٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلّواْ شَعَآئِرَ اللّه ...}. اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول اللّه : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه فقال بعضهم: معناه: لا تـحلوا حُرُمات اللّه ، ولا تتعدّوا حدوده. كأنهم وجهوا الشعائر إلـى الـمعالـم، وتأوّلوا لا تـحلوا شعائر اللّه : معالـم حدود اللّه ، وأمره، ونهيه، وفرائضه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: حدثنا حبـيب الـمعلـم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر اللّه ، فقال: حرمات اللّه : اجتناب سخط اللّه ، واتبـاع طاعته، فذلك شعائر اللّه . وقال آخرون: معنى قوله: لا تُـحِلّوا حَرَمَ اللّه . فكأنهم وجهوا معنى قوله: شَعائِرَ اللّه : أي معالـم حَرَم اللّه من البلاد. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: أما شعائر اللّه : فحُرَم اللّه . وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا مناسك الـحجّ فتضيعوها. وكأنهم وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود اللّه التـي حدّها لكم فـي حجكم. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: مناسك الـحجّ. ٨٦٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ ابن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: كان الـمشركون يحجون البـيت الـحرام، ويهُدون الهدايا، ويعظمون حرمة الـمشاعر، ويتـجرون فـي حجهم، فأراد الـمسلـمون أن يُغيروا علـيهم، فقال اللّه عزّ وجلّ: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه . ٨٦٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : شَعائِرَ اللّه : الصفـا والـمروة، والهدي، والبدن، كل هذا من شعائر اللّه . حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا ما حرّم اللّه علـيكم فـي حال إحرامكم. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨٤ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قال: شعائر اللّه : ما نهى اللّه عنه أن تصيبه وأنت مـحرم. وكأنّ الذين قالوا هذه الـمقالة، وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود اللّه التـي حرّمها علـيكم فـي إحرامكم. وأولـى التأويلات بقوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلـى: لا تـحلوا حُرُمات اللّه ، ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة: فعيـلة من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الأمر: إذا علـم به، فـالشعائر: الـمعالـم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: لا تستـحلوا أيها الذين آمنوا معالـم اللّه ، فـيدخـل فـي ذلك معالـم اللّه كلها فـي مناسك الـحجّ، من تـحريـم ما حرم اللّه إصابته فـيها علـى الـمـحرم، وتضيـيع ما نهى عن تضيـيعه فـيها، وفـيـما حرم من استـحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لأن كل ذلك من معالـمه وشعائره التـي جعلها أمارات بـين الـحقّ والبـاطل، يُعلـم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه. وإنـما قلنا ذلك القول أولـى بتأويـل قوله تعالـى: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه لأن اللّه نهى عن استـحلال شعائره ومعالـم حدوده، وإحلالها نهيا عامّا من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء، فلـم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلـى الـخصوص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها، ولا حجة بذلك كذلك. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ. يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ: ولا تستـحلوا الشهر الـحرام بقتالكم به أعداءكم من الـمشركين، وهو كقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ قُلْ قِتالٌ فِـيهِ كَبِـيرٌ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال ابن عبـاس وغيره. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨٥ـ حدثنـي مـحمدقال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ يعنـي: لا تستـحلوا قتالاً فـيه. ٨٦٨٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كان الـمشرك يومئذ لا يُصَدّ عن البـيت، فأمروا أن لا يقاتَلوا فـي الشهر الـحرام ولا عند البـيت. وأما الشهر الـحرام الذي عناه اللّه بقوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ فرجب مضر، وهو شهر كانت مضر تـحرّم فـيه القتال. وقد قـيـل: هو فـي هذا الـموضع ذو القَعدة. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: هو ذو القعدة. وقد بـينا الدلالة علـى صحة ما قلنا فـي ذلك فـيـما مضى، وذلك فـي تأويـل قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ. أما الهدي: فهو ما أهداه الـمرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك إلـى بـيت اللّه ، تقرّبـا به إلـى اللّه وطلب ثوابه. يقول اللّه عزّ وجلّ: فلا تستـحلوا ذلك فتغضِبوا أهله علـيه، ولا تـحولوا بـينهم وبـين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به الـمـحلّ الذي جعله اللّه مَـحِله من كعبته. وقد رُوي عن ابن عبـاس أن الهدي إنـما يكون هديا ما لـم يقلّد. ٨٦٨٨ـ حدثنـي بذلك مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا الهَدْيَ قال: الهدي ما لـم يقلد، وقد جعل علـى نفسه أن يهديه ويقلده. وأما قوله: وَلا القَلائِدَ فإنه يعنـي: ولا تـحلوا أيضا القلائد. ثم اختلف أهل التأويـل فـي القلائد التـي نهى اللّه عزّ وجلّ عن إحلالها، فقال بعضهم: عنى بـالقلائد: قلائد الهدي و قالوا: إنـما أراد اللّه بقوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ: ولا تـحلوا الهدايا الـمقلدات منها وغير الـمقلدات فقوله: وَلا الهَدْيَ ما لـم يقلد من الهدايا، وَلا القَلائِدَ الـمقلد منها. قالوا: ودلّ بقوله: وَلا القَلائِدَ علـى معنى ما أراد من النهي عن استـحلال الهدايا الـمقلدة. ذكر من قال ذلك: ٨٦٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَلا القَلائِدَ القلائد: مقلدات الهدي، وإذا قلد الرجل هديه فقد أحرم، فإن فعل ذلك وعلـيه قميصه فلـيخـلعه. وقال آخرون: يعنـي ذلك: القلائد التـي كان الـمشركون يتقلدونها إذا أرادوا الـحجّ مقبلـين إلـى مكة من لـحاء السّمُر، وإذا خرجوا منها إلـى منازلهم منصرفـين منها، من الشّعر. ذكر من قال ذلك: ٨٦٩٠ـ حدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ قال: كان الرجل فـي الـجاهلـية إذا خرج من بـيته يريد الـحجّ تقلد من السّمُر فلـم يعرض له أحد، فإذا رجع تقلد قلادة شعر فلـم يعرض له أحد. وقال آخرون: بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الـخروج من الـحرم أو خرج من لـحاء شجر الـحرم فـيأمن بذلك من سائر قبـائل العرب أن يعرضوا له بسوء. ذكر من قال ذلك: ٨٦٩١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مالك بن مغول، عن عطاء: وَلا القَلائِدَ قال: كانوا يتقلدون من لـحاء شجر الـحرم، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الـحرم، فنزلت: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... الاَية، وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ. ٨٦٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلا القَلائِدَ قال: القلائد: اللـحاء فـي رقاب الناس والبهائم أمنٌ لهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٨٦٩٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ قال: إن العرب كانوا يتقلدون من لـحاء شجر مكة، فـيقـيـم الرجل بـمكانه، حتـى إذا انقضت الأشهر الـحرم فأراد أن يرجع إلـى أهله قلد نفسه وناقته من لـحاء الشجر، فـيأمن حتـى يأتـي أهله. ٨٦٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد فـي قوله: وَلا القَلائِدَ قال: القلائد: كان الرجل يأخذ لـحاء شجرة من شجر الـحرم فـيتقلدها، ثم يذهب حيث شاء، فـيأمن بذلك، فذلك القلائد. وقال آخرون: إنـما نهى اللّه الـمؤمنـين بقوله: وَلا القَلائِدَ أن ينزعوا شيئا من شجر الـحرم فـيتقلّدوه كما كان الـمشركون يفعلون فـي جاهلـيتهم. ذكر من قال ذلك: ٨٦٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد الـملك، عن عطاء فـي قوله: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ كان الـمشركون يأخذون من شجر مكة من لـحاء السّمُر، فـيتقلدونها، فـيأمنون بها من الناس، فنهى اللّه أن يُنزع شجرها فـيُتقلد. ٨٦٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير، وعنده رجل، فحدثهم فـي قوله: وَلا القَلائِدَ قال: كان الـمشركون يأخذون من شجر مكة من لـحاء السّمُر فـيتقلدون، فـيأمنون بها فـي الناس، فنهى اللّه عزّ ذكره أن ينزل شجرها فـيتقلد. والذي هو أولـى بتأويـل قوله: وَلا القَلائِدَ إذ كانت معطوفة علـى أوّل الكلام، ولـم يكن فـي الكلام ما يدلّ علـى انقطاعها عن أوله، ولا أنه عنى بها النهى عن التقلد أو اتـخاذ القلائد من شيء أن يكون معناه: ولا تـحلوا القلائد. فإذا كان ذلك بتأويـله أولـى، فمعلوم أنه نهي من اللّه جلّ ذكره عن استـحلال حرمة الـمقلد هديا كان ذلك أو إنسانا، دون حرمة القلادة وأن اللّه عزّ ذكره إنـما دلّ بتـحريـمه حرمة القلادة علـى ما ذكرنا من حرمة الـمقلد، فـاجتزأ بذكره القلائد من ذكر الـمقلد، إذ كان مفهوما عند الـمخاطبـين بذلك معنى ما أريد به. فمعنى الاَية إذ كان الأمر علـى ما وصفنا: يا أيها الذين آمنوا لا تـحلوا شعائر اللّه ، ولا الشهر الـحرام، ولا الهدي، ولا الـمقلد بقسميه بقلائد الـحرم. وقد ذكر بعض الشعراء فـي شعره، ما ذكرنا عمن تأوّل القلائد أنها قلائد لـحاء شجر الـحرم الذي كان أهل الـجاهلـية يتقلدونه، فقال وهو يعيب رجلـين قتلا رجلـين كانا تقلدا ذلك: أَلـمْ تَقْتُلا الـحِرْجَيْنِ إذْ أعْوَرَاكمايُـمِرّانِ بـالأيْدِي اللّـحاءَ الـمُضَفّرَا والـحِرجان: الـمقتولان كذلك. ومعنى قوله: أعوراكما: أمكناكما من عورتهما. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ. يعنـي بقوله عزّ ذكرهوَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ: ولا تـحلوا قاصدين البـيت الـحرام العامدية، تقول منه: أمـمت كذا: إذا قصدته وعَمَدته، وبعضهم يقول: يَـمَـمْتُه، كما قال الشاعر: إنّـي كَذاك إذَا ما ساءَنِـي بَلَدٌيَـمَـمْتُ صدْرَ بَعِيرِي غيرَهُ بَلَدَا والبـيت الـحرام: بـيت اللّه الذي بـمكة وقد بـينت فـيـما مضى لـم قـيـل له الـحرام. يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ يعنـي: يـلتـمسون أربـاحا فـي تـجارتهم من اللّه . وَرِضْوَانا يقول: وأن يرضى اللّه عنهم بنُسُكهم. وقد قـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي رجل من بنـي ربـيعة يقال له الـحُطَم. ذكر من قال ذلك: ٨٦٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبل الـحُطَم بن هند البكريّ، ثم أحد بنـي قـيس بن ثعلبة، حتـى أتـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وحده، وخـلّف خيـله خارجة من الـمدينة، فدعاه فقال: إلامَ تدعو؟ فأخبره، وقد كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه: (يَدْخُـلُ الـيَوْمَ عَلَـيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ رَبِـيَعةَ، يَتَكَلّـمُ بلسَانِ شَيْطَانٍ). فلـما أخبره النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: انظروا لعّلـي أُسلـم، ولـي من أشاوره. فخرج من عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَقَدْ دَخَـلَ بِوَجْهِ كافِرٍ، وَخَرَجَ بعَقِبِ غادِرٍ). فمرّ بسرح من سرح الـمدينة، فساقه، فـانطلق به وهو يرتـجز: قَدْ لَفّها اللّـيْـلُ بسَوّاقٍ حُطَمْلَـيْسَ بِرَاعِي إبِلٍ وَلا غَنَـمٍ وَلا بِجَزّارٍ عَلـى ظَهْرِ الوَضَمْبـاتُوا نِـياما وَابْنُ هِنْدٍ لَـمْ يَنَـمْ بـاتَ يُقاسِيها غُلامٌ كالزّلَـمْخَدَلّـجُ السّاقَـيْنِ مَـمْسُوحُ القَدَمْ ثم أقبل من عام قابل حاجّا قد قلد وأهدى، فأراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يبعث إلـيه، فنزلت هذه الاَية، حتـى بلغ: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال له ناس من أصحابه: يا رسول اللّه خـلّ بـيننا وبـينه، فإنه صاحبنا قال: (إنّهُ قَدْ قَلّدَ). قالوا: إنـما هي شيء كنا نصنعه فـي الـجاهلـية. فأبى علـيهم، فنزلت هذه الاَية. ٨٦٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: قدم الـحطم أخو بنـي ضبـيعة بن ثعلبة البكري الـمدينة فـي عير له يحمل طعاما، فبـاعه. ثم دخـل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فبـايعه، وأسلـم. فلـما ولـى خارجا نظر إلـيه، فقال لـمن عنده: (لَقَدْ دَخَـلَ علـيّ بوَجْهِ فَـاجِرِ ووَلّـى بقَـفَـا غاَدِرٍ). فلـما قدم الـيـمامة ارتدّ عن الإسلام، وخرج فـي عير له تـحمل الطعام فـي ذي القعدة، يريد مكة فلـما سمع به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، تهيأ للـخروج إلـيه نفر من الـمهاجرين والأنصار لـيقتطعوه فـي عيره، فأنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه ... الاَية، فـانتهى القوم. قال ابن جريج: قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: ينهى عن الـحجاج أن تقطع سبلهم قال: وذلك أن الـحطم قدم علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـيرتاد وينظر، فقال: إنـي داعية قومي، فـاعرض علـيّ ما تقول قال له: (أدْعُوكَ إلـى اللّه أنْ تَعْبُدَهُ ولا تُشْرِكَ به شَيْئا، وتُقِـيـمَ الصّلاةَ، وتُؤْتـي الزّكَاةَ، وتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَان، وتَـحُجّ البَـيْتَ) قال: الـحطم: فـي أمرك هذا غلظة، أرجع إلـى قومي فأذكر لهم ما ذكرت، فإن قبلوه أقبلت معهم، وإن أدبروا كنت معهم. قال له: (ارْجِعْ) فلـما خرج، قال: (لَقَدْ دَخَـلَ عَلـيّ بَوجْهِ كَافِرٍ وخَرَجَ مِنْ عِنْدي بُعْقَبـي غَادِرٍ، وما الرّجُلُ بـمُسْلِـمٍ). فمرّ علـى سرح لأهل الـمدينة، فـانطلق به فطلبه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ففـاتهم. وقدم الـيـمامة، وحضر الـحجّ، فجهز خارجا، وكان عظيـم التـجارة، فـاستأذنوا أن يتلقوه ويأخذوا ما معه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ. ٨٦٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: هذا يوم الفتـح جاء ناس يأمّون البـيت من الـمشركين، يُهلّون بعمرة، فقال الـمسلـمون: يا رسول اللّه إنـما هؤلاء مشركون، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير علـيهم فنزل القرآن: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ. ٨٧٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ يقول: من توجّهَ حاجّا. ٨٧٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ يعنـي: الـحاج. ٨٧٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير وعنده رجل، فحدثهم فقال: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: الذين يريدون البـيت. ثم اختلف أهل العلـم فـيـما نسخ من هذه الاَية بعد إجماعهم علـى أن منها منسوخا، فقال بعضهم: نسخ جميعها. ذكر من قال ذلك: ٨٧٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن بـيان، عن عام، قال: لـم ينسخ من الـمائدة إلا هذه الاَية لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ. ٨٧٠٤ـ حدثنا ابن وجيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مـجاهد: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه نسختها: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن بـيان، عن الشعبـيّ، قال: لـم ينسخ من سورة الـمائدة غير هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه . ٨٧٠٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: منسوخ قال: كان الـمشركون يومئذ لا يصدّ عن البـيت، فأمروا أن لا يقاتلوا فـي الأشهر الـحرم ولا عند البـيت، فنسخها قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـموهُمْ. ٨٧٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... إلـى قوله: وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: نسختها براءة: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـموهُمْ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن الضحاك ، مثله. حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن حبـيب بن أبـي ثابت: لا تُـحلّوا شَعائِرِ اللّه ولا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِد قال: هذا شيء نهي عنه، فترك كما هو. ٨٧٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ وَلا الشّهْرَ الـحَرامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قال: هذا كله منسوخ، نسخ هذا أمره بجهادهم كافة. وقال آخرون: الذي نَسخَ من هذه الاَية، قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ. ذكر من قال ذلك: ٨٧٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة، فقال: هكذا سمعته من قتادة نسخ من الـمائدة: آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ نسختها براءة، قال اللّه : فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ، وقال: ما كان للْـمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّه شاهِدِينَ عَلـى أنْفُسِهِمْ بـالكُفْرِ، وقال: إنّـما الـمُشْرِكُونَ نَـجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الـحَرَامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وهو العام الذي حجّ فـيه أبو بكر، فنادى فـيه بـالأذان. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه ... الاَية، قال: فنسخ منها: آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ نسختها براءة، فقال: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ، فذكر نـحو حديث عبدة. ٨٧٠٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: نزل فـي شأن الـحُطَم: وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آميّنَ البَـيْتَ الـحَرَامَ ثم نسخه اللّه فقال: اقْتُلوهُمْ حَيْثُ ثَقِـفْتُـمُوهُمْ. ٨٧١٠ـ حدثنـي حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لا تُـحِلّوا شَعائرَ اللّه ... إلـى قوله: وَلا آميّنَ البَـيْتَ جميعا، فنهى اللّه الـمؤمنـين أن يـمنعوا أحدا أن يحجّ البـيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر، ثم أنزل اللّه بعد هذا: إنّـما الـمُشْرِكُونَ نَـجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الـحَرَامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا، وقال: ما كانَ للْـمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّه ، وقال: إنّـما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّه مَنْ آمَنَ بـاللّه وَالـيَوْمِ الاَخِرِ فنفـي الـمشركين من الـمسجد الـحرام. ٨٧١١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: لا تُـحِلّوا شَعائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال: منسوخ، كان الرجل فـي الـجاهلـية إذا خرج من بـيته يريد الـحجّ، تقلد من السّمُر فلـم يعرض له أحد، وإذا رجع تقلد قلادة شعر فلـم يعرض له أحد، وكان الـمشرك يومئذ لا يُصَدّ عن البـيت، وأمروا أن لا يقاتلوا فـي الأشهر الـحُرم ولا عند البـيت، فنسخها قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ. وقال آخرون: لـم ينسخ من ذلك شيء إلا القلائد التـي كانت فـي الـجاهلـية يتقلدونها من لـحاء الشجر. ذكر من قال ذلك: ٨٧١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: لا تُـحِلّوا شعَائِرَ اللّه وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ... الاَية، قال أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: هذا كله من عمل الـجاهلـية، فعله وإقامته، فحرّم اللّه ذلك كله بـالإسلام، إلا لـحِاء القلائد، فترك ذلك. وَلا آمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ فحرّم اللّه علـى كل أحد إخافَتَهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة، قول من قال: نسخ اللّه من هذه الاَية قوله: وَلا الشّهْرَ الـحَرَامَ وَلا الهَدْيَ وَلا القَلائِدَ وَلا آميّنَ البَـيْتَ الـحَرَامَ لإجماع الـجميع علـى أن اللّه قد أحلّ قتال أهل الشرك فـي الأشهر الـحُرم وغيرها من شهور السنة كلها، وكذلك أجمعوا علـى أن الـمشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لـحاء جميع أشجار الـحرم لـم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لـم يكن تقدم له عَقْد ذمة من الـمسلـمين أو أمان. وقد بـينا فـيـما مضى معنى القلائد فـي غير هذا الـموضع. وأما قوله: وَلا أمّينَ البَـيْتَ الـحَرَامَ فإنه مـحتـمل ظاهره: ولا تُـحِلّوا حرمة آمين البـيت الـحرام من أهل الشرك والإسلام، لعموم جميع من أمّ البـيت. وإذا احتـمل ذلك، فكان أهل الشرك داخـلـين فـي جملتهم، فلا شكّ أن قوله: فـاقْتُلُوا الـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ ناسخ له، لأنه غير جائز اجتـماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم وترك قتلهم فـي حال واحدة ووقت واحد. وفـي إجماع الـجميع علـى أن حكم اللّه فـي أهل الـحرب من الـمشركين قتلهم، أمّوا البـيت الـحرام أو البـيت الـمقدس فـي أشهر الـحرم وغيرها، ما يعلـم أن الـمنع من قتلهم إذا أمّوا البـيت الـحرام منسوخ، ومـحتـمل أيضا: ولا آمين البـيت الـحرام من أهل الشرك، وأكثر أهل التأويـل علـى ذلك. وإن كان عُنِى بذلك الـمشركون من أهل الـحرب، فهو أيضا لا شكّ منسوخ. وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف فـي ذلك بـينهم ظاهر، وكان ما كان مستفـيضا فـيهم ظاهر الـحجة، فـالواجب وإن احتـمل ذلك معنى غير الذي قالوا، التسلـيـم لـما استفـاض بصحته نقلهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا. يعنـي بقوله: يَبْتَغُونَ: يطلبون ويـلتـمسون. والفضل: الإربـاح فـي التـجارة والرضوان: رضا اللّه عنهم، فلا يحلّ بهم من العقوبة فـي الدنـيا ما أحلّ بغيرهم من الأمـم فـي عاجل دنـياهم بحجهم بـيته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٨٧١٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: هم الـمشركون يـلتـمسون فضل اللّه ورضوانه فـيـما يصلـح لهم دنـياهم. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عروبة، فقال: هكذا سمعته من قتادة فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا والفضل والرضوان: اللذان يبتغون أن يصلـح معايشهم فـي الدنـيا، وأن لا يعجل لهم العقوبة فـيها. ٨٧١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا يعنـي: أنهم يترضون اللّه بحجهم. ٨٧١٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: جلسنا إلـى مطرف بن الشخير، وعنده رجل، فحدثهم فـي قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: التـجارة فـي الـحجّ، والرضوان فـي الـحجّ. ٨٧١٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي أميـمة، قال: قال ابن عمر فـي الرجل يحجّ، ويحمل معه متاعا، قال: لا بأس به. وتلا هذه الاَية: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا. ٨٧١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبّهِمْ وَرِضْوَانا قال: يبتغون الأجر والتـجارة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا الصيد الذي نهيتكم أن تُـحلوه وأنتـم حرُمُ، يقول: فلا حرج علـيكم فـي اصطياده واصطادوا إن شئتـم حينئذ، لأن الـمعنى الذي من أَجله كنت حرّمته علـيكم فـي حال إحرامكم قد زال. وبـما قلنا فـي ذلك قال جميع أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٨٧١٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا حصين، عن مـجاهد، أنه قال: هي رخصة. يعنـي قوله: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا. ٨٧١٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن القاسم، عن مـجاهد، قال: خمس فـي كتاب اللّه رخصة، ولـيست بعَزْمة، فذكر: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا قال: من شاء فعل، ومن شاء لـم يفعل. ٨٧٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عطاء، مثله. ٨٧٢١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن مـجاهد: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا قال: إذا حلّ، فإن شاء صاد، وإن شاء لـم يصطد. ٨٧٢٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ابن جريج، عن رجل، عن مـجاهد: أنه كان لا يرى الأكل من هَدْى الـمتعة واجبـا، وكان يتأوّل هذه الاَية: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشرُوا فِـي الأرْضِ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ. يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَلا يجْرِمَنّكُمْ ولا يحملنكم. كما: ٨٧٢٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا يجْرِمَنّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ يقول: لا يحملنكم شنآن قوم. ٨٧٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْم أي لا يحملنكم. وأما أهل الـمعرفة بـاللغة، فإنهم اختلفوا فـي تأويـلها، فقال بعض البصريـين: معنى قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يحقنّ لكم لأن قوله: لا جَرَمَ أنْ لَهُمِ النّار: هو حقّ أن لهم النار وقال بعض الكوفـيـين معناه: لا يحملنكم وقال: يقال: جرمنى فلان علـى أن صنعت كذا وكذا: أي حملنـي علـيه. واحتـجّ جميعهم ببـيت الشاعر: وَلَقَدْ طَعَنْتَ أبـا عُيَـيْنَةَ طَعْنَةًجَرَمَتْ فَزَارَةَ بعدَها أنْ يغْضَبوا فتأوّل ذلك كل فريق منهم علـى الـمعنى الذي تأوّله من القرآن، فقال الذين قالوا: لا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يحقن لكم معنى قول الشاعر: جرمت فزارةَ: أحقت الطعنة لفزارة الغضب وقال الذين قالوا معناه: لا يحملنكم: معناه فـي البـيت: (جرمت فزارة أن يغضبوا): حملت فزارة علـى أن يغضبوا وقال آخر من الكوفـيـين: معنى قوله: لا يَجْرِمَنّكُمْ: لا يكسبنكم شنآن قوم. وتأويـل قائل هذا القول قول الشاعر فـي البـيت: (جرمت فزارةُ): كسبت فزارة أن يغضبوا قال: وسمعت العرب تقول: فلان جريـمة أهله، بـمعنى: كاسبهم، وخرج يجرمهم: يكسبهم. وهذه الأقوال التـي حكيناها عمن حكيناها عنه متقاربة الـمعنى وذلك أن من حمل رجلاً علـى بغض رجل فقد أكسبه بغضه، ومن أكسبه بغضه فقد أحقه له. فإذا كان ذلك كذلك، فـالذي هو أحسن فـي الإبـانة عن معنى الـحرف، ما قاله ابن عبـاس وقتادة، وذلك توجيهما معنى قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْم: ولا يحملنكم شنآن قوم علـى العدوان. واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار: وَلا يَجْرِمَنّكُم بفتـح الـياء من: جرمته أجْرِمُه. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين، وهو يحيى بـين وثاب والأعمش، ما: ٨٧٢٥ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، أنه قرأ: (وَلا يُجْرِمَنّكُمْ) مرتفعة الـياء من أجرمته أجرمه وهو يُجْرمنـي. والذي هو أولـى بـالصواب من القراءتـين، قراءة من قرأ ذلك: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ بفتـح الـياء، لاستفـاضة القراءة بذلك فـي قرّاء الأمصار وشذوذ ما خالفها، وأنها اللغة الـمعروفة السائرة فـي العرب، وإن كان مسموعا من بعضها: أجرم يُجْرم، علـى شذوذه، وقراءة القرآن بأفصح اللغات أولـى وأحقّ منها بغير ذلك ومن لغة من قال: جَرَمْتُ، قول الشاعر: يا أيّها الـمُشْتَكي عُكْلاً وَما جرَمَتْإلـى القبـائلِ منْ قَتْلٍ وَإبآسُ القول فـي تأويـل قوله تعالـى: شَنَآنُ قَوْمٍ. اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: شَنَآنُ بتـحريك الشين والنون إلـى الفتـح، بـمعنى: بغض قوم توجيها منهم ذلك إلـى الـمصدر الذي يأتـي علـى فَعَلان نظير الطّيَران، والنّسَلان، والعَسَلان، والرّمَلان. وقرأ ذلك آخرون: شَنْآنُ قَوْمٍ بتسكين النون وفتـح الشين، بـمعنى الاسم توجيها منهم معناه إلـى: لا يحملنكم بغض قوم، فـيخرج شنآن علـى تقدير فعلان، لأن فَعَلَ منه علـى فَعِلَ، كما يقال: سكران من سكر، وعطشان من عطش، وما أشبه ذلك من الأسماء. والذي هو أولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب، قراءة من قرأ: شَنَآن بفتـح النون مـحرّكة، لشائع تأويـل أهل التأويـل علـى أن معناه: بغض قوم، وتوجيههم ذلك إلـى معنى الـمصدر دون معنى الاسم. وإذ كان ذلك موجها إلـى معنى الـمصدر، فـالفصيح من كلام العرب فـيـما جاء من الـمصادر علـى الفعلان بفتـح الفـاء تـحريك ثانـيه دون تسكينه، كما وصفت من قولهم: الدّرَجان، والرّمَلان من دَرَجَ وَرَمَل، فكذلك الشنآن من شَنِئة أشنؤه شَنَآنا. ومن العرب من يقول: شَنَان علـى تقدير فَعَال، ولا أعلـم قارئا قرأ ذلك كذلك، ومن ذلك قول الشاعر: ومَا العَيْشُ إلاّ ما يَـلَذّ ويُشْتَهَىوَإنْ لامَ فـيهِ ذُو الشنّانِ وَفَنّدَا وهذا فـي لغة من ترك الهمز من الشنآن، فصار علـى تقدير فَعَال وهو فـي الأصل فَعَلان. ذكر من قال من أهل التأويـل: شَنَآنُ قَوْمٍ: بغض قوم. ٨٧٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ: لا يحملنكم بُغض قوم. وحدثنـي به الـمثنى مرّة أخرى بإسناده، عن ابن عبـاس ، فقال: لا يحملنكم عداوة قوم أن تعتدوا. ٨٧٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ: لا يجرمنكم بغض قوم. ٨٧٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ قال: بغضاؤهم أن تعتدوا. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أنْ صَدّوكُمْ عنْ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ أنْ تَعْتَدُوا. اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الـمدينة وعامة قرّاء الكوفـيـين: أَنْ صَدّوكُمْ بفتـح الألف من (أَن) بـمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم بصدّهم إياكم عن الـمسجد الـحرام أن تعتدوا. وكان بعض قرّاء الـحجاز والبصرة يقرأ ذلك: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إنْ صَدّوكُمْ بكسر الألف من (إن) بـمعنى: ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدّا عن الـمسجد الـحرام، أن تعتدوا. فزعموا أنها فـي قراءة ابن مسعود: إنْ يَصُدّكُمْ فقراءة ذلك كذلك اعتبـارا بقراءته. والصواب من القول فـي ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان فـي قراءة الأمصار، صحيح معنى كلّ واحدة منهما. وذلك أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم صدّ عن البـيت هو وأصحابه يوم الـحديبـية، وأنزلت علـيه سورة الـمائدة بعد ذلك. فمن قرأ: أنْ صَدّوكُمْ بفتـح الألف من (أن) فمعناه: لا يحملنكم بغض قوم أنها الناس من أجل أن صدوكم يوم الـحديبـية عن الـمسجد الـحرام، أن تعتدوا علـيهم. ومن قرأ: إنْ صَدّوكُمْ بكسر الألف، فمعناه: لا يجرمنكم شنآن قوم إن صَدوكم عن الـمسجد الـحرام إذا أردتـم دخوله، لأن الذين حاربوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتـح مكة قد حاولوا صَدّهم عن الـمسجد الـحرام قبل أن يكون ذلك من الصّادّين. غير أن الأمر وإن كان كما وصفت، فإن قراءة ذلك بفتـح الألف أبـين معنى، لأن هذه السورة لا تَدَافُع بـين أهل العلـم فـي أنها نزلت بعد يوم الـحُدَيْبِـيَة. وإذ كان ذلك كذلك، فـالصدّ قد كان تقدّم من الـمشركين، فنهى اللّه الـمؤمنـين عن الاعتداء علـى الصادين من أجل صدّهم إياهم عن الـمسجد الـحرام، وأما قوله: أنْ تَعْتَدُوا فإنه يعنـي: أن تـجاوزا الـحدّ الذي حدّه اللّه لكم فـي أمرهم. فتأويـل الاَية إذن: ولا يحملنكم بُغض قوم لأن صدوكم عن الـمسجد الـحرام أيها الـمؤمنون أن تعتدوا حكم اللّه فـيهم فتـجاوزوه إلـى ما نهاكم عنه، ولكن الزموا طاعة اللّه فـيـما أحببتـم وكرهتـم. وذُكِر أنها نزلت فـي النهي عن الطلب بذحول الـجاهلـية. ذكر من قال ذلك: ٨٧٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أنْ تَعْتَدُوا رجل مؤمن من حلفـاء مـحمد، قَتَل حلـيفـا لأبـي سفـيان من هُذَيب يوم الفتـح بعرفة، لأنه كان يقتل حلفـاء مـحمد، فقال مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: (لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَل بِذَحْلِ الـجاهِلِـيّةِ). حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: هذا منسوخ. ذكر من قال ذلك: ٨٧٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ تَعْتَدُوا قال: بَغْضاؤهم، حتـى تأتوا ما لا يحلّ لكم. وقرأ أنْ صَدّوكُمْ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ أنْ تَعْتَدُوا وتعاونوا، قال: هذا كله قد نسخ، نسخه الـجهاد. وأولـى القولـيبن فـي ذلك بـالصواب قول مـجاهد: إنه غير منسوخ لاحتـماله أن تعتدوا الـحقّ فـيـما أمرتكم به. وإذا احتـمل ذلك، لـم يجزأن يقال: هو منسوخ، إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتَعاوَنُوا علـى البِرّ وَالتّقْوَى وَلا تَعاوَنُوا علـى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ. يعنـي جل ثناؤه بقوله: وَتَعاوَنُووا علـى البِرّ وَالتّقْوَى ولـيعن بعضكم أيها الـمؤمنون بعضا علـى البرّ، وهو العمل بـما أمر اللّه بـالعمل به والتّقْوَى: هو اتقاء ما أمر اللّه بـاتقائه واجتنابه من معاصيهوقوله: وَلا تَعاوَنُوا علـى الإثْمِ وَالعُدْوَان يعنـي: ولا يُعِن بعضكم بعضا علـى الإثم، يعنـي: علـى ترك ما أمركم اللّه بفعله. والعُدْوَانِ يقول: ولا علـى أن تتـجاوزا ما حدّ اللّه لكم فـي دينكم، وفرض لكم فـي أنفسكم وفـي غيركم. وإنـما معنى الكلام: ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن الـمسجد الـحرام أن تعتدوا، ولكن لـيعن بعضكم بعضا بـالأمر بـالانتهاء إلـى ما حدّه اللّه لكم فـي القوم الذين صدّوكم عن الـمسجد الـحرام وفـي غيرهم، والانتهاء عما نهاكم اللّه أن تأتوا فـيهم وفـي غيرهم وفـي سائر ما نهاكم عنه، ولا يعن بعضكم بعضا علـى خلاف ذلك. وبـما قلنا فـي البرّ والتقوى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٨٧٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وتَعَاوَنُوا علـى البِرّ والتّقْوَى البرّ: ما أُمرتَ به، والتقوى: ما نُهيتَ عنه. ٨٧٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية فـي قوله: وتَعَاوَنُوا علـى البِرّ والتّقْوَى قال: البرّ: ما أُمرت به، والتقوى: ما نُهيتَ عنه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه شَدِيدُ العِقابِ. وهذا وعيد من اللّه جل ثناؤه وتهديد لـمن اعتدى حدّه وتـجاوز أمره. يقول عزّ ذكره: وَاتّقُوا اللّه يعنـي: واحذروا اللّه أيها الـمؤمنون أن تلقوه فـي معادكم وقد اعتديتـم حدّه فـيـما حدّ لكم وخالفتـم أمره فـيـما أمركم به أن نهيه فـيـما نهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه وتستـحقوا ألـيـم عذابه ثم وصف عقابه بـالشدة، فقال عزّ ذكره: إن اللّه شديد عقابه لـمن عاقبه من خـلقه، لأنها نار لا يُطْفأ حرّها، ولا يَخْمُد جمرها، ولا يسكن لهبها. نعوذ بـاللّه منها ومن عمل يقرّبنا منها. |
﴿ ٢ ﴾