٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلّ لَهُمْ ... }.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا مـحمد أصحابك ما الذي أُحلّ لهم أكله من الـمطاعم والـمآكل، فقل لهم: أحلّ منها الطيبـات، وهي الـحلال الذي أذن لكم ربكم فـي أكله من الذبـائح، وأحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علـمتـم من الـجوارح، وهن الكواسب من سبـاع البهائم والطير، سميت جوارح لـجرحها لأربـابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد، يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا: إذا أكسبهم خيرا، وفلان جارحة أهله: يعنـي بذلك: كاسبهم، ولا جارحة لفلانة إذا لـم يكن لها كاسب، ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:

ذَاتَ خَدّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُيُذْكِرُ الـجارحَ ما كانَ اجْتَرَحْ

يعنـي: اكتسب. وترك من قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ: (وصيد) ما علـمتـم من الـجوارح اكتفـاء بدلالة ما ذكر من الكلام علـى ما ترك ذكره. وذلك أن القوم فـيـما بلغنا كانوا سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحلّ لهم اتـخاذه منها وصيده، فأنزل اللّه عزّ ذكره فـيـما سألوا عنه من ذلك هذه الاَية فـاستثنى مـما كان حرم اتـخاذه منها، وأمر بقُنـية كلاب الصيد وكلاب الـماشية وكلاب الـحرث، وأذن لهم بـاتـخاذ ذلك. ذكر الـخير بذلك:

٨٨٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا زيد بن حبـاب العكلـي، قال: حدثنا موسى بن عبـيدة، قال: أخبرنا صالـح عن القعقاع بن حكيـم، عن سلـمى أم رافع، عن أبـي رافع، قال: جاء جبريـل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يستأذن علـيه، فأذن له،

فقال: (قد أذنّا لَكَ يا رَسُولَ اللّه )، قال: أجل، ولكنا لا ندخـل بـيتا فـيه كلب. قال أبو رافع: فأمرنـي أن أقتل كل كلب بـالـمدينة، فقتلت حتـى انتهيت إلـى امرأة عندها كلب ينبح علـيها، فتركته رحمة لها، ثم جئت إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرته، فأمرنـي، فرجعت إلـى الكلب فقتلته، فجاءوا

فقالوا: يا رسول اللّه ، ما يحلّ لنا من هذه الأمة التـي أمرتَ بقتلها؟ قال: فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ.

٨٨٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعث أبـا رافع فـي قتل الكلاب، فقتل حتـى بلغ العوالـي، فدخـل عاصم بن عديّ وسعد بن خيثمة وعويـم بن ساعدة،

فقالوا: ماذا أُحلّ لنا يا رسول اللّه ؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ قُلْ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ.

٨٨٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، قال: حدثونا عن مـحمد بن كعب القرظيّ، قال: لـما أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بقتل الكلاب،

قالوا: يا رسول اللّه ، فماذا يحلّ لنا من هذه الأمة؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحِلّ لَهُمْ... الاَية.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـجوارح التـي عنى اللّه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ فقال بعضهم هو كلّ ما علّـم الصيد فتعلـمه من بهيـمة أو طائر. ذكر من قال ذلك:

٨٨٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: كل ما عُلّـم فصاد: من كلب، أو صقر، أو فَهِد، أو غيره.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن: مُكَلّبِـينَ قال: كلّ ما علـم فصاد من كلب أو فهد أو غيره.

٨٨٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي صيد الفهد، قال: هو من الـجوارح.

٨٨٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الطير، والكلاب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الـحجاج، عن عطاء، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن حميد، عن مـجاهد: مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب والطير.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: من الطير والكلاب.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٨٣٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا شعبة (ح) وثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن الهيثم، عن طلـحة بن مصرف، قال: خيثمة بن عبد الرحمن: هذا ما قد بـينت لك أن الصقر والبـازي من الـجوارح.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت الهيثم يحدّث عن طلـحة الإيامي، عن خيثمة، قال: أنبئت أن الصقر، والبـاز، والكلب: من الـجوارح.

٨٨٣٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عن علـيّ بن حسين، قال: البـاز الصقر من الـجوارح.

٨٨٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن شريك، عن جابر، عن أبـي جعفر، قال: البـاز والصقر من الـجوراح الـمكلّبـين.

٨٨٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ يعنـي بـالـجوارح: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشبـاهها.

٨٨٤٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِح مُكَلّبِـينَ قال: من الكلاب وغيرها، من الصقور والبِـيزان وأشبـاه ذلك مـما يعلّـم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الـجوارح: الكلاب والصقور الـمعلـمة.

٨٨٤٣ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن دينار سمع عبـيد بن عمير يقول فـي قوله: مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: الكلاب والطير.

وقال آخرون: إنـما عنى اللّه جل ثناؤه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ الكلاب دون غيرها من السبـاع. ذكر من قال ذلك:

٨٨٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك : وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ قال: هي الكلاب.

٨٨٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ

يقول: أحلّ لكم صيد الكلاب التـي علـمتـموهن.

٨٨٤٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أما ما صاد من الطير والبُزاة من الطير، فما أدركت فهو لك، وإلا فلا تطعَمه.

وأولـى القولـين بتأويـل الاَية، قول من قال: كلّ ما صاد من الطير والسبـاع فمن الـجوارح، وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعلـيـم، لأن اللّه جل ثناؤه عمّ بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ: كلّ جارحة، ولـم يخصص منها شيئا، فكل جارحة كانت بـالصفة التـي وصف اللّه من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها. وقد روِيَ عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحو ما قلنا فـي ذلك خبر، مع ما فـي الاَية من الدلالة التـي ذكرنا علـى صحة ما قلنا فـي ذلك، وهو ما:

٨٨٤٧ـ حدثنا به هناد، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مـجالد، عن الشعبـيّ عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صيد البـازيّ، فـاقل: (ما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ فَكُلْ).

فأبـاح صلى اللّه عليه وسلم صيد البـازي وجعله من الـجوارح، ففـي ذلك دلالة بـينة علـى فساد قول من قال: عنى اللّه بقوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: ما علـمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الـجوارح.

فإن ظنّ ظانّ أن فـي قوله مُكَلّبِـينَ دلالة علـى أن الـجوارح التـي ذكرت فـي قوله: وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ: هي الكلاب خاصة، فقد ظنّ غير الصواب، وذلك أن معنى الاَية: قل أحلّ لكم أيها الناس فـي حال مصيركم أصحاب كلاب الطيبـات وصيد ما علّـمتـموه الصيد من كواسب السبـاع والطير. فقوله: مُكَلّبِـينَ صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب فـي بعض أحيانه، وهو نظير قول القائل يخاطب قوما: أحلّ لكم الطيبـات، وما علـمتـم من الـجوارح مكلبـين مؤمنـين فمعلوم أنه إنـما عنى قائل ذلك إخبـار القوم أن اللّه جلّ ذكره أحلّ لهم فـي حال كونهم أهل إيـمان الطيبـات، وصيد الـجوارح التـي أعلـمهم أنه لا يحلّ لهم منه إلا ما صادوه بها، فكذلك قوله: أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبـاتُ وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مكَلّبِـينَ لذلك نظيره فـي أن التكلـيب للقانص بـالكلاب كان صيده أو بغيرها، لا أنه إعلام من اللّه عزّ ذكره أنه لا يحلّ من الصيد إلا ما صادته الكلاب.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه .

يعنـي جل ثناؤه بقوله: تُعَلّـمُونَهُنّ: تؤدّبون الـجوارح، فتعلـمونهنّ طلب الصيد لكم مـما علـمكم اللّه ، يعنـي بذلك: من التأديب الذي أدبكم اللّه والعلـم الذي علـمكم.

وقد قال بعض أهل التأويـل: معنى قوله: مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه : كما علـمكم اللّه . ذكر من قال ذلك:

٨٨٤٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه

يقول: تعلـمونهنّ من الطلب كما علـمكم اللّه .

ولسنا نعرف فـي كلام العرب (من) بـمعنى الكاف، لأن (من) تدخـل فـي كلامهم بـمعنى التبعيض، والكاف بـمعنى التشبـيه. وإنـما يوضع الـحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنـياهما، فأما إذا اختلفت معانـيهما فغير موجود فـي كلامهم وضع أحدهما عقـيب الاَخر، وكتاب اللّه وتنزيـله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن الـمفهوم والغاية فـي الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.

٨٨٤٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إسماعيـل بن صبـيح، قال: حدثنا أبو هانىء، عن أبـي بشر، قال: حدثنا عامر، أن عديّ بن حاتـم الطائي، قال: أتـى رجل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب، فلـم يدر ما يقول له، حتـى نزلت هذه الاَية: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه .

قـيـل: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك،

فقال بعضهم: هو أن يُسْتَشْلَـى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه، ويـمسك علـيه إذا أخذه فلا يأكل منه، ويستـجيب له إذا دعاه، ولا يفرّ منه إذا أراده، فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلّـما. وهذا قول جماعة من أهل الـحجاز وبعض أهل العراق. ذكر من قال ذلك:

٨٨٥٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عصام، قال: أخبرنا ابن جرج، قال: قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلّـم ويـمسك ويصيد فهو ميَتة، ولا يكون قتله إياه ذكاة حتـى يعلّـم ويُـمسك ويصيد، فإن كان ذلك ثم قَتَل فهو ذكاته.

٨٨٥١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: الـمعلّـم من الكلاب أن يـمسك صيده فلا يأكل منه حتـى يأتـيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.

٨٨٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل، فإنـما أمسك علـى نفسه.

٨٨٥٣ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو الـمعلـى، عن سعيد بن جبـير، قال:

قال ابن عبـاس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده، وإن كان ذكر اسم اللّه حين أرسله فزعم أنه إنـما أمسك علـى نفسه واللّه يقول مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعَلـمُوَنهنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه . فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه أنه لـيس بـمعلـم، وأنه ينبغي أن يضرب ويعلـم حتـى يترك ذلك الـخـلق.

٨٨٥٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معمر الرقـي، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أخذ الكلب فقتل فأكل، فهو سبع.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن ابن عبـاس ، قال: لا يأكل منه، فإنه لو كان معلـما لـم يأكل منه ولـم يتعلـم ما علـمته، إنـما أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن الشعبـيّ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، عن ابن عبـاس ، قال: إذا أكلت الكلاب فلا تأكل.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن الشعبـي، عن ابن عبـاس ، بـمثله.

٨٨٥٥ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا ابن عون، قال: فعلت لعامر الشعبـيّ: الرجل يرسل كلبه فـيأكل منه، أنأكل منه؟ لا، لـم يتعلـم الذي علـمته.

٨٨٥٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، عن ابن عمر، قال: إذا أكل الكلب من صيد فـاضربه، فإنه لـيس بـمعلّـم.

٨٨٥٧ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: إذا أكل الكلب فهو ميتة، فلا تأكله.

٨٨٥٨ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير وسيار، عن الشعبـيّ ومغيرة، عن إبراهيـم أنهم قالوا فـي الكلب: إذا أكل من صيده فلا تأكل، فإنـما أمسك علـى نفسه.

٨٨٥٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد، فما وجدته ميتا فدعه، فإنه مـما لـم يـمسك علـيك صيدا، إنـما هو سبع أمسك علـى نفسه ولـم يـمسك علـيك، وإن كان قد علـم.

٨٨٦٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسن، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: بنـحوه.

وقال آخرون نـحو هذه الـمقالة، غير أنهم حدّوا لـمعرفة الكَلاّب بأن كلبه قد قبل التعلـيـم، وصار من الـجوارح الـحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّات ثلاثا، وهذا قول مـحكيّ عن أبـي يوسف ومـحمد بن الـحسن.

وقال آخرون مـمن قال هذه الـمقالة: لا حدّ لعلـم الكلاّب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعلـيـم

قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلّـما حلالاً صيده. وهذا قول بعض الـمتأخرين.

وفرّق بعض قائلـي هذه الـمقالة بـين تعلـيـم البـازي وسائر الطيور الـجارحة، وتعلـيـم الكلب وضاري السبـاع الـجارحة،

فقال: جائز أكل ما أكل منه البـازي من الصيد.

قالوا: وإنـما تعلـيـم البـازي أن يطير إذا استُشْلـي، ويجب إذا دُعي، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه.

قالوا: ولـيس من شروط تعلـيـمه أن لا يأكل من الصيد. ذكر من قال ذلك:

٨٨٦١ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم وحجاج، عن عطاء، قال: لا بأس بصيد البـازي وإن أكل منه.

٨٨٦٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أسبـاط، قال: حدثنا أبو إسحاق، الشبـيانـيّ، عن حماد، عن إبراهيـم، عن ابن عبـاس أنه قال فـي الطير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإن الكلب إذا ضربته لـم يعُد وإن تعلـيـم الطير: أن يرجع إلـى صاحبه، ولـيس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف من الريش فكُلْ.

٨٨٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن الشعبـي، قال: لـيس البـازي والصقر كالكلب، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتـياك، فكُلْ منه.

٨٨٦٤ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو زبـيد، عن مطرّف، عن حماد، قال إبراهيـم: كُل صيد البـازي وإن أكل منه.

٨٨٦٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، وجابر عن الشعبـيّ، قالا: كل من صيد البـازي وإن أكل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم: إذا أكل البـازي والصقر من الصيد، فكل، فإنه لا يعُلّـم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حماد، عن إبراهيـم، قال: لا بأس بـما أكل منه البـازي.

٨٨٦٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، أنه قال فـي البـازي: إذا أكل منه فكُلْ.

وقال آخرون منهم: سواء تعلـيـم الطير والبهائم والسبـاع، لا يكون نوع من ذلك معلّـما إلا بـما يكون به سائر الأنواع معلـما. و

قالوا: لا يحلّ أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه، كائنة ما كانت تلك الـجارحة بهيـمة أو طائرا.

قالوا: لأن من شروط تعلـيـمها. الذي يحلّ به صيدها، أن تـمسك ما صادت علـى صاحبها فلا تأكل منه. ذكر من قال ذلك:

٨٨٦٧ـ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: حدثنا مـحمد بن سالـم، عن عامر، قال: قال علـيّ: إذا أكل البـازي من صيده فلا تأكل.

٨٨٦٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن جعفر، عن شعبة، عن مـجاهد بن سعيد، عن الشعبـي، قال: إذا أكل البـازي منه فلا تأكل.

٨٨٦٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.

٨٨٧٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن الولـيد السهميّ، قال: سمعت عكرمة، قال: إذا أكل البـازي فلا تأكل.

٨٨٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: الكلب والبـازي كلّه واحد، لا تأكل ما أكل منه من الصيد إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه

قال: قلت لعطاء: البـازي ينتف الريش؟ قال: فما أدركته ولـم يأكل، فكُلْ. قال ذلك غير مرّة.

وقال آخرون: تعلـيـم كل جارحة من البهائم والطير واحد،

قالوا: وتعلـيـمه الذي يحلّ به صيده أن يُشْلَـى علـى الصيد فـيَسْتَشْلِـي ويأخذ الصيد، ويدعوه صاحبه فـيجيب، أو لا يفرّ منه إذا أخذه.

قالوا: فإذا فعل الـجارح ذلك كان معلـما داخلاً فـي الـمعنى الذي قال اللّه : وَما عَلّـمْتُـمْ مِنَ الـجَوَارِحِ مُكَلّبِـينَ تُعْلّـمونهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ

قالوا: ولـيس من شرط تعلـيـم ذلك أن لا يأكل من الصيد،

قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟ ذكر من قال ذلك:

٨٨٧٢ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد أو سعد، عن سلـمان، قال: إذا أرسلت كلبك علـى صيد، وذكرت اسم اللّه فأكل ثلثـيه وبقـي ثلثه، فكل ما بقـي.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا حميد، قال: ثنـي القاسم بن ربـيعة، عمن حدّثه، عن سلـمان وبكر بن عبد اللّه ، عمن حدثه، عن سلـمان: أن الكلب يأخذ الصيد فـيأكل منه، قال: كُلْ وإن أكل ثلثـيه إذا أرسلته وذكرت اسم اللّه وكان معلّـما.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: كل وإن أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل ثلثـيه يعنـي: الصيد إذا أكل منه الكلب.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان، نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد العزيز بن عبد الصمد، عن شعبة (ح) وحدثنا هناد قال: حدثنا عبدة جميعا، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم اللّه فأكل ثلثه فكُلْ.

حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، عن سلـمان، نـحوه.

حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، عن بكر بن عبد اللّه الـمزنـي والقاسم، أن سلـمان قال: إذا أكل الكلب فكل، وإن أكل ثلثـيه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود بن أبـي الفرات، عن مـحمد بن زيد، عن سعيد بن الـمسيب، قال: قال سلـمان: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو بـازك، فسمتَ، فأكَل نصفه أو ثلثـيه، فكل بقـيته.

٨٨٧٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مخرمة بن بكير، عن أبـيه، عن حميد بن مالك بن خثـيـم الدؤلـي، أنه سأل سعد بن أبـي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب،

فقال: كُلْ وإن لـم يبق منه إلا حذْية، يعنـي بَضْعة.

٨٨٧٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنى عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت بكير بن الأشج يحدّث عن سعد، قال: كل وإن أكل ثلثـيه.

٨٨٧٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت بكير بن الأشجّ، عن سعيد بن الـمسيب قال شعبة، قلت: سمعت من سعيد؟ قال: لا قال: كل وإن أكل ثلثـيه

قال: ثم إن شعبة قال فـي حديثه عن سعد، قال: كل وإن أكل نصفه.

٨٨٧٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنى عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن أبـي هريرة، قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه، فإن أكل ثلثـيه وبقـي ثلثه فكُلْ.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن إبـي هريرة، بنـحوه.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن أبـي هريرة، نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي سالـم بن نوح العطار، عن عمر، يعنـي ابن عامر، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان، قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم فأخذ فقلت، فكُلْ وإن أكل ثلثـيه.

٨٨٧٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت عبد اللّه (ح) وحدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن عبـيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن عبد اللّه بن عمر، قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم وذكرت اسم اللّه فكُلْ ما أمسك علـيك، أكل أو لـم يأكل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن نافع، عن ابن عمر، بنـحوه.

٨٨٧٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب أن نافعا حدثهم: أن عبد اللّه بن عمر كان لا يرَى بأكل الصيد بأسا، إذا قتله الكلب أكل منه.

حدثنـي يونس به مرة أخرى،

فقال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عبـيد اللّه بن عمر وابن أبـي ذئب وغير واحد، أن نافعا حدثهم عن عبد اللّه بن عمر، فذكر نـحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأسا بـما أكل الكلب الضاري.

حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبـي ذئب، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشج، عن حميد بن عبد اللّه ، عن سعد، قال: قلت: لنا كلاب ضوار يأكلن ويبقـين؟ قال: كل وإن لـم يبق إلا بَضْعة.

حدثنا هناد، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن ابن أبـي ذئب، عن يعقوب بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن حميد، قال: سألت سعدا، فذكر نـحوه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندنا فـي تأويـل قوله: تُعَلّـمُونَهُنّ مِـمّا عَلّـمَكُمُ اللّه أن التعلـيـم الذي ذكره اللّه فـي هذه الاَية للـجوارح، إنـما هو أن يعلـم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أُشلـي علـى الصيد، وطلبه إياه أغري، أو إمساكه علـيه إذا أَخذ من غير أن يأكل منه شيئا، وألا يفرّ منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه، فذلك هو تعلـيـم جميع الـجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصيد جارحة صائد، فجارحه حينئذٍ غير معلـم. فإن أدرك صاحبه حيّا فذكّاه حلّ له أكله، وإن أدركه ميتا لـم يحلّ له، لأنه مـما أكله السبع الذي حرّمه اللّه تعالـى بقوله: وَما أكَلَ السّبُع ولـم يدرك ذكاته.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لتظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بـما:

٨٨٧٩ـ حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عاصم بن سلـيـمان الأحول، عن الشعبـيّ، عن عديّ بن حاتـم، أنه سأل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الصيد،

فقال: (إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ فـاذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ، فإنْ أدْرَكْتَهُ وقد قَتَلَ وأَكَلَ مِنْهُ، فلا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئا، فإنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ).

حدثنا أبو كريب، وأبو هشام الرفـاعي، قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن بـيان بن بشر، عن عامر، عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب؟ فقال:

(إذَا أرْسَلْتَ كِلابَكَ الـمُعَلّـمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللّه عَلَـيْها، فَكُلْ ما أمْسَكْنَ عَلَـيْكَ وَإنْ قَتَلْنَ، إلاّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ، فإنْ أكَلَ تَأْكُلْ، فإنّـي أخافُ أنْ يَكُونَ إنّـمَا حَبَسَهُ علـى نَفْسِهِ).

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:

٨٨٨٠ـ حدثك به عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى، قال: حدثنا مـحمد بن دينار، عن أبـي إياس، عن سعيد بن الـمسيب، عن سلـمان الفـارسي، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (إذَا أرْسَلَ الرّجُلُ كَلْبَهُ علـى الصّيْدِ فَأدْرَكَهُ وَقَدْ أكَلَ مِنْهُ، فَلـيْأكُلْ ما بَقِـيَ).

قـيـل: هذا خبر فـي إسناده نظر، فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلـمان، والثقات من أهل الاَثار يقـفون هذا الكلام علـى سلـمان ويروونه عنه من قِبَله غير مرفوع إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. والـحفـاظ الثقات إذا تتابعوا علـى نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد لـيس له حفظهم، كانت الـجماعة الأثبـات أحقّ بصحة ما نقلوا من الفرد الذي لـيس له حفظهم. وإذا كان الأمر فـي الكلب علـى ما ذكرت من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلّـم، فكذلك حكم كلّ جارحة فـي أن ما أكل منها من الصيد فغير معلّـم، لا يحلّ له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ.

يعنـي بقوله: فَكُلُوا مِـما أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ: فكلوا أيها الناس مـما أمسكتْ علـيكم جوارحكم.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: ذلك علـى الظاهر والعموم كما عمـمه اللّه حلال أكل كل ما أمسكت علـينا الكلاب والـجوارح الـمعلـمة من الصيد الـحلال أكله، أكل منه الـجارح والكلاب أو لـم يأكل منه، أدركت ذكاته فذُكي أو لـم تدرك ذكاته حتـى قتلته الـجوارح، بجرحها إياه أو بغير جرح. وهذا قول الذين

قالوا: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها أن تعلّـم الاستشلاء علـى الصيد وطلبه إذا أُشلـيت علـيه وأخذَه، وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلـي هذه الـمقالة والرواية عنهم بأسانـيدها الواردة آنفـا.

وقال آخرون: بل ذلك علـى الـخصوص دون العموم،

قالوا: ومعناه: فكلوا مـما أمسكن علـيكم من الصيد جميعه دون بعضه.

قالوا: فإن أكلت الـجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا، فـالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنـما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه علـى أنفسها لا علـينا، واللّه تعالـى ذكره إنـما أبـاح لنا كل ما أمسكته جوارحنا الـمعلّـمة علـيه بقوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ دون ما أمسكته علـى أنفسها، وهذا قول من قال: تعلـيـم الـجوارح الذي يحلّ به صيدها، أن تَسْتَشْلـي للصيد إذا أُشلـيت فتطلبه وتأخذه، فتـمسكه علـى صاحبها فلا تأكل منه شيئا، ولا تفرّ من صاحبها وقد ذكرنا مـمن قال ذلك فـيـما مضى منهم جماعة كثـيرة، ونذكر منهم جماعة آخرين فـي هذا الـموضع.

٨٨٨١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ

يقول: كلوا مـما قلتن. قال علـيّ: وكان ابن عبـاس

يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل، وإن أمسك فأدركته حيّا فذَكّه.

٨٨٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: إن أكل الـمعلـم من الكلاب من صيده قبل أن يأتـيه صاحبه فـيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.

٨٨٨٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَكُلوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولـم يأكل منه، فهو حلّ، فإن أكل منه، فـيقال: إنـما أمسك علـى نفسه، فلا تأكل منه شيئا، إنه لـيس بـمعلّـم.

٨٨٨٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَسْئَلُونَكَ ماذَا أُحلّ لَهُمْ إلـى قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلت كلبك الـمعلـم أو طيرك أو سهمك، فذكرت اسم اللّه ، فأخذ أو قتل، فكل.

٨٨٨٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: إذا أرسلت كلبك الـمعلّـم فذكرت اسم اللّه حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلال، فإذا أكل منه فلا تأكله، فإنـما أمسكه علـى نفسه.

٨٨٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبـيّ، عن عديّ، قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ قال: قلت يا رسول اللّه إن أرضى أرض صيد؟ قال:

(إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمّيْتَ فكُلْ مـما أَمْسَكَ عَلَـيْكَ كَلْبَكَ، وإنْ قَتَلَ، فإنْ أَكَلَ فلا تَأْكُلْ فإنّه إنّـما أمْسَكَ علـى نَفْسِهِ).

وقد بـينا أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قبل، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.

فإن قال قائل: وما وجه دخول (مِن) فـي قوله: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ، وقد أحلّ اللّه لنا صيد جوارحنا الـحلال، (ومن) إنـما تدخـل فـي الكلال مبعضة لـما دخـلت فـيه؟

قـيـل: قد اختلف فـي معنى دخولها فـي هذا الـموضع أهل العربـية، فقال بعض نـحويـي البصرة حين دخـلت (من) فـي هذا الـموضع لغير معنى، كما تدخـله العرب فـي قولهم: كان من مطر، وكان من حديث

قال: ومن ذلك قوله: وَيُكفَرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ،

وقوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماء مِنَ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ

قال: وهو فـيـما فسر: وينزل من السماء جبـالاً فـيها برد

قال: .

وقال بعضهم: وُينزّل مِنَ السّماء مِنْ جِبـالٍ فـيها مِنْ بَرَدٍ أي من السماء من برد، بجعل الـجبـال من برد فـي السماء، وبجعل الإنزال منها. وكان غيره من أهل العربـية يُنكر ذلك و

يقول: لـم تدخـل (من) إلا لـمعنى مفهوم لا يجوز الكلام ولا يصلـح إلا به، وذلك أنها دالة علـى التبعيض. وكان

يقول: معنى قولهم: (قد كان من مطر، وكان من حديث): هل كان من مَطَرٍ مَطَر عندكم، وهل من حَدِيثٍ حُدّث عندكم. و

يقول: معنى وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ أي ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشار ويريد، وفـي قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ فـيجيز حذف (مِنْ) من مِنْ بَرَدٍ ولا يجز حذفها من (الـجبـال)، ويتأوّل معنى ذلك: وينزّل من السماء أمثال جبـال بردَ، ثم أدخـلت (من) فـي البرَد، لأن البرَد مفسر عنده عن الأمثال: أعنـي: أمثال الـجبـال، وقد أقـيـمت الـجبـال مقام الأمثال، والـجبـال وهي جبـال برَد، فلا يجيز حذف (من) من الـجبـال، لأنها دالة علـى أن الذي فـي السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبـال برد، وأجاز حذف (مِنْ) من (البرد)، لأن (البرد) مفسر عن الأمثال، كما تقول: عندي رطلان زيتا، وعندي رطلان من زيت، ولـيس عندك الرطل وإنـما عندك الـمقدار، ف(مِنْ) تدخـل فـي الـمفسر وتـخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السماء، من أمثال جبـال، ولـيس بجبـال

وقال: وإن كان أنزل من جبـال فـي السماء من برد جبـالاً، ثم حذف (الـجبـال) الثانـية و(الـجبـال) الأوّل فـي السماء جاز، تقول: أكلت من الطعام، تريد: أكلت من الطعام طعاما، ثم تـحذف الطعام ولا تسقط (من).

والصواب من القول فـي ذلك، أن (مِنْ) لا تدخـل فـي الكلام إلا لـمعنى مفهوم، وقد يجوز حذفها فـي بعض الكلام وبـالكلام إلـيها حاجة لدلالة ما يظهر من الكلام علـيها، فأما أن تكون فـي الكلام لغير معنى أفـادته بدخولها، فذلك قد بـينا فـيـما مضى أنه غير جائز أن يكون فـيـما صحّ من الكلام. ومعنى دخولها فـي قوله: فَكُلُوا مـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ للتبعيض إذ كانت الـجوارح تـمسك علـى أصحابها ما أحلّ اللّه لهم لـحومه وحرم علـيهم فرثه ودمه، فقال جلّ ثناؤه: فَكُلُوا مِـمّا أمْسَكْنَ عَلَـيْكُمْ جوارحكم الطيبـات التـي أحللت لكم من لـحومها دون ما حرّمت علـيكم من خبـائثه من الفَرْث والدم وما أشبه ذلك مـما لـم أطيبه لكم، فذلك معنى دخول (من) فـي ذلك.

وأما قوله: وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيّئاتِكُمْ فقد بـينا وجه دخولها فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادتهوأما دخولها فـي قوله: ويُنزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فسنبـينه إذا أتـينا علـيه إن شاء اللّه تعالـى:

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: واذْكُرُوا اسْمَ اللّه علـى ما أمسكت علـيكم جوارحكم من الصيد. كما:

٨٨٨٧ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: واذكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ

يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم اللّه ، وإن نسيت فلاحرج.

٨٨٨٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه عَلَـيْهِ قال: إذا أرسلته فسمّ علـيه حين ترسله علـى الصيد.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه إنّ اللّه سَرِيعُ الـحِسابِ.

يعنـي جلّ ثناؤه: واتقوا اللّه أيها الناس فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه، فـاحذروه فـي ذلك أن تقدموا علـى خلافه، وأن تأكلوا من صيد الـجوارح غير الـمعلّـمة أو مـما لـم تـمسك علـيكم من صيدها وأمسكته علـى أنفسها، أو تَطعَموا ما لـم يسمّ اللّه علـيه من الصيد والذبـائح مـما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لـم يوحد اللّه من خـلقه، أو ذبحوه، فإن اللّه قد حرّم ذلك علـيكم فـاجتنبوه. ثم خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلـموا أن اللّه سريع حسابه لـمن حاسبه علـى نعمته علـيه منكم وشكر الشاكر منكم ربه، علـى ما أنعم به علـيه بطاعته إياه فـيـما أمر ونهى، لأنه حافظ لـجميع ذلك فـيكم فـيحيط به، لا يخفـى علـيه منه شيء، فـيجازي الـمطيع منك بطاعته والعاصي بـمعصيته، وقد بـين لكم جزاء الفريقـين.

﴿ ٤