والفـاسقون قال: نزلت هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.

٩٤٨٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت عمران بن حدير، قال: أتـى أبـا مـجلز ناسٌ من بنـي عمرو بن سدوس،

فقالوا: يا أبـا مـجلز، أرأيت قول اللّه : وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ أحقّ هو؟ قال: نعم.

قالوا: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ أحَقّ هو؟ قال: نعم.

قالوا: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ أحقّ هو؟ قال: نعم

قال:

فقالوا: يا أبـا مـجلز، فـيحكم هؤلاء بـما أنزل اللّه ؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإلـيه يُدْعَوْنَ، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبـا.

فقالوا: لا والله، ولكنك تَعْرَفّ

قال: أنتـم أولـى بهذا منـي لا أرى وإنكم ترون هذا ولا تـحرّجون، ولكنها أنزلت فـي الـيهود والنصارى وأهل الشرك. أو نـحوا من هذا.

٩٤٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، قال: قعد إلـى أبـي مِـجْلَز نفر من الإبـاضية، قال: فقالوا له: يقول اللّه : وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ. قال أبو مـجلز: إنهم يعملون ما يعملون يعنـي الأمراء ويعلـمون أنه ذنب

قال: وإنـما أنزلت هذه الاَية فـي الـيهود والنصارى.

قالوا: أما واللّه إنك لتعلـم مثل ما نعلـم، ولكنك تـخشاهم

قال: أنتـم أحقّ بذلك منا، أما نـحن فلا نعرف ما تعرفون ولكنكم تعرفونه، ولكن يـمنعكم أن تُـمضوا أمركم من خشيتهم.

٩٤٨٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن أبـي البَختري، عن حذيفة فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيـل، إن كانت لكم كلّ حلوة ولهم كلّ مرّة، ولتسلكنّ طريقهم قدر الشراك.

٩٤٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي حيان، عن الضحاك : وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظّالـمون والفَـاسِقُون قال: نزلت هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن أبـي البختري، قال: قـيـل لـحذيفة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ثم ذكر نـحو حديث ابن بشار، عن عبد الرحمن.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن أبـي البختري، قال: سأل رجل حذيفة، عن هؤلاء الاَيات: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: فقـيـل: ذلك فـي بنـي إسرائيـل؟ قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيـل، إن كانت لهم كلّ مرّة، ولكم كلّ حُلْوة، كلا واللّه لتسلكنّ طريقهم قدر الشراك.

٩٤٩٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن رجل، عن عكرمة قال: هؤلاء الاَيات فـي أهل الكتاب.

٩٤٩١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ ذكر لنا أن هؤلاء الاَيات أنزلت فـي قتـيـل الـيهود الذي كان منهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظالـمون والفـاسقون، لأهل الكتاب كلهم لـمَا تركوا من كتاب اللّه .

٩٤٩٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازب، قال: مُرّ علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـيهودي مـحمّـم مـجلود، فدعاهم فقال: (هَكَذَا تَـجِدُونَ حَدّ مَنْ زَنَى؟)

قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علـمائهم،

فقال: (أَنْشُدكَ اللّه الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى، هَكَذَا تَـجِدُونَ حَدّ الزّانِـي فـي كِتابِكُمْ؟) قال: لا، ولولا أنك أنشدتنـي بهذا لـم أخبرك، نـجد حدّه فـي كتابنا الرجم، ولكنه كثر فـي أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا علـيه الـحدّ، فقلنا تعالوا فلنـجتـمع جميعا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اللّه مّ أنّـي أوّلُ مَنْ أحْيا أمْرَكَ إذْ أماتُوهُ). فأمر به فرجم، فأنزل اللّه : يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ... إلـى قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ يعنـي الـيهود، فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ يعنـي الـيهود، فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ للكفـار كلها.

٩٤٩٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: من حكم بكتابه الذي كتب بـيده وترك كتاب اللّه وزعم أن كتابه هذا من عند اللّه ، فقد كفر.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن البراء بن عازب، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحو حديث القاسم، عن الـحسن. غير أن هنادا قال فـي حديثه: فقلنا: تعالوا فلنـجتـمع فـي شيء نقـيـمه علـى الشريف والضعيف فـاجتـمعنا علـى التـحميـم والـجلد مكان الرجم. وسائر الـحديث نـحو حديث القاسم.

٩٤٩٤ـ حدثنا الربـيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن أبـي الزناد، عن أبـيه، قال: كنا عند عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، فذكر رجل عنده: وَمَنْ لَـم يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ فقال عبـيد اللّه : أما واللّه إن كثـيرا من الناس يتأوّلون هؤلاء الاَيات علـى ما لـم ينزلن علـيه، وما أنزلن إلا فـي حيـين من يهود. ثم قال: هي قريظة والنضير وذلك أن إحدى الطائفتـين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة، حتـى ارتضوا واصطلـحوا علـى أن كل قتـيـل قتلته العزيزة من الذلـيـلة فديته خمسون وسقا، وكلّ قتـيـل قتلته الذلـيـلة من العزيزة فديته مئة وسق. فأعطوهم فَرَقا وضَيـمْا. فقدم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهم علـى ذلك، فذلت الطائفتان بـمقدم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، والنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـم يظهر علـيهما. فبـينـما هما علـى ذلك أصابت الذلـيـلة من العزيزة قتـيلاً، فقالت العزيزة: أعطونا مائة وسق فقالت الذلـيـلة: وهل كان هذا قطّ فـي حيـين دينهما واحد وبلدهما واحد دية بعضهم ضعف دية بعض؟ إنـما أعطيناكم هذا فرقا منكم وضَيْـما، فـاجعلوا بـيننا وبـينكم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم فتراضيا علـى أن يجعلوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـينهم. ثم إن العزيزة تذاكرت بـينها، فخشيت أن لا يعطيها النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها، فدسوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إخوانهم من الـمنافقـين، فقالوا لهم: اخبُروا لنا رأى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن أعطانا ما نريد حكمناه، وإن لـم يعطنا حذرناه ولـم نـحكمه فذهب الـمنافق إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأعلـم اللّه تعالـى ذكره النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله. قال عبـيد اللّه : فأنزل اللّه تعالـى ذكره فـيهم: يا أيّها الرّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسارِعُونَ فِـي الكُفْرِ هؤلاء الاَيات كلهن، حتـى بلغ: وَلْـيَحْكُمْ أهْلـخ الإنْـجِيـلِ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فِـيهِ... إلـى الفـاسِقُونَ قرأ عبـيد اللّه ذلك آية آية وفسرها علـى ما أنزل، حتـى فرغ من تفسير ذلك لهم فـي الاَيات، ثم قال: إنـما عنى بذلك يهود، وفـيهم أنزلت هذه الصفة.

وقال بعضهم: عنى بـالكافرين أهل الإسلام، وبـالظالـمين: الـيهود، وبـالفـاسقـين: النصارى. ذكر من قال ذلك:

٩٤٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن زكريا، عن عامر، قال: نزلت (الكافرون) فـي الـمسلـمين، و(الظالـمون) فـي الـيهود، و(الفـاسقون) فـي النصارى.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن ابن أبـي السفر، عن الشعبـيّ، قال: (الكافرون) فـي الـمسلـمين، و(الظالـمون) فـي الـيهود، و(الفـاسقون) فـي النصارى.

٩٤٩٦ـ حدثنا ابن وكيع وأبو السائب، وواصل بن عبد الأعلـى،

قالوا: حدثنا ابن فضيـل، عن ابن شبرمة، عن الشعبـيّ، قال: آية فـينا، وآيتان فـي أهل الكتاب: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ فـينا وفـيهم: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ و(الفـاسقون) فـي أهل الكتاب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن جابر، عن عامر، مثل حديث زكريا عنه.

٩٤٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن ابن أبـي السفر، عن الشعبـي: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـما أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: هذا فـي الـمسلـمين. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: النصارى.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا زكريا بن أبـي زائدة، عن الشعبـيّ، قال فـي هؤلاء الاَيات التـي فـي الـمائدة: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: فـينا أهل الإسلام. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ قال: فـي الـيهود. وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولُئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: فـي النصارى.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن زكريا بن أبـي زائدة، عن الشعبـي فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت الأولـى فـي الـمسلـمين، والثانـي فـي الـيهود، والثالثة فـي النصارى.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن زكريا، عن الشعبـيّ، بنـحوه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا يعلـى، عن زكريا، عن عامر، بنـحوه.

وقال آخرون: بل عُنى بذلك: كفردون كفر، وظلـم دون ظلـم، وفسق دون فسق. ذكر من قال ذلك:

٩٤٩٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلـم دون ظلـم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن أيوب، عن عطاء، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن أيوب بن أبـي تـميـمة، عن عطاء بن أبـي ربـاح بنـحوه.

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنـحوه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن سعيد الـمكيّ، عن طاوس: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: لـيس بكفر ينقل عن الـملة.

٩٤٩٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن معمر بن راشد، عن ابن طاوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُون قال: هي به كفر، ولـيس كفرا بـاللّه وملائكته وكتبه ورسله.

حدثنـي الـحسن، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: قال رجل لابن عبـاس فـي هذه الاَيات: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فمن فعل هذا فقد كفر؟

قال ابن عبـاس : إذا فعل ذلك فهو به كفر، ولـيس كمن كفر بـاللّه والـيوم الاَخر وبكذا وكذا.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: سئل ابن عبـاس عن قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال هي به كفر قال ابن طاووس به كفر، ولـيس كمن كفر بـاللّه والـيوم الاَخر وبكذا وكذا.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: سئل ابن عبـاس عن قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون قال كفر لا ينقل عن الكلـمة قال وقال قال عطاء: كفر دون كفر، وظلـم دون ظلـم، وفسق دون فسق.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَيات فـي أهل الكتاب، وهي مراد بها جميع الناس مسلـموهم وكفـارهم. ذكر من قال ذلك:

٩٥٠٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن منصور، عن إبراهيـم قال: نزلت هذه الاَيات فـي بنـي إسرائيـل، ورضي لهذه الأمة بها.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي بنـي إسرائيـل، ورضي لكم بها.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن مصور، عن إبراهيـم فـي هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي بنـي إسرائيـل، ثم رضي بها لهؤلاء.

٩٥٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن فـي قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: نزلت فـي الـيهود، وهي علـينا واجبة.

٩٥٠٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـم، عن سلـمة بن كهيـل، عن علقمة ومسروق: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة،

فقال: من السحت

قال: فقالا: أفـي الـحكم؟ قال: ذاك الكفر. ثم تلا هذه الاَية: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ.

حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه

يقول: ومن لـم يحكم بـما أنزلتُ فتركه عمدا وجار وهو يعلـم فهو من الكافرين.

وقال آخرون: معنى ذلك: ومن لـم يحكم بـما أنزل اللّه جاحدا به، فأما الظلـم والفسق فهو للـمقرّ به ذكر من قال ذلك:

٩٥٠٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ قال: من جحد ما أنزل اللّه فقد كفر، ومن أقرّ به ولـم يحكم فهو ظالـم فـاسق.

وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب، قول من قال: نزلت هذه الاَيات فـي كافر أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الاَيات ففـيهم نزلت وهم الـمعِنـيون بها، وهذه الاَيات سياق الـخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولـى.

فإن قال قائل: فإن اللّه تعالـى ذكره قد عمّ بـالـخبر بذلك عن جميع من لـم يحكم بـما أنزل اللّه ، فكيف جعلته خاصّا؟

قـيـل: إن اللّه تعالـى عمّ بـالـخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم اللّه الذي حكم به فـي كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الـحكم علـى سبـيـل ما تركوه كافرون. وكذلك القول فـي كلّ من لـم يحكم بـما أنزل اللّه جاحدا به، هو بـاللّه كافر، كما قال ابن عبـاس لأنه بجحوده حكمَ اللّه بعد علـمه أنه أنزله فـي كتابه نظير جحوده نبوّة نبـيه بعد علـمه أنه نبـيّ.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنّ النّفْسَ بِالنّفْسِ ... }.

يقول تعالـى ذكره: وكتبنا علـى هؤلاء الـيهود الذين يحكمونك يا مـحمد، وعندهم التوراة فـيها حكم اللّه . ويعنـي بقوله: كَتَبْنا: فرضنا علـيهم فـيها أن يحكموا فـي النفس إذا قتلت نفسا بغير حقّ بـالنفس، يعنـي: أن تقتل النفس القاتلة بـالنفس الـمقتولة. والعَيْنَ بـالعَيْن

يقول: وفرضنا علـيهم فـيها أن يفقئوا العين التـي فقأ صاحبها مثلها من نفس أخرى بـالعين الـمفقوءة، ويجدع الأنف بـالأنف، ويقطع الأذن بـالأذن، ويقلع السنّ بـالسنّ، ويقتصّ من الـجارح غيره ظلـما للـمـجروح. وهذا إخبـار من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم عن الـيهود، وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوّته وإدبـاره عنه بعد إقبـاله، وتعريف منه له جراءتهم قديـما وحديثا علـى ربهم وعلـى رسل ربهم وتقدمهم علـى كتاب اللّه بـالتـحريف والتبديـل

يقول تعالـى ذكره له: وكيف يرضى هؤلاء الـيهود يا مـحمد بحكمك إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التـي يقرّون بها أنها كتابـي ووحيـي إلـى رسولـي موسى صلى اللّه عليه وسلم فـيها حكمي بـالرجم علـى الزناة الـمـحصَنـين، وقضائي بـينهم أن من قتل نفسا ظلـما فهو بها قَوَد، ومن فقأ عينا بغير حقّ فعينه بها مفقوءة قصاصا، ومن جدع أنفـا فأنفه به مـجدوع، ومن قلع سنَا فسنه بها مقلوعة، ومن جرح غيره جرحا فهو مقتصّ منه مثل الـجرح الذي جرحه، ثم هم مع الـحكم الذي عنده فـي التوراة من أحكامي يتولون عنه ويتركون العمل به

يقول: فهم بترك حكمك وبسخط قضائك بـينهم أحرى وأولـى.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥٠٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: لـما رأت قُرَيظة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قد حكم بـالرجم وكانوا يخفونه فـي كتابهم، نهضت قريظة،

فقالوا: يا مـحمد اقض بـيننا وبـين إخواننا بنـي النضير وكان بـينهم دم قبل قدوم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وكانت النضير يتعزّزون علـى بنـي قريظة ودياتهم علـى أنصاف ديات النضير، وكانت الدية من وُسُوق التـمر أربعين ومئة وسق لبنـي النضير وسبعين وسقا لبنـي قريظة. فقال: (دَمُ القُرَضِيّ وَفَـاءٌ مِنْ دَمه النّضِيريّ). فغضب بنو النضير، و

قالوا: لا نطيعك فـي الرجم، ولكن نأخذ بحدودنا التـي كنا علـيها فنزلت: أفَحُكْمَ الـجاهِلِـيّةِ يَبْغونَ، ونزل: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... الاَية.

٩٥٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالَعيْنَ بـالعَيْنِ وَالأنْفَ بـالأنْفِ وَالأُذُنَ بـالأُذُنِ وَالسّنّ بـالسّنّ وَالـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال: فما بـالهم يخالفون، يقتلون النفسين بـالنفس، ويفقئون العينـين بـالعين؟.

٩٥٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا خلاد الكوفـيّ، قال: حدثنا الثوريّ، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: كان بـين حَيّـين من الأنصار قتال، فكان بـينهم قتلـي، وكان لأحد الـحَيّـين علـى الاَخر طَوْلٌ. فجاء النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فجعل يجعل الـحرّ بـالـحرّ، والعبد بـالعبد، والـمرأة بـالـمرأة فنزلت: الـحُرّ بـالـحُرّ وَالعَبْدُ بـالعَبْدِ. قال سفـيان: وبلغنـي عن ابن عبـاس أنه قال: نسختها: النّفْسَ بـالنّفس.

٩٥٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قا: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ فـيها فـي التوراة، وَالعينَ بـالعينِ حتـى: وَالـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال مـجاهد عن ابن عبـاس ، قال: كان علـي بنـي إسرائيـل القصاص فـي القتلـى، لـيس بـينهم دية فـي نفس ولا جرح

قال: وذلك قول اللّه تعالـى ذكره: وكَتَبْـا عَلَـيْهِمْ فِـيها فـي التوراة، فخفف اللّه عن أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فجعل علـيـم الدية فـي النفس والـجراح، وذلك تـخفـيف من ربكم ورحمة، فمن تصدّق به فهو كفـارة له.

٩٥٠٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ وَالعَيْنَ بـالعَيْنِ وَالأنْفَ بـالأنْف والأُذُن بـالأذُن وَالسّنّ بـالسّنّ والـجُرُوحَ قِصَاصٌ قال: إن بنـي إسرائيـل لـم يجعل لهم دية فـيـما كتب اللّه لـموسى فـي التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سنّ، أو عين، أو أنف، إنـما هو القصاصُ أو العفو.

٩٥٠٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أبـي فـي التوراة، أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ.

٩٥١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أي فـي التوراة، أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ.

٩٥١١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيهَا أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... حتـى بلغ: والـجُرُوحَ قَصَاصٌ بعضها ببعض.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: أنّ النّفْسي قوله: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيهَا أنّ النّفْسَ بـالنّفْسِ... حتـى بلغ: والـجُرُوحَ قَصَاصٌ بعضها ببعض.

حدثنـي الـمثنى، قا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: أنّ النّفْسما بـينهم إذا كان عمدا فـي النفس وما دون النفس.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى به: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ

فقال بعضهم: عُنـي بذلك الـمـجروحُ وولـىّ القتـيـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥١٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، عن الهثـيـم بن الأسود، عن عبد اللّه بن عمرو: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: يُهدم عنه يعنـي الـمـجروح مثل ذلك من ذنوبه.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، عن الهيثم بن الأسود، عن عبد اللّه بن عمرو بنـحوه.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب، عن الهيثم بن الأسود أبـي العريان، قال: رأيت معاوية قاعدا علـى السرير وإلـى جنبه رجل آخر كأنه مولـى، وهو عبد اللّه بن عمرو، فقال فـي هذه الاَية: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: يُهدم عنه من ذنوبه مثل ما تصدّق به.

٩٥١٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.

٩٥١٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن عمارة بن أبـي حفصة، عن أبـي عقبة، عن جابر بن زيد: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي حِرمي بن عمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي عمارة، عن رجل قال حرمي: نسيت اسمه عن جابر بن زيد بـمثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: للـمـجروح.

٩٥١٥ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن يونس بن أبـي إسحاق، عن أبـي السفر، قال: دفع رجل من قريش رجلاً من الأنصار، فـاندقت ثَنِـيّته، فرفعه الأنصاري إلـى معاوية. فلـما ألـحّ علـيه الرجل، قال معاوية: شأنَك وصاحَبك قال: وأبو الدرداء عند معاوية، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (ما مِنْ مُسْلِـمٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَـيَهَبُهُ إلاّ رَفَعَهُ اللّه بِهِ دَرَجَةً وَحَطّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً). فقال له الأنصاريّ: أنت سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: سمعتْه أذنانـي ووعاه قلبـي. فخّـلـى سبـيـل القرشيّ، فقال معاوية: مروا له بـمال.

حدثنا مـحمود بن خِداش، قال: حدثنا هشيـم بن بشير، قال: أخبرنا مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: قال ابن الصامت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (مَنْ جُرِحَ فِـي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَتَصَدّقَ بِها، كُفّرَ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِـمِثْلِ ما تَصَدّقَ بِهِ).

٩٥١٦ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحسن فـي قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـمـجروح.

٩٥١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن زكريا، قال: سمعت عامرا

يقول: كفـارة لـمن تصدّق به.

٩٥١٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ

يقول: لولـيّ القتـيـل الذي عفـا.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي شبـيب بن سعيد، عن شعبة بن الـحجاج، عن قـيس بن مسلـم، عن الهيثم أبـي العريان، قال: كنت بـالشام، وإذا برجل مع معاوية قاعد علـى السرير كأنه مولـى، قال: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال فمن تصدّق به هدم اللّه عنه مثله من ذنوبه. فإذا هو عبد اللّه بن عمرو.

وقال آخرون: عَنَى بذلك الـجارحَ، وقالوا معنى الاَية: فمن تصدّق بـما وجب له من قَوَدَ أو قصاص علـى من وجب ذلك له علـيه، فعفـا عنه، فعفوه ذلك عن الـجانـي كفـارة لذنب الـجانـي الـمـجرم، كما القصاص منه كفـارة له

قالوا: فأما أجر العافـي الـمتصدّق فعلـى اللّه . ذكر من قال ذلك:

٩٥١٩ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـجارح، وأجر الذي أصبب علـى اللّه .

٩٥٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت مـجاهدا يقول لأبـي إسحاق: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ يا أبـا إسحاق؟ قال أبو إسحاق: للـمتصدّق. فقال مـجاهد: للـمذنب الـجارح.

٩٥٢١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: قال مغيرة، قال مـجاهد: للـجارح.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مـجاهد، مثله.

٩٥٢٢ـ حدثنا هناد وسفـيان بن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم ومـجاهد: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قالا: الذي تصدّق علـيه، وأجر الذي أصبـيب علـى اللّه . قال هناد فـي حديثه، قالا: كفـارة للذي تصدّق به علـيه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد بن حميد، عن منصور، عن مـجاهد بنـحوه.

٩٥٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، عن زكريا، عن عامر، قال: كفـارة لـمن تصدق به علـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد وإبراهيـم، قالا: كفـارة للـجارج، وأجر الذي أصيب علـى اللّه .

٩٥٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، قال: سمعت زيد أسلـم

يقول: إن عفـا عنه أو اقتصّ منه، أو قبل منه الدية، فهو كفـارة له.

٩٥٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: كفـارة للـجارح وأجر للعافـي، لقوله: فَمَنْ عَفـا وأصْلَـحَ فَأجْرُهُ علـى اللّه .

٩٥٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: كفـارة للـمتصدّق علـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا حصين، عن ابن عبـاس : فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: هي كفـارة للـجارح.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهه فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ قال: فـالكفـارة للـجارح، وأجر الـمتصدّق علـى اللّه .

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، أنه كان

يقول: فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ

يقول: للقاتل، وأجر للعافـي.

٩٥٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عمران بن ظبـيان، عن عديّ بن ثابت، قال: هُتِـم رجل علـى عهد معاوية، فأُعطي دية فلـم يقبل، ثم أُعطي ديتـين فلـم يقبل، ثم أُعطي ثلاثا فلـم يقبل. فحدّث رجل من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قوله:

(فمن تَصَدّقَ بِدَمٍ فما دُونَهُ، كانَ كَفّـارَةً له مِنْ يَوْمِ تَصَدّقَ إلـى يَوْمِ وُلِدَ)

قال: فتصدّق الرجل.

٩٥٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: والـجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّـارَةٌ لَهُ

يقول: من جُرح فتصدّق بـالذي جرح به علـى الـجارح، فلـيس علـى الـجارح سبـيـل ولا قود ولا عقل ولا جرح علـيه من أجل أنه تصدّق علـيه الذي جرح، فكان كفـارة له من ظلـمه الذي ظلـم.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: عنـي به: فمن تصدّق به فهو كفـارة له الـمـجروح، فلأن تكون الهاء فـي قوله (له) عائدة علـى من أولـى من أن تكون من ذكر من لـم يجر له ذكر إلا بـالـمعنى دون التصريح وأحرى، إذ الصدقة هي الـمكفرة ذنب صاحبها دون الـمتصدّق علـيه فـي سائر الصدقات غير هذه، فـالواجب أن يكون سبـيـل هذه سبـيـل غيرها من الصدقات.

فإن ظنّ ظانّ أن القصاص إذ كان يكفر ذنب صاحبه الـمقتصّ منه الذي أتاه فـي قتل من قتله ظلـما، لقول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إذا أخذ البـيعة علـى أصحابه: (أنْ لا تَقْتُلُوا وَلا تَزْنُوا وَلا تَسْرِقوا) ثم قال: (فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئا فَأُقِـيـمَ عَلَـيْهِ حَدّهُ، فَهُوَ كَفّـارَتُه). فـالواجب أن يكون عفو العافـي الـمـجنـي علـيه أو ولـيّ الـمقتوقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه، ومعصيته التـي أتاها، وذلك ما لا نعلـم قائلاً من أهل العلـم يقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك الـمـجروح أخذ الـجارح بحقه من القصاص كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه.

فإن قال قائل: أو لـيس لـمـجروح عندكقوله. فإذ كان غير جائز أن يكون ترك الـمقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفهُ بـالواجب له من الـحدّ كفـارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك الـمـجروح أخذ الـجارح بحقه من القصاص كفـارة للـجارح من ذنبه الذي ركبه.

فإن قال قائل: أو لـيس لـمـجروح عندك أخذ جارحه بدية جرحه مكان القصاص؟

قـيـل له: بلـى.

فإن قال: أفرأيت لو اختار الدية ثم عفـا عنها، أكانت له قِبَله فـي الاَخرة تبعة؟

قـيـل له: هذا كلام عندنا مـحال، وذلك أنه لا يكون عندنا مختار الدية إلا وهو لها آخذ. فأما العفو فإنـما هو عفو عن الدم. وقد دللنا علـى صحة ذلك فـي موضع غير هذا بـما أغنى عن تكريره فـي هذا الـموضع. إلا أن يكون مرادا بذلك هبتها لـمن أخذت منه بعد الأخذ، مع أن عفوه عن الدية بعد اختـياره إياها لو صحّ لـم يكن فـي صحة ذلك ما يوجب أن يكون الـمعفوّ له عنها بريئا من عقوبة ذنبه عند اللّه لأن اللّه تعالـى ذكره أو عد قاتل الـمؤمن بـما أوعده به، إن لـم يتب من ذنبه، والدية مأخوذة منه، أحبّ أم سَخِط، والتوبة من التائب إنـما تكون توبة إذا اختارها وأرادها وآثرها علـى الإصرار. فإن ظنّ ظانّ أن ذلك وإن كان كذلك، فقد يجب أن يكون له كفـارة كما جاز القصاص كفّـارة فإنا إنـما جعلنا القصاص له كفّـارة مع ندمه وبذله نفسه لأخذ الـحقّ منها تنصلاً من ذنبه، بخبر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. فأما الدية إذا اختارها الـمـجروح ثم عفـا عنها فلـم يُقْض علـيه بحدّ ذنبه، فـيكون مـمن دخـل فـي حكم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

وقوله: (فمن أُقـيـم علـيه الـحَدّ فهو كَفّـارَتُهُ). ثم مـما يؤكد صحة ما قلنا فـي ذلك، الأخبـار التـي ذكرناها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قوله: (فمن تَصَدّق بدَمٍ)، وما أشبه ذلك من الأخبـار التـي قد ذكرناها قبل. وقد يجوز أن يكون القائلون أنه عنى بذلك الـجارح، أرادوا الـمعنى الذي ذكر عن عروة بن الزبـير، الذي:

٩٥٢٩ـ حدثنـي به الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا ابن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قال: إذا أصاب رجل رجلاً ولا يعلـم الـمصاب من أصابه فـاعترف له الـمصيب، قال: وكان مـجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة ابن الزبـير عين إنسان عند الركن فـيـما يستلـمون، فقال له: يا هذا أنا عروة بن الزبـير، فإن كان بعينك بأس فأنا بها.

وإذا كان الأمر من الـجارح علـى نـحو ما كان من عروة من خطأ فعل علـى غير عمد ثم اعترف للذي أصابه بـما أصابه فعفـا له الـمصاب بذلك عن حقه قبله، فلا تبعة له حينئذٍ قبل الـمصيب فـي الدنـيا ولا فـي الاَخرة لأن الذي كان وجب له قبله مال لا قصاص وقد أبرأه منه، فإبراؤه منه كفّـارة له من حقه الذي كان له أخذه به، فلا طلبة له بسبب ذلك قبله فـي الدنـيا ولا فـي الاَخرة، ولا عقوبة تلزمه بها بـما كان منه من أصابه، لأنه لـم يتعمد إصابته بـما أصابه به فـيكون بفعله إنـما يستـحقّ به العقوبة من ربه لأن اللّه عزّ وجلّ قد وضع الـجُناح عن عبـاده فـيـما أخطئوا فـيه ولـم يتعمدوه من أفعالهم، فقال فـي كتابه: لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ فِـيـما أخْطَأْتُـمْ بِهِ وَلَكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلُوبُكُمْ. وقد يراد فـي هذا الـموضع بـالدم: العفو عنه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ لـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ.

يقول تعالـى ذكره: ومن لـم يحكم بـما أنزل اللّه فـي التوارة من قود النفس القائلة قصاصا بـالنفس الـمقتولة ظلـما. ولـم يفقأ عين الفـاقـيء بعين الـمفقوءة ظلـما قصاصا مـمن أمه اللّه به بذلك فـي كتابه، ولكن أقاد من بعض ولـم يُقِد من بعض، أو قتل فـي بعضِ اثنـين بواحد، وإن من يفعل ذلك من الظالـمين، يعنـي مـمن جاء علـى حكم اللّه ووضع فعله ما فعل من ذلك فـي غير موضعه الذي جعله اللّه له موضعا.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَفّيْنَا عَلَىَ آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ...}.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وقَـفّـيْنا علـى آثارِهِمْ أتبعنا،

يقول: أتبعنا عيسى ابن مريـم علـى آثار النبـيـين الذين أسلـموا من قبلك يا مـحمد، فبعثناه نبـيا مصدّقا لكتابنا الذي أنزلناه إلـى موسى من قبله أنه حقّ وأن العمل بـما لـم ينسخه الإنـجيـل منه فرض واجب. وآتَـيْناهُ الإنـجيـلَ

يقول: وأنزلنا إلـيه كتابنا الذي اسمه الإنـجيـل. فِـيهِ هُدًى وَنُورٌ

يقول: فـي الإنـجيـل هدى، وهو بـيان ما جهله الناس من حكم اللّه فـي زمانه، وَنُورٌ

يقول: وضياء من عمي الـجهالة، وَمُصَدّقا لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ

يقول: أوحينا إلـيه ذلك، وأنزلناه إلـيه بتصديق ما كان قبله من كتب اللّه التـي كان أنزلها علـى كل أمة أنزل إلـى نبـيها كتاب للعمل بـما أنزل إلـى نبـيهم فـي ذلك الكتاب من تـحلـيـل ما حلل وتـحريـم ما حرّم. وَهُدًى وَمَوْعِظَةً

يقول: أنزلنا الإنـجيـل إلـى عيسى مصّدقا للكتب التـي قبله، وبـيانا لـحكم اللّه الذي ارتضاه لعبـاده الـمتقـين فـي زمان عيسى وموعظة لهم،

يقول: وزجرا لهم عما يكرهه اللّه إلـى ما يحبه من الأعمال، وتنبـيها لهم علـيه. والـمتقون: هم الذين خافوا اللّه وحذروا عقابه، فـاتقوه بطاعته فـيـما أمرهم وحَذِروه بترك ما نهاهم عن فعله، وقد مضى البـيان عن ذلك بشواهده قبل فأغنـي ذلك عن إعادته.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللّه فِيهِ وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللّه فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَلْـيَحْكُمْ أهْلُ الإنْـجِيـلِ فقرأ قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض الكوفـيـين: ولْـيَحْكُمْ بتسكين اللام علـى وجه الأمر من اللّه لأهل الإنـجيـل أن يحكموا بـما أنزل اللّه فـيه من أحكامه. وكأنّ من قرأ ذلك كذلك أراد: وآتـيناه الإنـجيـل فـيه هدى ونور، ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكموا بـما أنزل اللّه فـيه. فـيكون فـي الكلام مـحذوف ترك استغناء بـما ذكر عما حذف.

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: (وَلِـيَحْكُمَ أهْلُ الإنْـجيـلِ) بكسر اللام من (لـيحكم)، بـمعنى: كي يحكم أهل الإنـجيـل. وكأن معنى من قرأ ذلك كذلك: وآتـيناه الإنـجيـل فـيه هدى ونور، ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة، وكي يحكم أهله بـما فـيه من حكم اللّه . والذي يتراءى فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، فبأيّ ذلك قرأ قارىء فمصيب فـيه الصواب وذلك أن اللّه تعالـى لـم ينزل كتابـا علـى نبـيّ من أنبـيائه إلا لـيعمل بـما فـيه أهله الذين أمروا بـالعمل بـما فـيه، ولـم ينزله علـيهم إلا وقد أمرهم بـالعمل بـما فـيه، فللعمل بـما فـيه أنزله، وأمر بـالعمل بـما فـيه أهله. فكذلك الإنـجيـل، إذ كان من كتب اللّه التـي أنزلها علـى أنبـيائه، فللعمل بـما فـيه أنزله علـى عيسى، وأمر بـالعمل به أهله. فسواء قرىء علـى وجه الأمر بتسكين اللام أو قرىء علـى وجه الـخبر بكسرها لاتفـاق معنـيـيهماوأما ما ذكر عن أبـيّ بن كعب من قراءته ذلك: (وإنِ أحْكُمْ) علـى وجه الأمر، فذلك مـما لـم يصحّ به النقل عنه، ولو صحّ أيضا لـم يكن فـي ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه مـحظورة، إذ كان معناها صحيحا، وكان الـمتقدمون من أئمة القرّاء قد قراءوا بها. وإذا كان الأمر فـي ذلك ما بـينا، فتأويـل الكلام إذا قرىء بكسر اللام من (لِـيحكم): وآتـينا عيسى ابن مريـم الإنـجيـل، فـيه هدى ونور، ومصدّقا لـما بـين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكموا بـما أنزلنا فـيه، فلـم يطيعونا فـي أمرنا إياهم بـما أمرناهم به فـيه، ولكنهم خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فـيه هم الفـاسقون. وكان ابن زيد

يقول: الفـاسقون فـي هذا الـموضع وفـي غيره: هم الكاذبون.

٩٥٣٠ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلـيَحْكُمْ أهْلُ الإنْـجِيـلِ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فِـيهِ وَمَنْ لَـمْ يَحْكُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُون قال: ومن لـم يحكم من أهل الإنـجيـل أيضا بذلك، فأولئك هم الفـاسقون قال: الكاذبون بهذا

قال: وقال ابن زيد: كلّ شيء فـي القرآن إلا قلـيلاً (فـاسق) فهو كاذب وقرأ قول اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكُمْ فـاسِقٌ بِنَبَأٍ قال: الفـاسق ههنا: كاذب.

وقد بـينا معنى الفسق بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ ...}.

وهذا خطاب من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم،

يقول تعالـى ذكره: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ يا مـحمد الكِتابَ، وهو القرآن الذي أنزله علـيه. ويعنـي بقوله: بـالـحَقّ: بـالصدق، ولا كذب فـيه، ولا شكّ أنه من عند اللّه . مُصَدّقا لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ

يقول: أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب اللّه التـي أنزلها إلـى أنبـيائه. وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ

يقول: أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إلـيك يا مـحمد مصدقا للكتب قبله، وشهيدا علـيها أنها حقّ من عند اللّه ، أمينا علـيها، حافظا لها. وأصل الهيـمنة: الـحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد هيـمن فلان علـيه، فهو يهيـمن هيـمنة، وهو علـيه مهيـمن.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. إلا أنهم اختلفت عبـاراتهم عنه،

فقال بعضهم: معناه: شهيدا. ذكر من قال ذلك:

٩٥٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ

يقول: شهيدا.

٩٥٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: شهيدا علـيه.

٩٥٣٣ـ حدثنـي بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مُصَدّقا لِـما بـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ

يقول: الكتب التـي خـلت قبله، وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ: أمينا وشاهدا علـى الكتب التـي خـلت قبله.

٩٥٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ: مؤتـمنا علـى القرآن وشاهدا ومصدّقا

وقال ابن جريج وآخرون: القرآن أمين علـى الكتب فـيـماإذا أخبرنا أهل الكتاب فـي كتابهم بأمر إن كان فـي القرآن فصدَقوا، وإلا فكذَبوا.

وقال بعضهم: معناه: أمين علـيه. ذكر من قال ذلك:

٩٥٣٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع جميعا، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس : وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مؤتـمنا علـيه.

حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـيّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبـي إسحاق، عن التـميـميّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مؤتَـمنا علـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سفـيان وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق بإسناده، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو،عن مطرّف، عن أبـي إسحاق، عن رجل من تـميـم، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: والـمهيـمن: الأمين، قال: القرآن أمين علـى كلّ كتاب قبله.

٩٥٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد،قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بَـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وهو القرآن، شاهد علـى التوراة والإنـجيـل، مصدقا لهما. مُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ يعنـي: أمينا علـيه، يحكم علـى ما كان قبله من الكتب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحن، عن قـيس، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس : وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مؤتـمنا علـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن أبـي إسحاق، عن رجل من بنـي تـميـم، عن ابن عبـاس : وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مؤتـمنا علـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا يحيى الـحمانـيّ، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس ، مثله.

٩٥٣٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان وإسرائيـل، عن علـيّ بن بذيـمة، عن سعيد بن جبـير: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مؤتـمنا علـى ما قبله من الكتب.

٩٥٣٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سألت الـحسين، عن قوله: وأنْزَلْنا لَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مَصَدّقا لـمَا بـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مصدّقا لهذه الكتب وأمينا علـيها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع،

فقال: مؤتـمنا علـيه.

وقال آخرون: معنى الـمهيـمن الـمصدّق. ذكر من قال ذلك:

٩٥٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مصدّقا علـيه. كلّ شيء أنزله اللّه من توراة أو إنـجيـل أو زبور فـالقرآن مصدّق علـى ذلك، وكلّ شيء ذكر اللّه فـي القرآن فهو مصدّق علـيها وعلـى ما حدّث عنها أنه حقّ.

وقال آخرون: عنى بقوله: مُصَدّقا لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩٥٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، مؤتـمن علـى القرآن.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمُهَيْـمِنا عَلَـيْهِ قال: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، مؤتـمن علـى القرآن.

فتأويـل الكلام علـى ما تأوله مـجاهد: وأنزلنا الكتاب مصدّقا الكتب قبله إلـيك، مهيـمنا علـيه. فـيكون قوله (مصدّقا) حالاً من الكتاب وبعضا منه، ويكون التصديق من صفة الكتاب، والـمهيـمن حالاً من الكاف التـي فـي (إلـيك)، وهي كناية عن ذكر اسم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، والهاء فـي قوله: عَلَـيْهِ عائدة علـى الكتاب. وهذا التأويـل بعيد من الـمفهوم فـي كلام العرب، بل هو خطأ، وذلك أن الـمهيـمن عطف علـى الـمصدّق، فلا يكون إلا من صفة ما كان الـمصدّق صفة له، ولو كان معنى الكلام ما رُوي عن مـجاهد لقـيـل: وأنزلنا إلـيك مصدّقا لـما بـين يديه من الكتاب مهيـمنا علـيه لأنه متقدّم من صفة الكاف التـي فـي (إلـيك)، ولـيس بعدها شيء يكون مهيـمنا علـيه عطفـا علـيه، وإنـما عطف به علـى الـمصدّق، لأنه من صفة (الكتاب) الذي من صفته (الـمصدّق).

فإن ظنّ ظانّ أن الـمصدّق علـى قول مـجاهد وتأويـله هذا من صفة الكاف التـي فـي (إلـيك)، فإن قوله: لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ يبطل أن يكون تأويـل ذلك كذلك، وأن يكون الـمصدّق من صفة الكاف التـي فـي (إلـيك)، لأن الهاء فـي قوله: بـينَ يَدَيْهِ كناية اسم غير الـمخاطب، وهو النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي قوله (إلـيك)، ولو كان الـمصدّق من صفة الكاف لكان الكلام: وأنزلنا إلـيك الكاب مصدقا لـما بـين يديك من لكتاب ومهيـمنا علـيه، فـيكون معنى الكلام حينئذٍ كذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الـحَقّ.

وهذا أمر من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أن يحكم بـين الـمـحتكمين إلـيه من أهل الكتاب وسائر أهل الـملل، بكتابه الذي أنزله إلـيه، وهو القرآن الذي خصه بشريعته.

يقول تعالـى ذكره: احكم يا مـحمد بـين أهل الكتاب والـمشركين بـما أنزل إلـيك من كتابـي وأحكامي، فـي كلّ ما احتـمكوا فـيه إلـيك من الـحدود والـجروح والقود والنفوس، فـارجم الزانـي الـمـحصن، واقتل النفس القاتلة بـالنفس الـمقتولة ظلـما، وافقأ العين بـالعين، واجدع الأنف بـالأنف، فإن أنزلت إلـيك القرآن مصدّقا فـي ذلك ما بـين يديه من الكتب، ومهيـمنا علـيه، رقـيبـا يقضي علـى ما قبله من سائر الكتب قبله. ولا تتبع أهواء هؤلاء الـيهود الذين يقولون: إن أوتـيتـم الـجلد فـي الزانـي الـمـحصن دون الرجم، وقتل الوضيع بـالشريف إذا قتله، وترك قتل الشريف بـالوضيع إذا قتله، فخذوه، وإن لـم تُؤتوه فـاحذروا عن الذي جاءك من عند اللّه من الـحقّ، وهو كتاب اللّه الذي أنزله إلـيك. يقول له: اعمل بكتابـي الذي أنزلته إلـيك إذا احتكموا إلـيك، فـاختر الـحكم علـيهم، ولا تتركن العمل بذلك اتبـاعا منك أهواءهم وإيثارا لها علـى الـحقّ الذي أنزلته إلـيك فـي كتابـي. كما:

٩٥٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس : فـاحْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه

يقول: بحدود اللّه ، وَلا تَتَبِعْ أهْوَاءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الـحَقّ.

٩٥٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن عامر، عن مسروق: أنه كان يحلّف الـيهودي والنصرانـي بـاللّه ثم قرأ: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وأنزل اللّه : أنْ لا يُشْرِكُوا بِه شَيْئا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لِكُلّ جَعَلنْا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا.

يقول تعالـى ذكره: لكلّ قوم منكم جعلنا شرعة. والشرعة: هي الشريعة بعينها، تـجمع الشرعة شراعا، والشريعة شرائع، ولو جمعت الشرعة شرائع كان صوابـا، لأن معناها ومعنى الشريعة واحد، فـيردّها عند الـجمع إلـى لفظ نظيرها. وكلّ ما شرعت فـيه من شيء فهو شريعة، ومن ذلك قـيـل لشريعة الـماء: شريعة، لأنه يشرع منها إلـى الـماء، ومنه سميت شرائع الإسلام شرائع، لشروع أهله فـيه، ومنه قـيـل للقوم إذا تساووا فـي الشيء: هم شَرَعٌ سواءوأما الـمنهاج، فإن أصله: الطريق البـين الواضح، يقال منه: هو طريق نَهْجٌ ومَنْهجٌ بـيّن، كما قال الراجز:

مَنْ يَكُ فِـي شَكَ فَهَذَا فَلْـجٌماءٌ رَوَاءٌ وَطَرِيقٌ نَهْجٌ

ثم يستعمل فـي كلّ شيء كان بـينا واضحا يعمل به.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمنىّ بقوله: لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ

فقال بعضهم: عنـي بذلك أهل الـملل الـمختلفة، أي أن اللّه جعل لكلّ ملة شريعة ومنهاجا. ذكر من قال ذلك:

٩٥٤٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا يقول سبـيلاً وسنة. والسنن مختلفة: للتوراة شريعة، وللإنـجيـل شريعة، وللقرآن شريعة، يحلّ اللّه فـيها ما يشاء ويحرّم ما يشاء بلاءً، لـيعلـم من يطيعه مـمن يعصيه، ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل.

٩٥٤٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: لكلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: الدين واحد، والشريعة مختلفة.

٩٥٤٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبـي روق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ، قال: الإيـمان منذ بعث اللّه تعالـى ذكره آدم صلى اللّه عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا اللّه ، والإقرار بـما جاء من عند اللّه ، لكلّ قوم ما جاءهم من شرعة أو منهاج، فلا يكون الـمقرّ تاركا ولكنه مطيع.

وقال آخرون: بل عنـي بذلك أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. و

قالوا: إنـما معنى الكلام: قد جعلنا الكتاب الذي أنزلناه إلـى نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أيها الناس لكلكم: أي لكلّ من دخـل فـي الإسلام وأقرّ بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم أنه لـي نبـيّ، شِرعة ومنهاجا. ذكر من قال ذلك:

٩٥٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: لِكُلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سنة ومنهاجا السبـيـل لكلكم، من دخـل فـي دين مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فقد جعل اللّه له شرعة ومنهاجا،

يقول: القرآن هو له شرعة ومنهاج.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: معناه: لكلّ أهل ملة منكم أيها الأمـم جعلنا شرعة ومنهاجا.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب لقوله: وَلَوْ شاءَ اللّه لَـجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً ولو كان عنـي بقوله: لِكُلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ أمة مـحمد وهم أمة واحدة، لـم يكن لقوله: وَلَوْ شاءَ اللّه لَـجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة معنى مفهوم، ولكن معنى ذلك علـى ما جرى به الـخطاب من اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر ما كتب علـى بنـي إسرائيـل فـي التوراة، وتقدّم إلـيهم بـالعمل بـما فـيها. ثم ذكر أنه قـفـى بعيسى ابن مريـم علـى آثار الأنبـياء قبله، وأنزل علـيه الإنـجيـل، وأمر من بعثه إلـيه بـالعمل بـما فـيه. ثم ذكر نبـينا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، وأخبرها أنه أنزل إلـيه الكتاب مصدّقا لـما بـين يديه من الكتاب، وأمره بـالعمل بـما فـيه والـحكم بـما أنزل إلـيه فـيه دون ما فـي سائر الكتب غيره وأعلـمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شرائع الأنبـياء والأمـم قبله الذين قصّ علـيهم قصصهم، وإن كان دينه ودينهم فـي توحيد اللّه والإقرار بـما جاءهم به من عنده والانتهاء إلـى أمره ونهيه واحدا، فهم مختلفو الأحوال فـيـما شرع لكلّ واحد منهم، ولأمته فـيـما أحلّ لهم وحرم علـيهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي الشرعة والـمنهاج من التأويـل

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥٤٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا مسعر، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمّي، عن ابن عبـاس : لِكُلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سنة وسبـيلاً.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس : لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سنة وسبـيلاً.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان وإسرائيـل وأبـيه، عن أبـي إسحاق، عن التـميـميّ، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو يحيى الرازي، عن أبـي شيبـان، عن أبـي إسحاق، عن يحيى بن وثاب، قال: سألت ابن عبـاس عن قوله: لِكُلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سنة وسبـيلاً.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن التـميـميّ، عن ابن عبـاس : شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سنة وسبـيلاً.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن مطرف، عن أبـي إسحاق، عن رجل من بنـي تـميـم، عن ابن عبـاس ، بـمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لِكلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا يعنـي: سبـيلاً وسنة.

٩٥٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، قال: سمعت الـحسن

يقول: الشرعة: السنة.

٩٥٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن إسرائيـل، عن أي يحيى القتات، عن مـجاهد، قال: سنة وسبـيلاً.

حدثنـي مـحمد عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه تعالـى ذكله: شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: الشرعة: السنة، ومنهاجا، قال: السبـيـل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بنـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: لِكُلَ جَعَلنْا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا

يقول: سبـيلاً وسنة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحوضي، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت رجلاً من بنـي تـميـم، عن ابن عبـاس بنـحوه.

٩٥٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّي: شِرْعَةً وَمِنْهاجا

يقول: سبـيلاً وسنة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: السنة والسبـيـل.

٩٥٥١ـ حدثنا بشرب بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قوله: لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا

يقول: سبـيلاً وسنة.

٩٥٥٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنـي عبـيد بن سلـمان قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله شِرْعَةً وَمِنْهاجا قال: سبـيلاً وسنة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَوْ شاءَ اللّه لَـجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِـيَبْلُوَكُمْ فِـيـما آتاكُمْ.

يقول تعالـى ذكره: ولو شاء ربكم لـجعل شرائعك واحدة، ولـم يجعل لكلّ أمة شريعة ومنهاجا غير شرائع الأمـم الأخر ومنهاجهم، فكنتـم تكونون أمة واحدة، لا تـختلف شرائعكم ومنهاجكم. ولكنه تعالـى ذكره يعلـم ذلك، فخالف بـين شرائعك لـيختبركم فـيعرف الـمطيع منكم من العاصي والعامل بـما أمره فـي الكتاب الذي أنزله إلـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم من الـمخالف. والابتلاء: هو الاختبـار، وقد ثبت ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل. وقوله فِـيـما آتاكُمْ يعنـي: فـيـما أنزل علـيكم من الكتب. كما:

٩٥٥٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَلَكِنْ لِـيَبْلُوكُمْ فِـيـما آتاكُمْ قال عبد اللّه بن كثـير: لا أعلـمه إلا قال: لـيبلوكم فـيـما آتاكم من الكتب.

فإن قال قائل: وكيف قال: لـيبلوكم فـيـما آتاكم، ومن الـمخاطب بذلك، وقد ذكرت أن الـمعنى: لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا لكلّ نبـيّ مع الأنبـياء الذين مضوا قبله وأمـمهم الذين قبل نبـينا صلى اللّه عليه وسلم، والـمخاطب النبـيّ وحده؟

قـيـل: إن الـخطاب وإن كان لنبـينا صلى اللّه عليه وسلم، فإنه قد أريد به الـخبر عن الأنبـياء قبله وأمـمهم، ولكن العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانا وضمت إلـيه غائبـا فأرادت الـخبر عنه أن تغلّب الـمخاطب فـيخرج الـخبر عنهما علـى وجه الـخطاب، فلذلك قال تعالـى ذكره: لِكُلَ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ إلـى اللّه مَرْجِعُكُمْ جَميعا فَـيُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ فِـيهِ تَـخْتَلِفُونَ.

يقول تعالـى ذكره: فبـادروا أيها الناس إلـى الصلـحات من الأعمال والقرب إلـى ربكم بإدمان العمل بـما فـي كتابكم الذي أنزله إلـى نبـيكم، فإنه إنـما أنزله امتـحانا لكم وابتلاء، لـيتبـين الـمـحسن منكم من الـمسيء، فـيجازي جميعكم علـى عمله جزاءه عند مصيركم إلـيه، فإن مصيركم إلـيه جميعا، فـيخبر كلّ فريق منكم بـما كان يخالف فـيه الفرق الأخرى، فـيفصل بـينهم بفصل القضاء، ويبـين الـمـحقّ بـمـجازاته إياه بجناته من الـمسيء بعقابه إياه بـالنار، فـيتبـين حينئذٍ كلّ حزب عيانا، الـمـحقّ منهم من الـمبطل.

فإن قال قائل: أو لـم ينبئنا ربنا فـي الدنـيا قبل مرجعنا إلـيه ما نـحن فـيه مختلفون؟

قـيـل: إنه بـين ذلك فـي الدنـيا بـالرسل والأدلة والـحجج، دون الثواب والعقاب عيانا، فمصدّق بذلك ومكذّبوأما عند الـمرجع إلـيه، فإنه ينبئهم بذلك بـالـمـجازاة التـي لا يشكون معها فـي معرفة الـمـحقّ والـمبطل، ولا يقدرون علـى إدخال اللبس معها علـى أنفسهم، فكذلك خبره تعالـى ذكره أنه يبنئنا عند الـمرجع إلـيه بـما كنا فـيه نـختلف فـي الدنـيا. وإنـما معنى ذلك: إلـى اللّه مرجعكم جميعا، فتعرفون الـمـحقّ حينئذٍ من الـمبطل منكم. كما:

٩٥٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن أبـي سنان، قال: سمعت الضحاك

يقول: فـاسْتَبِقُوا الـخَيْرَاتِ إلـى اللّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعا قال: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم البرّ والفـاجر.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللّه ... }.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وأن احكم بـينهم بـما أنزل اللّه وأنزلنا إلـيك يا مـحمد الكتاب، مصدّقا لـما بـين يديه من الكتاب، وأن احكم بـينهم ف(أنْ) فـي موضع نصب بـالتنزيـل. ويعنـي بقوله: بِـمَا أنْزَلَ اللّه : بحكم اللّه الذي أنزله إلـيك فـي كتابه.

وأما قوله: وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُمْ فإنه نهي من اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يتبع أهواء الـيهود الذين احتكموا إلـيه فـي قتـيـلهم وفـاجِرَيْهم، وأمْرٌ منه له بلزوم العمل بكتابه الذي أنزله إلـيهوقوله: وَاحْذَرْهُمْ أنْ يفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللّه إلَـيْكَ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: واحذر يا مـحمد هؤلاء الـيهود الذين جاءوك مـحتكمين إلـيك أن يفتنوك، فـيصدّوك عن بعض ما أنزل اللّه إلـيك من حكم كتابه، فـيحملوك علـى ترك العمل به واتبـاع أهوائهموقوله: فإنْ تَوَلّوْا فـاعْلَـمْ أنّـمَا يُرِيدُ اللّه أنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهمْ يقول تعالـى ذكر: فإن تولـى هؤلاء الـيهود الذين اختصموا إلـيك عنك، فتركوا العمل بـما حكمت به علـيهم، وقضيت فـيهم، فـاعلـم أنـما يريد اللّه أن يصيبهم ببعض ذنوبهم،

يقول: فـاعلـم أنهم لـم يتولوا عن الرضا بحكمك وقد قضيت بـالـحقّ إلا من أجل أن اللّه يريد أن يتعجل عقوبتهم فـي عاجل الدنـيا ببعض ما قد سلف من ذنوبهم. وَإنّ كَثـيرا مِنَ النّاسِ لفَـاسِقُونَ

يقول: وإن كثـيرا من الـيهود لفـاسقون،

يقول: لتاركوا العمل بكتاب اللّه ، ولـخارجون عن طاعته إلـى معصيته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الرواية عن أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥٥٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال كعب بن أسد وابن صوريا وشأس بن قـيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلـى مـحمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه

فقالوا: يا مـحمد إنك قد عرفت أنا أحبـار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتبعناك اتبعَنا يهود ولـم يخالفونا، وإنّ بـيننا وبـين قومنا خصومة، فنـحاكمهم إلـيك، فتقضيَ لنا علـيهم ونؤمِن لك ونصدّقك فأبـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه فـيهم: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللّه إلَـيْكَ... إلـى قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

٩٥٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَاحْذَرْهُم أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللّه إلَـيْكَ قال: أن يقولوا فـي التوراة كذا، وقد بـينا لك ما فـي التوراة. وقرأ: وكَتَبْنا عَلَـيْهِمْ فِـيها أنّ النّفْسَ بـالنّفسِ وَالعَيْنَ بـالعَيْنِ والأنْفَ بـالأنْفِ والأُذُنَ بـالأُذُنِ وَالسّنّ بـالسّنّ والـجُرُوحَ قِصَاصٌ بعضها ببعض.

٩٥٥٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: دخـل الـمـجوس مع أهل الكتاب فـي هذه الاَية: وأنِ احْكُمْ بَـيْنَهُمْ بِـمَا أنْزَلَ اللّه .

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّه حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: أيبغي هؤلاء الـيهود الذين احتكموا إلـيك فلـم يرضوا بحكمك، وقد حكمت فـيهم بـالقسط حكم الـجاهلـية، يعنـي أحكام عبدة الأوثان من أهل الشرك، وعندهم كتاب اللّه فـيه بـيان حقـيقة الـحكم الذي حكمت به فـيهم، وإنه الـحقّ الذي لا يجوز خلافه. ثم قال تعالـى ذكره موبخا لهؤلاء الذين أبوا قبول حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيهم ولهم من الـيهود، ومستـجهلاً فعلهم ذلك منهم: ومن هذا الذي هو أحسن حكما أيها الـيهود من اللّه تعالـى ذكره عند من كان يوقن بوحدانـية اللّه ويقرّ بربوبـيته،

يقول تعالـى ذكره: أيّ حكم أحسن من حكم اللّه إن كنتـم موقنـين أن لكم ربـا وكنتـم أهل توحيد وإقرار به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال مـجاهد.

٩٥٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أفَحُكْمَ الـجاهِلِـيّةِ يَبْغُونَ قال: يهود.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أفَحُكْمَ الـجاهِلِـيّةِ يَبْغُونَ: يهود.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا شيخ، عن مـجاهد: أفَحُكْمَ الـجاهِلِـيّةِ يَبْغُونَ قال: يهود.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ ...}.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بهذه الاَية وإن كان مأمورا بذلك جميع الـمؤمنـين،

فقال بعضهم: عنى بذلك: عبُـادة بن الصامت وعبد اللّه بن أُبَىّ ابن سَلُول فـي براءة عبـادة من حلف الـيهود، وفـي تـمسك عبد اللّه بن أبـيّ ابن سلول بحلف الـيهود بعد ما ظهرت عداوتهم لله ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم، وأخبره اللّه أنه إذا تولاهم وتـمسك بحلفهم أنه منهم فـي براءته من اللّه ورسوله كبراءتهم منهما. ذكر من قال ذلك:

٩٥٥٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن عطية بن سعد، قال: جاء عبـادة ابن الصامت من بنـي الـحرث بن الـخزرج إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: يا رسول اللّه ، إن لـي موالـي من يهود كثـير عددهم، وإنـي أبرأ إلـى اللّه ورسوله من ولاية يهود وأتولـى اللّه ورسوله فقال عبد اللّه بن أبـيّ: إنـي رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالـيّ. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعبد اللّه ابن أبـيّ: (يا أبـا الـحُبـابِ مَا بَخِـلْتَ بِهِ مِنْ وِلايَةِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ بنِ الصّامِتِ فَهُوَ إلَـيكَ دُونَهُ)

قال: قد قبلت. فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ... إلـى قوله: فَتَرى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.

٩٥٦٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: ثنـي عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، قال: لـما انهزم أهل بدر قال الـمسلـمون لأولـيائهم من يهود: آمنوا قبل أن يصيبكم اللّه بـيوم مثل يوم بدر فقال مالك ابن صيف: غرّكم أن أصبتـم رهطا من قريش لا علـم لهم بـالقتال، أما لو أسررنا العزيـمة أن نستـجمع علـيكم لـم يكن لكم يد أن تقاتلونا. فقال عبـادة: يا رسول اللّه إن أولـيائي من الـيهود كانت شديدة أنفسهم كثـيرا سلاحهم شديدة شوكتهم، وإنـي أبرأ إلـى اللّه وإلـى رسوله من ولايتهم، ولا مولـى لـي إلا اللّه ورسوله. فقال عبد اللّه بن أبـيّ: لكنـي لا أبرأ من ولاء يهود، إنـي رجل لا بدّ لـي منهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا أبـا حُبـابِ أرأيْتَ الّذِي نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وَلاءِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ، فَهُوَ لَكَ دونَهُ)

قال: إذن أقبل. فأنزل اللّه تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلـياءُ بَعْضٍ... إلـى أن بلغ إلـى قوله: وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.

٩٥٦١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار، عن عبـادة ابن الولـيد بن عبـادة بن الصامت، قال: لـما حاربت بنو قَـينُقاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبد اللّه بن أبـيّ، وقام دونهم. ومشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج من له حلفهم مثل الذي لهم من عبد اللّه بن أبـيّ، فخـلعهم إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتبرأ إلـى اللّه وإلـى رسوله من حلفهم، وقال: يا رسول اللّه أتبرأ إلـى اللّه وإلـى رسوله من حلفهم وأتولـى اللّه ورسوله والـمؤمنـين، وأبرأ من حلف الكفـار وولايتهم ففـيه وفـي عبد اللّه بن أبـيّ نزلت الاَيات فـي الـمائدة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضً... الاَية.

وقال آخرون: بل عُنى بذلك قوم من الـمؤمنـين كانوا هموا حين نالهم بأُحد من أعدائهم من الـمشركين ما نالهم أن يأخذوا من الـيهود عِصَما، فنهاهم اللّه عن ذلك، وأعلـمهم أن من فعل ذلك منهم فهو منهم. ذكر من قال ذلك:

٩٥٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَولّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ قال: لـما كانت وقعة أُحد، اشتدّ علـى طائفة من الناس وتـخوّفوا أن يُدال علـيهم الكفـار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألـحقُ بدَهْلَكَ الـيهودي فآخذ منه أمانا وأتهوّد معه، فإنـي أخاف أن تدال علـينا الـيهود

وقال الاَخر: أما أنا فألـحق بفلان النصرانـيّ ببعض أرض الشام فآخذ منه أمانا وأنتصر معه. فأنزل اللّه تعالـى ذكره ينهاهما: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ إنّ اللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالَـمِينَ.

وقال آخرون: بل عُنـي بذلك أبو لبـابة بن عبد الـمنذر فـي إعلامه بنـي قريظة إذ رضوا بحكم سعد أنه الذبح. ذكر من قال ذلك:

٩٥٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبـا لبـابة بن عبد الـمنذر من الأوس، وهو من بنـي عمرو بن عوف، فبعثه إلـى قريظة حين نقضت العهد، فلـما أطاعوا له بـالنزول أشار إلـى حلقه الذبح الذبح.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعا أن يتـخذوا الـيهود والنصارى أنصارا وحلفـاء علـى أهل الإيـمان بـاللّه ورسوله، وأخبر أنه من اتـخذهم نصيرا وحلـيفـا وولـيا من دون اللّه ورسوله والـمؤمنـين، فإنّه منهم فـي التـحزّب علـى اللّه وعلـى رسوله والـمؤمنـين، وأن اللّه ورسوله منه بريئان. وقد يجوز أن تكون الاَية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد اللّه بن أبـيّ ابن سلول وحلفـائهما من الـيهود، ويجوز أن تكون نزلت فـي أبـي لُبـابة بسبب فعله فـي بنـي قريظة، ويجوز أن تكون نزلت فـي شأن الرجلـين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والاَخر بنصرانـي بـالشأم، ولـم يصحّ من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بـمثله حجة فـيسلـم لصحته القول بأنه كما قـيـل. فإذ كان ذلك كذلك فـالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما عمّ، ويجوز ما قاله أهل التأويـل فـيه من القول الذي لا علـم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الاَية نزلت فـي منافق كان يوالـي يهودَ أو نصارى، خوفـا علـى نفسه من دوائر الدهر، لأن الاَية التـي بعد هذه تدل علـى ذلك، وذلك قوله: فَتَرى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ... الاَية.

وأما قوله: بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ فإنه عنى بذلك أن بعض الـيهود أنصار بعضهم علـى الـمؤمنـين، ويد واحدة علـى جميعهم، وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض علـى من خالف دينهم وملتهم، معرّفـا بذلك عبـاده الـمؤمنـين أن من كان لهم أو لبعضهم ولـيا فإنـما هو ولـيهم علـى من خالف ملتهم ودينهم من الـمؤمنـين، كما الـيهود والنصارى لهم حرب، فقال تعالـى ذكره للـمؤمنـين: فكونوا أنتـم أيضا بعضُكم أولـياءُ بعض، وللـيهودي والنصرانـي حربـا كما هم لكم حرب، وبعضهم لبعض أولـياء لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيـمان الـحرب ومنهم البراءة، وأبـان قطع ولايتهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون الـمؤمنـين فإنه منهم،

يقول: فإن من تولاهم ونصرهم علـى الـمؤمنـين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولـى متولّ أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو علـيه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه، ولذلك حكم من حكم من أهل العلـم لنصارى بنـي تَغْلب فـي ذبـائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بنـي إسرائيـل، لـموالاتهم إياهم ورضاهم بـملتهم ونصرتهم لهم علـيها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفـارقا. وفـي ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما نقول، من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مـجيء الإسلام أو بعده، إلا أن يكون مسلـما من أهل ديننا انتقل إلـى ملة غيرها، فإنه لا يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه، ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفـارقته دين الـحقّ، إلا أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ، وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابـين لـمن دان بدينهم، إلا أن يكون إسرائيـلـيا أو منتقلاً إلـى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان. فأما من دان بدينهم بعد نزول الفرقان مـمن لـم يكن منهم مـمن خالف نسبه نسبهم وجنسه جنسهم، فإنه حكمه لـحكمهم مخالف. ذكر من قال بـما قلنا من التأويـل:

٩٥٦٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم، عن سعيد بن جبـير، قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى العرب، فقرأ: وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.

٩٥٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ وْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ أنها فـي الذبـائح، من دخـل فـي دين قوم فهو منهم.

٩٥٦٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كلوا من ذبـائح بنـي تَغْلب، وتزوّجوا من نسائهم، فإن اللّه يقول كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّه مِنْهُمْ ولو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.

٩٥٦٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين بن علـيّ، عن زائدة، عن هشام، قال: كان الـحسن لا يرى بذبـائح نصارى العرب ولا نكاح نسائهم بأسا، وكان يتلو هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنّصارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فإنّهُ مِنْهُمْ.

٩٥٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن هارون بن إبراهيـم، قال: سئل ابن سيرين عن رجل يبـيع داره من نصارى يتـخذونها بـيعة، قال: فتلا هذه الاَية: لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّه لا يَهْدِى القَوْمَ الظّالِـمِينَ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك، أن اللّه لا يوفق من وضع الولاية فـي غير موضعها فوالَـى الـيهود والنصارى مع عداوتهم اللّه ورسوله والـمؤمنـين علـى الـمؤمنـين، وكان لهم ظهيرا ونصيرا، لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللـمؤمنـين حرب. وقد بـينا معنى الظلـم فـي غير هذا الـموضع وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى إعادته.

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ ... }.

اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنى بهذه الاَية،

فقال بعضهم: عُنِى بها عبد اللّه بن أبـيّ بن سلول. ذكر من قال ذلك:

٩٥٦٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن عطية بن سعد: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عبد اللّه بن أبـيّ، يُسارِعُونَ فِـيِهمْ فـي ولايتهم، يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ... إلـى آخر الاَية فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

٩٥٧٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار، عن عبـادة بن الولـيد بن عبـادة بن الصامت: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ يعنـي: عبد اللّه بن أبـيّ، يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ لقوله: إنـي أخشى دائرة تصيبنـي.

وقال آخرون: بل عنـي بذلك قوم من الـمنافقـين كانوا يناصحون الـيهود ويغشون الـمؤمنـين ويقولون: نـخشي أن تكون دائرة للـيهود علـى الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:

٩٥٧١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه تعالـى ذكره: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ يِسارِعُونَ فِـيهِمْ قال: الـمنافقون فـي مصانعة يهود ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادهم إياهم. وقول اللّه تعالـى ذكره: تَـخْشَى أنْ تُصِيبنَا دَائِرةٌ قال:

يقول: نـخشى أن تكون الدائرة للـيهود.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩٥٧٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... إلـى قوله: نادِمِينَ: أناس من الـمنافقـين كانوا يودّون الـيهود ويناصحونهم دون الـمؤمنـين.

٩٥٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: فَتَرَى الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ قال: شكّ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ نَـخْشَى يقولون أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ والدائرة: ظهور الـمشركين علـيهم.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن ذلك من اللّه خبر عن ناس من الـمنافقـين كانوا يوالون الـيهود والنصارى، ويَغُشّون الـمؤمنـين، ويقولون: نـخشى أن تدور دوائر، إما للـيهود والنصارى، وإما لأهل الشرك من عَبَدة الأوثان أو غيرهم علـى أهل الإسلام، أو تنزل بهؤلاء الـمنافقـين نازلة، فـيكون بنا إلـيهم حاجة. وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد اللّه بن أبـيّ، ويجوز أن يكون كان من قول غيره، غير أنه لا شك أنه من قول الـمنافقـين.

فتأويـل الكلام إذن: فترى يا مـحمد الذين فـي قلوبهم مرض وشكّ إيـمان بنبوّتك، وتصديق ما جئتهم به من عند ربك يُسَارِعُونَ فِـيهِمْ يعنـي فـي الـيهود والنصاري. ويعنـي بـمسارعتهم فـيهم: مسارعتهم فـي موالاتهم ومصانعتهم. يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرةٌ يقول هؤلاء الـمنافقون: إنـما نسارع فـي موالاة هؤلاء الـيهود والنصارى خوفـا من دائرة تدور علـينا من عدوّنا. ويعنـي بـالدائرة: الدّولة، كما قال الراجز:

تَرُدّ عَنْكَ القَدَرَ الـمَقْدُورَاوَدَائِراتِ الدّهْرِ أنْ تَدُورَا

يعنـي: أن تدول للدهر دَوْلة فنـحتاج إلـى نصرتهم إيانا، فنـحن نوالـيهم لذلك. فقال اللّه تعالـى ذكره لهم: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فلعلّ اللّه أن يأتـي بـالفتـح. ثم اختلفوا فـي تأويـل الفتـح فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم،: عنـي به ههنا القضاء. ذكر من قال ذلك:

٩٥٧٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ قال: بـالقضاء.

وقال آخرون: عُنـي به فتـح مكة. ذكر من قال ذلك:

٩٥٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمدبن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ قال: فتـح مكة.

والفتـح فـي كلام العرب: هو القضاء كما قال قتادة، ومنه قول اللّه تعالـى: رَبّنا افْتَـحْ بَـيْنَنا وَبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ. وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم بقوله: فَعَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ فتـح مكة، لأن ذلك كان من عظيـم قضاء اللّه وفصل حكمة بـين أهل الإيـمان والكفر، ويقرّر عند أهل الكفر والنفـاق أن اللّه مُعْلِـي كلـمتِه ومُوهِنُ كيدِ الكافرين.

وأما قوله: أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فإن السديّ كان يقول فـي ذلك ما:

٩٥٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضّل، قال: حدثنا أسبـاط، السديّ: أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ قال: الأمر: الـجزية.

وقد يحتـمل أن يكون الأمر الذي وعد اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يأتـي به، هو الـجزية، ويحتـمل أن يكون غيرها. غير أنه أيّ ذلك كان فهو مـما فـيه إدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر بـاللّه وبرسوله، ومـما يسوء الـمنافقـين ولا يسرّهم وذلك أن اللّه تعالـى قد أخبر عنهم أن ذلك الأمر إذا جاء أصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين.

وأما قوله: فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ فإنه يعنـي: هؤلاء الـمنافقـين الذين يوالون الـيهود والنصارى،

يقول تعالـى ذكره: لعل اللّه أن يأتِـيَ بأمر من عنده يُدِيـل به الـمؤمنـين علـى الكافرين الـيهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر، فـيصبح هؤلاء الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم من مخالّة الـيهود والنصارس ومودّتهم وبغضة الـمؤمنـين ومـحادتهم نادمين. كما:

٩٥٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ من موادّتهم الـيهود، ومن غشّهم للإسلام وأهله.

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ أَهُـَؤُلآءِ الّذِينَ ...}.

اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا فقرأتها قرّاء أهل الـمدينة: (فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يَقُول الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الذينَ أقْسَمُوا بـاللّه ) بغير واو.

وتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: فـيصبح الـمنافقون إذا أتـى اللّه بـالفتـح أو أمر من عنده، علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين، يقول الـمؤمنـين تعجبـا منهم ومن نفـاقهم وكذبهم واجترائهم علـى اللّه فـي أيـمانهم الكاذبة بـالله: أهؤلاء الذين أقسموا لنا بـاللّه إنهم لـمعنا وهم كاذبون فـي أيـمانهم لنا وهذا الـمعنى قصد مـجاهد فـي تأويـله ذلك الذي:

٩٥٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَعَسَى اللّه أنْ يَأتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حينئذٍ، يقول الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أفسموا بـاللّه جهد إيـمانهم، إنهم لـمعكم، حبطت أعمالهم فأصحوا خاسرين.

كذلك ذلك فـي مصاحف أهل الـمدينة بغير واو. وقرأ ذلك بعض البصريـين: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بـالواو، ونصب (يقول) عطفـا به علـى (فعسى اللّه أن يأتـي بـالفتـح). وذكر قارىء ذلك أنه كان

يقول: إنـما أريد بذلك: فعسى اللّه أن يأتـي بـالفتـح، وعسى يقول الذين آمنوا. ومـحال غير ذلك، لأنه لا يجوز أن يقال: وعسى اللّه أن يقول الذين آمنوا، وكان

يقول: ذلك نـحو قولهم: أكلت خبزا ولبنا، وكقول الشاعر:

ورأيْتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَىمُتَقَلّدا سَيْفـا وَرُمـحَا

فتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: فعسى اللّه أن يأتـي بـالفتـح الـمؤمنـين، أو أمر من عنده يديـلهم به علـى أهل الكفر من أعدائهم، فـيصبح الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين، وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذٍ: هؤلاء الذين أقسموا بـاللّه كذبـا جهد أيـمانهم إنهم لـمعكم. وهي فـي مصاحف أهل العراق بـالواو: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا. وقرأ ذلك قرّاء الكوفـيـين: وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بـالواو ورفع يقول بـالاستقبـال والسلامة من الـجوازم والنواصب.

وتأويـل من قرأ ذلك كذلك: فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم يندمون، ويقول الذين آمنوا فـيبتدىء (يقول) فـيرفعها. وقراءتنا التـي نـحن علـيها: وَيَقُولُ بإثبـات الواو فـي: (ويقول)، لأنها كذلك هي فـي مصاحفنا مصاحف أهل الشرق بـالواو، وبرفع (يقول) علـى الابتداء.

فتأويـل الكلام إذ كان القراءة عندنا علـى ما وصفنا: فـيصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين، ويقول الـمؤمنون: أهؤلاء الذين حلفوا لنا بـاللّه جهد أيـمانهم كذبـا إنهم لـمعنا. يقول اللّه تعالـى ذكره مخبرا عن حالهم عنده بنفـاقهم وخبث أعمالهم: حَبِطَتْ أعمالُهُمْ

يقول: ذهبت أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا بـاطلاً لا ثواب لها ولا أجر، لأنهم عملوها علـى غير يقـين منهم بأنها علـيهم لله فرض واجب ولا علـى صحة إيـمان بـاللّه ورسوله، وإنـما كانوا يعملونها لـيدفعوا الـمؤمنـين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، فأحبط اللّه أجرها إذ لـم تكن له فأصْبَحُوا خَاسِرينَ

يقول: فأصبح هؤلاء الـمنافقون عند مـجيء أمر اللّه بإدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر قد وكسوا فـي شرائهم الدنـيا بـالاَخرة، وخابت صفقتهم وهلكوا.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـاللّه وبرسوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا: أي صدّقوا لله ورسوله، وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ

يقول: من يرجع منكم عن دينه الـحقّ الذي هو علـيه الـيوم، فـيبدّله ويغيرة بدخوله فـي الكفر، إما فـي الـيهودية أو النصرانـية أو غير ذلك من صنوف الكفر، فلن يضر اللّه شيئا، وسيأتـي اللّه بقوم يحبهم ويحبونه

يقول: فسوف يجيء اللّه بدلاً منهم الـمؤمنـين الذين لـم يبدّلوا ولـم يغيروا ولـم يرتدّوا، بقوم خير من الذين ارتدّوا وبدّلوا دينهم، يحبهم اللّه ويحبون اللّه . وكان هذا الوعيد من اللّه لـمن سبق فـي علـمه أنه سيرتدّ بعد وفـاة نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وكذلك وعده من وعد من الـمؤمنـين ما وعده فـي هذا الاَية، لـمن سبق له فـي علـمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه ولا يرتدّ. فلـما قبض اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ارتدّ أقوام من أهل الوبر وبعض أهل الـمدر، فأبدل اللّه الـمؤمنـين بخير منهم كما قال تعالـى ذكره، ووفـى للـمؤمنـين بوعده، وأنفذ فـيـمن ارتدّ منهم وعيده.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عياش، عن أبـي صخر، عن مـحمد بن كعب: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وعمر أمير الـمدينة يومئذٍ،

فقال: يا أبـا حمزة، آية أسهرتنـي البـارحة قال مـحمد: وما هي أيها الأمير؟ قال: قول اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ منْكُمْ عنْ دِينِهِ... حتـى بلغ: وَلا يَخافونَ لَوْمَةَ لائمٍ. فقال مـحمد: أيها الأمير، إنـما عنى اللّه بـالذين آمنوا: الولاة من قريش، من يرتدّ عن الـحقّ.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي أعيان القوم الذين أتـى اللّه بهم الـمؤمنـين وأبدل الـمؤمنـين مكان من ارتدّ منهم،

فقال بعضهم: هو أبو بكر الصدّيق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردّة حتـى أدخـلوهم من البـاب الذي خرجوا منه. ذكر من قال ذلك:

٩٥٨٠ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن الفضل بن دَلَهْم، عن الـحسن فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هذا واللّه أبو بكر وأصحابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الفضل بن دلهم، عن الـحسن، مثله.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد بن سلـيـمان، عن جويبر، عن سهل، عن الـحسن فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: أبو بكر وأصحابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين بن علـيّ، عن أبـي موسى، قال: قرأ الـحسن: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هي واللّه لأبـي بكر وأصحابه.

حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا أحمد بن بشير، عن هشام، عن الـحسن فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: نزلت فـي أبـي بكر وأصحابه.

٩٥٨١ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّه وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائم قال: هو أبو بكر وأصحابه، لـما ارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتـى ردّهم إلـى الإسلام.

٩٥٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ... إلـى قوله: وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ أنزل اللّه هذه الاَية، وقد علـم أن سيرتدّ مرتدّون من الناس. فلـما قبض اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، ارتدّ عامّة العرب عن الإسلام إلاّ ثلاثة مساجد: أهل الـمدينة، وأهل مكة، وأهل البحرين من عبد القـيس

قالوا: نصلـي ولا نزكي، واللّه لا تُعصب أموالنا فكُلّـم أبو بكر فـي ذلك، فقـيـل له: إنهم لو قد فقهوا لهذا، أعطوها وزادوها. فقال: لا والله، لا أفرّق بـين شيء جمع اللّه بـينه، ولو منعوا عِقَالاً مـما فرض اللّه ورسوله، لقاتلناهم علـيه فبعث اللّه عصابة مع أبـي بكر، فقاتل علـى ما قاتل علـيه نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتـى سبى وقتل وحرق بـالنـيران أناسا ارتدّوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فقاتلهم حتـى أقرّوا بـالـماعون وهي الزكاة صَغرة أقمياء. فأتته وفود العرب، فخيرهم بـين خطة مخزية أو حرب مـجلـية، فـاختاروا الـخطة الـمخزية، وكانت أهون علـيهم، أن يعتدّوا أن قتلاهم فـي النار وأن قتلـى الـمؤمنـين فـي الـجنة، وأن ما أصابوا من الـمسلـمين من مال ردّوه علـيهم، وما أصاب الـمسلـمون لهم من مال فهو لهم حلال.

٩٥٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال ابن جريج: ارتدوا حين توفـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقاتلهم أبو بكر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هشام، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن أبـي أيوب، عن علـيّ فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: علـم اللّه الـمؤمنـين، وأوقع معنى السوء علـى الـحشو الذي فـيهم من الـمنافقـين ومن فـي علـمه أن يرتدّوا، قال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه الـمرتدّة عن دينهم بقوم يحبهم ويحبونه بأبـي بكر وأصحابه.

وقال آخرون: يعنـي بذلك قوما من أهل الـيـمن

وقال بعض من قال ذلك منهم: هم رهط أبـي موسى الأشعري: عبد اللّه بن قـيس. ذكر من قال ذلك:

٩٥٨٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عياض الأشعري، قال: لـما نزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: أومأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى أبـي موسى بشيء كان معه،

فقال: (هُمْ قَوْمُ هَذَا).

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضا يحدّث عن أبـي موسى، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قرأ هذه الاَية: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: يعنـي قوم أبـي موسى.

حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة قال أبو السائب، قال أصحابنا هو عن سماك بن حرب، وأنا لا أحفظ سماكا عن عياض الأشعري، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هُمْ قَوْمُ هَذَا) يعنـي أبـا موسى.

حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة، عن سماك، عن عياض الأشعري، قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لأبـي موسى: (هُمْ قَوْمُ هَذَا) فـي قوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ.

حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضا الأشعريّ

يقول: لـما نزلت: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هُمْ قَوْمُكَ يا أبـا مُوسَى)، أو قال: (هُمْ قَوْمُ هَذَا) يعنـي أبـا موسى.

٩٥٨٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو سفـيان الـحميريّ، عن حصين، عن عياض أو ابن عياض: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ قال: هم أهل الـيـمن.

٩٥٨٦ـ حدثنا مـحمد بن عوف، قال: حدثنا أبو الـمغيرة قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن جبـير، عن شريح بن عبـيد، قال: لـما أنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... إلـى آخر الاَية، قال عمر: أنا وقومي هم يا رسول اللّه ؟ قال: (لا بَلْ هَذا وَقَوْمُهُ) يعنـي أبـا موسى الأشعري.

وقال آخرون منهم: بل هم أهل الـيـمن جميعا. ذكر من قال ذلك:

٩٥٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : يُحِبّهُمْ ويُحِبّونَهُ قال: أناس من أهل الـيـمن.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩٥٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: هم قوم سبأ.

٩٥٨٩ـ حدثنا مطر بن مـحمد الضبـيّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنـي من سمع شهر بن حوشب، قال: هم أهل الـيـمن.

٩٥٩٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عياش، عن أبـي صخر، عن مـحمد بن كعب القرظي: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلـيه يوما وهو أمير الـمدينة يسأله عن ذلك، فقال مـحمد: يأتـي اللّه بقوم، وهم أهل الـيـمن. قال عمر: يا لـيتنـي منهم قال: آمين

وقال آخرون: هم أنصار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩٥٩١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ يزعم أنهم الأنصار.

وتأويـل الاَية علـى قول من قال: عنى اللّه بقوله: فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ ويُحبّونَهُ أبـا بكر وأصحابه فـي قتالهم أهل الردّة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فلن يضر اللّه شيئا، وسيأتـي اللّه من ارتدّ منكم عن دينه بقوم يحبهم ويحبونه، ينتقم بهم منهم علـى أيديهم. وبذلك جاء الـخبر والرواية عن بعض من تأوّل ذلك كذلك.

٩٥٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هشام، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبـي روق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوفَ يَأْتِـي اللّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ قال:

يقول: فسوف يأتـي اللّه الـمرتدّة فـي دورهم، بقوم يحبهم ويحبونه بأبـي بكر وأصحابه.

وأما علـى قول من قال: عنـي بذلك: أهل الـيـمن فإن تأويـله: يا أيها الذين آمنوا، من يرتدّ منكم عن دينه، فسوف يأتـي اللّه الـمؤمنـين الذين لـم يرتدّوا بقوم يحبهم ويحبونه، أعوانا لهم وأنصارا. وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأوّل ذلك كذلك.

٩٥٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحية، عن ابن عبـاس : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... الاَية وعيد من اللّه أنه من ارتدّ منكم أنه سيستبدل خيرا منهم.

وأما علـى قول من قال: عنـي بذلك الأنصار، فإن تأويـله فـي ذلك نظير تأويـل من تأوله أنه عنـي به أبو بكر وأصحابه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب، ما رُوي به الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنهم أهل الـيـمن قوم أبـي موسى الأشعري. ولولا الـخبر الذي رُوي فـي ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـخبر الذي روي عنه ما كان القول عندي فـي ذلك إلاّ قول من قال: هم أبو بكر وأصحابه وذلك أنه لـم يقاتل قوما كانوا أظهروا الإسلام علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم ارتدّوا علـى أعقابهم كفـارا، غير أبـي بكر ومن كان معه مـمن قاتل أهل الردة معه بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكنا تركنا القول فـي ذلك للـخبر الذي رُوي فـيه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن كان صلى اللّه عليه وسلم معدن البـيان عن تأويـل ما أنزل اللّه من وحيه وآي كتابه.

فإن قال لنا قائل: فإن كان القوم الذين ذكر اللّه أنه سيأتـي بهم عند ارتداد من ارتدّ عن دينه مـمن كان قد أسلـم علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هم أهل الـيـمن، فهل كان أهل الـيـمن أيام قتال أبـي بكر أهل الردّة أعوان أبـي بكر علـى قتالهم، حتـى تستـجيز أن توجه تأويـل الاَية إلـى ما وجهت إلـيه؟ أم لـم يكونوا أعوانا له علـيهم، فكيف استـجزت أن توجه تأويـل الاَية إلـى ذلك، وقد علـمت أنه لا خـلف لوعد اللّه ؟

قـيـل له: إن اللّه تعالـى ذكره لـم يعد الـمؤمنـين أن يبدلهم بـالـمرتدّين منهم يومئذٍ خيرا الـمرتدّين لقتال الـمرتدّين، وإنـما أخبر أنه سيأتـيهم بخير منهم بدلاً منهم، يعد فعل ذلك بهم قريبـا غير بعيد، فجاء بهم علـى عهد عمر، فكان موقعهم من الإسلام وأهله أحسن موقع، وكانوا أعوان أهل الإسلام وأنفع لهم مـمن كان ارتدّ بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من طَغَام الأعراب وجفـاة أهل البوادي الذين كانوا علـى أهل الإسلام كَلاّ. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فقرأته قرّاء أهل الـمدينة: (يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) بإظهار التضعيف بدالـين مـجزومة الدال الاَخرة، وكذلك ذلك فـي مصاحفهموأما قرّاء أهل العراق فإنهم قرءوا ذلك: مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ بـالإدْغامِ بدال واحدة وتـحريكها إلـى الفتـح بناء علـى التثنـية، لأن الـمـجزوم الذي يظهر تضعيفه فـي الواحد إذا ثنـي أدغم، ويقال للواحد: اردد يا فلان إلـى فلان حقه، فإذا ثنـي

قـيـل: ردّ إلـيه حقه، ولا يقال: ارددا. وكذلك فـي الـجمع ردّوا، ولا يقال: ارددوا. فتبنـي العرب أحيانا الواحد علـى الاثنـين، وتظهر أحيانا فـي الواحد التضعيف لسكون لام الفعل، وكلتا اللغتـين فصيحة مشهورة فـي العرف. والقراءة فـي ذلك عندنا علـى ما هو به فـي مصاحفنا ومصاحف أهل الـمشرق بدال واحدة مشدّدة بترك إظهار التضعيف وبفتـح الدال للعلة التـي وصفتُ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ: أرقاء علـيهم رحماء بهم، من قول القائل: ذلّ فلان لفلان: إذا خضع له واستكان. ويعنـي بقوله: أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: أشدّاء علـيهم غلظاء بهم، من قول القائل: قد عزّنـي فلان: إذا أظهر العزّة من نفسه له، وأبدى له الـجفوة والغلظة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٥٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبـي روق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ: أهل رقة علـى أهل دينهم، أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: أهل غلظة علـى من خالفهم فـي دينهم.

٩٥٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أذلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ يعنـي بـالذلة: الرحمة.

٩٥٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: رحماء بـينهم، أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ قال: أشدّاء علـيهم.

٩٥٩٧ـ حدثنا الـحرث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: قال سفـيان: سمعت الأعمش يقول فـي قوله: أذِلّةٍ علـى الـمُؤْمِنِـينَ أعِزّةٍ علـى الكافِرِينَ: ضعفـاء علـى الـمؤمنـين.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّه ....

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: يُجاهِدُونَ فِـي سَبِـيـلِ اللّه هؤلاء الـمؤمنـين الذين وعد اللّه الـمؤمنـين أن يأتـيهم بهم إن ارتدّ منهم مرتدّ بدلاً منهم، يجاهدون فـي قتال أعداء اللّه ، علـى النـحو الذي أمر اللّه بقتالهم والوجه الذي أذن لهم به، ويجاهدون عدوّهم، فذلك مـجاهدتهم فـي سبـيـل اللّه . وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ

يقول: ولا يخافون فـي ذات اللّه أحدا، ولا يصدّهم عن العمل بـما أمرهم اللّه به من قتال عدوّهم لومة لائم لهم فـي ذلكوأما قوله: ذَلِكَ فَضْلُ اللّه فإنه يعنـي: هذا النعت الذي نعتهم به تعالـى ذكره من أنهم أذلة علـى الـمؤمنـين، أعزّة علـى الكافرين، يجاهدون فـي سبـيـل اللّه ، ولا يخافون فـي اللّه لومة لائم، فضل اللّه الذي تفضل به علـيهم، واللّه يؤتـي فضله من يشاء من خـلقه، منّةً علـيه وتطوّلاً. وَاللّه وَاسِعٌ

يقول: واللّه جواد بفضله علـى من جاد به علـيه، لا يخاف نفـاد خزائنه فـيكفّ من عطائه. عَلـيـمٌ بـموضع جوده وعطائه، فلا يبذله إلاّ لـمن استـحقه ولا يبذل لـمن استـحقه إلاّ علـى قدر الـمصلـحة لعلـمه بـموضع صلاحه له من موضع ضرّه.

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ ...}.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا لـيس لكم أيها الـمؤمنون ناصر إلاّ اللّه ورسوله والـمؤمنون، الذين صفتهم ما ذكر تعالـى ذكره. فأما الـيهود والنصارى الذين أمركم اللّه أن تبرءوا من ولايتهم ونهاكم أن تتـخذوا منهم أولـياء، فلـيسوا لكم أولـياء ولا نُصَراء، بل بعضهم أولـياء بعض، ولا تتـخذوا منهم ولـيا ولا نصيرا.

وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي عبـادة بن الصامت فـي تبرئه من ولاية يهود بنـي قَـينُقاع وحلفهم إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:

٩٥٩٨ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي والدي إسحاق بن يسار، عن (عبـادة بن الولـيد) بن عبـادة بن الصامت، قال: لـما حاربت بنو قـينقاع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج، فخـلعهم إلـى رسول اللّه ، وتبرأ إلـى اللّه وإلـى رسوله من حلفهم، وقال: أتولـى اللّه ورسوله والـمؤمنـين، وأبرأ من حلف الكفـار وولايتهم ففـيه نزلت: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ لقول عبـادة: أتولـى اللّه ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بنـي قـينقاع وولايتهم. إلـى قوله: فإنّ حِزْبَ اللّه هُمُ الغالِبُونَ.

٩٥٩٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن عطية بن سعد، قال: جاء عبـادة بن الصامت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم ذكر نـحوه.

٩٦٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنء معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا يعنـي: أنه من أسلـم تولـى اللّه ورسوله.

وأما قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ به،

فقال بعضهم: عُنِـي به علـيّ بن أبـي طالب.

وقال بعضهم: عُنـي به جميع الـمؤمنـين. ذكر من قال ذلك:

٩٦٠١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ثم أخبرهم بـمن يتولاهم،

فقال: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ هؤلاء جميع الـمؤمنـين، ولكن علـيّ بن أبـي طالب مرّ به سائل وهو راكع فـي الـمسجد، فأعطاه خاتـمه.

٩٦٠٢ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا عبدة، عن عبد الـملك، عن أبـي جعفر، قال: سألته عن هذه الاَية: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا قلنا: بلغنا أنها نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب، قال علـيّ من الذين آمنوا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن عبد الـملك، قال: سألت أبـا جعفر، عن قول اللّه : إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ، وذكر نـحو حديث هناد عن عبدة.

٩٦٠٣ـ حدثنا إسماعيـل بن إسرائيـل الرملـي، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا عتبة بن أبـي حكيـم فـي هذه الاَية: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا قال: علـي بن أبـي طالب.

٩٦٠٤ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا غالب بن عبـيد اللّه ، قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: إنّـمَا وَلِـيّكُمُ اللّه وَرَسُولُهُ... الاَية، قال: نزلت فـي علـيّ بن أبـي طالب، تصدّق وهو راكع.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يَتَوَلّ اللّه وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّه هُمُ الْغَالِبُونَ }.

وهذا إعلام من اللّه تعالـى ذكره عبـاده جميعا، الذين تبرّءوا من الـيهود وحلفهم رضا بولاية اللّه ورسوله والـمؤمنـين، والذين تـمسكوا بحلفهم، وخافوا دوائر السوء تدور علـيهم، فسارعوا إلـى موالاتهم، بأن من وثق بـاللّه وتولـى اللّه ورسوله والـمؤمنـين ومن كان علـى مثل حاله من أولـياء اللّه من الـمؤمنـين، لهم الغلبة والدوائر والدولة علـى من عاداهم وحادّهم، لأنهم حزب اللّه ، وحزب اللّه هم الغالبون دون حزب الشيطان. كما:

٩٦٠٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أخبرهم يعنـي الربّ تعالـى ذكره من الغالب،

فقال: لا تـخافوا الدولة ولا الدائرة،

فقال: وَمَنْ يَتَوَلّ اللّه وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فإنّ حِزْبَ اللّه هُمُ الغالِبُونَ والـحزب: هم الأنصار.

ويعنـي بقوله: فإنّ حِزْبَ اللّه : فإن أنصار اللّه ، ومنه قول الراجز:

(وكَيْفَ أضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِـي )

يعنـي بقوله أضْوَى: أُستضعف وأضام، من الشيء الضاوي. ويعنـي بقوله: وبلال حزبـي، يعنـي ناصري.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً ...}.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا: أي صدّقوا اللّه ورسوله، لا تَتّـخِذُوا الّذِينَ اتّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبـا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي الـيهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبـياء، وأنزلت علـيهم الكتب من قبل بعث نبـينا صلى اللّه عليه وسلم ومن قبل نزول كتابنا أولـياء.

يقول: لا تتـخذوهم أيها الـمؤمنون أنصارا وإخوانا وحلفـاء، فإنهم لا يألونكم خبـالاً وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة. وكان اتـخاذ هؤلاء الـيهود الذين أخبر اللّه عنهم الـمؤمنـين أنهم اتـخذوا دينهم هزوا ولعبـا الدين علـى ما وصفهم به ربنا تعالـى ذكره، أن أحدهم كان يظهر للـمؤمنـين الإيـمان وهو علـى كفره مقـيـم، ثم يراجع الكفر بعد يسيء من الـمدّة بإظهار ذلك بلسانه قولاً بعد أن كان يبدي بلسانه الإيـمان قولاً وهو للكفر مستبطن، تلعبـا بـالدين واستهزاء به، كما أخبر تعالـى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله: وَإذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإذَا خَـلَوْا إلـى شيَاطِينِهمْ قَالُوا إنّا مَعَكُمْ إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللّه يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ويَـمُدّهُمْ فِـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك حاء الـخبر عن ابن عبـاس .

٩٦٠٦ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، قال: ثنـي ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان رفـاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الـحارث قد أظهرا الإسلام، ثم نافقا، وكان رجال من الـمسلـمين يوادّونهما، فأنزل اللّه فـيهما: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّـخِذُوا الّذِينَ اتّـخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبـا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ... إلـى قوله: وَاللّه أعلَـمُ بِـمَا كانُوا يَكْتُـمُونَ.

فقد أبـان هذا الـخبر عن صحة ما قلنا من أن اتـخاذ من اتـخذ دين اللّه هزوا ولعبـا من أهل الكتاب الذين ذكرهم اللّه فـي هذه الاَية، إنـما كان بـالنفـاق منهم وإظهارهم للـمؤمنـين الإيـمان واستبطانهم الكفر وقـيـلهم لشياطينهم من الـيهود إذا خـلو بهم: إنا معكم. فنهى اللّه عن موادّتهم ومـحالفتهم، والتـمسك بحلفهم والاعتداء بهم أولـياء، وأعلـمهم أنهم لا يألونهم خبـالاً، وفـي دينهم طعنا وعلـيه إزراءوأما الكفـار الذين ذكرهم اللّه تعالـى ذكره فـي قوله: مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفّـارَ أوْلِـياءَ فإنهم الـمشركون من عبدة الأوثان نهى اللّه الـمؤمنـين أن يتـخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر أولـياء دون الـمؤمنـين.

وكان ابن مسعود فـيـما:

٩٦٠٧ـ حدثنـي به أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن ابن مسعود، يقرأ: (مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِين أشْرَكُوا).

ففـي هذا بـيان صحة التأويـل الذي تأوّلناه فـي ذلك.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته جماعة من أهل الـحجاز والبصرة والكوفة: (والكُفّـارِ أوْلِـياءَ) بخفض (الكفـار)، بـمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الكفـار أولـياء. وكذلك ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب فـيـما بلغنا: (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفـارِ أولـياء). وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة: والكُفّـارَ أوْلِـياءَ بـالنصب، بـمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتـخذوا الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا والكفـارَ، عطفـا بـالكفـار علـى الذين اتـخذوا.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى صحيحتا الـمخرَج، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فقد أصاب لأن النهي عن اتـخاذ ولـيّ من الكفـار نهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء، والنهي عن اتـخاذ جميعهم أولـياء نهي عن اتـخاذ بعضهم ولـيا. وذلك أنه غير مشكل علـى أحد من أهل الإسلام أن اللّه تعالـى ذكره إذا حرّم اتـخاذ ولـيّ من الـمشركين علـى الـمؤمنـين، أنه لـم يبح لهم اتـخاذ جميعهم أولـياء، ولا إذا حرم اتـخاذ جميعهم أولـياء أنه لـم يخصص إبـاحة اتـخاذ بعضهم ولـيا، فـيجب من أجل إشكال ذلك علـيهم طلب الدلـيـل علـى أولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء قرأ القارىء بـالـخفض أو بـالنصب لـما ذكرنا من العلة.

وأما قوله: وَاتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فإنه يعنـي: وخافوا اللّه أيها الـمؤمنون فـي هؤلاء الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفـار أن تتـخذوهم أولـياء ونصراء، وارهبوا عقوبته فـي فعل ذلك إن فعلتـموه بعد تقدّمه إلـيكم بـالنهي عنه إن كنتـم تؤمنون بـاللّه وتصدّقونه علـى وعيده علـى معصيته.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ اتّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا أذّن مؤذّنكم أيها الـمؤمنون بـالصلاة، سخر من دعوتكم إلـيها هؤلاء الكفـار من الـيهود والنصارى والـمشركين، ولعبوا من ذلك، ذَلِكَ بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ يعنـي تعالـى ذكره بقوله: (ذلك) فعلهم الذي يفعلونه، وهو هزؤهم ولعبهم من الدعاء إلـى الصلاة، إنـما يفعلونه بجهلهم بربهم، وأنهم لا يعقلون ما لهم فـي إجابتهم إن أجابوا إلـى الصلاة وما علـيهم فـي استهزائهم ولعبهم بـالدعوة إلـيها، ولو عقلوا ما لـمن فعل ذلك منهم عند اللّه من العقاب ما فعلوه. وقد ذكر عن السديّ فـي تأويـله ما:

٩٦٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإذَا نادَيْتُـمْ إلـى الصّلاةِ اتّـخَذُوها هُزُوا ولَعِبـا كان رجل من النصارى بـالـمدينة إذا سمع الـمنادي ينادي: أشهد أن مـحمدا رسول اللّه ، قال: حُرّق الكاذب فدخـلت خادمه ذات لـيـلة من اللـيالـي بنار وهو نائم وأهله نـيام، فسقطت شرارة، فأحرقت البـيت، فـاحترق هو وأهله.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنّآ إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّه وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لأهل الكتاب من الـيهود والنصارى: يا أهل الكتاب، هل تكرهون منا أو تـجدون علـينا حتـى تستهزءوا بديننا إذا أنتـم إذا نادينا إلـى الصلاة اتـخذتـم نداءنا ذلك هزوا ولعبـا، إلاّ أنْ آمَنّا بـاللّه

يقول: إلاّ أن صدقنا وأقررنا بـاللّه فوحّدناه، وبـما أنزل إلـينا من عند اللّه من الكتاب، وما أنزل إلـى أنبـياء اللّه من الكتب من قبل كتابنا. وأنّ أكْثَرَكُمْ فـاسِقُونَ

يقول: إلاّ أن أكثركم مخالفون أمر اللّه ، خارجون عن طاعته، تكذبون علـيه. والعرب تقول: نَقَمْتُ علـيك كذا أنْقِمُ وبه قرأ القرّاء من أهل الـحجاز والعراق وغيرهم ونَقِمْتُ أنقَم لغتان، ولا نعلـم قارئا قرأ بها بـمعنى وجدت وكرهت، ومنه قول عبد اللّه بن قـيس الرقـيات:

ما نَقِمُوا مِنْ بَنِـي أُمَيّةَ إلاّأنّهُمْ يَحْلُـمُونَ إنْ غَضِبُوا

وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت بسبب قوم من الـيهود. ذكر من قال ذلك:

٩٦٠٩ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نفرٌ من الـيهود فـيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبـي رافع، وعازَر، وزيد وخالد، وأزار بن أبـي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال:

(أُوْمِنُ بـاللّه وَما أُنْزِلَ إلَـيْنا، وَما أُنْزِلَ إلـى إبْرَاهِيـمَ وإسْماعِيـلَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبـاطِ، وَما أُوتِـيَ مُوسَى وَعِيسَى، وَما أُوتِـيَ النّبِـيّونَ مِنْ رَبّهِمْ، لا نُفَرّق بـينَ أحَدٍ مِنْهُمْ ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ). فلـما ذكر عيسى جحدوا نبوّته و

قالوا: لا نؤمن بـمن آمن به فأنزل اللّه فـيهم: قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إلاّ أنْ آمَنّا بـاللّه وَما أُنْزِلَ إلَـيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وأنّ أكْثَرَكُمْ فـاسِقُونَ.

عطفـا بها علـى (أنْ) التـي فـي قوله: إلاّ أنْ آمَنّا بـاللّه لأن معنى الكلام: هل تنقمون منا إلاّ إيـماننا بـاللّه وفسقكم.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذَلِكَ مَثُوبَةً ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الذين اتـخذوا دينكم هزوا ولعبـا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفـار: هل أنبئكم يا معشر أهل الكتاب بشرّ من ثواب ما تنقمون منا من إيـماننا بـالله، وما أنزل إلـينا من كتاب اللّه ، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟ غير أن العين لـما سكنت، نقلت حركتها إلـى الفـاء، وهي الثاء من (مثوبة)، فخرجت مخرج مقولة، ومـحورة، ومضوفة، كما قال الشاعر:

وكُنْتُ إذَا جارِي دَعا لِـمَضُوفَةٍأُشَمّرُ حتـى يَنْصُفَ السّاقَ مِئْزَرِي

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك:

٩٦١٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرَ مِنْ ذَلِكَ مَتُوبَةً عِنْدَ اللّه

يقول: ثوابـا عند اللّه .

٩٦١١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: هَلْ أُنَبّئُكُمْ بَشَرَ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّه قال: الـمثوبة: الثواب، مثوبة، مثوبة الـخير ومثوبة الشرّ، وقرأ: (شَرّ ثَوَابـا).

وأما (مَن) فـي قوله: مَنْ لَعَنَهُ اللّه فإنه فـي موضع خفض ردّا علـى قوله: بِشَرّ مِنْ ذَلِكَ .

فكأن تأويـل الكلام إذ كان ذلك كذلك: قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه بـمن لعنه اللّه . ولو قـيـل هو فـي موضع رفع لكان صوابـا علـى الاستئناف، بـمعنى: ذلك من لعنه اللّه ، أو هو من لعنه اللّه . ولو قـيـل هو فـي موضع نصب لـم يكن فـاسدا، بـمعنى: قل هل أنبئكم من لعنه اللّه ، فـيجعل (أنبئكم) علـى ما فـي من واقعا علـيه.

وأما معنى قوله: مَنْ لَعَنَهُ اللّه فإنه يعنـي: من أبعده اللّه وأسحقه من رحمته وغضب علـيه. وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والـخَنازِيرَ

يقول: وغضب علـيه، وجعل منهم الـمسوخ القردة والـخنازير، غضبـا منه علـيهم وسخطا، فعجّل لهم الـخزي والنكال فـي الدنـياوأما سبب مسخ اللّه من مسخ منهم قردة فقد ذكرنا بعضه فـيـما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر بقـيته إن شاء اللّه فـي مكان غير هذا.

وأما سبب مسخ اللّه من مُسِخ منهم خنازير، فإنه كان فـيـما:

٩٦١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن كثـير بن أفلـح مولـى أبـي أيوب الأنصاري، قال: حدثت أن الـمسخ فـي بنـي إسرائيـل من الـخنازير كان أن امرأة من بنـي إسرائيـل كانت فـي قرية من قرى بنـي إسرائيـل، وكان فـيها ملك بنـي إسرائيـل، وكانوا قد استـجمعوا علـى الهلكة، إلاّ أن تلك الـمرأة كانت علـى بقـية من الإسلام متـمسكة به، فجعلت تدعو إلـى اللّه حتـى إذا اجتـمع إلـيها ناس فتابعوها علـى أمرها، قالت لهم: إنه لا بدّ لكم من أن تـجاهدوا عن دين اللّه وأن تنادوا قومكم بذلك، فـاخرجوا فإنـي خارجة فخرجت وخرج إلـيها ذلك الـملك فـي الناس، فقتل أصحابها جميعا، وانفلتت من بـينهم

قال: ودعت إلـى اللّه حتـى تـجمّع الناس إلـيها، حتـى إذا رضيت منهم أمرتهم بـالـخروج، فخرجوا وخرجت معهم، وأصيبوا جميعا وانفلتت من بـينهم. ثم دعت إلـى اللّه ، حتـى إذا اجتـمع إلـيها رجال استـجابوا لها، أمرتهم بـالـخروح، فخرجوا وخرجت، فأصيبوا جميعا، وانفلتت من بـينهم. فرجعت وقد أيست، وهي تقول: سبحان اللّه لو كان لهذا الدين ولـيّ وناصر لقد أظهره بعد قال: فبـاتت مـحزونة، وأصبح أهل القرية يسعون فـي نواحيها خنازير وقد مسخهم اللّه فـي لـيـلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: الـيوم أعلـم أن اللّه قد أعزّ دينه وأمر دينه قال: فما كان مسخ الـخنازير فـي بنـي إسرائيـل إلاّ علـى يدي تلك الـمرأة.

٩٦١٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالـخَنازِيرَ قال: مسخت من يهود.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وللـمسخ سبب فـيـما ذكر غير الذي ذكرناه سنذكره فـي موضعه إن شاء اللّه .

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرّ مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الـحجاز والشام والبصرة وبعض الكوفـيـين: وَعَبَدَ الطّاغُوتَ بـمعنى: وجعل منهم القردة والـخنازير ومن عبد الطاغوت، بـمعنى: عابد، فجعل (عبد) فعلاً ماضيا من صلة الـمضمر، ونصب (الطاغوت) بوقوع عبد علـيه. وقرأ ذلك جماعة من الكوفـيـين: (وَعَبُدَ) ماضيا من صلة الـمضمر، ونصب (الطاغوت) بوقوع عبد علـيه. وقرأ ذلك جماعة من الكوفـيـين: (وَعَبُدَ الطاغوتِ) بفتـح العين من عبد وضمّ بـائها وخفض (الطاغوت) بإضافة (عبد) إلـيه، وعنوا بذلك: وخدم الطاغوت.

٩٦١٤ـ حدثنـي بذلك الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: ثنـي حمزة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب أنه قرأ: (وَعَبُدَ الطّاغُوتِ)

يقول: خدم

قال عبد الرحمن: وكان حمزة كذلك يقرؤها.

٩٦١٥ـ حدثنـي ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش أنه كان يقرؤها كذلك.

وكان الفرّاء

يقول: إن يكن فـيه لغة مثل حذِرٍ وحذُر، وعجِلٍ وعجُلٍ، فهو وجه واللّه أعلـم. وإلا فإن أراد قول الشاعر:

أبَنِـي لُبَـيْنَـي إنّ أُمّكُمُأمَةٌ وإنّ أبـاكُمُ عَبُدُ

فإن هذا من ضرورة الشعر. وهذا يجوز فـي الشعر لضرورة القوافـي، وأما فـي القراءة فلا. وقرأ ذلك آخرون وَعُبُدَ الطّاغُوتِ ذكر ذلك عن الأعمش، وكأن من قرأ ذلك كذلك أراد جمع الـجمع من العبد، كأنه جمع العبد عبـيدا، ثم جمع العبـيد عُبُدا، مثل ثمار وثُمُر. وذكر عن أبـي جعفر القارىء أنه يقرؤه: وَعُبِدَ الطّاغُوتُ.

٩٦١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: كان أبو جعفر النـحوي يقرؤها: وعُبِدَ الطّاغُوتُ كما

يقول: ضُرِبَ عبد اللّه .

قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا معنى لها، لأن اللّه تعالـى إنـما ابتدأ الـخبر بذمّ أقوام، فكان فـيـما ذمهم به عبـادتهم الطاغوتوأما الـخبر عن أن الطاغوت قد عُبِد، فلـيس من نوع الـخبر الذي ابتدأ به الاَية، ولا من جنس ما ختـمها به، فـيكون له وجه يوجه إلـيه من الصحة. وذكر أن بريدة الأسلـمي كان يقرؤه: (وعابِدَ الطاغوتِ).

٩٦١٧ـ حدثنـي بذلك الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شيخ بصري: أن بريدة كان يقرؤه كذلك.

ولو قرىء ذلك: (وعَبَدَ الطاغوتِ)، بـالكسر كان له مخرج فـي العربـية صحيح، وإن لـم أستـجز الـيوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الـحجة من القرّاء بخلافها ووجه جوازها فـي العربـية أن يكون مرادا بها وعَبَدة الطاغوت، ثم حذفت الهاء من العبدة للإضافة، كما قال الراجز:

(قامَ وُلاها فَسَقوْهخ صَرْخَدَا )

يريد: قام ولاتها، فحذف التاء من ولاتها للإضافة.

وأما قراءة القرّاء فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما، وهو: (وَعَبدَ الطّاغُوتَ) بنصب الطاغوت وإعمال (عَبَدَ) فـيه، وتوجيه (عبد) إلـى أنه فعل ماض من العبـادة.

والاَخر: (عَبُدَ الطّاغُوتِ) علـى مثال فَعُل، وخفض (الطاغوت) بإضافة (عبُد) إلـيه. فإذا كانت قراءة القرّاء بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التـي هي أصحّ مخرجا فـي العربـية منهما، فأولاهما بـالصواب من القراءة قراءة من قرأ ذلك: وعَبَدَ الطّاغُوتَ بـمعنى: وجعل منهم القردة والـخنازير، ومن عبد الطاغوت لأنه ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب وابن مسعود: (وَجَعَلَ مِنْهُمْ القِردَةَ والـخنازيرَ وَعَبَدُ والطّاغُوتَ) بـمعنى: والذين عبدوا الطاغوت. ففـي ذلك دلـيـل واضح علـى صحة الـمعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به: ومن عبد الطاغوت، وأن النصب بـالطاغوت أولـى علـى ما وصفت فـي القراءة لإعمال (عبد) فـيه، إذ كان الوجه الاَخر غير مستفـيض فـي العرب ولا معروف فـي كلامها علـى أن أهل العربـية يستنكرون إعمال شيء فـي (مَنْ) و(الذي) الـمضمرين مع (مِنْ) و(فـي) إذا كفت (مِنْ) أو (فـي) منهما، ويستقبحونه، حتـى كان بعضهم يحيـل ذلك ولا يجيزه. وكان الذي يحيـل ذلك يقرؤه: (وعَبُدَ الطاغوتِ)، فهو علـى قوله خطأ ولـحن غير جائز. وكان آخرون منهم يستـجيزونه علـى قبح، فـالواجب علـى قولهم أن تكون القراءة بذلك قبـيحة وهم مع استقبـاحهم ذلك فـي الكلام قد اختاروا القراءة بها، وإعمال وجعل فـي (مَنْ) وهي مـحذوفة مع (مِن) ولو كنا نستـجيز مخالفة الـجماعة فـي شيء مـما جاءت به مـجمعة علـيه، لاخترنا القراءة بغير هاتـين القراءتـين، غير أن ما جاء به الـمسلـمون مستفـيضا، فهم لا يتناكرونه، فلا نستـجيز الـخروج منه إلـى غيره فلذلك لـم نستـجز القراءة بخلاف إحدى القراءتـين اللتـين ذكرنا أنهم لـم يعدوهما.

وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا،

فتأويـل الاَية: قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه : من لعنه، وغضب علـيه، وجعل منهم القردة والـخنازير، ومن عبد الطاغوت. وقد بـينا معنى الطاغوت فـيـما مضى بشواهده من الروايات وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.

وأما قوله: أُولَئِكَ شَر مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ فإه يعنـي بقوله: (أولئك): هؤلاء الذين ذكرهم تعالـى ذكره، وهم الذين وصف صفتهم،

فقال: من لعنه اللّه ، وغضب علـيه، وجعل منهم القردة والـخنازير، وعبد الطاغوت وكل ذلك صفتهم،

فقال: من لعنه اللّه ، وغضب علـيه، وجعل منهم القردة والـخنازير، وعبد الطاغوت وكل ذلك من صفة الـيهود من بنـي إسرائيـل

يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم شرّ مكانا فـي عاجل الدنـيا والاَخرة عند اللّه مـمن نقمتـم علـيهم يا معشر الـيهود إيـمانهم بـاللّه وبـما أنزل إلـيهم من عند اللّه من الكتاب وبـما أنزل إلـى من قبلهم من الأنبـياء، وأَضَلّ عَنْ سَوَاء السّبِـيـل

يقول تعالـى ذكره: وأنتـم مع ذلك أيها الـيهود، أشدّ أخذا علـى غير الطريق القويـم، وأجور عن سبـيـل الرشد والقصد منهم. وهذا من لَـحْنِ الكلام، وذلك أن اللّه تعالـى ذكره إنـما قصد بهذا الـخبر إخبـار الـيهود الذين وصف صفتهم فـي الاَيات قبل هذه بقبـيح فعالهم وذميـم أخلاقهم واستـيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتـى مُسِخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير، خطابـا منه لهم بذلك تعريضا بـالـجميـل من الـخطاب، ولَـحَنَ لهم بـما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللّـحن، وعلّـم نبـيه صلى اللّه عليه وسلم من الأدب أحسنه، فقال له: قل لهم يا مـحمد، أهؤلاء الـمؤمنون بـاللّه وبكتبه الذين تستهزءون منهم شرّ أم من لعنه اللّه ؟ وهو يعنـي الـمقول ذلك لهم.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنّا وَقَدْ دّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّه أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا جاءكم أيها الـمؤمنون هؤلاء الـمنافقون من الـيهود، قالوا لكم: (آمنا): أي صدّقنا بـما جاء به نبـيكم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، واتبعناه علـى دينه، وهم مقـيـمون علـى كفرهم وضلالتهم، قد دخـلوا علـيكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه فـي صدورهم، وهم يبدون كذبـا التصديق لكم بألسنتهم. وقَدْ خَرَجُوا به

يقول: وقد خرجوا بـالكفر من عندكم كما دخـلوا به علـيكم لـم يرجعوا بـمـجيئهم إلـيكم عن كفرهم وضلالتهم، يظنون أن ذلك من فعلهم يخفـي علـى اللّه جهلاً منهم بـالله. وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا كانُوا يَكْتُـمُونَ

يقول: واللّه أعلـم بـما كانوا عند قولهم لكم بألسنتهم: آمنا بـاللّه وبـمـحمد وصدّقنا بـما جاءبه، يكتـمون منهم بـما يضمرونه من الكفر بأنفسهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦١٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا جاءَكَمْ قالُوا آمَنّا... الاَية: أنا من الـيهود كانوا يدخـلون علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بـالذي جاء به، وهم متـمسكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخـلون بذلك ويخرجون به من عند نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٩٦١٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آمَنّا، وَقَدْ دَخَـلُوا بـالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ قال: هؤلاء ناس من الـمنافقـين كانوا يهود.

يقول: دخـلوا كفـارا وخرجوا كفـارا.

٩٦٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَإذَا جاءُكُمْ قالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَـلُوا بـالكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وإنهم دخـلوا وهم يتكلـمون بـالـحقّ وتُسِرّ قلوبهم الكفر،

فقال: دخـلوا بـالكفر وهم قد خرجوا به.

٩٦٢١ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإذَا جاءُكمْ قالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَـلُوا بـالكُفْرِ وَهُمْ خَرَجُوا بِهِ وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بـالّذِي أُنْزِلَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ فإذا رجعوا إلـى كفـارهم من أهل الكتاب وشياطينهم، رجعوا بكفرهم. وهؤلاء أهل الكتاب من يهود.

٩٦٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير: وَقَدْ دَخَـلُوا بـالكُفْرِ وَهُمْ قَدح خَرَجُوا بِهِ: أي إنه من عندهم.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وترى يا مـحمد كثـيرا من هؤلاء الـيهود الذين قصصت علـيك نبأهم من بنـي إسرائيـل يُسَارِعُونَ فِـي الإثْمِ والعُدْوَانِ

يقول: يعجلون بـمواقعة الإثم.

وقـيـل: إن الإثم فـي هذا الـموضع معنىّ به الكفر.

٩٦٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: وَتَرَى كَثِـيرا مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ وَالعُدوَانِ قال: الإثم: الكفر.

٩٦٢٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَتَرى كَثِـيرا مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ وَالعُدْوَانِ وكان هذا فـي حُكّام الـيهود بـين أيديكم.

٩٦٢٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُسارِعُونَ فِـي الإثْمِ والعُدْوَانِ قال: هؤلاء الـيهود لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهاهُمْ الرّبّـانِـيّونَ... إلـى قوله: لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ قال: يصنعون ويعملون واحد

قال: لهؤلاء حين لـم يُنْهُوا، كما قال لهؤلاء حين عملوا.

قال: وهذا القول الذي ذكرناه عن السديّ وإن كان قولاً غير مدفوع جواز صحته، فإن الذي هو أولـى بتأويـل الكلام أن يكون القوم موصوفـين بأنهم يسارعون فـي جميع معاصي اللّه لا يتـحاشَوْن من شيء منها لا من كفر ولا من غيره لأن اللّه تعالـى ذكره عمّ فـي وصفهم بـما وصفهم به من أنهم يسارعون فـي الإثم والعدوان من غير أن يخصّ بذلك إثما دون إثموأما العدوان، فإنه مـجاوزة الـحدّ الذي حدّه اللّه لهم فـي كلّ ما حدّه لهم. وتأويـل ذلك أن هؤلاء الـيهود الذين وصفهم فـي هذه الاَيات بـما وصفهم به تعالـى ذكره، يسارع كثـير منهم فـي معاصي اللّه وخلاف أمره، ويتعدّون حدوده التـي حدّ لهم فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم فـي أكلهم السّحْت، وذلك الرشوة التـي يأخذونها من الناس علـى الـحكم بخلاف حكم اللّه فـيهم. يقول اللّه تعالـى ذكره: لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

يقول: أقسم لبئس العمل ما كان هؤلاء الـيهود يعملون فـي مسارعتهم فـي الإثم والعدوان وأكلهم السحت.

٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون فـي الإثم والعدوان وأكل الرشا فـي الـحكم من الـيهود من بنـي إسرائيـل ربـانـيوهم، وهم أئمتهم الـمؤمنون، وساستهم العلـماء بسياستهم وأحبـارهم، وهم علـماؤهم وقوّادهم عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ يعنـي: عن قول الكذب والزور وذلك أنهم كانوا يحكمون فـيهم بغير حكم اللّه ، ويكتبون كتبـا بأيديهم ثم يقولون: هذا من حكم اللّه ، وهذا من كتبه. يقول اللّه : فَوَيْـلٌ لَهُمْ مِـمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْـلٌ لَهُمْ مِـمّا يَكْسِبُونَ.

وأما قوله: وأكْلِهِمْ السّحْتُ فإنه يعنـي به الرشوة التـي كانوا يأخذونها علـى حكمهم بغير كتاب اللّه لـمن حكموا له به. وقد بـينا معنى الربـانـيـين والأحبـار ومعنى السحت بشواهد ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ وهذا قسم من اللّه أقسم به،

يقول تعالـى ذكره: أقسمُ لبئس الصنـيع كان يصنع هؤلاء الربـانـيون والأحبـار فـي تركهم نهى الذين يسارعون منهم فـي الإثم والعدوان وأكل السحت عما كانوا يفعلون من ذلك. وكان العلـماء يقولون: ما فـي القرآن آية أشدّ توبـيخا للعلـماء من هذه الاَية ولا أخوف علـيهم منها.

٩٦٢٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدثنا سلـمة بن نُبَـيط، عن الضحاك بن مزاحم فـي قوله: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّـانِـيّونَ والأحْبـارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ قال: ما فـي القرآن آية أخوف عندي منها أنّا لا ننهى.

٩٦٢٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا قـيس، عن العلاء بن الـمسيب، عن خالد بن دينار، عن ابن عبـاس ، قال: ما فـي القرآن آية أشدّ توبـيخا من هذه الاَية: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّـانِـيّونَ والأحبْـارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: كذا قرأ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٢٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك : لَوْلا يَنْهاهُمُ الرّبّـانِـيّونَ والأحْبـارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ.

٩٦٢٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: لَوْلا يَنْاهُمُ الرّبّـانِـيّونَ والأحْبـارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ يعنـي الربـانـيـين أنهم لبئس ما كانوا يصنعون

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ ...}.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن جراءة الـيهود علـى ربهم ووصفهم إياه بـما لـيس من صفته، توبـيخا لهم بذلك وتعريفـا منه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم قديـمَ جهلهم واغترارهم به وإنكارهم جميع جميـل أياديه له نبـيّ مبعوث ورسول مرسل أن كانت هذه الأنبـاء التـي أنبأهم بها كانت من خفـيّ علومهم ومكنونها التـي لا يعلـمها إلا أحبـارهم وعلـماؤهم دون غيرهم من الـيهود فضلاً عن الأمة الأمية من العرب الذين لـم يقرءوا كتابـا ولا وَعَوْا من علوم أهل الكتاب علـما فأطلع اللّه علـى ذلك نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم وسلـم لـيقرّر عندهم صدقه ويقطع بذلك حجتهم

يقول تعالى ذكره: وَقالَتِ الـيَهُودُ من بـين إسرائيـل يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ يعنون: أن خير اللّه مـمسك، وعطاءه مـحبوس عن الاتساع علـيهم، كما قال تعالـى ذكره فـي تأديب نبـيه صلى اللّه عليه وسلم: وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ. وإنـما وصف تعالـى ذكره الـيد بذلك، والـمعنى: العطاء، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم، فجرى استعمال الناس فـي وصف بعضهم بعضا إذا وصفوه بجود وكرم أو ببخـل وشحّ وضيق، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الـموصوف إلـى يديه، كما قال الأعشى فـي مدح رجل:

يَدَاكَ يَدَا مَـجْدٍ فَكَفّ مُفِـيدَةٌوكَفّ إذا ماضُنّ بـالزّادِ تُنْفِقُ

فأضاف ما كان صفة صاحب الـيد من إنفـاق وإفـادة إلـى الـيد ومثل ذلك من كلام العرب فـي أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى. فخاطبهم اللّه بـما يتعارفونه، ويتـحاورونه بـينهم فـي كلامهم،

فقال: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ يعنـي بذلك أنهم

قالوا: إن اللّه يبخـل علـينا ويـمنعنا فضله فلا يفضل، كالـمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف. تعالـى اللّه عما قال أعداء اللّه فقال اللّه مكذّبهم ومخبرهم بسخطه علـيهم: غُلّتْ أيْدِيهِمْ

يقول: أُمْسكت أيديهم عن الـخيرات، وقُبِضت عن الانبساط بـالعطيات، ولُعِنوا بـما قالوا، وأُبْعِدوا من رحمة اللّه وفضله بـالذي قالوا من الكفر وافتروا علـى اللّه ووصفوه به من الكذب، والإفك. بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ

يقول: بل يداه مبسوطتان بـالبذل والإعطاء وأرزاق عبـاده وأقوات خـلقه، غير مغلولتـين ولا مقبوضتـين. يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ

يقول: يعطى هذا ويـمنع هذا فـيقتر علـيه.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِـمَا قالُوا

قال: لـيس يعنون بذلك أن يد اللّه موثقة، ولكنهم يقولون: إنه بخيـل أمسك ما عنده. تعالـى اللّه عما يقولون علوّا كبـيرا

٩٦٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ قال: لقد يجهدنا اللّه يا بنـي إسرائيـل حتـى جعل اللّه يده إلـى نـحره. وكذبوا

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ قال: الـيهود تقول: لقد يجهدنا اللّه يا بنـي إسرائيـل ويا أهل الكتاب حتـى إن يده إلـى نـحره. بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء.

٩٦٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِـمَا قالُوا... إلـى: واللّه لا يُحِبّ الـمُفْسِدِينَ. أما قوله يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ

قالوا: اللّه بخيـل غير جواد، قال اللّه : بلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ.

٩٦٣٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِـمَا قالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ

قالوا: إن اللّه وضع يده علـى صدره فلا يبسطها حتـى يردّ علـينا ملكنا.

وأما قوله: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ

يقول: يرزق كيف يشاء.

٩٦٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ... الاَية، نزلت فـي فنـحاص الـيهوديّ.

٩٦٣٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو تـميـلة، عن عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك بن مزاحم، قوله: يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ يقولون: إنه بخيـل لـيس بجواد قال اللّه : غُلّت أيْدِيهِمْ: أمسكت أيديهم عن النفقة والـخير. ثم قال يعنـي نفسه: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتان يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقال: لا تـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةٌ

يقول: لا تـمسك يدك عن النفقة.

واختلف أهل الـجدل فـي تأويـل قوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ

فقال بعضهم: عُنـي بذلك نعمتاه، وقال: ذلك بـمعنى: يد اللّه علـى خـلقه، وذلك نعمه علـيهم وقال: إن العرب تقول: لك عندي يد، يعنون بذلك: نعمة.

وقال آخرون منهم: عنى بذلك القوّة، و

قالوا: ذلك نظير قول اللّه تعالـى ذكره: وَاذْكُرْ عِبـادَنا إبْرَاهِيـمَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولـى الأيْدِي.

وقال آخرون منهم: بل يده ملكه وقال: معنى قوله: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ: ملكه وخزائنه.

قالوا: وذلك كقول العرب للـمـملوك: هو ملك يـمينه، وفلان بـيده عقدة نكاح فلانة: أي يـملك ذلك، وكقول اللّه تعالـى ذكره: فَقَدّمُوا بـينَ يَدَيْ نَـجْوَاكُمْ صَدَقَةً.

وقال آخرون منهم: بل يد اللّه صفة من صفـاته هي يد، غير أنها لـيست بجارحة كجوارح بنـي آدم.

قالوا: وذلك أن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن خصوصية آدم بـما خصه به من خـلقه إياه بـيده.

قالوا: ولو كان لـخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم، إذ كان جميع خـلقه مخـلوقـين بقدرته ومشيئته فـي خـلقه تعمه وهو لـجميعهم مالك.

قالوا: وإذا كان تعالـى ذكره قد خصّ آدم بذكره خـلقه إياه بـيده دون غيره من عبـاده، كان معلوما إنه إنـما خصه بذلك لـمعنى به فـارق غيره من سائر الـخـلق.

قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، بطل قول من قال: معنى الـيد من اللّه القوّة والنعمة أو الـملك فـي هذا الـموضع.

قالوا: وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون إن يد اللّه فـي قوله: وَقَالتِ الـيَهُودُ يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ هي نعمته، لقـيـل: بل يده مبسوطة، ولـم يقل: بل يداه، لأن نعمة اللّه لا تـحصى بكثرة وبذلك جاء التنزيـل، يقول اللّه تعالـى: وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُـحْصُوها

قالوا: ولو كانت نعمتـين كانتا مـحصاتـين.

قالوا: فإن ظنّ ظانّ أن النعمتـين بـمعنى النعم الكثـيرة، فذلك منه خطأ وذلك أن العرب قد تـخرج الـجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه، وذلك كقول اللّه تعالـى ذكره: وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِـي خُسْرٍ، وكقوله: لَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ،

وقوله: وكانَ الكافِرُ علـى رَبّهِ ظَهِيرا

قال: فلـم يُرَدْ بـالإنسان والكافر فـي هذه الأماكن إنسان بعينه، ولا كافر مشار إلـيه حاضر، بل عُنـي به جميع الإنس وجميع الكفـار، ولكن الواحد أدّى عن جنسه كما تقول العرب: ما أكثر الدرهم فـي أيدي الناس، وكذلك قوله: وكانَ الكافِرُ معناه: وكان الذين كفروا.

قالوا: فأما إذا ثنـي الاسم، فلا يؤدّي عن الـجنس، ولا يؤدّي إلا عن اثنـين بأعيانهما دون الـجميع ودون غيرهما.

قالوا: وخطأ فـي كلام العرب أن يقال: ما أكثر الدرهمين فـي أيدي الناس بـمعنى: ما أكثر الدراهم فـي أيديهم.

قالوا: وذلك أن الدرهم إذا ثنـي لا يؤدّي فـي كلامها إلا عن اثنـين بأعيانهما.

قالوا: وغير مـحال: ما أكثر الدرهم فـي أيدي الناس وما أكثر الدراهم فـي أيديهم لأن الواحد يؤدّي عن الـجميع.

قالوا: ففـي قول اللّه تعالـى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ مع إعلامه عبـاده أن نعمه لا تـحصى، ومع ما وصفنا من أنه غير معقول فـي كلام العرب أن اثنـين يؤدّيان عن الـجميع، ما ينبىء عن خطأ قول من قال: معنى الـيد فـي هذا الـموضع: النعمة، وصحة قول من قال: إنّ يَدَ اللّه هي له صفة.

قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال به العلـماء وأهل التأويـل.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَـيزِيدَنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: إن هذا الذي أطلعناك علـيه من خفـيّ أمور هؤلاء الـيهود مـما لا يعلـمه إلا علـماؤهم وأحبـارهم، احتـجاحا علـيهم لصحة نبوّتك، وقطعا لعذر قائل منهم أن

يقول: ما جاءنا من بشير ولا نذير، لـيزيدنّ كثـيرا منهم ما أنزل إلـيك من ربك طغيانا وكفرا، يعنـي بـالطغيان: الغلوّ فـي إنكار ما قد علـموا صحته من نبوّة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم والتـمادي فـي ذلك. وكُفْرا

يقول: ويزيدهم مع غلوهم فـي إنكار ذلك جحودهم عظمة اللّه ووصفهم إياه بغير صفته، بأن ينسبوه إلـى البخـل، ويقولوا: يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ. وإنـما أعلـم تعالـى ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أنهم أهل عتوّ وتـمرّد علـى ربهم، وأنهم لا يذعنون لـحقّ وإن علـموا صحته، ولكنهم يعاندونه يسلـي بذلك نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عن الـموجِدة بهم فـي ذهابهم عن اللّه وتكذيبهم إياه. وقد بـينت معنى الطغيان فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى عن إعادته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَـيزِيدَنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا حملهم حسد مـحمد صلى اللّه عليه وسلم والعرب علـى أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوبـا عندهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلـى يَومْ القِـيامَةِ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلـى يَومْ القِـيامَةِ بـين الـيهود والنصارى. كما:

٩٦٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ إلـى يَومْ القِـيامَةِ الـيهود والنصارى.

فإن قال قائل: وكيف

قـيـل: وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ جعلت الهاء والـميـم فـي قوله بَـيْنَهُمْ كناية عن الـيهود والنصارى، ولـم يجر للـيهود والنصارى ذكر؟

قـيـل: قد جرى لهم ذكر، وذلك قوله: لا تَتّـخِذُوا الـيَهُودَ والنّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ جرى الـخبر فـي بعض الاَي عن الفريقـين وفـي بعض عن أحدهما، إلـى أن انتهى إلـى قوله: وألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ، ثم قصد بقوله: ألْقَـيْنا بَـيْنَهُمُ الـخبر عن القريقـين.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه .

يقول تعالـى ذكره: كلـما جمع أمرهم علـى شيء فـاستقام واستوى فأرادوا مناهضة من ناوأهم، شتته اللّه علـيهم وأفسده، لسوء فعالهم وخبث نـياتهم. كالذي:

٩٦٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: لَتُفْسِدُنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِـيرا فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ وَكانَ وَعْدا مَفْعُولاً ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَـيْهِمْ

قال: كان الفساد الأوّل، فبعث اللّه علـيهم عدوّا، فـاستبـاحوا الديار واستنكحوا النساء واستعبدوا الولدان وخرّبوا الـمسجد. فَغَبروا زمانا، ثم بعث اللّه فـيهم نبـيّا، وعاد أمرهم إلـى أحسن ما كان. ثم كان الفساد الثانـي بقتلهم الأنبـياء، حتـى قتلوا يحيى بن زكريا، فبعث اللّه علـيهم بختنصر، قتل من قتل منهم وسَبى من سَبى وخرّب الـمسجد، فكان بختنصر للفساد الثانـي

قال: والفساد: الـمعصية.

ثم قال: فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِـيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجدَ كما دَخَـلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ... إلـى قوله: وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا فبعث اللّه لهم عُزَيزا، وقد كان علّـم التوراة وحفظها فـي صدره، وكتبها لهم. فقام بها ذلك القرن، ولبثوا ونسوا. ومات عُزَيرٌ، وكانت أحداث، ونسوا العهد، وبخّـلوا ربهم، و

قالوا: يَدُ اللّه مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بـمَا قالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقالوا فـي عُزَيرٍ: إن اللّه اتـخذه ولدا. وكانوا يعيبون ذلك علـى النصارى فـي قولهم فـي الـمسيح، فخالفوا ما نَهَوْا عنه وعملوا بـما كانوا يُكَفّرون علـيه. فسبق من اللّه كلـمة عند ذلك أنهم لـم يظهروا علـى عدوّ آخر الدهر،

فقال: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا وَاللّه لا يُحِبّ الـمُفْسِدِينَ، فبعث اللّه علـيهم الـمـجوس الثلاثة أربـابـا، فلـم يزالوا كذلك والـمـجوس علـى رقابهم وهم يقولون: يا لـيتنا أدركنا هذا النبـيّ الذي نـجده مكتوبـا عندنا، عسى اللّه أن يفكنا به من الـمـجوس والعذاب الهون فبعث مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، واسمه مـحمد، واسمه فـي الإنـجيـل أحمد فَلَـمّا جَاءَهُمْ مَا عَرفُوا كَفَرُوا بِهِ، قال: فَلَعْنَةُ اللّه علـى الكافِرِينَ وقال: فَبـاءُوا بِغَضَبٍ علـى غَضَبٍ.

٩٦٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه هم الـيهود.

٩٦٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا أولئك أعداء اللّه الـيهود، كلـما أوقدوا نارا للـحرب أطفأها اللّه ، فلن تلقـى الـيهود ببلد إلا وجدتهم من أذلّ أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء وهم تـحت أيدي الـمـجوس أبغضِ خـلقه إلـيه.

٩٦٤١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه قال: كلـما أجمعوا أمرهم علـى شيء فرّقه اللّه ، وأطفأ حَدّهم ونارهم، وقذف فـي قلوبهم الرعب.

وقال مـجاهد بـما:

٩٦٤٢ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: كُلّـما أوْقَدُوا نارا للـحَرْبِ أطْفَأها اللّه قال: حرب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَسادا وَاللّه لا يُحِبّ الـمُفْسِدِينَ.

يقول تعالـى ذكره: ويعمل هؤلاء الـيهود والنصارى بـمعصية اللّه ، فـيكفرون بإياته ويكذّبون رسله ويخالفون أمره ونهيه، وذلك سعيهم فـيها بـالفساد. وَاللّه لا يُحِبّ الـمُفْسِدِينَ

يقول: واللّه لا يحبّ من كان عاملاً بـمعاصيه فـي أرضه.

٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتّقَوْاْ لَكَفّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنّاتِ النّعِيمِ }.

يقول تعالـى ذكره: ولَوْ أنّ أهْلَ الكِتابِ وهم الـيهود والنصارى، آمَنُوا بـاللّه وبرسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فصدّقوه واتبعوه وما أنزل علـيه. وَاتّقَوْا ما نهاهم اللّه عنه فـاجتنبوه. لَكَفّرْنا عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ

يقول: مـحونا عنهم ذنوبهم، فغطينا علـيها ولـم نفضحهم بها. ولأَدْخَـلْناهُمْ جَنّاتِ النّعِيـمِ

يقول: ولأدخـلناهم بساتـين ينعمون فـيها فـي الاَخرة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ أنّ أهْلَ الكِتابِ آمَنوا واتّقَوْا

يقول: آمنوا بـما أنزل اللّه ، واتقوا ما حرّم اللّه . لَكَفّرْنا عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ.

٦٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ ...}.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ولَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والإنْـجِيـلَ ولو أنهم عملوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل، وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ

يقول: وعملوا بـما أنزل إلـيهم من ربهم من الفرقان الذي جاءهم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

فإن قال قائل: وكيف يقـيـمون التوراة والإنـجيـل وما أنزل إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضا؟

قـيـل: وإن كانت كذلك فـي بعض أحكامها وشرائعها، فهي متفقة فـي الأمر بـالإيـمان برسل اللّه والتصديق بـما جاءت به من عند اللّه فمعنى إقامتهم التوراة والإنـجيـل وما أنزل إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم تصديقهم بـما فـيها والعمل بـما هي متفقة فـيه وكلّ واحد منها فـي الـخبر الذي فرض العمل به.

وأما معنى قوله: لاَءَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ فإنه يعنـي: لأنزل اللّه علـيهم من السماء قطرها، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونبـاتها فأخرج ثمارها.

وأما قوله: وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ فإنه يعنـي تعالـى ذكره: لأكلوا من بركة ما تـحت أقدامهم من الأرض، وذلك ما تـخرجه الأرض من حبها ونبـاتها وثمارها، وسائر ما يؤكل مـما تـخرجه الأرض.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : ولَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ يعنـي: لأرسل السماء علـيهم مدرارا. وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ: تـخرج الأرض بركتها.

٩٦٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ولَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ

يقول: إذا لأعطتهم السماء بركتها والأرض نبـاتها.

٩٦٤٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: ولَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ

يقول: لو عملوا بـما أنزل إلـيهم مـما جاءهم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، لأنزلنا علـيهم الـمطر فأنبت الثمر.

٩٦٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ولَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ أما إقامتهم التوراة: فـالعمل بها، وأما ما أنزل إلـيهم من ربهم: فمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وما أنزل علـيه.

يقول: لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ أما من فوقهم: فأرسلت علـيهم مطرا، وأما من تـحت أرجلهم،

يقول: لأنبتّ لهم من الأرض من رزقـي ما يغنـيهم.

٩٦٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: لاَءَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ قال: بركات السماء والأرض

قال ابن جريج: لأكلوا من فوقهم الـمطر، ومن تـحت أرجلهم من نبـات الأرض.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ

يقول: لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء، ومِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ

يقول: من الأرض.

وكان بعضهم

يقول: إنـما أريد بقوله: لاَءَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ التوسعة، كما يقول القائل: هو فـي خير من فَرْقه إلـى قدمه. وتأويـل أهل التأويـل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول، وكفـى بذلك شهيدا علـى فساده.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: مِنْهُمْ أُمّةٌ: منهم جماعة. مُقْتَصِدَةٌ

يقول: مقتصدة فـي القول فـي عيسى ابن مريـم قائلة فـيه الـحقّ إنه رسول اللّه وكلـمته ألقاها إلـى مريـم وروح منه، لا غالـية قائلة إنه ابن اللّه ، تعالـى عما قالوا من ذلك ولا مقصرة قائلة هو لغير رشدة. وكَثِـيرٌ مِنْهُمْ يعنـي من بنـي إسرائيـل من أهل الكتاب، الـيهود والنصارى. ساءَ ما يَعْمَلُونَ

يقول: كثـير منهم سيىء عملهم، وذلك أنهم يكفرون بـالله، فتكذّب النصارى بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وتزعم أن الـمسيح ابن اللّه ، وتكذّب الـيهود بعيسى وبـمـحمد صلـى اللّه علـيهما، فقال اللّه تعالـى فـيهم ذامّا لهم: ساءَ ما يَعْمَلُونَ فـي ذلك من فعلهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وهم مسلـمة أهل الكتاب وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ.

٩٦٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، قال: حدثنا عبد اللّه بن كثـير، أنه سمع مـجاهدا

يقول: تفرّقت بنو إسرائيـل فرقا، فقالت فرقة: عيسى هو ابن اللّه ، وقالت فرقة: هو اللّه ، وقالت فرقة: هو عبد اللّه وروحه وهي الـمقتصدة، وهي مسلـمة أهل الكتاب.

٩٦٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال اللّه : مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ:

يقول: علـى كتابه وأمره. ثم ذمّ أكثر القوم،

فقال: وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ.

٩٦٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ

يقول: مؤمنة.

٩٦٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ قال: الـمقتصدة أهل طاعة اللّه

قال: وهؤلاء أهل الكتاب.

٩٦٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله: مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ قال: فهذه الأمة الـمقتصدة الذين لا هم فسقوا فـي الدين ولا هم غلوْا

قال: والغلوّ: الرغبة، والفسق: التقصير عنه.

٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ...}.

وهذا أمر من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، بإبلاغ هؤلاء الـيهود والنصارى من أهل الكتابـين الذين قصّ اللّه تعالـى قصصهم فـي هذه السورة وذكر فـيها معايبهم وخبث أديانهم واجتراءهم علـى ربهم وتوثبهم علـى أنبـيائهم وتبديـلهم كتابه وتـحريفهم إياه ورداءة مطاعمهم ومآكلهم وسائر الـمشركين غيرهم، ما أنزل علـيه فـيهم من معايبهم والإزراء علـيهم والتقصير بهم والتهجين لهم، وما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن لا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبه فـي نفسه مكروه، ما قام فـيهم بأمر اللّه ، ولا جزعا من كثرة عددهم وقلة عدد من معه، وأن لا يتقـى أحدا فـي ذات اللّه ، فإن اللّه تعالـى كافـيه كلّ أحد من خـلقه، ودافعٌ عنه مكروه كل من يتقـي مكروهه. وأعلـمه تعالـى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مـما أنزل إلـيه إلـيهم، فهو فـي تركه تبلـيغ ذلك وإن قلّ ما لـم يبلغ منه، فهو فـي عظيـم ما ركب بذلك من الذنب بـمنزلته لو لـم يبلغ من تنزيـله شيئا.

وبـما قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٥٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ يعنـي: إن كتـمت آية مـما أنزل علـيك من ربك، لـم تبلغ رسالتـي.

٩٦٥٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ... الاَية، أخبر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أنه سيكفـيه الناس ويعصمه منهم، وأمره بـالبلاغ. ذكِر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قـيـل له: لو احتـجبت فقال: (واللّه لأُبْدِيَنّ عَقِبـي للنّاسِ ما صَاحَبْتُهُمْ).

٩٦٥٧ـ حدثنـي الـحارث بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان الثوريّ، عن رجل، عن مـجاهد، قال: لـما نزلت: بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ قال: (إنّـما أنا وَاحِدٌ، كَيْفَ أصْنَعُ؟ تَـجْتَـمِعُ علـيّ الناسُ) فنزلت: وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ... الاَية.

٩٦٥٨ـ حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، قال: لـمّا نزلت: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رسالَتَهُ واللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تَـحْرُسُونِـي إنّ رَبـيّ قَدْ عَصَمَنِـي).

٩٦٥٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عُلَـية، عن الـجريري، عن عبد اللّه بن شقـيق: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعتقبه ناس من أصحابه، فلـما نزلت: وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ خرج فقال: (يا أيّها النّاسُ الْـحَقُوا بِـمَلاحِقِكُمْ، فإنّ اللّه قَدْ عَصَمَنِـي مِنَ النّاسِ).

٩٦٦٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن عاصم بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يتـحارسه أصحابه، فأنزل اللّه : يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ وَإنْ لَـمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رَسالَتَهُ... إلـى آخرها.

٩٦٦١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا الـحارث بن عبـيدة أبو قدامة الإيادي، قال: حدثنا سعيد الـجريري، عن عبد اللّه بن شقـيق، عن عائشة، قالت: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يُحرس، حتـى نزلت هذه الاَية: وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ قالت: فأخرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رأسه من القبة،

فقال: (أيّها النّاسُ انْصَرِفُوا، فإنّ اللّه قَدْ عَصَمَنِـي).

٩٦٦٢ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن القرظي: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما زال يحرس حتـى أنزل اللّه : وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.

واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية،

فقال بعضهم: نزلت بسب أعرابـيّ كان همّ بقتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكفـاه اللّه إياه. ذكر من قال ذلك:

٩٦٦٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي وغيره، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظلـيـلة، فـيقـيـل تـحتها، فأتاه أعرابـي، فـاخترط سيفه ثم قال: من يـمنعك منـي؟ قال: (اللّه ). فرعدت يد الأعرابـي، وسقط السيف منه

قال: وضرب برأسه الشجرة حتـى انتثر دماغه، فأنزل اللّه : وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ.

وقال آخرون: بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا، فأومن من ذلك. ذكر من قال ذلك:

٩٦٦٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يهاب قريشا، فلـما نزلت: وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ استلقـى ثم قال: (مَنْ شاءَ فَلْـيَخْذُلْنِـي) مرّتـين أو ثلاثا.

٩٦٦٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن أبـي خالد، عن عامر، عن مسروق، قال: قالت عائشة: من حدّثك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كتـم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت: (يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ. ).. الاَية.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الـمغيرة، عن الشعبـيّ، قال: قالت عائشة: من قال إن مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم كتـم فقد كذب وأعظم الفرية علـى اللّه ، قال اللّه : يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ... الاَية.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن مسروق، قال: قال عائشة: من زعم أن مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم كتـم شيئا من كتاب اللّه فقد أعظم علـى اللّه الفرية، واللّه

يقول: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّك... الاَية.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي خالد، عن سعيد بن أبـي هلال، عن مـحمد بن الـحميـم، عن مسروق بن الأجدع، قال: دخـلت علـى عائشة يوما، فسمعتها تقول: لقد أعظم الفرية من قال: إن مـحمدا كتـم شيئا من الوحي، واللّه

يقول: يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ.

ويعنـي بقوله: وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ: يـمنعك من أن ينالوك بسوء، وأصله من عصام القربة، وهو ما توكأ به من سير وخيط، ومنه قول الشاعر:

وَقُلْتُ عَلَـيْكُمْ مالِكا إنّ مالِكاسيَعْصِمُكْم إنْ كانَ فِـي النّاسِ عاصِمُ

يعنـي: يـمنعكموأما قوله: إنّ اللّه لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكافِرِينَ فإنه يعنـي: إن اللّه لا يوفق للرشد من حاد عن سبـيـل الـحقّ وجار عن قصد السبـيـل وجحد ما جئته به من عند اللّه ، ولـم ينته إلـى أمر اللّه وطاعته فـيـما فرض علـيه وأوجبه.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىَ شَيْءٍ ...}.

وهذا أمر من اللّه تعالـى ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بـابلاغ الـيهود والنصارى الذين كانوا بـين ظهرانـيْ مهاجره،

يقول تعالـى ذكره له: قل يا مـحمد لهؤلاء الـيهود والنصارى: يا أَهْلَ الكِتابِ التوراة والإنـجيـل، لستـم علـى شيء مـما تدّعون أنكم علـيه مـما جاءكم به موسى صلى اللّه عليه وسلم معشر الـيهود، ولا مـما جاءكم به عيسى معشر النصارى، حتـى تقـيـموا التوراة والإنـجيـل وما أنزل إلـيكم من ربكم ما جاءكم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من الفرقان، فتعملوا بذلك كله وتؤمنوا بـما فـيه من الإيـمان بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وتصديقه، وتقرّوا بأن كلّ ذلك من عند اللّه ، فلا تكذبوا بشيء منه ولا تفرّقوا بـين رسل اللّه فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه، لأن كتب اللّه يصدّق بعضها بعضا، فمن كذّب ببعضها فقد كذّب بجميعها. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك جاء الأثر:

٩٦٦٦ـ حدثنا هناد بن السريّ وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رافع بن حارثة، وسلام بن مِشْكم، ومالك بن الصيف، ورافع بن حريـملة،

فقالوا: يا مـحمد ألست تزعم أنك علـى ملة إبراهيـم ودينه، وتؤمن بـما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من اللّه حقّ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (بَلـى، ولَكِنّكُمْ أحْدَثْتُـمْ وجَحَدْتُـمْ ما فِـيها مِـمّا أُخِذَ عَلَـيْكُمْ مِنَ الـمِيثاقِ، وكَتَـمْتُـمْ مِنْها ما أمِرْتُـمْ أنْ تُبَـيّنُوهُ للنّاسِ، وأنا بَرِيءٌ مِنْ أحْداثِكُمْ)

قالُوا: فإنّا نَأْخُذُ بـما فـي أيدينا، فإنا علـى الـحقّ والهدى، ولا نؤمن بك ولا نتبعك. فأنزل اللّه : قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُـمْ علـى شَيْءٍ حتـى تِقِـيـمُوا التّوْرَاةَ، والإنْـجِيـلِ وَما أُنْزِلَ إلَـيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ... إلـى: فَلا تَأْسَ علـى القَوْمِ الكافِرِينَ.

٩٦٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لَسْتُـمْ علـى شَيْءٍ حتـى تُقِـيـمُوا التّوْرَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ قال: فقد صرنا من أهل الكتاب التوراة للـيهود والإنـجيـل للنصارى. وما أنزل إلـيكم من ربكم، وما أنزل إلـينا من ربنا. أي لستـم علـى شيء حتـى تقـيـموا حتـى تعملوا بـما فـيه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ولَـيزِيدَنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ ....

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ولَـيزِيدَنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا: وأقسم لـيزيدنّ كثـيرا من هؤلاء الـيهود والنصارى الذين قصّ قصصهم فـي هذه الاَيات الكتابُ الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد طغيانا،

يقول: تـجاوزا وغلوّا فـي التكذيب لك علـى ما كانوا علـيه لك من ذلك قبل نزول الفرقان، كُفْرا

يقول: وجحودا لنبوّتك. وقد أتـينا علـى البـيان عن معنى الطغيان فـيـما مضى قبل.

وأما قوله: فَلا تَأْسَ علـى القَوْمِ الكافِرِينَ يعنـي: يقول فَلا تَأْس فلا تـحزن، يقال: أسِيَ فلان علـى كذا: إذا حزن يأسَى أسًى، ومنه قول الراجز:

(وانْـخَـلَبتْ عَيْناهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى )

يقول تعالـى ذكره لنبـيه: لا تـحزن يا مـحمد علـى تكذيب هؤلاء الكفـار من الـيهود والنصارى من بنـي إسرائي لك، فإن مثل ذلك منهم عادة وخـلق فـي أنبـيائهم، فكيف فـيك؟.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَلَـيزِيدَنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيانا وكُفْرا قال: الفرقان.

يقول: فلا تـحزن.

٩٦٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: فَلا تَأْسَ علـى القَوْمِ الكافِرِينَ قاال: لا تـحزن.

٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: إن الذين صدّقوا اللّه ورسوله، وهم أهل الإسلام، والّذين هَادُوا وهم الـيهود والصابئون. وقد بـينا أمرهم. والنّصَارى مَنْ آمَنَ بـاللّه والـيَوْمِ الاَخِرِ فصدّق بـالبعث بعد الـمـمات، وعمل من العمل صالـحا لـمعاده، فلا خَوْفٌ علـيهم فـيـما قدّموا علـيه من أهوال القـيامة، ولا هُمْ يَحْزَنُونَ علـى ما خـلفوا وراءهم من الدنـيا وعيشها بعد معاينتهم ما أمرمهم اللّه به من جزيـل ثوابه. وقد بـينا وجه الإعراب فـيه فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته.

٧٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ ... }.

يقول تعالـى ذكره: أقسم لقد أخذنا ميثاق بنـي إسرائيـل علـى الإخلاص وتوحيدنا، والعمل بـما أمرناهم به، والانتهاء عما نهيناهم عنه وأرسلنا إلـيهم بذلك رسلاً، ووعدناهم علـى ألسن رسلنا إلـيهم علـى العمل بطاعتنا الـجزيـل من الثواب، وأوعدناهم علـى العمل بـمعصيتنا الشديد من العقاب، كلـما جاءهم رسول لنا بـما لا تشتهيه نفوسهم ولا يوافق مـحبتهم كذبوا منهم فريقا ويقتلون منهم فريقا، نقضا لـميثاقنا الذي أخذناه علـيهم، وجراءة علـينا وعلـى خلاف أمرنا.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَسِبُوَاْ أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ...}.

يقول تعالـى: وظنّ هؤلاء الإسرائيـلـيون الـين وصف تعالـى ذكره صفتهم أنه أخذ ميثاقهم وأنه أرسل إلـيهم رسلاً، وأنهم كانوا كلـما جاءهم رسول بـما لا تهوى أنفسم كذّبوا فريقا وقتلوا فريقا، أن لا يكون من اللّه لهم ابتلاء واختبـار بـالشدائد من العقوبـات بـما كانوا يفعلون. فَعَمُوا وصَمّوا

يقول: فعموا عن الـحقّ والوفـاء بـالـميثاق الذي أخذته علـيهم من إخلاص عبـادتـي، والانتهاء إلـى أمري ونهيـي، والعمل بطاعتـي بحسبـانهم ذلك وظنهم، وصموا عنه. ثم تبت علـيهم،

يقول: ثم هديتهم بلطف منـي لهم، حتـى أنابوا ورجعوا عما كانوا علـيهم من معاصيّ وخلاف أمري، والعمل بـما أكرهه منهم إلـى العمل بـما أحبه، والانتهاء إلـى طاعتـي وأمري ونهيـي. ثُمّ عَمُوا وصَمّوا كَثِـيرٌ مِنْهُمْ

يقول: ثم عموا أيضا عن الـحقّ والوفـاء بـميثاقـي الذي أخذته علـيهم من العمل بطاعتـي والانتهاء إلـى أمري واجتناب معاصيّ، وَصمّوا كَثِـيرٌ منهم

يقول: عمي كثـير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بنـي إسرائيـل بـاتبـاع رسلـي والعمل بـما أنزلت إلـيهم من كتبـي عن الـحقّ، وصموا بعد توبتـي علـيهم واستنقاذي إياهم من الهلكة. وَاللّه بَصِيرٌ بِـمَا يَعْمَلُونَ

يقول: بصير فـيرى أعمالهم خيرها وشرّها، فـيجازيهم يوم القـيامة بجميعها، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ...الاَية،

يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء فعموا وصموا، كلـما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فـيه.

٩٦٧١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمّوا

يقول: حسبوا أن لا يبتلوا، فعموا عن الـحقّ وصمّوا.

٩٦٧٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مبـارك، عن الـحسن: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال بلاء.

٩٦٧٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَحَسِبُوا أنْ لا تكونَ فِتْنَةٌ قال: الشرك.

٩٦٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمّوا قال: الـيهود.

٩٦٧٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَعَمُوا وَصَمّوا قال: يهود

قال ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، قال: هذه الاَية لبنـي إسرائيـل

قال: والفتنة: البلاء والتـمـحيص.

٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّه هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ...}.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن بعض ما فَتَن به الإسرائيـلـيـين الذين أخبر عنهم أنهم حسبوا أن لا تكون فتنة

يقول تعالى ذكره: فكان مـما ابتلـيتهم واختبرتهم به فنقضوا فـيه ميثاقـي وغيروا عهدي الذي كنت أخذته علـيهم، بأن لا يعبدوا سواي ولا يتـخذوا ربـا غيري، وأن يوحدونـي، وينتهوا إلـى طاعتـي عبدي عيسى ابن مريـم، فإنـي خـلقته وأجريت علـى يده نـحو الذي أجريت علـى يد كثـير من رسلـي، فقالوا كفرا منهم: هو اللّه . وهذا قول الـيعقوبـية من النصارى، علـيهم غضب اللّه يقول اللّه تعالـى ذكره: فلـما اختبرتهم وابتلـيتهم بـما ابتلـيتهم به أشركوا بـي قالوا لـخـلق من خـلقـي وعبد مثلهم من عبـيدي وبَشَر نـحوهم معروف نسبه وأصله مولود من البشر يدعوهم إلـى توحيدي ويأمرهم بعبـادتـي وطاعتـي ويقرّ لهم بأنـي ربه وربهم وينهاهم عن أن يشركوا بـي شيئا، هو إلههم جهلاً منهم اللّه وكفرا به، ولا يَنبغي لله أن يكون والدا ولا مولودا.

ويعنـي بقوله: وَقالَ الـمَسيحُ يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ اعْبُدُوا اللّه رَبـي وَرَبّكُمْ

يقول: اجعلوا العبـادة والتذلل للذي له يذلّ كلّ شيء وله يخضع كل موجود، ربـي وربكم،

يقول: مالكي ومالككم، وسيدي وسيدكم، الذي خـلقنـي وإياكم. إنّهُ مَنْ يُشْركْ بـاللّه فَقَدْ حَرّمَ اللّه عَلَـيْهِ الـجَنّةَ أن يسكنها فـي الاَخرة، وَمأْوَاهُ النّارُ

يقول: ومرجعه ومكانه الذي يأوي إلـيه ويصير فـي معاده، من جعل لله شريكا فـي عبـادته نار جهنـم. وَما للظّالِـمِينَ

يقول: ولـيس لـمن فعل غير ما أبـاح اللّه له وعبد غير الذي له عبـادة الـخـلق، مِنْ أنْصَارٍ ينصرونه يوم القـيامة من اللّه ، فـينقذونه منه إذا أورده جهنـم.

٧٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّه ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ...}.

وهذا أيضا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيـلـيـين الذين وصف صفتهم فـي الاَيات قبل أنه لـما ابتلاهم بعد حسبـانهم أنهم لا يتبلون ولا يفتنون، قالوا كفرا بربهم وشركا: اللّه ثالث ثلاثة. وهذا قول كان علـيه جماهير النصارى قبل افتراق الـيعقوبـية والـملكانـية والنسطورية، كانوا فـيـما بلغنا يقولون: الإله القديـم جوهر واحد يعمّ ثلاثة أقانـيـم: أبـا والدا غير مولود، وابنا مولودا غير والد، وزوجا متتبعة بـينهما. يقول اللّه تعالـى ذكره مكذّبـا لهم فـيـما قالوا من ذلك: وما مِنْ إلهٍ إلاّ إلهٌ وَاحِدٌ

يقول: ما لكم معبود أيها الناس إلا معبود واحد، وهو الذي لـيس بوالد لشيء ولا مولود، بل هو خالق كلّ والد ومولود. وإنْ لـم يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ

يقول: إن لـم ينتهوا قائلوا هذه الـمقالة عما يقولون من قولهم: اللّه ثالث ثلاثة، لَـيَـمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ

يقول: لـيـمسنّ الذين يقولون هذه الـمقالة، والذين يقولون الـمقالة الأخرى هو الـمسيح ابن مريـم لأن الفريقـين كلاهما كفرة مشركون، فلذلك رجع فـي الوعيد بـالعذاب إلـى العموم. ولـم يقل: (لـيـمسنهم عذاب ألـيـم)، لأن ذلك لو قـيـل كذلك صار الوعيد من اللّه تعالـى ذكره خاصّا لقائل القول الثانـي، وهم القائلون: اللّه ثالث ثلاثة، ولـم يدخـل فـيهم القائلون: الـمسيح هو اللّه . فعمّ بـالوعيد تعالـى ذكره كل كافر، لـيعلـم الـمخاطبون بهذه الاَيات أن وعيد اللّه وقد شمل كلا الفريقـين من بـين إسرائيـل ومن كان من الكفـار علـى مثل الذي هم علـيه.

فإن قال قائل: وإن كان الأمر علـى ما وصفت فعلـى من عادت الهاء والـميـم اللتان فـي قوله: (مِنْهُمْ)؟

قـيـل: علـى بنـي إسرائيـل.

فتأويـل الكلام إذ ان الأمر علـى ما وصفنا: وإن لـم ينته هؤلاء الإسرائيـلـيون عما يقولون فـي اللّه من عظيـم القول، لـيـمسنّ الذين يقولون منهم إن الـمسيح هو اللّه والذين يقولون إن اللّه ثالث ثلاثة وكلّ كافر سلك سبـيـلهم عذابٌ ألـيـم بكفرهم بـالله.

وقد قال جماعة من أهل التأوي نـحو قولنا فـي أنه عنى بهذه الاَيات: النصارى. ذكر من قال ذلك:

٩٦٧٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه ثالِثُ ثَلاثَةٍ قال: قالت النصارى: هو الـمسيح وأمه، فذلك قول اللّه تعالـى: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّـخِذُونِـي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه .

٩٦٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّه ثالِثُ ثَلاثَةٍ نـحوه.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّه وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: أفلا يرجع هذان الفريقان الكافران، القائل

أحدهما: إن اللّه هو الـمسيح ابن مريـم والاَخر القائل: إن اللّه ثالث ثلاثة، عما قالا من ذلك، ويتوبـان بـما قالا وقطعا به من كفرهما، ويسألان ربهما الـمغفرة مـما قالا. واللّه غفور لذنوب التائبـين من خـلقه، الـمنـيبـين إلـى طاعته بعد معصيتهم، رحيـم بهم ي قبوله توبتهم ومراجعتهم إلـى ما يحب مـما يكره، فـيصفح بذلك من فعلهم عما سلف من إجرامهم قبل ذلك.

٧٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ ...}.

وهذا (خبرٌ) من اللّه تعالـى ذكره احتـجاجا لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـى فرق النصارى فـي قولهم فـي الـمسيح. يقول مكذّبـا للـيعقوبـية فـي قـيـلهم: هو اللّه ، والاَخرين قـي قـيـلهم: هو ابن اللّه : لـيس القول كما قال هؤلاء الكفرة فـي الـمسيح، ولكنه ابن مريـم ولدته ولادة الأمهات أبناءهنّ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنـما هو لله رسول كسائر رسله الذين كانوا قبله فمضوا وخـلوا، أجرى علـى يده ما شاء أن يجريه علـيها من الاَيات والعبر حجة له علـى صدقه وعلـى أنه لله رسول إلـى من أرسله إلـيه من خـلقه، كما أجرى علـى أيدي من قبله من الرسل من الاَيات والعبر حجة لهم علـى حقـيقة صدقهم فـي أنهم لله رسل. وأُمّهُ صِدّيقَة

يقول تعالـى ذكره: وأمّ الـمسيح صدّيقة، والصدّيقة: الفِعّيـلة من الصدق، وكذلك قولهم فلان صدّيق: فعيـل من الصدق، ومنه قوله تعالـى ذكره: وَالصّدّيقِـينَ والشّهَدَاءِ. وقد

قـيـل: إنّ أبـا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه إنـما قـيـل له الصدّيق لصدقه، وقد

قـيـل: إنـما سمي صدّيقا لتصديقه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي مسيره فـي لـيـلة واحدة إلـى بـيت الـمقدس من مكة وعوده إلـيها

وقوله: كانَا يَأكُلانِ الطّعامَ خبر من اللّه تعالـى ذكره عن الـمسيح وأمه أنهما كانا أهل حاجة إلـى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من الـمطاعم والـمشارب كسائر البشر من بنـي آدم. فإنّ من كان كذلك، فعير كائن إلها لأن الـمـحتاج إلـى الغذاء قوامه بغيره، وفـي قوامه بغيره وحاجته إلـى ما يقـيـمه دلـيـل واضح علـى عجزه، والعاجز لا يكون إلاّ مربوبـا لا ربّـا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: انْظُرْ كَيْفَ نُبَـيّنُ لَهُمُ الاَياتِ ثُمّ انْظُرْ أنّى يُؤْفَكُونَ.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: انظر يا مـحمد كيف نبـين لهؤلاء الكفرة من الـيهود والنصارى الاَيات، وهي الأدلة والأعلام والـحجج علـى بطول ما يقولون فـي أنبـياء اللّه ، وفـي فريتهم علـى اللّه ، وادّعائهم له ولدا، وشهادتهم لبعض خـلقه بأنه لهم ربّ وإله، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وبـاطل قـيـلهم، ولا ينزجرون عن فِرْيتهم علـى ربهم وعظيـم جهلهم، مع ورود الـحجج القاطعة عذرهم علـيهم

يقول تعالى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ثم انظر يا مـحمد أنّى يؤفكون؟

يقول: ثم انظر مع تبـيـيننا لهم آياتنا علـى بطول قولهم: أيّ وجه يُصْرفون عن بـياننا الذي بـينته لهم، وكيف عن الهدى الذي نهديهم إلـيه من الـحقّ يضِلون؟ والعرب تقول لكلّ مصروف عن شيء: هو مأفوك عنه، يقال: قد أَفَكْتُ فلانا عن كذا: أي صرفته عنه، فأنا آفِكه أفْكا، وهو مأفوك، وقد أُفِكَتِ الأرضُ: إذا صرف عنها الـمطر.

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّه هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

وهذا أيضا احتـجاج من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم علـى النصارى القائلـين فـي الـمسيح ما وصف من قـيـلهم فـيه قبل

يقول تعالى ذكره لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الكفرة من النصارى الزاعمين أن الـمسيح ربهم والقائلـين إن اللّه ثالث ثلاثة: أتعبدون سوى اللّه الذي يـملك ضُرّكم ونفعكم وهو الذي خـلقكم ورزقكم وهو يحيـيكم ويـميتكم، شيئا لا يـملك لكم شرّا ولا نفعا؟ يخبرهم تعالـى ذكره أن الـمسيح الذي زعم من زعم من النصارى أنه إله، والذي زعم من زعم منهم أنه لله ابن، لا يـملك لهم ضرّا يدفعه عنهم إن أحله اللّه بهم، ولا نفعا يجلبه إلـيهم إن لـم يقضه اللّه لهم

يقول تعالى ذكره: فكيف يكون ربـا وإلها من كانت هذه صفته؟ بل الربّ الـمعبود الذي بـيده كلّ شيء والقادر علـى كلّ شيء، فإياه فـاعبدوا وأخـلصوا له العبـادة دون غيره من العجزة الذين لا ينفعونكم ولا يضرّون.

وأما قوله: وَاللّه هُوَ السّمِيعُ العَلِـيـمُ فإنه يعنـي تعالـى ذكره بذلك: واللّه هو السميع لاستغفـارهم لو استغفروه من قـيـلهم ما أخبر عنهم أنهم يقولونه فـي الـمسيح، ولغير ذلك من منظقهم ومنطق خـلقه، العلـيـم بتوبتهم لو تابوا منه، وبغير ذلك من أمورهم.

٧٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ... }.

وهذا خطاب من اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم

يقول تعالى ذكره: قل يا مـحمد لهؤلاء الغالـية من النصارى فـي الـمسيح: يا أهْلَ الكِتابِ يعنـي بـالكتاب: الإنـجيـل، لا تَغْلُوا فِـي دِينِكُمْ

يقول: لا تفْرطوا فـي القول فـيـما تدينون به من أمر الـمسيح، فتـجاوزوا فـيه الـحقّ إلـى البـاطل، فتقولوا فـيه: هو اللّه ، أو هو ابنه ولكن قولوا: هو عبد اللّه وكلـمته ألقاها إلـى مريـم وروح منه. وَلا تَتّبِعُوا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ قَبْلُ وأضَلّوا كَثِـيرا

يقول: ولا تتبعوا أيضا فـي الـمسيح أهواء الـيهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبـيـل الهدي فـي القول فـيه، فتقولون فـيه كما

قالوا: هو لغير رِشْدة، وتَبْهتوا أمه كما بـيهتونها بـالفرية، وهي صدّيقة. وأضَلّوا كَثِـيرا

يقول تعالـى ذكره: وأضلّ هؤلاء الـيهود كثـيرا من الناس، فحادوا بهم عن طريق الـحقّ وحملوهم علـى الكفر بـاللّه والتكذيب بـالـمسيح. وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ

يقول: وضلّ هؤلاء الـيهود عن قصد الطريق، وركبوا غير مـحجة الـحقّ وإنـما يعنـي تعالـى ذكره بذلك كفرهم بـاللّه وتكذيبهم رسله عيسى ومـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، وذهابهم عن الإيـمان وبُعْدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم اللّه به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٦٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ قال: يهود.

٩٦٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لا تَتّبِعُوا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضلّوا مِنْ قَبْلُ وأضَلّوا كَثِـيرا فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتبـاعهم. وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ عن عدل السبـيـل.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالـى ذكره صفتهم: لا تغلوا فتقولوا فـي الـمسيح غير الـحقّ، وة تقولوا فـيه ما قالت الـيهود الذين قد لعنهم اللّه علـى لسان أنبـيائه ورسله داود وعيسى ابن مريـم. وكان لعن اللّه إياهم علـى ألسنتهم، كالذي:

٩٦٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: لعنوا بكلّ لسان، لعنوا علـى عهد موسى فـي التوراة، ولعنوا علـى عهد داود فـي الزبور، ولعنوا علـى عهد عيسى فـي الإنـجيـل، ولعنوا علـى عهد مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي القرآن.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ عَلـى لِسَان دَاوُدَ وَعيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ

يقول: لعنوا فـي الإنـجيـل علـى لسان عيسى ابن مريـم، ولعنوا فـي الزبور علـى لسان داود.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن أبـيه، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: خالطوهم بعد النهي فـي تـجاراتهم، فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض، فهم ملعونون علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم.

٩٦٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن مـجاهد: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: لعنوا علـى لسان داود فصاروا قردة، ولعنوا علـى لسان عيسى فصاروا خنازير.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ بكلّ لسان لعنوا علـى عهد موسى فـي التوراة، وعلـى عهد داود فـي الزبور، وعلـى عهد عيسى فـي الإنـجيـل، ولعنوا علـى لسان مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي القرآن.

قال ابن جريج،

وقال آخرون: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ علـى عهده، فلعنوا بدعوته

قال: مرّ داود علـى نفر منهم وهم فـي بـيت، فقال من فـي البـيت؟

قالوا: خنازير، قال: اللهمّ اجعلهم خنازير فكانوا خنازير ثم أصابتهم لعنته. ودعا علـيهم عيسى فقال: اللهمّ العن من افترى علـيّ وعلـى أمي، واجعلهم قردة خاسئين

٩٦٨٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ... الاَية، لعنهم اللّه علـى لسان داود فـي زمانه فجعلهم قردة خاسئين، وفـي الإنـجيـل علـى لسان عيسى فجعلهم خنازير.

٩٦٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا أو مـحصن حصين بن نـمير، عن حصين، يعنـي ابن عبد الرحمن، عن أبـي مالك، قال: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ قال: مسخوا علـى لسان داود قردة، وعلـى لسان عيسى خنازير.

حدثنـي يعقوب، قال، حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك، مثله.

٩٦٨٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن العلاء بن الـمسيب، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن سالـم الأفطس، عن أبـي عبـيدة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(إنّ الرّجُلَ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ كانَ إذَا رأس أخاهُ علـى الذّنْبِ نَهاهُ عَنْهُ تَعْذيرا، فإذَا كانَ مِنَ الغَدِ لَـمْ يَـمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وَخَـلِـيطَهُ وشَرِيبَه. فَلَـمّا رأى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ علـى بَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ علـى لِسانِ نَبِـيّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ).

ثم قال: (وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ لَتَأمُرُنّ بـالـمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنّ عَنِ الـمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنّ علـى يَدَيِ الـمُسِيء، ولتأطرُنّه علـى الـحقّ أَطْرا لَـيَضْرِبَنّ اللّه قُلُوبَ بَعْضِكُمْ علـى بَعْضٍ، ولَـيَـلْعَنَنّكُمْ كمَا لَعَنَهُمْ).

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير بن سلـيـمان، قال: حدثنا الـملائي، عن علـيّ بن بذيـمة، عن أبـي عبـية، عن عبد اللّه ، قال: لـما فشا الـمنكر فـي بنـي إسرائيـل، جعل الرجل يـلقـي الرجل فـ

يقول: يا هذا اتق اللّه ثم لا يـمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه. فلـما رأى اللّه ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم علـى بعض، ثم أنزل فـيهم كتابـا: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُون كانُوا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متكئا، فجلس وقال: (كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ حتـى تأْطِرُوا الظّالِـمَ علـى الـحَقّ أطْرا).

حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي، قال: حدثنا الـمومل بن إسماعيـل، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا علـيّ بن بذيـمة عن أبـي عبـيدة أظنه عن مسروق عن عبد اللّه ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(إنّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ لَـمّا ظَهَرَ مِنْهُمُ الـمُنْكَرُ جَعَلَ الرّجُلُ يَرَى أخاه وَجارَهُ وَصَاحِبَهُ علـى الـمُنْكَرِ فَـيَنْهاهُ، ثُمّ لا يَـمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وَشَرِيبَهُ ونَدِيـمَهُ، فَضَرَبَ اللّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ علـى بَعْضٍ، وَلُعِنُوا علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مِرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ... إلـى (فـاسِقُونَ))

قال عبد اللّه : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متكئا فـاستوى جالسا، فغضب وقال:

(لا وَاللّه حتـى تأْخُذُوا علـى يَدَيِ الظّالِـمِ فَتَأْطِرُوهُ علـى الـحَقّ أطْرا).

حدثنا ابن بشار، قال حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان عن علـيّ بن بذيـمة، عن أبـي عبـيدة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(إنّ بَنِـي إسْرائِيـلَ لَـمّا وَقَعَ فِـيهِم النّقْصُ كانَ الرّجُلُ يَرَى أخاهُ علـى الرّيْبِ فَـيَنْهاهُ عَنْهُ، فإذَا كانَ الغَدُ لَـمْ يَـمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وشَرِيبَهُ وَخَـلِـيطَهُ فَضَرَبَ اللّه قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ونزل فـيهم القرآن،

فقال: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ حتـى بلغ: وَلَكِنّ كَثـيرا مِنْهُمْ فـاسِقُونَ)

قال: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متكئا، فجلس وقال: (لا حتـى تَأْخُذُوا يَدَيِ الظّالِـمِ فَتَأْطِرُوه علـى الـحَقّ أطْرا).

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: أملاه علـيّ، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي الوضاح، عن علـيّ بن بذيـمة، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه ، عن النبـي صلى اللّه عليه وسلم بـمثله.

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، قال: سمعت أبـا عبـيدة

يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه. غير أنهما قالا فـي حديثهما: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متكئا، فـاستوى جالسا ثم قال:

(كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ حتـى تَأْخُذُوا علـى يَدَيِ الظّالِـمِ، فَتأطِرُوه علـى الـحَقّ أطْرا).

٩٦٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: فقال: لعنوا فـي الإنـجيـل وفـي الزبور. وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(إنّ رَحَى الإيـمَانِ قَدْ دَارَتْ، فَدُورُوا مَعَ القُرآنِ حَيْثُ دَارَ، فإنّهُ قَدْ فَرَغَ اللّه مِـمّا افْتَرَضَ فِـيهِ. وإنّهُ كانَتْ أُمّةٌ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ كانُوا أهْلَ عَدْلٍ، يَأْمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكَرِ، فأخَذَهُمْ قَوْمُهُمْ فَنَشَرُوهِمْ بـالـمَناشِيرِ، وَصَلَبُوهُمْ علـى الـخَشَبِ، وَبَقِـيَتْ مِنْهُمْ بَقِـيّةٌ، فَلَـمْ يَرْضَوْا حتـى دَاخَـلُوا الُـملُوكَ وَجالَسُوهُمْ، ثُمّ لَـمْ يَرْضَوْا حتـى وَاكَلُوهُمْ، فَضَرَبَ اللّه تِلْكَ القُلُوبَ بَعْضَها بِبَعْضٍ فَجَعَلَها وَاحِدَةً)، فذلك قول اللّه تعالـى: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ... إلـى ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ ماذا كانت معصيتهم؟ قال: (كَانُوا لايَتَنَاهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ).

فتأويـل الكلام إذن: لعن لله الذين كفروا من الـيهود بـاللّه علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم، ولعن واللّه آبـاؤهم علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم، بـما عصوا اللّه فخالفوا أمره وكانوا يعتدون،

يقول: وكانوا يتـجاوزون حدوده.

٧٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: كان هؤلاء الـيهود الذين لعنهم اللّه لا يَتَنَاهَوْنَ

يقول: لا ينتهون عن منكر فعلوه، ولا ينهى بعضهم بعضا. ويعنـي بـالـمنكر: الـمعاصي التـي كانوا يعصون اللّه بها. فتأويـل الكلام: كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه، لبْئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ وهذا قسم من اللّه تعالـى ذكره،

يقول: أقسم لبِئس الفعل كانوا يفعلون فـي تركهم الانتهاء عن معاصي اللّه تعالـى وركوب مـحارمه وقتل أنبـياء اللّه ورسله كما:

٩٦٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: كانُوا لا يَتَناهْوَنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا فـي فـي الكفر.

٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُواْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ترى يا مـحمد كثـيرا من بنـي إسرائيـل يتولون الذين كفروا،

يقول: يتولون الـمشركين من عبدة الأوثان، يعادون أولـياء اللّه ورسله لبِئْسَ ما قَدّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ

يقول تعالـى ذكره: أُقْسم لبئس الشيء الذي قدمت لهم أنفسهم أمامهم إلـى معادهم فـي الاَخرة. أنْ سَخِطَ اللّه عَلَـيْهِمْ فـي موضع رفع ترجمة عن (ما) الذي فـي قوله: لَبِئْسَ ما. وَفـي العذابِ همْ خالدونَ

يقول: وفـي عذاب اللّه يوم القـيامة هم خالدون، دائم مُقامهم ومُكثهم فـيه.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللّه والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـَكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بنـي إسرائيـل يُؤْمِنُونَ بـاللّه والنّبِـيّ

يقول: يصدّقون بـاللّه ويقرّون به ويوحدونه ويصدّقون نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، بأنه لله نبـيّ مبعوث ورسول مرسل. وما أُنْزِلَ إلَـيْهِ

يقول: يقرّون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من عند اللّه من آي الفرقان. ما اتّـخَذُوهُمْ أوْلِـيَاءٍ

يقول: ما اتـخذوهم أصحابـا وأنصارا من دون الـمؤمنـين. وَلَكِنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ فـاسِقُونَ

يقول: ولكن كثـيرا منهم أهل خروج عن طاعة اللّه إلـى معصيته وأهل استـحلال لـما حرّم اللّه علـيهم من القول والفعل. وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:

٩٦٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَالنّبِـيّ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِ ما اتّـخَذُوهُمْ أوْلِـياءَ قال: الـمنافقون.

٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لَتَـجِدَنّ يا مـحمد أشَدّ النّاسِ عَدَاوَةٍ للذين صدّقوك واتبعوك وصدّقوا بـما جئتهم به من أهل الإسلام، الـيَهُودَ والّذِينَ أشْرَكُوا يعنـي عبدة الأوثان الذين اتـخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون اللّه . وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةٍ للّذِينَ آمَنُوا

يقول: ولتـجدنّ أقرب الناس مودّة ومـحبة. والـمودّة: الـمفعلة، من قول الرجل: وَدِدْتُ كذا أودّه وُدّا ووِدّا ووَدّا ومودّة: إذا أحببته. للذين آمنوا،

يقول: للذين صدّقوا اللّه ورسوله مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم. الّذِينَ قالوا إنّا نَصَارَى ذَلكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن قبول الـحقّ واتبـاعه والإذعان به.

وقـيـل: إن هذه الاَية والتـي بعدها نزلت فـي نفر قِدموا علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من نصارى الـحبشة، فلـما سمعوا القرآن أسلـموا واتبعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقـيـل: إنها نزلت فـي النـجاشي ملك الـحبشة وأصحاب له أسلـموا معه. ذكر من قال ذلك:

٩٦٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا خَصِيف، عن سعيد بن جبـير، قال: بعث النـجاشيّ وفدا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقرأ علـيهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأسلـموا

قال: فأنزل اللّه تعالـى فـيهم: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الـيَهُودَ وَالّذِينَ أشْرَكُوا... إلـى آخر الاَية

قال: فرجعوا إلـى النـجاشي فأخبروه، فأسلـم النـجاشيّ، فلـم يزل مسلـما حتـى مات

قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ أخاكُمُ النّـجاشِي قَدْ ماتَ، فَصلّوا عَلَـيْهِ) فصلـى علـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة والنـجاشيّ بـالـحبشة.

٩٦٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله اللّه : وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى قال: هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الـحبشة.

٩٦٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بـمكة خاف علـى أصحابه من الـمشركين، فبعث جعفر بن أبـي طالب وابن مسعود وعثمان بن مظعون فـي رهط من أصحابه إلـى النـجاشيّ ملك الـحبشة فلـما بلغ ذلك الـمشركين، بعثوا عمور بن العاص فـي رهط منهم ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى النـجاشيّ،

فقالوا: إنه خرج فـينا رجل سفّه عقول قريش وأحلامها زعم أنه نبـيّ، وإنه بعث إلـيك رهطا لـيفسدوا علـيك قومك، فأحببنا أن نأتـيك ونـخبرك خبرهم

قال: إن جاءونـي نظرت فـيـما يقولون. فقدم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأقاموا ببـاب النـجاشي،

فقالوا: أتأذن لأولـياء اللّه ؟ فقال: ائذن لهم، فمرحبـا بأولـياء اللّه فلـما دخـلوا علـيه سلـموا، فقال له الرهط من الـمشركين: ألا ترى أيها الـملك أنا صدقناك، لـم يحيوك بتـحيتك التـي تـحيا بها؟ فقال لهم: ما منعكم أن تـحيّونـي بتـحيتـي؟

فقالوا: إنا حيـيناك بتـحية أهل الـجنة وتـحية الـملائكة

قال لهم: ما يقول صاحبكم فـي عيسى وأمه؟ قال:

يقول: هو عبد اللّه وكلـمة من اللّه ألقاها إلـى مريـم وروح منه، ويقول فـي مريـم: إنها العذراء البتول

قال: فأخذ عودا من الأرض،

فقال: ما زاد عيسى وأمه علـى ما قال صاحبكم قدر هذا العود فكره الـمشركون قوله، وتغيرت وجوههم

قال لهم: هل تعرفون شيئا مـما أنزل علـيكم؟

قالوا: نعم

قال: اقراءوا فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبـان وسائر النصارى، فعرفت كلّ ما قرءوا، وانـحدرت دموعهم مـما عرفوا من الـحقّ

قال اللّه تعالـى ذكره: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسيّسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ... الاَية.

٩٦٩١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنـي أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى... الاَية

قال: بعث النـجاشيّ إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اثنـي عشر رجلاً من الـحبشة، سبعة قسيسين وخمسة رهبـانا، ينظرون إلـيه ويسألونه. فلـما لقوه فقرأ علـيهم ما أنزل اللّه بكوا وآمنوا، فأنزل اللّه علـيه فـيهم: وإنّهُمْ لا يَسْتَكبرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يَقُولُونَ رَبّنا آمَنّا فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ فآمنوا ثم رجعوا إلـى النـجاشيّ. فهاجر النـجاشيّ معهم، فمات فـي الطريق، فصلـى علـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمسلـمون واستغفروا له.

٩٦٩٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء فـي قوله: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى... الاَية، هم ناس من الـحبشة آمنوا، إذ جاءتهم مهاجرة الـمؤمنـين.

وقال آخرون: بل هذه صفة قوم كانوا علـى شريعة عيسى من أهل الإيـمان فلـما بعث اللّه تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم آمنوا به. ذكر من قال ذلك:

٩٦٩٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا، فقرأ حتـى بلغ: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ: أناس من أهل الكتاب كانوا علـى شريعة من الـحقّ مـما جاء به عيسى، ويؤمنون به وينتهون إلـيه فلـما بعث اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم صدّقوا به وآمنوا، وعرفوا الذي جاء به أنه الـحقّ، فأثنى علـيهم ما تسمعون.

والصواب فـي ذلك من القول عندي أن اللّه تعالـى وصف صفة قوم

قالوا: إنا نصارى، أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيـمان بـاللّه ورسوله، ولـم يسمّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النـجاشيّ، ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا علـى شريعة عيسى فأدركهم الإسلام فأسلـموا لـما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الـحقّ، ولـم يستكبروا عنه.

وأما قوله تعالـى: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا فإنه

يقول: قربت مودّة هؤلاء الذين وصف اللّه صفتهم للـمؤمنـين من أجل أن منهم قسيسين ورهبـانا. والقسيسون: جمع قسيس، وقد يجمع القسيس: (قُسوس)، لأن القسّ والقسيس بـمعنى واحد. وكان ابن زيد يقول فـي القسيس بـما:

٩٦٩٤ـ حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: القسيسين: عُبّـادهم.

وأما الرّهبـان، فإنه يكون واحدا وجمعا فأما إذا كان جمعا، فإن واحدهم يكون راهبـا، ويكون الراهب حينئذ فـاعلاً من قول القائل: رَهب اللّه فلان، بـمعنى: خافه، يَرْهَبُه رَهَبـا ورَهْبـا، ثم يجمع الراهب رهبـان، مثل راكب وركبـان، وفـارس وفرسان. ومن الدلـيـل علـى أنه قد يكون عند العرب جمعا قول الشاعر:

رُهْبـانُ مَدْيَنَ لَوْ رأوْكِ تَنَزّلُواوالعُصْمُ منْ شَعَفِ العُقولِ الفـادِرِ

وقد يكون الرهبـان واحدا، وإذا كان واحدا كان جمعه رهابـين، مثل قربـان وقرابـين، وجُردان وجرادين. ويجوز جمعه أيضا رهابنة إذا كان كذلك. ومن الدلـيـل علـى أنه قد يكون عند العرب واحدا قول الشاعر:

لَوْ عايَنَتْ رُهْبـانَ دَيْرٍ فِـي القُلَلْلانـحَدَرَ الرّهْبـانُ يَـمْشِي وَنَزَلْ

واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا

فقال بعضهم: عنـي بذلك قوم كانوا استـجابوا لعيسى ابن مريـم حين دعاهم، واتبعوه علـى شريعته. ذكر من قال ذلك:

٩٦٩٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين عمن حدّثه، عن ابن عبـاس فـي قوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: كانوا نَوَاتـيّ فـي البحر يعنـي مَلاّحين قال: فمرّ بهم عيسى ابن مريـم، فدعاهم إلـى الإسلام فأجابوه

قال: فذلك قوله: قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا.

وقال آخرون: بل عنـي بذلك القوم الذين كان النـجاشيّ بعثهم إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

٩٦٩٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، قال: حدثنا عنبسة عمن حدثه، عن أبـي صالـح فـي قوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: ستة وستون، أو سبعة وستون، أو اثنان وستون من الـحبشة، كلهم صاحب صومعة، علـيهم ثـياب الصوف.

٩٦٩٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفـيان، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خمسين أو سبعين من خيارهم، فجعلوا يبكون،

فقال: هم هؤلاء.

٩٦٩٨ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: هم رسل النـجاشيّ الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه، كانوا سبعين رجلاً اختارهم الـخير فـالـخير. فدخـلوا علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقرأ علـيهم: يس والقُرْآنِ الـحَكِيـمِ فبكوا وعرفوا الـحقّ، فأنزل اللّه فـيهم: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا، وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، وأنزل فـيهم: الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... إلـى قوله: يُؤْتَوْنَ أجْرَهْمْ مَرّتـينِ بِـمَا صَبرُوا.

والصواب فـي ذلك من القول عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن النفر الذين أثنى علـيهم من النصارى بقرب مودتهم لأهل الإيـمان بـاللّه ورسوله، أن ذلك إنـما كان منهم لأن منهم أهل اجتهاد فـي العبـادة وترهيب فـي الديارات والصوامع، وأن منهم علـماء بكتبهم وأهل تلاوة لها، فهم لا يبعدون من الـمؤمنـين لتواضعهم للـحقّ إذا عرفوه، ولا يستكبرون عن قبوله إذا تبـينوه لأنهم أهل دين واجتهاد فـيه ونصيحة لأنفسهم فـي ذات اللّه ، ولـيسوا كالـيهود الذين قد دَرِبُوا بقتل الأنبـياء والرسل ومعاندة اللّه فـي أمره ونهيه وتـحريف تنزيـله الذي أنزله فـي كتبه.

تابع : تفسير سورة المائدة

٨٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى الذين وصفت لك يا مـحمد صفتهم أنك تـجدهم أقرب الناس مودّة للذين آمنوا، ما أنزل إلـيك من الكتاب يتلـى، تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ. وفـيض العين من الدمع: امتلاؤها منه ثم سيلانه منها كفـيض النهر من الـماء، وفـيض الإناء، وذلك سيلانه عن شدّة امتلائه ومنه قول الأعشى:

فَفـاضَتْ دُمُوعِي فَطَلّ الشّؤونِ إمّا وَكِيفـا وإمّا انْـحِدَارَا

 

وقوله: مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ

يقول: فـيض دموعهم لـمعرفتهم بأن الذي يتلـى علـيهم من كتاب اللّه الذي أنزله إلـى رسول اللّه حقّ. كما:

٩٦٩٩ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر الهمدانـي، عن إسماعيـل بن عبد الرحمن السديّ، قال: بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم اثنى عشر رجلاً يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ علـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القرآن فبكوا. وكان منهم سبعة رهبـان وخمسة قسيسون، أو خمسة رهبـان وسبعة قسيسون، فأنزل اللّه فـيهم: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ... إلـى آخر الاَية.

٩٧٠٠ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عمر بن علـيّ بن مقدّم، قال: سمعت هشام بن عروة يحدّث عن أبـيه، عن عبد اللّه بن الزبـير، قال: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـم، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله: تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرفُوَا مِنَ الـحَقّ قال: ذلك فـي النـجاشيّ.

حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: كانوا يرون أن هذه الاَية أنزلت فـي النـجاشيّ: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ.

٩٧٠١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: قال ابن إسحاق، سألت الزهري عن الاَيات: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ... الاَية. وقوله وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال: ما زلت أسمع علـماءنا يقولون: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه.

وأما قوله: يَقولُونَ فإنه لو كان بلفظ اسم كان نصبـا علـى الـحال، لأنّ معنى الكلام: وإذا سمعوا ما أنزل إلـى الرسول ترى أعينهم تفـيض من الدمع مـما عرفوا من الـحقّ، قائلـين ربنا آمنا. ويعنـي بقوله تعالـى ذكره: يَقُولُونَ رَبَنّا آمَنا أنهم يقولون: يا ربنا صدّقنا لـما سمعنا ما أنزلته إلـى نبـيك مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من كتابك، وأقررنا به أنه من عندك وأنه الـحقّ لا شكّ فـيه.

وأما قوله: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ فإنه رُوي عن ابن عبـاس وغيره فـي تأويـله، ما:

٩٧٠٢ـ حدثنا به هناد قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وابن نـمير جميعا، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: اكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ قال: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

٩٧٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ مع أمة مـحمدصلى اللّه عليه وسلم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ يعنون بـالشاهدين: مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم وأمته.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ قال مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته، أنهم شهدوا أنه قد بلّغ، وشهدوا أن الرسل قد بلّغت.

حدثنا الربـيع، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، قال: ثنـي إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، مثل حديث الـحرثق بن عبد العزيز، غير أنه قال: وشهدوا للرسل أنهم قد بلّغُوا.

فكأنّ متأوّل هذا التأويـل قصد بتأويـله هذا إلـى معنى قول اللّه تعالـى ذكره: وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ علـى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَـيْكُمْ شَهِيدا فذهب ابن عبـاس ألـى أن الشاهدين هم الشهداء فـي قوله: لِتَكُونوا شُهَدَاءَ علـى النّاسِ وهم أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

وإذا كان التأويـل ذلك، كان معنى الكلام: يقولون ربنا آمنا فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبـيائك يوم القـيامة أنهم قد بلّغوا أمـمهم رسالاتك.

ولو قال قائل: معنى ذلك: فـاكتبنا مع الشاهدين الذين يشدون أن ما أنزلته إلـى رسولك من الكتب حقّ، كان صوابـا لأن ذلك خاتـمة قوله: وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يَقُولُونَ رَبّنا آمَنّا فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ وذلك صفة من اللّه تعالـى ذكره لهم بإيـمانهم لـما سمعوا من كتاب اللّه ، فتكون مسألتهم أيضا اللّه أن يجعلهم مـمن صحت عنده شهادتهم بذلك، ويُـلـحقهم فـي الثواب والـجزاء منازلهم. ومعنى الكتاب فـي هذا الـموضع: الـجَعْل،

يقول: فـاجْعَلْنا مَعَ الشّاهِدِينَ، وأثبتنا معهم فـي عدادهم.

٨٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّه وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ }.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلـى رسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من كتابه، آمنوا به وصدّقوا كتاب اللّه ، و

قالوا: ما لنا لا نؤمن بـالله؟

يقول: لا نقرّ بوحدانـية اللّه وما جَاءَنا مِنَ الـحَقّ

يقول: وما جاءنا من عند اللّه من كتابه وآي تنزيـله، ونـحن نطمع بإيـماننا بذلك أنْ يُدْخِـلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِـحِينَ يعنـي بـالقوم الصالـحين: الـمؤمنـين بـاللّه الـمطيعين له، الذين استـحقوا من اللّه الـجنة بطاعتهم إياه. وإنـما معنى ذلك: ونـحن نطمع أن يدخـلنا ربنا مع أهل طاعته مداخـلهم من جنته يوم القـيامة، ويـلـحق منازلنا بـمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم فـي جناته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٧٠٤ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بـاللّه وَما جاءَنا مِنَ الـحَقّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِـلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِـحِينَ قال: (القَوْم الصالـحون): رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَثَابَهُمُ اللّه بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فجزاهم اللّه بقولهم: فجزاهم اللّه بقولهم: ربنا آمنا فـاكتبنا مع الشاهدين، وما لنا لا نؤمن بـاللّه وما جاءنا من الـحقّ، ونطمع أن يدخـلنا ربنا مع القوم الصالـحين جَنّاتٍ تَـجْري مِنْ تَـحْتِهَا الأَنْهَارُ يعنـي: بساتـين تـجري من تـحت أشجارها الأنهار خَالِدِينَ فِـيَها

يقول: دائما فـيها مكثهم، لا يخرجون منها ولا يحولون عنها. وذَلِكَ جَزَاءُ الـمُـحْسِنِـينَ

يقول: وهذا الذي جزيت هؤلاء القائلـين بـما وصفت عنهم من قـيـلهم علـى ما قالوا من الـجنات التـي هم فـيها خالدون، جزاء كلّ مـحسن فـي قـيـله وفعله. وإحسان الـمـحسن فـي ذلك أن يوحد اللّه توحيدا خالصا مـحضا لا شرك فـيه، ويقرّ بأنبـياء اللّه وما جاءت به من عند اللّه من الكتب، ويؤدّي فرائضه، ويجتنب معاصيه، فذلك كمال إحسان الـمـحسنـين الذين قال اللّه تعالـى: جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ خالِدِينَ فـيها.

٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }.

يقول تعالـى ذكره: وأما الذين جحدوا توحيد اللّه ، وأنكروا نبوّة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وكذّبوا بآيات كتابه، فإن أولئك أصحاب الـجحيـم،

يقول: هم سكانها واللابثون فـيها. والـجحيـم: ما اشتدّ من النار، وهو الـجاحم والـجحيـم.

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللّه لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّه لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم أنه حقّ من عند اللّه لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أَحَلّ لَكُمْ يعنـي بـالطيبـات: اللذيذات التـي تشتهيها النفوس وتـميـل إلـيها القلوب، فتـمنعوها إياها، كالذي فعله القسيسون والرهبـان، فحرّموا علـى أنفسهم النساء والـمطاعم الطيبة والـمشارب اللذيذة، وحبس فـي الصوامع بعضهم أنفسهم، وساح فـي الأرض بعضهم

يقول تعالى ذكره: فلا تفعلوا أيها الـمؤمنون كما فعل أولئك، ولا تعتدوا حَدّ اللّه الذي حدّ لكم فـيـما أحلّ لكم وفـيـما حرّم علـيكم فتـجاوزوا حَدّهُ الذي حَدّه، فتـخالفوا بذلك طاعته، فإن اللّه لا يحبّ من اعتدى حدّه الذي حدّه لـخـلقه فـيـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٧٠٥ـ حدثنـي أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر أبو زبـيد، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ... الاَية، قال: عثمان بن مظعون وأناس من الـمسلـمين حرّموا علـيهم النساء، وامتنعوا من الطعام الطيّب، وأراد بعضهم أن يقطع ذَكَره، فنزت هذه الاَية.

٩٧٠٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: ثنـي خالد الـحذاء، عن عكرمة، قال: كان أناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم هموا بـالـخصاء وترك اللـحم والنساء، فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.

٩٧٠٧ـ حدثنـي يعقوب قال: حدثنا ابن علـية، عن خالد، عن عكرمة: أن رجالاً أرادوا كذا وكذا، وأرادوا كذا وكذا، وأن يختصوا، فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ إلـى قوله: الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤمِنُونَ.

٩٧٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ قال: كانوا حرّموا الطيب واللـحم، فأنزل اللّه تعالـى هذا فـيهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: حدثنا خالد، عن عكرمة: أن أناسا

قالوا: لا نتزوّج، ولا نأكل، ولا نفعل كذا وكذا. فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.

٩٧٠٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبـي قِلابة قال: أراد أناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أن يرفضوا الدنـيا ويتركوا النساء ويترهبوا، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فغلظ فـيهم الـمقالة، ثم قال: (إنـما هَلكَ مَنْ كَان قَبْلَكُمْ بـالتّشْدِيدِ، شَدّدُوا علـى أنْفُسِهِمْ فَشَدّدَ اللّه عَلَـيْهِمْ، فأولئك بَقَايَاهُمْ فـي الدّيار والصّوَامِع، اعْبُدُوا اللّه ولا تُشْرِكُوا به شيئا، وحجّوا واعْتَـمِرُوا، واسْتَقِـيـمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ)

قال: ونزلت فـيهم: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ... الاَية.

٩٧١٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ قال: نزلت فـي أناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، أرادوا أن يتـخـلوا من اللبـاس ويتركوا النساء ويتزهدوا، منهم علـيّ بن أبـي طالب وعثمان بن مظعون.

٩٧١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن زياد بن فـياض، عن أبـي عبد الرحمن، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لا آمُرُكُمْ أنْ تَكُونُوا قِسّيسينَ وَرُهْبـانا).

٩٧١٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ... الاَية ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رفضوا النساء واللـحم وأرادوا أن يتـخذوا الصوامع فلـما بلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (لـيس فـي دينـي تَرْكُ النّساءِ واللّـحْم، ولا اتّـخَاذُ الصّوَامِعِ). وخُبّرنا أن ثلاثة نفر علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتفقوا، فقال أحمدهم: أما أنا فأقوم اللـيـل لا أنام، وقال أحدهم: أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر، وقال

الاَخر: أما أنا فلا أتـي النساء. فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـيهم،

فقال: (ألَـمْ أُنَبّأْ أنّكُمُ اتّفَقْتُـمْ علـى كَذَا؟)

قالوا: بلـى يا رسول اللّه ، وما أردنا إلا الـخير

قال:

(لَكِنّـي أقُومُ وأنامُ وأصُومُ وأُفْطِرُ وآتِـي النّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي). وكان فـي بعض القراءة: (من رغب عن سنتك فلـيس من أمتك وقد ضلّ عن سواء السبـيـل). وذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأناس من أصحابه:

(إنّ مَن قبلكم شدّدوا علـى انْفُسِهِمْ فَشدّدَ اللّه عَلَـيْهِمْ، فهَؤُلاء إخْوَانُهُم فـي الدّور والصّوَامِعِ، اعْبُدُوا اللّه ولا تُشْرِكُوا به شَيْئا، وأقِـيـمُوا الصّلاةَ، وآتُوا الزّكاة، وصُومُوا رَمَضَانَ، وحُجّوا واعْتَـمِرُوا، واسْتَقِـيـمُوا يُسْتَقَم لكم).

٩٧١٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلس يوما، فذكّر الناس، ثم قام ولـم يزدهم علـى التـخويف، فقال أناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانوا عشرة، منهم علـيّ بن أبـي طالب، وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لـم نـحدث عملاً فإن النصارى قد حرّموا علـى أنفسهم، فنـحن نـحرّم. فحرّم بعضهم أكل اللـحم والوَدَك وأن يأكل بـالنهار، وحرّم بعضهم النوم، وحرّم بعضهم النساء، فكان عثمان بن مظعون مـمن حرّم النساء، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه، فأتت امرأته عائشة وكان يقال لها: الـحولاء، فقالت لها عائشة ومَن عندها من نساء النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: ما بـالك يا حولاء متغيرة اللون، لا تـمتشطين ولا تطيبـين؟ فقالت: وكيف أتطيب وأمتشط وما وقع علـيّ زوجي ولا رفع عنـي ثوبـا منذ كذا وكذا فجعلن يضحكن من كلامها، فدخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهن يضحكن،

فقال: (ما يُضْحِكُكُنّ؟) قالت: يا رسول اللّه ، الـحولاء سألتها عن أمرها، فقالت: ما رفع عنـي زوجي ثوبـا منذ كذا وكذا. فأرسل إلـيه فدعاه،

فقال: (ما بَـالُكَ يا عُثْمانُ؟) قال: إنـي تركته لله لكي أتـخـلـى للعبـادة. وقصّ علـيه أمره، وكان عثمان قد أراد أن يَجُبّ نفسه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أقْسَمْتُ عَلَـيْكَ إلاّ رَجَعْتَ فَوَاقَعْتَ أهْلَكَ) فقال: يا رسول اللّه إنـي صائم

قال: (أفْطِرْ) فأفْطَر وأتـى أهله. فرجعت الـحَوْلاء إلـى عائشة قد اكتـحلت وامتشطت وتطيبت، فضحكت عائشة فقالت: ما بـالك يا حولاء؟ فقالت: إنه أتاها أمس. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما بـالُ أقْوَامٍ حَرّمُوا النّساءَ وَالطّعامَ والنّوْمَ؟ ألا إنّـي أنامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأُصُومُ وأنْكِحُ النّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي). فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا يقول لعثمان: لا تـجبّ نفسك، فإن هذا هو الاعتداء. وأمرهم أن يكفّروا أيـمانهم،

فقال: لا يؤاخذكمُ اللّه بـاللّغوِ فِـي أيْـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ.

٩٧١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ قال: هم رهط من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم

قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنـيا، ونسيح فـي الأرض كما تفعل الرهبـان. فبلغ ذلك النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل إلـيهم، فذكر ذلك لهم،

فقالوا: نعم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(لَكِنّـي أصُومُ وأفْطُرِ وأُصَلّـي وأنامُ وأنْكِحُ النّساءَ، فَمَنْ أخَذَ بِسُنّتِـي فَهُوَ مِنّـي، وَمَنْ لَـمْ يَأْخُذْ بِسُنّتِـي فَلَـيْسَ مِنّـي).

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وذلك أن رجالاً من أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم منهم عثمان بن مظعون حرّموا النّساءَ وَاللّـحْمَ علـى أنْفُسِهِمْ، وأخذوا الشفـار لـيقطعوا مذاكيرهم لكي تنقطع الشهوة ويتفرّغوا لعبـادة ربهم. فأُخبر بذلك النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (ما أرَدْتُـمْ؟)

فقالوا: أردنا أن نقطع الشهوة عنا ونتفرّغ لعبـادة ربنا ونلهو عن النساء. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(لَـمْ أُومَرُ بِذَلِكَ، وَلَكِنّـي أُمِرْتُ فِـي دِينِـي أنْ أتَزَوّجَ النّساءَ).

فقالوا: نطيع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتِدينَ... إلـى قوله: الّذِي أنُتـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ.

٩٧١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد اللّه بن عمرو أن يتبتلوا ويخْصوا أنفسهم، ويـلبسوا الـمسوح، فنزلت هذه الاَية إلـى قوله: واتّقُوا اللّه الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ

قال ابن جريج عن عكرمة: إن عثمان بن مظعون، وعلـيّ بن أبـي طالب، وابن مسعود، والـمقداد بن الأسود، وسالـما مولـى أبـي حذيفة فـي أصحاب تبتّلوا، فجلسوا فـي البـيوت واعتزلوا النساء ولبسوا الـمسوح وحرّموا طيبـات الطعام واللبـاس، إلا ما أكل ولبس أهل السياحة من بنـي إسرائيـل، وهمّوا بـالاختصاء، وأجمعوا لقـيام اللـيـل وصيام النهار، فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ

يقول: لا تستَنّوا بغير سنة الـمسلـمين، يريد ما حرّموا من النساء والطعام واللبـاس، وما أجمعوا له من صيام النهار وقـيام اللـيـل، وما همّوا له من الإخصاء. فلـما نزلت فـيهم بعث إلـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (إنّ لأِنْفُسِكُمْ حَقّا، وَإنّ لاِءَعَيُنِكُمْ حَقّا، صُومُوا وأفْطِرُوا وَصَلّوا وَنامُوا فَلَـيْسَ مِنّا مَنْ تَرَكَ سُنّتَنا).

فقالوا: اللهمّ أسلَـمْنا واتبعنا ما أنزلت.

٩٧١٦ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ قال: قال أبىّ: ضاف عبدَ اللّه بن رواحة ضيفٌ، فـانقلب ابن رواحة ولـم يتعشّ، فقال لأهله: ما عشيتِه؟ فقالت: كان الطعام قلـيلاً فـانتظرت أن تأتـي

قال: فحبستِ ضيفـي من أجلـي؟ فطعامك علـيّ حرام إن ذقته فقالت: هي وهو علـيّ حرام إن ذقته إن لـم تذقه وقال الضيف: هو علـيّ حرام إن لـم تذوقوه فلـما رأى ذلك، قال ابن رواحة: قرّبـي طعامك، كلوا بسم اللّه وغدا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ أحْسَنْتَ) فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ... وقرأ حتـى بلغ: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغُوِ فِـي إيـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ إذا قلت: واللّه لا أذوقه، فذلك العقد.

٩٧١٧ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا عكرمة، عن ابن عبـاس : أن رجلاً أتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: يا رسول اللّه ، إنـي إذا أصبت من اللـحم انتشرت وأخذتنـي شهوتـي، فحرّمت اللـحم. فأنزل اللّه تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ.

٩٧١٨ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا خالد الـحذّاء، عن عكرمة، قال: همّ أناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بترك النساء والـخصاء، فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ... الاَية.

واختلفوا فـي معنى الاعتداء الذي قال تعالـى ذكره: وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ

فقال بعضهم: الاعتداء الذي نهي اللّه عنه فـي هذا الـموضع هو ما كان عثمان بن مظعون همّ به من جبّ نفسه، فنهى عن ذلك، و

قـيـل له: هذا هو الاعتداء. ومـمن قال ذلك السديّ.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنـي أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عنه به.

وقال آخرون: بل ذلك هو ما كان الـجماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم همّوا به من تـحريـم النساء والطعام واللبـاس والنوم، فُنهوا أن يفعلوا ذلك وأن يستَنّوا بغير سنة نبـيهم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ومـمن قال ذلك عكرمة.

٩٧١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عنه به.

وقال بعضهم: بل ذلك نهي من اللّه تعالـى ذكره أن يتـجاوز الـحلال إلـى الـحرام. ذكر من قال ذلك:

٩٧٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن عاصم، عن الـحسن: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا قال: لا تعتدوا إلـى ما حرّم علـيكم.

وقد بـيّنا أن معنى الاعتداء: تـجاوز الـمرء ماله إلـى ما لـيس له فـي كلّ شيء، فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وإذ كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالـى ذكره قد عمّ بقوله: لا تَعْتَدُوا النهي عن العدوان كله، كان الواجب أن يكون مـحكوما لـما عمه بـالعموم حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له. ولـيس لأحد أن يتعدّى حدّ اللّه تعالـى فـي شي من الأشياء مـما أحلّ أو حرّم، فمن تعدّاه فهو داخـل فـي جملة من قال تعالـى ذكره: إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ. وغير مستـحيـل أن تكون الاَية نزلت فـي أمر عثمان بن مظعون والرهط الذين همّوا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـما همّوا به من تـحريـم بعض ما أحلّ اللّه لهم علـى أنفسهم، ويكون مرادا بحكمها كلّ من كان فـي مثل معناهم مـمن حرّم علـى نفسه ما أحلّ اللّه له أو أحلّ ما حرّم اللّه علـيه أو تـجاوز حدّا حدّه اللّه له، وذلك أن الذين همّوا بـما همّوا به من تـحريـم بعض ما أحلّ لهم علـى أنفسهم إنـما عوتبوا علـى ما همّوا به من تـجاوزهم ما سنّ لهم وحدّ إلـى غيره.

٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّه حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّه الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمؤمنـين الذين نهاهم أن يحرّموا طيبـات ما أحلَ اللّه لهم: كلوا أيها الـمؤمنون من رزق اللّه الذي رزقكم وأحله لكم حلالاً طيبـا. كما:

٩٧٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: وكُلُوا مِـمّا رَزَقَكُمُ اللّه حَلالاً طَيّبـا يعنـي: ما أحلّ اللّه لهم من الطعام.

وأما قوله: وَاتّقُوا اللّه الّذِي أنْتُـمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فإنه

يقول: وخافوا أيها الـمؤمنون أن تعتدوا فـي حدوده، فتـحلوا ما حرّم علـيكم وتـحرّموا ما أحلّ لكم، واحذروه فـي ذلك أن تـخالفوه فـينزل بكم سخطه، أو تستوجبوا به عقوبته. الّذِي أنْتُـمْ به مُؤْمِنُونَ

يقول: الذي أنتـم بوحدانـيته مقرّون وبربوبـيته مصدّقون.

٨٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بِاللّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره للذين كانوا حرّموا علـى أنفسهم الطيبـات من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانوا حرّموا ذلك بأيـمان حلفوا بها، فنهاهم عن تـحريـمها، وقال لهم: لا يؤاخذكم ربكم بـاللغو فـي أيـمانكم. كما:

٩٧٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: لـما نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ فـي القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللـحم علـى أنفسهم،

قالوا: يا رسول اللّه ، كيف نصنع بأيـماننا التـي حلفنا علـيها؟ فأنزل اللّه تعالـى ذكره: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ... الاَية.

فهذا يدلّ علـى ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا علـى أنفسهم بأيـمان حلفوا بها، فنزلت هذه الاَية بسببهم.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز وبعض البصريـين: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ بتشديد القاف، بـمعنى: وكدتـم الأيـمان وردّدتـموها وقرّاء الكوفـيـين: (بِـمَا عَقَدْتُـمُ الأَيـمَانَ) بتـخفـيف القاف، بـمعنى: أوجبتـموها علـى أنفسكم، وعزمت علـيها قلوبكم.

وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك قراءة من قرأ بتـخفـيف القاف، وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت فـي الكلام، إلا فـيـما يكون فـيه تردّد مرّة بعد مرّة، مثل قولهم: شدّدت علـى فلان فـي كذا إذا كرّر علـيه الشدّ مرّة بعد أخرى، فإذا أرادوا الـخبر عن فعل مرّة واحدة

قـيـل: شَدّدت علـيه بـالتـخفـيف. وقد أجمع الـجميع لا خلاف بـينهم أن الـيـمين التـي تـجب بـالـحنث فـيها الكفـارة تلزم بـالـحنث فـي حلف مرّة واحدة وإن لـم يكرّرها الـحالف مرّات، وكان معلوما بذلك أن اللّه مؤاخذ الـحالف العاقد قلبه علـى حلفه وإن لـم يكرّره ولـم يردّده وإذا كان ذلك كذلك لـم يكن لتشديد القاف من عقّدتـم وجه مفهوم. فتأويـل الكلام إذن: لا يؤاخذكم اللّه أيها الـمؤمنون من أيـمانكم بـما لغوتـم فـيه، ولكن يؤاخذكم بـما أوجبتـموه علـى أنفسكم منها وعقدت علـيه قلوبكم. وقد بـينا الـيـمين التـي هي لغو والتـي اللّه مؤاخذ العبد بها، والتـي فـيها الـحنث والتـي لا حنث فـيها، فـيـما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك فـي هذا الـموضع.

وأما قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ فإن هنادا:

٩٧٢٣ـ حدثنا قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: بـما تعمدتـم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٩٧٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ

يقول: ما تعمدتَ فـيه الـمأثم، فعلـيك فـيه الكفـارة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكَفّـارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ.

اختلف أهل التأويـل فـي الهاء التـي فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ علـى ما هي عائدة، ومن ذكر ما؟

فقال بعضهم: هي عائدة علـى (ما) التـي فـي قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ. ذكر من قال ذلك:

٩٧٢٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن فـي هذه الاَية: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ قال: هو أن تـحلف علـى الشيء وأنت يخيـل إلـيك أنه كما حلفت ولـيس كذلك، فلا يؤاخذكم اللّه ، فلا كفـارة، ولكن الـمؤاخذة والكفـارة فـيـما حلفت علـيه علـى علـم.

٩٧٢٦ـ حدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مغيرة، عن الشعبـي، قال: اللغو لـيس فـيه كفـارة وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: ما عقد فـيه يـمينه فعلـيه الكفـارة.

٩٧٢٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك، قال: الأيـمان ثلاث: يـمين تكفّر، ويـمين لا تكفّر، ويـمين لا يؤاخذ بها صاحبها. فأما الـيـمين التـي تكفر، فـالرجل يحلف علـى الأمر لا يفعله ثم يفعله، فعلـيه الكفـارةوأما الـيـمين التـي لا تكفر: فـالرجل يحلف علـى الأمر يتعمد فـيه الكذب، فلـيس فـيه كفـارةوأما الـيـمين التـي لا يؤاخذ بها صاحبها: فـالرجل يحلف علـى الأمر يرى أنه كما حلف علـيه فلا يكون كذلك، فلـيس علـيه فـيه كفـارة، وهو اللغو.

٩٧٢٨ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا ابن أبـي لـيـلـى، عن عطاء، قال: قالت عائشة: لغو الـيـمين ما لـم يعقد علـيه الـحالف قلبه.

٩٧٢٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا حماد، عن إبراهيـم، قال: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

٩٧٣٠ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، أن عروة حدثه أن عائشة قالت: أيـمان الكفـارة كلّ يـمين حلف فـيها الرجل علـى جدّ من الأمور فـي غضب أو غيره لـيفعلنّ لـيتركنّ، فذلك عقد الأيـمان التـي فرض اللّه فـيها الكفـارة، وقال تعالـى ذكره: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي إيـمَانِكُمْ وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ.

٩٧٣١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي معاوية بن صالـح، عن يحيى بن سعيد، وعن علـيّ بن أبـي طلـحة، قالا: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

٩٧٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: وَلَكِنْ يَؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ

يقول: ما تعمدت فـيه الـمأثم فعلـيك فـيه الكفـارة

قال: وقال قتادة: أما اللغو فلا كفـارة فـيه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: لا كفـارة فـي لغو الـيـمين.

٩٧٣٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو العنقزي، عن أسبـاط، عن السديّ: لـيس فـي لغو الـيـمين كفـارة.

فمعنى الكلام علـى هذا التأويـل: لا يؤاخذكم اللّه بـاللغو فـي أيـمانكم، ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان، فكفـارة ما عقدتـم منها: إطعام عشرة مساكين.

وقال آخرون: الهاء فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ عائدة علـى اللغو، وهي كناية عنه.

قالوا: وإنـما معنى الكلام: لا يؤاخذكم اللّه بـاللغو فـي أيـمانكم إذا كفرتـموه، ولكن يؤاخذكم إذا عقدتـم الأيـمان فأقمتـم علـى الـمضيّ علـيه بترك الـحنث والكفـارة فـيه، والإقامة علـى الـمضيّ علـيه غير جائزة لكم، فكفّـارة اللغو منها إذا حنثتـم فـيه: إطعام عشرة مساكين. ذكر من قال ذلك:

٩٧٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: لا يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: هو الرجل يحلف علـى أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله فـيرى الذي هو خير منه، فأمره اللّه أن يكفر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير. وقال مرّة أخرى قوله: لايُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ... إلـى قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأيـمَانَ قال: واللغو من الـيـمين هي التـي تكفر لا يؤاخذ اللّه بها، ولكن من أقام علـى تـحريـم ما أحلّ اللّه له ولـم يتـحوّل عنه ولـم يكفّر عن يـمينه، فتلك التـي يؤاخذ بها.

٩٧٣٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير، قوله: لا يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيَـمانَ قال: هو الذي يحلف علـى الـمعصية فلا يفـي، فـيكفّر.

٩٧٣٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن سعيد بن جبـير: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه اللّه تعالـى، يكفّر عن يـمينه ويأتـي الذي هو خير ولَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بـما عَقّدْتُـمُ الأَيْـمَانَ الرجل يحلف علـى الـمعصية ثم يقـيـم علـيها، فكفـارته إطعام عشرة مساكين.

٩٧٣٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبـير، قال فـي لغو الـيـمين: هي الـيـمين فـي الـمعصية،

فقال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ قال: فلا يؤاخذه بـالإلغاء، ولكن يؤاخذه بـالـمقام علـيها

قال: وقال: وَلا تَـجْعَلُوا اللّه عُرْضَةً لاِءَيـمَانِكُمْ.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمَانِكُمْ قال: هو الرجل يحلف علـى الـمعصية فلا يؤاخذه اللّه بتركها إن تركها. قلت: وكيف يصنع؟ قال: يكفّر يـمينه، ويترك الـمعصية.

٩٧٣٨ـ حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ قال: الـيـمين الـمكفرة.

٩٧٣٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: اللغو: يـمين لا يؤاخذ بها صاحبها، وفـيها كفـارة.

والذي هو أولـى عندي بـالصواب فـي ذلك، أن تكون الهاء فـي قوله: فَكَفّـارَتُهُ عائدة علـى (ما) التـي فـي قوله: بِـمَا عَقّدْتُـمُ الأَيـمَانَ لـما قدّمنا فـيـما مضى قبل أن من لزمته فـي يـمينه كفـارة وأوخذ بها، غير جائز أن يقال لـمن قد أوخذ: لا يؤاخذه اللّه بـاللغو وفـي قوله تعالـى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ دلـيـل واضح أنه لا يكون مؤاخذ بوجه من الوجوه من أخبرنا تعالـى ذكره أنه غير مؤاخذ.

فإن ظنّ ظانّ أنه إنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ بـالعقوبة علـيها فـي الاَخرة إذا حنثتـم وكفّرتـم، لا أنه لا يؤاخذهم بها فـي الدنـيا بتكفـير فإن إخبـار اللّه تعالـى ذكره وأمره ونهيه فـي كتابه علـى الظاهر العامّ عندنا بـما قد دللنا علـى صحة القول به فـي غير هذا الـموضع فأغنى عن إعادته، دون البـاطن العامّ الذي لا دلالة علـى خصوصه فـي عقل ولا خبر ولا دلالة من عقل ولا خبر، أنه عنى تعالـى ذكره بقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بـاللّغْوِ فِـي أيـمانِكُمْ بعض معانـي الـمؤاخذة دون جميعها. وإذ كان ذلك كذلك، وكان من لزمته كفـارة فـي يـمين حنث فـيها مؤاخذا بها بعقوبة فـي ماله عاجلة، كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالـى ذكره أنه لا يؤاخذه بها. وإذا كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا بـالذي علـيه دللنا، فمعنى الكلام إذن: لا يؤاخذكم اللّه أيها الناس بلغو من القول والأيـمان إذا لـم تتعمدوا بها معصية اللّه تعالـى ولا خلاف أمره ولـم تقصدوا بها إثما، ولكن يؤاخذكم بـما تعمدتـم به الإثم وأوجبتـموه علـى أنفسكم وعزمت علـيه قلوبكم، ويكفر ذلك عنكم، فـيغطى علـى سيء ما كان منكم من كذب وزُور قول ويـمـحوه عنكم، فلا يتبعكم به ربكم إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلـيكم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {مِنْ أوسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ}: أعدله. كما:

٩٧٤٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول فـي هذه الاَية: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ أوْ كِسْوَتُهُمْ قال عطاء: أوسطه: أعدله، واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ

فقال بعضهم: معناه: من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد الـمكفر أهالـيهم. ذكر من قال ذلك:

٩٧٤١ـ حدثنا هناد، قال: أخبرنا شريك، عن عبد اللّه بن حنَشَ، عن الأسود، قال: سألته عن: أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز والتـمر والزيت والسمن، وأفضله اللـحم.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن حنَشَ، قال: سألت الأسود بن يزيد، عن ذلك،

فقال: الـخبز والتـمر. زاد هناد فـي حديثه: الزيت، قال: وأحسبه الـخـلّ.

٩٧٤٢ـ حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن ابن عمر فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من أوسط ما يطعم أهله الـخبز والتـمر، والـخبز والسمن والـخبز والزيت، ومن أفضل ما يطعمهم: الـخبز واللـحم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن لـيث، عن ابن سيرين، عن ابن عمر: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز واللـحم، والـخبز والسمن، والـخبز والـجبن، والـخبز والـخـلّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد اللّه بن حنش، قال: سألت الأسود بن يزيد عن أوسط ما تطعمون أهلـيكم؟ قال: الـخبز والتـمر.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا عبد اللّه بن حنش، قال: سألت الأسود بن يزيد، فذكر مثله.

٩٧٤٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة السلـمانـي: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز والسمن.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، قال: سألت عبـيدة عن ذلك، فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أزهر، قال: أخبرنا ابن عون، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز والسمن.

٩٧٤٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن يزيد بن إبراهيـم، عن ابن سيرين، قال: كانوا يقولون: أفضله الـخبز واللـحم، وأوسطه: الـخبز والسمن، وأخسه: الـخبز والتـمر.

٩٧٤٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن، قال: خبز ولـحم، أو خبز وسمن، أو خبز ولبن.

٩٧٤٦ـ حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: حدثنا عمر بن هارون، عن أبـي مصلـح، عن الضحاك فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: الـخبز واللـحم والـمرقة.

٩٧٤٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة، عن يحيى بن حبـان الطائي، قال: كنت عند شريح، فأتاه رجل،

فقال: إنـي حلفت علـى يـمين فأثمت قال شريح: ما حملك علـى ذلك؟ قال: قدّر علـيّ، فما أوسط ما أطعم أهلـي؟ قال له شريح: الـخبز والزيت والـخـلّ طيب

قال: فأعاد علـيه، فقال له شريح ذلك ثلاث مرار لا يزيده شريح علـى ذلك. فقال له: أرأيت إن أطعمت الـخبز واللـحم؟ قال: ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس.

٩٧٤٨ـ حدثنا هناد، قال: ينا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال فـي كفـارة الـيـمين: يغديهم ويعشّيهم خبزا وزيتا، أو خبزا وسمنا، أو خلاً وزيتا.

٩٧٤٩ـ حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن زبرقان، عن أبـي رزين: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ خبز وزيت وخـلّ.

٩٧٥٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن هشام بن مـحمد، قال: أكلة واحدة خبز ولـحم

قال: وهو من أوسط ما تطعمون أهلـيكم، وإنكم لتأكلون الـخبـيص والفـاكهة.

٩٧٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، وحدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الـحسن قال فـي كفـارة الـيـمين: يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكله واحدة خبزا ولـحما، فإن لـم تـجد فخبزا وسمنا ولبنا، فإن لـم تـجد فخبزا وخلاّ وزيتا حتـى يشبعوا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن زبرقان، قال: سألت أبـا رزين، عن كفـارة الـيـمين ما يطعم؟ قال: خبزا وخلاّ وزيتا من أوسط ما تطعمون أهلـيكم، وذلك قدر قوتهم يوما واحدا.

ثم اختلف قائلو ذلك فـي مَبْلَغِه.

فقال بعضهم: مبلغ ذلك نصف صاع من حنطة، أو صاع من سائر الـحبوب غيرها. ذكر من قال ذلك:

٩٧٥٢ـ حدثنا هناد، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن أبـيه، عن إبراهيـم، عن عمر، قال: إنـي أحلف علـى الـيـمين ثم يبدو لـي، فإذا رأيتنـي قد فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّان من حِنطة.

٩٧٥٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، ويعلـى عن الأعمش، عن شقـيق، عن يسار بن نُـمير، قال: قال عمر: إنـي أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لـي أن أعطيهم، فإذا رأيتنـي فعلت ذلك، فأطعم عنـي عشرة مساكين بـين كلّ مسكينـين صاعا من برّ أو صاعا من تـمر.

٩٧٥٤ـ حدثنا هناد ومـحمد بن العلاء قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن عمرو بن مُرّة، عن عبد اللّه بن سلـمة، عن علـيّ، قال: كفـارة الـيـمين إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع من حنطة.

٩٧٥٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيـم: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ نصف صاع برّ كلّ مسكين.

٩٧٥٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا حفص عن عبد الكريـم الـجزري، قال: قلت لسعيد بن جبـير: أجمعهم؟ قال: لا، أعطهم مدّينَ من حنطة، مدّا لطعامه ومدّا لإدامه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد الكريـم الـحزري، قال: قلت لسعيد، فذكر نـحوه.

٩٧٥٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو زيد، عن حصين، قال: سألت الشعبـي، عن كفـارة الـيـمين،

فقال: مكوكين: مكوكا لطعامه، ومكوكا لإدامه.

٩٧٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا هشام، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: لكلّ مسكين مدّين.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: لكلّ مسكين مدّين من برّ فـي كفـارة الـيـمين.

٩٧٥٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: مدّان من طعام لكلّ مسكين.

٩٧٦٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا سعد بن يزيد أبو سَلَـمة، قال: سألت جابر بن زيد عن إطعام الـمسكين فـي كفـارة الـيـمين،

فقال: أكلة. قلت: فإن الـحسن

يقول: مكوك برّ، ومكوك تـمر، فما ترى فـي مكوك برّ؟ فقال: إن مكوك برّ لا، أو مكوك تـمر لا

قال يعقوب: قال ابن عُلَـية وقال أبو سلـمة بـيده، كأنه يراه حسنا، وقلب أبو سلـمة يده.

٩٧٦١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الـحسن: أنه كان يقول فـي كفـارة الـيـمين فـيـما وجب فـيه الطعام: مكوك تـمر، ومكوك برّ لكلّ مسكين.

٩٧٦٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن قال، قال: إن جمعهم أشبعهم إشبـاعة واحدة، وإن أعطاهم أعطاهم مكوكا مكوكا.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، قال: كان الـحسن

يقول: فإن أعطاهم فـي أيديهم فمكوك برّ ومكوك تـمر.

٩٧٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك فـي كفّـارة الـيـمين: نصف صاع لكلّ مسكين.

٩٧٦٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـيه، عن الـحكم، فـي قوله: إطعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إطعام نصف صاع لكلّ مسكين.

٩٧٦٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ نصف صاع.

٩٧٦٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: فَكفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ قال: الطعام لكلّ مسكين: نصف صاع من تـمر أو برّ.

وقال آخرون: بل مبلغ ذلك من كلّ شيء من الـحبوب مدّ واحد. ذكر من قال ذلك:

٩٧٦٧ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن هشام الدّستَوائي، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، عن زيد بن ثابت، أنه قال فـي كفـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.

٩٧٦٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال فـي كفّـارة الـيـمين: مدّ من حنطة لكلّ مسكين رُبْعه إدامُه.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، نـحوه.

٩٧٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، قال: حدثنا العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: مدّ من حنطة لكلّ مسكين.

٩٧٧٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يكفّر الـيـمين بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.

٩٧٧١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلـمة، عن عبـيد اللّه ، عن القاسم وسالـم فـي كفّـارة الـيـمين: ما يطعم؟ قالا: مدّ لكلّ مسكين.

٩٧٧٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن يحيى بن سعيد، عن سلـيـمان بن يسار، قال: كان الناس إذا كفّر أحدهم، كفّر بعشرة أمداد بـالـمدّ الأصغر.

٩٧٧٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ قال: عشرة أمداد لعشَرة مساكين.

٩٧٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: كان يقال: البرّ والتـمر، لكلّ مسكين مدّ من تـمر ومدّ من برّ.

٩٧٧٥ـ حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مالك بن مِغْول، عن عطاء، قال: مدّ لكلّ مسكين.

٩٧٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من أوسط ما تعولونهم

قال: وكان الـمسلـمون رأوا أوسط ذلك مدّا بـمدّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من حنطة

قال ابن زيد: هو الوسط مـما يقوت به أهله، لـيس بأدناه ولا بأرفعه.

٩٧٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يحيى بن عبد اللّه بن سالـم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: مدّ.

وقال آخرون: بل ذلك غَداء وعَشاء. ذكر من قال ذلك:

٩٧٧٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال فـي كفّـارة الـيـمين: يغدّيهم ويعشيهم.

٩٧٧٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي فـي كفّـارة الـيـمين قال: غداء وعشاء.

٩٧٨٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن، قال: يغدّيهم ويعشيهم.

وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ: من أوسط ما يطعم الـمكفّر أهله

قال: إن كان مـمن يشبع أهله أشبع الـمساكين العشرة، وإن كان مـمن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك أطعهم الـمساكين علـى قدر ما يفعل من ذلك بأهله فـي عسره ويسره. ذكر من قال ذلك:

٩٧٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: فَكَفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع الـمساكين، وإلاّ فعلـى ما تطعم أهلك بقدره.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَكَفّـارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِين مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ وهو أن تطعم كلّ مسكين من نـحو ما تطعم أهلك من الشبع، أو نصف صاع من برّ.

٩٧٨٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، عن ابن عبـاس ، قال: من عسرهم ويسرهم.

٩٧٨٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، قال: من عسرهم ويسرهم.

٩٧٨٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـيـمان بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جبـير: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: قوتهم.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن سلـيـمان العبسي، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: قوتهم.

٩٧٨٥ـ حدثنا أبو حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، قال: حدثنا عنبسة، عن سلـيـمان بن عبـيد العبسي، عن سعيد بن جبـير فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: كانوا يفضلون الـحرّ علـى العبد والكبـير علـى الصغير، فنزلت: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.

حدثنا الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: كانوا يطعمون الكبـير ما لا يطعمون الصغير، ويطعمون الـحرّ ما لا يطعمون العبد،

فقال: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ.

٩٧٨٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم، وإن كنت لا تشبعهم، فعلـىقدر ذلك.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا شيبـان النـحويّ، عن جابر، عن عامر، عن ابن عبـاس : مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ قال: من عسرهم ويسرهم.

٩٧٨٧ـ حدثنا يونس، قال: حدثنا سفـيان عن سلـيـمان، عن سعيد بن جبـير، قال:

قال ابن عبـاس : كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فـيه سعة، فقال اللّه : مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ الـخبز والزيت.

وأولـى الأقوال فـي تأويـل قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ عندنا قول من قال: من أوسط ما تطعمون أهلـيكم فـي القلة والكثرة. وذلك أن أحكام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الكفّـارات كلها بذلك وردت، وذلك كحكمة صلى اللّه عليه وسلم فـي كفّـارة الوطء فـي شهر رمضان بخمسة عشر صاعا بـين ستـين مسكينا لكلّ مسكين ربع صاع. ولا يعرف له صلى اللّه عليه وسلم شيء من الكفـارات أمر بإطعام خبز وإدام ولا بغَداء وعَشاء. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت كفـارة الـيـمين إحدى الكفـارات التـي تلزم من لزمته، كان سيبـيـلها سبـيـل ما تولـى الـحكم فـيه صلى اللّه عليه وسلم من أن الواجب علـى مكفّرها من الطعام مقدار للـمساكين العشرة، مـحدود بكيـل دون جمعهم علـى غداء أو عشاء مخبوز مأدوم، إذ كانت سنته صلى اللّه عليه وسلم فـي سائر الكفـارات كذلك. فإذ كان صحيحا ما قلنا بـما به استشهدنا، فبـيّن أن تأويـل الكلام: ولكن يؤاخذكم بـما عقدتـم الأيـمان، فكفـارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهلـيكم، وأن (ما) التـي فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ بـمعنى الـمصدر، لا بـمعنى الأسماء. وإذا كان ذلك كذلك، فأعدل أقوات الـموسع علـى أهله مدّان، وذلك نصف صاع فـي ربعه إدامه، وذلك أعلـى ما حكم به النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي كفـارة فـي إطعام مساكين، وأعدل أقوات الـمقتر علـى أهلهمدّ وذلك ربع صاع، وهو أدنى ما حكم به فـي كفـارة فـي إطعام مساكينوأما الذين رأوا إطعام الـمساكين فـي كفـارة الـيـمين الـخيز واللـحم وما ذكرنا عنهم قبل، والذين رأوا أن يغدّوا أو يعشوا، والذين رأوا أن يغدوا ويعشوا، فإنهم ذهبوا إلـى تأويـل قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ: من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهلـيكم، فجعلوا (ما) التـي فـي قوله: مِنْ أوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أهْلِـيكُمْ اسما لا مصدرا، فأوجبوا علـى الكفّر إطعام الـمساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية. وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن فـي الكفـارات غيرها التـي يجب إلـحاق أشكالها بها، وأن كفـارة الـيـمين لها نظيرة وشبـيهة يجب إلـحاقها بها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ كِسْوَتُهُمْ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فكفّـارة ما عقدتـم من الأيـمان إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. يقول إما أن تطعموهم أو تكسوهم، والـخيار فـي ذلك إلـى الـمكفّر.

واختلف أهل التأويـل فـي الكسوة التـي عنى اللّه بقوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ

فقال بعضهم: عنى بذلك كسوة ثوب واحد. ذكر من قال ذلك:

٩٧٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي كسوة الـمساكين فـي كفّـارة الـيـمين: أدناه ثوب.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: أدناه ثوب، وأعلاه ما شئت.

٩٧٨٩ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، عن الربـيع، عن الـحسن، قال فـي كفّـارة الـيـمين فـي قوله: أوْ كِسْوَتهُمْ ثوب لكلّ مسكين.

٩٧٩٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهديّ، عن وهيب، عن ابن طاوس، عن أبـيه: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبـيدة، وحدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير جميعا، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب.

٩٧٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب ثوب

قال منصور: القميص، أو الرداء، أو الإزار.

٩٧٩٢ـ حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: كسوة الشتاء والصيف ثوب ثوب.

٩٧٩٣ـ حدثنا هناد، قال: قال حدثنا عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب ثوب لكلّ مسكين.

٩٧٩٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة بن سلـمان، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: إذا كساهم ثوبـا ثوبـا أجزأ عنه.

٩٧٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي، عن ابن سنان، عن حماد، قال: ثوب أو ثوبـان، وثوب لا بدّ منه.

٩٧٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـي، عن ابن عبـاس قال: ثوب ثوب لكلّ إنسان، وقد كانت العبـاءة تقضي يومئذ من الكسوة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، عن معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: الكسوة: عبـاءة لكلّ مسكين أو شَمْلة.

٩٧٩٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: ثوب، أو قميص، أو رداء، أو إزار.

٩٧٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: إن اختار صاحب الـيـمين الكسوة، كسا عشرة أناسيّ كلّ إنسان عبـاءة.

٩٧٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ الكسوة: ثوب ثوب.

وقال بعضهم: عنى بذلك: الكسوة ثوبـين ثوبـين. ذكر من قال ذلك:

٩٨٠٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبـيدة، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية جميعا، عن داود بن أبـي هند عن سعيد بن الـمسيب، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: عبـاءة وعمامة.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن داود ابن أبـي هند، عن سعيد بن الـمسيب، قال: عمامة يـلُفّ بها رأسه، وعبـاءة يـلتـحف بها.

٩٨٠١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن عبد اللّه الأنصاري، عن أشعث، عن الـحسن وابن سيرين، قالا: ثوبـين ثوبـين.

٩٨٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن يونس، عن الـحسن، قال: ثوبـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن، مثله.

حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن يونس بن عبـيد، عن الـحسن، قال: ثوبـان ثوبـان لكلّ مسكين.

٩٨٠٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن أبـي موسى: أنه حلف علـى يـمين، فكسا ثوبـين من مُعَقّدة البحرين.

حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، عن يزيد بن إبراهيـم، عن ابن سيرين: أن أبـا موسى كسا ثوبـين من معقدة البحرين.

٩٨٠٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن مـحمد بن عبد الأعلـى: أن أبـا موسى الأشعري حلف علـى يـمين، فرأى أن يكفّر ففعل، وكسا عشرةً ثوبـين ثوبـين.

٩٨٠٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن هشام، عن مـحمد: أن أبـا موسى حلف علـى يـمين فكفّر، فكسا عشرة مساكين ثوبـين ثوبـين.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن الـمسيب، قال: عبـاءة وعمامة لكل مسكين.

٩٨٠٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله.

٩٨٠٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، قال: قال رجل عند سعيد بن الـمسيب: (أو كأُسْوَتهم) فقال سعيد: لا إنـما هي: (أو كسوتهم)

قال: فقلت: يا أبـا مـحمد ما كسوتهم؟ قال: لكلّ مسكين عبـاءة وعمامة، عبـاءة يـلتـحف بها، وعمامة يشدّ بها رأسه.

٩٨٠٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: الكسوة لكلّ مسكين: رداء وإزار، كنـحو ما يجد من الـميسرة والفـاقة.

وقال آخرون: بل عَنَى بذلك: كسوتهم: ثوب جامع، كالـملـحفة والكساء والشيء الذي يصلـح للبس والنوم. ذكر من قال ذلك:

٩٨٠٩ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم، قال: الكسوة: ثوب جامع.

٩٨١٠ـ حدثنا هناد وابن وكيع قالا: حدثنا ابن فضيـل، عن مغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع

قال: وقال مغيرة: والثوب الـجامع الـمِلـحفة أو الكساء أو نـحوه، ولا نرى الدرع والقميص والـخِمار ونـحوه جامعا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: ثوب جامع.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: ثوب جامع.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع لكلّ مسكين.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان وشعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ قال: ثوب جامع.

٩٨١١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـمغيرة، مثله.

وقال آخرون: عنى بذلك كسوة إزار ورداء وقميص. ذكر من قال ذلك:

٩٨١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن بردة، عن نافع، عن ابن عمر، قال فـي الكسوة فـي الكفّـارة: إزار، ورداء، وقميص.

وقال آخرون: كل ما كسا فـيجزي، والاَية علـى عمومها. ذكر من قال ذلك:

٩٨١٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: يجزي فـي كفّـارة الـيـمين كلّ شيء إلاّ التّبّـان.

٩٨١٤ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أشعث، عن الـحسن، قال: يجزىء عمامة فـي كفّـارة الـيـمين.

٩٨١٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أويس الصيرفـي، عن أبـي الهيثم، قال: قال سلـمان: نعم الثوب التّبّـان.

٩٨١٦ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الشيبـانـي، عن الـحكم، قال: عمامة يـلفّ بها رأسه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصحة وأشبهها بتأويـل القرآن قول من قال: عنى بقوله: أوْ كِسْوَتُهُمْ: ما وقع علـيه اسم كسوة مـما يكون ثوبـا فصاعدا، لأن ما دون الثوب لا خلاف بـين جميع الـحجة أنه لـيس مـما دخـل فـي حكم الاَية، فكان ما دون قدر ذلك خارجا من أن يكون اللّه تعالـى عناه بـالنقل الـمستفـيض، والثوب وما فوقه داخـل فـي حكم الاَية، إذ لـم يأت من اللّه تعالـى وحي ولا من رسوله صلى اللّه عليه وسلم خبر ولـم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخـل فـي حكمها، وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الاَية مـحتـمله من حكم الاَية إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها، ولا حجة بذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو فكّ عبد من أسر العبودة وذلها. وأصل التـحرير: الفكّ من الأسر، ومنه قول الفرزدق بن غالب:

أبَنِـي غُدَانَةَ إنّنِـي حَرّرْتُكُمْفوَهَبْتُكُمْ لعَطِيّةَ بنِ جِعالِ

يعنـي بقوله: (حررتكم): فككت رقابكم من ذلّ الهجاء ولزوم العار.

وقـيـل: تـحرير رقبة، والـمـحرّر صاحب الرقبة، لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تـجمع يديه إلـى عنقه بقـيد أو حبل أو غير ذلك، وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مـما كانتا به مشدودتـين إلـى الرقبة. فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير، بـالـخبر عن فكّ يديه عن رقبته، وهم يريدون الـخبر عن إطلاقه من أسره، كما يقال: قبض فلان يده عن فلان: إذا أمسك يده عن نواله وبسط فـيه لسانه: إذا قال فـيه سوءا، فـيضاف الفعل إلـى الـجارحة التـي يكون بها ذلك الفعل دون فـاعله، لاستعمال الناس ذلك بـينهم وعلـمهم بـمعنى ذلك فكذلك ذلك فـي قول اللّه تعالـى ذكره: أوْ تَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ أضيف التـحرير إلـى الرقبة وإن لـم يكن هناك غلّ فـي رقبته ولا شدّ يد إلـيها، وكان الـمراد بـالتـحرير نفس العبد بـما وصفنا من جَرّى استعمال الناس ذلك بـينهم لـمعرفتهم بـمعناه.

فإن قال قائل: أفكل الرقاب معنىّ بذلك أو بعضها؟

قـيـل: بل معنىّ بذلك كلّ رقبة كانت سلـيـمة من الإقعاد والعمى والـخرس وقطع الـيدين أو شللهما والـجنون الـمطبق، ونظائر ذلك، فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب، فلا خلاف بـين الـجميع من الـحجة أنه لا يجزي فـي كفّـارة الـيـمين. فكان معلوما بذلك أن اللّه تعالـى ذكره لـم يعنه بـالتـحرير فـي هذه الاَية. فأما الصغير والكبـير والـمسلـم والكافر، فإنهم معنـيون به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:

٩٨١٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا مغيرة، عن إبراهيـم، أنه كان

يقول: من كانت علـيه رقبة واجبة، فـاشترى نَسَمة، قال: إذا أنقذها من عمل أجزأته، ولا يجوز عتق من لا يعمل فأما الذي يعمل، كالأعور ونـحوهوأما الذي لا يعمل فلا يجزي كالأعمى والـمقعد.

٩٨١٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن، قال: كان يكره عتق الـمخبّل فـي شيء من الكفـارات.

٩٨١٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: أنه كان لا يرى عتق الـمغلوب علـى عقله يجزىء فـي شيء من الكفـارات.

وقال بعضهم: لا يجزىء فـي الكفّـارة من الرقاب إلاّ صحيح، ويجزىء الصغير فـيها. ذكر من قال ذلك:

٩٨٢٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا يجزىء فـي الرقبة إلاّ صحيح.

٩٨٢١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يجزىء الـمولود فـي الإسلام من رقبة.

٩٨٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: ما كان فـي القرآن من رقبة مؤمنة. فلا يجزىء إلاّ ما صام وصلّـى، وما كان لـيس بـمؤمنة فـالصبـيّ يجزىء.

وقال بعضهم: لا يقال للـمولود رقبة إلاّ بعد مدّة تأتـي علـيه. ذكر من قال ذلك:

٩٨٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن يزيد الرفـاعي، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة، عن مـحمد بن شعيب بن شابور، عن النعمان بن الـمنذر، عن سلـيـمان، قال: إذا وُلد الصبـيّ فهو نسمة، وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة، وإذا صلّـى فهو مؤمنة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى عمّ بذكر الرقبة كلّ رقبة، فأيّ رقبة حرّرها الـمكفر يـمينه فـي كفّـارته فقد أدّى ما كلف، إلاّ ما ذكرنا أن الـحجة مـجمعة علـى أن اللّه تعالـى لـم يعنه بـالتـحرير، فذلك خارج من حكم الاَية، وما عدا ذلك فجائز تـحريره فـي الكفـار بظاهر التنزيـل. والـمكفّر مخير فـي تكفـير يـمينه التـي حنث فـيها بإحدى هذه الـحالات الثلاث التـي سماها اللّه فـي كتابه، وذلك: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، أو كسوتهم، أو تـحرير رقبة، بإجماع من الـجميع لا خلاف بـينهم فـي ذلك. فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الـجميع لـيس كما قلنا لِـمَا:

٩٨٢٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـي، قال: حدثنا أبو الضحى، عن مسروق، قال: جاء نعمان بن مقرّن إلـى عبد اللّه ،

فقال: إنـي آلـيت من النساء والفراش فقرأ عبد اللّه هذه الاَية: لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُعْتَدِينَ قال: فقال نعمان: إنـما سألتك لكونـي أتـيت علـى هذه الاَية. فقال عبد اللّه : ائت النساء ونـم وأعتق رقبة، فإنك موسر.

حدثنـي يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي جرير بن حازم أن سلـيـمان الأعمش حدثه عن إبراهيـم بن يزيد النـخعي، عن همام بن الـحرث: أن نعمان بن مقرّن سأل عبد اللّه بن مسعود،

فقال: إنـي حلفت أن لا أنام علـى فراشي سنة فقال ابن مسعود: يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ كفّر عن يـمينك ونـم علـى فراشك قال: بـم أكفر عن يـمينـي؟ قال: أعتق رقبة فإنك موسر.

ونـحو هذا من الأخبـار التـي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما، فإن ذلك منهك كان علـى وجه الاستـحبـاب لـمن أمروه بـالتكفـير بـما أمروه بـالتكفـير به من الرقاب، لا علـى أنه كان لا يجزى عندهم التكفـير للـموسر إلاّ بـالرقبة، لأنه لـم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال: لا يجزى الـموسرَ التكفـيرُ إلاّ بـالرقبة. والـجميع من علـماء الأمصار قديـمهم وحديثهم مـجمعون علـى أن التكفـير بغير الرقاب جائز للـموسر، ففـي ذلك مكتفـىً عن الاستشهاد علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَنْ لَـمْ يجِدْ فَصِيامُ ثَلاثةٍ أيّامٍ.

يقول تعالـى ذكره: فمن لـم يجد لكفـارة يـمينه التـي لزمه تكفـيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به علـى ما فرضنا علـيه وأوجبناه فـي كتابنا وعلـى لسان رسولنا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ

يقول: فعلـيه صيام ثلاثة أيام.

ثم اختلف أهل العلـم فـي معنى قوله: فَمَنْ لَـمْ يَجِدْ ومتـى يستـحقّ الـحانث فـي يـمينه الذي قد لزمته الكفـارة اسم غير واجد حتـى يكون مـمن له الصيام فـي ذلك؟

فقال بعضهم: إذا لـم يكن للـحانث فـي وقت تكفـيره عن يـمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته فإن له أن يكفّر بـالصيام، فإن كان عنده فـي ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم، لزمه التكفـير بـالإطعام أو الكسوة ولـم يجزه الصيام حينئذٍ ومـمن قال ذلك الشافعي. حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وهذا القول قَصَدَ إن شاء اللّه مَنْ أوجب الطعام علـى من كان عنده درهمان من أوجبه علـى من عنده ثلاثة دراهم. وبنـحو ذلك:

٩٨٢٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن حماد بن سلـمة، عن عبد الكريـم، عن سعيد ابن جبـير، قال: إذا لـم يكن له إلاّ ثلاثة دراهم أطعم

قال: يعنـي فـي الكفـارة.

٩٨٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي معتـمر بن سلـيـمان، قال: قلت لعمر بن راشد: الرجل يحلف، ولا يكون عنده من الطعام إلاّ بقدر ما يكفّر؟ قال: كان قتادة

يقول: يصوم ثلاثة أيام.

٩٨٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: حدثنا يونس بن عبـيد، عن الـحسن قال: إذا كان عنده درهمان.

٩٨٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا معتـمر، عن حماد، عن عبد الكريـم بن أبـي أمية، عن سعيد بن جبـير، قال: ثلاثة دراهم.

وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده مِئتا درهم أن يصوم وهو مـمن لا يجد.

وقال آخرون: جائز لـمن لـم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرّف به لـمعاشه ما يكفّر به بـالإطعام أن يصوم، إلاّ أن يكون له كفـاية من الـمال ما يتصرّف به لـمعاشه ومن الفضل عن ذلك ما يكفّر به عن يـمينه. وهذا قول كان يقوله بعض متأخري الـمتفقهة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن من لـم يكن عنده فـي حال حنثه فـي يـمينه إلاّ قدر قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته لا فضل له عن ذلك، يصوم ثلاثة أيام، وهو مـمن دخـل فـي جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق. وإن كان عنده فـي ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين أو يُعتق رقبة، فلا يجزيه حينئذٍ الصوم لأن إحدى الـحالات الثلاث حينئذٍ من إطعام أو كسوة أو عتق حقّ قد أوجبه اللّه تعالـى فـي ماله وجوب الدين، وقد قامت الـحجة بأن الـمفلس إذا فرقّ ماله بـين غرمائه أنه لا يترك ذلك الـيوم إلاّ ما لا بدّ له من قوته وقوت عياله يومه ولـيـلته، فكذلك حكم الـمعدم بـالدين الذي أوجبه اللّه تعالـى فـي ماله بسبب الكفّـارة التـي لزمت ماله.

واختلف أهل العلـم فـي صفة الصوم الذي أوجبه اللّه فـي كفـارة الـيـمين،

فقال بعضهم: صفته أن يكون مواصلاً بـين الأيام الثلاثة غير مفرّقها. ذكر من قال ذلك:

٩٨٢٩ـ حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: كلّ صوم فـي القرآن فهو متتابع إلاّ قضاء رمضان، فإنه عدّة من أيام أخر.

٩٨٣٠ـ حدثنا أبو كريب وهناد، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، قال: كان أبـيّ بن كعب يقرأ: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

حدثنا عبد الأعلـى بن واصل الأسديّ، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع ابن أنس، عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب، أنه كان يقرأ: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن قزعة بن سويد، عن سيف بن سلـيـمان، عن مـجاهد، قال: فـي قراءة عبد اللّه : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن عون، عن إبراهيـم، قال: فـي قراءتنا: (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ مُتَتَابِعاتٍ).

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن عون، عن إبراهيـم، مثله.

٩٨٣٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم: فـي قراءة أصحاب عبد اللّه : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣٤ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن جابر، عن عامر، قال: فـي قراءة عبد اللّه : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد، عن معمر، عن أبـي إسحاق: فـي قراءة عبد اللّه : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد، عن معمر، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءون: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات).

٩٨٣٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، قال: سمعت سفـيان،

يقول: إذا فرّق صيام ثلاثة أيام لـم يجزه

قال: وسمعته يقول فـي رجل صام فـي كفـارة يـمين ثم أفطر، قال: يستقبل الصوم.

٩٨٣٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ قال: إذا لـم يجد طعاما وكان فـي بعض القراءة: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات). وبه كان بأخذ قتادة.

٩٨٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قال: هو بـالـخيار فـي هؤلاء الثلاثة الأوّل فـالأوّل، فإن لـم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

وقال آخرون: جائز لـمن صامهنّ أن يصومهنّ كيف شاء مـجتـمعات ومفترقات. ذكر من قال ذلك:

٩٨٤٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: قال مالك: كلّ ما ذكر اللّه فـي القرآن من الصيام، فأن يصام تبـاعا أعجب، فإن فرّقها رجوت أن تـجزي عنه.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى أوجب علـى من لزمته كفـارة يـمين إذا لـم يجد إلـى تكفـيرها بـالإطعام أو الكسوة أو العتق سبـيلاً، أن يكفّرها بصيام ثلاثة أيام، ولـم يشرط فـي ذلك متتابعة، فكيفما صامهنّ الـمكفّر مفرّقة ومتتابعة أجزأه لأن اللّه تعالـى إنـما أوجب علـيه صيام ثلاثة أيام، فكيفما أتـى بصومهنّ أجزأ. فأما ما رُوي عن أبـيّ وابن مسعود من قراءتهما (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) فذلك خلاف ما فـي مصاحفنا، وغير جائز لنا أن نشهد بشيء لـيس فـي مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب اللّه . غير أنـي أختار للصائم فـي كفّـارة الـيـمين أن يتابع بـين الأيام الثلاثة ولا يفرّق، لأنه لا خلاف بـين الـجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفّـارته. وهم فـي غير ذلك مختلفون، ففعل ما لا يختلف فـي جوازه أحبّ إلـيّ وإن كان الاَخر جائزا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ كَفّـارَةُ أيـمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا أيـمَانَكُمْ كذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذَلِكَ هذا الذي ذكرت لكم أنه كَفّـارَةُ أيـمانِكُمْ من إطعام العشرة الـمساكين أو كسوتهم أو تـحرير الرقبة، وصيام الثلاثة الأيام إذا لـم تـجدوا من ذلك شيئا هو كفـارة أيـمانكم التـي عقدتـموها إذَا حَلَفْتُـمْ وَاحْفَظُوا أيها الذين آمنوا أيـمَانَكُمْ أن تـحنثوا فـيها ثم تضيعوا الكفـارة فـيها بـما وصفته لكم. كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ كما بـين لكم كفـارة أيـمانكم، كذلك يبـين اللّه لكم جميع آياته، يعنـي: أعلام دينه، فـيوضحها لكم، لئلا يقول الـمضيع الـمفرّط فـيـما ألزمه اللّه : لـم أعلـم حكم اللّه فـي ذلك. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ

يقول: لتشكروا اللّه علـى هدايته إياكم وتوفـيقه لكم.

٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

وهذا بـيان من اللّه تعالـى ذكره للذين حرّموا علـى أنفسهم النساء والنوم واللـحم من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم تشبها منهم بـالقسيسين والرهبـان، فأنزل اللّه فـيهم علـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم كتابه ينهاهم عن ذلك،

فقال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحَرّمُوا طَيّبـاتِ ما أحَلّ اللّه لَكُمْ فنهاهم بذلك عن تـحريـم ما أحلّ اللّه لهم من الطيبـات.

ثم قال: ولا تعتدوا أيضا فـي حدودي، فتـحلوا ما حرّمت علـيكم، فإن ذلك لكم غير جائز كما غير جائز لكم تـحريـم ما حللت، وإنـي لا أحبّ الـمعتدين. ثم أخبرهم عن الذي حرّم علـيهم مـما إذا استـحلوه، وتقدّموا علـيه كانوا من الـمعتدين فـي حدوده، فقال لهم: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، إن الـخمر التـي تشربونها والـميسر الذي تتـياسرونه والأنصاب التـي تذبحون عندها والأزلام التـي تستقسمون بها رِجْسٌ

يقول: إثم ونَتْن، سخِطه اللّه وكرهه لكم مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ

يقول: شربكم الـخمر، وقماركم علـى الـجُزُر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بـالأزلام من تزيـين الشيطان لكم، ودعائه إياكم إلـيه، وتـحسينه لكم، لا من الأعمال التـي ندبكم إلـيها ربكم، ولا مـما يرضاه لكم، بل هو مـما يسخطه لكم. فـاجْتَنِبُوهُ

يقول: فـاتركوه وارفضوه، ولا تعلـموه. لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ

يقول: لكي تنـجحوا فتدركوا الفلاح عند ربكم، بترككم ذلك. وقد بـينا معنى الـخمر والـميسر والأزلام فـيـما مضى فكرهنا إعادتهوأما الأنصاب، فإنها جمع نصب، وقد بـينا معنى النصب بشواهده فـيـما مضى.

ورُوِي عن ابن عبـاس فـي معنى الرجس فـي هذا الـموضع، ما:

٩٨٤١ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ

يقول: سخط.

وقال ابن زيد فـي ذلك، ما:

٩٨٤٢ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: رِجْسٌ مِنَ عَمَلِ الشّيْطانِ قال: الرجس: الشرّ.

٩١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: إنـما يريد لكم الشيطان شرب الـخمر والـمياسرة بـالقداح ويحسن ذلك لكم إرادة منه أن يوقع بـينكم العداوة والبغضاء فـي شربكم الـخمر ومياسرتكم بـالقداح، لـيعادي بعضكم بعضا، ويبغّضَ بعضكم إلـى بعض، فـيشتت أمركم بعد تألـيف اللّه بـينكم بـالإيـمان وجمعه بـينكم بأخوة الإسلام. ويَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه

يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الـخمر بسكرها إياكم علـيكم وبـاشتغالكم بهذا الـميسر عن ذكر اللّه الذي به صلاح دنـياكم وآخرتكم، وعن الصلاة التـي فرضها علـيكم ربكم. فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ

يقول: فهل أنتـم منتهون عن شرب هذه، والـمياسرة بهذا، وعاملون بـما أمركم به ربكم من أداء ما فرض علـيكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نـجح طلبـاتكم فـي عاجل دنـياكم وآخرتكم.

واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية،

فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الـخطاب، وهو أنه ذكر مكروه عاقبة شربها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وسأل اللّه تـحريـمها. ذكر من قال ذلك:

٩٨٤٣ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، قال: قال عمر: اللهمّ بـين لنا فـي الـخمر بـيانا شافـيا قال: فنزلت الاَية التـي فـي البقرة: يَسألُونَكَ عَنِ الـخَمْرِ والـمَيْسِرِ قُلْ فِـيهِما إثْمٌ كَبِـيرٌ وَمَنافِعُ للنّاسِ قال: فدُعي عمر فقرئت علـيه،

فقال: اللهمّ بـين لنا فـي الـخمر بـيانا شافـيا فنزلت الاَية فـي النساء: لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُـمْ سُكارَى حتـى تَعْلَـمُوا ما تَقُولُونَ

قال: وكان منادي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران قال: فدُعي عمر، فقرئت علـيه،

فقال: اللهمّ بـين لنا فـي الـخمر بـيانا شافـيا قال: فنزلت الاَية التـي فـي الـمائدة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ... إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ فلـما انتهى إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ قال عمر: انتهينا انتهينا

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، قال: قال عمر: اللهمّ بـين لنا فـي الـخمر بـيانا شافـيا، فإنها تذهب بـالعقل والـمال ثم ذكر نـحو حديث وكيع.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، قال: قال عمر بن الـخطاب: اللهمّ بـين لنا فذكر نـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، عن عمر بن الـخطاب، مثله.

حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا زكريا بن أبـي زائدة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي ميسرة، عن عمر بن الـخطاب، مثله.

٩٨٤٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: ثنـي أبو معشر الـمدنـي، عن مـحمد بن قـيس، قال: لـما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة أتاه الناس، وقد كانوا يشربون الـخمر ويأكلون الـميسر، فسألوه عن ذلك، فأنزل اللّه تعالـى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الـخَمْرِ والـمَيْسِرِ قُلْ فِـيهِما إثْمٌ كَبِـيرٌ وَمنَافِعُ للناسِ وإثْمُهُماأكبرُ مِنْ نَفْعِهِما

فقالوا: هذا شيء قد جاء فـيه رخصة، نأكل الـميسر ونشرب الـخمر، ونستغفر من ذلك. حتـى أتـى رجل صلاة الـمغرب، فجعل يقرأ: قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، ولا أنتـم عابدون ما أعبد. فجعل لا يجوّد ذلك ولا يدري ما يقرأ، فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصّلاةَ وأنْتُـمْ سُكارَى فكان الناس يشربون الـخمر حتـى يجيء وقت الصلاة فـيدعَون شربها، فـيأتون الصلاة وهم يعلـمون ما يقولون. فلـم يزالوا كذلك حتـى أنزل اللّه تعالـى: إنّـمَا الـخمْرُ والـمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ... إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ

فقالوا: انتهينا يا رب

وقال آخرون: نزلت هذه الاَية بسبب سعد بن أبـي وقاص، وذلك أنه كان لاَحَى رجلاً علـى شراب لهما، فضربه صاحبه بلَـحْيِ جمل، ففزر أنفه، فنزلت فـيهما. ذكر الرواية بذلك:

٩٨٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، عن مصعب ابن سعد عن أبـيه سعد، أنه قال: صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا، قال: فشربنا الـخمر حتـى انتشينا، فتفـاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نـحن أفضل منكم

قال: فأخذ رجل من الأنصار لـحي جمل فضرب به أنف سعد ففزره، فكان سعد أفزر الأنف

قال: فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّـمَا الـخَمْرُ والـمَيْسِرُ... إلـى آخر الاَية.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن مصعب بن سعد، قال: قال سعد: شربت مع قوم من الأنصار، فضربت رجلاً منهم أظنّ بفكّ جمل فكسرته، فأتـيت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فلـم ألبث أن نزل تـحريـم الـخمر: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِرُ... إلـى آخر الاَية.

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: شربت الـخمر مع قوم من الأنصار، فذكر نـحوه.

٩٨٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمرو بن الـحرث أن ابن شهاب أخبره أن سالـم بن عبد اللّه حدثه: أن أوّل ما حرّمت الـخمر، أن سعد بن أبـي وقاص وأصحابـا له شربوا، فـاقتتلوا، فكسروا أنف سعد، فأنزل اللّه : إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِرُ... الاَية.

وقال آخرون: نزلت فـي قبـيـلتـين من قبـائل الأنصار. ذكر من قال ذلك:

٩٨٤٧ـ حدثنا الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، عن جبـير، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: نزل تـحريـم الـخمر فـي قبـيـلتـين من قبـائل الأنصار، شربوا حتـى إذا ثملوا عبِث بعضهم ببعض فلـما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولـحيته، فـ

يقول: فعل بـي هذا أخي فلان وكانوا إخوة لـيس فـي قلوبهم ضغائن واللّه لو كان بـي رءوفـا رحيـما ما فعل بـي هذا حتـى وقعت فـي قلوبهم الضغائن، فأنزل اللّه : إنّـمَا الـخَمْرُ والـمَيْسِرُ... إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ. فقال ناس من الـمتكلفـين: هي رجس، وهي فـي بطن فلان قتل يوم بدر، وقتل فلان يوم أحد، فأنزل اللّه : لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُناحٌ فِـيـما طَعِمُوا... الاَية.

٩٨٤٨ـ حدثنا مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا سعيد بن مـحمد الـجرمي، عن أبـي تـميـلة، عن سلام مولـى حفص بن أبـي قـيس، عن أبـي بريدة، عن أبـيه، قال: بـينـما نـحن قعود علـى شراب لنا ونـحن نشرب الـخمر حلاّ، إذ قمت حتـى آتـيَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلـم علـيه، وقد نزل تـحريـم الـخمر: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ... إلـى آخر الاَيتـين: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ، فجئت إلـى أصحابـي فقرأتها علـيهم، إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ

قال: وبعض القوم شرْبته فـي يده قد شرب بعضا وبقـي بعض فـي الإناء، فقال بـالإناء تـحت شفته العلـيا كما يفعل الـحجام، ثم صبوا ما فـي بـاطيتهم،

فقالوا: انتهينا ربنا، انتهينا ربّنا

وقال آخرون: إنـما كانت العداوة والبغضاء كانت تكون بـين الذين نزلت فـيهم هذه الاَية بسبب الـميسر لا بسبب السكر الذي يحدث لهم من شرب الـخمر، فلذلك نهاهم اللّه عن الـميسر. ذكر من قال ذلك:

٩٨٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع قال بشر: وقد سمعته من يزيد وحدثنـيه قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الرجل فـي الـجاهلـية يقامر علـى أهله وماله، فـيقعد حزينا سلـيبـا ينظر إلـى ماله فـي يدي غيره، فكانت تورث بـينهم عداوةً وبغضاء، فنهى اللّه عن ذلك وقدّم فـيه واللّه أعلـم بـالذي يُصْلـح خـلقه.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى قد سمى هذه الأشياء التـي سماها فـي هذه الاَية رجسا وأمر بـاجتنابها.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دعاء عمر رضي اللّه عنه فـي أمر الـخمر، وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نال سعدا من الأنصاريّ عند انتشائهما من الشراب، وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يـلـحق أحدهم عند ذهاب ماله بـالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضه. ولـيس عندنا بأيّ ذلك كان خبر قاطع للعذر، غير أنه أي ذلك كان، فقد لزم حكم الاَية جميع أهل التكلـيف، وغير ضائرهم الـجهل بـالسبب الذي له نزلت هذه الاَية، فـالـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فرض علـى جميع من بلغته الاَية من التكلـيف اجتناب جميع ذلك، كما قال تعالـى: فـاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ.

٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَطِيعُواْ اللّه وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: إنـما الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فـاجتنبوه، وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول فـي اجتنابكم ذلك واتبـاعكم أمره فـيـما أمركم به من الانزجار عما زجركم عنه من هذه الـمعانـي التـي بـينها لكم فـي هذه الاَية وغيرها، وخالفوا الشيطان فـي أمره إياكم بـمعصية اللّه فـي ذلك وفـي غيره، فإنه إنـما يبغي لكم العداوة والبغضاء بـينكم بـالـخمر والـميسر. واحْذَرُوا

يقول: واتقوا اللّه وراقبوه أن يراكم عندما نهاكم عنه من هذه الأمور التـي حرّمها علـيكم فـي هذه الاَية وغيرها، أو يفقدكم عندما أمركم به فتوبقوا أنفسكم وتهلكوها. فإنْ تَوَلّـيْتُـمْ

يقول: فإن أنتـم لـم تعملوا بـما أمرناكم به وتنتهوا عما نهيناكم عنه ورجعتـم مدبرين عما أنتـم علـيه من الإيـمان والتصديق بـاللّه وبرسوله واتبـاع ما جاءكم به نبـيكم فـاعْلَـمُوا أنّـمَا علـى رَسُولِنا البَلاغُ الـمُبِـينُ

يقول: فـاعلـموا أنه لـيس علـى من أرسلناه إلـيكم بـالنذارة غير إبلاغكم الرسالة التـي أرسل بها إلـيكم، مبـينة لكم بـيانا يوضح لكم سبـيـل الـحقّ والطريق الذي أمرتـم أن تسلكوه وأما العقاب علـى التولـية والانتقام بـالـمعصية، فعلـى الـمرسَل إلـيه دون الرسل. وهذا من اللّه تعالـى وعيد لـمن تولـى عن أمره ونهيه، يقول لهم تعالـى ذكره: فإن تولـيتـم عن أمري ونهي، فتوقعوا عقابـي واحذروا سخطي.

٩٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ ...}.

يقول تعالـى ذكره للقوم الذين قالوا إذ أنزل اللّه تـحريـم الـخمر بقوله: إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِر والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ فـاجْتَنِبُوهُ: كيف بـمن هلك من إخواننا وهمُ يشربونها وبنا وقد كنا نشربها: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ منكم حرج فـيـما شربوا من ذلك فـي الـحال التـي لـم يكن اللّه تعالـى حرّمه علـيهم، إذَا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ

يقول: إذا ما اتقـى اللّه الأحياء منهم، فخافوه وراقبوه فـي اجتنابهم ما حرّم علـيهم منه وصدّقوا اللّه ورسوله فـيـما أمراهم ونهاهم، فأطاعوهما فـي ذلك كله. وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ

يقول: واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه اللّه فـي ذلك مـما كلفهم بذلك ربهم. ثُمّ اتّقَوْا وآمَنُوا

يقول: ثم خافوا اللّه وراقبوه بـاجتنابهم مـحارمه بعد ذلك التكلـيف أيضا، فثبتوا علـى اتقاء اللّه فـي ذلك والإيـمان به، ولـم يغيروا ولـم يبدّلو. ثُمّ اتّقَوْا وأحْسَنُوا

يقول: ثم خافوا اللّه ، فدعاهم خوفهم اللّه إلـى الإحسان. وذلك الإحسان هو العمل بـما لـم يفرضه علـيهم من الأعمال، ولكنه نوافل تقرّبوا بها إلـى ربهم طلب رضاه وهربـا من عقابه. وَاللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنِـينَ

يقول: واللّه يحبّ الـمتقرّبـين إلـيه بنوافل الأعمال التـي يرضاها. فـالاتقاء الأوّل: هو الاتقاء بتلقـي أمر اللّه بـالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثانـي: الاتقاء بـالثبـات علـى التصديق وترك التبديـل والتغيـير والاتقاء الثالث: هو الاتقاء بـالإحسان والتقرب بنوافل الأعمال.

فإن قال قائل: ما الدلـيـل علـى أن الاتقاء الثالث هو الاتقاء بـالنوافل دون أن يكون ذلك بـالفرائض؟

قـيـل: إنه تعالـى ذكره قد أخبر عن وضعه الـجناح عن شاربـي الـخمر التـي شربوها قبل تـحريـمه إياها إذا هم اتقوا اللّه فـي شربها بعد تـحريـمها وصدّقوا اللّه ورسوله فـي تـحريـمها وعملوا الصالـحات من الفرائض. ولا وجه لتكرير ذلك، وقد مضى ذكره فـي آية واحدة.

وبنـحو الذي قلنا من أن هذه الاَية نزلت فـيـما ذكرنا أنها نزلت فـيه، جاءت الأخبـار عن الصحابة والتابعين. ذكر من قال ذلك:

٩٨٥٠ـ حدثنا هناد بن السري وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما تـحريـم الـخمر

قالوا: يا رسول اللّه ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الـخمر؟ فنزلت: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُناحٌ... الاَية.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل بإسناده، نـحوه.

٩٨٥١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنـي عبد الكبـير بن عبد الـمـجيد، قال: أخبرنا عبـاد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: بـينا أنا أدير الكأس علـى أبـي طلـحة وأبـي عبـيدة بن الـجرّاح ومعاذ بن جبل وسهيـل بن بـيضاء وأبـي دجانة، حتـى مالت رءوسهم من خـلـيط بسر وتـمر، فسمعنا مناديا ينادي: ألا إن الـخمر قد حرّمت قال: فما دخـل علـينا داخـل ولا خرج منا خارج حتـى أهرقنا الشراب وكسرنا القلال. وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا فأصبنا من طيب أمّ سلـيـم ثم خرجنا إلـى الـمسجد، وإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنّـمَا الـخَمْرُ وَالـمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ فـاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ... إلـى قوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُنْتَهُونَ. فقال رجل: يا رسول اللّه ، فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟ فأنزل اللّه تعالـى: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا... الاَية. فقال رجل لقتادة: سمعته من أنس بن مالك؟ قال: نعم، وقال رجل لأنس بن مالك: أنت سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم، وحدثنـي من لـم يكذب، واللّه ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب.

٩٨٥٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن البراء، قال: لـما حرّمت الـخمر

قالوا: كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الـخمر؟ فنزلت: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا... الاَية.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: قال البراء: مات ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم يشربون الـخمر، فلـما نزل تـحريـمها، قال أناس من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الاَية: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ... الاَية.

٩٨٥٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: نزلت: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا فـيـمن قُتل ببدر وأُحد مع مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

٩٨٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: حدثنا علـيّ بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيـم عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: لـما نزلت: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قِـيـلَ لـي أنْتَ مِنْهُمْ).

٩٨٥٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا... إلـى قوله: وَاللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنِـينَ لـما أنزل اللّه تعالـى ذكره تـحريـم الـخمر فـي سورة الـمائدة بعد سورة الأحزاب، قال فـي ذلك رجال من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أصيب فلان يوم بدر وفلان يوم أُحد وهم يشربونها، فنـحن نشهد أنهم من أهل الـجنة فأنزل اللّه تعالـى ذكره: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا إذَا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ ثُمّ اتّقَوْا وآمَنُوا ثُمّ اتّقَوْا وأحْسَنُوا وَاللّه يُحِبّ الـمُـحْسِنِـينَ

يقول: شربها القوم علـى تقوى من اللّه وإحسان وهي لهم يومئذٍ حلال، ثم حرّمت بعدهم، فلا جناح علـيهم فـي ذلك.

٩٨٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا

قالوا: يا رسول اللّه ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا، كانوا يشربون الـخمر ويأكلون الـميسر؟ فأنزل اللّه : لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا يعنـي قبل التـحريـم إذا كانوا مـحسنـين متقـين. وقال مرّة أخرى: لـيس علـى الذين آمنوا وعملوا الصالـحات جناح فـيـما طعموا من الـحرام قبل أن يحرّم علـيهم إذا ما اتقوا وأحسنوا بعد ما حرّم وهوقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبّهِ فـانْتَهَى فَلَهُ ما سَلَفَ.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا يعنـي بذلك رجالاً من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الـخمر قبل أن تـحرّم الـخمر، فلـم يكن علـيهم فـيها جناح قبل أن تـحرّم، فلـما حرّمت

قالوا: كيف تكون علـينا حراما وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه تعالـى لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُواإذا ما اتّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ

يقول: لـيس علـيهم حرج فـيـما كانوا يشربون قبل أن أحرّمها إذا كانوا مـحسنـين متقـين، واللّه يحب الـمـحسنـين.

٩٨٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ فِـيـما طَعِمُوا لـمن كان يشرب الـخمر مـمن قتل مع مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ببدر وأُحد.

٩٨٥٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك ، قوله: لَـيْسَ علـى الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ جُنَاحٌ... الاَية: هذا فـي شأن الـخمر حين حُرّمت، سألوا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقالوا: إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل اللّه هذه الاَية.

٩٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله لَـيَبْلُوَنّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصّيْدِ

يقول: لـيختبرنكم اللّه بشيء من الصيد، يعنـي: ببعض الصيد. وإنـما أخبرهم تعالـى ذكره أنه يبلوهم بشيء، لأنه لـم يبلهم بصيد البحر وإنـما ابتلاهم بصيد البرّ، فـالابتلاء ببعض لـم يـمتنع

وقوله: تَنالُه أيْدِيكُمْ يعنـي: إما بـالـيد، كالبـيض والفراخ وإما بإصابة النبل والرماح، وذلك كالـحمر والبقر والظبـاء، فـيـمتـحنكم به فـي حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجكم.

وبنـحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٨٥٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: لَـيَبْلُوَنّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصّيْدِ تَنالُهُ أيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال: أيديكم صغار الصيد، أخذ الفراخ والبـيض. و (الرماح)، قال: كبـار الصيد.

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن داود، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: تَنالُهُ أيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال: النبل، ورماحكم تنال كبـير الصيد، وأيديكم تنال صغير الصيد، أخذ الفراخ والبـيض.

٩٨٦٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد فـي قوله: لَـيَبْلُوَنّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصّيْدِ تَنالُهُ أيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال: ما لا يستطيع أن يفرّ من الصيد.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد، مثله.

٩٨٦١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: أيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلـي اللّه تعالـى به عبـاده فـي إحرامهم حتـى لو شاءوا نالوه بأيديهم، فنهاهم اللّه أن يقربوه.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن حميد الأعرج، ولـيث عن مـجاهد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لَـيَبْلُوَنّكُمُ اللّه بِشَيْءٍ مِنَ الصّيْدِ تَنالُهُ أيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال: الفراخ والبـيض، وما لا يستطيع أن يفرّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لِـيَعْلَـمَ اللّه مَنْ يَخافُهُ بـالغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ ألِـيـمُ.

يعنـي تعالـى ذكره: لـيختبرنكم اللّه أيها الـمؤمنون ببعض الصيد فـي حال إحرامكم، كي يعلـم أهل طاعة اللّه والإيـمان به والـمنتهون إلـى حدوده وأمره ونهيه، من الذي يخاف اللّه ، فـيتقـي ما نهاه عنه ويجتنبه خوف عقابه بـالغيب، بـمعنى: فـي الدنـيا بحيث لا يراه. وقد بـينا أن الغيب إنـما هو مصدر قول القائل: غاب عنـي هذا الأمر فهو يغيب غيبـا وغيبة، وأن ما لـم يعاين فإن العرب تسميه غيبـا.

فتأويـل الكلام إذن: لـيعلـم أولـياء اللّه من يخاف اللّه فـيتقـي مـحارمه التـي حرّمها علـيه من الصيد وغيره، بحيث لا يراه ولا يعاينه.

وأما قوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فإنه يعنـي: فمن تـجاوز حدّ اللّه الذي حدّه له بعد ابتلائه بتـحريـم الصيد علـيه وهو حرام، فـاستـحلّ ما حرم اللّه علـيه منه بأخذه وقتله فَلَهُ عَذَابٌ من اللّه ألِـيـمٌ يعنـي: مؤلـم موجع.

٩٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ...}.

يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ الذي بـينت لكم، وهو صيد البرّ دون صيد البحر وأنْتُـمْ حُرُمٌ

يقول: وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة والـحُرُم: جمع حرام، والذكر والأنثى فـيه بلفظ واحد، تقول: هذا رجل حَرَام وهذه امرأة حَرَام، فإذا قـيـل مُـحْرم، قـيـل للـمرأة مـحرمة. والإحرام: هو الدخول فـيه، يقال: أحرم القوم: إذا دخـلوا فـي الشهر الـحرام، أو فـي الـحرم. فتأويـل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة

وقوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا فإن هذا إعلام من اللّه تعالـى ذكره عبـاده حكم القاتل من الـمـحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمد الذي أوجب اللّه علـى صاحبه به الكفـارة والـجزاء فـي قتله الصيد.

فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه فـي حال قتله، وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله فلا حكم علـيه وأمره إلـى اللّه .

قالوا: وهذا أجلّ أمرا من أن يحكم علـيه أو يكون له كفّـارة. ذكر من قال ذلك:

٩٨٦٢ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ من قتله منكم ناسيا لإحرامه متعمدا لقتله، فذلك الذي يُحكم علـيه. فإن قتله ذاكرا لـحُرْمه متعمدا لقتله، لـم يحكم علـيه.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد فـي الذي يقتل الصيد متعمدا، وهو يعلـم أنه مـحرم ومتعمد قتله، قال: لا يحكم علـيه، ولا حجّ له

وقوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا قال: هو العمد الـمكفر، وفـيه الكفـارة والـخطأ أن يصيبه، وهو ناس إحرامه، متعمدا لقتله، أو يصيبه وهو يريد غيره، فذلك يحكم علـيه مرّة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لا تَقْتُلُوا الصّيْدُ وأنْتُـمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا غير ناس لـحرمه ولا مريد غيره، فقد حلّ ولـيست له رخصة. ومن قتله ناسيا أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفر.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا قال: متعمدا لقتله، ناسيا لإحرامه.

حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا الفضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: العمد هو الـخطأ الـمكفّر.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا يونس بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا لـيث قال: قال مـجاهد: قوله اللّه : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: فـالعمد الذي ذكر اللّه تعالـى أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فـيصيبه، فهذا العمد الـمكفّر فأما الذي يصيبه غيرَ ناس ولا مريد لغيره، فهذا لا يحكم علـيه، هذا أجَلّ من أن يحكم علـيه.

حدثنا ابن وكيع، ومـحمد بن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن الهيثم، عن الـحكم، عن مـجاهد، أنه قال فـي هذه الاَية: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا قال: يقتله متعمدا لقتله، ناسيا لإحرامه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، قال: حدثنا شعبة، عن الهيثم، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

٩٨٦٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: قال ابن جريج: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا غير ناس لـحُرمه ولا مريد غيره، فقد حلّ ولـيست له رخصة. ومن قتله ناسيا لـحرمه أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفّر.

٩٨٦٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الـحسن: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا للصيد ناسيا لإحرامه، فمن اعْتَدَى بَعْدَ ذلك متعمدا للصيد يذكر إحرامه.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، قال: حدثنا إسماعيـل بن مسلـم، قال: كان الـحسن يفتـي فـيـمن قتل الصيد متعمدا ذاكرا لإحرامه: لـم يحكم علـيه

قال إسماعيـل، وقال حماد عن إبراهيـم، مثل ذلك.

٩٨٦٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، قال: أمرنـي جعفر بن أبـي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الاَية: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَرَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ... الاَية، فسألته،

فقال: كان عطاء

يقول: هو بـالـخيار أيّ ذلك شاء فعل، إن شاء أهدى وإن شاء أطعم وإن شاء صام. فأخبرت به جعفرا، وقلت: ما سمعتَ فـيه؟ فتلكأ ساعة ثم جعل يضحك، ولا يخبرنـي، ثم قال: كان سعيد بن جبـير

يقول: يحكم علـيه من النعم هديا بـالغ الكعبة، فإن لـم يجد يحكم علـيه ثمنه، فقوّم طعاما فتصدّق، فإن لـم يجد علـيه حكم الصيام فـيه من ثلاثة أيام إلـى عشرة.

حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال أخبرنـي ابن جريج، قال: قال مـجاهد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا غير ناس لـحُرمه ولا مريد غيره فقد حلّ ولـيست له رخصة، ومن قتله ناسيا أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفّر.

٩٨٦٦ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي يتعمد فـيه الصيد وهو ناس لـحرمه أو جاهل أن قتله غير مـحرّم، فهؤلاء الذين يحكم علـيهم. فأما من قتله متعمدا بعد نهي اللّه وهو يعرف أنه مـحروم وأنه حرام، فذلك يوكل إلـى نقمة اللّه ، وذلك الذي جعل اللّه علـيه النقمة.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله:وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا قال: متعمدا لقتله، ناسيا لإحرامه.

وقال آخرون: بل ذلك هو العمد من الـمـحرم لقتل الصيد ذاكرا لـحُرمه. ذكر من قال ذلك:

٩٨٦٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يحكم علـيه فـي العمد والـخطإ والنسيان.

٩٨٦٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن جريج، وحدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قال طاوس: واللّه ما قال اللّه إلاّ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا.

٩٨٦٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنـي بعض أصحابنا عن الزهري أنه قال: نزل القرآن بـالعمد، وجرت السنة فـي الـخطإ. يعنـي فـي الـمـحرم يصيب الصيد.

٩٨٧٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم علـيه، وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة، إلاّ أن يعفو اللّه .

٩٨٧١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبـير، قال: إنـما جعلت الكفّـارة فـي العمد، ولكن غلّظ علـيهم فـي الـخطأ كي يتقوا.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبـير، نـحوه.

حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: كان طاوس

يقول: واللّه ما قال اللّه إلاّ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن يقال: إن اللّه تعالـى حرّم قتل صيد البرّ علـى كل مـحرم فـي حال إحرامه ما دام حراما، بقوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ ثم بـين حكم من قتل ما قتل من ذلك فـي حال إحرامه متعمدا لقتله، ولـم يخصص به الـمتعمد قتله فـي حال نسيانه إحرامه، ولا الـمخطىء فـي قتله فـي حال ذكره إحرامه، بل عمّ فـي التنزيـل بإيجاب كلّ قاتل صيد فـي حال إحرامه متعمدا. وغير جائز إحالة ظاهر التنزيـل إلـى بـاطن من التأويـل لا دلالة علـيه من نصّ كتاب ولا خبر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا إجماع من الأمة ولا دلالة من بعض هذه الوجوه. فإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان قاتل الصيد من الـمـحرمين عامدا قتله ذاكرا لإحرامه، أو عامدا قتله ناسيا لإحرامه، أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لإحرامه، فـي أنّ علـى جميعهم من الـجزاء ما قال ربنا تعالـى وهو: مثل ما قتل من النّعَم يحكم بِهِ ذوا عدل من الـمسلـمين أو كفّـارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما، دون القول الذي قاله مـجاهد.

وأما ما يـلزم بـالـخطأ قاتله، فقد بـينا القول فـيه فـي كتابنا (كتاب لطيف القول فـي أحكام الشرائع) بـما أغنى عن ذكره فـي هذا الـموضع. ولـيس هذا الـموضع موضع ذكره، لأن قصدنا فـي هذا الكتاب الإبـانة عن تأويـل التنزيـل، ولـيس فـي التنزيـل للـخطإ ذكر فنذكر أحكامه.

وأما قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ فإنه

يقول: وعلـيه كفـارة وبدل، يعنـي بذلك: جزاء الصيد الـمقتول

يقول تعالـى ذكره: فعلـى قاتل الصيد جزاء الصيد الـمقتول مثل ما قتل من النعم. وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ).

وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض البصريـين: (فَجَزَاءُ مِثْلِ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ) بإضافة الـجزاء إلـى الـمثل وخفض الـمثل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ بتنوين (الـجزاء) ورفع (الـمثل) بتأويـل: فعلـيه جزاء مثل ما قتل.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ بتنوين (الـجزاء) ورفع (الـمثل)، لأن الـجزاء هو الـمثل، فلا وجه لإضافة الشيء إلـى نفسه. وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بـالإضافة، رأوا أن الواجب علـى قاتل الصيد أن يجزى مثله من الصيد بـمثل من النعم ولـيس كذلك كالذي ذهبوا إلـيه، بل الواجب علـى قاتله أن يجزى الـمقتول نظيره من النعم. وإذ كان ذلك كذلك، فـالـمثل هو الـجزاء الذي أوجبه اللّه تعالـى علـى قاتل الصيد، ولن يضاف الشيء إلـى نفسه، ولذلك لـم يقرأ ذلك قارىء علـمناه بـالتنوين ونصب الـمثل. ولو كان الـمثل غير الـجزاء لـجاز فـي الـمثل النصب إذا نون الـجزاء، كما نصب الـيتـيـم إذ كان غير الإطعام فـي قوله: أوْ إطْعامٌ فِـي ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِـيـما ذَا مَقْرَبَةٍ وكما نصب الأموات والأحياء ونون الكفـات فـي قوله: ألَـمْ نَـجْعَلِ الأرْضَ كِفـاتا أحْياءً وأمْوَاتا إذ كان الكفـات غير الأحياء والأموات.

وكذلك الـجزاء، لو كان غير الـمثل لاتسعت القراءة فـي الـمثل بـالنصب إذا نوّن الـجزاء، ولكن ذلك ضاق فلـم يقرأه أحد بتنوين الـجزاء ونصب الـمثل، إذ كان الـمثل هو الـجزاء، وكان معنى الكلام: ومن قتله منكم متعمدا، فعلـيه جزاء هو مثل ما قتل من النعم.

ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة الـجزاء، وكيف يجزى قاتل الصيد من الـمـحرمين ما قتل بـمثله من النعم.

فقال بعضهم: ينظر إلـى أشبه الأشياء به شبها من النعم، فـيجزيه به ويُهديه إلـى الكعبة. ذكر من قال ذلك:

٩٨٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدافَجَزَاءٌ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: أما جزاء مثل ما قتل من النعم، فإن قتل نعامة أو حمارا فعلـيه بدنة، وإن قتل بقرة أو أيّلاً أو أَرْوَى فعلـيه بقرة، أو قتل غزالاً أو أرنبـا فعلـيه شاة. وإن قتل ضبّـا أو حربـاء أو يربوعا، فعلـيه سخـلة قد أكلت العشب وشربت اللبن.

٩٨٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن أبـي مـجاهد، قال: سئل عطاء: أيغرم فـي صغير الصيد كما يغرم فـي كبـيره؟ قال: ألـيس يقول اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ؟

٩٨٧٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال مـجاهد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: علـيه من النعم مثله.

٩٨٧٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد وجب علـيه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدّق به، فإن لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء دراهم ثم قوّم الدراهم حنطة ثم صام مكان كلّ نصف صاع يوما

قال: وإنـما أريد بـالطعام الصوم، فإذا وجد طعاما وجد جزاء.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس : فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفّـارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه جزاؤه من النعم، فإن لـم يجد نظركم ثمنه قال ابن حميد: نظركم قـيـمته فقوّم علـيه ثمنه طعاما، فصام مكان كل نصف صاع يوما، أو كفّـارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما

قال: إنـما أريد بـالطعام: الصيام، فإذا وجد الطعام وجد جزاءه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ فإن لـم يجد هديا، قوّم الهدى علـيه طعاما وصام عن كلّ صاع يومين.

حدثنا هناد

قال: عبد بن حميد، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ قال: إذا أصاب الرجل الصيد حكم علـيه، فإن لـم يكن عنده قوّم علـيه ثمنه طعام ثم صام للكّ نصف صاع يوما.

٩٨٧٦ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: ابتدرت وصاحب لـي ظبـيا فـي العقبة، فأصبته. فأتـيت عمر بن الـخطاب فذكرت ذلك له، فأقبل علـيّ رجل إلـى جنبه، فنظرا فـي ذلك،

فقال: اذبح كبشا.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبـي، قال: أخبرنـي قبـيصة بن جابر نـحوا مـما حدّث به عبد الـملك.

٩٨٧٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن الـمسعودي، عن عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: قتل صاحب لـي ظبـيا وهو مـحرم، فأمره عمر أن يذبح شاة، فـيتصدّق بلـحمها ويُسْقِـي إهابها.

٩٨٧٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن داود بن أبـي هند، عن بكر بن عبد اللّه الـمزنـي، قال: قتل رجل من الأعراب وهو مـحرم ظبـيا، فسأل عمر، فقال له عمر: أهد شاة.

٩٨٧٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، وحدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا ابن فضيـل، قال: حدثنا حصين، عن الشعبـيّ، قال: قال قبـيصة بن جابر: أصبت ظبـيا وأنا مـحرم، فأتـيت عمر فسألته عن ذلك، فأرسل إلـى عبد الرحمن بن عوف، فقلت: يا أمير الـمؤمنـين إن أمره أهون من ذلك قال: فضربنـي بـالدرّة حتـى سابقته عدوا

قال: ثم قال: قتلت الصيد وأنت مـحرم ثم تُغمص الفتـيا؟ قال: فجاء عبد الرحمن، فحكما شاة.

٩٨٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: إذا قتل الـمـحرم شيئا من الصيد حكم علـيه، فإن قتل ظبـيا أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة، فإن لـم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل أيّلاً أو نـحوه فعلـيه بقرة وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نـحوه فعلـيه بدنة من الإبل.

٩٨٨١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أرأيت إن قتلت صيدا فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص أغرم مثله؟ قال: نعم، إن شئت. قلت: أُوفـي أحبّ إلـيك؟ قال: نعم. وقال عطاء: وإن قتلت ولد الظبـي ففـيه ولد شاة، وإن قتلت ولد بقرة وحشية ففـيه ولد بقرة إنسية مثله، فكل ذلك علـى ذلك.

٩٨٨٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم

يقول: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ: ما كان من صيد البرّ مـما لـيس له قرن الـحمار والنعامة فعلـيه مثله من الإبل، وما كان ذا قرن من صيد البرّ من وعل أو أيـل فجزاؤه من البقر، وما كان من ظبـي فمن الغنـم مثله، وما كان من أرنب ففـيها ثنـية، وما كان من يربوع وشبهه ففـيه حمل صغير، وما كان من جرادة أو نـحوها ففـيه قبضة من طعام، وما كان من طير البرّ ففـيه أن يقوّم ويتصدّق بثمنه، وإن شاء صام لكلّ نصف صاع يوما. وإن أصاب فرخ طير برية أو بـيضها فـالقـيـمة فـيها طعام أو صوم علـى الذي يكون فـي الطير. غير أنه قد ذكر فـي بـيض النعام إذا إصابها الـمـحرم أن يحمل الفحل علـى عدّة من أصاب من البـيض علـى بِكارة الإبل، فما لقح منها أهداه إلـى البـيت، وما فسد منها فلا شيء فـيه.

٩٨٨٣ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع، قال: أخبرنـي ابن جريج، قال: قال مـجاهد: من قتله يعنـي الصيد ناسيا، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفّر، فعلـيه مثله هديا بـالغ الكعبة، فإن لـم يجد ابتاع بثمنه طعاما، فإن لـم يجد صام عن كلّ مدّ يوما. وقال عطاء: فإن أصاب إنسان نعامة، كان له إن كان ذا يسار ما شاء، إن شاء يهدي جزورا أو عَدلها طعاما أو عدلها صياما، أيهنّ شاء من أجل قوله: فَجَزَاءٌ أو كذا قال: فكلّ شيء فـي القرآن أوأو، فلـيختر منه صاحبه ما شاء.

٩٨٨٤ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع، قال: أخبرنـي ابن جريج، قال: أخبرنـي الـحسن بن مسلـم، قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدا، فذلك الذي قال اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مَنَ النّعَمِوأما كفّـارَة طَعَام مَسَاكِين فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فـيه هدي، العصفور يقتل فلا يكون فـيه

قال: أو عدل ذلك صياما، عدل النعامة، أو عدل العصفور، أو عدل ذلك كله.

وقال آخرون: بل يقوّم الصيد الـمقتول قـيـمته من الدراهم، ثم يشتري القاتل بقـيـمته نِدّا من النعم، ثم يهديه إلـى الكعبة. ذكر من قال ذلك:

٩٨٨٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبدة، عن إبراهيـم، قال: ما أصاب الـمـحرم من شيء حكم فـيه قـيـمته.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، قال: سمعت إبراهيـم

يقول: فـي كلّ شيء من الصيد ثمنه.

وأولـى القولـين فـي تأويـل الاَية، ما قال عمر وابن عبـاس ومن قال بقولهما: إن الـمقتول من الصيد يجزى بـمثله من النعم، كما قال اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم وقد قال اللّه تعالـى: مِنَ النّعَمِ لأن الدراهم لـيست من النعم فـي شيء.

فإن قال قائل: فإن الدراهم وإن لـم تكن مثلاً للـمقتول من الصيد، فإنه يشتري بها الـمثل من النعم، فـيهديه القاتل، فـيكون بفعله ذلك كذلك جازيا بـما قتل من الصيد مثلاً من النعم؟

قـيـل له: أفرأيت إن كان الـمقتول من الصيد صغيرا أو كبـيرا أو سلـيـما، أو كان الـمقتول من الصيد كبـيرا أو سلـيـما بقـيـمته من النعم إلاّ صغيرا أو معيبـا، أيجوز له أن يشتري بقـيـمته خلافه وخلاف صفته فـيهديه، أم لا يجوز ذلك له، وهو لا يجد إلاّ خلافه؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقـيـمته إلاّ مثله، تُرك قوله فـي ذلك لأن أهل هذه الـمقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقـيـمته ذلك فـيهديه إلاّ ما يجوز فـي الضحايا، وإذا أجازوا شِرَى مثل الـمقتول من الصيد بقـيـمته وإهداءها وقد يكون الـمقتول صغيرا معيبـا، أجازوا فـي الهدي ما لا يجوز فـي الأضاحي، وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقـيـمته فـيهديه إلاّ ما يجوز فـي الضحايا أوضح بذلك من قوله الـخلافَ لظاهر التنزيـل وذلك أن اللّه تعالـى أوجب علـى قاتل الصيد من الـمـحرمين عمدا الـمثل من النعم إذا وجدوه وقد زعم قائل هذه الـمقالة أنه لا يجب علـيه الـمثل من النعم وهو إلـى ذلك واجد سبـيلاً.

ويقال لقائل: ذلك: أرأيت إن قال قائل آخر: ما علـى قاتل ما لا تبلغ من الصيد قـيـمته ما يصاب به من النعم ما يجوز فـي الأضاحي من إطعام ولا صيام، لأن اللّه تعالـى إنـما خير قاتل الصيد من الـمـجرمين فـي أحد الثلاثة الأشياء التـي سماها فـي كتابه، فإذا لـم يكن له إلـى واحد من ذلك سبـيـل سقط عنه فرض الاَخرين، لأن الـخيار إنـما كان له وله إلـى الثلاثة سبـيـل فإذا لـم يكون له إلـى بعض ذلك سبـيـل فرض الـجزاء عنه، لأنه لـيس مـمن عُنـي بـالاَية نظير الذي قلت أنت إنه إذا لـم يكن الـمقتول من الصيد يبلغ قـيـمته ما يصاب من النعم مـما يجوز فـي الضحايا، فقد سقط فرض الـجزاء بـالـمثل من النعم عنه، وإنـما علـيه الـجزاء بـالإطعام أو الصيام هل بـينك وبـينه فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلاّ ألزم فـي الاَخر مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ.

يقول تعالـى ذكره: يحكم بذلك الـجزاء الذي هو مثل الـمقتول من الصيد من النعم عدلان منكم، يعنـي: فقـيهان عالـمان من أهل الدين والفضل. هَدْيا

يقول: يقضي بـالـجزاء ذوا عدل أن يُهدي فـيبلغ الكعبة. والهاء فـي قوله (يحكم به) عائدة علـى الـجزاء، ووجه حكم العدلـين إذا أرادا أن يحكما بـمثل الـمقتول من الصيد من النعم علـى القاتل أن ينظرا إلـى الـمقتول ويستوصفـاه، فإن ذكر أنه أصاب ظبـيا صغيرا حكما علـيه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله فـي السنّ والـجسم، فإن كان الذي أصاب من ذلك كبـيرا حكما علـيه من الضأن بكبـير، وإن كان الذي أصاب حمار وحش حكما علـيه ببقرة إن كان الذي أصاب كبـيرا من البقر، وإن كان صغيرا فصغيرا، وإن كان الـمقتول ذكرا فمثله من ذكور البقر، وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى، ثم كذلك ينظران إلـى أشبه الأشياء بـالـمقتول من الصيد شبها من النعم فـيحكمان علـيه به كما قال تعالـى.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك،

قال أهل التأويـل علـى اختلاف فـي ذلك بـينهم. ذكر من قال ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه:

٩٨٨٦ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن بكر بن عبد اللّه الـمزنـي، قال: كان رجلان من الأعراب مـحرمَين، فأحاش أحدهما ظبـيا فقتله الاَخر، فأتـيا عمر وعنده عبد الرحمن بن عوف، فقال له عمر: وما ترى؟ قال: شاة

قال: وأنا أرى ذلك، اذهبـا فأهديا شاة فلـما مضيا، قال أحدهما لصاحبه: ما درى أمير الـمؤمنـين ما يقول حتـى سأل صاحبه. فسمعها عمر، فردّهما فقال: هل تقرآن سورة الـمائدة؟ فقالا: لا. فقرأها علـيهما: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكمْ.

ثم قال: استعنت بصاحبـي هذا.

٩٨٨٧ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن عمَير، عن قبـيصة بن جابر، قال: ابتدرت أنا وصاحب لـي ظبـيا فـي العقبة، فأصبته. فأتـيت عمر بن الـخطاب، فذكرت ذلك له، فأقبل علـى رجل إلـى جنبه، فنظرا فـي ذلك

قال: فقال: اذبح كبشا قال يعقوب فـي حديثه: فقال لـي اذبح شاة. فـانصرفت فأتـيت صاحبـي، فقلت: إن أمير الـمؤمنـين لـم يدر ما يقول فقال صاحبـي: انـحر ناقتك فسمعها عمر بن الـخطاب، فأقبل علـيّ ضربـا بـالدرّة، وقال: تقتل الصيد وأنت مـحرم وتَغْمِصُ الفتـيا إن اللّه تعالـى يقول فـي كتابه: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هذا ابن عوف وأنا عمر.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبـي، قال: أخبرنـي قبـيصة بن جابر، بنـحو ما حدّث به عبد الـملك.

٩٨٨٨ـ حدثنا هناد وأبو هشام، قالا: حدثنا وكيع، عن الـمسعودي، عن عبد الـملك بن عمير، عن قبـيصة بن جابر، قال: خرجنا (حجاجا) فكنا إذا صلـينا الغداة، اقتدرنا رواحلنا نتـماشى نتـحدّث

قال: فبـينـما نـحن ذات غداة إذ سنـح لنا ظبـيٌ أو برَح، فرماه رجل منا بحجر، فما أخطأ خُشَشاءه، فركب رَدْعَه ميتا

قال: فعظُمنا علـيه فلـما قدمنا مكة، خرجت معه حتـى أتـينا عمر، فقصّ علـيه القصة، قال: وإذا إلـى جنبه رجل كأن وجهه قُلْبُ فضة يعنـي عبد الرحمن بن عوف فـالتفت إلـى صاحبه فكلـمه قال: ثم أقبل علـيّ الرجل، قال: أعمدا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلاّ قد أشركت بـين العمد والـخطأ، اعمد إلـى شاة فـاذبحها، وتصدّق بلـحمها، وأسق إهابها قال: فقمنا من عنده، فقلت: أيها الرجل عظم شعائر اللّه فما درى أمير الـمؤمنـين ما يفتـيك حتـى سأل صاحبه، اعمد إلـى ناقتك فـانـحرها ففعل ذاك.

قال قبـيصة: ولا أذكر الاَية من سورة الـمائدة: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ

قال: فبلغ عمر مقالتـي، فلـم يفجأنا إلاّ ومعه الدرّة، قال: فعلا صاحبـي ضربـا بـالدرّة، وجعل

يقول: أقتلت فـي الـحرم وسفّهت الـحكم قال: ثم أقبل علـيّ فقلت: يا أمير الـمؤمنـين، لا أحلّ لك الـيوم شيئا يحرم علـيك منـي

قال: يا قبـيصة بن جابر، إنـي أراك شاب السنّ فسيح الصدر بَـيّن اللسان، وإن الشاب يكون فـيه تسعة أخلاق حسنة وخـلق سيّء، فـيفسد الـخـلق السيء الأخلاق الـحسنة، فإياك وعثرات الشبـاب

٩٨٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن مخارق، عن طارق، قال: أوطأ أربد ضبّـا فقتله وهو مـحرم، فأتـى عمر لـيحكم علـيه، فقال له عمر: احكم معي فحكما فـيه جديا قد جمع الـماء والشجر، ثم قال عمر: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ.

٩٨٩٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً أصاب صيدا، فأتـى ابن عمر فسأله عن ذلك وعنده عبد اللّه بن صفوان، فقال ابن عمر لابن صفوان: إما إن أقول فتصدّقنـي، وإما أن تقول فأصدّقك فقال ابن صفوان: بل أنت فقل فقال ابن عمر، ووافقه علـى ذلك عبد اللّه بن صفوان.

٩٨٩١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن شريح، أنه قال: لو وجدت حكما عدلاً لـحكمت فـي الثعلب جديا، وجديٌ أحبّ إلـيّ من الثعلب.

٩٨٩٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكير، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبـي مـجلز: أن رجلاً سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيدا وهو مـحرم، وعنده ابن صفوان، فقال له ابن عمر: إما أن تقول فأصدّقك، أو أقول فتصدّقنـي قال: قل وأصدّقك.

٩٨٩٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبـي وائل، قال: أخبرنـي ابن جرير البجلـي، قال: أصبت ظبـيا وأنا مـحرم، فذكرت ذلك لعمر،

فقال: ائت رجلـين من إخوانك فلـيحكما علـيك فأتـيت عبد الرحمن وسعدا، فحكما علـيّ تـيسا أعفر

قال أبو جعفر: الأعفر: الأبـيض.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور بإسناده عن عمر، مثله.

٩٨٩٤ـ حدثنا عبد الـحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، قال: كان رجل علـى ناقة وهو مـحرم، فأبصر ظبـيا يأوي إلـى أكمة،

فقال: لأنظرْ أنا أسبق إلـى هذه الأكمة أم هذا الظبـي؟ فوقعت عنز من الظبـاء تـحت قوائم ناقته فقتلتها. فأتـى عمر، فذكر ذلك له، فحكم علـيه هو وابن عوف عنزا عفراء

قال: وهي البـيضاء.

٩٨٩٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن مـحمد: أن رجلاً أوطأ ظبـيا وهو مـحرم. فأتـى عمر فذكر ذلك له وإلـى جنبه عبد الرحمن بن عوف، فأقبل علـى عبد الرحمن فكلـمه، ثم أقبل علـى الرجل،

فقال: أهد عنزا عفراء

٩٨٩٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم أنه كان

يقول: ما أصاب الـمـحرم من شيء لـم يـمض فـيه حكومة، استقبل به، فـيحكم فـيه ذوا عدل.

٩٨٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن يعلـي، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت رجلاً يسأل عبد اللّه بن عمر عن رجل أصاب ولد أرنب فقال: فـيه ولد ماعز فـيـما أرى أنا. ثم قال لـي: أكذاك؟ فقلت: أنت أعلـم منـي. فقال: قال اللّه تعالـى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ.

٩٨٩٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، وسهل بن يوسف، عن حميد، عن بكر: أن رجلـين أبصرا ظبـيا وهما مـحرمان، فتراهنا، وجعل كل واحد منهما لـمن سبق إلـيه. فسبق إلـيه أحدهما، فرماه بعصاه فقتله. فلـما قدما مكة، أتـيا عمر يختصمان إلـيه وعنده عبد الرحمن بن عوف. فذكرا ذلك له، فقال عمر: هذا قمار، ولا أجيزه ثم نظر إلـى عبد الرحمن،

فقال: ما ترى؟ قال: شاة. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. فلـما قـفّـى الرجلان من عند عمر، قال أحدهما لصاحبه: ما درى عمر ما يقول حتـى سأل الرجل فردّهما عمر فقال: إن اللّه تعالـى لـم يرض بعمر وحده فقال: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ وأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.

وقال آخرون: بل ينظر العدلان إلـى الصيد الـمقتول فـيقوّمانه قـيـمته دراهم، ثم يأمران أن يشتري بذلك من النعم هديا. فـالـحاكمان يحكمان فـي قول هؤلاء بـالقـيـمة، وإنـما يحتاج إلـيهما لتقويـم الصيد قـيـمته فـي الـموضع الذي أصابه فـيه. وقد ذكرنا عن إبراهيـم النـخعي فـيـما مضى قبل أنه كان

يقول: ما أصاب الـمـحرم من شيء حكم فـيه قـيـمته، وهو قول جماعة من متفقهة الكوفـيـين.

وأما قوله: هَدْيا فإنه مصدر علـى الـحال من الهاء التـي فـي قوله: يَحْكُمُ بِهِ،

وقوله: بـالِغَ الكَعْبَةِ من نعت الهدي وصفته. وإنـما جاز أن ينعت به وهو مضاف إلـى معرفة، لأنه فـي معنى النكرة، وذلك أن معنى قوله: بـالِغَ الكَعْبَةِ يبلغ الكعبة، فهو وإن كان مضافـا فمعناه التنوين، لأنه بـمعنى الاستقبـال، وهو نظير قوله: هَذَا عارِضٌ مُـمْطِرُنا فوصف بقوله: (مـمطرنا) عارضا، لأن فـي (مـمطرنا) معنى التنوين، لأن تأويـله الاستقبـال، فمعناه: هذا عارض يـمطرنا، فكذلك ذلك فـي قوله: هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ كَفّـارَةٌ طعَامٌ مسَاكِينَ.

يقول تعالـى ذكره: أو علـيه كفـارة طعام مساكين. والكفّـارة معطوفة علـى (الـجزاء) فـي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ.

واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: أوْ كَفّـارَةٌ طعَامِ مسَاكِينَ بـالإضافةوأما قرّاء أهل العراق، فإن عامتهم قرءوا ذلك بتنوين الكفّـارة ورفع الطعام: أوْ كَفّـارةٌ طعَامُ مسَاكِينَ.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندنا بـالصواب، قراءة من قرأ بتنوين الكفـارة ورفع الطعام، للعلة التـي ذكرناها فـي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: أوْ كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ

فقال بعضهم: معنى ذلك أن القاتل وهو مـحرم صيدا عمدا، لا يخـلو من وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التـي ذكر اللّه تعالـى من مثل الـمقتول هديا بـالغ الكعبة، أو طعام مسكين كفّـارة لـما فعل، أو عدل ذلك صياما، لأنه مخير فـي أيّ ذلك شاء فعل، وأنه بأيها كان كفر فقد أدّى الواجب علـيه وإنـما ذلك إعلام من اللّه تعالـى عبـاده أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرج حكمه من إحدى الـخلال الثلاثة.

قالوا: فحكمه إن كان علـى الـمثل قادرا أن يحكم علـيه بـمثل الـمقتول من النعم، لا يجزيه غير ذلك ما دام للـمثل واجدا.

قالوا: فإن لـم يكن له واجدا، أو لـم يكن للـمقتول مثل من النعم، فكفّـارته حينئذٍ إطعام مساكين. ذكر من قال ذلك:

٩٨٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بَـالِغَ الكَعْبَةِ أو كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما لِـيَذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ قال: إذ قتل الـمـحرم شيئا من الصيد حكم علـيه فـيه، فإن قتل ظبـيا أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة. فإن لـم يجدها، فإطعام ستة مساكين. فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيلاً أو نـحوه، فعلـيه بقرة. فإن لـم يجد، أطعم عشرين مسكينا، فإن لـم يجد صام عشرين يوما. وإن قتل نعامة أو حمار أو وحش أو نـحوه، فعلـيه بدنة من الإبل. فإن لـم يجد أطعم ثلاثـين مسكينا، فإن لـم يجد صام ثلاثـين يوما. والطعام مدّ مدّ يشبعهم.

٩٩٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: النبـي صلى اللّه عليه وسلم يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ... إلـى قوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فـالكفّـارة من قتل ما دون الأرنب إطعام.

٩٩٠١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه جزاؤه من النعم، فإن وجد جزاء ذبحه فتصدّق به، وإن لـم يجد جزاءه قوّم الـجزاء دراهم، ثم قوّمت الدراهم حنطة، ثم صام مكان كلّ صاع يوما

قال: إنـما أريد بـالطعام: الصوم، فإذا وجد جزاء.

٩٩٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن جابر، عن عطاء ومـجاهد وعامر: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما لِـيَذُوقَ قال: إنـما الطعام لـمن لـم يجد الهدي.

٩٩٠٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم أنه كان

يقول: إذا أصاب الـمـحرم شيئا من الصيد علـيه جزاؤه من النعم، فإن لـم يجد قُوّم الـجزاء دراهم، ثم قوّمت الدراهم طعاما، ثم صام لكلّ نصف صاع يوما.

٩٩٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد فحكم علـيه، فإن فضل منه ما لا يتـمّ نصف صاع صام له يوما، ولا يكون الصوم إلا علـى من لـم يجد ثمن هدي فـيحكم علـيه الطعام. فإن لـم يكن عنده طعام يتصدّق به، حكم علـيه الصوم، فصام مكان كلّ نصف صاع يوما. كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ قال: فـيـما لا يبلغ ثمن هدي. أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما من الـجزاء إذا لـم يجد ما يشتري به هديا، أو ما يتصدّق به، مـما لا يبلع ثمن هدي، حكم علـيه الصيام مكان كلّ نصف صاع يوما.

٩٩٠٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال مـجاهد: ومَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: علـيه من النعم مثله هديا بـالغ الكعبة، ومن لـم يجد ابتاع بقـيـمته طعاما، فـيطعم كلّ مسكين مدّين، فإن لـم يجد صام عن كلّ مدّين يوما.

٩٩٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا... إلـى قوله: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ قال: إذ قتل صيدا فعلـيه جزاؤه مثل ما قتل من النعم، فإن لـم يجد ما حكم علـيه قوّم الفداء كم هو درهما، وقدّر ثمن ذلك بـالطعام علـى الـمسكين، فصام عن كلّ مسكين يوما، ولا يحلّ طعام الـمسكين، لأن من وجد الطعام مسكين فهو يجد الفداء.

٩٩٠٧ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قال لـي الـحسن بن مسلـم: من أصاب الصيد مـما جزاؤه شاة، فذلك الذي قال اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ وما كان من كفّـارة طعام مساكين مثل العصفورة يقتل ولا يبلغ أن يكون فـيه هدي أو عدْلُ ذلك صِيَاما قال عدل النعامة أو العصفور، أو عدل ذلك كله. فذكرت ذلك لعطاء،

فقال: كلّ شيء فـي القرآن (أو أو)، فلصاحبه أن يختار ما شاء.

٩٩٠٨ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، فـي قوله لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ فإن لـم يجد جزاء، قوّم علـيه الـجزاء طعاما ثم صاع لكلّ صاع يومين،

وقال آخرون: معنى ذلك: أن للقاتل صيدا عمدا وهو مـحرم، الـخيار بـين إحدى الكفّـارات الثلاث وهي الـجزاء بـمثله من النعم والطعام والصوم.

قالوا: وإنـما تأويـل قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ أوْ كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما فعلـيه أن يجزي بـمثله من النعم، أو يكفّر بإطعام مساكين أو بعدل الطعام من الصيام. ذكر من قال ذلك:

٩٩٠٩ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، فـي قول اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَة أوْ كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما قال: إن أصاب إنسان مـحرم نعامة، فإن له أن كان ذا يسار أن يهدي ما شاء جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما

قال: كلّ شيء فـي القرآن (أو أو)، فلـيختر منه صاحبه ما شاء.

٩٩١٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، فـي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قال: ما كان فـي القرآن (أو كذا أو كذا)، فصاحبه فـيه بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

٩٩١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أسبـاط وعبد اوعلـى، عن داود، عن عكرمة، قال: ما كان فـي القرآن (أو أو)، فهو فـيه بـالـخيار، وما كان (فمن لـم يجد) فـالأوّل، ثم الذي يـلـيه.

٩٩١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن عمرو، عن الـحسن، مثله.

٩٩١٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا لـيث، عن عطاء ومـجاهد، أنهما قالا فـي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ قالا: ما كان فـي القرآن (أو كذا أو كذا)، فصاحبه فـيه بـالـخيار أي ذلك شاء فعل.

٩٩١٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك : ما كان فـي القرآن (أو كذا أو كذا)، فصاحبه فـيه بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

٩٩١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن الـحسن

قال: وأخبرنا عبـيدة، عن إبراهيـم قالا: كلّ شيء فـي القرآن (أو أو)، فهو بـالـخيار، أيّ ذلك شاء فعل.

٩٩١٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا حفص، عن لـيث، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: كل شيء فـي القرآن (أو أو) فصاحبه مخير فـيه، وكلّ شيء فمن لـم يجد فـالأول، ثم الذي يـلـيه.

واختلف القائلون بتـخيـير قاتل الصيد من الـمـحرمين بـين الأشياء الثلاثة فـي صفة اللازم له من التكفـير بـالإطعام والصوم إذا اختار الكفّـارة بأحدهما دون الهدي،

فقال بعضهم: إذا اختار التكفـير بذلك، فأن الواجب علـيه أن يقوّم الـمثل من النعم طعاما، ثم يصوم مكان كلّ مدّ يوما. ذكر من قال ذلك:

٩٩١٧ـ حدثنا هناد، قال: أخبرنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما؟ قال: إن أصاب ما عدله شاة أقـيـمت الشاة طعاما، ثم جعل مكان كلّ مدّ يوما يصومه.

وقال آخرون: بل الواجب علـيه إذا أراد التكفـير بـالإطعام أو الصوم، أن يقوّم الصيد الـمقتول طعاما، ثم يتصدق بـالطعام إن اختار الصدقة، وإن اختار الصوم صام.

ثم اختلفوا أيضا فـي الصوم،

فقال بعضهم: يصوم لكلّ مدّ يوما.

وقال آخرون: يصوم مكان كلّ نصف صاع يوما.

وقال آخرون: يصوم مكان كلّ صاع يوما.

ذكر من قال: الـمتقوّم للإطعام هو الصيد الـمقتول:

٩٩١٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ... الاَية، قال: كان قتادة

يقول: يحكمان فـي النعم، فإن كان لـيس صيده ما يبلغ ذلك، نظروا ثمنه فقوّموه طعاما، ثم صام مكان كلّ صاع يومين.

وقال آخرون: لا معنى للتكفـير بـالإطعام، لأن من وجد سبـيلاً إلـى التكفـير بـالإطعام، فهو واجد إلـى الـجزاء بـالـمثل من النعم سبـيلاً، ومن وجد إلـى الـجزاء بـالـمثل من النعم سبـيلاً لـم يجزه التكفـير بغيره.

قالوا: وإنـما ذكر اللّه تعالـى ذكره الكفّـارة بـالإطعام فـي هذا الـموضع لـيدلّ علـى صفة التكفـير بـالصوم لا أنه جعل التكفـير بـالإطعام إحدى الكفّـارات التـي يكفر بها قتل الصيد، وقد ذكرناه تأويـل ذلك فـيـما مضى قبل.

وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي قوله اللّه تعالـى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ أن يكون مرادا به: فعلـى قاتله متعمدا مثل الذي قتل من النعم، لا القـيـمة إن اختار أن يجزيه بـالـمثل من النعم وذلك أن القـيـمة إنـما هي من الدنانـير أو الدراهم أو الدنانـير لـيست للصيد بـمثل، واللّه تعالـى إنـما أوجب الـجزاء مثلاً من النعم.

وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي قوله: أوْ كَفّـارَةٌ طعَامُ مسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما: أن يكون تـخيـيرا، وأن يكون للقاتل الـخيار فـي تكفـيره بقتله الصيد وهو مـحرم بأيّ هذه الكفـارات الثلاث شاء، لأن اللّه تعالـى جعل ما أوجب فـي قتل الصيد من الـجزاء والكفـارة عقوبة لفعله، وتكفـيرا لذنبه فـي إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حراما علـيه إتلافه فـي حال إحرامه، وقد كان حلالاً له قبل حال إحرامه، كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك فـي حلق الشعر الذي حلقه الـمـحرم فـي حال إحرامه، وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه، ثم منع من حلقه فـي حال إحرامه نظير الصيد، ثم جعل علـيه إن حلقه جزاء من حلقه إياه، فأجمع الـجميع علـى أنه فـي حلقه إياه إذا حلقه من إيذائه مخير فـي تكفـيره، فعلـيه ذلك بأيّ الكفـارات الثلاث شاء، فمثله إن شاء اللّه قاتل الصيد من الـمـحرمين، وأنه مخير فـي تكفـيره قتله الصيد بأيّ الكفـارات الثلاث شاء، لا فرق بـين ذلك. ومن أبى ما قلنا فـيه،

قـيـل له: حكم اللّه تعالـى علـى قاتل الصيد بـالـمثل من النعم، أو كفّـارة طعام مساكين، أو عدله صياما، كما حكم علـى الـحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك، فزعمت أن أحدهما مخير فـي تكفـير ما جعل منه، عوض بأيّ الثلاث شاء، وأنكرت أن يكون ذلك للاَخر، فهل بـينك وبـين من عكس علـيك الأمر فـي ذلك فجعل الـخيار فـيه حيث أبـيت وأبى حيث جعلته له فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول فـي أحدهما قولاً، إلا ألزم فـي الاَخر مثله.

ثم اختلفوا فـي صفة التقويـم إذا أراد التكفـير بـالإطعام،

فقال بعضهم: يقوّم الصيد قـيـمته بـالـموضع الذي أصابه فـيه، وهو قول إبراهيـم النـخعي، وحماد، وأبـي حنـيفة، وأبـي يوسف، ومـحمد، وقد ذكرت الرواية عن إبراهيـم وحماد فـيـما مضى بـما يدلّ علـى ذلك، وهو نصّ قول أبـي حنـيفة وأصحابه.

وقال آخرون: بل يقوّم ذلك بسعر الأرض التـي يكفّر بها. ذكر من قال ذلك:

٩٩١٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا إسرائيـل، عن جابر، عن عامر، قال فـي مـحرم أصاب صيدا بخراسان، قال: يكفّر بـمكة أو بـمنى، وقال: يقوّم الطعام بسعر الأرض التـي يكفّر بها.

٩٩٢٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـي، فـي رجل أصاب صيدا بخراسان، قال: يحكم علـيه بـمكة.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن قاتل الصيد إذا جزاه بـمثله من النعم، فإنـما يجزيه بنظيره فـي خـلق وقدره فـي جسمه من أقرب الأشياء به شبها من الأنعلـم، فإنْ جزاه بـالإطعام قوّمه قـيـمته بـموضعه الذي أصابه فـيه، لأنه هنالك وجب علـيه التكفـير بـالإطعام، ثم إن شاء أطعم بـالـموضع الذي أصابه فـيه وإن شاء بـمكة وإن شاء بغير ذلك من الـمواضع حيث شاء لأن اللّه تعالـى إنـما شرط بلوغ الكعبة بـالهدي فـي قتل الصيد دون غيره من جزائه، فللـجازي بغير الهدى أن يجزيه بـالإطعام والصوم حيث شاء من الأرض.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل العلـم. ذكر من قال ذلك:

٩٩٢١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن أبـي عروبة، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم قال: ما كان من دم فبـمكة، وما كان من صدقة أو صوم حيث شاء.

وقد خالف ذلك مخالفون،

فقالوا: لا يجزىء الهدى والإطعام إلا بـمكة، فأما الصوم فإن كفر به يصوم حيث شاء من الأرض. ذكر من قال ذلك:

٩٩٢٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حماد بن سلـمة، عن قـيس بن سعد، عن عطاء، قال: الدم والطعام بـمكة، والصيام حيث شاء.

٩٩٢٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مالك بن مغول، عن عطاء، قال: كفّـارة الـحجّ بـمكة.

٩٩٢٤ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: قلت: لعطاء: أين يتصدّق بـالطعام إن بدا له؟ قال: بـمكة من أجل أنه بـمنزله الهدي، قال: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ أوْ هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ من أجل أنه أصابه فـي حرم يريد البـيت فجزاؤه عند البـيت.

فأما الهدي، فإنه جرّاء ما قتل من الصيد، فلن يجزئه من كفّـارة ما قتل من ذلك إلا أن يبلغه الكعبة طيبـا، وينـحره أو يذبحه، ويتصدّق به علـى مساكين الـحرم. ويعنـي بـالكعبة فـي هذا الـموضع: الـحرم كله، ولـمن قدم بهدية الواجب من جزاء الصيد أن ينـحره فـي كلّ وقت شاء قبل يوم النـحر وبعده، ويطعمه وكذلك إن كفّر بـالطعام فله أن يكفّر به متـى أحبّ وحيث أحبّ، وإن كفّر بـالصوم فكذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل، خلا ما ذكرنا من اختلافهم فـي التكفـير بـالإطعام علـى ما قد بـينا فـيـما مضى. ذكر من قال ذلك:

٩٩٢٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما هل لصيامه وقت؟ قال: لا، إذ شاء وحيث شاء، وتعجيـله أحبّ إلـيّ.

٩٩٢٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: رجل أصاب صيدا فـي الـحجّ أو العمرة، فأرسل بجزائه إلـى الـحرم فـي الـمـحرّم أو غيره من الشهور، أيجزىء عنه؟ قال: نعم ثم قرأ: هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ قال هناد: قال يحيى: وبه نأخذ.

٩٩٢٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج وابن أبـي سلـيـم، عن عطاء، قال: إذا قدمت مكة بجزاء صيد فـانـحره، فإن اللّه تعالـى

يقول: هَدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ إلا أن يقدّم فـي العشر، فـيؤخر إلـى يوم النـحر.

٩٩٢٨ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، قال: يتصدّق الذي يصيب الصيد بـمكة، فإن اللّه تعالـى

يقول: هدْيا بـالِغَ الكَعْبَةِ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: أو علـى قاتل الصيد مـحرما عدل الصيد الـمقتول من الصيام، وذلك أن يقوّم الصيد حيّا غير مقتول من الطعام بـالـموضع الذي قتله فـيه الـمـحرم، ثم يصوم مكان كلّ مدّ يوما وذلك أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عدل الـمدّ من الطعام بصوم يوم فـي كفّـارة الـمواقع فـي شهر رمضان.

فإن قال قائل: فهلاّ جعلت مكان كلّ صاع فـي جزاء الصيد صوم يوم قـياسا علـى حكم النبـي صلى اللّه عليه وسلم فـي نظيره، وذلك حكمه علـى كعب بن عجرة، إذ أمره أن يطعم إن كفر بـالإطعام فَرْقا من طعام وذلك ثلاثة آصع بـين ستة مساكين، فإن كفّر بـالصيام أن يصوم ثلاثة أيام، فجعل الأيام الثلاثة فـي الصوم عدلاً من إطعام ثلاثة آصع، فإن ذلك بـالكفـارة فـي جزاء الصيد أشبه من الكفـارة فـي قتل الصيد بكفـارة الـمواقع امرأته فـي شهر رمضان؟

قـيـل: إن القـياس إنـما هو ردّ الفروع الـمختلف فـيها إلـى نظائرها من الأصول الـمـجمع علـيها، ولا خلاف بـين الـجميع من الـحجة، أنه لا يجزىء مكفرّا كفّر فـي قتل الصيد بـالصوم، أن يعدل صوم يوم بصاع طعام. فإن كان ذلك، وكان غير جائز خلافها فـيـما حدّث به من الدين مـجمعة علـيه صحّ بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعام فـي قتل الصيد مخالف حكم معادلته إياه فـي كفّـارة الـحلق، إذا كان غير جائز، وداخـل علـى آخر قـياسا وإنـما يجوز أن يقاس الفرع علـى الأصل، وسواء قال قائل: هلا رددت حكم الصوم فـي كفّـارة قتل الصيد علـى حكمه فـي حلق الأذى فـيـما يعدل به من الطعام وآخر قال: هلا رددت حكم الصوم فـي الـحلق علـى حكمه فـي كفّـارة قتل الصيد فـيـما يعدل به من الطعام، فتوجب علـيه مكان كل مدّ، أو مكان كل نصف صاع صوم يوم.

وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن العَدْل فـي كلام العرب بـالفتـح، وهو قدر الشيء من غير جنسه، وأن العِدْل هو قدره من جنسه. وقد كان بعض أهل العلـم بكلام العرب

يقول: العَدْل مصدر من قول القائل: عَدَلْت بهذا عَدْلاً حسنا

قال: والعَدْل أيضا بـالفتـح: الـمثل، ولكنهم فرّقوا بـين العدل فـي هذا وبـين عِدْل الـمتاع، بأن كسروا العين من عِدْل الـمتاع، وفتـحوها من قولهم: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وقول اللّه عزّ وجلّ: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما كما

قالوا: امرأة رزان، وحَجَر رزين.

وقال بعضهم: العَدْل: هو القسط فـي الـحقّ، والعِدْل بـالكسر: الـمثل، وقد بـينا ذلك بشواهد فـيـما مضىوأما نصب (الصيام) فأنه علـى التفسير كما يقال عندي ملء زقّ سمنا، وقدر رطل عسلاً.

وينـحو الذي قلنا ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٩٢٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما عَدل ذلك صياما؟ قال: عَدْل الطعام من الصيام

قال: لكلّ يوما يؤخذ زعم بصيام رمضان وبـالظهار. وزعم أن ذلك رأى يراه ولـم يسمعه من أحد، ولـم تـمض به سنة

قال: ثم عاودته بعد ذلك بحين، قلت: ما عدل ذلك صياما؟ قال: إن أصاب ما عدله شاة، قوّمت طعاما ثم صام مكان كلّ مدّ يوما

قال: ولـم أسأله: هذا رأي أو سنة مسنونة؟

٩٩٣٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله عزّ وجلّ: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما قال: بصوم ثلاثة أيام، إلـى عشرة أيام.

٩٩٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد: أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما من الـجزاء إذا لـم يجد ما يشتري به هديا أو ما يتصدّق به مـما لا يبلغ ثمن هدي، حكم علـيه الصيام مكان كلّ نصف صاع يوما.

٩٩٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـي بنأبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِياما قال: إذ قتل الـمـحرم شيئا من الصيد حكم علـيه فـيه، فإن قتل ظبـيا أو نـحوه فعلـيه شاة تذبح بـمكة، فإن لـم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيّلاً أو نـحوه فعلـيه بقرة، فإن لـم يجد أطعم عشرين مسكينا، فإن لـم يجد صام عشرين يوما وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نـحوه، فعلـيه بدنة من الإبل، فإن لـم يجد أطعم ثلاثـين مسكينا، فإن لـم يجد صام ثلاثـين يوما، والطعام مدّ مدّ يشبعهم.

٩٩٣٣ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة، عن سعيد، الـمـحرم يصيب الصيد فـيكون علـيه الفدية شاة، أو البقرة أو البدنة، فإن لـم يجد فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة؟ قال: ثمن ذلك فإن لـم يجد ثمنه قوّم ثمنه طعاما يتصدّق به لكلّ مسكين مدّ، ثم يصوم لكلّ مدّ يوما.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لِـيَذُوقَ وَبَـالَ أمْرِهِ.

 

يقول جلّ ثناؤه: أوجبت علـى قاتل الصيد مـحرما ما أوجبت من الـحقّ أو الكفّـارة الذي ذكرت فـي هذه الاَية، كي يذوق وبـال أمره وعذابه، يعنـي (بأمره): ذنبه وفعله الذي فعله من قتله ما نهاه اللّه عزّ وجلّ عن قتله فـي حال أحرامه

يقول: فألزمته الكفّـارة التـي ألزمته إياها، لأذيقه عقوبة ذنبه بإلزامه الغرامة، والعمل ببدنه مـما يتعبه ويشقّ علـيه. وأصل الوبـال: الشدّة فـي الـمكروه. ومنه قول اللّه : فَعَصى فِرْعَوْنُ الرّسُولَ فَأَخَذْناهُ أخْذا وَبِـيلاً.

وقد بـين تعالـى ذكره بقوله: لِـيَذُوقَ وَبَـالَ أمْرِهِ أن الكفّـارات اللازمة الأموال والأبدان عقوبـات منه لـخـلقه، وإن كانت تـمـحيصا لهم، وكفّـارة لذنوبهم التـي كفرّوها بها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٩٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: أما وَبـال أمره، فعقوبة أمره.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: عَفـا اللّه عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ.

يقول جل ثناؤه لعبـاده الـمؤمنـين به ورسوله صلى اللّه عليه وسلم: عفـا اللّه أيها الـمؤمنون عما سلف منكم فـي جاهلـيتكم من إصابتكم الصيد وأنتـم حرم وقتلكموه، فلا يؤاخذكم بـما كان منكم فـي ذلك قبل تـحريـمه إياه علـيكم، ولا يـلزمكم له كفّـارة فـي مال ولا نفس، ولكن من عاد منكم لقتله وهو مـحرم بعد تـحريـمه بـالـمعنى الذي يقتله فـي حال كفره وقبل تـحريـمه علـيه من استـحلاله قتله، فـينتقم اللّه منه.

وقد يحتـمل أن يكون ذلك فـي معناه: من عاد لقتله بعد تـحريـمه فـي الإسلام فـينتقم اللّه منه فـي الاَخرة، فأما فـي الدنـيا فإن علـيه من الـجزاء والكفّـارة فـيها ما بـينت.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:

٩٩٣٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما عَفَـا اللّه عمّا سَلَفَ؟ قال: عما كان فـي الـجاهلـية، قال: قلت: وما وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ؟ قال: من عاد فـي الإسلام، فـينتقم اللّه منه، وعلـيه مع ذلك الكفّـارة.

٩٩٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء، فذكر نـحوه، وزاد فـيه، وقال: وإن عاد فقتل علـيه الكفّـارة. قلت: هل فـي العود من حدّ العلـم؟ قال: لا، قلت: فترى حقا علـى الإمام أن يعاقبه؟ قال: هو ذنب أذنبه فـيـما بـينه وبـين اللّه ، ولكن يفتدي.

حدثنا سفـيان، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، وأبو خالد، عن ابن جريج، عن عطاء: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ قال: فـي الإسلام، وعلـيه مع ذلك الكفّـارة، قلت: علـيه من الإمام عقوبة؟ قال: لا.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء: عَفـا اللّه عَمّا سَلَفَ عما كان فـي الـجاهلـية، وَمَنْ عادَ قال: فـي الإسلام، فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ وعلـيه الكفّـارة

قال: قلت لعطاء: فعلـيه من الإمام عقوبة؟ قال: لا.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: يحكم علـيه فـي الـخطإ والعمد والنسيان وكلـما أصاب قال اللّه عزّ وجلّ: عَفـا اللّه عَمّا سَلَفَ قال: ما كان فـي الـجاهلـية، وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ مع الكفّـارة

قال سفـيان: قال ابن جريج: فقلت: أيعاقبه السلطان؟ قال: لا.

٩٩٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: عَفـا اللّه عَمّا سَلَفَ؟ قال: عما كان فـي الـجاهلـية.

٩٩٣٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن عطاء بن أبـي ربـاح، أنه قال: يحكم علـيه كلـما عاد.

٩٩٣٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، قال: كلـما أصاب الـمـحرم الصيد ناسيا حكم علـيه.

٩٩٤٠ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: كلـما أصاب الصيد الـمـحرم حكم علـيه.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، قال: من قتل الصيد ثم عاد حكم علـيه.

٩٩٤١ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير، قال: يحكم علـيه فـيخـلع، أو يترك.

٩٩٤٢ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن سعيد بن جبـير: الذي يصيب الصيد وهو مـحرم فـيحكم علـيه ثم يعود؟ قال: يحكم علـيه.

٩٩٤٣ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا كثـير بن هشام، قال: حدثنا الفرات بن سلـمان، عن عبد الكريـم، عن عطاء، قال: يحكم علـيه كلـما عاد.

وقال آخرون: معنى ذلك: عفـا اللّه عما سلف منكم فـي ذلك فـي الـجاهلـية، ومن عاد فـي الإسلام فـينتقم اللّه منه بإلزامه الكفّـارة. ذكر من قال ذلك:

٩٩٤٤ـ حدثنـي ابن البرقـي، قال: حدثنا عمرو، عن زهير، عن سعيد بن جبـير وعطاء، فـي قول اللّه تعالـى: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ قالا: ينتقم اللّه ، يعنـي بـالـجزاء. عفـا اللّه عَمّا سَلَفَ فـي الـجاهلـية.

وقال آخرون: فـي ذلك: عفـا اللّه عما سلف مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ منكم الصيد حراما فـي أوّل مرّة، ومن عاد ثانـية لقتله بعد أولـى حراما، فـاللّه ولـيّ الانتقام منه دون كفّـارة تلزمه لقتله إياه. ذكر من قال ذلك:

٩٩٤٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن لـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو مـحرم، حكم علـيه فـيه مرّة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم اللّه منك، كما قال اللّه عزّ وجلّ.

٩٩٤٦ـ حدثنا يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أصاب الـمـحرم الصيد حكم علـيه، فإن عاد لـم يحكم علـيه، وكان ذلك إلـى اللّه عزّ وجلّ، إن شاء عاقبه وإن شاء عفـا عنه. ثم قرأ هذه الاَية: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.

٩٩٤٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا داود، عن عامر، قال: جاء رجل إلـى شريح،

فقال: إنـي أصبت صيدا وأنا مـحرم. فقال: هل أصبت قبل ذلك شيئا؟ قال: لا

قال: لو قلت نعم وكلتك إلـى اللّه ، يكون هو ينتقم منك، إنه عزيز ذو انتقام قال داود: فذكرت ذلك لسعيد بن جبـير،

فقال: بل يحكم علـيه، أو يخـلع.

٩٩٤٨ـ حدثنـي أبو السائب وعمرو بن علـيّ، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: إذا أصاب الرجل الصيد وهو مـحرم، وقـيـل له أصبت صيدا مثل هذا؟ قال:

فإن قال: نعم،

قـيـل له: اذهب، فـينتقم اللّه منك وإن قال لا، حكم علـيه.

٩٩٤٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن إبراهيـم فـي الذي يقتل الصيد، ثم يعود، قال: كانوا يقولون: من عاد لا يحكم علـيه، أمره إلـى اللّه عزّ وجلّ.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي: أن رجلاً أتـى شريحا،

فقال: أصبت صيدا

قال: أصبت قبله صيدا؟ قال: لا، قال: أما إنك لو قلت نعم، لـم أحكم علـيك.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، قال: حدثنا داود، عن الشعبـيّ، عن شريح، مثله.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن الأشعث، عن مـحمد، عن شريح فـي الذي يصيب الصيد، قال: يحكم علـيه، فإن عاد انتقم اللّه منه.

٩٩٥٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عنبسة، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْقال: يحكم علـيه فـي العمد مرّة واحدة، فإن عاد لـم يحكم علـيه و

قـيـل له: اذهب ينتقم اللّه منك، ويحكم علـيه فـي الـخطأ أبدا.

٩٩٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، قال: رخص فـي قتل الصيد مرّة، فمن عاد لـم يدعه اللّه تعالـى حتـى ينتقم منه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، مثله.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبـي عديّ جميعا، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـيـمن أصاب صيدا، فحكم علـيه، ثم عاد، قال: لا يحكم، ينتقم اللّه منه.

٩٩٥٢ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنـما قال اللّه عزّ وجلّ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا

يقول: متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه، فذلك الذي يحكم علـيه، فإن عاد لا يحكم علـيه، و

قـيـل له: ينتقم اللّه منك.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا كثـير بن هشام، قال: حدثنا الفرات بن سلـمان، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد: إن عاد لـم يحكم علـيه، و

قـيـل له: ينتقم اللّه منك.

٩٩٥٣ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا الأشعث، عن الـحسن فـي الذي يصيب الصيد، فـيحكم علـيه ثم يعود، قال: لا يحكم علـيه.

وقال آخرون: معنى ذلك: عفـا اللّه عما سلف من قتلكم الصيد قبل تـحريـم اللّه تعالـى ذلك علـيكم، ومن عاد لقتله بعد تـحريـم اللّه إياه علـيه عالـما بتـحريـمه ذلك علـيه، عامدا لقتله، ذاكرا لإحرامه، فإن اللّه هو الـمنتقم منه، ولا كفّـارة لذنبه ذلك، ولا جزاء يـلزمه له فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:

٩٩٥٤ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ قال: من عاد بعد نهي اللّه بعد أن يعرف أنه مـحرّم وأنه ذاكر لُـحْرمِه لـمْ ينبغ لأحد أن يحكم علـيه، ووكلوه إلـى نقمة اللّه عزّ وجلّ. فأما الذي يتعمد قتل الصيد وهو ناس لـحرمه، أو جاهل أن قتله مـحرّم، فهؤلاء الذين يحكم علـيهم. فأما من قتله متعمدا بعد نهي اللّه وهو يعرف أنه مـحرم وأنه حرام، فذلك يوكل إلـى نقمة اللّه ، فذلك الذي جعل اللّه علـيه النقمة. وهذا شبـيه بقول مـجاهد الذي ذكرناه قبل.

وقال آخرون: عُنـي بذلك شخص بعينه. ذكر من قال ذلك:

٩٩٥٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: حدثنا زيد أبو الـمعلـى: أن رجلاً أصاب صيدا وهو مـحرم، فُتُـجوّز له عنه. ثم عاد، فأرسل اللّه علـيه نارا فأحرقته، فذلك قوله: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ قال: فـي الإسلام.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا، قول من قال: معناه: ومن عاد فـي الإسلام لقتله بعد نهي اللّه تعالـى عنه، فـينتقم اللّه منه، وعلـيه مع ذلك الكفّـارة، لأن اللّه عز وجلٍ إذ أخبر أنه ينتقم منه لـم يخبرنا، وقد أوجب علـيه فـي قتله الصيد عمدا ما أوجب من الـجزاء أو الكفّـارة بقوله: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ أنه قد أزال عنه الكفّـارة فـي الـمرّة الثانـية والثالثة، بل أعلـم عبـاده ما أوجب من الـحكم علـى قاتل الصيد من الـمـحرمين عمدا، ثم أخبر أنه منتقم مـمن عاد، ولـم يقل: ولا كفّـارة علـيه فـي الدنـيا.

فإن ظنّ ظانّ أن الكفّـارة مزيـلة للعقاب، ولو كانت الكفّـارة لازمة له فـي الدنـيا لبطل العقاب فـي الاَخرة، فقد ظنّ خطأ. وذلك أن اللّه عزّ وجلّ أن يخالف بـين عقوبـات معاصيه بـما شاء، وأحبّ فـيزيد فـي عقوبته علـى بعض معاصيه مـما ينقص من بعض، وينقص من بعض مـما يزيد فـي بعض، كالذي فعل من ذلك فـي مخالفته بـين عقوبته الزانـي البكر والزانـي الثـيب الـمـحصن، وبـين سارق ربع دينار وبـين سارق أقلّ من ذلك فكذلك خالف بـين عقوبته قاتل الصيد من الـمـحرمين عمدا ابتداء وبـين عقوبته عودا بعد بدء، فأوجب علـى البـاديء الـمثل من النعم، أو الكفّـارة بـالإطعام، أو العدل من الصيام، وجعل ذلك عقوبة جرمه بقوله: لِـيذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ وجعل علـى العائد بعد البدء، وزاده من عقوبته ما أخبر عبـاده أنه فـاعل من الانتقام تغلـيظا منه للعود بعد البدء. ولو كانت عقوبـاته علـى الأشياء متفقة، لوجب أن لا يكون حدّ فـي شيء مخالفـا حدّا فـي غيره، ولا عقاب فـي الاَخرة أغلظ من عقاب، وذلك خلاف ما جاء به مـحكم الفرقان. وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك: ومن عاد فـي الإسلام بعد نهي اللّه عن قتله لقتله بـالـمعنى الذي كان القوم يقتلونه فـي جاهلـيتهم، فعفـا لهم عنه عند تـحريـم قتله علـيهم، وذلك قتله علـى استـحلال قتله

قال: فأما إذا قتله علـى غير ذلك الوجه، وذلك أن يقتله علـى وجه الفسوق لا علـى وجه الاستـحلال، فعلـيه الـجزاء والكفّـارة كلـما عاد. وهذا قول لا نعلـم قائلاً قاله من أهل التأويـل، وكفـي خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلـم لو لـم يكن علـى خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيـل ينبىء عن فساده؟ وذلك أن اللّه عمّ بقوله: وَمَنْ عادَ فَـيَنْتَقِمُ اللّه مِنْهُ كل عائد لقتل الصيد بـالـمعنى الذي تقدم النهي منه به فـي أوّل الاَية، ولـم يخصّ به عائدا منهم دون عائد، فمن ادّعي فـي التنزيـل ما لـيس فـي ظاهره كلف البرهان علـى دعواه من الوجه الذي يجب التسلـيـم له.

وأما من زعم أن معنى ذلك: ومن عاد فـي قتله متعمدا بعد بدء لقتل تقدّم منه فـي حال إحرامه فـينتقم اللّه منه، فإن معنى قوله: عَفـا اللّه عَمّا سَلَفَ إنـما هو: عفـا عما سلف من ذنبه بقتله الصيد بدءا، فإن فـي قول اللّه تعالـى: لِـيَذُوقَ وَبـالَ أمْرِهِ دلـيلاً واضحا علـى أن القول فـي ذلك غير ما قال لأن العفو عن الـجرم ترك الـمؤاخذة به، ومن أذيق وبـال جرمه فقد عوقب به، وغير جائز أن يقال لـمن عوقب قد عفـي عنه، وخبر اللّه أصدق من أن يقع فـيه تناقض.

فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون قاتل الصيد من الـمـحرمين فـي أوّل مرّة قد أذيق وبـال أمره بـما ألزم من الـجزاء والكفّـارة، وعفـي له من العقوبة بأكثر من ذلك مـما كان لله عزّ وجلّ أن يعاقبه به؟

قـيـل له: فإن كان ذلك جائزا أن يكون تأويـل الاَية عندك وإن كان مخالفـا لقول أهل التأويـل، فما ينكر أن يكون الانتقام الذي أوعده اللّه علـى العود بعد البدء، هو تلك الزيادة التـي عفـاها عنه فـي أوّل مرّة مـما كان له فعله به مع الذي أذاقه من وبـال أمره، فـيذيقه فـي عوده بعد البدء وبـال أمره الذي أذاقه الـمرّة الأولـى، ويترك عفوه عما عفـا عنه فـي البدء، فـيؤاخذه به؟ فلـم يقل فـي ذلك شيئا إلا ألزم فـي الاَخر مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.

يقول عزّ وجلّ: واللّه منـيع فـي سلطانه، لا يقهره قاهر، ولا يـمنعه من الانتقام مـمن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع، لأن الـخـلق خـلقه، والأمر أمره، له العزّة والـمنعةوأما قوله: ذُو انتِقام فإنه يعنـي به: معاقبته لـمن عصاه علـى معصيته إياه.

٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: أُحِلّ لَكُمْ أيها الـمؤمنون صَيْدُ البَحْرِ وهو ما صيد طربّـا. كما:

٩٩٥٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال عمر بن الـخطاب فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدُه: ما صِيدَ منه.

٩٩٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، قال: حُدثت، عن ابن عبـاس ، قال: خطب أبو بكر الناس،

فقال: أحلّ لكم صيد البحر

قال: فَصْيدُه: ما أخذ.

٩٩٥٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صيده: ما صيد منه.

٩٩٥٩ـ حدثنا سلـيـمان بن عمر بن خالد البرقـي، قال: حدثنا مـحمد بن سلـمة الـحرانـي، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدهُ الطريّ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الهذيـل بن بلال، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبـيد بن عمير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدُه: ما صِيدَ.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطريّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـحسن بن علـيّ الـجعفـي أو الـحسين، شكّ أبو جعفر عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، قال: كان ابن عبـاس

يقول: صيد البحر: ما اصطاده.

٩٩٦٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطري.

٩٩٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن الـحجاج، عن العلاء بن بدر، عن أبـي سلـمة، قال: صيد البحر: ما صيد.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطريّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: السمك الطريّ.

٩٩٦٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ أما صيد البحر: فهو السمك الطريّ، هي الـحيتان.

٩٩٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب، قال: صيده: ما اصطدته طريّا

قال معمر: وقال قتادة: صيده: ما اصطدته.

٩٩٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: حيتانه.

٩٩٦٥ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا عمر بن أبـي سلـمة، قال: سئل سعيد عن صيد البحر،

فقال: قال مكحول: قال زيد بن ثابت: صَيْدُه: ما اصطدتَ.

٩٩٦٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: يصطاد الـمـحرم والـمـحلّ من البحر، ويأكل من صيده.

٩٩٦٧ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: قال أبو بكر: طعام البحر: كلّ ما فـيه. وقال جابر بن عبد اللّه : ما حصر عنه فكُلْ. وقال: كل ما فـيه يعنـي: جميع ما صيد.

٩٩٦٨ـ حدثنا سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، سمع عكرمة

يقول: قال أبو بكر: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: هو كل ما فـيه.

وعنى بـالبحر فـي هذا الـموضع: الأنهار كلها والعرب تسمي الأنهار بحارا، كما قال تعالـى ذكره: ظَهَرَ الفَسادُ فـي البَرّ والبَحْرِ.

فتأويـل الكلام: أحلّ لكم أيها الـمؤمنون طريّ سمك الأنهار الذي صدتـموه فـي حال حلكم وحرمكم، وما لـم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمي به إلـى ساحله.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: وَطَعامُهُ

فقال بعضهم: عُنـي بذلك: ما قذف به إلـى ساحله ميتا، نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:

٩٩٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك، قال: حدثت، عن ابن عبـاس ، قال: خطب أبو بكر الناس،

فقال: أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم، وطعامُه: ما قذف.

٩٩٧٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: كنت بـالبحرين، فسألونـي عما قذف البحر، قال: فأفتـيتهم أن يأكلوا. فلـما قدمت علـى عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه، ذكرت ذلك له، فقال لـي: بـم أفتـيتهم؟ قال: قلت: أفتـيتهم أن يأكلوا، قال: لو أفتـيتهم بغير ذلك لعلوتك بـالدرّة

قال: ثم قال: إن اللّه تعالـى قال فـي كتابه: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ فصيده: ما صيد منه، وطعامه: ما قذف.

٩٩٧١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما قذف.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي مـجلز، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما قذف.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي مـجلز، عن ابن عبـاس ، مثله.

٩٩٧٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين بن علـيّ، عن زائدة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: طعامه: كلّ ما ألقاه البحر.

٩٩٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـحسن بن علـيّ أو الـحسين بن علـيّ الـجعفـي، شكّ أبو جعفر عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: طعامه: ما لفظ من ميتته.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الهذيـل بن بلال، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبـيد بن عمير، عن ابن عبـاس : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما وجد علـى الساحل ميتا.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي مـجلز، عن ابن عبـاس ، قال: طعامه: ما قذف به.

٩٩٧٤ـ حدثنا سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، سمع عكرمة

يقول: قال أبو بكر رضي اللّه عنه: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: هو كلّ ما فـيه.

٩٩٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عمرو بن دينار عن عكرمة مولـى ابن عبـاس ، قال: قال أبو بكر: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ميتته

قال عمرو: وسمع أبـا الشعثاء

يقول: ما كنت أحسب طعامه إلا مالـحه.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنـي الضحاك بن مخـلد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ميتته.

٩٩٧٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن عثمان، عن عكرمة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما قذف.

٩٩٧٧ـ حدثنا بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معمر بن سلـيـمان، قال: سمعت عبـيد اللّه ، عن نافع، قال: جاء عبد الرحمن إلـى عبد اللّه ،

فقال: البحر قد ألقـى حيتانا كثـيرة؟ قال: فنهاه عن أكلها، ثم قال: يا نافع هات الـمصحف فأتـيته به، فقرأ هذه الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: قلت: طعامه: هو الذي ألقاه

قال: فألـحقه، فمره بأكله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن نافع أن عبد الرحمن بن أبـي هريرة سأل ابن عمر،

فقال: إن البحر قذف حيتانا كثـيرة ميتة أفنأكلها؟ قال: لا تأكلوها فلـما رجع عبد اللّه إلـى أهله، أخذ الـمصحف، فقرأ سورة الـمائدة، فأتـى علـى هذه الاَية: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: اذهب، فقل له: فلـيأكله، فإنه طعامه

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، بنـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عمرو بن دينار، عن عكرمة، مولـى ابن عبـاس ، قال: قال أبو بكر رضي اللّه عنه: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: ميتته، قال عمرو: سمعت أبـا الشعثاء

يقول: ما كنت أحسب طعامه: إلا مالـحه.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، عن ابن جريج، قال: أخبرنا نافع أن عبد الرحمن بن أبـي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثـيرة ألقاها البحر، أميتة هي؟ قال: نعم فنهاه عنها. ثم دخـل البـيت، فدعا بـالـمصحف، فقرأ تلك الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: كل شيء أخرج منه فكُلْه فلـيس به بأس، وكل شيء فـيه يؤكل ميتا أو بساحله.

٩٩٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، قال قتادة: طعامه: ما قذف منه.

٩٩٧٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد، عن لـيث، عن شهر، عن أبـي أيوب، قال: ما لفظ البحر فهو طعامه، وإن كان ميتا.

٩٩٨٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن لـيث، عن شهر، قال: سئل أبو أيوب عن قول اللّه تعالـى: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا قال: هو ما لفظ البحر.

وقال آخرون: عنـي بقوله: وَطَعامُهُ: الـملـيح من السمك. فـيكون تأويـل الكلام علـى ذلك من تأويـلهم: أحلّ لكم سمك البحر وملـيحه فـي كلّ حال، إحلالكم وإحرامكم. ذكر من قال ذلك:

٩٩٨١ـ حدثنا سلـيـمان عمرو بن خالد البرقـي، قال: حدثنا مـحمد بن سلـمة، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَطَعامُهُ قال: طعامه الـمالـح منه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ يعنـي بطعامه: مالـحه، وما قذف البحر من مالـحه.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وهو الـمالـح.

٩٩٨٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن مـجمع التـيـمي، عن عكرمة، فـي قوله: مَتاعا لَكُمْ قال: الـملـيح.

٩٩٨٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن سالـم الأفطس وأبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: الـملـيح.

٩٩٨٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الـملـيح وما لفظ.

٩٩٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: يأتـي الرجل أهل البحر فـ

يقول: (أطعمونـي)،

فإن قال: (غريضا)، ألقوا شبكتهم فصادروا له، وإن قال: (أطعمونـي من طعامكم)، أطعموه من سمكهم الـمالـح.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل: عن عطاء، عن سعيد: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: الـمنبوذ، السمك الـمالـح.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَطَعَامُهُ قال: الـمالـح.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وطَعَامُهُ قال: هو مالـحه.

ثم قال: ما قذف.

٩٩٨٦ـ حدثنا ابن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَطَعامُهُ قال: مـملوح السمك.

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنـي الثوري، عن منصور، قال: كان إبراهيـم

يقول: طعامه: السمك الـملـيح. ثم قال بعدُ: ما قذف به.

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا الثوري، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: طَعَامُهُ: الـملـيح.

٩٩٨٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد، قال: طَعَامُهُ: السمك الـملـيح.

٩٩٨٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الصير

قال شعبة: فقلت لأبـي بشر: ما الصيّر؟ قال: الـمالـح.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا هشام بن الولـيد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن جعفر بن أبـي وحشية، عن سعيد بن جبـير، قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الصّير

قال: قلت: ما الصير؟ قال: الـمالـح.

٩٩٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: أما طعامه فهو الـمالـح.

٩٩٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما تزوّدت مـملوحا فـي سفرك.

٩٩٩١ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد وسعيد بن الربـيع الرازي، قالا: حدثنا سفـيان عن عمرو، قال: قال جابر بن زيد: كنا نتـحدّث أن طعامه ملـيحه، ونكره الطافـي منه.

وقال آخرون: طَعَامُهُ: ما فـيه. ذكر من قال ذلك:

٩٩٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: طعام البحر: ما فـيه.

٩٩٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حريث، عن عكرمة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: ما جاء به البحر بوجه.

٩٩٩٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالـح، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: طعامه: كلّ ما صيد منه.

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب عندنا، قول من قال: طعامه: ما قذفه البحر أو حسر عنه فوجد ميتا علـى ساحله. وذلك أن اللّه تعالـى ذكر قبله صيد الذي يصاد،

فقال: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فـالذي يجب أن يعطف علـيه فـي الـمفهوم ما لـم يصد منه،

فقال: أحلّ لكم صيدُ ما صدتـموه من البحر وما لـم تصيدوه منهوأما الـملـيح، فإنه ما كان منه ملّـح بعد الاصطياد، فقد دخـل فـي جملة قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فلا وجه لتكريره، إذ لا فـائدة فـيه. وقد أعلـم عبـاده تعالـى إحلاله ما صيد من البحر بقوله أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فلا فـائدة أن يقال لهم بعد ذلك: وملـيحه الذي صيد حلال لكم، لأن ما صيد منه فقد بـين تـحلـيـله طريا كان أو ملـيحا بقوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ واللّه يتعالـى عن أن يخاطب عبـاده بـما لا يفـيدهم به فـائدة.

وقد رُوِي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحو الذي قلنا خبر، وإن كان بعض نقلته يقـف به علـى ناقله عنه من الصحابة، وذلك ما:

٩٩٩٥ـ حدثنا به هناد بن السريّ، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: (طَعَامُهُ: ما لَفَظَهُ مَيْتا فَهُوَ طَعَامُهُ).

وقد وقـف هذا الـحديث بعضهم علـى أبـي هريرة.

٩٩٩٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما لفظه ميتا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: مَتاعا لَكُمْ منفعة لـمن كان منكم مقـيـما أو حاضرا فـي بلده يستـمتع بأكله وينتفع به. وللسّيّارة

يقول: ومنفعة أيضا ومتعة للسائرين من أرض إلـى أرض، ومسافرين يتزوّدونه فـي سفرهم ملـيحا. والسيّارة: جمع سيّار.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٩٩٩٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنـي أبو إسحاق، عن عكرمة، أنه قال فـي قوله: مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: لـمن كان بحضرة البحر، وللسيّارَةِ السفر.

٩٩٩٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، فـي قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسيّارَةِ ما قذف البحر، وما يتزوّدون فـي أسفـارهم من هذا الـمالـح. يتأوّلها علـى هذا.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ: مـملوح السمك ما يتزوّدون فـي أسفـارهم.

٩٩٩٩ـ حدثنا سلـيـمان بن عمرو بن خالد البرقـي، قال: حدثنا مسكين بن بكير، قال: حدثنا عبد السلام بن حبـيب النـجاري، عن الـحسن فـي قوله: وللسّيّارَةِ قال: هم الـمـحرمون.

١٠٠٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ أما طعامه: فهو الـمالـح منه، بلاغ يأكل منه السيّارة فـي الأسفـار.

١٠٠٠١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: طعامه: مالـحه وما قذف البحر منه يتزوّده الـمسافر. وقال مرّة أخرى: مالـحه وما قذفه البحر، فمالـحه يتزوّده الـمسافر.

١٠٠٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ يعنـي الـمالـح فـيتزوّده.

وكان مـجاهد يقول فـي ذلك بـما:

١٠٠٠٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: أهل القرى، وللسيّارة: أهل الأمصار.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: مَتاعا لَكُمْ قال لأهل القرى، وللسّيّارَةِ: قال: أهل الأمصار وأجناس الناس كلهم.

وهذا الذي قاله مـجاهد من أن السيارة هم أهل الأمصار لا وجه له مفهوم، إلا أن يكون أراد بقوله هم أهل الأمصار: هم الـمسافرون من أهل الأمصار، فـيجب أن يدخـل فـي ذلك كلّ سيارة من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القُرى، فأما السيّارة فلا يشمل الـمقـيـمين فـي أمصارهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.

يعنـي تعالـى ذكره: وحرّم علـيكم أيها الـمؤمنون صيد البرّ ما دمتـم حرما،

يقول: ما كنتـم مـحرمين لـم تـحلوا من إحرامكم.

ثم اختلف أهل العلـم فـي الـمعنى الذي عنـي اللّه تعالـى ذكره بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ

فقال بعضهم: عنـي بذلك: أنه حرّم علـينا كلّ معانـي صيد البرّ من اصطياد وأكل وقتل وبـيع وشراء وإمساك وتـملك. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٠٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد اللّه بن الـحرث، عن نوفل، عن أبـيه، قال: حجّ عثمان بن عفـان، فحجّ علـيّ معه

قال: فأُتِـي بلـحم صيد صاده حلال، فأكل منه ولـم يأكل علـيّ، فقال عثمان: واللّه ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال علـيّ: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.

١٠٠٠٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن سماك، عن صبـيح بن عبـيد اللّه العبسي، قال: بعث عثمان بن عفـان أبـا سفـيان بن الـحرث علـى العَرُوض، فنزل قديدا، فمرّ به رجل من أهل الشام معه بـاز وصقر، فـاستعاره منه، فـاصطاد به من الـيعاقـيب، فجعلهنّ فـي حظيرة. فلـما مرّ به عثمان طبخهنّ، ثم قدمهنّ إلـيه، فقال عثمان: كلوا

فقال بعضهم: حتـى يجيء علـيّ بن أبـي طالب. فلـما جاء فرأى ما بـين أيديهم، قال علـيّ: إنا لن نأكل منه فقال عثمان: مالك لا تأكل؟ فقال: هو صيد، ولا يحلّ أكله وأنا مـحرم. فقال عثمان: بـيّن لنا فقال علـيّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاتَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ فقال عثمان: أو نـحن قتلناه؟ فقرأ علـيه: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.

١٠٠٠٦ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر وعبد الـحميد بن بـيان القناد، قالا: أخبرنا أبو إسحاق الأزرق، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن صبـيح بن عبـيد اللّه العبسي، قال: استعمل عثمان بن عفـان أبـا سفـيان بن الـحرث علـى العَرُوض. ثم ذكر نـحوه، وزاد فـيه: قال: فمكث عثمان ما شاء اللّه أن يـمكث، ثم أتـى فقـيـل له بـمكة: هل لك فـي ابن أبـي طالب أهدي له صفـيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إلـيه عثمان وسأله عن أكل الصفـيف،

فقال: أما أنت فتأكل، وأما نـحن فتنهانا؟ فقال: إنه صيد عام أوّل، وأنا حلال، فلـيس علـيّ بأكله بأس، وصِيدَ ذلك يعنـي الـيعاقـيب وأنا مـحرم، وذُبحن وأنا حرام.

١٠٠٠٧ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن: أن عمر بن الـخطاب لـم يكن يرى بأسا بلـحم الصيد للـمـحرم، وكرهه علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه.

١٠٠٠٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب: أن علـيّا كره لـحم الصيد للـمـحرم علـى كلّ حال.

١٠٠٠٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد اللّه بن الـحرث: أنه شهد عثمان وعلـيّا أُتـيا بلـحم، فأكل عثمان ولـم يأكل علـيّ، فقال عثمان: أنـحن صدنا أو صيد لنا؟ فقرأ علـيّ هذه الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمُتـمْ حُرُما.

١٠٠١٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة، عن أبـيه، قال: حجّ عثمان بن عفـان، فحجّ معه علـيّ، فأُتـي بلـحم صيد صاده حلال، فأكل منه وهو مـحرم، ولـم يأكل منه علـيّ، فقال عثمان: إنه صيد قبل أن نـحرم. فقال له علـيّ: ونـحن قد بدا لنا وأهالـينا لنا حلال، أفـيحللن لنا الـيوم؟

١٠٠١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد، عن عبد اللّه بن الـحرث بن نوفل: أن علـيّا أُتـي بشقّ عَجُز حمار وهو مـحرم،

فقال: إنـي مـحرم.

١٠٠١٢ـ حدثنا ابن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا سعيد، عن يعلـى بن حكيـم، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : أنه كان يكرهه علـى كلّ حال ما كان مـحرما.

١٠٠١٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام، أُخذ له أو لـم يؤخذ له، وشيقة وغيرها.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد اللّه ، قال: أخبرنـي نافع: أن ابن عمر كان لا يأكل الصيد وهو مـحرم وإن صاده الـحلال.

١٠٠١٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي الـحسن بن مسلـم بن يناق: أن طاوسا كان ينهى الـحرام عن أكل الصيد وشيقة وغيرها صيد له أو لـم يصد له.

١٠٠١٥ـ حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا خالد بن الـحرث، قال: حدثنا الأشعث، قال: قال الـحسن: إذا صاد الصيد ثم أحرم لـم يأكل من لـحمه حتـى يحلّ. فإن أكل منه وهو مـحرم لـم ير الـحسن علـيه شيئا.

١٠٠١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام وهارون عن عنبسة، عن سالـم، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن الصيد يصيده الـحلال، أيأكل منه الـمـحرم؟ فقال: سأذكر لك من ذلك، إن اللّه تعالـى قال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ فنهي عن قتله، ثم قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ ثم قال تعالـى: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: يأتـي الرجل أهل البحر فـ

يقول: أطعمونـي

فإن قال: (غريضا)، ألقوا شبكتهم فصادوا له، وإن قال: أطعمونـي من طعامكم أطعموه من سمكهم الـمالـح.

ثم قال: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما وهو علـيك حرام، صدته أو صاده حلال.

وقال آخرون: إنـما عنى اللّه تعالـى بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما ما استـحدث الـمـحرم صيده فـي حال إحرامه أو ذبحه، أو أستـحدث له ذلك فـي تلك الـحال. فأما ما ذبحه حلال وللـحلال فلا بأس بأكله للـمـحرم، وكذلك ما كان فـي ملكه قبل حال إحرامه فغير مـحرّم علـيه إمساكه. ذكر من قال ذلك:

١٠٠١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة، أن سعيد بن الـمسيب حدثه، عن أبـي هريرة، أنه سئل عن صيد صاده حلال أيأكله الـمـحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقـي عمر بن الـخطاب فأخبره بـما كان من أمره،

فقال: لو أفتـيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك

١٠٠١٨ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـيّ، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبـي سلـمة، عن أبـيه، قال: نزل عثمان بن عفـان العَرْج وهو مـحرم، فأهدى صاحب العَرْج له قَطا، قال: فقال لأصحابه: كلوا فإنه إنـما اصطيد علـى اسمي قال: فأكلوا ولـم يأكل.

١٠٠١٩ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب: أن أبـا هريرة كان بـالربذة، فسألوه عن لـحم صيد صاده حلال. ثم ذكر نـحو حديث ابن بزيع عن بشر.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، عن عمر، نـحوه.

١٠٠٢٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن لـحم صيد يُهديه الـحلال إلـى الـحرام،

فقال: أكله عمر، وكان لا يرى به بأسا

قال: قلت: تأكله؟ قال: عمر خير منـي.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن أبـي الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام؟ قال: كان عمر يأكله

قال: قلت: فأنت؟ قال: كان عمر خيرا منـي.

١٠٠٢١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن هشام، عن يحيى، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: استفتانـي رجل من أهل الشام فـي لـحم صيد أصابه وهو مـحرم، فأمرته أن يأكله. فأتـيت عمر بن الـخطاب فقلت له: إن رجلاً من أهل الشام استفتانـي فـي لـحم صيد أصابه وهو مـحرم

قال: فما أفتـيته؟ قال: قلت أفتـيته أن يأكله

قال: فوالذي نفسي بـيده لو أفتـيته بغير ذلك لعلوتك بـالدرّة وقال عمر: إنـما نهيت أن تصطاده.

١٠٠٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: حدثنا خارجة عن زيد بن أسلـم، عن عطاء، عن كعب، قال: أقبلت فـي أناس مـحرمين، فأصبنا لـحم حمار وحش، فسألنـي الناس عن أكله، فأفتـيتهم بأكله وهم مـحرمون. فقدمنا علـى عمر، فأخبروه أنـي أفتـيتهم بأكل حمار الوحش وهم مـحرمون، فقال عمر: قد أمّرته علـيكم حتـى ترجعوا.

١٠٠٢٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، قال: مررت بـالربذة، فسألنـي أهلها عن الـمـحرم يأكل ما صاده الـحلال، فأفتـيتهم أن يأكلوه. فلقـيت عمر بن الـخطاب، فذكرت ذلك له، قال: فبـم أفتـيتهم؟ قال: أفتـيتهم أن يأكلوا

قال: لو أفتـيتهم بغير ذلك لـخالفتك.

١٠٠٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن يونس، عن أبـي الشعثاء الكندي، قال: قلت لابن عمر: كيف ترى فـي قوم حرام لقوا قوما حلالاً ومعهم لـحم صيد، فإما بـاعوهم وإما أطعموهم؟ فقال: حلال.

١٠٠٢٥ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثنا مـحمد بن سعيد، قال: حدثنا هشام، يعنـي ابن عروة، قال: حدثنا عروة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عبد الرحمن حدثه: أنه اعتـمر مع عثمان بن عفـان فـي ركب فـيهم عمرو بن العاص حتـى نزلوا بـالروحاء، فقُرّب إلـيهم طير وهم مـحرمون، فقال لهم عثمان: كلوا فإنـي غير آكله فقال عمرو بن العاص: أتأمرنا بـما لست آكلاً؟ فقال عثمان: إنـي لولا أظنّ أنه صيد من أجلـي لأكلت. فأكل القوم.

١٠٠٢٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبـيه: أن الزبـير كان يتزوّد لـحوم الوحش وهو مـحرم.

١٠٠٢٧ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو علـيك حرام.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: ما صيد من شيء وأنت حرام فهو علـيك حرام، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال.

١٠٠٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما فجعل الصيد حراما علـى الـمـحرم صيده وأكله ما دام حراما، وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل فهو حلال، وإن صاده حرام لـحلال فلا يحلّ له أكله.

١٠٠٢٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: سألت أبـا بشر عن الـمـحرم يأكل مـما صاده الـحلال، قال: كان سعيد بن جبـير ومـجاهد يقولان: ما صيد قبل أن يحرم أكل منه، وما صيد بعد ما أحرم لـم يأكل منه.

١٠٠٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: كان عطاء يقول إذا سئل فـي العلانـية أيأكل الـحرام الوشيقة والشيء الـيابس؟ يقول بـينـي وبـينه: لا أستطيع أن أبـين لك فـي مـجلس، إن ذبح قبل أن يحرم فكل، وإلاّ فلا تبع لـحمه ولا تبتع.

وقال آخرون: إنـما عنى اللّه تعالـى بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما وحرّمَ علـيكم اصطياده.

قالوا: فأما شراؤه من مالك يـملكه وذبحه وأكله بعد أن يكون ملكه إياه علـى غير وجه الاصطياد له وبـيعه وشراؤه جائز.

قالوا: والنهي من اللّه تعالـى عن صيده فـي حال الإحرام دون سائر الـمعانـي. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٣١ـ حدثنـي عبد اللّه بن أحمد بن شبويه، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: أخبرنـي يحيى، أن أبـا سلـمة اشترى قَطا وهو بـالعرج وهو مـحرم ومعه مـحمد بن الـمنكدر، فأكله. فعاب علـيه ذلك الناس.

والصواب فـي ذلك من القول عندنا أن يقال: إن اللّه تعالـى عمّ تـحريـم كلّ معانـي صيد البرّ علـى الـمـحرم فـي حال إحرامه من غير أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء، فكل معانـي الصيد حرام علـى الـمـحرم ما دام حراما بـيعه وشراؤه واصطياده وقتله وغير ذلك من معانـيه، إلاّ أن يجده مذبوحا قد ذبحه حلال لـحلال، فـيحلّ له حينئذٍ أكله، للثابت من الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي:

١٠٠٣٢ـ حدثناه يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج. وحدثنـي عبد اللّه بن أبـي زياد، قال: حدثنا مكي بن إبراهيـم، قال: حدثنا عبد الـملك بن جريج، قال: أخبرنـي مـحمد بن الـمنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان، عن أبـيه عبد الرحمن بن عثمان، قال: كنا مع طلـحة بن عبـيد اللّه ونـحن حُرُم، فأهدي لنا طائر، فمنا من أكل ومنا من تورّع فلـم يأكل. فلـما استـيقظ طلـحة وفّق من أكل، وقال: أكلناه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما رُوي عن الصعب بن جثامة: أنه أَهْدَى إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رِجْلَ حمار وحش يقطر دما، فردّه فقال: (إنّا حُرُمٌ). وفـيـما رُوِي عن عائشة: (أن وشيقة ظبـي أهديت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مـحرم، فردّها)، وما أشبه ذلك من الأخبـار؟

قـيـل: إنه لـيس فـي واحد من هذه الأخبـار التـي جاءت بهذا الـمعنى بـيان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه، وهو حلال لـحلال، ثم أهداه إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو حرام فردّه وقال: إنه لا يحلّ لنا لأنا حرم وإنـما ذكر فـيه أنه أهدي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـحم صيد فردّه، وقد يجوز أن يكون ردّه ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى اللّه عليه وسلم وهو مـحرم، وقد بـين خبر جابر عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بقوله: (لَـحْمُ صَيْدِ البَرّ للـمُـحْرِمِ حَلاَلٌ، إلاّ ما صَادَهُ أوْ صِيدَ لَهُ). معنى ذلك كله. فإذْ كان كلا الـخبرين صحيحا مخرجهما، فواجب التصديق بهما وتوجيه كل واحد منهما إلـى الصحيح من وجه، وأن يقال ردّه ما ردّ من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله، وإذنه فـي كل ما أذن فـي أكله منه من أجل أنه لـم يكن صيد لـمـحرم ولا صاده مـحرم، فـيصحّ معنى الـخبرين كلـيهما.

واختلفوا فـي صفة الصيد الذي عنى اللّه تعالـى بـالتـحريـم فـي قوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما

فقال بعضهم: صيد البرّ: كلّ ما كان يعيش فـي البرّ والبحر وإنـما صيد البحر ما كان يعيش فـي الـماء دون البرّ ويأوي إلـيه. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٣٣ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن عمران بن حُدَير، عن أبـي مـجلز: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما قال: ما كان يعيش فـي البرّ والبحر لا يصيده، وما كان حياته فـي الـماء فذاك.

١٠٠٣٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا الـحجاج، عن عطاء، قال: ما كان يعيش فـي البرّ فأصابه الـمـحرم فعلـيه جزاؤه، نـحو السلـحفـاة والسرطان والضفـادع.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن الـحجاج، عن عطاء، قال: كلّ شيء عاش فـي البرّ والبحر، فأصابه الـمـحرم فعلـيه الكفّـارة.

١٠٠٣٥ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا يزيد بن أبـي زياد، عن عبد الـملك، عن سعيد بن جبـير، قال: خرجنا حجاجا معنا رجل من أهل السواد معه شصوص طير ماء، فقال له أبـي حين أحرمنا: اعزل هذا عنا

١٠٠٣٦ـ وحدثنا به أبو كريب مرّة أخرى، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت يزيد بن أبـي زياد، قال: حدثنا حجاج، عن عطاء: أنه كره للـمـحرم أن يذبح الدجاج الزنـجي، لأن له أصلاً فـي البرّ.

وقال بعضهم: صيد البرّ ما كان كونه فـي البرّ أكثر من كونه فـي البحر. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٣٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال ابن جريج: أخبرناه، قال: سألت عطاء عن ابن الـماء، أصيد برّ، أم بحر؟ وعن أشبـاهه،

فقال: حيث يكون أكثر فهو صيده.

١٠٠٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي وكيع، عن سفـيان، عن رجل، عن عطاء بن أبـي ربـاح، قال: أكثر ما يكون حيث يُفرِخ، فهو منه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه الّذِي إلَـيْهِ تُـحْشَرُونَ.

وهذا تقدّم من اللّه تعالـى ذكره إلـى خـلقه بـالـحذر من عقابه علـى معاصيه، يقول تعالـى: واخشوا اللّه أيها الناس، واحذروه بطاعته فـيـما أمركم به من فرائضه وفـيـما نهاكم عنه فـي هذه الاَيات التـي أنزلها علـى نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم من النهي عن الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام، وعن إصابة صيد البرّ وقتله فـي حال إحرامكم، وفـي غيرها، فإن اللّه مصيركم ومرجعكم فـيعاقبكم بـمعصيتكم إياه، ومـجازيكم فمثـيبكم علـى طاعتكم له.

٩٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَعَلَ اللّه الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لّلنّاسِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: صير اللّه الكعبة البـيت الـحرام قواما للناس الذين لا قوام لهم، من رئيس يحجز قويهم عن ضعيفهم ومسيئهم عن مـحسنهم وظالـمهم عن مظلومهم والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقلائِدَ فحجز بكلّ واحد من ذلك بعضهم عن بعض، إذ لـم يكن لهم قـيام غيره، وجعلها معالـم لدينهم ومصالـح أمورهم.

والكعبة فـيـما قـيـل كعبة لتربـيعها. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٣٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد قال: إنـما سميت الكعبة لأنها مربعة.

١٠٠٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد الـمؤدّب، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة، قال: إنـما سميت الكعبة لتربـيعها.

وقـيـل قِـياما للنّاسِ بـالـياء، وهو من ذوات الواو، لكسرة القاف وهي فـاء الفعل، فجعلت العين منه بـالكسرة ياء، كما قـيـل فـي مصدر: (قمت) قـياما، و (صمت) صياما، فحوّلت العين من الفعل وهي واء ياء لكسرة فـائه، وإنـما هو فـي الأصل: قمت قواما، وصمت صواما. وكذلك قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ فحوّلت واوها ياء، إذ هي (قوام). وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً علـى أصله الذي هو أصله، قال الراجز:

(قِوَامُ دُنْـيا وَقِوَامُ دِين )

فجاء به بـالواو علـى أصله. وجعل تعالـى ذكره الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قواما لـمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظمه، بـمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تبـاعه.

وأما الكعبة فـالـحرم كله، وسماها اللّه تعالـى حراما لتـحريـمه إياها أن يصاد صيدها أو يختلـى خلاها أو يعضد شجرها. وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل.

 

وقوله: وَالشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ

يقول تعالـى ذكره: وجعل الشهر الـحرام والهدي والقلائد أيضا قـياما للناس، كما جعل الكعبة البـيت الـحرام لهم قـياما. والناس الذين جعل ذلك لهم قـياما مختلف فـيهم،

فقال بعضهم: جعل اللّه ذلك فـي الـجاهلـية قـياما للناس كلهم.

وقال بعضهم: بل عَنَى به العربَ خاصة. وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل القوام

قال أهل التأويـل. ذكر من قال: عنى اللّه تعالـى بقوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ القوام علـى نـحو ما قلنا:

١٠٠٤١ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا من سمع خَصيفـا يحدّث عن مـجاهد فـي: جعلَ اللّه الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرَامَ قِـيَاما لِلنّاسِ قال: قواما للناس.

١٠٠٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير: قِـياما للنّاسِ قال: صلاحا لدينهم.

١٠٠٤٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي: جَعَلَ اللّه الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرامَ قـيَاما للنّاسِ قال: حين لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، فشدّد اللّه ذلك بـالإسلام.

حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن إسرائيـل، عن أبـي الهيثم، عن سعيد بن جبـير، قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ قال: شدّة لدينهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي الهيثم، عن سعيد بن جبـير، مثله.

١٠٠٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ قال: قـيامها أن يأمن من توجه إلـيها.

١٠٠٤٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ وَالهَدْيَ وَالقَلائِدَ يعنـي قـياما لدينهم، ومعالـم لـحجهم.

١٠٠٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ جعل اللّه هذه الأربعة قـياما للناس، هو قوام أمرهم.

وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائلها ألفـاظها، فإن معانـيها آيـلة إلـى ما قلنا فـي ذلك من أن القوام للشيء هو الذي به صلاحه، كالـملك الأعظم قوام رعيته ومن فـي سلطانه، لأنه مدبر أمرهم وحاجز ظالـمهم عن مظلومهم والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم فـي الـجاهلـية، وهي فـي الإسلام لأهله معالـم حجهم ومناسكهم ومتوجههم لصلاتهم وقبلتهم التـي بـاستقبـالها يتـمّ فرضهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قالت جماعة أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٤٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا جامع بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائدَ حواجز أبقاها اللّه بـين الناس فـي الـجاهلـية فكان الرجل لو جرّ كلّ جريرة ثم لـجأ إلـى الـحرم لـم يُتناول ولـم يُقرب. وكان الرجل لو لقـي قاتل أبـيه فـي الشهر الـحرام لـم يعرض له ولـم يقربه. وكان الرجل إذا أراد البـيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من الـحاء السّمُر، فمنعته من الناس حتـى يأتـي أهله حواجز أبقاها اللّه بـين الناس فـي الـجاهلـية.

١٠٠٤٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: جَعَلَ اللّه الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ قال: كان الناس كلهم فـيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض

قال: ولـم يكن فـي العرب ملوك تدفع بعضهم عن بعض، فجعل اللّه تعالـى لهم البـيت الـحرام قـياما يدفع بعضهم عن بعض به، والشهر الـحرام كذلك يدفع اللّه بعضهم عن بعض بـالأشهر الـحرم والقلائد

قال: ويـلقـى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له. وهذا كله قد نسخ.

١٠٠٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَالقَلائِدَ كان ناس بتقلدون لـحاء الشجر فـي الـجاهلـية إذا أرادوا الـحجّ، فـيعرفون بذلك.

وقد أتـينا علـى البـيان عن ذكر الشهر الـحرام والهدي والقلائد فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ لِتَعْلَـمُوا أنّ اللّه يَعْلَـمُ ما فِـي السّمَوَاتِ وَما فِـي الأرْضِ وأنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذَلكَ تصيـيره الكعبة البـيت الـحرام قـياما للناس والشهر الـحرام والهدي والقلائد

يقول تعالى ذكره: صَيّرت لكم أيها الناس ذلك قـياما كي تعلـموا أن من أُحدِث لكم لـمصالـح دنـياكم ما أحدث مـما به قوامكم، علـما منه بـمنافعكم ومضارّكم أنه كذلك يعلـم جميع ما فـي السموات وما فـي الأرض مـما فـيه صلاح عاجلكم وآجلكم، ولتعلـموا أنه بكلّ شيء علـيـم، لا يخفـى علـيه شيء من أموركم وأعمالكم، وهو مـحصيها علـيكم حتـى يجازي الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء منكم بإساءته.

٩٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اعْلَمُوَاْ أَنّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: اعلـموا أيها الناس أن ربكم الذي يعلـم ما فـي السموات وما فـي الأرض، ولا يخفـى علـيه شيء من سرائر أعمالكم وعلانـيتها، وهو يحصيها علـيكم لـيجازيكم بها، شديد عقابه من عصاه وتـمرّد علـيه علـى معصيته إياه، وهو غفور الذنوب من أطاعه وأناب إلـيه فساترٌ علـيه وتاركٌ فضيحته بها، رحيـم به أن يعاقـيه علـى ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها.

٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ وَاللّه يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }.

وهذا من اللّه تعالـى ذكره تهديد لعبـاده ووعيد،

يقول تعالـى ذكره: لـيس علـى رسولنا الذي أرسلناه إلـيكم أيها الناس بإنذاركم عقابنا بـين يدي عذاب شديد وإعذارنا إلـيكم بـما فـيه قطع حججكم، إلاّ أن يؤدي إلـيكم رسالتنا، ثم إلـينا الثواب علـى الطاعة، وعلـينا العقاب علـى الـمعصية. وَاللّه يَعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُـمُونَ

يقول: وغير خفـيّ علـينا الـمطيع منكم القابل رسالتنا العامل بـما أمرته بـالعمل به من العاصي التارك العمل بـما أمرته بـالعمل به لأنا نعلـم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه. وَما تَكْتُـمُونَ يعنـي: ما تـخفونه فـي أنفسكم من إيـمان وكفر أو يقـين وشكّ ونفـاق

يقول تعالى ذكره: فمن كان كذلك لا يخفـى علـيه شيء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس، مـما فـي السموات وما فـي الأرض، وبـيده الثواب والعقاب، فحقـيق أن يُتقَـى وأن يطاع فلا يعصَى.

١٠٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لاّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتّقُواْ اللّه يَأُوْلِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لا يعتدل الردىء والـجيد، والصالـح والطالـح، والـمطيع والعاصي. وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ

يقول: لا يعتدل العاصي والـمطيع لله عند اللّه ولو كثر أهل الـمعاصي فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة اللّه هم الـمفلـحون الفـائزون بثواب اللّه يوم القـيامة وإن قلوا دون أهل معصيته، وإنّ أهل معاصيه هم الأخسرون الـخائبون وإن كثروا

يقول تعالى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: فلا تعجبنّ من كثرة من يعصى اللّه فـيـمهله ولا يعاجله بـالعقوبة فإن العقبى الصالـحة لأهل طاعة اللّه عنده دونهم. كما:

١٠٠٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لا يَسْتَوِي الـخَبِـيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ قال: الـخبـيث: هم الـمشركون والطيّب: هم الـمؤمنون.

وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الـخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـالـمراد به بعض أتبـاعه، يدلّ علـى ذلك قوله: فـاتّقُوا اللّه يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتّقُوا اللّه يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ.

يقول تعالـى ذكره: واتقوا اللّه بطاعته فـيـما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستـحوذ علـيكم الشيطان بإعجابكم كثرة الـخبـيث، فتصيروا منهم. يا أؤلـي الألْبـابِ يعنـي بذلك: أهل العقول والـحجا، الذين عقلوا عن اللّه آياته، وعرفوا مواقع حججه. لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ

يقول: اتقوا اللّه لتفلـحوا: أي كي تنـجحوا فـي طلبتكم ما عنده.

١٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ...}.

ذكر أن هذه الاَية أنزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتـحانا له أحيانا، واستهزاء أحيانا، فـيقول له بعضهم: من أبـي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتـي؟ فقال لهم تعالـى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك، كمسألة عبد اللّه بن حذافة إياه من أبوه، إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

يقول: إن أبدينا لكم حقـيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تظاهرت الأخبـار عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك:

١٠٠٥١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا بعض بنـي نفـيـل، قال: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا أبو الـجويرية، قال: قال ابن عبـاس لأعرابـي من بنـي سلـيـم: هل تدري فـيـما أنزلت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ؟ حتـى فرغ من الاَية،

فقال: كان قوم يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استهزاء، فـيقول الرجل: من أبـي؟ والرجل تضلّ ناقته فـ

يقول: أين ناقتـي؟ فأنزل اللّه فـيهم هذه الاَية.

١٠٠٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عامر وأبو داود، قالا: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، قال: سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى أحفوه بـالـمسألة، فصعد الـمنبر ذات يوم،

فقال: (لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ)

قال أنس: فجعلت أنظر يـمينا وشمالاً، فأرى كلْ إنسان لافّـا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لاحى يدعى إلـى غير أبـيه،

فقال: يا رسول اللّه ، من أبـي؟ فقال: (أبُوكَ حُذَافَةُ)

قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـاللّه ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً، وأعوذ بـاللّه من سوء الفتن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـمْ أرَ فِـي الشّرّ والـخَيْرِ كالـيَوْم قَطّ، إنّهُ صُوّرَتْ لِـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ حتـى رأيْتُهُما وَرَاءَ الـحائِطِ). وكان قتادة يذكر هذا الـحديث عند هذه الاَية: لا تَسأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

١٠٠٥٣ـ حدثنـي مـحمد بن معمر البحرانـي، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي موسى بن أنس، قال: سمعت أنسا

يقول: قال رجل: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ فُلانٌ)

قال: فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألوه حتـى أحفوه بـالـمسألة، فخرج علـيهم ذات يوم فصعد الـمنبر،

فقال: (لا تَسْأَلُونِـي الـيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ) فأشفق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون بـين يديه أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يـمينا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلاّ لافـاّ رأسه فـي ثوبه يبكي. فأنشأ رجل كان يُلاحَى فـيدعى إلـى غير أبـيه،

فقال: يا نبـيّ اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافة)

قال: ثم قام عمر أو قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـاللّه ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً عائذا بـاللّه أو قال: أعوذ بـاللّه من سوء الفتن

قال: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(لَـمْ أرَ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ كالـيَوْمِ قَطّ، صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ والنّارُ حتـى رأيْتُهُما دُونَ الـحائِطِ).

١٠٠٥٤ـ حدثنا أحمد بن هشام وسفـيان بن وكيع، قالا: حدثنا معاذ، قال: حدثنا ابن عون، قال: سألت كرمة مولـى ابن عبـاس عن قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذاك يوم قام فـيهم النبـي صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُكُمْ بِهِ) قال: فقام رجل، فكره الـمسلـمون مقَامه يومئذ،

فقال: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَة) قال: فنزلت هذه الاَية.

١٠٠٥٥ـ حدثنا الـحسين بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه قال: نزلت: لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ فـي رجل قال: يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوك فلان).

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي سفـيان، عن معمر، عن قتادة، قال: سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم حتـى أكثروا علـيه، فقام مغضبـا خطيبـا،

فقال: (سَلُونـي فَوَاللّه لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ ما دُمْتُ فـي مَقامي إلاّ حَدّثْتُكُمْ) فقام رجل فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَة) واشتدّ غضبه وقال: (سَلُونِـي) فلـما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم، فجثا عمر علـى ركبتـيه فقال: رضينا بـاللّه ربّـا، قال معمر: قال الزهري: قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر علـى ركبتـيه،

فقال: رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم رسولاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(أمَا وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، لَقَدْ صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ آنِفـا فِـي عَرْضِ هَذَا الـحائِطِ، فَلَـمْ أرَ كالـيَوْمِ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ).

قال الزهريّ: فقالت أمّ عبد اللّه بن حُذافة: ما رأيت ولدا أعقّ منك قطّ، أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الـجاهلـية، فتفضحها علـى رؤوس الناس فقال: واللّه لو ألـحقنـي بعبد أسود للـحقته.

١٠٠٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبـا،

فقال: (سَلُونِـي فإنّكُمْ لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْء إلاّ أنْبَأْتُكُمْ بِهِ) فقام إلـيه رجل من قريش من بنـي سَهْم يقال له عبد اللّه بن حُذَاقة، وكان يُطعنَ فـيه، قال: فقال يا رسول اللّه من أبـي؟ قال: (أبُوكَ فُلانٌ) فدعاه لأبـيه فقام إلـيه عمر، فقبّل رجله وقال: يا رسول اللّه ، رضينا بـاللّه ربـا، وبك نبـيا، وبـالإسلام دينا، وبـالقرآن إماما، فـاعف عنا عفـا اللّه عنك فلـم يزل به حتـى رضي، فـيومئذ قال: (الوَلَدُ للفِرَاش وللعاهِرِ الـحَجَرُ).

١٠٠٥٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي حصين، عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو غضبـان مـحمارّ وجههُ، حتـى جلس علـى الـمنبر، فقام إلـيه رجل، فقال أين أبـي؟ قال: (فـي النّارِ) فقام آخر فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَةُ). فقام عمر بن الـخطاب فقال: رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم نبـيا، وبـالقرآن إماما، إنا يا رسول اللّه حديثو عهد بجاهلـية وشرك، واللّه يعلـم من آبـاؤنا

قال: فسكن غضبه، ونزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

وقال آخرون: نزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء فـي أمر الـحجّ. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٥٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا منصور بن وردان الأسديّ، قال: حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى، قال: لـما نزلت هذه الاَية: وَللّهِ علـى النّاسِ حِجّ البَـيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَـيْهِ سَبِـيلاً

قالوا: يا رسول اللّه أفـي كلّ عام؟ فسكت، ثم

قالوا: أفـي كلّ عام؟ فسكت، ثم قال: (لا، ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ) فأنزل اللّه هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

١٠٠٥٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلـيـمان، عن إبراهيـم بن مسلـم الهَجَريّ، عن ابن عياض، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه كَتَبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقال رجل: أفـي كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فأعرض عنه، حتـى عاد مرّتـين أو ثلاثا،

فقال: (مَنِ السّائِلُ؟) فقال فلان،

فقال: (والذي نَفْسِي بِـيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَـيْكُمْ ما أطَقْتُـموه، وَلَوْ تَرَكْتُـمُوهُ لَكَفَرْتـمْ). فأنزل اللّه هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتـى ختـم الاَية.

١٠٠٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن علـيّ بن الـحسين بن شقـيق، قال سمعت أبـي، قال: أخبرنا الـحسين بن واقد، عن مـحمد بن زياد، قال: سمعت أبـا هريرة

يقول: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (يا أيّهَا النّاسُ، كَتَبَ اللّه عَلَـيْكُمْ الـحَجّ). فقام مـحصن الأسديّ،

فقال: أفـي كلّ عام يا رسول اللّه ؟ فقال: (أمَا إنّـي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، ولَوْ وَجَبَتْ ثُمّ تَرَكْتُـمْ لَضَلَلْتُـمْ. اسْكُتُوا عَنّى ما سَكَتّ عَنْكُمْ، فإنّـمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ علـى أنْبِـيائِهمْ) فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إلـى آخر الاَية.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين وقد، عن مـحمد بن زيادة، قال: سمعت أبـا هريرة

يقول: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر مثله، إلا أنه قام: فقام عُكاشة ابنِ مـحْصَن الأسديّ.

١٠٠٦١ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري، قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبـي العمر، قال: حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرو، قال: ثنـي سلـيـم بن عامر، قال: سمعت أبـا أمامة البـاهلـي

يقول: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الناس فقال: (كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقام رجل من الأعراب،

فقال: أفـي كل عام؟ قال: فعلا كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب. فمكث طويلاً ثم تكلـم فقال: مَنِ السّائِلُ؟ فقال الأعرابـيّ: أنا ذا،

فقال: (وَيْحَكَ ماذَا يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ نَعَمْ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمُ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ؟ ألا إنّهُ إنّـمَا أهْلَكَ الّذِينَ قبْلَكُمْ أئِمّةُ الـحَرَجِ، وَاللّه لَوْ أنّـي أحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ما فِـي الأرْضِ وَحَرّمْتُ عَلَـيْكُمْ مِنْها مَوْضِعَ خُفّ لَوَقَعْتُـمْ فِـيهِ) قال: فأنزل اللّه تعالـى عند ذلك يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ... إلـى آخر الاَية.

١٠٠٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاء إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أذّن فـي الناس،

فقال: (يا قَوْمِ، كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ) فقام رجل من بنـي أسد فقال: يا رسول اللّه ، أفـي كلّ عام؟ فأُغْضِبَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غضبـا شديدا،

فقال: (وَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدِ بَـيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما اسْتَطَعْتُـمْ، وِإذَنْ لَكَفَرْتُـمْ فـاتْرُكُونِـي ما تَرَكْتُكُمْ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فـافْعَلُوا، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فـانُتَهُوا عَنْهُ). فأنزل اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من الـمائدة، فأصبحوا بها كافرين فنهى اللّه تعالـى عن ذلك، وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، قال: حدثنا علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنزّل القُرْآنِ تُبْدَ لَكُمْ قال: لـما أنزلت آية الـحجّ، نادى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فـي الناس، فقال (يا أيّها النّاسُ، إنّ اللّه قَدْ كَتَبَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ فَحُجّوا)

فقالوا: يا رسول اللّه ، أعاما واحدا أم كل عام؟ فقال (لا بَلْ عاما وَاحِدا، وَلَوْ قُلْتُ كُلّ عامٍ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ) ثم قال اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء فوعظهم، فـانتهوا.

١٠٠٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـحجّ، فقـيـل: أواجب هو يا رسول اللّه كلّ عام؟ قال: (لا، لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما أطَقْتُـمْ، وَلَوْ لَـمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُـمْ) ثم قال: (سَلُونِـي فَلا يَسْأَلُنِـي رَجُلٌ فـي مَـجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُهُ، وإنْ سَأَلَنِـي عَنْ أبِـيهِ) فقام إلـيه رجل،

فقال: من أبـي؟ قال: (أبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَـيْسٍ) فقام عمر،

فقال: يا رسول اصلى اللّه عليه وسلم رضينا بـاللّه ربـا، وبـالإسلام دينا، وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم نبـيا، ونعوذ بـاللّه من غضبه وغضب رسوله.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية من أجل أنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحامي. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٦٤ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ قال: هي البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام. ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: ما جعل اللّه من كذا ولا كذا؟ قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الاَيات فنهوا عن ذلك.

ثم قال: قَدْ سَأَلها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمّ أصْبَحُوا بها كَافِرينَ قال: فقلت: قد حدثنـي مـجاهد بخلاف هذا ابن عبـاس ، فما لك تقول هذا؟ فقال هَيْهَ.

١٠٠٦٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن عون، عن عكرمة عن الأعمش، قال: هو الذي سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أبـي؟. وقال سعيد بن جبـير: هم الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البحيرة والسائبة.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك قول من قال: نزلت هذه الاَية من أجل إكثار السائلـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمسائل، كمسئلة ابن حذافة إياه من أبوه، ومسئلة سائله إذ قال: (إنّ اللّه فَرَضَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ): أفـي كلّ عام؟ وما أشبه ذلك من الـمسائل، لتظاهر الأخبـار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويـل، وأما القول الذي رواه مـجاهد عن ابن عبـاس ، فقول غير بعيد من الصواب، ولكن الأخبـار الـمتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه، وكرهنا القول به من أجل ذلك. علـى أنه غير مستنكر أن تكون الـمسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام كانت فـيـما سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم عنه من الـمسائل التـي كره اللّه لهم السؤال عنها، كما كره اللّه لهم الـمسئلة عن الـحجّ، أكلّ عام هو أم عاما واحدا؟ وكما كره لعبد اللّه بن حذافة مسئلته عن أبـيه، فنزلت الاَية بـالنهي عن الـمسائل لها، فأخبر كلّ مخبر منهم ببعض ما نزلت الاَية من أجله وأجل غيره. وهذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصحة، لأن مخارج الأخبـار بجميع الـمعانـي التـي ذُكرت إصحاح، فتوجيهها إلـى الصواب من وجودها أوْلـى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفـا اللّه عَنْهَا وَاللّه غَفُورٌ حَلِـيـمٌ:

يقول تعالـى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن مسألة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه، من فرائض لـم يفرضها اللّه علـيهم، وتـحلـيـل أمور لهم يحللها لهم، وتـحريـم أشياء لـم يحرّمها علـيهم قبل نزول القرآن بذلك: أيها الـمؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولـي مـما لـم أنزل به كتابـا ولا حيا، لا تسألوا عنه، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبـيان بوحي وتنزيـل ساءكم لأن التنزيـل بذلك إذا جاءكم يجيئكم بـما فـيه امتـحانكم واختبـاركم، إما بإيجاب عمل علـيكم، ولزوم فرض لكم، وفـي ذلك علـيكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة وإما بتـحريـم ما لو لـم يأتكم بتـحريـمه وحي كنتـم من التقدّم علـيه فـي فسحة وسعة وإما بتـحلـيـل ما تعتقدون تـحريـمه، وفـي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتـم ترونه حقا إلـى ما كنتـم ترونه بـاطلاً، ولكنكم إن سألتـم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها فـي كتابـي إلـى رسولـي إلـيكم، بـين لكم ما أنزلته إلـيه من إتـيان كتابـي وتأويـل تنزيـلـي ووحي وذلك نظير الـخبر الذي رُويَ عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الذي:

١٠٠٦٦ـ حدثنا به هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن مكحول، عن أبـي ثعلبة الـخشنـي، قال: (إن اللّه تعالـى فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وعفـا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها).

١٠٠٦٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: كان عبـيد بن عمير

يقول: إن اللّه تعالـى أحلّ وحرّم، فما أحلّ فـاستـحلوه وما حرّم فـاجتنبوه، وترك من ذلك أشياء لـم يحلها ولـم يحرّمها فذلك عفو من اللّه عفـاه ثم يتلو: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا الضحاك ، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي عطاء، عن عبـيد ابن عمير، أنه كان

يقول: إن اللّه حرّم وأحلّ، ثم ذكر نـحوه.

وأما قوله: عَفـا اللّه عَنْها فإنه يعنـي به: عفـا اللّه لكم عن مسألتكم عن الأشياء التـي سألتـم عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي كره اللّه لكم مسألتكم إياه عنها، أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم علـيها، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم. وَاللّه غَفُورٌ

يقول: واللّه ساتر ذنوب من تاب منها، فتارك أن يصفحه فـي الاَخرة حَلِـيـمٌ أن يعاقبه بها لتغمده التائب منها برحمته وعفوه، عن عقوبته علـيها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس الذي ذكرناه آنفـا. وذلك ما:

١٠٠٦٨ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : لا تسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه.

١٠٢

القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ ثُمّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قد سأل الاَيات قوم من قبلكم: فلـما آتاهموها اللّه ، أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالة علـى حقـيقة ما احتـجّ بها علـيهم، وبرهانا علـى صحة ما جعلت برهانا علـى تصحيحه، كقوم صالـح الذين سألوا الاَية فلـما جاءتهم الناقة آية عقروها، وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل علـيهم من السماء: فلـما أُعْطُوها كفروا بها وما أشبه ذلك، فحذّر اللّه تعالـى الـمؤمنـين بنبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يسلكوا سبـيـل مَن قبلهم من الأمـم التـي هلكت بكفرهم بآيات اللّه لـما جاءتهم عند مسألتهموها، فقال لهم: لا تسألوا الاَيات، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فقد سأل الاَيات من قبلكم قوم فلـما أوتوها أصبحوا بها كافرين. كالذي:

١٠٠٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من الـمائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى اللّه عن ذلك.

١٠٠٧٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قَدْ سأَلهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ قد سأل الاَيات قوم من قبلكم، وذلك حين

قـيـل له: غيّر لنا الصفـا ذهبـا.

١٠٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا جَعَلَ اللّه مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ما بحر اللّه بحيرة، ولا سيب سائبة، ولا وصل وصيـلة، ولا حمي حاميا، ولكنكم الذين فعلتـم ذلك أيها الكفرة، فحرّمتـموه افتراء علـى ربكم. كالذي:

١٠٠٧١ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: ثنـي أبـي وشعيب بن اللـيث، عن اللـيث، عن ابن الهاد: وحدثنـي يونس، قال: حدثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (رأيْتُ عَمْرَو بْنَ عامِرٍ الـخزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ، وكانَ أوّلَ مَنْ سَيّبَ السّائِبَةَ).

١٠٠٧٢ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن إبراهيـم بن الـحرث، عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول لأكثم بن الـجون: (يا أكْثَمُ، رأيْتُ عَمْرَو بنَ لُـحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ، فَمَا رأيْتُ رَجْلاً أشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ وَلا بِهِ مِنْكَ) فقال أكثم: أخشى أن يضرّنـي شبهه يا رسول اللّه . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا، إنّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كافِرٌ، إنّهُ أوّلُ مَنْ غير دين إسماعيـل وبحّر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الـحامي).

١٠٠٧٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا يونس، قال: ثنـي هشام بن سعد، عن زيد بن أسلـم، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (قَدْ عَرَفْتُ أوّلَ مَنْ بَحّرَ البَحائِر رَجُلٌ مِنْ مُدْلِـجٍ، كانَتْ لَهُ ناقَتانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُما وَحَرّمَ ألْبـانَهُما وظُهُورَهُما وقال: هاتانِ لِلّهِ، ثُمّ احْتاجَ إلَـيْهما فَشَرِبَ ألْبـانَهُما وَرَكِبَ ظُهُورَهُما) قالَ: (فَلَقَدْ رأيْتُهُ فِـي النّارِ يُؤْذِي أهْلَ النّارِ رِيحُ قُصْبِهِ).

١٠٠٧٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا عبـيدة، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (عُرِضَتْ علـيّ النّارُ فَرأيْتُ فِـيها عَمْرَو ابْنَ فُلان ابْنِ فُلان ابْنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ، وَهُوَ أوّلُ مَنْ غَيّرَ دِينَ إبْرَاهِيـمَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ، وأشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ أكْثَمُ بْنُ الـجَوْنِ). فقال أكثم: يا رسول اللّه ، أيضرّنـي شبههه؟ قال: (لا، لأنّكَ مُسْلِـمٌ، وَإنّهُ كافِرٌ).

١٠٠٧٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: رأيت عمرو بن عامر الـخزاعي يجرّ قصبه فـي النار، وهو أوّل من سيب السوائب.

١٠٠٧٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلـم، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّـي لأَعْرِفُ أوّلَ مَنْ سَيّبَ السّوَائبَ وأوّلَ مَنْ غَيّرَ عَهْدَ إبْرَاهِيـمَ)

قالُوا: مَنْ هُوَ يا رَسُولَ اللّه ؟ قال: (عَمْرُو بْنُ لُـحَيَ أخُو بَنِـي كَعْبٍ، لَقَدْ رأيْتُهُ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ، يُؤْذِي رِيحُهُ أهْلَ النّارِ. وإنّـي لأَعْرِفُ أوّلَ مَنْ بَحّرَ البَحائِرَ).

قالوا: من هو يا رسول اللّه ؟ قال: (رَجُلٌ مِنْ بَنِـي مُدْلِـجٍ كانَتْ لَهُ ناقَتانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُما وَحَرّمَ ألْبـانَهُما، ثُمّ شَرِبَ ألْبـانَهُما بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَقَدْ رأيْتُهُ فِـي النّارِ هُوَ وهُمَا يَعَضّانِهِ بأفْوَاهِهِما، ويَخْبِطانِهِ بأخفْـافِهِما).

والبحيرة: الفَعيـلة، من قول القائل: بَحرتُ أذنَ هذه الناقة: إذا شقها، أبْحَرُها بحرا، والناقة مبحورة، ثم تصرف الـمفعولة إلـى فعَيـلة، فـيقال: هي بحيرةوأما البَحِرُ من الإبل: فهو الذي قد أصابه داء من كثرة شرب الـماء، يقال منه: بَحِرَ البعير يبحرُ بَحَرا، ومنه قول الشاعر:

لأَعْلِطَنّكَ وَسَما لا تُفـارِقُهُكما يُحَزّ بحُمّى الـمِيسَمِ البَحِرُ

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى البحيرة، جاء الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٠٠٧٧ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان، قال: أخبرنا مـحمد بن زيزيد، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي إسحاق عن أبـي الأحوص، عن أبـيه، قال: دخـلت علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أرأيْتَ إبِلَكَ ألَسْتَ تُنْتِـجُها مُسَلّـمَةً آذَانُها، فَتأْخُذُ الـمُوسَى فَتَـجْدَعُها تَقُولُ هَذِهِ بَحِيرَةٌ، وَتَشُقّ آذَانَها تَقُولُ هَذِهِ حُرُمٌ؟) قال: نعم، قال: (فإنّ ساعِدَ اللّه أشَدّ، وَمُوسَى اللّه أحَدّ، كُلّ مالِكَ لَكَ حَلالٌ لا يُحَرّمُ عَلَـيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ).

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت أبـا الأحوص، عن أبـيه، قال أتـيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فَقال: (هَلْ تُنْتِـجُ إبِلُ قَوْمِكَ صِحَاحا آذَانُها فَتَعمِدُ إلـى الـمُوسَى فَتَقْطَعُ آذَانَها فَتَقُولُ هَذِهِ بُحْرٌ، وَتَشُقّها أوْ تَشُقّ جُلُودَها فَتَقُولُ هَذِهِ حُرُمٌ، فَتُـحَرّمُها عَلَـيْكَ وَعلـى أهْلِكَ؟) قال: نعم

قال: (فإنّ ما آتاكَ اللّه لَكَ حِلّ، وَساعِدُ اللّه أشَدّ، ومُوسَى اللّه أحَدّ) وربـما قال: (سَاعِدُ اللّه أشَدّ مِنْ سَاعِدِكَ، ومُوسَى اللّه أحَدّ مِنْ مُوسَاكَ).

وأما السائبة: فإنها الـمسيبة الـمخلاة، وكانت الـجاهلـية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فـيحرم الانتفـاع به علـى نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبده سائبة فلا ينتفع به ولا بولائه. وأخرجت الـمسيبة بلفظ السائبة، كما

قـيـل: (عِيشَة رَاضِيَة)، بـمعنى: مرضية.

وأما الوصيـلة، فإن الأنثى من نعمهم فـي الـجاهلـية كانت إذا أتأمت بطنا بذكر وأنثى،

قـيـل: قد وصلت الأنثى أخاها، بدفعها عنه الذبح، فسموها وصيـلة.

وأما الـحامي: فإنه الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب، والانتفـاع بسبب تتابع أولاد تـحدث من فِحْلَته.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي صفـات الـمسميات بهذه الأسماء وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك. ذكر الرواية بـما قـيـل فـي ذلك:

١٠٠٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن إبراهيـم بن الـحرث التـيـمي أن أبـا صالـح السمان، حدثه أنه سمع أبـا هريرة

يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لأكثم بن الـجون الـخواعي: (يا أكْثَمُ رأيْتُ عَمْرَ بْنَ لُـحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ، فَمَا رأيْتُ مِنْ رَجُلٍ أشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ وَلا بِهِ مِنْكَ) فقال أكثم: أيضرّنـي شبهه يا نبـيّ اللّه ؟ قال: (لا، لأنك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كافِرٌ، وإنّهُ كانَ أوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ إسْماعِيـلَ وَنَصَبَ الأوْثانَ، وَسَيّبَ السّوَائِب فِـيهِمْ).

وذلك أن الناقة إذا تابعت ثنتـي عشرة إناثا لـيس فـيها ذكر سيبت، فلـم يركب ظهرها ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب لبنها إلا ضيف. فما نتـجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها ثم خـلـي سبـيـلها مع أمها فـي الإبل، فلـم يركب ظهرها ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فُعِل بأمها فهي البحيرة ابنة السائبة. والوصيـلة: أن الشاة إذا نتـجت عشر إناث متتابعات فـي خمسة أبطن لـيس فـيهنّ ذكر جعلت وصيـلة،

قالوا: وصلت، فكان ما ولدت بعد ذلك لذكورهم دون إناثهم، إلا أن يـموت منها شيء فـيشتركون فـي أكله ذكورهم وإناثهم. والـحامي: أن الفحل إذا نتـج له عشر إناث متتابعات لـيس بـينهنّ ذكر حُمِي ظهره، ولـم يركب، ولـم يجزّ وبره، ويخـلـى فـي إبله يضرب فـيها، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول اللّه تعالـى ذكره: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ.... إلـى قوله: وَلاَ يهْتَدُونَ.

١٠٠٧٩ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، عن مسروق فـي هذه الاَية: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال أبو جعفر: سقط علـيّ فـيـما أظنّ كلام منه قال: فأتـيت علقمة فسألته،

فقال: ما تريد إلـى شيء كانت تصنعه أهل الـجاهلـية؟

١٠٠٨٠ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلـم، قال: أتـيت علقمة، فسألته عن قول اللّه تعالـى: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ فقال: وما تصنع بهذا؟ إنـما هذا شيء من فعل الـجاهلـية قال: فأتـيت مسروقا، فسألته،

فقال: البحيرة: كانت الناقة إذا ولدت بطنا خمسا أو سبعا، شقوا أذنها و

قالوا: هذه بحيرة

قال: وَلا سائبَةٍ قال: كان الرجل يأخذ بعض ماله، فـ

يقول: هذه سائبة

قال: وَلا وَصِيـلَةٍ قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرا وأنثى فـي بطن

قالوا: وصلت أخاها، فلا يأكلونهما قال: فإذا مات الذكر، أكله الذكور دون الإناث

قال: ولا حام، قال: كان البعير إذا ولد وولد ولده،

قالوا: قد قضى هذا الذي علـيه، فلـم ينتفعوا بظهره،

قالوا: هذا حام.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، عن الأعمش، عن مسلـم بن صبـيح، قال: سألت علقمة، عن قوله: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الـجاهلـية.

١٠٠٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان ويحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ قال: البحيرة: التـي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت.

١٠٠٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير بن عبد الـحميد، عن مغيرة، عن الشعبـي: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ قال: البحيرة: الـمخضرمة. وَلا سائِبَةٍ والسائبة: ما سيب للهدي. والوصيـلة: إذا ولدت بعد أربعة أبطن فـيـما يرى جرير ثم ولدت الـخامس ذكرا وأنثى وصلت أخاها. والـحام: الذي قد ضرب أولاد أولاده فـي الإبل.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ بنـحوه، إلا أنه قال: والوصيـلة: التـي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها. وسائر الـحديث مثل حديث ابن حميد.

١٠٠٨٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن زكريا، عن الشعبـي، أنه سئل عن البحيرة،

فقال: هي التـي تـجدع آذانها. وسئل عن السائبة،

فقال: كانوا يهدون لاَلهتهم الإبل والغنـم فـيتركونها عند آلهتهم لتذبح، فتـخـلط بغنـم الناس، فلا يشرب ألبـانها إلا الرجال، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا.

١٠٠٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وما معها: البحيرة من الإبل، يحرّم أهل الـجاهلـية وبرها وظهرها ولـحمها ولبنها إلا علـى الرجال، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو علـى هيئتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء فـي أكل لـحمها، فإذا ضَرَب الـجمل من ولد البحيرة فهو الـحامي والسائبة من الغنـم علـى نـحو ذلك إلا أنها ما ولدت من ولد بـينها وبـين ستة أولاد كان علـى هيئتها، فإذا ولدت فـي السابع ذكرا أو أنثى أو ذكرين، ذبحوه فأكله رجالهم دون نسائهم وإن توأمت أنثى وذكرا فهي وصيـلة، ترك ذبح الذكر بـالأنثى، وإن كانتا أنثـيـين تركتا.

١٠٠٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ فـالبحيرة: الناقة، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن، فـيعمد إلـى الـخامسة، فما لـم يكن سَقْبـا، فـيبتك آذانها، ولا يجزّ لها وبرا، ولا يذوق لها لبنا، فتلك البحيرة. وَلا سائِبَةٍ كان الرجل يسيب من ماله ما شاء. وَلا وَصِيـلَةٍ فهي الشاة إذا ولدت سبعا، عمد إلـى السابع، فإن كان ذكرا ذبح، وإن كانت أنثى تركت، وإن كان فـي بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما،

قالوا: وصلت أخاها، فـيتركان جميعا لا يذبحان، فتلك الوصيـلة

وقوله: وَلا حامٍ كان الرجل يكون له الفحل فإذا لقح عشرا

قـيـل: حام، فـاتركوه

١٠٠٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: حدثنا معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ لـيسيبوها لأصنامهم. وَلا وَصِيـلَةٍ

يقول: الشاة. وَلا حامٍ

يقول: الفحل من الإبل.

١٠٠٨٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ تشديد شدّده الشيطان علـى أهل الـجاهلـية فـي أموالهم، وتغلـيظ علـيهم، فكانت البحيرة مثل الإبل إذا نتـج الرجل خمسا من إبله نظر البطن الـخامس، فإن كانت سقبـا ذبح فأكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فـيه ذكرهم وأنثاهم، وإن كانت حائلاً وهي الأنثى تركت فبتكت أذنها، فلـم يجزّ لها وبر ولـم يشرب لها لبن ولـم يركب لها ظهر ولـم يذكر لله علـيها اسم. وكانت السائبة: يسيبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا تـمتنع من حوض أن تشرع فـيه ولا من حمى أن ترتع فـيه. وكانت الوصيـلة من الشاء: من البطن السابع، إذا كان جديا ذبح فأكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فـيه ذكرهم وأنثاهم، وإن جاءت بذكر وأنثى قـيـل وصلت أخاها فمنعته الذبح. والـحام: كان الفحل إذا ركب من بنـي بنـيه عشرة أو ولد ولده، قـيـل حام، حمى ظهره، فلـم يزم ولـم يخطم ولـم يركب.

١٠٠٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ فـالبحيرة من الإبل: كانت الناقة إذا نتـجت خمسة أبطن، إن كان الـخامس سقبـا ذبحوه فأهدوه إلـى آلهتهم وكانت أمه من عرض الإبل، وإن كانت رُبَعة استـحيوها، وشقوا أذن أمها، وجزّوا وبرها، وخـلوها فـي البطحاء، فلـم تَـجُزْ لهم فـي دية، ولـم يحلبوا لها لبنا، ولـم يجزّوا لها وبرا، ولـم يحملوا علـى ظهرها، وهي من الأنعام التـي حرّمت ظهورهاوأما السائبة: فهو الرجل يسيب من ماله ما شاء علـى وجه الشكر إن كثر ماله، أو برأ من وجع، أو ركب ناقة فأنـجح، فإنه يسمي السائبة يرسلها فلا يعرض لها أحد من العرب إلا أصابته عقوبة فـي الدنـياوأما الوصيـلة، فمن الغنـم، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة، فكان آخر ذلك جديا ذبحوه وأهدوه لبـيت الاَلهة، وإن كانت عَناقا استـحيوها، وإن كانت جديا وعناقا استـحيوا الـجدي من أجل العناق، فإنها وصيـلة وصلت أخاهاوأما لـحام: فـالفحل يضرب فـي الإبل عشر سنـين، ويقال: إذا ضرب ولد ولده

قـيـل: قد حمي ظهره، فـيتركونه لا يـمسّ، ولا ينـحر أبدا، ولا يـمنع من كلإ يريده، وهو من الأنعام التـي حرمت ظهورها.

١٠٠٨٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن الـمسيب، فـي قوله: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال: البحيرة من الإبل التـي يـمنع درّها للطواغيت. والسائبة من الإبل: كانوا يسيبونها لطواغيتهم. والوصيـلة من الإبل كانت الناقة تبكر بأنثى، ثم تثنـي بأنثى، فـيسمونها الوصيـلة، يقولون: وصلت اثنتـين لـيس بـينهما ذكر، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم، أو يذبحونها، الشكّ من أبـي جعفر. والـحام: الفحل من الإبل، كان يضرب الضراب الـمعدود، فإذا بلغ ذلك،

قالوا: هذا حام، قد حمى ظهره فترك، فسموه الـحام

قال معمر، قال قتادة: إذا ضرب عشرة.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: البحيرة من الإبل: كانت الناقة إذا نتـجت خمسة أبطن، فإن كان الـخامس ذكرا كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكوا آذانها، ثم أرسلوها، فلـم ينـحروا لها ولدا، ولـم يشربوا لها لبنا، ولـم يركبوا لها ظهراوأما السائبة، فإنهم كانوا يسيبون بعض إبلهم، فلا تـمنع حوضا أن تشرع فـيه، ولا مرعى أن ترتع فـيه. والوصيـلة: الشاة: كانت إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت.

١٠٠٩٠ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان، عن الضحاك : ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ أما البحيرة: فكانت الناقة إذا نتـجوها خمسة أبطن نـحروا الـخامس إن كان سقبـا، وإن كان رُبَعة شقوا أذنها واستـحيوها، وهي بحيرةوأما السقب فلا يأكل نساؤهم منه، وهو خالص لرجالهم، فإن ماتت الناقة أو نتـجوها ميتا فرجالهم ونساؤهم فـيه سواء يأكلون منهوأما السائبة: فكان يسيب الرجل من ماله من الأنعام، فـيهمل فـي الـحمى فلا ينتفع بظهره ولا بولده، ولا بلبنه، ولا بشعره، ولا بصوفهوأما الوصيـلة، فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحوا السابع إذا كان جديا، وإن كان عناقا استـحيوه، وإن كان جديا وعناقا استـحيوهما كلـيهما، و

قالوا: إن الـجدي وصلته أخته، فحرمته علـيناوأما الـحامي: فـالفحل إذا ركبوا أولاد ولده،

قالوا: قد حمى هذا ظهره، وأحرز أولاد ولده، فلا يركبونه، ولا يـمنعونه من حمى شجر، ولا حوض مّا شرع فـيه، وإن لـم يكن الـحوض لصاحبه، وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم اللّه علـيها فـي شيء من شأنهم، لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتـجوا، ولا إن بـاعوا، ففـي ذلك أنزل اللّه تعالـى: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ... إلـى قوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.

١٠٠٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ما جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال: هذا شيء كانت تعمل به أهل الـجاهلـية، وقد ذهب

قال: البحيرة: كان الرجل يجدع أذنى ناقته ثم يعتقها، كما يعتق جاريته وغلامه، لا تـحلب، ولا تركب. والسائبة: يسيبها بغير تـجديع. والـحام: إذا نتـج له سبع إناث متوالـيات حمت لـحمها أن يؤكل.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: حدثنا اللـيث بن سعد، قال: ثنـي ابن الهاد، عن ابن شهاب، قال: قال سعيد بن الـمسيب: السائبة: التـي كانت تسيب فلا يحمل علـيها شيء. والبحيرة: التـي يـمنع درّها للطواغيت فلا يحلبها أحد. والوصيـلة: الناقة البكر تبكر أوّل نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنـي بعد بأنثى، وكانوا يسمونها للطواغيت، يدعونها الوصيـلة، إن وصلت إحداهما بـالأخرى. والـحامي: فحل الإبل يضرب العشر من الإبل، فإذا نقص ضرابه يدعونه للطواغيت، وأعفوه من الـحمل، فلـم يحملوا علـيه شيئا، وسموه الـحامي.

وهذه أمور كانت فـي الـجاهلـية فأبطلها الإسلام، فلا نعرف قوما يعملون بها الـيوم. فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما كانت الـجاهلـية تعمل به لا يوصل إلـى علـمه إذ لـم يكن له فـي الإسلام الـيوم أثر، ولا فـي الشرك نعرفه إلا بخبر، وكانت الأخبـار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلاف الذي ذكرنا فـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال:

أما معانـي هذه الأسماء، فما بـينا فـي ابتداء

القول فـي تأويـل هذه الاَيةوأما كيفـية عمل القوم فـي ذلك، فما لا علـم لنا به. وقد وردت الأخبـار بوصف عملهم ذلك علـى ما قد حكينا، وغير ضائر الـجهل بذلك إذا كان الـمراد من علـمه الـمـحتاج إلـيه، موصلاً إلـى حقـيقته، وهو أن القوم كانوا مـحرمين من أنعامهم علـى أنفسهم ما لـم يحرمه اللّه اتبـاعا منهم خطوات الشيطان، فوبخهم اللّه تعالـى بذلك، وأخبرهم أن كلّ ذلك حلال، فـالـحرام من كلّ شيء عندنا، ما حرّم اللّه تعالـى ورسوله صلى اللّه عليه وسلم، بنصّ أو دلـيـل. والـحلال منه: ما أحلّه اللّه ورسوله كذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّه الكَذِبَ وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالذين كفروا فـي هذا الـموضع والـمراد بقوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.

فقال بعضهم: الـمعنـيّ بـالذين كفروا: الـيهود، وبـالذين لا يعقلون: أهل الأوثان. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن دواد بن أبـي هند، عن مـحمد بن أبـي موسى: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّه الكَذِبَ قال: أهل الكتاب. وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ قال: أهل الأوثان.

وقال آخرون: بل هم أهل ملة واحدة، ولكن (الـمفترين) الـمتبوعون، و(الذين لا يعقلون): الأتبـاع. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٩٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا خارجة، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ فـي قوله: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّه الكَذِبَ وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ هم الأتبـاعوأما (الذين افتروا)، يعقلون أنهم افتروا.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب أن يقال: إن الـمعنـيـين بقوله: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّه الكَذِبَ الذين بحروا البحائر، وسيبوا السوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الـحوامي مثل عمرو بن لـحي وأشكاله، مـمن سنوا لأهل الشرك السنن الرديئة وغيروا دين اللّه دين الـحقّ وأضافوا إلـى اللّه تعالـى أنه هو الذي حرّم ما حرّموا وأحلّ ما أحلوا، افتراء علـى اللّه الكذب وهم يعلـمون، واختلاقا علـيه الإفك وهم يعمهون. فكذّبهم اللّه تعالـى فـي قـيـلهم ذلك، وإضافتهم إلـيه ما أضافوا من تـحلـيـل ما أحلوا وتـحريـم ما حرموا، فقال تعالـى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفـار هم الذين يفعلون ذلك ويفترون علـى اللّه الكذب.

وأن يقال: إن الـمعنـيـين بقوله وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ هم أتبـاع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة الـمشركين، فهم لا شكّ أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك فوصفهم اللّه تعالـى بأنهم لا يعقلون، لأنهم لـم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن، وأخبروهم أنها من عند اللّه كذبة فـي إخبـارهم أفكة، بل ظنوا أنهم فـيـما يقولون مـحقون فـي إخبـارهم صادقون. وإنـما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التـحريـم الذي حرّمه هؤلاء الـمشركون وأضافوه إلـى اللّه تعالـى كذب وبـاطل. وهذا القول الذي قلنا فـي ذلك نظير قول الشعبـيّ الذي ذكرناه، ولا معنى لقول من قال: عنـي بـالذي كفروا: أهل الكتاب، وذلك أن النكير فـي ابتداء الاَية من اللّه تعالـى علـى مشركي العرب، فـالـختـم بهم أولـى من غيرهم، إذ لـم يكن عرض فـي الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلـى غيرهم. وبنـحو ذلك كان يقول قتادة.

١٠٠٩٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ

يقول: لا يعقلون تـحريـم الشيطان الذي يحرّم علـيهم، إنـما كان من الشيطان ولا يعقلون.

١٠٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ اللّه ...}.

يقول تعالـىّ ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيبون السوائب الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تـحريـم ذلك إلـى اللّه تعالـى يفترون علـى اللّه الكذب: تعالوا إلـى تنزيـل اللّه وآي كتابه وإلـى رسوله، لبتبـين لكم كذب قـيـلكم فـيـم تضيفونه إلـى اللّه تعالـى من تـحريـمكم ما تـحرّمون من هذه الأشياء، أجابوا من دعاهم إلـى ذلك، بأن يقولوا: حسبنا ما وجدنا علـيه من قبلنا آبـاءنا يعملون به، ويقولون: نـحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة، وقد اكتفـينا بـما أخذنا عنهم ورضينا بـما كانوا علـيه من تـحريـم وتـحلـيـل

قال اللّه تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولو كان آبـاء هؤلاء القائلـين هذه الـمقالة لا يعلـمون شيئا،

يقول: لـم يكونوا يعلـمون أن ما يضيفونه إلـى اللّه تعالـى من تـحريـم البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام كذب وفرية علـى اللّه ، لا حقـيقة لذلك ولا صحة لأنهم كانوا أتبـاع الـمفترين ابتدءوا تـحريـم ذلك افتراء علـى اللّه بقـيـلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلـى اللّه تعالـى ما يضيفون ما كانوا فـيـما هم به عاملون من ذلك علـى استقامة وصواب، بل كانوا علـى ضلالة وخطأ.

١٠٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ فأصلـحوها، واعملوا فـي خلاصها من عقاب اللّه تعالـى، وانظروا لها فـيـما يقرّبها من ربها، فإنه لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ

يقول: لا يضرّكم من كفر وسلك غير سبـيـل الـحقّ إذا أنتـم اهتديتـم وآمنتـم بربكم وأطعتـموه فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه، فحرّمتـم حرامه وحللتـم حلاله. ونصب قوله: أنْفُسَكُمْ بـالإغراء، والعرب تغري من الصفـات ب (علـيك)، و(عندك) و(دونك) و(إلـيك).

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معناه: يا أيها الذين آمنوا علـيكم أنفسكم إذا أمرتـم بـالـمعروف ونهيتـم عن الـمنكر فلـم يُقبل منكم ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٠٠٩٥ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الـحسن: أن هذه الاَية قرئت علـى ابن مسعود: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال ابن مسعود: لـيس هذا بزمانها، قولوها ما قبلت منكم فإذا ردّت علـيكم فعلـيكم أنفسكم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي الأشهب، عن الـحسن، قال: ذكر عن ابن مسعود يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا ثم ذكر نـحوه.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، عن الـحسن، قال: قال رجل لابن مسعود: ألـم يقل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ؟ قال: لـيس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم فإذا ردّت علـيكم فعلـيكم أنفسكم.

١٠٠٩٦ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبـابة بن سوّار، قال: حدثنا الربـيع بن صبـيح، عن سفـيان بن عقال، قال: قـيـل لابن عمر: لو جلستَ فـي هذه الأيام فلـم تأمر ولـم تنه، فإن اللّه تعالـى

يقول: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال ابن عمر: إنها لـيست لـي ولا لأصحابـي، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ألا فلـيبلغ الشاهد الغائب) فكنا نـحن الشهود وأنتـم الغَيَب، ولكن هذه الاَية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لـم يقبل منهم.

١٠٠٩٧ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت أبـي، قال: حدثنا قتادة، عن أبـي مازن قال: انطلقت علـى عهد عثمان إلـى الـمدينة، فإذا قوم من الـمسلـمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الاَية: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ فقال أكثرهم: لـم يجيءْ تأويـل هذه الاَية الـيوم.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، عن قتادة، عن أبـي مازن، بنـحوه.

١٠٠٩٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وأبو عاصم، قالا: حدثنا عوف، عن سوّار بن شبـيب، قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جلـيدٌ فـي العين، شديد اللسان،

فقال: يا أبـا عبد الرحمن نـحن ستة كلهم قد قرءوا القرآن فأسرع فـيه، وكلهم مـجتهد لا يألو، وكلهم بغيض إلـيه أن يأتـي دناءة، وهم فـي ذلك يشهد بعضهم علـى بعض بـالشرك. فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهر بعضهم علـى بعض بـالشرك؟ قال: فقال الرجل: إنـي لست إياك أسأل، أنا أسأل الشيخ. فأعاد علـى عبد اللّه الـحديث، فقال عبد اللّه بن عمر: لعلك ترى لا أبـا لك إنـي سآمرك أن تذهب فتقتلهم؟ عظهم وانههم، فإن عصوك فعلـيك بنفسك، فإن اللّه تعالـى

يقول: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ إلـى اللّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعا فَـيُنَبّئُكمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: إن هذا لـيس بزمانها، إنها الـيوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتـي زمان تأمرون بـالـمعروف فـيصنع بكم كذا وكذا أو قال: فلا يقبل منكم فحينئذ علـيكم أنفسكم، لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتـم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن رجل قال: كنت فـي خلافة عثمان بـالـمدينة فـي حلقة فـيهم أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فإذا فـيهم شيخ يُسْنِدُون إلـيه، فقرأ رجل: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال الشيخ: إنـما تأويـلها آخر الزمان.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: حدثنا أبو مازن رجل من صالـحي الأزد من بنـي الـجدّان، قال: انطلقت فـي حياة عثمان إلـى الـمدينة، فقعدت إلـى حلقة فـيها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقرأ رجل من القوم هذه الاَية لا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: فقال رجل من أسنّ القوم: دع هذه الاَية، فإنـما تأويـلها فـي آخر الزمان.

١٠٠٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ابن فضالة، عن معاوية بن صالـح، عن جبـير بن نفـير، قال: كنت فـي حلقة فـيها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإنـي لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر، فقلت أنا: ألـيس اللّه يقول فـي كتابه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ؟ فأقبلوا علـيّ بلسان واحد، و

قالوا: تنزع بآية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويـلها حتـى تـمنـيت أنـي لـم أكن تكلـمت. ثم أقبلوا يتـحدثون فلـما حضر قـيامهم،

قالوا: إنك غلام حدث السنّ، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان إذا رأيت شحّا مطاعا، وهو متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعلـيك بنفسك لا يضرّك من ضلّ إذا اهتديت

١٠١٠٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا لـيث بن هارون، قال: حدثنا إسحاق الرازي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن عبد اللّه بن مسعود، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ إلـى اللّه مَرْجِعُكُمْ جميعا فَـيُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ قال: كانوا عند عبد اللّه بن مسعود جلوسا، فكان بـين رجلـين ما يكون بـين الناس، حتـى قام كلّ واحد منهما إلـى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد اللّه : ألا أقوم فآمرهما بـالـمعروف وأنهاهما عن الـمنكر؟ فقال آخر إلـى جنبه: علـيك بنفسك، فإن اللّه تعالـى

يقول: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: فسمعها ابن مسعود،

فقال: مَهْ لـم يجىء تأويـل هذه بعدُ، إن القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويـلهنّ قبل أن ينزلن، ومنه ما وقع تأويـلهنّ علـى عهد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، ومنه آي قد وقع تأويـلهنّ بعد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـيسير، ومنه آي يقع تأويـلهنّ بعد الـيوم، ومنه آي يقع تأويـلهنّ عند الساعة علـى ما ذكر من أمر الساعة، ومنه آي يقع تأويـلهنّ يوم الـحساب علـى ما ذكر من أمر الـحساب والـجنة والنار فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولـم تلبسوا شيعا ولـم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستـم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض، فـامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويـل هذه الاَية.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن ابن مسعود: أنه كان بـين رجلـين بعض ما يكون بـين الناس، حتـى قام كلّ واحد منهما إلـى صاحبه، ثم ذكر نـحوه.

١٠١٠١ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام، قال: حدثنا حرمي، قال: سمعت الـحسن

يقول: تأوّل أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال بعض أصحابه: دعوا هذه الاَية فلـيست لكم

١٠١٠٢ـ حدثنـي إسماعيـل بن إسرائيـل اللاَل الرملـي، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا عتبة بن أبـي حكيـم، عن عمرو بن جارية اللـخميّ، عن أبـي أمية الشعبـانـي، قال: سألت أبـا ثعلبة الـخشنـي عن هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ فقال: لقد سألتَ عنها خبـيرا، سألتُ عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (أبـا ثَعْلَبَةَ ائْتَـمِرُوا بـالـمَعْرُوفِ، وَتَناهَوْا عَنِ الـمُنْكَرِ، فإذَا رأيْتَ دُنْـيا مُؤْثَرَةً وشُحّا مُطاعا وإعْجابَ كُلّ ذِي رأي بِرأيِهِ، فَعَلَـيْكَ نَفْسَكَ أرَى مِنْ بَعْدِ كُمْ أيّامَ الصّبرِ، للـمُتَـمَسّكِ يَوْمَئِذٍ بِـمِثْلِ الّذِي أنْتُـمْ عَلَـيْهِ كأجْرِ خَمْسِينَ عامِلاً).

قالوا: يا رسول اللّه ، كأجر خمسين عاملاً منهم؟ قال: (لا، كأجْرِ خَمْسِينَ عامِلاً مِنْكُمْ).

حدثنا علـيّ بن سهل، قال: أخبرنا الولـيد بن مسلـم، عن ابن الـمبـارك وغيره، عن عتبة بن أبـي حكيـم، (عن عمرو بن جارية اللـخمي) عن أبـي أمية الشعبـانـي، قال: سألت أبـا ثعلبة الـخشنـي: كيف نصنع بهذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ؟ فقال أبو ثعلبة: سألتَ عنها خبـيرا، سألتُ عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (ائْتَـمِرُوا بـالـمَعْرُوفِ، وَتَناهَوْا عَنِ الـمُنْكَرِ، حتـى إذَا رأيْتَ شُحّا مُطاعا وَهَوًى مُتّبَعا وإعْجابَ كُلّ ذِي رأي بِرأيِهِ، فَعَلَـيْكَ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِكَ، وَذَرْ عَوَامّهُمْ فإنّ وَرَاءَكُمْ أيّاما أجْرُ العامِلِ فِـيها كأجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ).

وقال آخرون: معنى ذلك: أن العبد إذا عمل بطاعة اللّه لـم يضرّه من ضلّ بعده وهلك. ذكر من قال ذلك:

١٠١٠٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ

يقول: إذا ما العبد أطاعنـي فـيـما أمرته من الـحلال والـحرام، فلا يضرّه من ضلّ بعدُ إذا عمل بـما أمرته به.

١٠١٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ

يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتـي.

١٠١٠٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا لـيث بن هارون، قال: حدثنا إسحاق الرازي، عن أبـي جعفر الرازي، عن صفوان بن الـجون، قال: دخـل علـيه شاب من أصحاب الأهواء، فذكر شيئا من أمره، فقال صفوان: ألا أدلك علـى خاصة اللّه التـي خصّ بها أولـياءه يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ... الاَية.

١٠١٠٦ـ حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير، قال: حدثنا أبو الـمطرف الـمخزوميّ، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، قال: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ ما لـم يكن سيف أو سوط.

١٠١٠٧ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة، قال: تلا الـحسن هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال الـحسن: الـحمد لله بها والـحمد لله علـيها، ما كان مؤمن فـيـما مضى ولا مؤمن فـيـما بقـي إلا وإلـى جانبه منافق يكره عمله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ فـاعملوا بطاعة اللّه لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فأمَرتـم بـالـمعروف ونهيتـم عن الـمنكر. ذكر من قال ذلك:

١٠١٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عنبسة، عن سعد البقال، عن سعيد بن الـمسيب: لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: إذا أمرتَ بـالـمعروف ونهيت عن الـمنكر، لا يضرّك من ضلّ إذا اهتديت.

١٠١٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي العميس، عن أبـي البختري، عن حذيفة: عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: إذا أمرتـم ونهيتـم.

١٠١١٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن قـيس بن أبـي حازم، قال: قال أبو بكر: تقرءون هذه الاَية: لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ وإن الناس إذا رأوا الظالـم قال ابن وكيع: فلـم يأخذوا علـى يديه، أوشكَ أن يعمّهم اللّه بعقابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير وابن فضيـل، عن بـيان، عن قـيس، قال: قال أبو بكر: إنكم تقرءون هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ وإن القوم إذا رأوا الظالـم فلـم يأخذوا علـى يديه، يعمهم اللّه بعقابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن إسماعيـل، عن قـيس، عن أبـي بكر، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه.

١٠١١١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ

يقول: مروا بـالـمعروف وانهوا عن الـمنكر

قال أبو بكر بن أبـي قحافة: يا أيها الناس لا تغترّوا بقول اللّه : عَلـيكُمْ أنْفُسَكُمْ فـيقول أحدكم علـيّ نفسي. واللّه لتأمرنّ بـالـمعروف وتنهونّ عن الـمنكر أو لتستعملنّ علـيكم شراركم فلـيسومنكم سوء العذاب، ثم لـيدعون اللّه خياركم فلا يستـجيب لهم.

حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا ابن فضيـل، قال: حدثنا بـيان، عن قـيس بن أبـي حازم، قال: قال أبو بكر وهو علـى الـمنبر: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الاَية علـى غير موضعها: لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ وإن الناس إذا رأوا الظالـم فلـم يأخذوا علـى يديه، عمهم اللّه بعقابه.

١٠١١٢ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: ثنـي عيسى بن الـمسيب البجلـي، حدثنا قـيس بن أبـي حازم، قال: سمعت أبـا بكر الصدّيق رضي اللّه عنه يقرأ هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (إذَا رأى النّاسُ الـمُنْكَرَ فَلَـمْ يُغَيّرُوهُ والظّالِـمَ فَلَـمْ يَأْخُذُوا علـى يَدَيْهِ، فَـيُوشِكُ أنْ يَعُمّهُمُ اللّه مِنْهُ بِعِقابٍ).

حدثنا الربـيع، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن سالـم، قال: حدثنا منصور بن دينار، عن عبد الـملك بن ميسرة، عن قـيس بن أبـي حازم، قال: صعد أبو بكر الـمنبر، منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحمد اللّه وأثنى علـيه، ثم قال: يا أيها الناس إنكم لتتلون آية من كتاب اللّه ، وتعدّونها رخصة واللّه ما أنزل اللّه فـي كتابه أشدّ منها: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ واللّه لتأمرنّ بـالـمعروف، ولتنهونّ عن الـمنكر، أو لـيعمنكم اللّه منه بعقاب.

حدثنا مـحمد بن سيّار، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا سعيد بن زيد، قال: حدثنا مـجالد بن سعيد، عن قـيس بن أبـي حازم، قال: سمعت أبـا بكر يقول وهوي خطب الناس: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الاَية، ولا تدرون ما هي: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ وإنـي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (إنّ النّاسَ إذَا رَأوْا مُنْكَرا فَلَـمْ يُغَيّرُوهُ عَمّهُمُ اللّه بِعِقابٍ).

وقال آخرون: بل معنى هذه الاَية: لا يضرّكم من حاد عن قصد السبـيـل وكفر بـاللّه من أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:

١٠١١٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: يعنـي: من ضلّ من أهل الكتاب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: لا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: أنزلت فـي أهل الكتاب.

وقال آخرون: عنـي بذلك كلّ من ضلّ عن دين اللّه الـحقّ. ذكر من قال ذلك:

١٠١١٤ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ قال: كان الرجل إذا أسلـم، قالوا له: سفّهت آبـاءك وضللّتهم، وفعلت وفعلت، وجعلت آبـاءك كذا وكذا، كان ينبغي لك أن تنصرهم وتفعل فقال اللّه تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ.

وأولـى هذه الأقوال، وأصحّ التأويلات عندنا بتأويـل هذه الاَية ما رُوي عن أبـي بكر الصدّيق فـيها، وهو: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ: الزموا العمل بطاعة اللّه ، وبـما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم اللّه عنه. لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ

يقول: فإنه لا يضرّكم ضلال من ضلّ إذا أنتـم رمتـم العمل بطاعة اللّه ، وأدّيتـم فـيـمن ضلّ من الناس ما ألزمكم اللّه به فـيه من فرض الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر، الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ علـى يديه إذا رام ظلـما لـمسلـم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير علـيكم فـي تـماديه فـي غيه وضلاله إذا أنتـم اهتديتـم وأدّيتـم حقّ اللّه تعالـى فـيه.

وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات فـي ذلك بـالصواب، لأن اللّه تعالـى أمر الـمؤمنـين أن يقوموا بـالقسط ويتعاونوا علـى البرّ والتقوى ومن القـيام بـالقسط: الأخذ علـى يد الظالـم ومن التعاون علـى البرّ والتقوى: الأمر بـالـمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أمره بـالأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر ولو كان للناس تَرْك ذلك، لـم يكن للأمر به معنى إلا فـي الـحال التـي رخص فـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ترك ذلك، وهي حال العجز عن القـيام به بـالـجوارح الظاهرة فـيكون مرخصا له تركه إذا قام حينئذ بأداء فرض اللّه علـيه فـي ذلك بقلبه. وإذا كان ما وصفنا من التأويـل بـالاَية أولـى، فبـيّن أنه قد دخـل فـي معنى قوله: إذا اهْتَدَيْتُـمْ ما قاله حذيفة وسعيد بن الـمسيب، من أن ذلك: أذا أمرتـم بـالـمعروف ونهيتـم عن الـمنكر، ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الـخشنـي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إلـى اللّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعا فَـيُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين من عبـاده: اعملوا أيها الـمؤمنون بـما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، ومروا أهل الزيغ والضلال وما حاد عن سبـيـلـي بـالـمعروف، وانهوهم عن الـمنكر فإن قبلوا فلهم ولكم، وإن تـمادوا فـي غيهم وضلالهم فإن إلـيّ مرجع جميعكم ومصيركم فـي الاَخرة ومصيرهم، وأنا العالـم بـما يعمل جميعكم من خير وشرّ، فأُخبر هناك كلّ فريق منكم بـما كان يعمله فـي الدنـيا ثم أجازيه علـى عمله الذي قدم به علـيّ جزاءه حسب استـحقاقه، فإنه لا يخفـى علـيّ عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.

١٠٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَـيْنِكُمْ

يقول: لـيشهد بـينكم إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ

يقول: وقت الوصية، اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ

يقول: ذوا رشد وعقل وحِجا من الـمسلـمين. كما:

١٠١١٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، وعبـيد اللّه بن يوسف الـجبـيري، قالا: حدثنا مؤمل بن إسماعيـل، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، فـي قوله: وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: ذوا عقل.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ

فقال بعضهم: عنـي به: من أهل ملتكم. ذكر من قال ذلك:

١٠١١٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: شاهدان ذوا عدل منكم من الـمسلـمين.

١٠١١٧ـ حدثنا عمروان بن موسى القزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر، فـي قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ من الـمسلـمين.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، فـي قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: اثنان من أهل دينكم.

١٠١١٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، قال: سألته، عن قول اللّه تعالـى: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: من الـملة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، بـمثله، إلا أنه قال فـيه: من أهل الـملة.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبـيدة عن هذه الاَية: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: من أهل الـملة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبـيدة، فذكر مثله.

١٠١١٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهدي، عن حماد، عن ابن أبـي نـجيح، وقال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٠١٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: ذوا عدل من أهل الإسلام.

١٠١٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: من الـمسلـمين.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان سعيد بن الـمسيب

يقول: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ: أي من أهل الإسلام.

وقال آخرون: عنـي بذلك: ذوا عدل من حيّ الـموصي، وذلك قول رُوِي عن عكرمة وعبـيدة وعدّة غيرهما.

واختلفوا فـي صفة الاثنـين اللذين ذكرهما اللّه فـي هذه الاَية ما هي، وما هما؟

فقال بعضهم: هما شاهدان يشهدان علـى وصية الـموصي.

وقال آخرون: هما وصيان.

وتأويـل الذين زعموا أنهما شاهدان، قوله: شَهادَةُ بَـيْنِكُمْ لـيشهد شاهدان ذوا عدل منكم علـى وصيتكم. وتأويـل الذين

قالوا: هما وصيان لا شاهدان، قوله: شَهادَةُ بَـيْنِكُمْ بـمعنى الـحضور والشهود لـما يوصيهما به الـمريض، من قولك: شهدت وصية فلان، بـمعنى حضرته.

وأولـى التأويـلـين بقوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ تأويـل من تأوّله بـمعنى: أنهما من أهل الـملة دون من تأوّله أنهما من حيّ الـموصي.

وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالاَية، لأن اللّه تعالـى عم الـمؤمنـين بخطابهم بذلك فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَـيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فغير جائز أن يُصرف ما عمه اللّه تعالـى إلـى الـخصوص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها. وإذ كان ذلك كذلك، فـالواجب أن يكون العائد من ذكرهم علـى العموم، كما كان ذكرهم ابتداء علـى العموم.

وأَوْلَـى الـمعنـيـين بقوله: شَهادَةُ بَـيْنِكُمْ الـيـمين، لا الشهادة التـي يقوم بها من عنده شهادة لغيره لـمن هي عنده علـى من هي علـيه عند الـحكام لأنّا لا نعلـم لله تعالـى حكما يجب فـيه علـى الشاهد الـيـمين، فـيكون جائزا صرف الشهادة فـي هذا الـموضع إلـى الشهادة التـي يقوم بها بعض الناس عند الـحكام والأئمة. وفـي حكم الاَية فـي هذه الـيـمين علـى ذوي العدل، وعلـى من قام مقامهم فـي الـيـمين بقوله: تَـحْبِسُوَنهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ فَـيُقْسمِانِ بـاللّه أوضح الدلـيـل علـى صحة ما قلنا فـي ذلك من أن الشهادة فـيه الأيـمان دون الشهادة التـي يقضي بها للـمشهود له علـى الـمشهود علـيه، وفساد ما خالفه.

فإن قال قائل: فهل وجدت في حكم اللّه تعالى يمينا تجب على المدّعي فتوجه قولك في الشهادة في هذا الموضع إلى الصحة؟ فإن قلت: لا، تبين فساد تأويلك ذلك على ما تأوّلت، لأنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله: فإنْ عُثرَا على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ باللّه لشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما هما المدعيين. وإن قلت بلى، قيل لك: وفي أيّ حكم اللّه تعالى وجدت ذلك؟ قيل: وجدنا ذلك في أكثر المعاني، وذلك في حكم الرجل يدّعي قِبَل رجل مالاً، فيقرّ به المدّعي عليه قبله ذلك ويدعي قضاءه، فيكون القول قول ربّ الدين، والرجل يعترف في يد الرجل السلعة، فيزعم المعترَفة في يده أنه اشتراها من المدّعي أو أن المدّعي وهبها له، وما أشبه ذلك مما يكثر إحصاؤه. وعلى هذا الوجه أوجب اللّه تعالى في هذا الموضع اليمين على المدّعيين اللذين عثرا على الجانيين فيما جنيا فيه.

واختلف أهل العربية في الرافع قوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ،

وقوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ. فقال بعض نحويي البصرة: معنى قوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ شهادة اثنين ذوي عدل، ثم ألقيت الشهادة وأقيم الاثنان مقامها، فارتفعا بما كانت الشهادة به مرتفعة لو جعلت في الكلام

قال: وذلك في حذف ما حذف منه وإقامة ما أقيم مقام المحذوف، نظير قوله: وَاسأَلِ القَرْيَةَ وإنما يريد: واسأل أهل القرية، وانتصبت القرية بانتصاب الأهل وقامت مقامه، ثم عطف قوله: (أو آخران) على (الاثنين).

وقال بعض نحويي الكوفة: رفع الاثنين بالشهادة: أي ليشهدكم اثنان من المسلمين، أو آخران من غيركم. وقال آخر منهم: رفعت الشهادة ب (إذا حضر). وقال: إنما رفعت بذلك لأنه قال: (إذا حضر)، فجعلها شهادة محذوفة مستأنفة، ليست بالشهادة التي قد رفعت لكلّ الخلق، لأنه قال تعالى ذكره: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ، وهذه شهادة لا تقع إلا في هذا الحال، وليست مما ثبت.

وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: الشهادة مرفوعة بقوله: إذَا حَضَرَ لأن قوله: إذا حَضَرَ بمعنى: عند حضور أحدكم الموت، والاثنان مرفوع بالمعنى المتوهم، وهو أن يشهد اثنان، فاكتفي من قيل أن يشهد بما قد جري من ذكر الشهادة في قوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن الشهادة مصدر في هذا الموضع، والاثنان اسم، والاسم لا يكون مصدرا، غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال. فالأمر وإن كان كذلك، فصرف كل ذلك إلى أصحّ وجوهه ما وجدنا إليه سبيلاً أولى بنا من صرفه إلى أضعفها.

القول في تأويل قوله تعالى: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ.

يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ليشهد بينكم إذا حضر أحدكم الموت عدلان من المسلمين، أو آخران من غير المسلمين.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ

فقال بعضهم: معناه: أو آخران من غير أهل ملتكم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:

١٠١٢٢ـ حدثنا حميد بن مسعدة، وبشر بن معاذ، قالا: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من أهل الكتاب.

حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث، عن سعيد بن المسيب: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ: من أهل الكتاب.

حدثني أبو حفص الجبيري عبيد اللّه بن يوسف، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، مثله.

١٠١٢٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسليمان التيّمي، عن سعيد بن المسيب، أنهما قالا في قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قالا: من غير أهل ملتكم.

١٠١٢٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، قال: ثني من سمع سعيد بن جبير، يقول، مثل ذلك.

١٠١٢٥ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز، قال: من غير أهل ملتكم.

١٠١٢٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.

١٠١٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إن كان قربه أحد من المسلمين أشهدهم، وإلا أشهد رجلين من المشركين.

١٠١٢٨ـ حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، وسعيد بن جبير، في قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قالا: من غير أهل ملتكم.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من أهل الكتاب.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا محمد بن سواء، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله.

١٠١٢٩ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر، في قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ من المسلمين، فإن لم تجدوا من المسلمين، فمن غير المسلمين.

١٠١٣٠ـ حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن شريح، في هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، فأشهد يهوديّا أو نصرانيا أو مجوسيا، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهما، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الاَخَرَيْن.

١٠١٣١ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح: أنه كان لا يجيز شهادة اليهود والنصارى على مسلم إلا في الوصية، ولا يجيز شهادتهما على الوصية إلا إذا كانوا في سفر.

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح، قال: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في وصية.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح، نحوه.

١٠١٣٢ـ حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن الزبير الأسدي، قال: حدثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم، قال: كتب هشام بن هبيرة لمسلمة عن شهادة المشركين على المسلمين، فكتب: لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية، ولا يجوز في وصية إلا أن يكون الرجل مسافرا.

١٠١٣٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أشهب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: سألته عن قول اللّه تعالى: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير الملة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بمثله.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة، عن ذلك فقال: من غير أهل الملة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من غير أهل الصلاة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من غير أهل دينكم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من غير أهل الملة.

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا أبو حرّة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير أهل ملتكم.

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: حدثنا هشام بن محمد، قال: سألت سعيد بن جبير عن قول اللّه : أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير أهل ملتكم.

١٠١٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: من غير أهل ملتكم.

١٠١٣٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير أهل الإسلام.

١٠١٣٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: قال أبو إسحاق: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من اليهود والنصارى

قال: قال شريح: لا تجوز شهادة اليهوديّ والنصرانيّ إلا في وصية، ولا تجوز في وصية إلا في سفر.

١٠١٣٧ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبي: أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدَقُوقَا، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأحلفهما، وأمضى شهادتهما.

١٠١٣٨ـ حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبيّ: أن أبا موسى قضى بها بَدقُوقا.

١٠١٣٩ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم، قال: حدثنا عوف، عن محمد، أنه كان يقول في قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ شاهدان من المسلمين وغير المسلمين.

١٠١٤٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ: من غير أهل الإسلام.

حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو حفص، عن ليث، عن مجاهد، قال: من غير أهل الإسلام.

١٠١٤١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد اللّه بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في هذه الاَية: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... الاَية كلها

قال: كان ذلك في رجل تُوُفّيَ وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أوّل الإسلام والأرض حرب والناس كفار، إلا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بالمدينة، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نُسخت الوصية وفُرضت الفرائض، وعمل المسلمون بها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو آخران من غير حَيّكم وعشيرتكم. ذكر من قال ذلك:

١٠١٤٢ـ حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجَهْم، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: شاهدان من قومكم ومن غير قومكم.

١٠١٤٣ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهريّ، قال: مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن

يقول: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي من عشيرته أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير عشيرته.

١٠١٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير أهل حيكم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهديّ، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير حيكم.

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا ثابت بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عكرمة في قول اللّه تعالى: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير أهل حيه يعني من المسلمين.

حدثني الحرث بن محمد، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك، عن الحسن: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: من غير عشيرتك، ومن غير قومك كلهم من المسلمين.

١٠١٤٥ـ حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: مسلمين من غير حيكم.

١٠١٤٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، قال: سألت ابن شهاب عن قول اللّه تعالى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ... إلى قوله: وَاللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ قلت: أرأيت الاثنين اللذين ذكر اللّه من غير أهل المرء الموصي أهما من المسلمين أم هما من أهل الكتاب؟ وأرأيت الاَخرين اللذين يقومان مقامهما، أتراهما من غير أهل المرء الموصي؟ أم هما من غير المسلمين؟ قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه الاَية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا عن أئمة العامة سنة أذكرها، وقد كنا نتذاكرها أناسا من علمائنا أحيانا، فلا يذكرون فيها سنة معلومة ولا قضاء من إمام عادل، ولكنه يختلف فيها رأيهم. وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون: هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضروا من وصية، فإن سلموا جازت وصيته وإن ارتابوا أن يكونوا بدّلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء حلف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة وهي صلاة المسلمين، فيقسمان بالله: إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة اللّه ، إنا إذا لمن الاَثمين فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثما في شيء من ذلك، فإن عثر قام آخران مقامهما من أهل الميراث من الخصم الذين ينكرون ما شهد به عليه الأوّلان المستحلفان أوّل مرّة، فيقسمان بالله: لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به وما اعتدينا، إنا إذن لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم... الاَية.

وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالصواب تأويل من تأوّله: أو آخران من غير أهل الإسلام وذلك أن اللّه تعالى عرّف عباده المؤمنين عند الوصية شهادة اثنين من عدول المؤمنين أو اثنين من غير المؤمنين، ولا وجه لأن يقال في الكلام صفة شهادة مؤمنين منكم أو رجلين من غير عشيرتكم، وإنما يقال: صفة شهادة رجلين من عشيرتكم أو من غير عشيرتكم، أو رجلين من المؤمنين أو من غير المؤمنين. فإذ كان لا وجه لذلك في الكلام، فغير جائز صرف مغلق كلام اللّه تعالى إلا إلى أحسن وجوهه. وقد دللنا قبل على أن قوله تعالى: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إنما هو من أهل دينكم وملتكم بما فيه كفاية لمن وفق لفهمه. وإذا صحّ ذلك بما دللنا عليه، فمعلوم أن معنى قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ إنما هو: أو آخران من غير أهل دينكم وملتكم. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان الاَخران اللذان من غير أهل ديننا يهوديين كانا أو نصرانيين أو مجوسيين أو عابدي وثن أو على أيّ دين كانا، لأن اللّه تعالى لم يخصص آخرين من أهل ملة بعينها دون ملة بعد ألاّ يكونا من (غير) أهل الإسلام.

القول في تأويل قوله تعالى: إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ.

يقول تعالى ذكره للمؤمنين: صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت وقت الوصية، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم أيها المؤمنون أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين في الأرض. وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر الضارب في الأرض. فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ

يقول: فنزل بكم الموت. ووجه أكثر التأويل هذا الموضع إلى معنى التعقيب دون التخيير و

قالوا: معناه: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم، إن وجدا، فإن لم يوجدا فآخران من غيركم، وإنما فعل ذلك من فعله، لأنه وجه معنى الشهادة في قوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إلى معنى الشهادة التي توجب للقوم قيام صاحبها عند الحاكم، أو يبطلها. ذكر بعض من تأوّل ذلك كذلك:

١٠١٤٧ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر، في قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ من المسلمين، فإن لم تجدوا من المسلمين فمن غير المسلمين.

١٠١٤٨ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: اثنان من أهل دينكم، أو آخران من غيركم من أهل الكتاب إذا كان ببلاد لا يجد غيرهم.

١٠١٤٩ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن شريح في هذه الاَية: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... إلى قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، فأشهد يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا، فشهادتهم جائزة.

١٠١٥٠ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: هذا في الحضر، أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ في السفر، إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتَمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ هذا في الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما.

١٠١٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، وسعيد بن جبير، أنهما قالا في هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... الاَية، قال: إذا حضر الرجلَ الوفاة في سفر، فيشهد رجلين من المسلمين، فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب.

١٠١٥٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ...إلى قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره اللّه أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين.

ثم قال: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره اللّه تعالى بشهادة رجلين من غير المسلمين.

ووَجّه ذلك آخرون إلى معنى التخيير، و

قالوا: إنما عني بالشهادة في هذا الموضع الأيمان على الوصية التي أوصى إليهما وائتمان الميت إياهما على ما ائتمنهما عليه من مال ليؤدّياه إلى ورثته بعد وفاته إن ارتيب بهما.

قالوا: وقد يأمن الرجل على ماله من رآه موضعا للأمانة، من مؤمن وكافر، في السفر والحضر. وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول فيما مضى، وسنذكر بقيته إن شاء اللّه تعالى بعد.

القول في تأويل قوله تعالى: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ فَيُقْسِمانِ باللّه إنِ ارْتَبْتُمْ لانَشْتَرِي بِهِ ثَمَنا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى.

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت، إن شهد اثنان ذوا عدل منكم، أو كان أوصى إليهما، أو آخران من غيركم، إن كنتم في سفر فحضرتكم المنية فأوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال وتركة لورثتكم، فإذا أنتم أوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال فأصابتكم مصيبة الموت، فأدّيا إلى ورثتكم ما ائتمنتموها وادّعوا عليهما خيانة خاناها مما ائتمنا عليه، فإن الحكم فيهما حينئذ أن تحبسوهما،

يقول: تستوقفونهما بعد الصلاة. وفي الكلام محذوف اجتزىء بدلالة ما ظهر منه على ما حذف، وهو: فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم وصيتكم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال، فإنكم تحبسونهما من بعد الصلاة. فَيُقْسِمَانِ باللّه إنِ ارْتَبْتُمْ

يقول: يحلفان باللّه إن اتهمتموهما بخيانة فيما ائتمنا عليه من تغيير وصية أوصى إليهما بها، أو تبديلها. والارتياب: هو الاتهام. لانَشْتَري به ثَمَنا

يقول: يحلفان باللّه لانشتري بأيماننا باللّه ثمنا،

يقول: لا نحلف كاذبين على عوض نأخذه عليه وعلى مال نذهب به أو لحقّ نجحده لهؤلاء القوم الذين أوصى إلينا وإليهم وصيتهم. والهاء في قوله (بِهِ) من ذكر اللّه ، والمعني به الحلف والقَسَم ولكنه لما كان قد جرى قبل ذلك ذكر القسم به، فيعرف من معنى الكلام، واكتفي به من إعادة ذكر القسم والحلف. وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى

يقول: يقسمان باللّه لا نطلب بإقسامنا باللّه عوضا فنكذب فيها لأحد، ولو كان الذي نقسم به له ذا قرابة منا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك رُوِي الخبر عن ابن عباس. ذكر من قال ذلك:

١٠١٥٣ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره اللّه بشهادة رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلاً.

 

وقوله: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ من صلاة الاَخرين. ومعنى الكلام: أو آخران من غيركم تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم بهما، فيقسمان باللّه لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربَى.

واختلفوا في الصلاة التي ذكرها اللّه تعالى في هذه الاَية فقال: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ

فقال بعضهم: هي صلاة العصر. ذكر من قال ذلك:

١٠١٥٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبي: أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا، فلم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب

قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعريّ فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

قال: فأحلفهما بعد العصر باالله: ما خانا ولا كذبا ولا بدّلا ولا كتما ولا غيّرا، وإنها لوصية الرجل وتركته

قال: فأمضى شهادتهما.

١٠١٥٥ـ حدثنا ابن بشار وعمرو بن عليّ، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر.

١٠١٥٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله.

١٠١٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنكُمْ... إلى: فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ فهذا رجل مات بغربة من الأرض وترك تركته وأوصى بوصيته وشهد على وصيته رجلان، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر. وكان يقال عندها تصير الأيمان.

١٠١٥٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير، أنهما قالا في هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ قالا: إذا حضر الرجل الوفاة في سفر، فليشهد رجلين من المسلمين، فإن لم يجد فرجلين من أهل الكتاب، فإذا قدما بتركته، فإن صدّقهما الورثة قبل قولهما، وإن اتهموهما أحلفا بعد صلاة العصر: باللّه ما كذبنا، ولا كتمنا، ولا خُنّا، ولا غَيّرنا.

حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا يحيى بن القطان، قال: حدثنا زكريا، قال: حدثنا عامر: أن رجلاً توفي بدقوقا، فلم يجد من يشهده على وصيته إلاّ رجلين نصرانيين من أهلها، فأحلفهما أبو موسى دبر صلاة العصر في مسجد الكوفة: باللّه ما كتما ولا غَيّرا، وإن هذه الوصية. فأجازها.

وقال آخرون: بل يستحلفان بعد صلاة أهل دينهما وملتهما. ذكر من قال ذلك:

١٠١٥٩ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... إلى قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ قال: هذا في الوصية عند الموت يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وعليه، قال: هذا في الحضر: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ في السفر إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ هذا الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه، فيقبلان به، فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مال صاحبهم تركوا الرجلين، وإن ارتابوا رفعوهما إلى السلطان، فذلك قوله: تَحْبِسُونَهُما منْ بَعْدِ الصّلاةِ... إن ارْتَبْتُمْ

قال عبد اللّه بن عباس: كأني أنظر إلى العِلْجين حين انتهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، ففتح الصحيفة فأنكر أهل الميت وخوّنوهما، فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت له: إنهما لا يباليان صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، ويحلفان باللّه لا نشتري ثمنا قليلاً ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة اللّه ، إنا إذن لمن الاَثمين، أن صاحبهم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما، ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما فإذا قال لهما ذلك، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.

وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا، قول من قال: تحبسونهما من بعد صلاة العصر لأن اللّه تعالى عرّف الصلاة في هذا الموضع بإدخال الألف واللام فيها، ولا تدخلهما العرب إلاّ في معروف، إما في جنس، أو في واحد معهود معروف عند المتخاطبين. فإذا كان كذلك، وكانت الصلاة في هذا الموضع مجمعا على أنه لم يعن بها جميع الصلوات، لم يجز أن يكون مرادا بها صلاة المستحلف من اليهود والنصارى، لأن لهم صلوات ليست واحدة، فيكون معلوما أنها المعنية بذلك. فإذ كان ذلك كذلك، صحّ أنها صلاة بعينها من صلوات المسلمين. وإذ كان ذلك كذلك، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم صحيحا عنه أنه إذ لاعن بين العجلانيين لاعن بينهما بعد العصر دون غيرها من الصلوات، كان معلوما أن التي عنيت بقوله: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ هي الصلاة التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخيرها لاستحلاف من أراد تغليظ اليمين عليه. هذا مع ما عند أهل الكفر باللّه من تعظيم ذلك الوقت، وذلك لقربه من غروب الشمس. وكان ابن زيد يقول في قوله: لا نَشْتَري به ثَمَنا ما:

١٠١٦٠ـ حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنا قال: نأخذ به رشوة.

القول في تأويل قوله تعالى: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّه إنّا إذًا لَمِنَ الاَثِمِينَ.

اختلفت القراءة في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّه بإضافة الشهادة إلى اللّه ، وخفض اسم اللّه تعالى يعني: لا نكتم شهادة اللّه عندنا. وذكر عن الشعبيّ أنه كان يقرؤه كالذي:

١٠١٦١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن عامر، أنه كان يقرأ: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةً اللّه ، إنّا إذًا لَمِنَ الاَثِمِينَ بقطع الألف وخفض اسم اللّه . هكذا حدثنا به ابن وكيع.

وكأن الشعبيّ وجه معنى الكلام إلى أنهما يقسمان باللّه لا نشتري به ثمنا ولا نكتم شهادة عندنا، ثم ابتدأ يمينا باستفهام باللّه أنهما إن اشتريا بأيمانهما ثمنا أو كتما شهادته عندهما لمن الاَثمين.وقد رُوِي عن الشعبيّ في قراءة ذلك رواية تخالف هذه الرواية، وذلك ما:

١٠١٦٢ـ حدثني أحمد بن يوسف الثعلبي، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا عباد بن عباد، عن ابن عون، عن الشعبيّ، أنه قرأ: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةً اللّه إنّا إذا لَمِنَ الاَثِمِينَ

قال أحمد، قال أبو عبيد: تنوّن شهادة، ويخفض (اللّه ) على الاتصال

قال: وقد رواها بعضهم بقطع الألف على الاستفهام.

وحفظي أنا لقراءة الشعبيّ بترك الاستفهام. وقرأها بعضهم: (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةً اللّه ) بتنوين الشهادة ونصب اسم (اللّه )، بمعنى: ولا نكتم اللّه شهادة عندنا.

وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّه بإضافة الشهادة إلى اسم (اللّه ) وخفض اسم (اللّه )، لأنها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار التي لا يتناكر صحتها الأمة. وكان ابن زيد يقول في معنى ذلك: ولا نكتم شهادة اللّه وإن كان صاحبها بعيدا.

١٠١٦٣ـ حدثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن زيد عنه.

١٠٧

القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَىَ أَنّهُمَا اسْتَحَقّآ إِثْماً ... }.

يعني تعالى ذكره بقوله: فإنْ عُثِرَ: فإن اطلع منهما، أو ظهر. وأصل العثر: الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: عثرت إصبع فلان بكذا: إذا صدمته وأصابته، ووقعت عليه ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس:

بِذَانِ لَوْثٍ عَفَرْناةً إذَا عَثَرَتْفالتّعْسُ أدْنى لهَا مِنْ أنْ أقولَ لَعا

يعني بقوله: (عثرت): أصاب ميسم خفها حجر أو غيره، ثم يستعمل ذلك في كلّ واقع على شيء كان عنه خفيا، كقولهم: (عَثَرَتْ على الغزل بأَخَرَة، فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةً)، بمعنى: وقعت.

وأما قوله: على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر اللّه أمرهما في هذه الاَية بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمنا، ولو كان ذا قُربى، ولا نكتم شهادة اللّه على أنهما استحقا إثما،

يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثما، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما باللّه ما خنّا، ولا بدّلنا، ولا غَيّرنا، فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئا، أو غَيّرا وصيته، أو بدّلا، فأثما بذلك من حلفهما بربهما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما

يقول: يقوم حينئذٍ مقامهما من ورثة الميت الأوليان الموصى إليهما.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

١٠١٦٤ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر، فإذا اطلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئا، حَلَف أولياء الميت إنه كان كذا وكذا، ثم استحقّوا.

١٠١٦٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله.

١٠١٦٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من غير المسلمين تحبسونهما من بعد الصلاة، فإن ارتِيبَ في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلاً فإن اطلع الأولياء على أن الكافِرَين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نَعْتَدِ فذلك قوله: فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما

يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا، فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما

يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنّا لم نعتد. فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء.

١٠١٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما أي اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما.

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حكم اللّه تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الاَخرين بعد أن عُثِر عليهما أنهما استحقا إثما.

فقال بعضهم: إنما ألزمهما اليمين إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى لغير الذي يجوز في حكم الإسلام، وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله، أو أوصى أن يفضّل بعض ولده ببعض ماله. ذكر من قال ذلك:

١٠١٦٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ... إلى قوله: ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ من أهل الإسلام، أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من غير أهل الإسلام، إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ... إلى: فَيُقْسِمانِ باللّه

يقول: فيحلفان باللّه بعد الصلاة، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل اللّه تعالى من الفريضة، يعني اللّذَينِ ليسا من أهل الإسلام، فآخران يقومان مقامهما من أولياء الميت، فيحلفان بالله: ما كان صاحبنا ليوصِيَ بهذا، أو: إنهما لكاذبان، ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما.

١٠١٦٩ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، يحلفان بالله: لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قُربى ولا نكتم شهادة اللّه ، إنّا إذن لمن الاَثمين إن صاحبكم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته فإذا شهدا، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا، قال لأولياء الرجل: اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة أو أحدا يطعن عليهما رددنا شهادتهما فينطلق الأولياء فيسألون، فإن وجدوا أحدا يطعنُ عليهما أو هما غير مرضيين عندهم، أو اطّلع على أنهما خانا شيئا من المال وجدوه عندهما، فأقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام وحلفوا بالله: لشهادتنا إنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليهما أحقّ من شهادتهما بما شهدا، وما اعتدينا. فذلك قوله: فإنْ عُثرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ.

وقال آخرون: بل إنما ألزم الشاهدان اليمين، لأنهما ادّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال. وإنما ينقل إلى الاَخرين من أجل ذلك إذا ارتابوا بدعواهما. ذكر من قال ذلك:

١٠١٧٠ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعد، قال: حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصّلاةِ فَيُقْسِمانِ باللّه قال: زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا، فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما أي بدعواهما لأنفسهما، فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ أنّ صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان.

والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الشاهدين ألزما اليمين في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله، ودعواهم قبلها خيانة مال معلوم المبلغ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما، فيحلف الوارث حينئذٍ مع شهادة الشاهد عليهما أو على أحدهما إنما صحح دعواه إذا حقق حقه، أو الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادّعى عليهما الوارث أو بجميعه، ثم دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلاّ ببينة، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بينة، فينقل حينئذٍ اليمين إلى أولياء الميت.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكما يجب فيه اليمين على الشهود ارتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرا لذلك. ولم نجد ذلك كذلك صحّ بخبر عن الررسول صلى اللّه عليه وسلم ولا بإجماع من الأمة، لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم اللّه تعالى، فيكون أصلاً مسلما. والمقول إذا خرح من أن يكون أصلاً أو نظيرا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة، كان واضحا فساده. وإذا فسد هذا القول بما ذكرناه، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله أفسد من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم اللّه تعالى أن مدّعيا لو ادّعى في مال ميت وصية أن القول قول ورثة المدّعي في ماله الوصية مع أيمانهم، دون قول مدّعي ذلك مع يمينه، وذلك إذا لم يكن للمدّعي بينة. وقد جعل اللّه تعالى اليمين في هذه الاَية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نقل الإيمان عنهم إلى أولياء الميت، إذا عُثِر على أن الشهود استحقوا إثما في أيمانهم فمعلوم بذلك فساد قول من قال: ألزم اليمين الشهود لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت في ماله، على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى به حين نزلت هذه الاَية بين الذين نزلت فيهم وبسببهم. ذكر من قال ذلك:

١٠١٧١ـ حدثني ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الدارّي وعديّ بن بداء، فمات السهميّ بأرض ليس فيها مسلم، فلما قدما بتركته، فقدوا جاما من فضة مخوّصا بالذهب، فأحلفهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم وُجد الجام بمكة،

فقالوا: اشتريناه من تميم الداريّ وعديّ بن بداء. فقام رجلان من أولياء السهميّ فحلفا: لشهادتنا أحقّ من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم

قال: وفيهم أنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ.

١٠١٧٢ـ حدثنا الحسن بن أبي شعيب الحراني، قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن زاذان مولى أمّ هانىء ابنة أبي طالب، عن ابن عباس، عن تمم الدرايّ في هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدَكُمُ المَوْتُ قال: برىء الناس منها غيري وغير عديّ بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم، يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام فضة يريد بن الملك، وهو عظم تجارته، فمرض، فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله

قال تميم: فلما مات، أخذنا ذلك الجام، فبعناه بألف درهم فقسمناه أنا وعديّ بن بداء، (فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه) فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره

قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأدّيت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... إلى قوله: أنْ تُرّدّ أيمَانٌ بَعْدَ أيمانِهِمْ فقام عمرو بن العاص، ورحل آخر منهم، فحلفا، فنزعت الخمسمائة من عديّ بن بداء.

١٠١٧٣ـ حدثنا القاسم: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره

قال: وثنا الحجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، دخل حديث بعضهم في بعض: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... الاَية، قال: كان عديّ وتميم الداريّ وهما من لخم نصرانيان يتجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حوّلا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشام تاجرا. فخرجوا جميعا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيته بيده ثم دسّها في متاعه، ثم أوصى إليهما. فلما مات، فتحا متاعه، فأخذا ما أرادا. ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئا فسألوهما عنه،

فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا قال لهما أهله: فباع شيئا أو ابتاعه؟ قالا: لا.

قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئا؟ قالا: لا.

قالوا: فهل تجرَ تجارة؟ قالا: لا.

قالوا: فإنا قد فقدنا بعضه فاتهما، فرفعوهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحدَكُمُ المَوْتُ... إلى قوله: إنّا إذًا لَمِنَ الاَثِمِينَ قال: فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر: باللّه الذي لا إله إلاّ هو، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا قال: فمكثنا ما شاء اللّه أن نمكث، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموّه بذهب، فقال أهله: هذا من متاعه، قالا: نعم، ولكنا اشتريناه منه ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذّب أنفسنا فترافعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت الاَية الأخرى: فإن عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغَيّبا ويستحقانه. ثم إن تميما الداريّ أسلم وبايع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وكان

يقول: صدق اللّه ورسوله، أنا أخذت الإناء.

١٠١٧٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ... الاَية كلها، قال: هذا شيء حين لم يكن الإسلام إلاّ بالمدينة، وكانت الأرض كلها كفرا، فقال اللّه تعالى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ من المسلمين، أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ من غير أهل الإسلام، إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ قال: كان الرجل يخرج مسافرا والعرب أهل كفر، فعسى أن يموت في سفره فيسند وصيته إلى رجلين منهم، فيقسمان باللّه إن ارتبتم في أمرهما إذا قال الورثة: كان مع صاحبنا كذا وكذا، فيقسمان بالله: ما كان معه إلاّ هذا الذي قلنا. فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما إنما حلفا على باطل وكذب. فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ بالميت فَيُقْسِمانِ باللّه لَشَهادَتَنَا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما وَما اعْتَدَيْنا إنّا إذا لَمِنَ الظّالِمِينَ ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا، قال هؤلاء: لم يكن معه

قال: ثم عثر على بعض المتاع عندهما، فلما عثر على ذلك ردّت القَسَامة على وارثه، فأقسما، ثم ضمن هذان

قال اللّه تعالى: ذَلِكَ أدْنَى أنْ يَأْتُوا بالشّهادَةِ على وَجْهِها أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدّ أيمَانٌ فتبطل أيمانُهم، وَاتّقُوا اللّه وَاسْمَعوا وَاللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ الكاذبين الذين يحلفون على الكذب. وقال ابن زيد: قدم تميم الداريّ وصاحب له، وكانا يومئذٍ مشركين ولم يكونا أسلما، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجل، وجاءا بتركته، فقال أولياء الميت: كان مع صاحبنا كذا وكذا، وكان معه إبريق فضة وقال الاَخران: لم يكن معه إلاّ الذي جئنا به. فحلفا خلف الصلاة. ثم عثر عليهما بعد والإبريق معهما فلما عثر عليهما ردّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم، ثم ضمنها الذي حلف ليه الأوليان.

١٠١٧٥ـ حدثنا الربيع، قال: حدثنا الشافعيّ، قال: أخبرنا سعيد بن معاذ بن موسى الجعفريّ، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال بكر: قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول اللّه : اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أن رجلين نصرانيين من أهل دَارِين، أحدهما تميمي والاَخر يماني، صاحبَهما مولى لقريش في تجارة، فركبوا البحر ومع القرشيّ مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبزَ ورِقَة. فمرض القرشيّ، فجعل وصيته إلى الداريّين، فمات. وقبض الداريان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله. وأنكر القوم قلة المال، فقالوا للداريّين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما اتيتمونا به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوُضِعَ فيه؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا.

قالوا: فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... إلى آخر الاَية. فلما نزل: أن يُحبسا من بعد الصلاة، أمر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقاما بعد الصلاة، فحلفا باللّه ربّ السموات ما ترك مولاكم من المال إلاّ ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلاً من الدنيا ولو كان ذا قُربى، ولا نكتم شهادة اللّه ، إنّا إذن لمن الاَثمين فلما حلفا خُلّي سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت، فأُخِذ الداريان فقالا: اشتريناه منه في حياته وكذبا، فكُلّفا البينة فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالى: فإن عُثِرَ

يقول: فإن اطّلع على أنهما استحقا إثما، يعني الداريّين إن كَتَما حقّا، فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان، فيقسمان باللّه إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي يُطْلَب قِبَل الدار يّين لحقّ، وما اعتدينا، إنّا إذن لمن الظالمين. هذا قول الشاهدين أولياء الميت، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني: الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك.

قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا دليل واضح على صحة ما قلنا من أن حكم اللّه تعالى باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسنَد إليهما الوصية خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيها المدّعي ذلك قبله إلاّ بيمين، وإن نقل اليمين إلى ورثة الميت، بما أوجبه اللّه تعالى بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقّا إثما في أيمانهما، ثم ظُهِر على كذبهما فيها، إنّ القوم ادّعوا فيما صحّ أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدّعَى، وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في هذه الاَية ما قلنا من التأويل. وفيها أيضا البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها اللّه تعالى في أوّل هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال اللّه تعالى في مواضع أخر: والّذِينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يكُنْ لهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ فشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّه إنّهُ لمِنَ الصّادقينَ، فالشهادة في هذا الموضع معناها القسم من قول القائل: أشهد باللّه إنه لمن الصادقين، وكذلك معنى قوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إنما هو قَسَم بينكم، إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ أن يقسم اثْنان ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إن كانا ائتمنا على ما قال، فارتيب بهما، أو ائتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما. وذلك أن اللّه تعالى لمّا ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الاَخرين، قال: فَيُقْسِمانِ باللّه لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما. ومعلوم أن أولياء الميت المدّعين قِبَل اللذين ظهر على خيانتهما، غير جائز أن يكون شهداء بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حقّ مدّعى عليه لمدّع، لأنه لا يعلم لله تعالى حكم قضى فيه لأحد بدعواه، ويمينه على مدّعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدّعى عليه ولا برهان. فإذا كان معلوما أن قوله: لشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما إنما معناه: قسمنا أحقّ من قسمهما، وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما هو الشهادة التي ذكر اللّه تعالى في قوله: أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما صح أن معنى قوله: شَهادَةِ بَيْنِكُمْ بمعنى الشهادة في قوله: لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما وأنها بمعنى القسم.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ فقرأ ذلك قرّاء الحجاز والعراق والشام: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ) بضم التاء. ورُوِي عن عليّ وأبي بن كعب والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك: مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ بفتح التاء.

واختلفت أيضا في قراءة قوله: الأوْلَيانِ فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والشام والبصرة: الأوْلَيانِ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: (الأولين). وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأَوّلانِ).

وأولى القراءتين بالصواب في قوله: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِم) قراءة من قرأ بضمّ التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، مع مساعدة عامّة أهل التأويل على صحة تأويله، وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله: فآخران من أهل الميت الذين استحقّ المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم، يقومان مقام المستحقّ الإثم فيهما بخيانتهما ما خانا من مال الميت. وقد ذكرنا قائل ذلك أو أكثر قائليه فيما مضى قبل، ونحن ذاكروا باقيهم إن شاء اللّه تعالى ذلك.

١٠١٧٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه تعالى: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران لا يحضره غير اثنين منهم، فإن رضي ورثته ما عاجل عليه من تركته فذاك، وحلف الشاهدان إن اتهما لصادقان، فإن عثر وجد لطخ حلف الاثنان الأوليان من الورثة، فاستحقا، وأبطلا أيمان الشاهدين.

وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح التاء، أرادوا أن يوجهوا تأويله إلى: فَآخران يقومان مقامهما مقام المؤتمنين اللذين عثر على خيانتهما في القسم والاستحقاق به عليهما دعواهما قبلهما من الذين استحقّ على المؤتمنين على المال على خيانتهما القيام مقامهما في القسم والاستحقاق في الأوليان بالميت. وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه، فقرأ ذلك: مِنَ الّذِينَ استَحَقّ بفتح التاء على معنى: الأوليان بالميت وماله. وذلك مذهب صحيح وقراءة غير مدفوعة صحتها، غير أنا نختار الأخرى لإجماع الحجة من القرّاء عليها مع موافقتها التأويل الذي ذكرنا عن الصحابة والتابعين.

١٠١٧٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن وكريب عن عليّ، أنه كان يقرأ: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ).

١٠١٧٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن وائل مولى أبي عبيد، عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر، عن أبيّ بن كعب، أنه كان يقرأ: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ).

وأما أولى القراءات بالصواب في قوله: الأَوْلَيانِ عندي، فقراءة من قرأ: الأوْلَيانِ بصحة معناها وذلك لأن معنى: فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق فيهم الإثم، ثم حذف (الإثم) وأقيم مقامه (الأوليان)، لأنهما هما اللذان ظلما وأثما فيهما بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم وعثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان ائتمنهما عليه الميت، كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مثل ذلك من حذفهم الفعل اجتزاء بالاسم، وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل. ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة، وهوقوله: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ اثْنانِ ومعناه: أن يشهد اثنان، وكما قال: فَيُقْسِمان باللّه إنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي به ثَمَنا فقال (به)، فعاد بالهاء على اسم (اللّه ) وإنما المعنى: لا نشتري بقسمنا بالله، فاجتزىء بالعود على اسم اللّه بالذكر، والمراد به: لا نشتري بالقسم باللّه استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم. وكذلك اجتزىء بذكر الأوليين من ذكر الإثم الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إياها، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته، وذلك قوله: فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْماوأما الذين قرءوا ذلك (الأوّلين) فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن (الذين)، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع، إذ كان (الذين) جمعا وخفضا، إذ كان (الذين) مخفوضا. وذلك وجه من التأويل، غير أنه إنما يقال للشيء أوّل إذا كان له آخر هو له أوّل، وليس للذين استحقّ عليهم الإثم آخرهم له أوّل، بل كانت أيمان الذين عثر على أنهما استحقا إثما قبل إيمانهم، فهم إلى أن يكونوا إذ كانت أيمانهم آخرا أولى أن يكونوا آخرين من أن يكونوا أوّلين وأيمانهم آخرة لأولى قبلهاوأما القراءة التي حكيت عن الحسن، فقراءة عن قراءة الحجة من القرّاء شاذّة، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلاً على بعدها من الصواب.

واختلف أهل العربية في الرافع لقوله: الأوْلَيانِ إذا قرىء كذلك، فقال بعض نحويي البصرة: يزعم أنه رفع ذلك بدلاً من (آخران) في قوله: فآخَرَانِ يَقومانِ مَقامَهُما وقال: إنما جاز أن يبدل الأوليان وهو معرفة من آخران وهو نكرة، لأنه حين قال: يَقُومانِ مَقامهمَا مِنَ الّذِينَ اسْتحقّ عَلَيْهِم كان كأنه قد حدّهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى،

فقال: (الأوْلَيانِ)، فأجرى المعرفة عليهما بدلاً

قال: ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز:

عَلَيّ يوْمَ يمْلِكُ الأمُورَاصَوْمَ شُهورٍ وَجَبتْ نُذورَاوبَادِنا مُقَلّدا مَنْحورَا

قال: فجعله (عليّ واجب)، لأنه في المعنى قد أوجب.

وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك و

يقول: لا يجوز أن يكون (الأوليان) بدلاً من (آخران) من أجل أنه قد نَسَق (فيقسمان) على (يقومان) في قوله: فَآخَرَانِ يَقُومانِ فلم يتمّ الخبر عند من قال: لا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر، كما قال: غير جائز (مررت برجل قام زيد وقعد) وزيد بدل من رجل.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: (الأوليان) مرفوعان بما لم يسمّ فاعله، وهوقوله: (اسْتُحِقّ عَلَيْهِم) وأنهما موضع الخبر عنهما، فعمل فيهما ما كان عاملاً في الخبر عنهما وذلك أن معنى الكلام: فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الإثم بالخيانة، فوضع (الأوليان) موضع (الإثم) كما قال تعالى في موضع آخر: أجَعَلْتُمْ سقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَام كمَنْ آمَنَ باللّه واليَوْمِ الاَخِرِ ومعناه: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن باللّه واليوم الاَخر؟ وكما قال: وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ، وكما قال بعض الهذليين:

يُمَشّي بَيْنَنا حانُوتُ خَمْرٍمِنَ الخُرْسِ الصّرَاصِرَةِ القِطاطِ

وهو يعني صاحب حانوت خمر، فأقام الحانوت مقامه لأنه معلوم أن الحانوت لا يمشي، ولكن لما كان معلوما عنده أنه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه حذف الصاحب، واجتزأ بذكر الحانوت منه، فكذلك قوله: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ) إنما هو من الذين استحقّ فيهم خيانتهما، فحذفت (الخيانة) وأقيم (المختانان) مقامها، فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهروأما قوله: (عليهم) في هذا الموضع، فإن معناها: فيهم، كما قال تعالى: وَاتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ على مُلْكِ سُلَيْمانَ يعني: في ملك سليمان، وكما قال: ولأُصَلّبَنّكُمْ فِي جُذُوعِ النّخْلِ ف (في) توضع موضع (على)، و (على) في موضع (في) كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام، ومنه قول الشاعر:

مَتَى ما تُنْكِرُوها تَعْرِفُوهاعلى أقْطارِها عَلَقٌ نَفِيثُ

وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول اللّه تعالى: (فإنْ عُثَر على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ) أنهما رجلان آخران من المسلمين، أو رجلان أعدل من المُقسِمَين الأوّلين. ذكر من قال ذلك:

١٠١٧٩ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن شريح في هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّة اثْنانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة، ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، فأشهد يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان، فشهدا بخلاف شهادتهم، أجيزت شهادة المسلمين وأبطلت شهادة الاَخرين.

١٠١٨٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فإنْ عُثِرَ أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا، أجيزت شهادة الاَخرين وأبطلت شهادة الأوّلين.

١٠١٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: كان ابن عباس يقرأ: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوّلَيْنِ) قال: كيف يكون (الأَوْلَيان)، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين؟

حدثنا هناد وابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان يقرأ: (مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأوّلَيْنِ) قال: وقال: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين، كيف يقومان مقامهما؟

قال الإمام أبو جعفر: فذهب ابن عباس فيما أرى إلى نحو القول الذي حكيت عن شريح وقتادة، من أن ذلك رجلان آخران من المسلمين يقومان مقام النصرانِييّن، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوز شهادة من الشاهدين الأوّلين أو المُقسِمَين. وفي إجماع جميع أهل العلم على أن لا حكم لله تعالى يجب فيه على شاهد يمين فيما قام به من الشهادة، دليل واضح على أن غير هذا التأويل الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول اللّه تعالى: فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما أولى به.

وأما قوله الأوْلَيانِ فإن معناه عندنا: الأولى بالميت من المقسمين الأوّلين فالأولى، وقد يحتمل أن يكون معناه: الأولى باليمين منهما فالأولى، ثم حذف (منهما) والعرب تفعل ذلك فتقول: فلان أفضل، وهي تريد أفضل منك، وذلك إذا وضع أفعل موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه الألف واللام، فعلوا ذلك أيضا إذا كان جوابا لكلام قد مضى،

فقالوا: هذا الأفضل، وهذا الأشرف يريدون هو الأشرف منك. وقال ابن زيد: معنى ذلك: الأوليان بالميت.

١٠١٨٢ـ حدثني يونس، عن ابن وهب، عنه.

القول في تأويل قوله تعالى: فَيُقْسِمانِ باللّه لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادتِهِم وَما اعْتَدَيْنا إنّا إذَنْ لَمِنَ الظّالِمِينَ.

يقول تعالى ذكره: فيُقسم الاَخران اللذان يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثما بخيانتهما مال الميت الأوليان باليمين والميت من الخائنين: لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما

يقول: لأيماننا أحقّ من أيمان المقسمين المستحقين الإثم وأيمانهما الكاذبة في أنهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميتنا، وكذا في أيمانهما التي حلفا بها. وَما اعْتَدَيْنا

يقول: وما تجاوزنا الحقّ في أيماننا. وقد بينا أن معنى الاعتداء: المجاوزة في الشيء حدّه. إنّا إذَنْ لَمِنَ الظّالِمِينَ

يقول: إنا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين، لمِنَ الظّالِمِينَ

يقول: لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه، ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس.

١٠٨

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَىَ أَن يَأْتُواْ بِالشّهَادَةِ عَلَىَ وَجْهِهَآ ...}.

يعني تعالى ذكره بقوله: ذلكَ: هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء إذا ارتبتم في أمرهم واتهمتموهم بخيانة المال من أوصى إليهم من حَبْسهم بعد الصلاة، واستحلافكم إياهم على ما ادّعى قِبَلهم أولياء الميت أدْنى لَهُم أنْ يَأْتُوا بالشّهادَةِ على وجهِها

يقول: هذا الفعل إذا فعلتم بهم أقرب لهم أن يصدقُوا في أيمانهم، ولا يكتموا، ويقرّوا بالحقّ، ولا يخونوا. أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدّ أيمَانٌ بَعْدَ أيمَانِهِمْ يقول أو يخافوا هؤلاء الأوصياء إن عُثِر عليهم أنهم استحقوا إثما في أيمانهم بالله، أن تردّ أيمانهم على أولياء الميت بعد أيمانهم التي عثر عليها أنها كذب، فيستحقوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم، فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم مخافة الفضيحة على أنفسهم وحذرا أن يستحقّ عليهم ما خانوا فيه أولياء الميت وورثته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وقد تقدمت الرواية بذلك عن بعضهم، نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعض من بقي منهم.

١٠١٨٣ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: فإن عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما

يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا، فآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا

يقول: من الأولياء، فحلفا باللّه أن شهادة الكافرين باطلة وأنّا لم نعتدِ، فتردّ شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء

يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم. وليس على شهود المسلمين أقسام، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين.

١٠١٨٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذَلِكَ أدْنَى أنْ يَأْتُوا بالشّهادَةِ... الاَية،

يقول: ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم، وأن يخافوا العقاب.

١٠١٨٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدّ أيمَانٌ بَعْدَ أيمَانِهِمْ قال: فتبطل أيمانهم، وتؤخذ أيمان هؤلاء.

وقال آخرون: معنى ذلك: تحبسونهما من بعد الصلاة، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، وعلى أنهما استحقا إثما، فآخران يقومان مقامهما. ذكر من قال ذلك:

١٠١٨٦ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان باللّه لا نشتري به ثمنا قليلاً ولو كان ذا قُربى، ولا نكتم شهادة اللّه ، إنا إذن لمن الاَثمين، إنّ صاحبكم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما ولم أجز لكما شهادة وعاقبتكما. فإن قال لهما ذلك، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.

القول في تأويل قوله تعالى: وَاتّقُوا اللّه وَاسمَعُوا وَاللّه لا يَهدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.

يقول تعالى ذكره: وخافوا اللّه أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبة وأن تذهبوا بها مال من يحرم عليكم ماله، وأن تخونوا من ائتمنكم. واسمَعُوا

يقول: اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به، فاعملوا به وانتهوا إليه. وَاللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ

يقول: واللّه لا يوفق من فسق عن أمر ربه فخالفه وأطاع الشيطان وعصى ربه.

وكان ابن زيد

يقول: الفاسق في هذا الموضع: هو الكاذب.

١٠١٨٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَاللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسقِينَ: الكاذبين يحلفون على الكذب.

وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفوع، إلاّ أن اللّه تعالى عمّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفساق، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض بخبر ولا عقل، فذلك على معاني الفسق كلها حتى يخصص شيئا منها ما يجب التسليم له فيسلم له.

ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الاَيتين، هل هو منسوخ، أو هو محكم ثابت؟

فقال بعضهم: هو منسوخ. ذكر من قال ذلك:

١٠١٨٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن رجل، قد سماه، عن حماد، عن إبراهيم، قال: هي منسوخة.

١٠١٨٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: هي منسوخة. يعني هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ... الاَية.

وقال جماعة: هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قول أكثرهم فيما مضى.

والصواب من القول في ذلك أن حكم الاَية منسوخ، وذلك أن من حكم اللّه تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام، من لدن بعث اللّه تعالى ذكره نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، إلى يومنا هذا، أن من ادّعِيَ عليه دعوى مما يملكه بنو آدم أن المدّعى عليه لا يبرئه مما ادّعِيَ عليه إلاّ اليمين إذا لم يكن للمدّعي بينة تصحح دعواه، وأنه إن اعترف وفي يدي المدّعى سلعة له، فادّعى أنها له دون الذي في يده، فقال الذي هي في يده: بل هي لي اشتريتها من هذا المدّعي، أن القول قول من زعم الذي هي في يده أنه اشتراها منه دون من هي في يده مع يمينه إذا لم يكن للذي هي في يده بينة تحقق به دعواه الشراء منه. فإذ كان ذلك حكم اللّه الذي لا خلاف فيه بين أهل العلم، وكانت الاَيتان اللتان ذكر اللّه تعالى ذكره فيهما أمر وصية الموصي إلى عدلين من المسلمين أو إلى آخرَيْن من غيرهم، إنما ألزَم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فيما ذكر عنه الوصيين اليمين حين ادّعى عليهما الورثة ما ادّعوا ثم لم يُلزم المدّعى عليهما شيئا إذ حلفا، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم فزعما أنهما اشترياه من ميتهم، فحينئذٍ ألزم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ورثة الميت اليمين، لأن الوصيين تحوّلا مدّعِيَين بدعواهما ما وجدا في أيديهما من مال الميت أنه لهما اشتريا ذلك منه فصارا مقرّين بالمال للميت مدّعيين منه الشراء، فاحتاجا حينئذٍ إلى بينة تصحح دعواهما وورثة الميت ربّ السلعة أولى باليمين منهما، فذلك قوله تعالى: فإنْ عُثرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ باللّه لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما... الاَية. فإذ كان تأويل ذلك كذلك فلا وجه لدعوى مدّع أن هذه الاَية منسوخة، لأنه غير جائز أن يقضى على حكم من أحكام اللّه تعالى ذكره أنه منسوخ إلاّ بخبر يقطع العذر إما من عند اللّه أو من عند رسوله صلى اللّه عليه وسلم، أو بورود النقل المستفيض بذلك، فأما ولا خبر بذلك، ولا يدفع صحته عقل، فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ.

١٠٩

القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ }.

يقول تعالى ذكره: واتقوا اللّه أيها الناس، واسمعوا وعظه إياكم وتذكيره لكم، واحذروا يوم يجمع اللّه الرسل. ثم حذف (واحذروا) واكتفى بقوله: وَاتّقُوا اللّه واسمَعُوا عن إظهاره، كما قال الراجز:

عَلَفْتُها تِبْنا وَماءً بارِداحتى غَدَتْ هَمّالَةً عَيْناها

يريد: وسقيتها ماء باردا، فاستغنى بقوله (علفتها تبنا) من إظهار سقيتها، إذ كان السامع إذا سمعه عرف معناه. فكذلك في قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ حذف (واحذروا) لعلم السامع معناه، اكتفاء بقوله: واتّقُوا اللّه واسمَعُوا إذ كان ذلك تحذيرا من أمر اللّه تعالى خلقه عقابه على معاصيه.

وأما قوله: ماذَا أُوجِبْتُمْ فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى توحيدي والإقرار بي والعمل بطاعتي والانتهاء عن معصيتي؟

قالوا: لا علم لنا.

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك،

فقال بعضهم: معنى قولهم: لا عِلْمَ لَنا لم يكن ذلك من الرسل إنكارا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم. ذكر من قال ذلك:

١٠١٩٠ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا قال: ذلك أنهم لما نزلوا منزلاً ذهلت فيه العقول، فلما سئلوا،

قالوا: لا علم لنا. ثم نزلوا منزلاً آخر، فشهدوا على قومهم.

١٠١٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، قال: سمعت الحسن يقول، في قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ.... الاَية، قال: من هول ذلك اليوم.

١٠١٩٢ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ فيفزعون، ف

يقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا عِلْمَ لَنا.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علمتنا. ذكر من قال ذلك:

١٠١٩٣ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ فيقولون: قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاّ ما عَلّمْتَنا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ.

وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا. ذكر من قال ذلك:

١٠١٩٤ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلا علم أنت أعلم به منا.

وقال آخرون: معنى ذلك ماذَا أُجِبْتُمْ: ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟. ذكر من قال ذلك:

١٠١٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّه الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ: ماذا عملوا بعدكم، وماذا أحدثوا بعدكم؟

قالوا: قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاّ مَا عَلّمْتَنا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ.

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم

قالوا: لا عِلْمَ لَنا إلاّ مَا عَلّمْتَنَا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ: أي أنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفي العلوم وجليها. فإنما نفي القوم أن يكون لهم بما سئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره، لا أنهم نفوا أن يكونوا علموا ما شاهدوا، كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به الأمم وأنهم سيشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، فقال تعالى ذكره: وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا.

وأما الذي قاله ابن جريج من أن معناه: ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ فتأويل لا معنى له، لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إلا ما أعلمها اللّه من ذلك، وإذا سئلت عما عملت الأمم بعدها والأمر كذلك فإنما يقال لها: ماذا عرّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهر خبر اللّه تعالى ذكره عن مسألته إياهم يدلّ على غير ذلك

١١٠

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللّه يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ...}.

يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا يوم يجمع اللّه الرسل فيقول لهم: ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا إذ قالَ اللّه يا عيِسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعَلى وَالِدَتِكَ إذْ أيّدتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ ف (إذْ) من صلة (أجبتم)، كأن معناها: ماذا أجابت عيسى الأمم التي أرسل إليها عيسى.

فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إياها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرسل إلا أقلّ ذلك؟ قيل: جائز أن يكون اللّه تعالى عنى بقوله: فيقول ماذا أجبتم الرسل الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى. فخرج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى: الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ والمراد: واحد من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس.

ومعنى الكلام: إذْ قالَ اللّه حين قال يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إذْ أيّدْتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ

يقول: يا عيسى، اذكر أياديّ عندك وعند والدتك، إذ قوّيتك بروح القدس وأعنتك به.

وقد اختلف أهل العربية في أيدتك ما هو من الفعل،

فقال بعضهم: هو فعلتك، كما في قولك: قوّيتك فعلت من القوّة.

وقال آخرون: بل هو فاعلتك من الأيد. ورُوِي عن مجاهد أنه قرأ: (إذْ آيَدْتُكَ) بمعنى: أفعلتك من القوّة والأيد

وقوله: بِرُوحِ القُدسِ يعني بجبريل،

يقول: إذ أعنتك بجبريل. وقد بينت معنى ذلك وما معنى القُدُس فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

القول في تأويل قوله تعالى: تُكَلّمُ النّاسَ فِي المَهْدِ وكَهْلاً ....

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قِيله لعيسى: اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إذْ أيّدْتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ في حال تكليمك الناس في المهد وكهلاً. وإنما هذا خبر من اللّه تعالى ذكره أنه أيّده بروح القُدس صغيرا في المهد وكهلاً كبيرا، فردّ (الكهل) على قوله في (المهد) لأن معنى ذلك: صغيرا، كما قال اللّه تعالى ذكره: دَعانا لِجَنْبِهِ أوْ قاعِدا أو قائما

وقوله: وَإذْ عَلّمْتُكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ والتّوْرَاةَ والإنْجِيلَ

يقول: واذكر أيضا نعمتي عليك إذ علمتك الكتاب: وهو الخط، والحكمة: وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك وهو الإنجيل. وَإذْ تَخْلُقُ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةٍ الطّيْرِ

يقول: كصورة الطير، بإذْنِي يعني بقوله تَخْلُقُ: تعمل وتصلح من الطين، كَهِيْئَةِ الطّيْرِ بإذْنِي

يقول: بعوني على ذلك وعلم مني. فَتَنْفُخُ فِيها

يقول: فتنفخ في الهيئة، فتكون الهيئة والصورة طَيْرا بإذْنِي وتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ

يقول: وتشفي الأكمه: وهو الأعمى الذي لا يبصر شيئا المطموس البصر، والأبْرَصَ بإذْنِي. وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا مفسرا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

 

وقوله: وَإذْ كَفَفْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْكَ إذْ جِئْتَهُمْ بالبَيّناتِ

يقول: واذكر أيضا نعمتي عليك، بكّفي عنك بني إسرائيل إذ كففتهم عنك وقد هّموا بقتلك، إذْ جِئْتَهُمْ بالبَيّنَاتِ

يقول: إذ جئتهم بالأدلة والأعلام المعجزة على نبوّتك وحقية ما أرسلتك به إليهم. فَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يقول تعالى ذكره: فقال الذين جحدوا نبوّتك وكذّبوك من بني إسرائيل: إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة: إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ يعني: يبين عما أتى به لمن رآه ونظرا إليه أنه سحر لا حقيقة له. وقرأ ذلك عامّة قراء الكوفة: (إنْ هَذَا إلاّ ساحِرٌ مُبِينٌ) بمعنى: ما هذا، يعني به عيسى، إلا ساحر مبين،

يقول: يبين بأفعاله وما يأتي به من هذه الأمور العجيبة عن نفسه أنه ساحر لا نبيّ صادق.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متفقتان غير مختلفتين، وذلك أن كلّ من كان موصوفا بفعل السحر فهو موصوف بأنه ساحر، ومن كان موصوفا بأنه ساحر فإنه موصوف بفعل السحر، فالفعل دالّ على فاعله والصفة تدلّ على موصوفها، والموصوف يدلّ على صفته والفاعل يدلّ على فعله فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الصواب في قراءته.

١١١

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنّا وَاشْهَدْ بِأَنّنَا مُسْلِمُونَ }.

يقول تعالى ذكره: واذكر أيضا يا عيسى إذ ألقيت إلى الحواريين، وهم وزراء عيسى على دينه. وقد بينا معنى ذلك ولم قيل لهم الحواريون فيما مضى بما أغنى عن إعادته.

وقد اختلف ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله: وَإذْ أوْحَيْتُ وإن كانت متفقة المعاني، فقال بعضهم بما:

١٠١٩٦ـ حدثني به محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَإذْ أوْحَيْتُ إلى الحَوَارِيّينَ يقول قذفت في قلوبهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم.

فتأويل الكلام إذن: وإذ ألقيت إلى الحواريين أن صدّقوا بي وبرسولي عيسى،

فقالوا: آمّنا: أي صدّقنا بما أمرتنا أن نؤمن يا ربنا. واشْهَدْ علينا بأنّنا مُسْلِمُونَ

يقول: واشهد علينا بأننا خاضعون لك بالذلة سامعون، مطيعون لأمرك.

١١٢

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيّونَ يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ... }.

يقول تعالى ذكره: واذكر يا عيسى أيضا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ ف (إذ) الثانية من صلة (أوحيت).

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَسْتَطِيعُ رَبّكَ فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هَلْ تَسْتَطِييِعُ) بالتاء (رَبّكَ) بالنصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك، وهل تستطيع أن تدعو ربك أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ و

قالوا: لم يكن الحواريون شاكّين أن اللّه تعالى ذكره قادر أن ينزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟

١٠١٩٧ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا محمد بن بشر، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكّون أن اللّه قادر أن ينزل عليهم مائدة، ولكن

قالوا: يا عيسى، هل تستطيع ربّك؟

١٠١٩٨ـ حدثني أحمد بن يوسف الثعلبي، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا ابن مهدي، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن حيان بن مخارق، عن سعيد بن جبير أنه قرأها كذلك: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبّكَ) وقال: تستطيع أن تسأل ربك؟ وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟

وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والعراق: هَلْ يَسْتَطِيعُ بالياء رَبّكَ بمعنى: أن ينزّل علينا ربّك، كما يقول الرجل لصاحبه: أتستطيع أن تنهض معنا في كذا؟ وهو يعلم أنه يستطيع، ولكنه إنما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مراد قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربك ويطيعك أن تنزّل علينا؟

وأولى القراءتين عندي بالصواب قراءة من قرأ ذلك: هَلْ يَسْتَطِيعُ بالياء رَبّكَ برفع الربّ، بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟

وإنما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصواب لما بينا قبل من أن قوله: إذْ قالَ الحَوَارِيّونَ من صلة (إذ أوحيت)، وأن معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي إذْ قالَ الحَوَارِيّونَ يا عيِسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ. فبين إذ كان ذلك كذلك، أن اللّه تعالى ذكره قد كره منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه، وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قيلهم ذلك، والإقرار لله بالقدرة على كلّ شيء، وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظاما منه لما

قالوا: اتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ففي استتابة اللّه إياهم، ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلى اللّه عليه وسلم عند قيلهم ما قالوا من ذلك، واستعظام نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلمتهم، الدلالة الكافية من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع الربّ إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى لو كانوا قالوا له: هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزّل علينا مائدة من السماء؟ أن تستكبر هذا الاستكبار.

فإن ظنّ ظانّ أن قولهم ذلك له إنما هو استعظام منهم، لأن ذلك منهم كان مسألة آية، فإن الاَية إنما يسألها الأنبياء من كان بها مكذّبا، ليتقرّر عنده حقيقة ثبوتها وصحة أمرها، كما كانت مسألة قريش نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يحوّل لهم الصفا ذهبا ويفجّر فجاج مكة أنهارا من سأله من مشركي قومه، وكما كانت مسألة صالح الناقة من مكذّبي قومه، ومسألة شعيب أن يسقط كِسْفا من السماء من كفار من أرسل إليهم. وكان الذين سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينزّل عليهم مائدة من السماء، على هذا الوجه كانت مسألتهم، فقد أحلهم الذين قرءوا ذلك بالتاء ونصب الربّ محلاّ أعظم من المحلّ الذي ظنوا أنهم نزّهوا ربهم عنه، أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنه لله نبيّ مبعوث ورسول مرسل، وأن اللّه تعالى على ما سألوا من ذلك قادر. فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنما كانت مسألتهم إياه ذلك على نحو ما يسأل أحدهم نبيه، إذا كان فقيرا أن يسأل له ربه أن يغنيه، وإن عرضت به حاجة أن يسأل له ربه أن يقضيها، فأنّي ذلك من مسألة الاَية في شيء؟ بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له إلى ربه، فسأل نبيه مسألة ربه أن يقضيها له. وخبر اللّه تعالى عن القوم ينبىء بخلاف ذلك، وذلك أنهم قالوا لعيسى، إذ قال لهم: اتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أنْ نَأكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أنْ قَدْ صَدَقْتَنا. فقد أنبأ هذا من قيلهم أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدقهم، ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته، فلا بيان أبين من هذا الكلام في أن القوم كانوا قد خالطوا قلوبهم مرض وشكّ في دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

١٠١٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس، أنه كان يحدّث عن عيسى صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما، ثم تسألوه فيعطيَكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم

قالوا: يا معلم الخير، قلت لنا: إن أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما فَهَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ قال عيسى اتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قالُوا نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمِئَنّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ... إلى قوله: لا أعَذّبُهُ أحَدا مِنَ العَالِميَن قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم.

١٠٢٠٠ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ

قالوا: هل يطيعك ربك إن سألته؟ فأنزل اللّه عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم فأكلوا منها.

وأما المائدة فإنها الفاعلة، من ماد فلان القوم يَمِيدُهم مَيْدا: إذا أطعمهم ومارهم ومنه قول رؤبة:

نُهْدِي رُءُوسَ المُتْرَفِينَ الأنْدادْإلى أمِيرِ المُؤْمِنِينَ المُمْتادْ

يعني بقوله: الممتاد: المُسْتَعْطَي، فالمائدة المطعِمة سميت (الخِوانَ) بذلك، لأنها تطعم الاَكل مما عليها. والمائد: المدارُ به في البحر، يقال: ماد يَمِيدُ مَيْدا.

وأما قوله: قالَ اتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإنه يعني: قال عيسى للحواريين القائلين له: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ: راقبوا اللّه أيها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من اللّه عقوبة على قولكم هذا، فإن اللّه لا يعجزه شيء أراده، وفي شككم في قدرة اللّه على إنزال مائدة من السماء كفر به، فاتقوا اللّه أن ينزل بكم نقمته إن كنتم مؤمنين

يقول: إن كنتم مصدقيّ على ما أتوعدكم به من عقوبة اللّه إياكم على قولكم: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ.

١١٣

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نّأْكُلَ مِنْهَا ...}.

يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم: اتّقُوا اللّه إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ في قولكم هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ: أنّا إنما قلنا ذلك وسألناك أن تسأل لنا ربنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينا قدرته على كلّ شيء وتَطْمَئِنّ قُلُوبُنا

يقول: وتسكن قلوبنا وتستقرّ على وحدانيته وقدرته على كلّ ما شاء وأراد، ونعلم أن قد صدقتنا، ونعلم أنك لم تكذّبنا في خبرك أنك لله رسول مرسل ونبيّ مبعوث. ونَكُونَ عَلَيْها

يقول: ونكون على المائدة، مِنَ الشّاهِدِينَ

يقول: ممن يشهد أن اللّه أنزلها حجة لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء ولك على صدقك في نبوّتك.

١١٤

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّه مّ ...}.

وهذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى اللّه عليه وسلم أنه أجاب القوم إلى ما سألوه من مسألة ربه مائدة تنزل عليهم من السماء.

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: تَكُونُ لَنا عِيدا لأَوّلِنا وآخِرِنا

فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٠١ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: تَكُونُ لَنَا عِيدا لأَوّلِنا وآخِرِنا

يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا.

١٠٢٠٢ـ حدثنا بشر بن معاذ،قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تَكُونُ لَنا عِيدا لاِءَوّلِنا وآخِرِنا قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.

١٠٢٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: أنْزِلْ عَلَيْنا مائِدةً مِنَ السّماءِ تَكُونُ لَنا عِيدا لأَوّلِنا قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ وآخِرِنا مَن بعدهم منهم.

١٠٢٠٤ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: قال سفيان: تَكُونُ لَنا عِيدا

قالوا: نصلي فيه نزلت مرّتين.

وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعا. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس، أنه قال: أكل منها يعني من المائدة حين وضعت بين أيديهم آخر الناس كما أكل منها أوّلهم.

وقال آخرون: معنى قوله عِيدا عائدة من اللّه تعالى علينا حجة وبرهانا.

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: تكون لنا عيدا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه ونصلي له فيه، كما يعيّد الناس في أعيادهم. لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في العيد ما ذكرنا دون القول الذي قاله من قال معناه: عائدة من اللّه علينا وتوجيه معاني كلام اللّه إلى المعروف من كلام من خوطب به أولى من توجيهه إلى المجهول منه ما وجد إليه السبيل.

وأما قوله: لأَوّلِنا وآخِرِنا فإن الأولى من تأويله بالصواب قول من قال: تأويله للأحياء منا اليوم ومن يجيء بعدنا منا للعلة التي ذكرناها في قوله: تَكُونُ لَنا عِيدا لأن ذلك هو الأغلب من معناه.

وأما قوله: وآيَةً مِنْكَ فإن معناه: وعلامة وحجة منك يا ربّ على عبادك في وحدانيتك، وفي صدق على أني رسول إليهم بما أرسلتني به.

وَارْزُقْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ: وأعطنا من عطائك، فإنك يا ربّ خير من يعطي وأجود من تفضّل، لأنه لا يدخل عطاءه منّ ولا نكد.

وقد اختلف أهل التأويل في المائدة، هل أنزلت عليهم أم لا؟ وما كانت؟

فقال بعضهم: نزلت وكانت حوتا وطعاما، فأكل القوم منها، ولكنها رفعت بعد ما نزلت بأحداث منهم أحدثوها فيما بينهم وبين اللّه تعالى. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٠٦ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: نزلت المائدة خبزا وسمكا.

١٠٢٠٧ـ حدثني الحسين بن عليّ الصدائي، قال: حدثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية، قال: المائدة سمكة فيها طعم كلّ طعام.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبيد اللّه ، عن فضيل، عن مسروق، عن عطية، قال: المائدة: سمك فيه من طعم كلّ طعام.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، قال: نزلت المائدة خبزا وسمكا.

١٠٢٠٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاءوا.

١٠٢٠٩ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا المنذر بن النعمان، أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: أنْزِلْ عَلَيْنا مائِدةً مِنَ السّماءِ تَكُونُ لَنا عِيدا قال: نزل عليهم قِرصَة من شعير وأحوات

قال الحسن: قال أبو بكر: فحدّثت به عبد الصمد بن معقل،

فقال: سمعت وهبا و

قيل له: وما كان ذلك يغني عنهم؟ فقال: لا شيء ولكن اللّه حثا بين أضعافهنّ البركة، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون، ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون، حتى أكلوا جميعهم وأفضلوا.

١٠٢١٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبيد اللّه ، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال: هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.

١٠٢١١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه تعالى: مائدَةً مِنَ السّماءِ قال: مائدة عليها طعام أبَوْها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا فأبوا أن تنزل عليهم.

١٠٢١٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن إسحاق بن عبد اللّه : أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، يأكلون منها ما شاءوا

قال: فسرق بعضهم منها، وقال: لعلها لا تنزل غدا فرفعت.

١٠٢١٣ـ حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عمار بن ياسر، فلما فرغ، قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: فقلت لا

قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا أو تخونوا أو ترفعوا، فإن فعلتم فإني أعذّبكم عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين

قال: فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورفعوا وخانوا، فعُذّبوا عذابا لم يعذّبه أحدا من العالمين. وإنكم معشر العرب كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء، فبعث اللّه فيكم رسولاً من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهرون على العرب، ونهاكم أن تكنزوا الذهب والفضة، وايم اللّه لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذّبكم عذابا أليما

١٠٢١٤ـ حدثنا الحسن بن قزعة البصريّ، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نَزَلَتِ المَائدَةُ خُبْزا ولَحْما، وأُمِرُوا أنْ لا يَخُونُوا وَلا يَدّخِرُوا وَلا يَرْفَعُوا لِغَد، فَخانُوا وَادّخَرُوا وَرَفَعُوا، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنازِيرَ).

حدثني محمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة عن ابن عباس في المائدة، قال: كانت طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا. ذكر من قال ذلك:

١٠٢١٥ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار، قال: نزلت المائدة، وعليها ثمر من ثمر الجنة، فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا

قال: فخان القوم وخبئوا وادخروا، فحوّلهم اللّه قردة وخنازير.

١٠٢١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة، وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا لغد، بلاء ابتلاهم اللّه به، وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا لغد.

وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعام إلا اللحم. ذكر من قال ذلك:

١٠٢١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قال: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل، اختلفت عليها الأيدي بكلّ طعام.

١٠٢١٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن ميسرة وزاذان، قالا: كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام.

حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان الثوريّ، عن عطاء بن السائب، عن زاذان وميسرة في: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ قالا: رأوا الأيدي تختلف عليها بكلّ شيء إلا اللحم.

وقال آخرون: لم ينزل اللّه على بني إسرائيل مائدة: ثم اختلف قائلو هذه المقالة

فقال بعضهم: إنما هذا مثل ضربه اللّه تعالى لخلقه نهاهم به عن مسألة نبيّ اللّه الاَيات. ذكر من قال ذلك:

١٠٢١٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: أنْزِلْ عَلَيْنا مائِدةً مِنَ السّماءِ قال: مثل ضرب، لم ينزل عليهم شيء.

وقال آخرون: إن القوم لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لا أعذّبُه أحَدا مِنَ العالَمِينَ استعْفَوا منها فلم تنزل. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٢٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول لما قيل لهم: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ.... إلى آخر الاَية،

قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في المائدة: لم تنزل.

١٠٢٢١ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبَوْا أن تنزل عليهم.

والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن اللّه تعالى أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه. وإنما قلنا ذلك للخبر الذي روينا بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم غير من انفرد بما ذكرنا عنه. وبعد، فإن اللّه تعالى لا يخلف وعده ولا يقع في خبره الخلف، وقد قال تعالى مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى اللّه عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: إنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره إني منزلها عليكم، ثم لا ينزلها لأن ذلك منه تعالى خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن

يقول: إني منزلها عليكم، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن

يقول: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لا أُعَذّبُهُ أحَدا مِن العالَمِينَ ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة، وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى بذلك.

وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول، وجائز أن يكون كان سمكا وخبزا، وجائز أن يكون كان ثمرا من ثمر الجنة وغير نافع العلم به ولا ضارّ الجهل به إذا أقرّ تالي الاَية بظاهر ما احتمله التنزيل.

١١٥

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اللّه إِنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ ...}.

وهذا جواب من اللّه تعالى القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم من إنزاله مائدة عليهم، فقال تعالى ذكره: إني منزلها عليكم أيها الحواريون فمطعكموها. فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ

يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه وينكر نبوّة نبي عيسى صلى اللّه عليه وسلم ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته، فإني أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم فيما ذكر لنا، فعذّبوا فيما بلغنا بأن مسخوا قردة وخنازير. كالذي:

١٠٢٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّي مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ.... الاَية، ذكر لنا أنهم حوّلوا خنازير.

١٠٢٢٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عديّ، ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: إن أشدّ الناس عذابا ثلاثة: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف، قال: سمعت أبا المغيرة القوّاس

يقول: قال عبد اللّه بن عمرو: إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة: مَنْ كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون.

١٠٢٢٤ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ بعد ما جاءته المائدة، فإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لا أُعَذّبُهُ أحَدا مِنَ العالَمِينَ

يقول: أعذّبه بعذاب لا أعذّبه أحدا من العالمين غير أهل المائدة.

١١٦

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّه يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ...}.

يقول تعالى ذكره: يوم يجمع اللّه الرسل، فيقول ماذا أجبتم، إذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه ؟ وقيل: إن اللّه قال هذا القول لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٢٥ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَإذْ قالَ اللّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللّه قال: لما رفع اللّه عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله عن قوله، ف قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقَ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ.... إلى قوله: وأنْتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ.

وقال آخرون: بل هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: وَإذْ قالَ اللّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان يقول باطلاً.

١٠٢٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قال: قالَ اللّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، ف قَالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ... الاَية.

١٠٢٢٨ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه

يقول: هَذَا يَومُ يَنْفَعُ الصّادقِينَ صِدْقُهُمْ.

فعلى هذا التأويل الذي تأوّله ابن جريج يجب أن يكون (وإذْ) بمعنى (وإذا)، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا، بمعنى: يفزعون. وكما قال أبو النجم:

ثُمّ جَزَاهُ اللّه عَنّا إذْ جَزَىجَنّاتِ عَدْنٍ فِي العَلاليّ العُلا

والمعنى: إذا جزى. وكما قال الأسود:

فالاَنَ إذْ هازَلْتُهُنّ فإنّمَايَقُلْنْ ألا لم يذْهَبِ الشّيخُ مَذْهَبا

بمعنى: إذا هازلتهنّ. وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجّه تأويل الاَية إلى: فَمَنْ يَكْفُرْ بعدُ مِنْكُمْ فَإنّي أُعَذّبُهُ عَذَابا لاَ أُعَذّبُهُ أَحَدا مِنَ الْعَالِمينَ في الدنيا وأعذّبه أيضا في الاَخرة، إذْ قالَ اللّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه .

وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك، قول من قال بقول السدّيّ: وهو أن اللّه تعالى قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه، وأن الخبر خبر عما مضى لعلتين: إحداهما: أن (إذ) إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها الماضي من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانا في موضع الخبر عما يحدث إذا عرف السامعون معناها وذلك غير فاشٍ ولا فصيح في كلامهم، فتوجيه معاني كلام اللّه تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر. والأخرى: أن عيسى لم يشكّ هو ولا أحد من الأنبياء أن اللّه لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يتوهم على عيسى أن يقول في الاَخرة مجيبا لربه تعالى: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.

فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال اللّه عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه ، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟ قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل:

أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيه، كما يقول القائل

لاَخر: أفعلت كذا وكذا؟ مما يعلم المقول له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: (أفعلته) على وجه النهي عن فعله والتهديد له فيه.

والاَخر: إعلامه أن قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده وبدّلوا دينهم بعده، فيكون بذلك جامعا إعلامه حالهم بعده وتحذيره له قيله.

وأما تأويل الكلام: فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين، أي معبودين تعبدونهما من دون اللّه ؟ قال عيسى: تنزيها لك يا ربّ وتعظيما أن أفعل ذلك أو أتكلم به، ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ

يقول: ليس لي أن أقول ذلك لأنهي عبد مخلوق وأمي أمة لك، فهل يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ،

يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمرهم به.

القول في تأويل قوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن نبيه عيسى صلى اللّه عليه وسلم أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرة من النصارى أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به،

فقال: سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ثم قال: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي

يقول: إنك يا ربّ لا يخفي عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطلق به ولم أظهره بجوارحي، فكيف بما قد نطقت به وأظهرته بجوارحي؟

يقول: لو كنت قد قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه كنت قد علمته، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به فكيف بما قد نطقت به. وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ

يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ

يقول: إنك أنت العالم بخفيات الأمور التي لا يطلع عليها سواك ولا يعلمها غيرك.

١١٧

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ ...}.

وهذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن قول عيسى،

يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم، وهو أن قلت لهم اعْبُدُوا اللّه رَبّي ورَبّكُمْ وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا

يقول: وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم. فَلمّا توفّيْتَني

يقول: فلما قبضتني إليك، كُنْتُ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيهِمْ

يقول: كنت أنت الحفيظ عليهم دوني، لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم.

وفي هذا تبيان أن اللّه تعالى إنما عرّفه أفعال القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه ... وأنْتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ

يقول: وأنت تشهد على كل شيء، لأنه لا يخفى عليك شيء، وأما أنا فإنما شهدت بعض الأشياء، وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظَهْرُ القوم، فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيت وشهدت.

وبنحو الذي قلنا في قوله: كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٢٩ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ أما الرقيب: فهو الحفيظ.

١٠٢٣٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ قال: الحفيظ.

وكانت جماعة من أهل العلم تقول: كان جواب عيسى الذي أجاب به ربه من اللّه تعالى توقيفا منه له فيه. ذكر من قال ذلك:

١٠٢٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه قالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ قال: اللّه وقّفه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو داود الحفري، قال: قرىء على سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه طاوس، قال: احتجّ عيسى واللّه وقّفه: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه ... الاَية.

١٠٢٣٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جريج، عن عطاء، عن ميسرة، قال: قال اللّه تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه ؟ قال: فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قالها، فقالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ

١١٨

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.

يقول تعالى ذكره: إن تعذّب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة بإماتتك إياهم عليها، فإنهم عبادك، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم ولا يدفعون عن أنفسهم ضرّا ولا أمرا تنالهم به. وإن تغفر لهم بهدايتك إياهم إلى التوبة منها فتستر عليهم، فإنك أنت العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه لا يقدر أحد يدفعه عنه، الحكيم في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة وتوفيقه من وفق منهم لسبيل النجاة من العقاب. كالذي:

١٠٢٣٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ في قوله: إنْ تُعَذّبْهُمْ فإنّهُمْ عِبادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام، فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وهذا قول عيسى في الدنيا.

١٠٢٣٤ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: إنْ تُعَذّبْهُمْ فإنّهُمْ عِبادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ قال: واللّه ما كانوا طعّانين ولا لعّانين.

١١٩

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اللّه هَـَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ...}.

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ) بنصب (يوم). وقرأ بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة وعامّة قرّاء أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ برفع يوم. فمن رفعه رفعه بهذا، وجعل (يوم) اسما، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه صار كالمنعوت. وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل اليوم والليلة عملهم فيما بعدها، إن كان ما بعدها رفعا رفعوها، كقولهم: هذا يومُ يركب الأمير، وليلةُ يصدر الحاج، ويومُ أخوك منطلق وإن كان ما بعدها نصبا نصبوها، وكذلك كقولهم: هذا يومَ خرج الجيش وسار الناس، وليلةَ قتل زيد ونحو ذلك، وإن كان معناها في الحالين: (إذ)، و(إذا). وكأنّ من قرأ هذا هكذا رفعا وجه الكلام إلى أنه من قيل اللّه يوم القيامة، وكذلك كان السديّ يقول في ذلك.

١٠٢٣٥ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: قالَ اللّه هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة.

يعني السدي بقوله: (هذا فصل من كلام عيسى) أن قوله: سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ... إلى قوله: فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ من خبر اللّه عزّ وجلّ عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه، وأن ما بعد ذلك من كلام اللّه لعباده يوم القيامةوأما النصب في ذلك، فإنه يتوجه من وجهين:

أحدهما: أن إضافة (يوم) ما لم تكن إلى اسم تجعله نصبا، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير اليوم في ذلك الحين والزمان وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة:

على حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصّباوقَلْتُ أَلمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازِعُ

والوجه

الاَخر: أن يكون مرادا بالكلام هذا الأمر وهذا الشأن، (يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ) فيكون اليوم حينئذ منصوبا على الوقت والصفة، بمعنى: هذا الأمر في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ) بنصب اليوم على أنه منصوب على الوقت والصفة، لأن معنى الكلام: أن اللّه تعالى أجاب عيسى حين قال: سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقَ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ.... إلى قوله: فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ فقال له عزّ وجلّ: هذا القول النافع أو هذا الصدق النافع يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فاليوم وقت القول والصدق النافع.

فإن قال قائل: فما موضع (هذا)؟ قيل رفع

فإن قال: فأين رافعه؟ قيل مضمر، وكأنه قال: قال اللّه عزّ وجلّ: هذا، هذا يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، كما قال الشاعر:

أما تَرَى السّحابَ كَيْفَ يَجْرِيهَذَا وَلا خَيْلُكَ يا ابْنَ بِشْرِ

يريد: هذا هذا، ولا خيلك.

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال اللّه لعيسى: هذا القول النافع في يَوْمَ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ في الدنيا صِدْقُهُمْ ذلك في الاَخرة عند اللّه .

لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ

يقول: للصادقين في الدنيا جناتٌ تجري من تحتها الأنهار في الاَخرة ثوابا لهم من اللّه عزّ وجلّ، على ما كان من صدقهم الذي صدقوا اللّه فيما وعدوه، فوفوا به لله، فوفي اللّه عزّ وجلّ لهم ما وعدهم من ثوابه.

خالِدِينَ فِيها أبَدا

يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها أبدا دائما لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. وقد بينا فيما مضى أن معنى الخلود: الدوام والبقاء.

القول في تأويل قوله تعالى: رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ.

يقول تعالى ذكره: رضي اللّه عن هؤلاء الصادقين الذين صدقوا في الوفاء له بما وعدوه من العمل بطاعته واجتناب معاصيه، ورَضُوا عَنْهُ

يقول: ورضوا هم عن اللّه تعالى في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه، فيما أمرهم ونهاهم من جزيل ثوابه. ذلكَ الفَوْزُ العَظِيمُ

يقول: هذا الذي أعطاهم اللّه من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيّا عنهم، وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم بالطّلِبة وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا وأدركوا ما أملوا.

١٢٠

القول في تأويل قوله تعالى: {للّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنّ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: أيها النصارى لِلّهِ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ

يقول: له سلطان السموات والأرض، وَما فِيهِنّ دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم ودون أمه، ودون جميع من في السموات ومن في الأرض فإن السموات والأرض خلق من خلقه وما فيهنّ وعيسى وأمه من بعض ذلك بالحلول والانتقال، يدلان بكونهما في المكان الذي هما فيه بالحلول فيه والانتقال أنهما عبدان مملوكان لمن له ملك السموات والأرض وما فيهنّ. ينبههم وجميع خلقه على موضع حجته عليهم ليدبروه ويعتبروه، فيعقلوا عنه. وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره: واللّه الذي له ملك السموات والأرض وما فيهنّ، قادر على إفنائهن وعلى إهلاكهن وإهلاك عيسى وأمه ومن في الأرض جميعا كما ابتدأ خلقهم، لا يعجزه ذلك ولا شيء أراده لأن قدرته القدرة التي لا يشبهها قدرة وسلطانه السلطان الذي لا يشبهه سلطان ولا مملكة.

﴿ ٠