تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الأنفالمَدنـيّة وآيَاتها خمس وَسَبْعُونَ بِسمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ ١القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها الأنفـال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُواْ اللّه وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ }.. اختلف أهل التأويـل فـي معنى الأنفـال التـي ذكرها اللّه فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الغنائم التـي غنـمتها أنت وأصحابك يوم بدر لـمن هي، فقل هي لله ولرسوله. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن عكرمة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم. ١٢٢١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الأنفـال: الـمغنـم. ١٢٢١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم. حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الأنْفـال قال: يعني الغنائم. ١٢٢١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ الأنفـال: الغنائم. ١٢٢١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم. ١٢٢١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الأنفـال: الغنائم. ١٢٢١٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم. وقال آخرون: هي أنفـال السرايا. ذكر من قال ذلك. ١٢٢١٦ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا علـيّ بن صالـح بن حيّ، قال: بلغنـي فـي قوله: يَسأَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: السرايا. وقال آخرون: الأنفـال ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو دابّة وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك. ١٢٢١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن عبد الـملك، عن عطاء، فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: هو ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال دابّة أو عبد أو متاع، ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن عبد الـملك، عن عطاء: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هي ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع أو نفل، فهو للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء. ١٢٢١٨ـ قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن معمر، عن الزهري، أن ابن عبـاس سئل عن الأنفـال، فقال: السلَب والفرس. ١٢٢١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، ويقال: الأنفـال: ما أخذ مـما سقط من الـمتاع بعدما تقسم الغنائم، فهي نفل لله ولرسوله. ١٢٢٢٠ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن مـحمد بن شهاب أن رجلاً قال لابن عبـاس : ما الأنفـال؟ قال: الفرس والدرع والرمـح. ١٢٢٢١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: قال ابن جريج، قال عطاء: الأنفـال: الفرس الشاذّ، والدرع، والثوب. ١٢٢٢٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن ابن عبـاس ، قال: كان ينفّل الرجل فرس الرجل وسلبه. ١٢٢٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن مـحمد، قال: سمعت رجلاً سأل ابن عبـاس عن الأنفـال، فقال ابن عبـاس : الفرس من النفل، والسّلب من النفل. ثم عاد لـمسألته، فقال ابن عبـاس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفـال التـي قال اللّه فـي كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلـم يزل يسأله حتـى كاد يحرجه، فقال ابن عبـاس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صَبِـيغ الذي ضربه عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن القاسم بن مـحمد، قال: قال ابن عبـاس : كان عمر رضي اللّه عنه إذا سئل عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك. ثم قال ابن عبـاس : واللّه ما بعث اللّه نبـيه علـيه السلام إلاّ زاجرا آمرا مـحللاً مـحرّما. قال القاسم: فسلط علـى ابن عبـاس رجل يسأله عن الأنفـال، فقال ابن عبـاس : كان الرجل ينفّل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد علـيه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد علـيه حتـى أغضبه، فقال ابن عبـاس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبـيغ الذي ضربه عمر حتـى سالت الدماء علـى عقبـيه، أو علـى رجلـيه، فقال الرجل: أما أنت فقد انتقم اللّه لعمر منك. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عبد الـملك، عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك فـيـما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين فـي غير قتال من دابّة أو عبد، فهو نفل للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. وقال آخرون: النفل: الـخمس الذي جعله اللّه لأهل الـخمس. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٢٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هو الـخمس. قال الـمهاجرون: لـم يرفع عنا هذا الـخمس؟ لـم يخرج منا؟ فقال اللّه : هو لله والرسول. ١٢٢٢٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن الـحجاج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أنهم سألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الـخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ. قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي معنى الأنفـال قول من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الـجيش أو جميعهم إما من سلبه علـى حقوقهم من القسمة، وإما مـما وصل إلـيه بـالنفل، أو ببعض أسبـابه، ترغيبـا له وتـحريضا لـمن معه من جيشه علـى ما فـيه صلاحهم وصلاح الـمسلـمين، أو صلاح أحد الفريقـين. وقد يدخـل فـي ذلك ما قال ابن عبـاس من أنه الفرس والدرع ونـحو ذلك، ويدخـل فـيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو فرس لأن ذلك أمره إلـى الإمام إذا لـم يكن ما وصلوا إلـيه لغلبة وقهر، يفعل ما فـيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخـل فـيه ما غلب علـيه الـجيش بقهر. وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصواب، لأن النّفَل فـي كلام العرب إنـما هو الزيادة علـى الشيء، يقال منه: نفلتك كذا، وأنفلتك: إذا زدتك، والأنفـال: جمع نَفَل ومنه قول لبـيد بن ربـيعة: إنّ تَقْوَى رَبّنا خَيْرُ نَفَلْوَبـاذْنِ اللّه رَيْثـي وَعَجَلْ فإذ كان معناه ما ذكرنا، فكلّ من زيد من مقاتلة الـجيش علـى سهمه من الغنـيـمة، إن كان ذلك لبلاء أبلاه أو لغناء كان منه عن الـمسلـمين، بتنفـيـل الوالـي ذلك إياه، فـيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة فـي بعض الأحوال بحقّ، فلـيست من الغنـيـمة التـي تقع فـيها القسمة، وكذلك كلّ ما رضخ لـمن لا سهم له فـي الغنـيـمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبـا علـيه فلـيس مـما وقعت علـيه القسمة. فـالفصل إذ كان الأمر علـى ما وصفنا بـين الغنـيـمة والنفل، أن الغنـيـمة هي ما أفـاء اللّه علـى الـمسلـمين من أموال الـمشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل أو لـم ينفل والنفَل: هو ما أعطيه الرجل علـى البلاء والغناء عن الـجيش علـى غير قسمة. وإذ كان ذلك معنى النفل، فتأويـل الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الفضل من الـمال الذي تقع فـيه القسمة من غنـيـمة كفـار قريش الذين قتلوا ببدر لـمن هو قل لهم يا مـحمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء. واختلف فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية، فقال بعضهم: نزلت فـي غنائم بدر لأن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان نفّل أقواما علـى بلاء، فأبلـى أقوام وتـخـلّف آخرون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـاختلفوا فـيها بعد انقضاء الـحرب، فأنزل اللّه هذه الاَية علـى رسوله، يعلـمهم أن ما فعل فـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فماض جائز. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٢٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت داود بن أبـي هند يحدث، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ أتَـى مَكانَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا، أوْ فَعَلَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا) . فتسارع إلـيه الشبـان، وبقـي الشيوخ عند الرايات. فلـما فتـح اللّه علـيهم، جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فأنزل اللّه علـيه الاَية: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ. حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما كان يوم بدر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ صَنَعَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا) قال: فتسارع فـي ذلك شبـان الرجال، وبقـيت الشيوخ تـحت الرايات فلـما كانت الغنائم، جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علـينا، فإنا كنا ردءا لكم، وكنا تـحت الرايات، ولو انكشفتـم لفئتـم إلـينا فتنازعوا، فأنزل اللّه : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ. حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما كان يوم بدر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا وكَذَا مِنَ النّفَلِ) قال: فتقدّم الفتـيان ولزم الـمشيخة الرايات، فلـم يبرحوا، فلـما فتـح علـيهم، قالت الـمشيخة: كنا ردءا لكم، فلو انهزمتـم انـحزتـم إلـينا، لا تذهبوا بـالـمغنـم دوننا فأبى الفتـيان وقالوا: جعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنا فأنزل اللّه : يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: فكان ذلك خيرا لهم، وكذلك أيضا: أطيعونـي فإنـي أعلـم. ١٢٢٢٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عكرمة فـي هذه الاَية: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: لـما كان يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ صَنَعَ كَذَا فَلَهُ مِنَ النّفَلِ كَذَا) فخرج شبـان من الرجال فجعلوا يصنعونه، فلـما كان عند القسمة، قال الشيوخ: نـحن أصحاب الرايات، وقد كنا ردءا لكم فأنزل اللّه فـي ذلك: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ. ١٢٢٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب الزبـيري، قال: ثنـي الـمغيرة بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن سلـيـمان بن موسى، عن مكحول مولـى هذيـل، عن أبـي سلام، عن أبـي أُمامة البـاهلـي، عن عبـادة بن الصامت، قال: أنزل اللّه حين اختلف القوم فـي الغنائم يوم بدر: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـينهم عن سواء. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد، قال: ثنـي عبد الرحمن بن الـحرث وغيره من أصحابنا، عن سلـيـمان بن موسى الأسدي، عن مكحول، عن أبـي أمامة البـاهلـي، قال: سألت عبـادة بن الصامت عن الأنفـال، فقال: فـينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فـي النفل، وساءت فـيه أخلاقنا، فنزعه اللّه من أيدينا، فجعله إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـين الـمسلـمين عن سواء، يقول: علـى السواء، فكان فـي ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وصلاح ذات البـين. وقال آخرون: إنـما نزلت هذه الاَية لأن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأله من الـمغنـم شيئا قبل قسمتها، فلـم يعطه إياه، إذ كان شركا بـين الـجيش، فجعل اللّه جميع ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٢٩ـ حدثنـي إسماعيـل بن موسى السديّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أتـيت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر بسيف، فقلت: يا رسول اللّه هذا السيف قد شفـى اللّه به من الـمشركين فسألته إياه، فقال: (لَـيْسَ هذا لـي ولا لَكَ) . قال: فلـما ولـيت، قلت: أخاف أن يعطيه من لـم يبل بلائي. فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خـلفـي، قال: فقلت: أخاف أن يكون نزل فـيّ شيء قال: (إنّ السّيْفَ قد صَارَ لـي) . قال: فأعطانـيه، ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ. ١٢٢٣٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك، قال: لـما كان يوم بدر، جئت بسيف، قال: فقلت: يا رسول اللّه ، إن اللّه قد شفـي صدري من الـمشركين أو نـحو هذا، فهب لـي هذا السيف فقال لـي: (هَذَا لَـيْسَ لـي وَلا لَكَ) . فرجعت فقلت: عسى أن يعطى هذا من لـم يبل بلائي فجاءنـي الرسول، فقلت: حدث فـيّ حدث: فلـما انتهيت، قال: (يا سَعْدُ إنّكَ سألْتَنِـي السّيْفَ وَلَـيْسَ لـي، وَإنّهُ قَدْ صَارَ لـي فَهُوَ لَكَ) . ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: أصبت سيفـا يوم بدر، فأعجبنـي، فقلت: يا رسول اللّه هبه لـي فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ. حدثنا ابن الـمثنى وابن وكيع، قال ابن الـمثنى، ثنـي معاوية، وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الشيبـانـي، عن مـحمد بن عبـيد اللّه ، عن سعيد بن أبـي وقاص، قال: لـما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكُتـيفة، فجئت به إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (اذْهَبْ فـاطْرَحَهُ فـي القبَض) فطرحته ورجعت وبـي ما لا يعلـمه إلاّ اللّه من قتل أخي وأخذ سلبـي، قال: فما جاوزت إلاّ قريبـا حتـى نزلت علـيه سورة الأنفـال، فقال: (اذْهَبْ فَخُذُ سَيْفَكَ) . ولفظ الـحديث لابن الـمثنى. ١٢٢٣١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة جميعا، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي عبد اللّه بن أبـي بكر، عن قـيس بن ساعدة، قال: سمعت أبـا أسيد بن مالك بن ربـيعة يقول: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر، وكان السيف يدعى الـمرَزُبـان فلـما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يردوا ما فـي أيديهم من النفل، أقبلت به فألقـيته فـي النفل، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يـمنع شيئا يُسأله، فرآه الأرقم بن أبـي الأرقم الـمخزومي، فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأعطاه إياه. ١٢٢٣٢ـ حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن أبـي بكر، عن يحيى بن عمران، عن جده عثمان بن الأرقم، عن عمه، عن جده، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر: (رُدّوا ما كانَ مِنَ الأنْفـالِ) فوضع أبو أسيد الساعدي سيف بن عائد الـمرزبـان، فعرفه الأرقم فقال: هبه لـي يا رسول اللّه قال: فأعطاه إياه. ١٢٢٣٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شبعة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: أصبت سيفـا. قال: فأتـى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه فقال: (ضَعْهُ) ثم قام فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه قال: (ضَعْهُ) قال: ثم قام فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه اجُعل كمن لا غناء له؟ فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أخَذْتَهُ) فنزلت هذه الاَية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أخذت سيفـا من الـمغنـم، فقلت: يا رسول اللّه هب لـي هذا فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ. ١٢٢٣٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن مـجاهد، فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: قال سعد: كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية، فأتـيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: أعطنـي هذا السيف يا رسول اللّه فسكت، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ قال: فأعطانـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال آخرون: بل نزلت لأن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألوا قسمة الغنـيـمة بـينهم يوم بدر فأعلـمهم اللّه أن ذلك لله ولرسوله دونهم لـيس لهم فـيه شيء. وقالوا: معنى (عن) فـي هذا الـموضع (من) وإنـما معنى الكلام: يسألونك من الأنفـال، وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرؤه: (يَسْألُونَكَ الأنْفـالَ) علـى هذا التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (يَسألُونَكَ الأنْفـالَ) . ١٢٢٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هي فـي قراءة ابن مسعود (يَسألُونَكَ الأنْفـالَ) . ذكر من قال ذلك. ١٢٢٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: الأنفـال: الـمغانـم كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالصة لـيس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا الـمسلـمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول. فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال اللّه : يَسألونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفَـالُ لـي جعلتها لرسولـي لـيس لكم فـيها شيء فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ، ثم أنزل اللّه : واعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ ثم قسم ذلك الـخمس لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولـمن سمي فـي الاَية. ١٢٢٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نزلت فـي الـمهاجرين والأنصار مـمن شهد بدرا. قال: واختلفوا فكانوا أثلاثا. قال: فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرسُولِ وملكه اللّه رسوله، فقسمه كما أراه اللّه . ١٢٢٣٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن الـحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جدّه: أن الناس سألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الغنائم يوم بدر، فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ. ١٢٢٤٠ـ قال: حدثنا عبـاد بن العوام، عن جويبر، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك أن تُنَفّلهُمْ. ١٢٢٤١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا أيوب، عن عكرمة، فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك الأنفـال. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى أخبر فـي هذه الاَية عن قوم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأنفـال أن يعطيهموها، فأخبرهم اللّه أنها لله وأنه جعلها لرسوله. وإذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيها، وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه، وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بـين الـجيش. واختلفوا فـيها، أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟ فقال بعضهم: هي منسوخة، وقالوا: نسخها قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن جابر، عن مـجاهد وعكرمة، قالا: كانت الأنفـال لله وللرسول فنسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمَسَهُ وللرّسُولِ. ١٢٢٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: أصاب سعد بن أبـي وقاص يوم بدر سيفـا، فـاختصم فـيه وناس معه، فسألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأخذه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم منهم، فقال اللّه : يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ والرّسُولِ... الاَية، فكانت الغنائم يومئذٍ للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة، فنسخها اللّه بـالـخمس. ١٢٢٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي سلـيـم مولـى أم مـحمد، عن مـجاهد، فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن مـجاهد وعكرمة، أو عكرمة وعامر، قالا: نسخت الأنفـال: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ. وقال آخرون: هي مـحكمة ولـيست منسوخة. وإنـما معنى ذلك: قل الأنفـال لله، وهي لا شكّ لله مع الدنـيا بـما فـيها والاَخرة، وللرسول يضعها فـي مواضعها التـي أمره اللّه بوضعها فـيه. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ فقرأ حتـى بلغ: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاء ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم. ثم جاء بعد الأربعين: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية، ولكم أربعة أخماس، وقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم خَيبر: (وَهَذا الـخُمُسُ مَرْدُودٌ علـى فُقَرائِكُمْ يَصْنَعُ اللّه وَرَسُولَهُ فِـي ذلكَ الـخُمْسَ ما أحَبّـا، وَيَضَعانِهِ حَيْثُ أحَبّـا، ثم أخبرنا اللّه الذي يجب من ذلك) ثم قرأ الاَية: لِذِي القُرْبَى والـيَتامَى والـمَساكِينِ وَابْنِ السّبِـيـلِ كَيْلا يَكونَ دُولَةً بـينَ الأغْنِـياءِ مِنْكُمْ. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفـال لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم ينفل من شاء، فنفل القاتل السلب، وجعل للـجيش فـي البداءة الربع وفـي الرجعة الثلث بعد الـخمس، ونفل قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا فـي بعض الـمغازي. فجعل اللّه تعالـى ذكره حكم الأنفـال إلـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ينفل علـى ما يرى مـما فـيه صلاح الـمسلـمين، وعلـى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته فـي ذلك، ولـيس فـي الاَية دلـيـل علـى أن حكمها منسوخ لاحتـمالها ما ذكرت من الـمعنى الذي وصفت، وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها، فقد دللنا فـي غير موضع من كتبنا علـى أن لا منسوخ إلاّ ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ينفـيه من كلّ معانـيه، أو يأتـي خبر يوجب الـحجة أن أحدهما ناسخ الاَخر. وقد ذُكر عن سعيد بن الـمسيب أنه كان ينكر أن يكون التنفـيـل لأحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تأويلاً منه لقول اللّه تعالـى: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ. ١٢٢٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن مـحمد بن عمرو، قال: أرسل سعيد بن الـمسيب غلامه إلـى قوم سألوه عن شيء، فقال: إنكم أرسلتـم إلـيّ تسألونـي عن الأنفـال، فلا نفل بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقد بـيّنا أن للأئمة أن يتأسوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي مغازيهم بفعله، فـينفلوا علـى نـحو ما كان ينفل، إذا كان التنفـيـل صلاحا للـمسلـمين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ. يقول تعالـى ذكره: فخافوا اللّه أيها القوم، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلـحوا الـحال بـينكم. واختلف أهل التأويـل فـي الذي عنـي ب قوله: وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ فقال بعضهم: هو أمر من اللّه الذين غنـموا الغنـيـمة يوم بدر وشهدوا الوقعة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا اختلفوا فـي الغنـيـمة أن يردّوا ما أصابوا منها بعضهم علـى بعض. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٤٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال: كان نبـيّ اللّه ينفّل الرجل من الـمؤمنـين سلب الرجل من الكفـار إذا قتله، ثم أنزل اللّه : فـاتّقوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ أمرهم أن يردّ بعضُهم علـى بعض. ١٢٢٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان ينفل الرجل علـى قدر جِدّه وغَنائه علـى ما رأى، حتـى إذا كان يوم بدر وملأ الناس أيديهم غنائم، قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوّة بـالغنائم فذكروا ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ لـيردّ أهل القوّة علـى أهل الضعف. وقال آخرون: هذا تـحريج من اللّه علـى القوم، ونهي لهم عن الاختلاف فـيـما اختلفوا فـيه من أمر الغنـيـمة وغيره. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا خالد بن يزيد، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قالا: حدثنا أبو إسرائيـل، عن فضيـل، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ قال: حرّج علـيهم. ١٢٢٥٠ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن سفـيان بن حسين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال هذا تـحريج من اللّه علـى الـمؤمنـين أن يتقوا ويصلـحوا ذات بـينهم. قال عبـاد، قال سفـيان: هذا حين اختلفوا فـي الغنائم يوم بدر. ١٢٢٥١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: أي لا تستبوا. واختلف أهل العربـية فـي وجه تأنـيث البـين، فقال بعض نـحويـي البصرة: أضاف ذات إلـى البـين وجعله ذاتا، لأن بعض الأشياء يوضع علـيه اسم مؤنث، وبعضا يذكر نـحو الدار، والـحائط أنث الدار وذكر الـحائط. وقال بعضهم: إنـما أراد ب قوله: ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: الـحال التـي للبـين فقال: وكذلك (ذات العشاء) يريد الساعة التـي فـيها العشاء. قال: ولـم يضعوا مذكرا لـمؤنث ولا مؤنثا لـمذكر إلاّ لـمعنى. قال أبو جعفر: هذا القول أولـى القولـين بـالصواب للعلة التـي ذكرتها له. وأما قوله: وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ فإن معناه: وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفـال إلـى أمر اللّه وأمر رسوله فـيـما أفـاء اللّه علـيكم، فقد بـين لكم وجوهه وسبُله. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم مصدّقـين رسول اللّه فـيـما آتاكم به من عند ربكم. كما: ١٢٢٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاءا، ويضعانها حيث أرادا. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: لـيس الـمؤمن بـالذي يخالف اللّه ورسوله ويترك اتبـاع ما أنزله إلـيه فـي كتابه من حدوده وفرائضه والانقـياد لـحكمه، ولكن الـمؤمن هو الذي إذا ذكر اللّه وجل قلبه وانقاد لأمره وخضع لذكره خوفـا منه وفَرَقا من عقابه، وإذا قرئت علـيه آيات كتابه صدّق بها وأيقن أنها من عند اللّه ، فـازداد بتصديقه بذلك إلـى تصديقه بـما كان قد بلغه منه قبل ذلك تصديقا وذلك هو زيادة ما تلـى علـيهم من آيات اللّه إياهم إيـمانا. وَعلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: وبـاللّه يوقنون فـي أنّ قضاءه فـيهم ماض فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: الـمنافقون لا يدخـل قلوبهم شيء من ذكر اللّه عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات اللّه ، ولا يتوكلون علـى اللّه ، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدّون زكاة أموالهم. فأخبر اللّه سبحانه أنهم لـيسوا بـمؤمنـين، ثم وصف الـمؤمنـين فقال: إنّـمَا الـمُؤْمنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فأدّوا فرائضه، وَإذَا تُلِـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إيـمَانا يقول: تصديقا، وَعلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: لا يرجون غيره. ١٢٢٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد: الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فرِقت. ١٢٢٥٥ـ قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن السديّ: الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: إذا ذكر اللّه عند الشيء وجل قلبه. حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: إنّـمَا الـمُؤْمِنونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ يقول: إذا ذكر اللّه وجل قلبه. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فَرِقَت. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فرقت. ١٢٢٥٦ـ قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، قال: سمعت السديّ يقول فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: هو الرجل يريد أن يظلـم أو قال: يهمّ بـمعصية أحسبه قال: فـينزع عنه. ١٢٢٥٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان الثوريّ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن شهر بن حوشب، عن أبـي الدرداء، فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: الوجل فـي القلب كإحراق السعفة، أما تـجد له قُشَعْرِيرَةً؟ قال: بلـى. قال: إذا وجدت ذلك فـي القلب فـادع اللّه ، فإن الدعاء يذهب بذلك. ١٢٢٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: فرقا من اللّه ، ووجلاً من اللّه ، وخوفـا من اللّه تبـارك وتعالـى. وأما قوله: زَادَتْهُمْ إيـمَانا فقد ذكرت قول ابن عبـاس فـيه. وقال غيره فـيه، ما: ١٢٢٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: وَإذَا تُلِـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتُه زَادَتْهُمْ إيـمَانا قال: خشية. ١٢٢٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَإذَا تُلِلـيَتْ عَلَـيْهِمْ آياتِهُ زَادَتْهُمْ إيـمَانا وَعلـى رَبهِمْ يَتَوّكَلُونَ قال: هذا نعت أهل الإيـمان، فأثبت نعتهم، ووصفَهم فأثبت صفتهم. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: الذين يؤدّون الصلاة الـمفروضة بحدودها، وينفقون مـما رزقهم اللّه من الأموال فـيـما أمرهم اللّه أن ينفقوها فـيه من زكاة وجهاد وحجّ وعمرة ونفقة علـى من تـجب علـيهم نفقته، فـيؤدّون حقوقهم. أولَئِكَ يقول: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال. هُمُ الـمُؤْمِنُونَ لا الذين يقولون بألسنتهم قد آمنا وقلوبهم منطوية علـى خلافه نفـاقا، لا يقـيـمون صلاة ولا يؤدّون زكاة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٦١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: الصلوات الـخمس. ومـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يقول: زكاة أموالهم. ٤أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا يقول: برئوا من الكفر. ثم وصف اللّه النفـاق وأهله، فقال: إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بـاللّه وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أنْ يُفَرّقُوا بـينَ اللّه وَرُسُلِهِ... إلـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقّا فجعل اللّه الـمؤمن مؤمنا حقّا، وجعل الكافر كافرا حقّا، وهو قوله: هُوَ الّذِي خَـلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ. ١٢٢٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا قال: استـحقوا الإيـمان بحقّ، فأحقه اللّه لهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ. يعني جل ثناؤه ب قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ لهؤلاء الـمؤمنـين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم درجات، وهي مراتب رفـيعة. ثم اختلف أهل التأويـل فـي هذه الدرجات التـي ذكر اللّه أنها لهم عنده ما هي، فقال بعضهم: هي أعمال رفـيعة وفضائل قدّموها فـي أيام حياتهم. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٦٣ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى القتات، عن مـجاهد: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: أعمال رفـيعة. وقال آخرون: بل ذلك مراتب فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٦٤ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن هشام بن جبلة، عن عطية، عن ابن مـحيريز: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: الدرجات سبعون درجة، كل درجة حضر الفرس الـجواد الـمضمّر سبعين سنة. وقوله وَمَغْفرَةٌ يقول: وعفو عن ذنوبهم وتغطية علـيها. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قـيـل: الـجنة. وهو عندي ما أعدّ اللّه فـي الـجنة لهم من مزيد الـمآكل والـمشارب وهنـيء العيش. ١٢٢٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: وَمَغْفِرَةٌ قال: لذنوبهم. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ قال: الـجنة. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ }.. اختلف أهل التأويـل فـي الـجالب لهذه الكاف التـي فـي قوله: كما أخْرَجَكَ وما الذي شبه بإخراج اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ. فقال بعضهم: شبه به فـي الصلاح للـمؤمنـين، اتقاؤهم ربهم، وإصلاحهم ذات بـينهم، وطاعتهم اللّه ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول اللّه : وأصلـحوا ذات بـينكم، فإن ذلك خير لكم، كما أخرج اللّه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ كان خيرا له. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٦٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عكرمة: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ... الاَية: أي إن هذا خير لكم، كما كان إخراجك من بـيتك بـالـحقّ خيرا لك. وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربك يا مـحمد من بـيتك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين كذلك هم يكرهون القتال، فهم يجادلونك فـيه بعد ما تبـين لهم. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: كذلك يجادلونك فِـي الـحقّ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كمَا أخْرَجَك رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ كذلك يجادلونك فـي الـحقّ، القتال. ١٢٢٦٨ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: كذلك أخرجك ربك. ١٢٢٦٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أنزل اللّه فـي خروجه يعني خروج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى بدر ومـجادلتهم إياه، فقال: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ لطلب الـمشركين، يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ. اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: ذلك أمر من اللّه لرسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يـمضي لأمره فـي الغنائم، علـى كُره من أصحابه، كما مضى لأمره فـي خروجه من بـيته لطلب العير وهم كارهون. وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفـال مـجادلة كما جادلوك يوم بدر، فقالوا: أخرجتنا للعير، ولـم تعلـمنا قتالاً فنستعدّ له. وقال بعض نـحويـي البصرة: يجوز أن يكون هذا الكاف فـي: كمَا أخْرَجَكَ علـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقّا كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وقـيـل: الكاف بـمعنى (علـى) . وقال آخرون منهم: هي بـمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والذي أخرجك ربك. قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال فـي ذلك بقول مـجاهد، وقال معناه: كما أخرجك ربك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين، كذلك يجادلونك فـي الـحقّ بعدما تبـين. لأن كلا الأمرين قد كان، أعنـي خروج بعض من خرج من الـمدينة كارها، وجِدَالهم فـي لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعض، فتشبـيه بعض ذلك ببعض مع قرب أحدهما من الاَخر أولـى من تشبـيهه بـما بعد عنه. وقال مـجاهد فـي الـحقّ الذي ذكر أنهم يجادلون فـيه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعدما تبـينوه: هو القتال. ١٢٢٧٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ قال: القتال. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وأما قوله: مِنْ بَـيْتِكَ فإن بعضهم قال: معناه من الـمدينة. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي بزة: كمَا أخْرَجكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ الـمدينة إلـى بدر. ١٢٢٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي مـحمد بن عبـاد بن جعفر، فـي قوله: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ قال: من الـمدينة إلـى بدر. وأما قوله: وإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ فإن كرَاهتهم كانت كما: ١٢٢٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبـي بكر ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبـير وغيرهم من علـمائنا، عن عبد اللّه بن عبـاس، قالوا: لـما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأبـي سفـيان مقبلاً من الشأم، ندب إلـيهم الـمسلـمين، وقال: (هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فـيها أمْوَالُهُمْ، فـاخْرُجُوا إلـيها لعَلّ اللّه أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا) فـانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لـم يظنوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يـلقـى حربـا. ١٢٢٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ لطلب الـمشركين. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنُوا ب قوله: يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ فقال بعضهم: عُنـي بذلك: أهل الإيـمان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذين كانوا معه حين توجه إلـى بدر للقاء الـمشركين. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: لـما شاور النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي لقاء القوم، وقال له سعد بن عبـادة ما قال: وذلك يوم بدر، أمر الناس، فتعبوا للقتال، وأمرهم بـالشوكة، وكره ذلك أهل الإيـمان، فأنزل اللّه : كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنّ فَرِيقا مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ كأنّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. ١٢٢٧٦ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم ذكر القوم، يعني أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومسيرهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حين عرف القوم أن قريشا قد سارت إلـيهم، وأنهم إنـما خرجوا يريدون العير طمعا فـي الغنـيـمة، فقال: كمَا أخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ... إلـى قوله: لَكارِهُونَ أي كراهية للقاء القوم، وإنكارا لـمسير قريش حين ذكروا لهم. وقال آخرون: عُنـي بذلك الـمشركون. ذكر من قال ذلك. ٦١٢٢٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يُجادِلُونَكَ فِـي الـحقّ بَعْدَما تَبَـيّنَ كأنّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ قال: هؤلاء الـمشركون جادلوك فـي الـحق كأنـما يساقون إلـى الـموت حين يُدعون إلـى الإسلام، وهم يَنْظُرُونَ قال: ولـيس هذا من صفة الاَخرين، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر. ١٢٢٧٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد، قال: ثنـي عبد العزيز بن مـحمد، عن ابن أخي الزهري، عن عمه، قال: كان رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفسر: كَأنّـمَا يُسَاقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى العير. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس وابن إسحاق، من أن ذلك خبر من اللّه عن فريق من الـمؤمنـين أنهم كرهوا لقاء العدوّ، وكان جدالهم نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن قالوا: لـم يعلـمنا أنا نلقـى العدوّ فنستعدّ لقتالهم، وإنـما خرجنا للعير. ومـما يدلّ علـى صحة قوله: وَإذْ يَعِدكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّها لَكُم وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ففـي ذلك الدلـيـل الواضح لـمن فهم عن اللّه أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين وأن جدالهم كان فـي القتال كما قال مـجاهد، كراهية منهم له، وأن لا معنى لـما قال ابن زيد، لأن الذي قبل قوله: يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ خبر عن أهل الإيـمان، والذي يتلوه خبر عنهم، فأن يكون خبرا عنهم أولـى منه بأن يكون خبرا عمن لـم يجر له ذكر. وأما قوله: بَعْدَما تَبَـيّنَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله، فقال بعضهم: معناه: بعدما تبـين لهم أنك لا تفعل إلاّ ما أمرك اللّه . ذكر من قال ذلك. ١٢٢٧٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: بَعْدَما تَبَـيّنَ أنك لا تصنع إلاّ ما أمرك اللّه به. وقال آخرون: معناه يجادلونك فـي القتال بعدما أمرت به. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٨٠ـ رواه الكلبـي، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس . وأما قوله كأنّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فإن معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك فـي لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلـى لقائهم للقتال يساقون إلـى الـموت. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال قال ابن إسحاق: كأنّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ: أي كراهة للقاء القوم، وإنكارا لـمسير قريش حين ذكروا لهم. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّه إِحْدَى الطّائِفَتِيْنِ أَنّهَا لَكُمْ ...}.. يقول تعالـى ذكره: واذكروا أيها القوم إذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ يعني : إحدى الفرقتـين، فرقة أبـي سفـيان بن حرب والعير، وفرقة الـمشركين الذين نفروا من مكة لـمنع عيرهم. وقوله: أنّها لَكُمْ يقول: إن ما معهم غنـيـمة لكم. وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَة تَكُونُ لَكُمْ يقول: وتـحبون أن تكون تلك الطائفة التـي لـيست لها شوكة، يقول: لـيس لها حدّ ولا فـيها قتال أن تكون لكم، يقول: تودّون أن تكون لكم العير التـي لـيس فـيها قتال لكم دون جماعة قريش الذين جاءوا لـمنع عيرهم الذين فـي لقائهم القتال والـحرب. وأصل الشوكة من الشوك. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٨٢ـ حدثنا علـيّ بن نصر، وعبد الوارث بن عبد الصمد، قالا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبـان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة: أن أبـا سفـيان أقبل ومن معه من ركبـان قريش مقبلـين من الشأم، فسلكوا طريق الساحل فلـما سمع بهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ندب أصحابه، وحدثهم بـما معهم من الأموال وبقلة عددهم. فخرجوا لا يريدون إلاّ أبـا سفـيان، والركب معه لا يرونها إلاّ غنـيـمة لهم، لا يظنون أن يكون كبـير قتال إذا رأوهم. وهي ما أنزل اللّه : وتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ. ١٢٢٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن مسلـم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبـي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبـير وغيرهم من علـمائنا، عن عبد اللّه بن عبـاس، كلّ قد حدثنـي بعض هذا الـحديث فـاجتـمع حديثهم فـيـما سقت من حديث بدر، قالوا: لـما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأبـي سفـيان مقبلاً من الشأم ندب الـمسلـمين إلـيهم، وقال: (هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فـيها أمْوَالُهُمْ، فـاخْرُجُوا إلَـيْهَا لعلّ اللّه أنْ يُنَفّلَكُمُوهَا) فـانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لـم يظنوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يـلقـي حربـا. وكان أبو سفـيان حين دنا من الـحجاز يتـجسس الأخبـار ويسأل من لقـي من الركبـان تـخوّفـا من الناس، حتـى أصاب خبرا من بعض الركبـان أن مـحمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفـاري، فبعثه إلـى مكة، وأمره أن يأتـي قريشا يستنفرهم إلـى أموالهم ويخبرهم أن مـحمدا قد عرض لها فـي أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلـى مكة، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي أصحابه، حتـى بلغ واديا يقال له ذَفِرَان، فخرج منه، حتـى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الـخبر عن قريش بـمسيرهم لـيـمنعوا عيرهم، فـاستشار النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي اللّه عنه فقال فأحسن ثم قام عمر رضي اللّه عنه فقال فأحسن، ثم قام الـمقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللّه امض إلـى حيث أمرك اللّه فنـحن معك، واللّه لا نقول كما قالت بنو إسرائيـل لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بـالـحقّ لئن سرت بنا إلـى بِرك الغماد يعني مدينة الـحبشة لـجالدنا معك من دونه حتـى تبلغه فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيرا، ثم دعا له بخير، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أشِيرُوا عَلـيّ أيّها النّاسُ) وإنـما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بـايعوه علـى العقبة، قالوا: يا رسول اللّه إنا برآء من ذمامك حتـى تصل إلـى ديارنا، فإذا وصلت إلـينا فأنت فـي ذمتنا، نـمنعك مـما نـمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاف أن لا تكون الأنصار ترى علـيها نصرته إلاّ مـمن دهمه بـالـمدينة من عدّوه، وأن لـيس علـيهم أن يسير بهم إلـى عدوّ من بلادهم. قال: فلـما قال ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول اللّه ؟ قال: (أجَلْ) . قال: فقد آمنّا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الـحقّ، وأعطيناك علـى ذلك عهودنا ومواثـيقنا علـى السمع والطاعة فـامض يا رسول اللّه لـما أردت، فوالذي بعثك بـالـحقّ إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لـخضناه معك ما تـخـلف منا رجل واحد، وما نكره أن يـلقانا عدوّنا غدا، إنا لصُبُر عند الـحرب، صُدُق عند اللقاء، لعلّ اللّه أن يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا علـى بركة اللّه فسرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال: (سِيرُوا علـى بَرَكَةِ اللّه وأبْشِرُوا، فإنّ اللّه قَدْ وَعَدَنِـي إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ، وَاللّه لَكأنـي أنْظُرُ الاَنَ إلـى مَصَارِعِ القَوْمِ غَدا) . ١٢٢٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أن أبـا سفـيان أقبل فـي عير الشأم فـيها تـجارة قريش، وهي اللطيـمة، فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها قد أقبلت فـاستنفر الناس، فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، فبعث عينا له من جهينة، حلـيفـا للأنصار يُدعى ابن الأريقط، فأتاه بخبر القوم. وبلغ أبـا سفـيان خروج مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فبعث إلـى أهل مكة يستعينهم، فبعث رجلاً من بنـي غفـار يُدعى ضمضم بن عمرو، فخرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ولا يشعر بخروج قريش، فأخبره اللّه بخروجهم، فتـخوّف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا: إنا عاهدنا أن نـمنعك إن أرادك أحد ببلدنا. فأقبل علـى أصحابه فـاستشارهم فـي طلب العير، فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: إنـي قد سلكت هذا الطريق، فأنا أعلـم به، وقد فـارقهم الرجل بـمكان كذا وكذا، فسكت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، ثم عاد فشاورهم، فجعلوا يشيرون علـيه بـالعير. فلـما أكثر الـمشورة، تكلـم سعد بن معاذ فقال: يا رسول اللّه ، أراك تشاور أصحابك فـيشيرون علـيك وتعود فتشاورهم، فكأنك لا ترضى ما يشيرون علـيك وكأنك تتـخوّف أن تتـخـلف عنك الأنصار، أنت رسول اللّه ، وعلـيك أنزل الكتاب، وقد أمرك اللّه بـالقتال ووعدك النصر، واللّه لا يخـلف الـميعاد، امض لـما أمرت به فوالذي بعثك بـالـحقّ لا يتـخـلف عنك رجل من الأنصار ثم قام الـمقداد بن الأسود الكندي، فقال: يا رسول اللّه إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيـل لـموسى: اذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ ولكنا نقول: أقدم فقاتل إنا معك مقاتلون ففرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك وقال: (إنّ رَبّـي وَعَدَنِـي القَوْمَ وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إلَـيْهِمْ) فساروا. ١٢٢٨٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّها لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غير ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: الطائفتان إحداهما أبو سفـيان بن حرب إذ أقبل بـالعير من الشأم، والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش. فكره الـمسلـمون الشوكة والقتال، وأحبوا أن يـلقوا العير، وأراد اللّه ما أراد. ١٢٢٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ قال: أقبلت عير أهل مكة يريد: من الشام فبلغ أهل الـمدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريدون العِير. فبلغ ذلك أهل مكة، فسارعوا السير إلـيها لا يغلب علـيها النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، فسبقت العير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان اللّه وعدهم إحدى الطائفتـين، فكانوا أن يـلقوا العير أحبّ إلـيهم وأيسر شوكة وأحضر مغنـما. فلـما سبقت العير، وفـاتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، سار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـمسلـمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة فـي القوم. ١٢٢٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: أرادوا العير، قال: ودخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة فـي شهر ربـيع الأوّل، فأغار كرز بن جابر الفهري يريد سرح الـمدينة حتـى بلغ الصفراء، فبلغ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فركب فـي أثره، فسبقه كرز بن جابر، فرجع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأقام سنته. ثم إن أبـا سفـيان أقبل من الشأم فـي عير لقريش، حتـى إذا كان قريبـا من بدر، نزل جبريـل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأوحى إلـيه: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فنفر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بجميع الـمسلـمين، وهو يومئذٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً، منهم سبعون ومئتان من الأنصار، وسائرهم من الـمهاجرين. وبلغ أبـا سفـيان الـخبر وهو بـالبطم، فبعث إلـى جميع قريش وهم بـمكة، فنفرت قريش وغضبت. ١٢٢٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: كان جبريـل علـيه السلام قد نزل، فأخبره بـمسير قريش وهي تريد عيرها، ووعده: إما العير، وإما قريشا وذلك كان ببدر، وأخذوا السقاة وسألوهم، فأخبروهم، فذلك قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هم أهل مكة. ١٢٢٨٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ... إلـى آخر الاَية: خرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى بدر وهم يريدون يعترضون عيرا لقريش، قال: وخرج الشيطان فـي صورة سراقة بن جعشم، حتـى أتـى أهل مكة، فـاستغواهم وقال: إن مـحمدا وأصحابه قد عرضوا لعيركم، وقال: لا غالب لكم الـيوم من الناس مَن مثلكم، وإنـي جار لكم أن تكونوا علـى ما يكره اللّه . فخرجوا ونادوا أن لا يتـخـلف منا أحد إلاّ هدمنا داره واستبحناه وأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بـالروحاء عينا للقوم، فأخبره بهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه قَدْ وَعَدَكُمُ العِيرَ أوِ القَوْمَ) . فكانت العير أحبّ إلـى القوم من القوم، كان القتال فـي الشوكة، والعير لـيس فـيها قتال، وذلك قول اللّه :وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال: الشوكة: القتال، وغير الشوكة: العير. ١٢٢٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري، قال: حدثنا عبد اللّه بن وهب، عن ابن لهيعة، عن ابن أبـي حبـيب، عن أبـي عمران، عن أبـي أيوب، قال: أنزل اللّه جل وعزّ:وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ فلـما وعدنا إحدى الطائفتـين أنها لنا طابت أنفسنا. والطائفتان: عير أبـي سفـيان، أو قريش. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، عن أسلـم أبـي عمران الأنصاريّ، أحسبه قال: قال أبو أيوب: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ أنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قالوا: الشوكة: القوم وغير الشوكة: العير فلـما وعدنا اللّه إحدى الطائفتـين: إما العير، وإما القوم، طابت أنفسنا. ١٢٢٩١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: ثنـي يعقوب بن مـحمد، قال: ثنـي غير واحد، فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ إن الشوكة قريش. ١٢٢٩٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ هي عير أبـي سفـيان، ودّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن العير كانت لهم وأن القتال صُرِف عنهم. ١٢٢٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ: أي الغنـيـمة دون الـحرب. وأما قوله: أنّهَا لَكُمْ ففُتـحت علـى تكرير (يَعِدُ) ، وذلك أن قوله: يَعِدُكُمُ اللّه قد عمل فـي إحدى الطائفتـين. فتأويـل الكلام: وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّه إحْدَى الطّائِفَتَـيْنِ يعدكم أن إحدى الطائفتـين لكم، كما قال: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِـيَهُمْ بَغْتَةً. قال: وَتَوَدّونَ أنّ غيرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ فأنث (ذات) لأنه مراد بها الطائفة. ومعنى الكلام: وتودون أن الطائفة التـي هي غير ذات الشوكة تكون لكم، دون الطائفة ذات الشوكة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ويُرِيدُ اللّه أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ. يقول تعالـى ذكره: ويريد اللّه أن يحقّ الإسلام ويعلـيه بكلـماته، يقول: بأمره إياكم أيها الـمؤمنون بقتال الكفـار، وأنتـم تريدون الغنـيـمة والـمال. وقوله: وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ يقول: يريد أن يجبّ أصل الـجاحدين توحيد اللّه . وقد بـيّنا فـيـما مضى معنى دابر، وأنه الـمتأخر، وأن معنى قطعه الإتـيان علـى الـجميع منهم. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك. ١٢٢٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه :وَيُرِيدُ اللّه أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم، هذا خير لكم من العير. ١٢٢٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَيُرِيدُ اللّه أنْ يُحِقّ الـحَقّ بكَلِـماتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافِرِينَ: أي الوقعة التـي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{لِيُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: ويريد اللّه أن يقطع دابر الكافرين كيـما يحقّ الـحقّ، كيـما يعبد اللّه وحده دون الاَلهة والأصنام، ويعزّ الإسلام، وذلك هو تـحقـيق الـحقّ ويُبْطِلَ البَـاطِلَ يقول ويبطل عبـادة الاَلهة والأوثان والكفر ولو كَرِهَ ذلك الذين أجرموا، فـاكتسبوا الـمآثم والأوزار من الكفـار. ١٢٢٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِـيُحِقّ الـحَقّ وَيُبْطِلَ البـاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الـمُـجْرِمُونَ هم الـمشركون. وقـيـل: إن الـحقّ فـي هذا الـموضع: اللّه عزّ وجلّ. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }.. يقول تعالـى ذكره: ويبطل البـاطل حين تستغيثون ربكم، ف (إذا) من صلة (يبطل) ومعنى قوله: تسْتَغيثونَ رَبّكُمْ: تستـجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنصر علـيهم. فـاسْتَـجابَ لَكُمْ يقول: فأجاب دعاءكم بأنـي مـمدكم بألف من الـملائكة يُردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل وجاءت الرواية عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر الأخبـار بذلك. ١٢٢٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن عكرمة بن عمار، قال: ثنـي سماك الـحنفـي، قال: سمعت ابن عبـاس يقول: ثنـي عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه قال: لـما كان يوم بدر ونظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمشركين وعدتهم، ونظر إلـى أصحابه نـيفـا علـى ثلاث مئة، فـاستقبل القبلة، فجعل يدعو و يقول: (اللهمّ أنْـجِزْ لـي ما وَعَدَتْنـي اللّه مّ إنْ تَهْلِكَ هَذهِ العِصَابَةُ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ، لا تُعْبَدْ فِـي الأرْضِ) فلـم يزل كذلك حتـى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، فوضع رداءه علـيه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: كفـاك يا نبـيّ اللّه بأبـي وأمي مناشدتك ربك، فإنه سينـجز لك ما وعدك فأنزل اللّه : إذْ تَسْتَغِثُونَ رَبّكُمْ فـاسْتَـجابَ لَكُمْ أنّـي مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ. ١٢٢٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: لـما اصطفّ القوم، قال أبو جهل: اللهمّ أولانا بـالـحقّ فـانصره ورفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده، فقال: (يا رَبّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِـي الأرْضِ أبَدا) . ١٢٢٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: قام النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (اللّه مّ رَبّنا أنْزَلْتَ عَلـيّ الكِتابَ، وأمَرْتَنِـي بـالقِتالِ، وَوَعَدْتَنِـي بـالنّصْرِ، وَلا تُـخْـلِفُ الـمِيعادَ) فأتاهُ جِبرِيـل علـيه السلام، فأنزل اللّه : ألَنْ يَكْفِـيَكُمْ أنْ يُـمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُنْزَلِـينَ بَلـى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُـمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ. ١٢٣٠٠ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن ابن إسحاق، عن زيد بن يُثَـيْع قال: كان أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي العريش، فجعل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يدعو، يقول: (اللّه مّ انْصُرْ هَذِهِ العِصَابَةَ، فإنّكَ إنْ لَـمْ تَفْعَلْ لَنْ تُعْبَدَ فـي الأرْض) قال: فقال أبو بكر: بَعْضَ مناشدتك منـجزك ما وعدك. ١٢٣٠١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يدعو اللّه ويستغيثه ويستنصره، فأنزل اللّه علـيه الـملائكة. ١٢٣٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ قال: دعا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. ١٢٣٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ: أي بدعائكم حين نظروا إلـى كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فـاستـجاب لكم بدعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعائكم معه. ١٢٣٠٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن أبـي صالـح، قال: لـما كان يوم بدر، جعل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يناشد ربه أشدّ النشدة، يدعو فأتاه عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه فقال: يا رسول اللّه بعض نشدتك، فواللّه لـيفـينّ اللّه لك بـما وعدك. وأما قوله: أنّـي مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ فقد بـينا معناه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : أنّـي مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ يقول: الـمزيد، كما تقول: ائت الرجل فزده كذا وكذا. ١٢٣٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أحمد بن بشير، عن هارون بن عنترة، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : مُرْدِفِـينَ قال: متتابعين. قال: ثنـي أبـي، عن سفـيان، عن هارون بن عنترة، عن ابن عبـاس ، مثله. ١٢٣٠٧ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : مُـمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ قال: وراء كلّ ملك ملك. حدثنـي ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي كدينة يحيى بن الـمهلب، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : مُرْدِفِـينَ قال: متتابعين. ١٢٣٠٨ـ قال: حدثنا هانىء بن سعيد، عن حجاج بن أرطأة، عن قابوس، قال: سمعت أبـا ظبـيان يقول: مُرْدِفِـينَ قال: الـملائكة بعضهم علـى إثر بعض. ١٢٣٠٩ـ قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: مُرْدِفِـينَ قال: بعضهم علـى إثر بعض. ١٢٣١٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. ١٢٣١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: مُرْدِفِـينَ قال: مـمدين. قال ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير قال: مُرْدِفِـينَ الإرداف: الإمداد بهم. ١٢٣١٢ـ حدثنـي بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ أي متتابعين. ١٢٣١٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ يتبع بعضهم بعضا. ١٢٣١٤ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مُرْدِفِـينَ قال: الـمردفـين بعضهم علـى إثر بعض، يتبع بعضهم بعضا. ١٢٣١٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ يقول: متتابعين يوم بدر. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: (مُرْدَفِـينَ) بنصب الدال. وقرأه بعض الـمكيـين وعامّة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين: مُرْدِفِـينَ. وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك، ويقول فـيـما ذُكر عنه: هو من أردف بعضهم بعضا. وأنكر هذا القول من قول أبـي عمرو بعض أهل العلـم بكلام العرب، وقال: إنـما الإرداف: أن يحمل الرجل صاحبه خـلفه، قال: ولـم يسمع هذا فـي نعت الـملائكة يوم بدر. واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى ذلك إذا قرىء بفتـح الدال أو بكسرها، فقال بعض البصريـين والكوفـيـين: معنى ذلك إذا قرىء بـالكسر أن الـملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضا علـى لغة من قال: أردفته وقالوا: العرب تقول: أردفته وردفته، بـمعنى: تبعته وأتبعته. واستشهد لصحة قولهم ذلك بـما قال الشاعر: إذَا الـجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثّرَيّاظَنَنْتُ بِآلِ فـاطِمَة الظّنُونا قالوا: فقال الشاعر: (أردفت) ، وإنـما أراد (ردفتُ) جاءت بعدها، لأن الـجوزاء تـجىء بعد الثريا. وقالوا معناه إذا قرىء مُرْدَفِـينَ أنه مفعول بهم، كأن معناه: بألف من الـملائكة يُردف اللّه بعضهم بعضا. وقال آخرون: معنى ذلك إذا كسرت الدال: أردفت الـملائكة بعضها بعضا، وإذا قرىء بفتـحها: أردف اللّه الـمسلـمين بهم. والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأ: بألْفٍ مِنَ الـمَلائِكَةِ مُرْدِفِـينَ بكسر الدال لإجماع أهل التأويـل علـى ما ذكرت من تأويـلهم أن معناه: يتبع بعضهم بعضا ومتتابعين. ففـي إجماعهم علـى ذلك من التأويـل الدلـيـل الواضح علـى أن الصحيح من القراءة ما اخترنا فـي ذلك من كسر الدال، بـمعنى: أردف بعض الـملائكة بعضا، ومسموع من العرب: جئت مِرْدِفـا لفلان: أي جئت بعده. وأما قول من قال: معنى ذلك إذا قرىء (مُرْدَفِـينَ) بفتـح الدال: أن اللّه أردف الـمسلـمين بهم، فقول لا معنى له إذ الذكر الذي فـي مردفـين من الـملائكة دون الـمؤمنـين. وإنـما معنى الكلام: أن يـمدّكم بألف من الـملائكة يردَف بعضهم ببعض، ثم حذف ذكر الفـاعل، وأخرج الـخبر غير مسمى فـاعله، فقـيـل: مُرْدَفِـينَ بـمعنى: مردَف بعضُ الـملائكة ببعض، ولو كان الأمر علـى ما قاله من ذكرنا قوله وجب أن يكون فـي الـمردَفـين ذكر الـمسلـمين لا ذكر الـملائكة، وذلك خلاف ما دلّ علـيه ظاهر القرآن. وقد ذكر فـي ذلك قراءة أخرى، وهي ما: ١٢٣١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: قال عبد اللّه بن يزيد: (مُرْدِفِـينَ) ، ومُرْدَفِـينَ و (مُرْدّفِـينَ) ، مثقل علـى معنى: مُرْتَدِفـين. ١٢٣١٧ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري، قال: ثنـي عبد العزيز بن عمران عن الربعي، عن أبـي الـحويرث، عن مـحمد بن جبـير، عن علـيّ رضي اللّه عنه، قال: نزل جبريـل فـي ألف من الـملائكة عن ميـمنة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وفـيها أبو بكر رضي اللّه عنه، ونزل ميكائيـل علـيه السلام فـي ألف من الـملائكة عن ميسرة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وأنا فـيها. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا جَعَلَهُ اللّه إِلاّ بُشْرَىَ وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّه إِنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.. يقول تعالـى ذكره: لـم يجعل اللّه إرداف الـملائكة بعضها بعضا وتتابعها بـالـمصير إلـيكم أيها الـمؤمنون مددا لكم إلاّ بشرى لكم: أي بشارة لكم تبشركم بنصر اللّه إياكم علـى أعدائكم. وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلوبُكُمْ يقول: ولتسكن قلوبكم بـمـجيئها إلـيكم، وتوقن بنصرة اللّه لكم، وَما النّصْرُ إلاّ مِنْ عِنْدِ اللّه : يقول: وما تُنصرون علـى عدوّكم أيها الـمؤمنون إلاّ أن ينصركم اللّه علـيهم، لا بشدة بأسكم وقواكم، بل بنصر اللّه لكم، لأن ذلك بـيده وإلـيه، ينصر من يشاء من خـلقه. إنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيـمٌ يقول: إن اللّه الذي ينصركم وبـيده نصر من يشاء من خـلقه، عزيز لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل يقهر كلّ شيء ويغلبه، لأنه خـلقه حكيـم، يقول: حكيـم فـي تدبـيره ونصره من نصر، وخذلانه من خذل من خـلقه، لا يدخـل تدبـيره وهن ولا خـلل. ورُوي عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد فـي ذلك ما: ١٢٣١٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول: ما مْدّ النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مـما ذكر اللّه غير ألف من الـملائكة مردفـين، وذكر الثلاثة والـخمسة بشرى، ما مدّوا بأكثر من هذه الألف الذي ذكر اللّه عزّ وجلّ فـي الأنفـال. وأما الثلاثة والـخمسة، فكانت بشرى. وقد أتـينا علـى ذلك فـي سورة آل عمران بـما فـيه الكفـاية. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السّمَآءِ مَآءً لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ ...}.. يقول تعالـى ذكره: ولتطمئن به قلوبكم إذ يعشيكم النعاس. و يعني ب قوله: يُغَشّيكُمُ النّعاسَ: يـلقـي علـيكم النعاس، أمَنَةً يقول: أمانا من اللّه لكم من عدوّكم أن يغلبكم، وكذلك النعاس فـي الـحرب أمنة من اللّه عزّ وجلّ. ١٢٣١٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن عبد اللّه ، قال: النعاس فـي القتال أمنة من اللّه عزّ وجلّ، وفـي الصلاة من الشيطان. حدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، فـي قوله: يغشاكم النعاس أمنة منه، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن عبد اللّه ، بنـحوه، قال: قال عبد اللّه : فذكر مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن عبد اللّه بنـحوه. والأمنة: مصدر من قول القائل: أمنت من كذا أَمَنَةً وأمانا وأمنا، وكلّ ذلك بـمعنى واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أمَنَةً منْهُ: أمانا من اللّه عزّ وجلّ. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أمَنَةً قال: أمنا من اللّه . ١٢٣٢١ـ حدثنـي يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إذْ يُغَشّيكُمُ النّعاسَ أمَنَةً مِنْهُ قال: أنزل اللّه عزّ وجلّ النعاس أمنة من الـخوف الذي أصابهم يوم أُحد. فقرأ: ثُمّ أنْزَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَم أمَنَةً نُعاسا. واختلفت القراء فـي قراءة قوله: (إذْ يُغَشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ) فقرأ ذلك عامّة قراء أهل الـمدينة (يُغَشِيكُمُ النّعاسَ) بضم الـياء وتـخفـيف الشين ونصب (النعاس) ، من أغشاهم اللّه النعاس، فهو يغشيهم. وقرأته عامة قراء الكوفـيـين: يُغَشّيكُم بضم الـياء وتشديد الشين من غشّاهم اللّه النعاس، فهو يُغَشّيهم. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين والبصريـين: (يَغْشاكُم النّعاسُ) بفتـح الـياء ورفع (النعاس) ، بـمعنى غشيهم النعاس، فهو يغشاهم واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله فـي آل عمران: يَغْشَى طائفَةً. وأولـى ذلك بـالصواب: إذْ يُغَشّيكُم علـى ماذكرت من قراءة الكوفـيـين، لإجماع جميع القرّاء علـى قراءة قوله: ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً بتوجيه ذلك إلـى أنه من فعل اللّه عزّ وجلّ، فكذلك الواجب أن يكون كذلك: يُغَشّيكُم إذ كان قوله: ويُنَزّلُ عطفـا علـى (يُغَشّي) ، لـيكون الكلام متسقا علـى نـحو واحد. وأما قوله: ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيّطَهّرَكُمْ بِهِ فإن ذلك مطر أنزله اللّه من السماء يوم بدر، لـيطهر به الـمؤمنـين لصلاتهم لأنهم كانوا أصبحوا يومئذٍ مُـجْنِبـين علـى غير ماء فلـما أنزل اللّه علـيهم الـماء اغتسلوا وتطهروا. وكان الشيطان وسوس لهم بـما حزنهم به من إصبـاحهم مـجنبـين علـى غير ماء، فأذهب اللّه ذلك من قلوبهم بـالـمطر فذلك ربطه علـى قلوبهم وتقويته أسبـابهم وتثبـيته بذلك الـمطر أقدامهم، لأنهم كانوا التقوا مع عدوّهم علـى رَمْلة هَشّاء فلبّدَها الـمطر حتـى صارت الأقدام علـيها ثابتة لا تسوخ فـيها، توطئة من اللّه عزّ وجلّ لنبـيه علـيه الصلاة والسلام وأولـيائه أسبـاب التـمكن من عدوهم والظفر بهم. وبـمثل الذي قلنا، تتابعت الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وغيره من أهل العلـم. ذكر الأخبـار الواردة بذلك: ١٢٣٢٢ـ حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: حدثنا إسرائيـل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن علـيّ رضي اللّه عنه، قال: أصابنا من اللـيـل طشّ من الـمطر يعني اللـيـلة التـي كانت فـي صبـيحتها وقعة بدر فـانطلقنا تـحت الشجر والـحجف، نستظلّ تـحتها من الـمطر، وبـات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو به: (اللّه مّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ لا تُعْبَدْ فـي الأرْضِ) فلـما أن طلع الفجر نادى: الصّلاةَ عِبـادَ اللّه ، فجاء الناس من تـحت الشجر والـحجف، فصلـى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحرّض علـى القتال. ١٢٣٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث وأبو خالد، عن داود، عن سعيد بن الـمسيب: ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ قال: طشّ يوم بدر. حدثنـي الـحسن بن يزيد، قال: حدثنا حفص، عن داود، عن سعيد، بنـحوه. ١٢٣٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد أبـي عديّ وعبد الأعلـى، عن داود، عن الشعبـيّ وسعيد بن الـمسيب، قالا: طش يوم بدر. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن الشعبـي وسعيد بن الـمسيب فـي هذه الاَية: يُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطانِ قالا: طش كان يوم بدر، فثبت اللّه به الأقدام. ١٢٣٢٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إذْ يَغْشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ) ... الاَية، ذكر لنا أنهم مطروا يومئذٍ حتـى سال الوادي ماء، واقتتلوا علـى كثـيب أعفر، فلبده اللّه بـالـماء، وشرب الـمسلـمون وتوضئوا وسَقَوْا، وأذهب اللّه عنهم وسواس الشيطان. ١٢٣٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: نزل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يعني حين سار إلـى بدر والـمسلـمون بـينهم وبـين الـماء رملة دعصة فأصاب الـمسلـمين ضعف شديد، وألقـى الشيطان فـي قلوبهم الغيظ، فوسوس بـينهم: تزعمون أنكم أولـياء اللّه وفـيكم رسوله، وقد غلبكم الـمشركون علـى الـماء وأنتـم تصلون مـجنبـين فأمطر اللّه علـيهم مطرا شديدا، فشرب الـمسلـمون وتطهروا، وأذهب اللّه عنهم رجز الشيطان. وثبت الرمل حين أصابه الـمطر، ومشي الناس علـيه والدوابّ فساروا إلـى القوم، وأمدّ اللّه نبـيه بألف من الـملائكة، فكان جبريـل علـيه السلام فـي خمسمائة من الـملائكة مـجنبة، وميكائيـل فـي خمسمائة مـجنبة. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: (إذْ يُغْشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ) ... إلـى قوله: وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ وذلك أن الـمشركين من قريش لـما خرجوا لـينصروا العير ويقاتلوا عنها، نزلوا علـى الـماء يوم بدر، فغلبوا الـمؤمنـين علـيه، فأصاب الـمؤمنـين الظمأ، فجعلوا يصلون مـجنبـين مـحدثـين، حتـى تعاظم ذلك فـي صدور أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فأنزل اللّه من السماء ماء حتـى سال الوادي، فشرب الـمسلـمون وملئوا الأسقـية، وسقوا الركاب واغتسلوا من الـجنابة، فجعل اللّه فـي ذلك طُهورا، وثبت الأقدام. وذلك أنه كانت بـينهم وبـين القوم رملة فبعث اللّه علـيها الـمطر. فضربها حتـى اشتدت، وثبتت علـيها الأقدام. حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: بـينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمسلـمون، فسبقهم الـمشركون إلـى ماء بدر، فنزلوا علـيه، وانصرف أبو سفـيان وأصحابه تلقاء البحر، فـانطلقوا. قال: فنزلوا علـى أعلـى الوادي، ونزل مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي أسفله. فكان الرجل من أصحاب مـحمد علـيه الصلاة والسلام يُجنب فلا يقدر علـى الـماء، فـيصلـي جنبـا، فألقـى الشيطان فـي قلوبهم، فقال: كيف ترجون أن تظهروا علـيهم وأحدكم يقوم إلـى الصلاة جنبـا علـى غير وضوء؟ قال: فأرسل اللّه علـيهم الـمطر، فـاغتسلوا وتوضئوا وشربوا، واشتدت لهم الأرض، وكانت بطحاء تدخـل فـيها أرجلهم، فـاشتدّت لهم من الـمطر واشتدّوا علـيها. ١٢٣٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : غلب الـمشركون الـمسلـمين فـي أوّل أمرهم علـى الـماء فظمىء الـمسلـمون، وصلوا مـجنبـين مـحدثـين، وكانت بـينهم رمال، فألقـى الشيطان فـي قلوب الـمؤمنـين الـحزن، فقال: تزعمون أن فـيكم نبـيّا وأنكم أولـياء اللّه ، وقد غلبتـم علـى الـماء وتصلون مـجنبـين مـحدثـين؟ قال: فأنزل اللّه ماء من السماء، فسال كلّ واد، فشرب الـمسلـمون وتطهروا، وثبتت أقدامهم، وذهبت وسوسة الشيطان. ١٢٣٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ قال: الـمطر أنزله علـيهم قبل النعاس. رِجْزَ الشّيْطَانِ قال: وسوسته. قال: فأطفأ بـالـمطر الغبـار، والتبدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم. حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ أنزله علـيهم قبل النعاس، طبق الـمطر الغبـار، ولبد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به الأقدام. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ قال: القطر ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وساوسه. أطفأ بـالـمطر الغبـار، ولبد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم. ١٢٣٢٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، رجز الشيطان: وسوسته. ١٢٣٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ قال: هذا يوم بدر أنزل علـيهم القطر. وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطانِ الذي ألقـى فـي قلوبكم لـيس لكم بهؤلاء طاقة. وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ. ١٢٣٣١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إذْ يَغْشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ... إلـى قوله: وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ: إن الـمشركين نزلوا بـالـماء يوم بدر، وغلبوا الـمسلـمين علـيه، فأصاب الـمسلـمين الظمأ، وصلوا مـحدثـين مـجنبـين، فألقـى الشيطان فـي قلوب الـمؤمنـين الـحزن، ووسوس فـيها: إنكم تزعمون أنكم أولـياء اللّه وأن مـحمدا نبـيّ اللّه ، وقد غلبتـم علـى الـماء وأنتـم تصلون مـحدثـين مـجنبـين فأمطر اللّه السماء حتـى سال كلّ واد، فشرب الـمسلـمون وملئوا أسقـيتهم وسقوا دوابهم واغتسلوا من الـجنابة، وثبت اللّه به الأقدام وذلك أنهم كان بـينهم وبـين عدوّهم رملة لا تـجوزها الدوابّ، ولا يـمشي فـيها الـماشي إلاّ بجهد، فضربها اللّه بـالـمطر حتـى اشتدت وثبتت فـيها الأقدام. ١٢٣٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: (إذْ يَغْشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ) : أي أنزلت علـيكم الأمنة حتـى نـمتـم لا تـخافون، ونزل علـيكم من السماء الـمطر الذي أصابهم تلك اللـيـلة، فحبس الـمشركون أن يسبقوا إلـى الـماء، وخُـلـي سبـيـلُ الـمؤمنـين إلـيه. لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطانِ وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَام: لـيذهب عنهم شكّ الشيطان بتـخويفه إياهم عدوّهم، واستـجلاد الأرض لهم، حتـى انتهوا إلـى منزلهم الذي سبق إلـيه عدوّهم. ١٢٣٣٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ثم ذكر ما ألقـى الشيطان فـي قلوبهم من شأن الـجنابة وقـيامهم يصلون بغير وضوء، فقال: (إذْ يَغْشاكُمُ النّعاسُ أمَنَةً مِنْهُ ويُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطانِ وَلِـيَرْبِطَ علـى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَامَ) حتـى تشتدّون علـى الرمل، وهو كهيئة الأرض. ١٢٣٣٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، قال: قال رجل عند سعيد بن الـمسيب، وقال مرّة قرأ: وَيُنَزّلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيُطَهّرَكُمْ بِهِ فقال سعيد: إنـما هي: (وَيُنزِلُ عَلَـيْكُمْ مِنَ السّماءِ ماءً لِـيُطْهِرَكُمْ بِهِ) قال: وقال الشعبـي: كان ذلك طشّا يوم بدر. وقد زعم بعض أهل العلـم بـالغريب من أهل البصرة، أن مـجاز قوله: وَيُثَبّتَ بِهِ الأقْدَام ويفرغ علـيهم الصبر وينزله علـيهم، فـيثبتون لعدوّهم. وذلك قول خلاف لقول جميع أهل التأويـل من الصحابة والتابعين، وحسب قول خطأ أن يكون خلافـا لقول من ذكرنا. وقد بـيّنا أقوالهم فـيه، وأن معناه: ويثبت أقدام الـمؤمنـين بتلبـيد الـمطر الرمل حتـى لا تسوخ فـيه أقدامهم وحوافر دوابهم. ١٢وأما قوله: إذْ يُوحي رَبّكَ إلـى الَـملائِكَةِ أنّـي مَعَكُمْ أنصركم، فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا يقول: قوّوا عزمهم، وصححوا نـياتهم فـي قتال عدوّهم من الـمشركين. وقد قـيـل: إن تثبـيت الـملائكة الـمؤمنـين كان حضورهم حربهم معهم، وقـيـل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم، وقـيـل: كان ذلك بأن الـملك يأتـي الرجل من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم، يعني الـمشركين يقولون: واللّه لئن حملوا علـينا لننكشفن، فـيحدث الـمسلـمون بعضهم بعضا بذلك، فتقوى أنفسهم. قالوا: وذلك كان وحيَ اللّه إلـى ملائكته. وأما ابن إسحاق، فإنه قال بـما: ١٢٣٣٥ـ حدثنا بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا أي فآزروا الذين آمنوا. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: سأُلْقِـي فِـي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ. يقول تعالـى ذكره: سأرعب قلوب الذين كفروا بـي أيها الـمؤمنون منكم، وأملؤها فَرَقا حتـى ينهزموا عنكم، فـاضربوا فوق الأعناق واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: فَوْقَ الأعْناقِ فقال بعضهم: معناه: فـاضربوا الأعناق. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية: فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ قال: اضربوا الأعناق. ١٢٣٣٧ـ قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن القاسم، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّـي لَـمْ أُبْعَثْ لاِعَذّبَ بِعَذَابِ اللّه ، إنّـما بُعِثْتُ لِضَرْبِ الأعْناقِ وَشَدّ الوثاقِ) . ١٢٣٣٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ يقول: اضربوا الرقاب. واحتـجّ قائلو هذه الـمقالة بأن العرب تقول: رأيت نفس فلان، بـمعنى رأيته، قالوا: فكذلك قوله: فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ إنـما معناه: فـاضربوا الأعناق. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فـاضربوا الرءوس. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: وحدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة: فـاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْناقِ قال: الرءوس. واعتلّ قائلو هذه الـمقالة بأن الذي فوق الأعناق: الرءوس، وقالوا: وغير جائز أن تقول: فوق الأعناق، فـيكون معناه: الأعناق. قالوا: ولو جاز كان أن يقال تـحت الأعناق، فـيكون معناه: الأعناق. قالوا: وذلك خلاف الـمعقول من الـخطاب، وقلب معانـي الكلام. وقال آخرون: معنى ذلك: فـاضربوا علـى الأعناق. وقالوا: (علـى) و (فوق) معناهما متقاربـان، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الاَخر. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه أمر الـمؤمنـين معلـمهم كيفـية قتل الـمشركين وضربهم بـالسيف أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل وقوله: فَوْقَ الأعْناقِ مـحتـمل أن يكون مرادا به الرءوس، ومـحتـمل أن يكون مرادا به فوق جلدة الأعناق، فـيكون معناه: علـى الأعناق وإذا احتـمل ذلك صحّ قول من قال: معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر مـحتـملاً ما ذكرنا من التأويـل، لـم يكن لنا أن نوجهه إلـى بعض معانـيه دون بعض إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها، ولا حجة تدلّ علـى خصوصه، فـالواجب أن يقال: إن اللّه أمر بضرب رءوس الـمشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم أصحاب نبـيه صلى اللّه عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرا. وأما قوله: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ فإن معناه: واضربوا أيها الـمؤمنون من عدوّكم كلّ طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم. والبنان: جمع بنانة، وهي أطراف أصابع الـيدين والرجلـين، ومن ذلك قول الشاعر: ألا لَـيْتَنِـي قَطّعْتُ مِنّـي بَنانَةًوَلاقَـيْتُهُ فِـي البَـيْتِ يَقْظانَ حاذِرَا يعني بـالبنانة: واحدة البنان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٤٠ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ قال: كلّ مفصل. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ قال: الـمفـاصل. ١٢٣٤١ـ قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ قال: كلّ مفصل. ١٢٣٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسن، عن يزيد، عن عكرمة: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ قال: الأطراف، ويقال: كلّ مفصل. ١٢٣٤٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ يعني بـالبنان: الأطراف. ١٢٣٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ قال: الأطراف. ١٢٣٤٥ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنانٍ يعني الأطراف. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَآقّواْ اللّه وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّه وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ }.. يعني تعالـى ذكره ب قوله: ذلكَ بأنّهُمْ هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق، وضرب كلّ بنان منهم، جزاء لهم بشقاقهم اللّه ورسوله، وعقاب لهم علـيه، ومعنى قوله: شاقّوا اللّه وَرَسُولَهُ فـارقوا أمر اللّه ورسوله وعصوهما، وأطاعوا أمر الشيطان. ومعنى قوله: وَمَنْ يُشاقِقِ اللّه وَرَسُولَهُ ومن يخالف أمر اللّه وأمر رسوله، وفـارق طاعتهما. فإنّ اللّه شَدِيدُ العِقابِ له، وشدة عقابه له فـي الدنـيا: إحلاله به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم، وفـي الاَخرة الـخـلود فـي نار جهنـم. وحذف (له) من الكلام لدلالة الكلام علـيها. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النّارِ }.. يقول تعالـى ذكره: هذا العقاب الذي عجلته لكم أيها الكافرون الـمشاقون لله ورسوله فـي الدنـيا، من الضرب فوق الأعناق منكم، وضرب كلّ بنان بأيدي أولـيائي الـمؤمنـين، فذوقوه عاجلاً، واعلـموا أن لكم فـي الاَجل والـمعاد عذاب النار. ولفتـح (أن) من قوله: وأنّ للكافِرِينَ من الإعراب وجهان: أحدهما الرفع، والاَخر النصب. فأما الرفع فبـمعنى: ذلكم فذوقوه، ذلكم وأن للكافرين عذاب النار بنـية تكرير (ذلكم) ، كأنه قـيـل: ذلكم الأمر وهذا. وأما النصب فمن وجهين: أحدهما: ذلكم فذوقوه، واعلـموا، أو وأيقنوا أن للكافرين، فـيكون نصبه بنـية فعل مضمر، قال الشاعر: ورأيْتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَىمُتَقَلّدًا سَيفـا وَرُمْـحَا بـمعنى: وحاملاً رمـحا. والاَخر بـمعنى: ذلكم فذوقوه، وبأن للكافرين عذاب النار، ثم حذفت البـاء فنصبت. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَآأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلّوهُمُ الأدْبَارَ }.. يعني تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله إذَا لَقِـيتُـمُ الّذِينَ كَفَرُوا فـي القِتالِ زَحْفـا يقول: متزاحفـا بعضكم إلـى بعض، والتزاحف: التدانـي والتقارب. فَلا تُوَلّوهُمُ الأدْبـارَ يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم فإن اللّه معكم علـيهم. ١٦وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ يقول: ومن يولهم منكم ظهره إلا مُتَـحَرّفـا لِقتَالٍ يقول: إلا مستطردا لقتال عدوّه بطلب عورة له يـمكنه إصابتها فـيكرّ علـيه أو مُتَـحَيّزا إلـى فِئَةٍ أو إلا أن يولـيهم ظهره متـحيزا إلـى فئة، يقول: صائرا إلـى حيز الـمؤمنـين الذين يفـيئون به معهم إلـيهم لقتالهم ويرجعون به معهم إلـيهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : إلاّ مُتَـحَرّفـا لِقِتالٍ أوْ مُتَـحيّزا إلـى فِئَةٍ قال: الـمتـحرّف: الـمتقدّم من أصحابه لـيرى غرّة من العدوّ فـيصيبها. قال: والـمتـحيز: الفـارّ إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فرّ الـيوم إلـى أميره أو أصحابه. قال الضحاك : وإنـما هذا وعيد من اللّه لأصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أن لا يفرّوا، وإنـما كان النبـيّ علـيه الصلاة والسلام فئتهم. ١٢٣٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَـحَرّفـا لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيّزًا إلـى فِئَةٍ أما الـمتـحرّف يقول: إلاّ مستطردا، يريد العودة. أوْ مُتَـحيّزا إلـى فِئَةٍ قال: الـمتـحيز إلـى الإمام وجنده إن هو كرّ فلـم يكن له بهم طاقة، ولا يعذر الناس وإن كثروا أن يولوا عن الإمام. واختلف أهل العلـم فـي حكم قول اللّه عزّ وجلّ: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَـحَرّفـا لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيّزًا إلـى فِئَةٍ فَقَدْ بـاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه ومَأْوَاهُ جَهَنّـمُ هل هو خاصّ فـي أهل بدر، أم هو فـي الـمؤمنـين جميعا؟ فقال قوم: هو لأهل بدر خاصة، لأنه لـم يكن لهم أن يتركوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع عدوّه وينهزموا عنه فأما الـيوم فلهم الانهزام. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٤٨ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن أبـي نضرة، في قول اللّه عز وجل: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: ذاك يوم بدر، ولـم يكن لهم أن ينـحازوا، ولو انـحاز أحد لـم ينـحز إلاّ إلـيّ. قال أبو موسى: يعني إلـى الـمشركين. ١٢٣٤٩ـ حدثنا إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد، عن داود، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد، قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ثم ذكر نـحوه، إلاّ أنه قال: ولو انـحازوا انـحازوا إلـى الـمشركين، ولـم يكن يومئذٍ مسلـم فـي الأرض غيرهم. ١٢٣٥٠ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن مفضل، قال: حدثنا داود، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد، قال: نزلت فـي يوم بدر: وَمَنْ يُوَلهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ. حدثنـي ابن الـمثنى، وعلـيّ بن مسلـم الطوسي، قال ابن الـمثنى: ثنـي عبد الصمد، وقال علـيّ: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن داود، يعني ابن أبـي هند، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: يوم بدر. قال أبو موسى: حُدثت أن فـي كتاب غندر هذا الـحديث، عن داود، عن الشعبـي، عن أبـي سعيد. حدثنا أحمد بن مـحمد الطوسي، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن داود بن أبـي هند، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد الـخدريّ، قال: إنـما كان ذلك يوم بدر لـم يكن للـمسلـمين فئة إلاّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأما بعد ذلك، فإن الـمسلـمين بعضهم فئة لبعض. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن أبـي نضرة: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: هذه نزلت فـي أهل بدر. ١٢٣٥١ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن عون، قال: كتبت إلـى نافع أسأله، عن قوله: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ أكان ذلك الـيوم أم هو بعد؟ قال: وكتب إلـيّ: إنـما كان ذلك يوم بدر. ١٢٣٥٢ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد، عن سفـيان، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: إنـما كان الفرار يوم بدر، ولـم يكن لهم ملـجأ يـلـجئون إلـيه، فأما الـيوم فلـيس فرار. ١٢٣٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: كانت هذه يوم بدر خاصة، لـيس الفرار من الزحف من الكبـائر. ١٢٣٥٤ـ قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن الضحاك وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: كانت هذه يوم بدر خاصة، قال: حدثنا روح بن عبـادة، عن حبـيب بن الشهيد، عن الـحسن وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: نزلت فـي أهل بدر. ١٢٣٥٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: ذلكم يوم بدر. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك عن الـمبـارك بن فضالة، عن الـحسن وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: ذلك يوم بدر، فأما الـيوم فإن انـحاز إلـى فئة أو مصر أحسبه قال: فلا بأس به. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن عون، قال: كتبت إلـى نافع وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ؟ قال: إنـما هذا يوم بدر. ١٢٣٥٦ـ حدثنـي الـمثتـى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن لهيعة، قال: ثنـي يزيد بن أبـي حبـيب، قال: أوجب اللّه لـمن فرّ يوم بدر النار، قال: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَـحَرّفـا لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيّزا إلـى فِئَةٍ فَقَدْ بـاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه فلـما كان يوم أُحد بعد ذلك قال: إنّـمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفـا اللّه عَنْهُمْ ثم كان حنـين بعد ذلك بسبع سنـين، فقال ثُمّ وَلّـيتُـمْ مُدْبِرِينَ ثُمّ يَتُوبُ اللّه مِنْ بَعْدِ ذلكَ عَلـى مَنْ يَشاءُ. ١٢٣٥٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا ابن عون، عن مـحمد، أن عمر رضي اللّه عنه بلغه قتل أبـي عبـيد، فقال: لو تـحيز إلـيّ لكنت له فئة. ١٢٣٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن جرير بن حازم، قال: ثنـي قـيس بن سعيد، قال: سألت عطاء بن أبـي ربـاح، عن قوله: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: هذه منسوخة بـالاَية التـي فـي الأنفـال: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِـمَ أنّ فِـيكُمْ ضَعْفـا فإنْ يَكُنْ مِنْكُم مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَـيْنِ قال: ولـيس لقوم أن يفروا من مثلـيهم. قال: ونسخت تلك إلاّ هذه العدّة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي عثمان، قال: لـما قتل أبو عبـيد جاء الـخبر إلـى عمر، فقال: يا أيها الناس أنا فئتكم. قال ابن الـمبـارك، عن معمر وسفـيان الثوري وابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قال عمر رضي اللّه عنه: أنا فئة كلّ مسلـم. وقال آخرون: بل هذه الاَية حكمها عام فـي كلّ من ولـى الدبر عن العدوّ منهزما. ذكر من قال ذلك. ١٢٣٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قال: أكبر الكبـائر: الشرك بـالله، والفرار من الزحف لأن اللّه عزّ وجل يقول: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ... فَقَدْ بـاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه وَمأْوَاهُ جَهَنّـمُ وَبِئْسَ الـمَصِير. وأولـى التأويـلـين فـي هذه الاَية بـالصواب: عندي قول من قال: حكمها مـحكم، وأنها نزلت فـي أهل بدر، وحكمها ثابت فـي جميع الـمؤمنـين، وأن اللّه حرّم علـى الـمؤمنـين إذا لقوا العدوّ أن يولوهم الدبر منهزمين، إلاّ لتـحرّف القتال، أو لتـحيز إلـى فئة من الـمؤمنـين حيث كانت من أرض الإسلام، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتال منهزما بغير نـية إحدى الـخـلتـين اللتـين أبـاح اللّه التولـية بهما، فقد استوجب من اللّه وعيده إلاّ أن يتفضل علـيه بعفوه. وإنـما قلنا هي مـحكمة غير منسوخة، لـما قد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا هذا وغيره أنه لا يجوز أن يحكم لـحكم آية بنسخ وله فـي غير النسخ وجه إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها من خبر يقطع العذر أو حجة عقل، ولا حجة من هذين الـمعنـيـين تدلّ علـى نسخ حكم قول اللّه عزّ وجلّ: وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتَـحَرفـا لِقِتالٍ أوْ مُتَـحَيّزا إلـى فِئَةٍ. وأما قوله: فَقَدْ بـاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّه يقول: فقد رجع بغضب من اللّه ، ومَأْوَاهُ جَهَنّـمُ يقول: ومصيره الذي يصير إلـيه فـي معاده يوم القـيامة جهنـم وبئس الـمصير، يقول: وبئس الـموضع الذي يصير إلـيه ذلك الـمصير. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـَكِنّ اللّه قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـَكِنّ اللّه رَمَىَ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلآءً حَسَناً إِنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله مـمن شهد بدرا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقاتل أعداء دينه معه من كفـار قريش: فلـم تقتلوا الـمشركين أيها الـمؤمنون أنتـم، ولكن اللّه قتلهم. وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلـى نفسه، ونفـاه عن الـمؤمنـين به الذين قاتلوا الـمشركين، إذ كان جل ثناؤه هو مسبب قتلهم، وعن أمره كان قتال الـمؤمنـين إياهم، ففـي ذلك أدلّ الدلـيـل علـى فساد قول الـمنكرين أن يكون لله فـي أفعال خـلقه صنع به وصلوا إلها. وكذلك قوله لنبـيه علـيه الصلاة والسلام: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى فأضاف الرمي إلـى نبـيّ اللّه ، ثم نفـاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جل ثناؤه هو الـموصل الـمرميّ به إلـى الذين رمُوا من به الـمشركين، والـمسبب الرمية لرسوله. فـيقال للـمسلـمين ما ذكرنا: قد علـمتـم إضافة اللّه رمى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم الـمشركين إلـى نفسه بعد وصفه نبـيه به وإضافته إلـيه ذلك فعل واحد كان من اللّه بتسبـيبه وتسديده، ومن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـحذف والإرسال، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الـخـلق الـمكتسبة: من اللّه الإنشاء والإنـجاز بـالتسبـيب، ومن الـخـلق الاكتساب بـالقوى؟ فلن يقولوا فـي أحدهما قولاً إلاّ ألزموا فـي الاَخر مثله. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٦٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه :فَلَـمْ تَقْتُلُوهُمْ لأصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، حين قال هذا: قتلت، وهذا: قتلت. وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ قال لـمـحمد حين حَصَب الكفـار. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٢٣٦١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى قال: رماهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـحصبـاء يوم بدر. ١٢٣٦٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، قال: ما وقع منها شيء إلاّ فـي عين رجل. ١٢٣٦٣ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا أبـان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، قال: لـما ورد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدرا قال: (هَذِهِ مَصَارِعُهُمْ) . ووجد الـمشركون النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قد سبقهم إلـيه ونزل إلـيه، فلـما طلعوا علـيه زعموا أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جاءَتْ بِخُيَلائها وَفَخْرِها تَـحادّكَ وَتُكَذّبُ رَسُولَكَ، اللّه مّ إنّى أسألُكَ ما وَعَدْتَنِـي) فلـما أقبلوا استقبلهم، فحثا فـي وجوههم، فهزمهم اللّه عزّ وجلّ. ١٢٣٦٤ـ حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد اللّه بن زمعة، عن يزيد بن عبد اللّه ، عن أبـي بكر بن سلـيـمان بن أبـي حثمة، عن حكيـم بن حزام، قال: لـما كان يوم بدر، سمعنا صوتا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت فـي طست، ورمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الرمية، فـانهزمنا. ١٢٣٦٥ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن قـيس ومـحمد بن كعب القرظي، قالا: لـما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها فـي وجوه القوم، وقال: (شاهَتِ الُوجُوهُ) فدخـلت فـي أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيـمتهم فـي رمية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأنزل اللّه : وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى... الاَية، إلـى: إنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ. ١٢٣٦٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ... الاَية، ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها فـي وجوه الكفـار، فهزموا عند الـحجر الثالث. ١٢٣٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين التقـى الـجمعان يوم بدر لعلـيّ رضي اللّه عنه: (أعْطِنـي حَصا مِنَ الأرْضِ) فناوله حصى علـيه تراب فرمى به وجوه القوم، فلـم يبق مشرك إلاّ دخـل فـي عينـيه من ذلك التراب شيء. ثم ردِفهم الـمؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. فذكر رمية النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: فَلَـمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنّ اللّه قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى. ١٢٣٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث حصيات، فرمى بحصاة فـي ميـمنة القوم وحصاة فـي ميسرة القوم وحصاة بـين أظهرهم وقال: (شاهَت الوُجُوهُ) فـانهزموا، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّه رَمى. ١٢٣٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: رفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده يوم بدر، فقال: (يا رَبّ إنْ تَهْلِكْ هذِهِ العِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَد فِـي الأرْضِ أبَدا) فقال له جبريـل: خذ قبضة من التراب فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها فـي وجوههم فما من الـمشركين من أحد إلاّ أصاب عينـيه ومنـخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين. ١٢٣٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال اللّه عزّ وجلّ فـي رمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمشركين بـالـحصبـاء من يده حين رماهم: وَلكنّ اللّه رَمى: أي لـم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل اللّه فـيها من نصرك، وما ألقـى فـي صدور عدوّك منها حين هزمتهم. ورُوي عن الزهري فـي ذلك قول خلاف هذه الأقوال، وهو ما: ١٢٣٧١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ: وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ قال: جاء أبـيّ بن خـلف الـجمـحي إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعظم حائل، فقال: اللّه مـحيـي هذا يا مـحمد وهو رميـم؟ وهو يفتّ العظم. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (يُحْيِـيهِ اللّه ، ثُمّ يُـمِيتُكَ، ثُمّ يُدْخِـلُكَ النّارَ) قال: فلـما كان يوم أُحد، قال: واللّه لأقتلنّ مـحمدا إذا رأيته فبلغ ذلك النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (بَلْ أنا أقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّه ) . وأما قوله: وَلِـيُبْلِـيَ الـمُؤْمِنِـينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنا فإن معناه: ولـينعم علـى الـمؤمنـين بـاللّه ورسوله بـالظفر بأعدائهم، ويغنـمهم ما معهم، ويثبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وذلك البلاء الـحسن، رَمْيُ اللّه هؤلاء الـمشركين. و يعني بـالبلاء الـحسن: النعمة الـحسنة الـجميـلة، وهي ما وصفت، وما فـي معناه. ١٢٣٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال فـي قوله: وَلِـيُبْلِـيَ الـمُؤْمِنِـينَ مِنْهَ بَلاءً حَسَنا: أي لـيعرف الـمؤمنـين من نعمه علـيهم فـي إظهارهم علـى عدوّهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم، لـيعرفوا بذلك حقه ولـيشكروا بذلك نعمته. وقوله: إنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ يعني : إن اللّه سميع أيها الـمؤمنون لدعاء النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومناشدته ربه ومسئلته إياه إهلاك عدوّه وعدوّكم ولقـيـلكم وقـيـل جميع خـلقه، علـيـم بذلك كله وبـما فـيه صلاحكم وصلاح عبـاده، وغير ذلك من الأشياء مـحيط به، فـاتقوه وأطيعوا أمره وأمر رسوله. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ذَلِكُمْ وَأَنّ اللّه مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ }.. يعني جل ثناؤه ب قوله: ذَلِكُمْ: هذا الفعل من قتل الـمشركين ورميهم حتـى انهزموا، وابتلاء الـمؤمنـين البلاء الـحسن بـالظفر بهم وإمكانهم من قتلهم وأسرهم، فعلنا الذي فعلنا. وأنّ اللّه مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ يقول: واعلـموا أن اللّه مع ذلك مضعف كيد الكافرين، يعني مكرهم، حتـى يذلوا، وينقادوا للـحقّ ويهلكوا. وفـي فتـح (أن) من الوجوه ما فـي قوله: ذَلِكُمْ فَذُوقوهُ وأنّ للْكافِرِينَ وقد بـيّنته هنالك. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: مُوهِنُ.فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الـمكيـين والبصريـين: (مُوَهّنٌ) بـالتشديد، من وهّنت الشيء: ضعّفته. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: مُوهِنُ من أوهنته فأنا موهنه، بـمعنى أضعفته. والتشديد فـي ذلك أعجب إلـيّ لأن اللّه تعالـى كان ينقض ما يبرمه الـمشركون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، عقدا بعد عقد، وشيئا بعد شيء، وإن كان الاَخر وجها صحيحا. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ ...}.. يقول تعالـى ذكره للـمشركين الذين حاربوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببدر: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يعني : إن تستـحكموا اللّه علـى أقطع الـحزبـين للرحم وأظلـم الفئتـين، وتستنصروه علـيه، فقد جاءكم حكم اللّه ونصره الـمظلوم علـى الظالـم، والـمـحقّ علـى الـمبطل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. ١٢٣٧٤ـ قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبـي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. ١٢٣٧٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يعني بذلك الـمشركين، إن تستنصروا فقد جاءكم الـمدد. ١٢٣٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن ابن عبـاس ، قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا قال: إن تستقضوا القضاء، وإنه كان يقول: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا قلت: للـمشركين؟ قال: لا نعلـمه إلاّ ذلك. ١٢٣٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: كفـار قريش فـي قولهم: ربنا افتـح بـيننا وبـين مـحمد وأصحابه، ففتـح بـينهم يوم بدر. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه. ١٢٣٧٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: استفتـح أبو جهل، فقال: اللهمّ يعني مـحمدا ونفسه أينا كان أفجر لك اللهمّ وأقطع للرحم فأَحِنْهُ الـيوم قال اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: استفتـح أبو جهل بن هشام، فقال: اللهمّ أينا كان أفجر لك وأقطع للرحم فأحنه الـيوم يعني مـحمدا علـيه الصلاة والسلام ونفسه. قال اللّه عزّ وجلّ: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوّذ، وأجهز علـيه ابن مسعود. ١٢٣٧٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي عقـيـل، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير العدويّ حلـيف بنـي زهرة، أن الـمستفتـح يومئذٍ أبو جهل، وأنه قال حين التقـى القوم: أينا أقطع للرحم وآتانا بـما لا يُعرف فأَحِنْهُ الغداة فكان ذلك استفتاحه، فأنزل اللّه فـي ذلك: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية. ١٢٣٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية، يقول: قد كانت بدر قضاء وعبرة لـمن اعتبر. ١٢٣٨١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان الـمشركون حين خرجوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة، واستنصروا اللّه ، وقالوا: اللهمّ انصر أعزّ الـجندين، وأكرم الفئتـين، وخير القبـيـلتـين فقال اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يقول: نصرت ما قلتـم، وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ١٢٣٨٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... إلـى قوله: وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ وذلك حين خرج الـمشركون ينظرون عيرهم، وإن أهل العير أبـا سفـيان وأصحابه أرسلوا إلـى الـمشركين بـمكة يستنصرونهم، فقال أبو جهل: أينا كان خيرا عندك فـانصره وهو قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا يقول: تستنصروا. ١٢٣٨٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: إن تستفتـحوا العذاب، فعذّبوا يوم بدر، قال: وكان استفتاحهم بـمكة، قالوا: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمِ قال: فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أُحد: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ. ١٢٣٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن مطرف، عن عطية، قال: قال أبو جهل يوم بدر: اللهمّ انصر أهدى الفئتـين، وخير الفئتـين وأفضل فنزلت: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ. قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن معمر، عن الزهريّ، أن أبـا جهل هو الذي استفتـح يوم بدر وقال: اللهمّ أينا كان أفجر وأقطع لرحمه، فأحِنْهُ الـيوم فأنزل اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ. قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير: أن أبـا جهل، قال يوم بدر: اللهمّ أقطعنا لرحمه، وآتانا بـما لا نعرف، فأحِنْه الغداة وكان ذلك استفتاحا منه، فنزلت: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... الاَية. قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيـم بن سعد، عن صالـح بن كيسان، عن الزهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعير، قال: كان الـمستفتـح يوم بدر أبـا جهل، قال: اللهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بـما لا نعرف، فأحنه الغداة فأنزل اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صُعَير، حلـيف بنـي زهرة، قال: لـما التقـى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بـما لا نعرف، فأحنه الغداة فكان هو الـمستفتـح علـى نفسه. قال ابن إسحاق: فقال اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ لقول أبـي جهل: اللهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بـما لا نعرف، فأحنه للغداة قال: الاستفتاح: الإنصاف فـي الدعاء. ١٢٣٨٥ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان وغيره، قال أبو جهل يوم بدر: اللهمّ انصر أحبّ الدينـين إلـيك، ديننا العتـيق، أم دينهم الـحديث فأنزل اللّه : إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ... إلـى قوله: وَأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ. وأما قوله: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فإنه يقول: وإن تنتهوا يا معشر قريش وجماعة الكفـار عن الكفر بـاللّه ورسوله، وقتال نبـيه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين به، فهو خير لكم فـي دنـياكم وآخرتكم. وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ يقول: وإن تعودوا لـحربه وقتاله وقتال أتبـاعه الـمؤمنـين، نَعُدْ: أي بـمثل الواقعة التـي أُوقعت بكم يوم بدر. وقوله: وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أولـيائي وهزيـمتكم، ولن تغنـي عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسبـيكم وهزمكم فئتكم شيئا ولو كثرت، يعني جندهم وجماعتهم من الـمشركين، كما لـم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمؤمنـين شيئا. وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول جلّ ذكره: وأن اللّه مع من آمن به من عبـاده علـى من كفر به منهم، ينصرهم علـيهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر علـى الـمشركين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، فـي قوله: وَإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ قال: يقول لقريش: وإن تعودوا نعد لـمثل الواقعة التـي أصابتكم يوم بدر. وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ: أي وإن كثر عددكم فـي أنفسكم لن يغنـي عنكم شيئا، وأن اللّه مع الـمؤمنـين ينصرهم علـى من خالفهم. وقد قـيـل: إن معنى قوله: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ وإن تعودوا للاستفتاح نعد لفتـح مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. وهذا القول لا معنى له لأن اللّه تعالـى قد كان ضمن لنبـيه علـيه الصلاة والسلام حين أذن له فـي حرب أعدائه إظهار دينه وإعلاء كلـمته من قبل أن يستفتـح أبو جهل وحزبه، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم وإن تعودوا نعد لأن اللّه قد كان وعد نبـيه صلى اللّه عليه وسلم الفتـح ب قوله: أُذنَ للّذينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِـمُوا وإنّ اللّه علـى نَصْرهِمْ لَقَديرٌ استفتـح الـمشركون أو لـم يستفتـحوا. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٨٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإنْ تَعُودُوا نَعُدْ: إن تستفتـحوا الثانـية نفتـح لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم. وَلَنْ تُغْنِـيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ: مـحمد وأصحابه. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ ففتـحها عامة قرّاء أهل الـمدينة، بـمعنى: ولن تغنـي عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت، وأن اللّه مع الـمؤمنـين. فعطف ب (أنّ) علـى موضع (ولو كثرت) كأنه قال: لكثرتها، ولأن اللّه مع الـمؤمنـين ويكون موضع (أن) حينئذٍ نصبـا علـى هذا القول. وكان بعض أهل العربـية يزعم أن فتـحها إذا فتـحت علـى: وأنّ اللّه مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ، وأنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ عطفـا بـالأخرى علـى الأولـى. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين: (وإنّ اللّه ) بكسر الألف علـى الابتداء، واعتلوا بأنها فـي قراءة عبد اللّه : (وَإنّ اللّه لَـمَعَ الـمُؤْمِنِـينَ) . وأولـى القراءتـين بـالصواب، قراءة من كسر (إن) للابتداء، لتقضي الـخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله: وَإنّ اللّه مَعَ الـمُؤْمِنِـينَ. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ أَطِيعُواْ اللّه وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله أطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه. وَلا تَوَلّوْا عَنْهُ يقول: ولا تُدْبِرُوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مخالفـين أمره ونهيه، وأنتـم تسمعون أمره إياكم ونهيه، وأنتـم به مؤمنون. كما: ١٢٣٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلّوْا وأنْتُـمْ تَسْمَعُونَ: أي لا تـخالفوا أمره وأنتـم تسمعون لقوله، وتزعمون أنكم مؤمنون. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـاللّه ورسوله من أصحاب نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا تكونوا أيها الـمؤمنون فـي مخالفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كالـمشركين الذين إذا سمعوا كتاب اللّه يتلـى علـيهم، قالوا قد سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم. ولا ينتفعون به لإعراضهم عنه، وتركهم أن يوعوه قلوبهم ويتدبروه فجعلهم اللّه لـما لـم ينتفعوا بـمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بآذانهم، بـمنزلة من لـم يسمعها. يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لا تكونوا أنتـم فـي الإعراض عن أمر رسول اللّه وترك الانتهاء إلـيه وأنتـم تسمعونه بآذَانكم كهؤلاء الـمشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب اللّه بآذَانهم، ويقولون: قد سمعنا، وهم عن الاستـماع لها والاتعاظ بها معرضون، كمن لـم يسمعها. وكان ابن إسحاق يقول فـي ذلك، ما: ١٢٣٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ: أي كالـمنافقـين الذين يظهرون له الطاعة، ويسرّون الـمعصية. ١٢٣٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ قال: عاصون. ١٢٣٩١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وللذي قال ابن إسحاق وجه، ولكن قوله: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ فـي سياق قصص الـمشركين، ويتلوه الـخبر عنهم بذمهم، وهو قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّه الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ فلأن يكون ما بـينهما خبرا عنهم أولـى من أن يكون خبرا عن غيرهم. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّه الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: إن شرّ ما دبّ علـى الأرض من خـلق اللّه عند اللّه الذين يصغون عن الـحق لئلا يستـمعوه فـيعتبروا به ويتعظوا به وينكصون عنه إن نطقوا به، الذين لا يعقلون عن اللّه أمره ونهيه، فـيستعملوا بهما أبدانهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّه قال: الدوابّ: الـخـلق. ١٢٣٩٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عكرمة، قال: وكانوا يقولون: إنا صمّ بكم عما يدعونا إلـيه مـحمد، لا نسمعه منه، ولا نـجيبه به بتصديق. فقتلوا جميعا بأُحد، وكانوا أصحاب اللواء. ١٢٣٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الصمّ البكم: الذين لا يعقلون، قال: الذين لا يتبعون الـحقّ. ١٢٣٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّه الصّمّ البُكْمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ولـيس بـالأصمّ فـي الدنـيا ولا بـالأبكم، ولكن صمّ القلوب وبكمها وعميها. وقرأ: فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التـي فِـي الصّدُورِ. واختلف فـيـمن عنـي بهذه الاَية، فقال بعضهم: عنـي بها نفر من الـمشركين. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قال ابن عبـاس : الصمّ البكم الذين لا يعقلون: نفر من بنـي عبد الدار، لا يتبعون الـحقّ. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: الصّمّ البُكُمُ الّذِينَ لا يَعْقِلُونَ قال: لا يتبعون الـحقّ. قال: قال ابن عبـاس : هم نفر من بنـي عبد الدار. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. وقال آخرون: عنـي بها الـمنافقون. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّه الصّمّ البُكْمُ الّذين لا يَعْقِلُونَ: لا يعرفون ما علـيهم فـي ذلك من النعمة والسعة. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال بقول ابن عبـاس ، وأنه عنـي بهذه الاَية مشركو قريش، لأنها فـي سياق الـخبر عنهم. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَوْ عَلِمَ اللّه فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُمْ مّعْرِضُونَ }.. اختلف أهل التأويـل، فـيـمن عنـي بهذه الاَية وفـي معناها، فقال بعضهم: عنـي بها الـمشركون، وقال: معناه أنهم لو رزقهم اللّه الفهم لِـما أنزله علـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم لـم يؤمنوا به، لأن اللّه قد حكم علـيهم أنهم لا يؤمنون. ذكر من قال ذلك: ١٢٣٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: وَلَوْ عَلِـمَ اللّه فِـيهِمْ خَيْرا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لقالُوا ائْتِ بقُرآنٍ غيرِ هَذَا ولقالوا: لولا اجْتَبَـيْتَهَا. ولو جاءهم بقرآن غيره لتولّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ. ١٢٣٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْ أسْمَعْهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ قال: لو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون. وحدثنـي به مرّة أخرى، فقال: لو علـم اللّه فـيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم بعد أن يعلـم أن لا خير فـيهم ما نفعهم بعد أن نفذ علـمه بأنهم لا ينتفعون به. وقال آخرون: بل عنـي بها الـمنافقون. قالوا: ومعناه: ما: ١٢٤٠٠ـ حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَلَوْ عَلِـمَ اللّه فِـيهِمْ خَيْرا لأَسْمَعَهُمْ لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم، ولكن القلوب خالفت ذلك منهم، ولو خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون، فأوفوا لكم بشرّ مـما خرجوا علـيه. وأولـى القول فـي تأويـل ذلك بـالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد لـما قد ذكرنا قبل من العلة، وأن ذلك لـيس من صفة الـمنافقـين. فتأويـل الاَية إذن: ولو علـم اللّه فـي هؤلاء القائلـين خيرا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره، حتـى يعقلوا عن اللّه حججه منه، ولكنه قد علـم أنه لا خير فـيهم وأنهم مـمن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك حتـى يعلـموا ويفهموا لتولوا عن اللّه وعن رسوله، وهم معرضون عن الإيـمان بـما دلهم علـى حقـيقته مواعظ اللّه وعبره وحججه معاندون للـحقّ بعد العلـم به. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فقال بعضهم: معناه: استـجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيـمان. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٠١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: أما يحيـيكم فهو الإسلام، أحياهم بعد موتهم، بعد كفرهم. وقال آخرون: للـحقّ. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٠٢ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: الـحقّ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد، فـي قوله: اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: للـحقّ. وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى ما فـي القرآن. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ قال: هو هذا القرآن فـيه الـحياة والعفة والعصمة فـي الدنـيا والاَخرة. وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلـى الـحرب وجهاد العدوّ. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ: أي للـحرب الذي أعزّكم اللّه بها بعد الذلّ، وقوّاكم بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوّكم بعد القهر منهم لكم. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: معناه: استـجيبوا لله وللرسول بـالطاعة إذا دعاكم الرسول لِـما يحيـيكم من الـحقّ. وذلك أن ذلك إذا كان معناه كان داخلاً فـيه الأمر بإجابتهم لقتال العدوّ والـجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلـى حكم القرآن، وفـي الإجابة إلـى كلّ ذلك حياة الـمـجيب. أما فـي الدنـيا، فـيقال: الذكر الـجميـل، وذلك له فـيه حياة. وأما فـي الاَخرة، فحياة الأبد فـي الـجنان والـخـلود فـيها. وأما قول من قال: معناه الإسلام، فقول لا معنى له لأن اللّه قد وصفهم بـالإيـمان ب قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ فلا وجه لأن يقال للـمؤمن استـجب لله وللرسول إذا دعاك إلـى الإسلام والإيـمان. وبعد: ففـيـما: ١٢٤٠٥ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام العجلـي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى أبـيّ وهو يصلـي، فدعاه: (أي أبـيّ) فـالتفت إلـيه أبـيّ، ولـم يجبه. ثم إن أبـيّا خفف الصلاة، ثم انصرف إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: السلام علـيك أي رسول اللّه قال: (وَعَلَـيْكَ ما مَنَعَكَ إذْ دَعَوْتُكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟) قال: يا رسول اللّه كنت أصلـي. قال: (أفَلَـمْ تَـجِدْ فِـيـما أُوحِيَ إلـيّ اسْتَـجُيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟) قال: بلـى يا رسول اللّه ، لا أعود. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، عن مـحمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى أبـيّ وهو قائم يصلـي، فصرخ به، فلـم يجبه، ثم جاء فقال: (يا أبـيّ ما منعك أن تـجيبنـي إذ دعوتك، ألـيس اللّه يقول يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟) قال أبـيّ: لا جرم يا رسول اللّه ، لا تدعونـي إلاّ أجبت، وإن كنت أصلـي. ما يبـين عن أن الـمعنـيّ بـالاَية هم الذين يدعوهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى ما فـيه حياتهم بإجابتهم إلـيه من الـحقّ بعد إسلامهم، لأن أبـيّا لا شكّ أنه كان مسلـما فـي الوقت الذي قال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ما ذكرنا فـي هذين الـخبرين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وأنّهُ إلَـيْه تُـحْشَرُونَ. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: يحول بـين الكافر والإيـمان وبـين الـمؤمن والكفر. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٠٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش عن عبد اللّه بن عبد اللّه الرازي، عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: بـين الكافر أن يؤمن، وبـين الـمؤمن أن يكفر. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد، قالا: حدثنا سفـيان، وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا الثوري، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه الرازي، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه. حدثنـي أبو زائدة زكريا بن أبـي زائدة، قال: حدثنا أبو عاصم، عن سفـيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه ، عن سعيد بن جبـير، مثله. حدثنـي أبو السائب وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر، وبـين الكافر وبـين الإيـمان. ١٢٤٠٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه الرازي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الكافر والإيـمان وطاعة اللّه . قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر، وبـين الكافر والإيـمان. ١٢٤٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، وعبد العزيز بن أبـي روّاد، عن الضحاك ، فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وطاعته، وبـين الـمؤمن ومعصيته. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي روق، عن الضحاك بن مزاحم، بنـحوه. قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: يحول بـين الـمرء وبـين أن يكفر، وبـين الكافر وبـين أن يؤمن. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبـي روّاد، عن الضحاك بن مزاحم يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الكافر وبـين طاعة اللّه ، وبـين الـمؤمن ومعصية اللّه . حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا بن أبـي روّاد، عن الضحاك ، نـحوه. وحُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، يقول: فذكر نـحوه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن منهال، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت عبد العزيز بن أبـي روّاد يحدّث عن الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن ومعصيته. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر، ويحول بـين الكافر وبـين الإيـمان. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته، ويحول بـين الـمؤمن وبـين معصيته. ١٢٤٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن لـيث، عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمؤمن وبـين الكفر، وبـين الكافر وبـين الإيـمان. قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي روّاد، عن الضحاك : يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يقول: يحول بـين الكافر وبـين طاعته، وبـين الـمؤمن وبـين معصيته. قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحول بـين الـمؤمن والـمعاصي، وبـين الكافر والإيـمان. ١٢٤١٠ـ قال: حدثنا عبـيدة، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـينه وبـين الـمعاصي. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يحول بـين الـمرء وعقله، فلا يدري ما يعمل. ذكر من قال ذلك: ١٢٤١١ـ حدثنا عبـيد اللّه بن مـحمد الفريابـي، قال: حدثنا عبد الـمـجيد، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الـمرء وعقله. حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ حتـى يتركه لا يعقل. حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي يحول بـين الـمرء وقلبه حتـى يتركه لا يعقل. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا معقل بن عبـيد اللّه ، عن حميد، عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: إذا حال بـينك وبـين قلبك كيف تعمل. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مـجاهد: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين قلب الكافر، وأن يعمل خيرا. وقال آخرون: معناه يحول بـين الـمرء وقلبه أن يقدر علـى إيـمان أو كفر إلاّ بإذنه. ذكر من قال ذلك: ١٢٤١٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: يحول بـين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه. وقال آخرون: معنى ذلك أنه قريب من قلبه لا يخفـى علـيه شيء أظهره أو أسرّه. ذكر من قال ذلك: ١٢٤١٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، قال: حدثنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال: هي كقوله أقْرَبُ إلَـيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ. وأولـى الأقوال بـالصواب عندي فـي ذلك أن يقال: إن ذلك خبر من اللّه عزّ وجلّ أنه أملك لقلوب عبـاده منهم، وإنه يحول بـينهم وبـينها إذا شاء، حتـى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيـمان أو كفر، أو أن يعي به شيئا، أو أن يفهم إلاّ بإذنه ومشيئته. وذلك أن الـحول بـين الشيء والشيء إنـما هو الـحجز بـينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بـين عبد وقلبه فـي شيء أن يدركه أو يفهمه، لـم يكن للعبد إلـى إدراك ما قد منع اللّه قلبه إدراكه سبـيـل، وإذا كان ذلك معناه، دخـل فـي ذلك قول من قال: يحول بـين الـمؤمن والكفر وبـين الكافر والإيـمان، وقول من قال: يحول بـينه وبـين عقله، وقول من قال: يحول بـينه وبـين قلبه حتـى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلاّ بإذنه لأن اللّه عزّ وجلّ إذا حال بـين عبد وقلبه، لـم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيـل بـينه وبـينه ما منع إدراكه به علـى ما بـينت. غير أنه ينبغي أن يقال: إن اللّه عمّ بقوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه يَحُولُ بـينَ الـمَرْءِ وَقَلْبِهِ الـخبر عن أنه يحول بـين العبد وقلبه، ولـم يخصص من الـمعانـي التـي ذكرنا شيئا دون شيء، والكلام مـحتـمل كلّ هذه الـمعانـي، فـالـخبر علـى العموم حتـى يخصه ما يحب التسلـيـم له. وأما قوله: وأنّهُ إلَـيْهِ تُـحْشَرُونَ فإن معناه: واعلـموا أيها الـمؤمنون أيضا مع العلـم بأن اللّه يحول بـين الـمرء وقلبه، أن اللّه الذي يقدر علـى قلوبكم، وهو أملك بها منكم، إلـيه مصيركم ومرجعكم فـي القـيامة، فـيوفـيكم جزاء أعمالكم، الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته، فـاتقوه وراقبوه فـيـما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه، وأن لا تستـجيبوا لرسوله إذا دعاكم لـما يحيـيكم، فـيوجب ذلك سخطه، وتستـحقوا به ألـيـم عذابه حين تـحشرون إلـيه. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله: اتقوا أيها الـمؤمنون فتنة، يقول: اختبـارا من اللّه يختبركم، وبلاء يبتلـيكم، لا تصيبنّ هذه الفتنة التـي حذرتكموها الذين ظلـموا، وهم الذين فعلوا ما لـيس لهم فعله، إما أجرام أصابوها وذنوب بـينهم وبـين اللّه ركبوها، يحذّرهم جلّ ثناؤه أن يركبوا له معصية أو يأتوا مأثما يستـحقون بذلك منه عقوبة. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي قوم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهم الذين عنوا بها. ذكر من قال ذلك: ١٢٤١٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن إبراهيـم، قال: حدثنا الـحسن بن أبـي جعفر، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن الـحسن، فـي قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: نزلت فـي علـيّ وعثمان وطلـحة والزبـير، رضي اللّه عنهم. ١٢٤١٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال قتادة: قال الزبـير بن العوّام: لقد نزلت وما نرى أحدا منا يقع بها، ثم خصتنا فـي إصابتنا خاصة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا زيد بن عوف أبو ربـيعة، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن، أن الزبـير بن العوّام، قال: نزلت هذه الاَية: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وما نظننا أهلها، ونـحن عنـينا بها. قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن الصلت بن دينار، عن ابن صبهان، قال: سمعت الزبـير بن العوّام يقول: قرأت هذه الاَية زمانا وما أرانا من أهلها، فإذا نـحن الـمعنـيون بها وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَـمُوا أن اللّه شَدِيدُ العِقابِ. ١٢٤١٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: هذه نزلت فـي أهل بدر خاصة، وأصابتهم يوم الـجمل فـاقتتلوا. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن السديّ: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه شَدِيدُ العِقابِ قال: أصحاب الـجمل. ١٢٤١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: أمر اللّه الـمؤمنـين أن لا يقرّوا الـمنكر بـين أظهرهم فـيعمهم اللّه بـالعذاب. ١٢٤١٨ـ قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: هي أيضا لكم. ١٢٤١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال: الفتنة: الضلالة. ١٢٤٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن القاسم، قال: قال عبد اللّه : ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتـمل علـى فتنة، إن اللّه يقول: إنّـمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَة فلـيستعذ بـاللّه من مُضلات الفتن. ١٢٤٢١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، قال: قال الزبـير: لقد خوّفنا بها، يعني قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصّةً. واختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك، فقال بعض نـحويـي البصرة: اتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا قوله: لا تصيبنّ، لـيس بجواب، ولكنه نهي بعد أمر، ولو كان جوابـا ما دخـلت النون. وقال بعض نـحويى الكوفة: قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَـمُوا أمرهم ثم نهاهم، ومنكم ظرف من الـجزاء وإن كان نهيا. قال: ومثله قوله: يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنّكُمْ سُلَـيْـمانُ أمرهم ثم نهاهم، وفـيه تأويـل الـجزاء. وكأن معنى الكلام عنده: اتقوا فتنة إن لـم تتقوها أصابتكم. وأما قوله: وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه شَدِيدُ العِقابِ فإنه تـحذير من اللّه ووعيد لـمن واقع الفتنة التـي حذره إياها ب قوله: وَاتّقُوا فِتْنَةً، يقول: اعلـموا أيها الـمؤمنون أن ربكم شديد عقابه لـمن اقتتن بظلـم نفسه وخالف أمره، فأثم به. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ ...}.. وهذا تذكير من اللّه عزّ وجلّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومناصحة. يقول: أطيعوا اللّه ورسوله أيها الـمؤمنون، واستـجيبوا له إذا دعاكم لـما يحيـيكم ولا تـخالفوا أمره، وإن أمركم بـما فـيه علـيكم الـمشقة والشدّة، فإن اللّه يهوّنه علـيكم بطاعتكم إياه ويعجل لكم منه ما تـحبون، كما فعل بكم إذ آمنتـم به واتبعتـموه وأنتـم قلـيـل يستضعفكم الكفـار فـيفتنونكم عن دينكم وينالونكم بـالـمكروه فـي أنفسكم وأعراضكم تـخافون منهم أن يتـخطفوكم فـيقتلوكم ويصطلـموا جميعكم فآوَاكُمْ يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إلـيه منهم. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يقول: وقوّاكم بنصره علـيهم، حتـى قتلتـم منهم من قتلتـم ببدر. وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: وأطعمكم غنـيـمتهم حلالاً طيبـا. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: لكي تشكروا علـى ما رزقكم وأنعم به علـيكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم. واختلف أهل التأويـل فـي الناس الذين عنوا ب قوله: أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ فقال بعضهم: كفـار قريش. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: وَاذكُرُوا إذ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضعَفُونَ فِـي الأرضِ تَـخافُونَ أن يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: يعني بـمكة مع النبـي صلى اللّه عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفـائها وموالـيها قبل الهجرة. ١٢٤٢٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي أو قتادة أو كلـيهما: وَاذكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ أنها نزلت فـي يوم بدر، كانوا يومئذٍ يخافون أن يتـخطفهم الناس، فآواهم اللّه وأيدهم بنصره. ١٢٤٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه. وقال آخرون: بل عُنـي به غيرُ قريش. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٢٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنـي أبـي، قال: سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله عزّ وجلّ: تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: فـارس. ١٢٤٢٦ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه يقول، وقرأ: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ والناس إذ ذاك: فـارس، والروم. ١٢٤٢٧ـ قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ قال: كان هذا الـحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاّ، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبـينه ضلالاً من عاش منهم عاش شقـيّا، ومن مات منهم ردّي فـي الناس، يؤكلون ولا يأكلون، واللّه ما نعلـم قبـيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منهم منزلاً. حتـى جاء اللّه بـالإسلام، فمكّن به فـي البلاد، ووسّع به فـي الرزق، وجعلكم به ملوكا علـى رقاب الناس، فبـالإسلام أعطى اللّه ما رأيتـم، فـاشكروا اللّه علـى نعمه، فإن ربكم منعم يحبّ الشكر وأهل الشكر فـي مزيد من اللّه تبـارك وتعالـى. وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: عُنـي بذلك مشركو قريش لأن الـمسلـمين لـم يكونوا يخافون علـى أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم، لأنهم كانوا أدنى الكفـار منهم إلـيهم، وأشدّهم علـيهم يومئذٍ مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمسلـمين. وأما قوله: فَآوَاكُمْ فإنه يعني : آواكم الـمدينة، وكذلك قوله: وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بـالأنصار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَآوَاكُمْ قال: إلـى الأنصار بـالـمدينة. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وهؤلاء أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، أيدهم بنصره يوم بدر. ١٢٤٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: فَآوَاكُمْ وأيّدَكُمْ بِنَصْرهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيّبـاتِ يعني بـالـمدينة. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّه وَالرّسُولَ وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـاللّه ورسوله من أصحاب نبـيه صلى اللّه عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله لا تَـخُونُوا اللّه . وخيانتهم اللّه ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين الإيـمان فـي الظاهر والنصيحة، وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم فـي البـاطن، يدلّون الـمشركين علـى عورتهم، ويخبرونهم بـما خفـي عنهم من خبرهم. وقد اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الاَية، وفـي السبب الذي نزلت فـيه، فقال بعضهم: نزلت فـي منافق كتب إلـى أبـي سفـيان يطلعه علـى سرّ الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣٠ـ حدثنا القاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا شبـابة بن سوّار، قال: حدثنا مـحمد بن الـمـحرم، قال: لقـيت عطاء بن أبـي ربـاح، فحدثنـي، قال: ثنـي جابر بن عبد اللّه أن أبـا سفـيان خرج من مكة، فأتـى جبريـل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: إن أبـا سفـيان فـي مكان كذا وكذا. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: (إنّ أبـا سُفْـيانَ فِـي مَكانِ كَذَا وكَذَا فـاخْرُجُوه إلَـيْهِ وَاكْتُـمُوا) قال: فكتب رجل من الـمنافقـين إلـى أبـي سفـيان: إن مـحمدا يريدكم، فخذوا حذركم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتـخُونُوا أماناتِكُمْ. وقال آخرون: بل نزلت فـي أبـي لبـابة للذي كان من أمره وأمر بنـي قريظة. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، قوله: لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ قال: نزلت فـي أبـي لبـابة، بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأشار إلـى حلقه أنه الذبح. قال الزهري: فقال أبو لبـابة: لا واللّه لا أذوق طعاما ولا شرابـا حتـى أموت أو يتوب اللّه علـيّ فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابـا، حتـى خرّ مغشيّا علـيه، ثم تاب اللّه علـيه، ف قـيـل له: يا أبـا لبـابة قد تـيب علـيك قال: واللّه لا أحلّ نفسي حتـى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يحلنـي فجاءه فحله بـيده. ثم قال أبو لبـابة: إن من توبتـي أن أهجر دار قومي التـي أصبت بها الذنب وأن أنـخـلع من مالـي، قال: (يُجْزِيكَ الثّلُثُ أنْ تَصَدّقَ بِهِ) . ١٢٤٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، قال: سمعت عبد اللّه بن أبـي قتادة، يقول: نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فـي أبـي لبـابة. وقال آخرون: بل نزلت فـي شأن عثمان رضي اللّه عنه. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣٣ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يونس بن الـحرث الطائفـي، قال: حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن عون الثقـفـيّ، عن الـمغيرة بن شعبة، قال: نزلت هذه الاَية فـي قتل عثمان رضي اللّه عنه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ... الاَية. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه نهى الـمؤمنـين عن خيانته وخيانة رسوله وخيانة أمانته. وجائز أن تكون نزلت فـي أبـي لبـابة، وجائز أن تكون نزلت فـي غيره، ولا خبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التسلـيـم له بصحته، فمعنى الاَية وتأويـلها ما قدمنا ذكره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٣٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يا أيهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ قال: نهاكم أن تـخونوا اللّه والرسول، كما صنع الـمنافقون. ١٢٤٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ... الاَية، قال: كانوا يسمعون من النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الـحديث فـيفشونه حتـى يبلغ الـمشركين. واختلفوا فـي تأويـل قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فقال بعضهم: لا تـخونوا اللّه والرسول، فإن ذلك خيانة لأماناتكم وهلاك لها. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فإنهم إذا خانوا اللّه والرسول فقد خانوا أماناتهم. ١٢٤٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ: أي لا تظهروا لله من الـحقّ ما يرضى به منكم ثم تـخالفوه فـي السرّ إلـى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم. فعلـى هذا التأويـل، قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فـي موضع نصب علـى الظرف، كما قال الشاعر: لاَ تَنْهَ عَنْ خُـلُقٍ وَتَأْتِـيَ مِثْلَهُعارٌ عَلَـيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيـمُ ويروى: (وتأتـي مثله) . وقال آخرون: معناه: لا تـخونوا اللّه والرسول، ولا تـخونوا أماناتكم وأنتـم تعلـمون. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ يقول: لا تـخونوا: يعني لا تنقصوها. فعلـى هذا التأويـل: لا تـخونوا اللّه والرسول، ولا تـخونوا أماناتكم. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الأمانة التـي ذكرها اللّه فـي قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فقال بعضهم: هي ما يخفـى عن أعين الناس من فرائض اللّه . ذكر من قال ذلك. ١٢٤٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وتَـخونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال التـي أمن اللّه علـيها العبـاد، يعني : الفريضة. يقول: لا تَـخُونُوا: يعني لا تنقصوها. ١٢٤٤٠ـ حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّه يقول: بترك فرائضه والرّسُولَ يقول: بترك سننه وارتكاب معصيته. قال: وقال مرّة أخرى: لا تَـخُونُوا اللّه والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال. ثم ذكر نـحو حديث الـمثنى. وقال آخرون: معنى الأمانات ههنا: الدّين. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَتـخُونُوا أماناتِكُمْ دينكم. وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: قد فعل ذلك الـمنافقون وهم يعلـمون أنهم كفـار، يظهرون الإيـمان. وقرأ: وَإذَا قامُوا إلـى الصّلاةِ قامُوا كُسالـى... الاَية، قال: هؤلاء الـمنافقون أمنهم اللّه ورسوله علـى دينه فخانوا، أظهروا الإيـمان وأسرّوا الكفر. فتأويـل الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا لا تنقصوا اللّه حقوقه علـيكم من فرائضه ولا رسوله من واجب طاعته علـيكم، ولكن أطيعوهما فـيـما أمراكم به ونهياكم عنه، لا تنقصوهما، وتـخونوا أماناتكم، وتنقصوا أديانكم، وواجب أعمالكم، ولازمها لكم، وأنتـم تعلـمون أنها لازمة علـيكم وواجبة بـالـحجج التـي قد ثبتت لله علـيكم. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ اللّه عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: واعلـموا أيها الـمؤمنون أنـما أموالكم التـي خوّلكموها اللّه وأولادكم التـي وهبها اللّه لكم اختبـار وبلاء أعطاكموها لـيختبركم بها ويبتلـيكم لـينظر كيف أنتـم عاملون من أداء حقّ اللّه علـيكم فـيها والانتهاء إلـى أمره ونهيه فـيها. وأنّ اللّه عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيـمٌ يقول: واعلـموا أن اللّه عنده خير وثواب عظيـم علـى طاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم فـي أموالكم وأولادكم التـي اختبركم بها فـي الدنـيا، وأطيعوا اللّه فـيـما لكم فـيها تنالوا به الـجزيـل من ثوابه فـي معادكم. ١٢٤٤٢ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الـمسعودي، عن القاسم، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، فـي قوله: إنّـمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتـمل علـى فتنة، فمن استعاذ منكم فلـيتعذ بـاللّه من مُضِلاّت الفتن. ١٢٣٧١حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا أمْوَالُكُم وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: فتنة الاختبـار، اختبـارهم. وقرأ: وَنَبلُوكُمْ بـالشّرّ والـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَـيْنا تُرْجِعُونَ. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّه يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }.. يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ صدقوا اللّه ورسوله إنْ تَتّقُوا اللّه بطاعته، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه، وترك خيانته، خيانة رسوله وخيانة أماناتكم يَجْعَلْ لَكُم فُرْقانا: يقول: يجعل لكم فصلاً وفرقا بـين حقكم وبـاطل من يبغيكم السوء من أعدائكم الـمشركين بنصره إياكم علـيهم، وإعطائكم الظفر بهم. ويُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ يقول: ويـمـحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بـينكم وبـينه. ويَغْفِرْ لَكُمْ يقول: ويغطيها، فـيسترها علـيكم، فلا يؤاخذكم بها. وَاللّه ذُو الفَضْلِ العَظِيـمِ يقول: واللّه الذي يفعل ذلك بكم، له الفضل العظيـم علـيكم وعلـى غيركم من خـلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله، وإن فعله جزاء منه لعبده علـى طاعته إياه، لأنه الـموفق عبده لطاعته التـي اكتسبها حتـى استـحقّ من ربه الـجزاء الذي وعده علـيها. وقد اختلف أهل التأويـل فـي العبـارة عن تأويـل قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا فقال بعضهم: مخرجا، وقال بعضهم: نـجاة، وقال بعضهم: فصلاً. وكلّ لك متقارب الـمعنى وإن اختلفت العبـارات عنها، وقد بـينت صحة ذلك فـيـما مضى قبل بـما أغنـي عن إعادته. ذكر من قال: معناه الـمخرج: ١٢٤٤٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور: عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا. قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام عن عنبسة، عن جابر، عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فُرْقانا قال: مخرجا فـي الدنـيا والاَخرة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هانىء بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فُرْقانا قال: الفرقان الـمخرج. ١٢٤٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فُرْقانا يقول: مخرجا. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن منصور، عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن رجاء البصريّ، قال: حدثنا زائدة، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. ١٢٤٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : فُرْقانا قال: مخرجا. حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ قال: سمعت عبـيدا يقول: سمعت الضحاك يقول: فُرْقانا: مخرجا. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. ١٢٤٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد، عن زهير، عن جابر: عن عكرمة، قال: الفرقان: الـمخرج. ذكر من قال: معناه النـجاة: ١٢٤٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن جابر، عن عكرمة: إنْ تَتّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة. ١٢٤٤٨ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن رجل، عن عكرمة ومـجاهد، فـي قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال عكرمة: الـمخرج، وقال مـجاهد: النـجاة. ١٢٤٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة. ١٢٤٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا يقول: يجعل لكم نـجاة. ١٢٤٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي نـجاة. ذكر من قال فصلاً: ١٢٤٥٢ـ ... يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: فرقان يفرق فـي قلوبهم بـين الـحقّ والبـاطل، حتـى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان. ١٢٤٥٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي فصلاً بـين الـحقّ والبـاطل، يظهر به حقكم ويخفـي به بـاطل من خالفكم. والفرقان فـي كلام العرب مصدر، من قولهم: فرقت بـين الشيء والشيء أفرق بـينهما قَرْقا وفُرْقانا. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }.. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مذكره نعمه علـيه: واذكر يا مـحمد، إذ يـمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لِـيُثْبِتُوكَ فقال بعضهم: معناه: لـيقـيدوك. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ يعني : لـيوثقوك. ١٢٤٥٥ـ قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ لـيوثقوك. ١٢٤٥٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... الاَية، يقول: لـيشدّوك وثاقا، وأرادوا بذلك نبـيّ اللّه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو يومئذٍ بـمكة. ١٢٤٥٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةومِقْسم، قالا: قالوا: أوثقوه بـالوثاق ١٢٤٥٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: لِـيُثْبِتُوكَ قال: الإثبـات: هو الـحبس والوثاق. وقال آخرون: بل معناه الـحبس. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن قوله: لِـيُثْبِتُوكَ قال: يَسجنوك. وقالها عبد اللّه بن كثـير. ١٢٤٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قالوا: اسجنوه وقال آخرون: بل معناه: لـيسحروك. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٦١ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل البصريّ الـمعروف بـالوساوسي، قال: حدثنا عبد الـمـجيد بن أبـي روّاد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبـيد بن عمير عن الـمطلب بن أبـي وداعة، أن أبـا طالب قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ما يأتـمر به قومك؟ قال: (يُرِيدُونَ أنْ يَسْحَرُونِـي ويَقْتُلُونِـي ويُخْرِجُونِـي) فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: (ربـي) قال: نعم الربّ ربك، فـاستوص به خيرا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أنا أسْتَوْصِي بِهِ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِـي خَيْرا) . فنزلت: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ... الاَية. ١٢٤٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال عطاء: سمعت عبـيد بن عمير يقول: لـما ائتـمروا بـالنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـيقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتـمروا لك؟ قال: (نَعَمْ) . قال: فأخبره. قال: من أخبرك؟ قال: (رَبّـي) . قال: نعم الربّ ربك، استوص به خيرا قال: (أنا أسْتَوْصِي بِهِ، أوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بـي؟) . وكان معنى مكر قوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم به لـيثبتوه، كما: ١٢٤٦٣ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: وحدثنـي الكلبـي، عن زاذان مولـى أم هانىء، عن ابن عبـاس : أن نفرا من قريش من أشراف كلّ قبـيـلة، اجتـمعوا لـيدخـلوا دار الندوة، فـاعترضهم إبلـيس فـي صورة شيخ جلـيـل فلـما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نـجد، سمعت أنكم اجتـمعتـم، فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم منـي رأي ونصح. قالوا: أجل ادخـل فدخـل معهم، فقال: انظروا فـي شأن هذا الرجل، واللّه لـيوشِكنّ أن يواثبكم فـي أموركم بأمره قال: فقال قائل: احبسوه فـي وثاق، ثم تربصوا به ريب الـمنون حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنـما هو كأحدهم قال: فصرخ عدوّ اللّه الشيخ النـجدي، فقال: واللّه ما هذا لكم رأي، واللّه لـيخرجنه ربه من مـحبسه إلـى أصحابه فلـيوشكن أن يثبوا علـيه حتـى يأخذوه من أيديكم فـيـمنعوه منكم، فما آمن علـيكم أن يخرجوكم من بلادكم قالوا: فـانظروا فـي غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بـين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضرّكم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتـم وكان أمره فـي غيركم فقال الشيخ النـجديّ: واللّه ما هذا لكم برأي، ألـم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ واللّه لئن فعلتـم ثم استعرض العرب، لتـجتـمعنّ علـيكم، ثم لـيأتـينّ إلـيكم حتـى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم قالوا: صدق والله، فـانظروا رأيا غير هذا قال: فقال أبو جهل: واللّه لأشيرنّ علـيكم برأي ما أراكم أبصرتـموه بعد ما أرى غيره. قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كلّ قبـيـلة غلاما وسطا شابـا نهدا، ثم يعطى كلّ غلام منهم سيفـا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرّق دمه فـي القبـائل كلها، فلا أظنّ هذا الـحيّ من بنـي هاشم يقدرون علـى حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النـجديّ: هذا واللّه الرأي القول ما قال الفتـى، لا أرى غيره. قال: فتفرّقوا علـى ذلك وهم مـجمعون له. قال: فأتـى جبريـل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأمره أن لا يبـيت فـي مضجعه الذي كان يبـيت فـيه تلك اللـيـلة، وأذن اللّه له عند ذلك بـالـخروج، وأنزل علـيه بعد قدومه الـمدينة الأنفـال يذكره نعمه علـيه وبلاءه عنده: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ وَيَـمْكُرُ اللّه خَيْرُ واللّه الـمَاكِرِينَ وأنزل فـي قولهم: (تَرَبّصُوا بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ) حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَربّصُ بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ وكان يسمى ذلك الـيوم: (يوم الزحمة) للذي اجتـمعوا علـيه من الرأي. ١٢٤٦٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم، فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قالا: تشاوروا فـيه لـيـلة وهم بـمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بـالوثاق وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فلـما أصبحوا رأوا علـيّا رضي اللّه عنه، فردّ اللّه مكرهم. ١٢٤٦٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنـي أبـي، عن عكرمة، قال: لـما خرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر إلـى الغار، أمر علـيّ بن أبـي طالب، فنام فـي مضجعه، فبـات الـمشركون يحرسونه. فإذا رأوه نائما حسبوا أنه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فتركوه. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه وهم يحسبون أنه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فإذا هم بعلـيّ، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. قال: فركبوا الصعب والذّلول فـي طلبه. ١٢٤٦٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: أخبرنـي عثمان الـجريري: أن مقسما مولـى ابن عبـاس أخبره عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قال: تشاورت قريش لـيـلة بـمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بـالوثاق يريدون النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فأطلع اللّه نبـيه علـى ذلك، فبـات علـيّ رضي اللّه عنه علـى فراش النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم تلك اللـيـلة، وخرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حتـى لـحق بـالغار، وبـات الـمشركون يحرسون علـيّا، يحسبون أنه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه، فلـما رأوه علـيّا رضي اللّه عنه، ردّ اللّه مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فـاقتصوا أثره فلـما بلغوا الـجبل ومرّوا بـالغار، رأوا علـى بـابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخـل ههنا لـم يكن نَسْجٌ علـى بـابه فمكث فـيه ثلاثا. ١٢٤٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الـمَاكِرِينَ قال: اجتـمعت مشيخة قريش يتشاورون فـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بعدما أسلـمت الأنصار وفرقوا أن يتعالـى أمره إذا وجد ملـجأ لـجأ إلـيه. فجاء إبلـيس فـي صورة رجل من أهل نـجد، فدخـل معهم فـي دار الندوة فلـما أنكروه قالوا: من أنت؟ فواللّه ما كلّ قومنا أعلـمناهم مـجلسنا هذا قال: أنا رجل من أهل نـجد أسمع من حديثكم وأشير علـيكم. فـاستـحيوا فخـلوا عنه. فقال بعضهم: خذوا مـحمدا إذا اصطبح علـى فراشه، فـاجعلوه فـي بـيت نتربص به ريب الـمنون والريب: هو الـموت، والـمنون: هو الدهر قال إبلـيس: بئسما قلت، تـجعلونه فـي بـيت فـيأتـي أصحابه فـيخرجونه فـيكون بـينكم قتال قالوا: صدق الشيخ. قال: أخرجوه من قريتكم قال إبلـيس: بئسما قلت، تـخرجونه من قريتكم وقد أفسد سفهاءكم فـيأتـي قرية أخرى فـيفسد سفهاءهم فـيأتـيكم بـالـخيـل والرجال. قالوا: صدق الشيخ. قال أبو جهل، وكان أولاهم بطاعة إبلـيس: بل نعمد إلـى كلّ بطن من بطون قريش، فنـخرج منهم رجلاً فنعطيهم السلاح، فـيشدّون علـى مـحمد جميعا فـيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد الـمطلب أن يقتلوا قريشا، فلـيس لهم إلاّ الدية. قال إبلـيس: صدق، وهذا الفتـى هو أجودكم رأيا. فقاموا علـى ذلك، وأخبر اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فنام علـى الفراش، وجعلوا علـيه العيون. فلـما كان فـي بعض اللـيـل، انطلق هو وأبو بكر إلـى الغار، ونام علـيّ بن أبـي طالب علـى الفراش، فذلك حين يقول اللّه :لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ والإثبـات: هو الـحبس والوثاق، وهو قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذَنْ لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: يهلكهم. فلـما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة لقـيه عمر، فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من بـين أظهرهم، وكذلك كان يصنع بـالأمـم، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أخّرُوا بـالقِتالِ) . ١٢٤٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ قال: كفـار قريش أرادوا ذلك بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه. حدثنـي ابن وكيع، قال: حدثنا هانىء بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه إلاّ أنه قال: فعلوا ذلك بـمـحمد. ١٢٤٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ... الاَية، هو النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مكروا به وهو بـمكة. ١٢٤٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... إلـى آخر الاَية، قال: اجتـمعوا فتشاوروا فـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلاّ قُتل به قالوا: خذوه فـاسجنوه واجعلوا علـيه حديدا قالوا: فلا يدعكم أهل بـيته. قالوا: أخرجوه قالوا: إذا يستغويَ الناس علـيكم. قال: وإبلـيس معهم فـي صورة رجل من أهل نـجد. واجتـمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البـيت ويستسلـم أن يجتـمعوا علـيه فَـيَغمّوه ويقتلوه، فإنه لا يدري أهله من قتله، فـيرضون بـالعقل فنقتله ونستريح ونعقله. فلـما أن جاء يطوف بـالبـيت اجتـمعوا علـيه، فغمّوه. فأتـى أبو بكر، فقـيـل له ذاك، فأتـى فلـم يجد مدخلاً فلـما أن لـم يجد مدخلاً، قال: أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّـي اللّه وقَدْ جَاءَكُمْ بـالبَـيّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ؟ قال: ثم فرجها اللّه عنه فلـما أن كان اللـيـل أتاه جبريـل علـيه السلام، فقال: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نـحن أعلـم بهم منك يا مـحمد، هو ناموس لـيـل قال: وأخذ أولئك من مضاجعهم وهم نـيام. فأتـى بهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقدم أحدهم إلـى جبريـل، فكحله، ثم أرسله، فقال: (ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟) قال: كفـيته يا نبـيّ اللّه . ثم قدم آخر فنقر فوق رأسه بعصا نقرة، ثم أرسله فقال: (ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟) فقال: كفـيته يا نبـيّ اللّه . ثم أتـي بآخر فنقر فـي ركبته، فقال: (ما صُورَتُه يا جِبْرِيـلُ؟) قال: كفـيته. ثُم أتـي بآخر، فسقاه مذقة، فقال: (ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟) قال: كفـيته يا نبـيّ اللّه . وأتـي بـالـخامس. فلـما غدا من بـيته مرّ بنبّـال، فتعلق مشقص بردائه فـالتوى، فقطع الأكحل من رجله. وأما الذي كحلت عيناه فأصبح وقد عمي وأما الذي سقـي مذقة فأصبح وقد استسقـى بطنه وأما الذي نقر فوق رأسه فأخذته النقدة والنقدة: قرحة عظيـمة أخذته فـي رأسه وأما الذي طعن فـي ركبته، فأصبح وقد أقعد. فذلك قول اللّه :وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُون ويَـمْكُرُ اللّه واللّه خَيْرُ الـمَاكِرِينَ. ١٢٤٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قوله: ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّه وَاللّه خَيْرُ الـمَاكِرِينَ: أي فمكرت لهم بكيدي الـمتـين حتـى خـلصتك منهم. ١٢٤٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا قال: هذه مكية. قال ابن جريج: قال مـجاهد: هذه مكية. فتأويـل الكلام إذن: واذكر يا مـحمد نعمتـي عندك بـمكري بـمن حاول الـمكر بك من مشركي قومك، بإثبـاتك، أو قتلك، أو إخراجك من وطنك، حتـى استنفذتك منهم وأهلكتهم، فـامْضِ لأمري فـي حرب من حاربك من الـمشركين، وتولـى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القـيـم، ولا يرعبنك كثرة عددهم، فإن ربك خير الـماكرين بـمن كفر به وعبد غيره وخالف أمره ونهيه. وقد بـيّنا معنى الـمكر فـيـما مضى بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـَذَا إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }.. يقول تعالـى ذكره: وإذا تتلـى علـى هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب اللّه الواضحة لـمن شرح اللّه صدره لفهمه قالوا جهلاً منهم وعنادا للـحقّ وهم يعلـمون أنهم كاذبون فـي قـيـلهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا الذي تلـي علـينا، إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِـين: يعني أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلـى علـيهم إلاّ أساطير الأوّلـين. والأساطير: جمع أسطر، وهو جمع الـجمع، لأن واحد الأسطر: سطر، ثم يجمع السطر: أسطر وسطور، ثم يجمع الأسطر: أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: واحد الأساطير: أسطورة. وإنـما عَنى الـمشركون بقوله م: إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِـينَ: إن هذا القرآن الذي تتلوه علـينا يا مـحمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبـار الأمـم. كأنهم أضافوه إلـى أنه أخذ عن بنـي آدم، وأنه لـم يوحه اللّه إلـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٤٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذَا قال: كان النضر بن الـحرث يختلف تاجرا إلـى فـارس، فـيـمرّ بـالعبـاد وهم يقرءون الإنـجيـل، ويركعون ويسجدون. فجاء مكة، فوجد مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم قد أنزل علـيه وهو يركع ويسجد، فقال النضر: قد سمعنا، لو نشاء لقلنا مثل هذا للذي سمع من العِبـاد. فنزلت: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْل هذَا قال: فقصّ ربنا ما كانوا قالوا بـمكة، وقصّ قولهم: إذْ قالُوا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية. ١٢٤٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان النضر بن الـحرث بن علقمة أخو بنـي عبد الدار يختلف إلـى الـحيرة، فـيسمع سجع أهلها وكلامهم. فلـما قدم مكة، سمع كلام النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم والقرآن، فقال: قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ: يقول: أساجيع أهل الـحيرة. ١٢٤٧٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير قال: قتل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر صبرا: عقبةَ بن أبـي معيط، وطعيـمة بن عديّ، والنضر بن الـحارث وكان الـمقداد أسر النضر، فلـما أمر بقتله قال الـمقداد: يا رسول اللّه أسيري فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ اللّه ما يَقُولُ) . فأمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بقتله. فقال الـمقداد: أسيري فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اللّه مّ أغْنِ الـمِقْدَاد مِنْ فَضْلِكَ) فقال الـمقداد: هذا الذي أردت. وفـيه نزلت هذه الاَية: وَإذَا تُتْلـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا... الاَية. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرا الـمطعم بن عديّ، والنضر بن الـحرث، وعقبة بن أبـي معيط. قال: فلـما أمر بقتل النضر، قال الـمقداد بن الأسود: أسيري يا رسول اللّه قال: (إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ اللّه وفِـي رَسُولِهِ ما كانَ يَقُولُ) . قال: فقال ذلك مرّتـين أو ثلاثا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اللّه مّ أغْنِ الـمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ) وكان الـمقداد أسر النضر. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِذْ قَالُواْ اللّه مّ إِن كَانَ هَـَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.. يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد أيضا ما حلّ بـمن قال: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ إذ مكرت لهم، فأتـيتهم بعذاب ألـيـم. وكان ذلك العذاب: قتلهم بـالسيف يوم بدر. وهذه الاَية أيضا ذكر أنها نزلت فـي النضر بن الـحرث. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٧٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَإذْ قالُوا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ قال: نزلت فـي النضر بن الـحرث. ١٢٤٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة من بنـي عبد الدار. قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: هو النضر بن الـحرث بن كلدة. ١٢٤٧٨ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن عطاء، قال: قال رجل من بنـي عبد الدار، يقا له النضر بن كلدة: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ فقال اللّه : وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسابِ وقال: وَلَقَدْ جِئْتُـمُونا فرَادَى كمَا خَـلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ وقال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ قال عطاء: لقد نزل فـيه بضع عشرة آية من كتاب اللّه . ١٢٤٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: فقال يعني النضر بن الـحرث: اللهمّ إن كان ما يقول مـحمد هو الـحقّ من عندك فأمطر علـينا حجارة من السماء أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ قال اللّه : سأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ. ١٢٤٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية، قال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ. ١٢٤٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذْ قالُوا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية، قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهَلتها، فعاد اللّه بعائدته ورحمته علـى سفهة هذه الأمة وجهلتها. ١٢٤٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم ذكر غيرة قريش واستفتاحهم علـى أنفسهم، إذ قالوا: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ أي ما جاء به مـحمد، فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ أي ببعض ما عذّبت به الأمـم قبلنا. واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (هو) فـي الكلام. فقال بعض البصريـين نصب (الـحق) ، لأن (هو) واللّه أعلـم حوّلت زائدة فـي الكلام صلة توكيد كزيادة (ما) ، ولا تزاد إلاّ فـي كلّ فعل لا يستغنـي عن خبر، ولـيس هو بصفة لهذا، لأنك لو قلت: (رأيت هذا هو) لـم يكن كلاما، ولا تكون هذه الـمضمرة من صفة الظاهرة، ولكنها تكون من صفة الـمضمرة، نـحو قوله: وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ تـجِدُوهُ عِنْدَ اللّه هُوَ خَيرا وَأعْظمَ أجْرا لأنك تقول: (وجدته هو وإياي) فتكون (هو) صفة. وقد تكون فـي هذا الـمعنى أيضا غير صفة، ولكنها تكون زائدة كما كان فـي الأوّل. وقد تـجري فـي جميع هذا مـجرى الاسم، فـيرفع ما بعدها إن كان بعدها ظاهرا أو مضمرا فـي لغة بنـي تـميـم، يقولون فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ وَ تـجِدُوهُ عِندَ اللّه هُوَ خَيْرا وَأعْظَم أجْرا كما تقول: كانوا آبـاؤهم الظالـمون، جعلوا هذا الـمضمر نـحو (هو) و (هما) و (أنت) زائدا فـي هذا الـمكان. ولـم تـجعل مواضع الصفة، لأنه فصل أراد أن يبـين به أنه لـيس ما بعده صفة لـما قبله، ولـم يحتـج إلـى هذا فـي الـموضع الذي لا يكون له خبر.
وكان بعض الكوفـيـين يقول: لـم تدخـل (هو) التـي هي عماد فـي الكلام إلاّ لـمعنى صحيح. وقال: كأنه قال: زيد قائم، فقلت أنت: بل عمرو هو القائم فهو لـمعهود الاسم والألف، واللام لـمعهود الفعل التـي هي صلة فـي الكلام مخالفة لـمعنى (هو) ، لأن دخولها وخروجها واحد فـي الكلام، ولـيست كذلك هو وأما التـي تدخـل صلة فـي الكلام، فتوكيد شبـيه بقوله م: (وجدته نفسه) تقول ذلك، ولـيست بصفة كالظريف والعاقل. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا كَانَ اللّه لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: تأويـله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ: أي وأنت مقـيـم بـين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو مقـيـم بـمكة. قال: ثم خرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من بـين أظهرهم، فـاستغفر من بها من الـمسلـمين، فأنزل بعد خروجه علـيه حين استغفر أولئك بها: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرونَ. قال: ثم خرج أولئك البقـية من الـمسلـمين من بـينهم، فعذّب الكفـار. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن ابن أبزي، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـمكة، فأنزل اللّه : وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ. قال: فخرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة، فأنزل اللّه : وَما كانَ اللّه مُعَذبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: فكان أولئك البقـية من الـمسلـمين الذين بقوا فـيها يستغفرون، يعني بـمكة فلـما خرجوا أنزل اللّه علـيه: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ قال: فأذن اللّه له فـي فتـح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم. ١٢٤٨٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ يعني النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني : من بها من الـمسلـمين. وَمَا لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه يعني مكة، وفـيها الكفـار. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك، فـي قول اللّه :وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ يعني : أهل مكة. وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وفـيهم الـمؤمنون، يستغفرون يغفر لـمن فـيهم من الـمسلـمين. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل الرازي وأبو داود الـحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: بقـية من بقـي من الـمسلـمين منهم، فلـما خرجوا، قال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه . قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن أبـي مالك: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: أهل مكة. ١٢٤٨٥ـ وأخبرنا أبـيّ، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك : وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون من أهل مكة. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ قال: الـمشركون من أهل مكة. ١٢٤٨٦ـ قال: حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك : وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون يستغفرون بـين ظهرانـيهم. ١٢٤٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بـمكة، حتـى أخرجك والذين آمنوا معك. ١٢٤٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال: ابن عبـاس : لـم يعذّب قرية حتـى يخرج النبـيّ منها والذين آمنوا معه ويـلـحقه بحيث أمر. وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني الـمؤمنـين. ثم أعاد إلـى الـمشركين، فقال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه . ١٢٤٨٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: يعني أهل مكة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّب هؤلاء الـمشركين من قريش بـمكة وأنت فـيهم يا مـحمد، حتـى أخرجك من بـينهم. وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء الـمشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معانـي الاستغفـار بـالقول. قالوا: وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه فـي الاَخرة. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٩٠ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عكرمة، عن أبـي زميـل، عن ابن عبـاس : إن الـمشركين كانوا يطوفون بـالبـيت يقولون: لبـيك لا شريك لك لبـيك، فـيقول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ قَدْ) فـيقولون: لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تـملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك غفرانك. فأنزل اللّه : وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. فقال ابن عبـاس : كان فـيهم أمانان: نبـيّ اللّه والاستغفـار، قال: فذهب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وبقـي الاستغفـار. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ قال: فهذا عذاب الاَخرة، قال: وذاك عذاب الدنـيا. ١٢٤٩١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان ومـحمد بن قـيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: مـحمد أكرمه اللّه من بـيننا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأمْطِرْ عَلَـيْنا... الاَية فلـما أمسوا ندموا علـى ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهمّ فأنزل اللّه : وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ... إلـى قوله: لا يَعْلَـمُونَ. ١٢٤٩٢ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كانوا يقولون يعني الـمشركين: واللّه إن اللّه لا يعذّبنا ونـحن نستغفر، ولا يعذّب أمة ونبـيها معها حتـى يخرجه عنها وذلك من قوله ورسول لله صلى اللّه عليه وسلم بـين أظهرهم، فقال اللّه لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرّتهم واستفتاحهم علـى أنفسهم، إذ قالوا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط، وقال حين نعى علـيهم سوء أعمالهم: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أي بقوله م، وإن كانوا يستغفرون كما قال: وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرامِ من آمن اللّه وعبده، أي أنت ومن تبعك. ١٢٤٩٣ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار، قال: حدثنا أبو بردة، عن أبـي موسى، قال: إنه كان فـيكم أمانان: قوله: ومَا كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: أما النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفـار فهو دائر فـيكم إلـى يوم القـيامة. ١٢٤٩٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق، عن عامر أبـي الـخطاب الثوريّ قال: سمعت أبـا العلاء يقول: كان لأمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أمَنتاه: فذهبت إحداهما، وبقـيت الأخرى: وَما كانَ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ... الاَية. ٣٤وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّبهم وأنت فـيهم يا مـحمد، وما كان اللّه معذّب الـمشركين وهم يستغفرون، أي: لو استغفروا. قالوا: ولـم يكونوا يستغفرون فقال جل ثناؤه إذ لـم يكونوا يستغفرون: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٩٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: إن القوم لـم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عذّبوا. وكان بعض أهل العلـم يقول: هما أمانان أنزلهما اللّه ، فأما أحدهما فمضى نبـيّ اللّه ، وأما الاَخر فأبقاه اللّه رحمة بـين أظهركم، الاستغفـار والتوبة. ١٢٤٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال اللّه لرسوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون، ولو استغفروا وأقرّوا بـالذنوب لكانوا مؤمنـين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون، وما لهم ألا يعذّبهم اللّه وهم يصدّون عن مـحمد وعن الـمسجد الـحرام ١٢٤٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَمَا كانَ اللهُ مُعَذّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون قال: يقول: لو استغفروا لـم أعذّبهم. وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّبهم وهم يسلـمون. قالوا: واستغفـارهم كان فـي هذا الـموضع: إسلامهم. ذكر من قال ذلك. ١٢٤٩٨ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: سألوا العذاب، فقال: لـم يكن لـيعذبهم وأنت فـيهم، ولـم يكن لـيعذّبهم وهم يدخـلون فـي الإسلام. ١٢٤٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وأنْتَ فِـيهمْ قال: بـين أظهرهم. وقوله: وَهُمْ يَسْتَغْفِروُنَ قال: يسلـمون. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وما كان اللّه لـيعذبهم وأنت فـيهم بـين أظهرهم وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يسلـمون. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد اللّه ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ قال: بـين أظهرهم. وَما كان اللّه مُعَذّبَهُمْ وهم يَسْتَغْفِرُونَ قال: دخولهم فـي الإسلام. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفـيهم مَن قد سبق له من اللّه الدخول فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك. ١٢٥٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ يقول: ما كان اللّه سبحانه يعذّب قوما وأنبـياؤهم بـين أظهرهم حتـى يخرجهم. ثم قال: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ومنهم من قد سبق له من اللّه الدخول فـي الإيـمان، وهو الاستغفـار، ثم قال: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه فعذّبهم يوم بدر بـالسيف. وقال آخرون: بل معناه: وما كان اللّه معذّبهم وهم يصلّون. ذكر من قال ذلك. ١٢٥٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني : يصلون، يعني بهذا أهل مكة. ١٢٥٠٢ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ، قال: حدثنا حسين الـجعفـيّ، عن زائدة، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يصلون. ١٢٥٠٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ يعني : أهل مكة، يقول: لـم أكن لأعذّبكم وفـيكم مـحمد. ثم قال: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني : يؤمنون ويصلون. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يصلون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان اللّه لـيعذّب الـمشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك ب قوله: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك. ١٢٥٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: قال فـي الأنفـال: وَما كانَ اللّه لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فنسختها الاَية التـي تلـيها: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه ... إلـى قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ فقوتلوا بـمكة، وأصابهم فـيها الـجوع والـحصر. وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـله: وما كان اللّه لـيعذبهم وأنت فـيهم يا مـحمد وبـين أظهرهم مقـيـم، حتـى أخرجك من بـين أظهرهم لأنـي لا أهلك قرية وفـيها نبـيها. وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرّون علـيه، فهم للعذاب مستـحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إلـيك وأنت تسيء إلـيّ، يراد بذلك: لا أحسن إلـيك إذا أسأت إلـيّ ولو أسأت إلـيّ لـم أحسن إلـيك، ولكن أحسن إلـيك لأنك لا تسيء إلـيّ وكذلك ذلك. ثم قـيـل: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ بـمعنى: وما شأنهم وما يـمنعهم أن يعذّبهم اللّه وهم لا يستغفرون اللّه من كفرهم فـيؤمنوا به، وهم يصدّون الـمؤمنـين بـاللّه ورسوله عن الـمسجد الـحرام. وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، لأن القوم أعنـي مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهمّ إن كان ما جاء به مـحمد هو الـحقّ، فأمطر علـينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألـيـم فقال اللّه لنبـيه: ما كنت لأعذّبهم وأنت فـيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام فأعلـمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلـمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بـين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب فـي الاَخرة، وهم مستعجلوه فـي العاجل، ولا شكّ أنهم فـي الاَخرة إلـى العذاب صائرون، بل فـي تعجيـل اللّه لهم ذلك يوم بدر الدلـيـل الواضح علـى أن القول فـي ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول مَن وجّه قوله: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إلـى أنه عنـي به الـمؤمنـين، وهو فـي سياق الـخبر عنهم وعما اللّه فـاعل بهم، ولا دلـيـل علـى أن الـخبر عنهم قد تقضّى، وعلـى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف فـي تأويـله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ ب قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ... الاَية، لأن قوله جلّ ثناؤه: وَما كانَ اللّه مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ خبر، والـخبر لا يجوز أن يكون فـيه نسخ، وإنـما يكون النسخ للأمر والنهي. واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (أن) فـي قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّه فقال بعض نـحويـي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت (لا) وهي زائدة، وجاء فـي الشعر: لَوْ لَـمْ تكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنُوبَ لَهَاإلـيّ لامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربـية، وقال: لـم تدخـل (أن) إلاّ لـمعنى صحيح، لأن معنى وَما لَهُمْ ما يـمنعهم من أن يعذّبوا، قال: فدخـلت (أن) لهذا الـمعنى، وأخرج ب (لا) ، لـيعلـم أنه بـمعنى الـجحد، لأن الـمنع جحد. قال: و (لا) فـي البـيت صحيح معناها، لأن الـجحد إذا وقع علـيه جحد صار خبرا. وقال: ألا ترى إلـى قولك: ما زيد لـيس قائما، فقد أوجبت القـيام؟ قال: وكذلك (لا) فـي هذا البـيت. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنّ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ. يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذّبهم اللّه وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام، ولـم يكونوا أولـياء اللّه إنْ أوْلِـيَاؤُهُ يقول: ما أولـياء اللّه إلاّ الـمتقون، يعني : الذين يتقون اللّه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن أولـياء اللّه الـمتقون، بل يحسبون أنهم أولـياء اللّه . وبنـحو ما قلنا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ١٢٥٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ مَن كانوا وحيث كانوا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٢٥٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ الذين يخرجون منه، ويقـيـمون الصلاة عنده، أي: أنت يعني النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومن آمن بك. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن الـمسجد الـحرام الذي يصلون لله فـيه ويعبدونه، ولـم يكونوا لله أولـياء، بل أولـياؤه الذين يصدّونهم عن الـمسجد الـحرام وهم لا يصلون فـي الـمسجد الـحرام. وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ يعني : بـيت اللّه العتـيق، إلاّ مُكاءً وهو الصفـير، يقال منه: مكا يـمكو مَكْوا ومُكاءً، وقد قـيـل: إن الـمكو: أن يجمع الرجل يديه ثم يدخـلهما فـي فـيه ثم يصيح، ويقال منه: مكت استُ الدابة مُكاءً: إذا نفخت بـالريح، ويقال: إنه لا يـمكو إلاّ استُ مكشوفة، ولذلك قـيـل للاست الـمَكْوَة، سميت بذلك ومن ذلك قول عنترة: وَحَلِـيـلِ غانِـيَةٍ ترَكْتُ مُـجَدّلاًتَـمْكُو فَرِيصَتُهُ كشِدْقِ الأعْلَـمِ وقول الطرماح: فَنَـحا لاِولاها بِطَعْنَةِ مُـحْفَظٍتَـمْكُو جَوَانِبُها مِنَ الإنهَارِ بـمعنى: تصوّت. وأما التصدية فإنها التصفـيق، يقال منه: صَدّى يُصَدّي تَصْدِية، وصفّق وصفّح بـمعنى واحد. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن موسى بن قـيس، عن حجر بن عنبس: إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: التصفـير، والتصدية: التصفـيق. ١٢٥٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً الـمكاء: التصفـير، والتصدية: التصفـيق. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً يقول: كانت صلاة الـمشركين عند البـيت مكاء، يعني : التصفـير، وتصدية يقول: التصفـيق. ١٢٥١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسديّ، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا فضيـل، عن عطية: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: التصفـيق والصفـير. ١٢٥١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن قرّة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر، قال: الـمكاء: التصفـيق، والتصدية: الصفـير. قال: وأمال ابن عمر خده إلـى جانب. ١٢٥١٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا وكيع، عن قرة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء والتصدية: الصفـير والتصفـيق. حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال سمعت مـحمد بن الـحسين يحدّث عن قرة بن خالد، عن عطية العوفـي، عن ابن عمر، قال: الـمكاء: الصفـير، والتصدية: التصفـيق. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن عطية، عن ابن عمر، فـي قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: الصفـير، والتصدية: التصفـيق. وقال قرة: وحكى لنا عطية فعل ابن عمر، فصفّر وأمال خده وصفق بـيديه. ١٢٥١٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي بكر بن مضر، عن جعفر بن ربـيعة، قال: سمعت أبـا سلـمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول فـي قول اللّه :وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال بكر: فجمع لـي جعفر كفـيه، ثم نفخ فـيهما صفـيرا، كما قال له أبو سلـمة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: الـمكاء: الصفـير، والتصدية: التصفـيق. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سلـمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عمر: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال تصفـير وتصفـيق. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، مثله. ١٢٥١٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حبوية أبو يزيد، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: كانت قريش يطوفون بـالبـيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل اللّه : قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّه التـي أخْرَجَ لِعِبـادِهِ فأمروا بـالثـياب. ١٢٥١٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن سالـم، عن سعيد، قال: كانت قريش يعارضون النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون، فنزلت: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: إلاّ مُكاءً قال: كانوا ينفخون فـي أيديهم، والتصدية: التصفـيق. ١٢٥١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: إدخال أصابعهم فـي أفواههم، والتصدية: التصفـيق، يخـلطون بذلك علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله، إلاّ أنه لـم يقل صلاته. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الـمكاء. إدخال أصابعهم فـي أفواههم، والتصدية: التصفـيق. قال نفر من بنـي عبد الدار كانوا يخـلطون بذلك كله علـى مـحمد صلاته. ١٢٥١٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن سعيد بن جبـير: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: من بـين الأصابع. قال أحمد: سقط علـيّ حرف وما أراه إلاّ الـخذف والنفخ والصفـير منها وأرانـي سعيد بن جبـير حيث كانوا يـمكون من ناحية أبـي قبـيس. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، قال: أخبرنا طلـحة بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: كانوا يشبكون بـين أصابعهم ويصفرون بها، فذلك الـمكاء. قال: وأرانـي سعيد بن جبـير الـمكان الذي كانوا يـمكون فـيه نـحو أبـي قبـيس. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربـيعة، عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن، فـي قوله: مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: النفخ، وأشار بكفه قِبَل فـيه، والتصدية: التصفـيق. ١٢٥١٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: الـمكاء: الصفـير، والتصدية: التصفـيق. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله. ١٢٥١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: كنا نـحدّث أن الـمكاء: التصفـيق بـالأيدي، والتصدية: صياح كانوا يعارضون به القرآن. ١٢٥٢٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: التصفـير، والتصدية: التصفـيق. ١٢٥٢١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً والـمكاء: الصفـير، علـى نـحو طير أبـيض يقال له الـمكاء يكون بأرض الـحجاز والتصدية: التصفـيق. ١٢٥٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: الـمكاء: صفـير كان أهل الـجاهلـية يعلنون به. قال: وقال فـي الـمكاء أيضا: صفـير فـي أيديهم ولعب. وقد قـيـل فـي التصدية: إنها الصدّ عن بـيت اللّه الـحرام. وذلك قول لا وجه له لأن التصدية مصدر من قول القائل: صدّيت تصدية. وأما الصدّ فلا يقال منه: صدّيت، إنـما يقال منه صَدَدْت، فإن شدّدت منها الدال علـى معنى تكرير الفعل، قـيـل: صَدّدت تصديدا، إلاّ أن يكون صاحب هذا القول وجّه التصدية إلـى أنه من صدّدت، ثم قلبت إحدى دالـيه ياء، كما يقال: تظنـيت من ظننت، وكما قال الراجز: (تَقَضّي البـازِي إذَا البـازِي كَسَرْ ) يعني : تق البـازي، فقلب إحدى ضاديه ياء، فـيكون ذلك وجها يوجه إلـيه. ذكر من قال ما ذكرنا فـي تأويـل التصدية: ١٢٥٢٣ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن سعيد بن جبـير: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً: صدّهم عن بـيت اللّه الـحرام. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، قال: أخبرنا طلـحة بن عمرو، عن سعيد بن جبـير. وَتَصْدِيَةً قال: التصدية: صدّهم الناس عن البـيت الـحرام. ١٢٥٢٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَتَصْدِيَةً قال: التصدية عن سبـيـل اللّه ، وصدّهم عن الصلاة وعن دين اللّه . ١٢٥٢٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق:وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَـيْتِ إلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً قال: ما كان صلاتهم التـي يزعمون أنها يدرأ بها عنهم إلاّ مكاء وتصدية، وذلك ما لا يرضي اللّه ولا يحبّ، ولا ما افترض علـيهم ولا ما أمرهم به.
وأما قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ فإنه يعني العذاب الذي وعدهم به بـالسيف يوم بدر، يقول للـمشركين الذين قالوا: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ... الاَية، حين أتاهم بـما استعجلوه من العذاب: ذوقوا: أي اطعموا، ولـيس بذوق بفم، ولكنه ذوق بـالـحسّ، ووجود طعم ألـمه بـالقلوب. يقول لهم: فذوقوا العذاب بـما كنتـم تـجحدون أن اللّه معذّبكم به علـى جحودكم توحيد ربكم ورسالة نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ: أي ما أوقع اللّه بهم يوم بدر من القتل. ١٢٥٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ قال: هؤلاء أهل بدر يوم عذّبهم اللّه . ١٢٥٢٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكفُرُونَ يعني أهل بدر عذّبهم اللّه يوم بدر بـالقتل والأسر. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّواْ عَن سَبِيلِ اللّه فَسَيُنفِقُونَهَا ...}.. يقول تعالـى ذكره: إن الذين كفروا بـاللّه ورسوله ينفقون أموالهم، فـيعطونها أمثالهم من الـمشركين لـيتقوّوا بها علـى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنـين به، لـيصدّوا الـمؤمنـين بـاللّه ورسوله، عن الإيـمان بـاللّه ورسوله، فسينفقون أموالهم فـي ذلك ثم تَكُونُ نفقتهم تلك عَلَـيْهِمْ حَسْرَةً يقول: تصير ندامة علـيهم، لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بـما يأملون ويطمعون فـيه من إطفـاء نور اللّه ، وإعلاء كلـمة الكفر علـى كلـمة اللّه ، لأن اللّه معلـي كلـمته، وجاعل كلـمة الكفر السفلـى، ثم يغلبهم الـمؤمنون، ويحشر اللّه الذين كفروا به وبرسوله إلـى جهنـم، فـيعذّبون فـيها، فأعظم بها حسرة وندامة لـمن عاش منهم ومن هلك أما الـحيّ فحُرِب ماله وذهب بـاطلاً فـي غير درك ولا نفع ورجع مغلوبـا مقهورا مـحزونا مسلوبـا وأما الهالك: فقُتل وسُلب وعجل به إلـى نار اللّه يخـلد فـيها، نعوذ بـاللّه من غضبه وكان الذي تولـى النفقة التـي ذكرها اللّه فـي هذه الاَية فـيـما ذكر أبـا سفـيان. ذكر من قال ذلك. ١٢٥٢٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ... الاَية وَالّذِينَ كَفَرُوا إلـى جَهَنّـمَ يُحْشَرُونَ قال: نزلت فـي أبـي سفـيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفـين من الأحابـيش من بنـي كنانة، فقاتل بهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وهم الذين يقول فـيهم كعب بن مالك: وَجِئْنا إلـى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وَسْطَهُأحابِـيشُ مِنْهُمْ حاسِرٌ وَمُقَنّعُ ثَلاثَةُ آلافٍ ونَـحْنُ نَصِيّةٌثَلاثُ مِئِينَ إنْ كَثُرْنا فَأرْبَعُ ١٢٥٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: نزلت فـي أبـي سفـيان، استأجر يوم أُحد ألفـين لـيقاتل بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سوى من استـجاش من العرب. ١٢٥٣١ـ قال: أخبرنا أبـي عن خطاب بن عثمان العصفري، عن الـحكم بن عتـيبة: إنّ الّذِبنَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: نزلت فـي أبـي سفـيان، أنفق علـى الـمشركين يوم أُحد أربعين أوقـية من ذهب، وكانت الأوقـية يومئذٍ اثنـين وأربعين مثقالاً. ١٢٥٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ... الاَية، قال: لـما قدم أبو سفـيان بـالعير إلـى مكة، أنشد الناس ودعاهم إلـى القتال حتـى غزا نبـيّ اللّه من العام الـمقبل، وكانت بدر فـي رمضان يوم الـجمعة صبـيحة سابع عشرة من شهر رمضان، وكانت أُحد فـي شوّال يوم السبت لإحدى عشرة خـلت منه فـي العام الرابع. ١٢٥٣٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال اللّه فـيـما كان الـمشركون ومنهم أبو سفـيان يستأجرون الرجال يقاتلون مـحمدا بهم: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلمفَسَيْنْفِقُونَها ثُمّ تَكُونُ عَلَـيْهِمْ حَسْرَةً يقول: ندامة يوم القـيامة وويلاً ثم يُغْلَبُونَ. ١٢٥٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ... الاَية، حتـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ قال: فـي نفقة أبـي سفـيان علـى الكقار يوم أُحد. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٢٥٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قالا: حدثنا مـحمد بن مسلـم بن عبـيد اللّه بن شهاب الزهري ومـحمد بن يحيى بن حبـان وعاصم بن عمر بن قتادة والـحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قالوا: لـما أصابت الـمسلـمون يوم بدر من كفـار قريش من أصحاب القلـيب ورجع فَلهّم إلـى مكة، ورجع أبو سفـيان بعيره، مشى عبد اللّه بن ربـيعة وعكرمة بن أبـي جهل وصفوان بن أمية فـي رجال من قريش أصيب آبـاؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلـموا أبـا سفـيان بن حرب ومن كان له فـي تلك العير من قريش تـجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن مـحمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا الـمال علـى حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا بـمن أصيب منا ففعلوا. قال: ففـيهم كما ذكر عن ابن عبـاس أنزل اللّه : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ... إلـى قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا إلـى جَهَنّـمَ يُحْشَرُونَ. ١٢٥٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ... إلـى قوله: يُحْشَرُون يعني النفر الذين مشوا إلـى أبـي سفـيان وإلـى من كان له مال من قريش فـي تلك التـجارة، فسألوهم أن يعينوهم علـى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ففعلوا. ١٢٥٣٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي سعيد بن أبـي أيوب، عن عطاء بن دينار، فـي قول اللّه :إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ... الاَية، نزلت فـي أبـي سفـيان بن حرب. وقال بعضهم: عنـي بذلك الـمشركون من أهل بدر. ذكر من قال ذلك. ١٢٥٣٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ... الاَية، قال: هم أهل بدر. والصواب من القول فـي ذلك عندي ما قلنا، وهو أن يقال: إن اللّه أخبر عن الذين كفروا به من مشركي قريش أنهم ينفقون أموالهم، لـيصدوا عن سبـيـل اللّه ، لـم يخبرنا بأيّ أولئك عنى، غير أنه عمّ بـالـخبر الذين كفروا، وجائز أن يكون عنى: الـمنفقـين أموالهم لقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه بأُحد، وجائز أن يكون عنى الـمنفقـين منهم ذلك ببدر، وجائز أن يكون عنى القريقـين. وإذا كان ذلك كذلك، فـالصواب فـي ذلك أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه الذين كفروا من قريش. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{لِيَمِيزَ اللّه الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنّمَ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.. يقول تعالـى ذكره: يحشر اللّه هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبـيـل اللّه إلـى جهنـم، لـيفرّق بـينهم وهم أهل الـخبث كما قال وسماهم الـخَبِـيثَ، وبـين الـمؤمنـين بـاللّه وبرسوله، وهم الطيبون، كما سماهم جلّ ثناؤه. فميز جل ثناؤه بـينهم بأن أسكن أهل الإيـمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر ناره. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لِـيَـمِيزَ اللّه الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة. ١٢٥٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ثم ذكر الـمشركين، وما يصنع بهم يوم القـيامة، فقال: لِـيَـمِيزَ اللّه الـخَبِـيثَ مِنَ الطّيّبِ يقول: يـميز الـمؤمن من الكافر. فَـيَجْعَلَ الـخَبِـيثَ بَعْضَهُ علـى بَعْضٍ. و يعني جل ثناؤه ب قوله: ويجعل الـخَبِـيثَ بَعْضَهُ علـى بَعْضٍ فـيجعل الكفـار بعضهم فوق بعض. فَـيرْكُمَهُ جَمِيعا يقول: فنـجعلهم ركاما، وهو أن يجمع بعضهم إلـى بعض حتـى يكثروا، كما قال جل ثناؤه فـي صفة السحاب: ثُمّ يُؤَلّفُ بَـيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلْهُ رُكاما: أي مـجتعما كثـيفـا. وكما: ١٢٥٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَـيرْكُمَهُ جَميعا قال: فـيجمعه جميعا بعضه علـى بعض. وقوله: فَـيَجْعَلَهُ فِـي جَهَنّـمَ يقول: فـيجعل الـخبـيث جميعا فـي جهنـم، فوحد الـخبر عنهم لتوحيد قوله: لِـيَـمِيزَ اللّه الـخَبِـيثَ، ثم قال: أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ فجمع ولـم يقل: ذلك هو الـخاسر، فردّه إلـى أوّل الـخبر. و يعني ب (أولئك) الذين كفروا، وتأويـله: هؤلاء الذين ينفقون أموالهم لـيصدوا عن سبـيـل اللّه هم الـخاسرون. و يعني ب قوله: الـخَاسِرُونَ الذين غبنت صفقتهم وخسرت تـجارتهم وذلك أنهم شروا بأموالهم عذاب اللّه فـي الاَخرة، وتعجلوا بإنفـاقهم إياها فـيـما أنفقوا من قتال نبـيّ اللّه والـمؤمنـين به الـخزي والذلّ. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قُل لِلّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الأوّلِينِ }.. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد للذين كفروا من مشركي قومك: إن ينتهوا عما هم علـيه مقـيـمون من كفرهم بـاللّه ورسوله وقتالك وقتال الـمؤمنـين فـينـيبوا إلـى الإيـمان، يغفر اللّه لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيـمانهم وإنابتهم إلـى طاعة اللّه وطاعة رسوله بإيـمانهم وتوبتهم. وإنْ يَعُودُوا يقول: وإن يعد هؤلاء الـمشركون لقتالك بعد الوقعة التـي أوقعتها بهم يوم بدر، فقد مضت سنتـي فـي الأوّلـين منهم ببدر ومن غيرهم من القرون الـخالـية إذ طغوا وكذّبوا رسلـي ولـم يقبلوا نصحهم من إحلال عاجل النقم بهم، فأحلّ بهؤلاء إن عادوا لـحربك وقتالك مثل الذين أحللت بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الأوّلِـينَ فـي قريش يوم بدر وغيرها من الأمـم قبل ذلك. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَقَدْ مَضَتْ سَنّةُ الأوّلِـينَ قال: فـي قريش وغيرها من الأمـم قبل ذلك. ١٢٥٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال فـي قوله: قُلْ للّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإنْ يَعُودُوا لـحربك، فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الأوّلِـينَ: أي من قُتل منهم يوم بدر. ١٢٥٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وإن يعودوا لقتالك، فقد مضت سنة الأوّلـين من أهل بدر. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنّ اللّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.. يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله: وإن يعد هؤلاء لـحربك، فقد رأيتـم سنتـي فـيـمن قاتلكم منهم يوم بدر، وأنا عائد بـمثلها فـيـمن حاربكم منهم، فقاتلوهم حتـى لا يكون شرك ولا يُعبد إلاّ اللّه وحده لا شريك له، فـيرتفع البلاء عن عبـاد اللّه من الأرض وهو الفتنة، ويكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله يقول: حتـى تكون الطاعة والعبـادة كلها لله خالصة دون غيره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٤٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني : حتـى لا يكون شرك. ١٢٥٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن، فـي قوله: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال: الفتنة: الشرك. ١٢٥٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ: يقول: قاتلوهم حتـى لا يكون شرك، و وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ حتـى يقال: لا إله إلاّ اللّه ، علـيها قاتل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وإلـيها دعا. ١٢٥٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال: ختـى لا يكون شرك. ١٢٥٤٩ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، فـي قوله: وَقاتُلوهُم حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال: حتـى لا يكون بلاء. ١٢٥٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ: أي لا يفتُر مؤمن عن دينه، ويكون التوحيد لله خالصا لـيس فـيه شرك، ويخـلع ما دونه من الأنداد. ١٢٥٥١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال: حتـى لا يكون كفر، وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ لا يكون مع دينكم كفر. ١٢٥٥٢ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا أبـان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه، أن عبد الـملك بن مروان كتب إلـيه يسأله عن أشياء، فكتب إلـيه عروة: سلامْ علـيك فإنـي أحمد اللّه إلـيك الذي لا إله إلاّ هو أما بعد: فإنك كتبت إلـيّ تسألنـي عن مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوّة إلاّ بـالله: كان من شأن خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، أن اللّه أعطاه النبوّة، فنعم النبـي ونعم السيد، ونعم العشيرة فجزاه اللّه خيرا وعرّفنا وجهه فـي الـجنة، وأحيانا علـى ملته، وأماتنا علـيها، وبعثنا علـيها. وإنه لـما دعا قومه لـما بعثه اللّه له من الهدى والنور الذي أنزل علـيه، لـم ينفروا منه أوّل ما دعاهم إلـيه، وكانوا يسمعون له حتـى ذكر طواغيَتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكر ذلك علـيه ناس، واشتدّوا علـيه، وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فـانعطف عنه عامة الناس، فتركوه، إلاّ من حفظه اللّه منهم وهم قلـيـل. فمكث بذلك ما قدّر اللّه أن يـمكث، ثم ائتـمرت رءوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين اللّه من أبنائهم وإخوانهم وقبـائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال، فـافتتن من افتتن، وعصم اللّه من شاء منهم. فلـما فعل ذلك بـالـمسلـمين أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يخرجوا إلـى أرض الـحبشة، وكان بـالـحبشة ملك صالـح يقال له النـجاشي لا يُظلـم أحد بأرضه، وكان يُثْنَى علـيه مع ذلك. وكانت أرض الـحبشة متـجرا لقريش يتـجرون فـيها، ومساكن لتـجارتهم يجدون فـيها رتاعا من الرزق وأمنا ومتـجرا حسنا. فأمرهم بها النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فذهب إلـيها عامتهم لـما قهروا بـمكة، وخافوا علـيهم الفتن، ومكث هو فلـم يبرح، فمكث ذلك سنوات يشتدّون علـى من أسلـم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فـيها، ودخـل فـيه رجال من أشرافهم ومنعتهم فلـما رأوا ذلك استرخوا استرخاءة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه، وكانت الفتنة الأولـى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمقِبَل أرض الـحبشة مخافتها وفرارا مـما كانوا فـيه من الفتن والزلزال. فلـما استرخى عنهم ودخـل فـي الإسلام من دخـل منهم، تـحدث بهذا الاسترخاء عنهم، فبلغ ذلك من كان بأرض الـحبشة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قد استرخى عمن كان منهم بـمكة وأنهم لا يفتنون، فرجعوا إلـى مكة وكادوا يأمنون بها، وجعلوا يزدادون ويكثرون. وإنه أسلـم من الأنصار بـالـمدينة ناس كثـير، وفشا بـالـمدينة الإسلام، وطفق أهل الـمدينة يأتون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـمكة فلـما رأت قريش ذلك، توامرت علـى أن يفتنوهم، ويشدّوا علـيهم، فأخذوهم وحرصوا علـى أن يفتنوهم، فأصابهم جهد شديد، وكانت الفتنة الاَخرة، فكانت ثنتـين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلـى أرض الـحبشة حين أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها وأذن لهم فـي الـخروج إلـيها، وفتنة لـما رجعوا ورأوا من يأتـيهم من أهل الـمدينة. ثم إنه جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الـمدينة سبعون نفسا رءؤس الذين أسلـموا، فوافوه بـالـحجّ، فبـايعوه بـالعقبة، وأعطوه علـى: أنا منك وأنت منا، وعلـى: أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نـمنعك مـما نـمنع منه أنفسنا. فـاشتدت علـيهم قريش عند ذلك، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلـى الـمدينة، وهي الفتنة الاَخرة التـي أخرج فـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه وخرج هو، وهي التـي أنزل اللّه فـيها: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد الرحمن بن أبـي الزناد، عن أبـيه، عن عروة بن الزبـير، أنه كتب إلـى الولـيد: أما بعد، فإنك كتبت إلـيّ تسألنـي عن مخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة، وعندي بحمد اللّه من ذلك علـم بكلّ ما كتبت تسألنـي عنه، وسأخبرك إن شاء اللّه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بـالله، ثم ذكر نـحوه. ١٢٥٥٣ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا قـيس، عن الأعمش، عن مـجاهد: وَقاتِلُوهُمْ حتـى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال: يَسَاف ونائلة صنـمان كانا يُعبدان. وأما قوله: فإن انْتَهَوْا فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بـالله، وصاروا إلـى الدين الـحقّ معكم. فإنّ اللّه بِـمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول: فإن اللّه لا يخفـى علـيه ما يعملون من ترك الكفر والدخول فـي دين الإسلام لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم والأشياء كلها متـجلـية له لا تغيب عنه ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فـي السموات ولا فـي الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ فـي كتاب مبـين. وقد قال بعضهم: معنى ذلك: فإن انتهوا عن القتال. والذي قلنا فـي ذلك أولـى بـالصواب، لأن الـمشركين وإن انتهوا عن القتال، فإنه كان فرضا علـى الـمؤمنـين قتالهم حتـى يسلـموا. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِن تَوَلّوْاْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّه مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىَ وَنِعْمَ النّصِيرُ }.. يقول تعالـى ذكره: وإن أدبر هؤلاء الـمشركون عما دعوتـموهم إلـيه أيها الـمؤمنون من الإيـمان بـاللّه ورسوله وترك قتالكم علـى كفرهم، فأبوا إلا الإصرار علـى الكفر وقتالكم، فقاتلوهم وأيقنوا أن اللّه معينكم علـيهم وناصركم. نِعْمَ الـمَوْلَـى هو لكم، يقول: نعم الـمعين لكم ولأولـيائه، وَنِعْمَ النّصِير وهو الناصر. تابع : تفسير سورة الأنفال ٤١القول في تأويل قوله تعالى: {وَاعْلَمُوَا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مّن شَيْءٍ فَأَنّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ ...}. قال أبو جعفر: وهذا تعليم من اللّه عزّ وجلّ المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها، يقول تعالى ذكره: واعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من غنيمة. واختلف أهل العلم في معنى الغنيمة والفيء، فقال بعضهم: فيهما معنيان كلّ واحد منهما غير صاحبه. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الاَية: وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وهذه الاَية: ما أفاءَ اللّه عَلى رسُولهِ قال قلت: ما الفيء وما الغنيمة؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة، وأما الأرض فهي في سوادنا هذا فيء. وقال آخرون: الغنيمة ما أُخذ عَنْوة. والفيء: ما كان عن صلح. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٥٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان الثوري، قال: الغنيمة: ما أصاب المسلمون عنوة بقتال فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. والفيء: ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سَمّى اللّه . وقال آخرون: الغنيمة والفيء بمعنى واحد. وقالوا: هذه الاَية التي في الأنفال ناسخة قوله: ما أفاءَ اللّه على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وللرسُولِ... الاَية. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٥٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ما أفاءَ اللّه على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلَلّهِ وللرسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال، فقال: وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبيلِ فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الحشر، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. وقد بيّنا فيما مضى الغنيمة، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل اللّه ماله أهل دينه بغلبة عليه وقهر بقتال. فأما الفيء، فإنه ما أفاء اللّه على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو ما ردّه عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم فيئا، لأن الفيء إنما هو مصدر من قول القائل: فاء الشيء يَفيءُ فَيْئا: إذا رجع، وأفاءه اللّه : إذا ردّه. غير أن الذي ورد حكم اللّه فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر إنما هو ما وصفت صفته من الفيء دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتابنا: (كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الدين) وسنبينه أيضا في تفسير سورة الحشر إذا انتهينا إليه إن شاء اللّه تعالى. وأما قول من قال: الاَية التي في سورة الأنفال ناسخة الاَية التي في سورة الحشر فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الاَيتين ينفي حكم الأخرى. وقد بيّنا معنى النسخ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم بخلافه، في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: مِنْ شَيْءٍ فإنه مراد به كل ما وقع عليه اسم شيء مما خوّله اللّه المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين مما وقع فيه القسم حتى الخيط والمخيط. كما: ١٢٥٥٧ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قوله: وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ قال: المخيط من الشيء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بمثله. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: قوله: فَأنّ للّهِ خُمُسَهُ مفتاح كلام، ولله الدنيا والاَخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فأن للرسول خمسه. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٥٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن عن قول اللّه :وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والاَخرة. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد، عن قوله: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والاَخرة. ١٢٥٥٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك ، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خَمّسَ الغنيمة فضرب ذلك الخُمْسَ في خمسة. ثم قرأ: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ. قال: وقوله: فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ مفتاح كلام، لله ما في السّمَوَاتِ وما في الأَرْضِ فجعل سهم اللّه وسهم الرسول واحدا. ١٢٥٦٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: فَأن لِلّهِ خُمُسَهُ قال: لله كلّ شيء. ١٢٥٦١ـ حدثنا المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال: لله كلّ شيء، وخمس لله ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم. ١٢٥٦٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت الغنيمة تقسم خمس أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول. ١٢٥٦٣ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا أبان، عن الحسن، قال: أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه بالخمس من ماله وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي اللّه لنفسه. ١٢٥٦٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ قال: خمس اللّه وخمس رسوله واحد، كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يحمل منه ويصنع فيه ما شاء. حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال: كل شيء لله، الخمس للرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت اللّه خمسه وللرسول. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٦٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلميُؤْتَى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة، وهو سهم اللّه ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ.... إلى آخر الاَية، قال: فكان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس ويأخذ سهما، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سُمي لله، و يقول: (لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والاَخرة) ، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. وقال آخرون: ما سمي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذلك فإنما هو مراد به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٦٦ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربع فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، ولم يأخذ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم من الخمس شيئا، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال قوله: فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ افتتاح كلام وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم، ولو كان لله فيه سهم كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلاً قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية، وفي إجماع من ذكرت الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا. فأما من قال: سهم الرسول لذوي القربى، فقد أوجب للرسول سهما وإن كان صلى اللّه عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم. وقد: ١٢٥٦٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ... الاَية، قال: كان نبيّ صلى اللّه عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماسا، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماس: خمس لله ورسوله، وخمس لذوي القُرْبى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل. ١٢٥٦٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: هو خمس الخمس. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، وجرير عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله. ١٢٥٦٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسة للمساكين، ولابن السبيل خمسه. وأما قوله: وَلِذِي القُرْبَىَ فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم، فقال بعضهم: هم قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بني هاشم. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قال: كان آل محمد صلى اللّه عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قال: كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وأهل بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس. ١٢٥٧١ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد السلام، عن خَصِيف، عن مجاهد، قال: قد علم اللّه أن في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة. ١٢٥٧٢ـ حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن السديّ، عن ابن الديلمي، قال: قال عليّ بن الحسين رضي اللّه عنه لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في الأنفال: وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية؟ قال: نعم، قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. حدثنا الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد، قال: هؤلاء قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذين لا تحلّ لهم الصدقة. ١٢٥٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن نَجُدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابا: تزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا. ١٢٥٧٤ـ قال: حدثنا الحسين قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: فأنّ للّهِ خُمُسَهُ قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمس لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، ولابن السبيل خمسه. وقال آخرون: بل هم قريش كلها. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٧٥ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني عبد اللّه بن نافع، عن أبي معشر، عن سعيد المُقِبري، قال: كتب نجْدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى، قال: فكتب إليه ابن عباس: قد كنا نقول إنا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قُرْبىَ. وقال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم صار من بعده لوليّ الأمر من بعده. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٧٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، أنه سئل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طُعْمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما كان حيّا، فلما توفي جعل لوليّ الأمر من بعده. وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصة. وممن قال ذلك الشافعيّ، وكانت علته في ذلك ما: ١٢٥٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي اللّه عنه، فقلنا: يا رسول اللّه ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك اللّه به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال: (إنّهُمْ لَمْ يُفارِقُونا فِي جاهِلِيّةٍ وَلا إسْلامٍ، إنّمَا بَنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ) . ثم شبك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: سهم ذي القربى كان لقرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب، لأن حليف القوم منهم، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين، أعني سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم: يصرفان في معونة الإسلام وأهله. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٧٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك ، عن ابن عباس، قال: جعل سهم اللّه وسهم الرسول واحدا ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يُعْطَى غيرهم.
١٢٥٧٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن عن قول اللّه :وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى قال: هذا مفتاح كلام، لله الدنيا والاَخرة. ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال قائلون: سهم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لقرابة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم. وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل اللّه ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما. ١٢٥٨٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد، فذكر نحوه. ١٢٥٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمر بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما يجعلان سهم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان عليّ رضي اللّه عنه يقول فيه؟ قال: كان عليّ أشدّهم فيه. ١٢٥٨٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ... الاَية. قال ابن عباس: فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، أربعة بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: لله، وللرسول، ولذي القربى، يعني قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، ولم يأخذ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم من الخمس شيئا. فلما قبض اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ردّ أبو بكر رضي اللّه عنه نصيب القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل اللّه ، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ) . ١٢٥٨٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طُعْمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل اللّه صدقة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى وليّ أمر المسلمين. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٨٤ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عنِ عمران بن ظَبيان، عن حكيم بن سعد، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال: يعطى كلّ إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم اللّه ورسوله. ١٢٥٨٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذوي القربى، فقال: كان طعمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما كان حيّا، فلما توفي جُعِل لوليّ الأمر من بعده. وقال آخرون: سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق. وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٨٦ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الغفار، قال: حدثنا المنهال بن عمرو، قال: سألت عبد اللّه بن محمد بن عليّ وعليّ بن الحسين عن الخمس، فقالا: هو لنا. فقلت لعليّ: إن اللّه يقول: واليَتامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ فقال: يتامانا ومساكيننا. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما رُوي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم لأن اللّه أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس الاَخرين. وقد أجمعوا أن حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حقّ أهل الخمس لن يستحقه غيرهم، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها اللّه لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الأخر. وأما اليتامى: فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم. والمساكين: هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. وابن السبيل: المجتاز سفرا قد انْقُطِعَ به. كما: ١٢٥٨٧ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: الخمس الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. القول في تأويل قوله تعالى: إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللّه وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ وَاللّه عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون أنما غنمتم من شيء فمقسوم القَسمْ الذي بينته، وصَدقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية اللّه وبما أنزل اللّه على عبده محمد صلى اللّه عليه وسلم يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوّهم، وذلك يوم التقى الجمعان. جمع المؤمنين، وجمع المشركين، واللّه على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك مما يشاء قدير لا يمتنع عليه شيء أراده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٨٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: يَوْمَ الفُرْقانِ يعني بالفرقان: يوم بدر، فَرَق اللّه فيه بين الحق والباطل. ١٢٥٨٩ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٢٥٩٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني الليث، قال: ثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير وإسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: يَوْمَ الفُرْقانِ يوم فرق اللّه بين الحقّ والباطل، وهو يوم بدر، وهو أوّل مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة. فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون ما بين الألف والتسع مئة، فهزم اللّه يومئذ المشركين، وقُتل منهم زيادة على سبعين، وأمر منهم مثلُ ذلك. ١٢٥٩١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن مقسم: يَوْمَ الفُرْقانِ قال: يوم بدر، فرق اللّه بين الحقّ والباطل. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم، في قوله: يَوْمَ الفُرْقانِ قال: يوم بدر، فرق اللّه بين الحقّ والباطل. ١٢٥٩٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، ابن عباس، قوله: يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ يوم بدر، وبدر بين المدينة ومكة. ١٢٥٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: ثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن ابن عون، عن محمد بن عبد اللّه الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد اللّه بن حبيب، قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان. ١٢٥٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ قال ابن جريج: قال ابن كثير: يوم بدر. ١٢٥٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ: أي يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر أي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم. ١٢٥٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ وذاكم يوم بدر، يوم فرق اللّه بين الحقّ والباطل. ٤٢القول في تأويل قوله تعالى:{إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىَ...}. يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بينه لكم ربكم إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزل على عبده يوم بدر، إذ فرق بين الحقّ والباطل من نصر رسوله، إذْ أنْتُمْ حينئذ بالعُدْوةِ الدّنْيا يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة، وَهُمْ بالعُدْوَةِ القُصْوَى يقول: وعدوّكم من المشركين نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة، وَالرّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُمْ يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٥٩٧ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ الدّنْيا قال: شفير الوادي الأدنى وهي بشفير الوادي الأقصى. وَالرّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُمْ قال: أبو سفيان وأصحابه أسفل منهم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ الدّنْيا وَهُمْ بالعُدْوَةِ القُصْوَى وهما شفيرا الوادي، كان نبيّ اللّه أعلى الوادي والمشركون بأسفله. وَالرّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُمْ يعني أبا سفيان، انحدر بالعير على حوزته حتى قدم بها مكة. ١٢٥٩٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ الدّنْيا وَهُمْ بالعُدْوَةِ القُصَوَى من الوادي إلى مكة. وَالرّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُمْ: أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم. ١٢٥٩٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَالرّكْبُ أسْفَلَ مِنْكُمْ قال: أبو سفيان وأصحابه مقبلون من الشام تجارا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد صلى اللّه عليه وسلم بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه، حتى التقيا على ماء بدر من يسقى لهم كلهم، فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، فأسروهم. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ١٢٦٠٠ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: ذكر منازل القوم والعير، فقال: إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ الدّنْيا وَهُمْ بالعُدْوَةِ القُصَوَى والركب: هو أبو سفيان وعيره، أسفل منكم على شاطىء البحر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: إذْ أنْتُمْ بالعُدْوَةِ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدنيين والكوفيين: بالعُدْوَةِ بضم العين، وقرأه بعض المكيين والبصريين: (بالعِدْوَةِ) بكسر العين. وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، يُنْشَد بيت الراعي: وَعَيْنانِ حُمْرٌ مَآقِيهِماكما نظَرَ العِدْوَةَ الجُؤْذَرُ بكسر العين من العدوة، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر: وفارِسٍ لَوْ تَحُلّ الخَيْلُ عِدْوَتَهوَلّوْا سِرَاعا وَما هَمّوا بإقْبالِ القول في تأويل قوله تعالى: وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّه أمْرا كانَ مَفْعُولاً. يعني تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه أنتم أيها المؤمنون وعدوّكم من المشركين عن ميعاد منكم ومنهم، لاختلفتم في الميعاد لكثرة عدد عدوّكم وقلة عددكم ولكن اللّه جمعكم على غير ميعاد بينكم وبينهم ليقضي اللّه أمرا كان مفعولاً. وذلك القضاء من اللّه كان نصره أولياءه من المؤمنين باللّه ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والأسر كما: ١٢٦٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعادِ ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم. وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّه أمْرا كانَ مَفْعُولاً: أي ليقضي اللّه ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه. ١٢٦٠٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني يونس بن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك، أن عبد اللّه بن كعب، قال: سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر: إنما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قرَيش، حتى جمع اللّه بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ١٢٦٠٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السقاة، قال: ونهد الناس بعضهم لبعض. القول في تأويل قوله تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيحْيا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإنّ اللّه لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. يقول تعالى ذكره: ولكن اللّه جمعهم هنالك ليقضي أمرا كان مفعولاً، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ. وهذه اللام في قوله: لِيَهْلِكَ مكررة على اللام في قوله: لِيَقْضِيَ كأنه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بينة، جَمَعَكُمْ. ويعني ب قوله: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ ليموت من مات من خلقه عن حجة لله قد أثبتت له، وقطعت عذره، وعبرة قد عاينها ورآها. وَيحْيا مَنْ حَيّ عَنْ بَينَةٍ يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أثبتت له وظهرت لعينه، فعلمها جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك. وقال ابن إسحاق في ذلك بما: ١٢٦٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ لما رأى من الاَيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك. وأما قوله: وَإنّ اللّه لَسَمِيِعٌ عَلِيمٌ فإن معناه: وإن اللّه أيها المؤمنون لسميع لقولكم وقول غيركم حين يرى اللّه نبيه في منامه، ويريكم عدوكم في أعينكم قليلاً وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلاً، عليم بما تضمره نفوسكم وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال. يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: واتقوا ربكم أيها الناس في منطقكم أن تنطقوا بغير حقّ، وفي قلوبكم أن تعتقدوا فيها غير الرشد، فإن اللّه لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن. ٤٣القول في تأويل قوله تعالى:{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً ...}. يقول تعالى ذكره: وإن اللّه يا محمد سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك اللّه عدوّك وعدوّهم فِي مَنامِكَ قَلِيلاً يقول: يريكهم في نومك قليلاً فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب عدوّهم. ولو أراك ربك عدوّك وعدوّهم كثيرا لفشل أصحابك، فجبنوا وخافوا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا في ذلك ولكن اللّه سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تخفيه الصدور، لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب. وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: إذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً: أي في عينك التي تنام بها، فصيرّ المنام هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم اللّه في عينك قليلاً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٠٥ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً قال: أراه اللّه إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. وقال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٢٦٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: إذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً... الاَية فكان أوّل ما أراه من ذلك نعمة من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوّهم، وكفاهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَلَكِنّ اللّه سَلّمَ فقال بعضهم: معناه: ولكن اللّه سلم للمؤمنين أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٠٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وَلَكِنّ اللّه سَلّمَ يقول: سلم اللّه لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن اللّه سلم أمره فيهم. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٠٨ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، قال: حدثنا معمر، عن قتادة: وَلَكِنّ اللّه سَلّمَ قال: سلم أمره فيهم. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن اللّه سلم القوم بما أرى نبيه صلى اللّه عليه وسلم في منامه من الفشل والتنازع، حتى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب عدوّهم وذلك أن قوله: وَلَكِنّ اللّه سَلّمَ عقيب قوله: وَلَوْ أرَاكَهُمْ كَثِيرا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الأمْرِ فالذي هو أولى بالخبر عنه، أنه سلمهم منه جل ثناؤه ما كان مخوفا منه لو لم يُرِ نبيه صلى اللّه عليه وسلم من قلة القوم في منامه. ٤٤القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِيَ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلّلُكُمْ فِيَ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّه أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّه تُرْجَعُ الاُمُورُ }. يقول تعالى ذكره: وإن اللّه لسميع عليم إذ يُرى اللّه نبيه في منامه المشركين قليلاً، وإذ يريهم اللّه المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلاً، وهم كثير عددهم، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم فيهون على المؤمنين شوكتهم. كما: ١٢٦٠٩ـ حدثني ابن بزيع البغدادي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال أراهم مئة. قال: فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا: كم هم؟ قال: كنا ألفا. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بنحوه. ١٢٦١٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: إذْ يُرِيكَمُوهُمْ إذِ الْتَقَيْتُمْ في أعْيُنِكُمْ قَلِيلاً قال ابن مسعود: قُللوا في أعيننا حتى قلت لرجل: أتراهم يكونون مئة؟ ١٢٦١١ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: قال ناس من المشركين: إن العير قد انصرفت فارجعوا فقال أبو جهل: الاَن إذ برز لكم محمد وأصحابه؟ فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم وقال: يا قوم لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خذوهم أخذا، فاربطوهم بالحبال يقوله من القدرة في نفسه. وقوله: لِيَقْضِيَ اللّه أمْرا كانَ مَفْعُولاً يقول جلّ ثناؤه: قللتكم أيها المؤمنون في أعين المشركين وأريتكموهم في أعينكم قليلاً حتى يقضي اللّه بينكم ما قضي من قتال بعضكم بعضا، وإظهاركم أيها المؤمنون على أعدائكم من المشركين والظفر بهم، لتكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وذلك أمر كان اللّه فاعله وبالغا فيه أمره. كما: ١٢٦١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: لِيَقْضِيَ اللّه أمْرا كانَ مَفْعُولاً أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته. وَإلى اللّه تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول جلّ ثناؤه: مصير الأمور كلها إليه في الاَخرة، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. ٤٥القول في تأويل قوله تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّه كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ }. وهذا تعريف من اللّه جل ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم، ثم يقول جل ثناؤه لهم: يا أيها الذين آمنوا، صدّقوا اللّه ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر باللّه للحرب والقتال، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم. وَاذْكُرُوا اللّه كَثيرا يقول: وادعوا اللّه بالنصر عليهم والظفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره. لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول: كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم، ويرزقكم اللّه النصر والظفر عليهم. كما: ١٢٦١٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ افترض اللّه ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف. ١٢٦١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً يقاتلونكم في سبيل اللّه ، فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيرا اذكروا اللّه الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم، لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ. ٤٦القول في تأويل قوله تعالى:{وَأَطِيعُواْ اللّه وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّه مَعَ الصّابِرِينَ }. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء. وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا يقول: ولا تختلفوا فتفرّقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وهذا مثل، يقال للرجل إذا كان مقبلاً عليه ما يحبه ويُسَرّ به: الريح مقبلة عليه، يعني بذلك ما يحبه، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص: كمَا حَمَيْناكَ يَوْمَ النّعْفِ مِنْ شَطِبٍوالفَضْلُ للْقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ يعني من البأس والكثرة. وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوّتكم وبأسكم فتضعفوا، ويدخلكم الوهن والخلل. وَاصْبِرُوا يقول: اصبروا مع نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند لقاء عدوّكم، ولا تنهزموا عنه وتتركوه. إنّ اللّه مَعَ الصّابِرِينَ يقول: اصبروا فإني معكم. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦١٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد. حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فذكر نحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أُحد. ١٢٦١٦ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال: حربكم وجدّكم. ١٢٦١٧ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال: ريح الحرب. ١٢٦١٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال: الريح: النصر. لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها اللّه تضرب وجوه العدوّ، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قوام. ١٢٦١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا أي لا تختلفوا فيتفرّق أمركم. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فيذهب جدّكم. وَاصْبِرُوا إنّ اللّه مَعَ الصّابِرِينَ: أي إني معكم إذا فعلتم ذلك. ١٢٦٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا قال: الفشل: الضعف عن جهاد عدوّه والانكسار لهم، فذلك الفشل. ٤٧القول في تأويل قوله تعالى:{وَلاَ تَكُونُواْ كَالّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّه وَاللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }. وهذا تَقَدّمٌ من اللّه جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله لا يعملوا عملاً إلا لله خاصة وطلب ما عنده لا رئاء الناس كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدر طلب رئاء الناس وذلك أنهم أخبروا بفوت العير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وقيل لهم: انصرفوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها، فأبوا وقالوا: نأتي بدرا فنشرب بها الخمر وتعزف علينا القيان وتتحدث بنا العرب لمكانتنا فيها. فسقوا مكان الخمر كؤوس المنايا. كما: ١٢٦٢١ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، قال: حدثنا أبان، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة قال: كانت قريش قبل أن يلقاهم النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: إنا قد أجزنا القوم فارجعوا فجاء الركب الذين بعثهم أبو سفيان الذين يأمرون قريشا بالرجعة بالجحفة، فقالوا: واللّه لا نرجع حتى ننزل بدرا فنقيم فيه ثلاث ليال ويرانا من غشينا من أهل الحجاز، فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا وهم الذين قال اللّه : الّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ والتقوا هم والنبيّ صلى اللّه عليه وسلم، ففتح اللّه على رسوله وأخزى أئمة الكفر، وشفى صدور المؤمنين منهم. ١٢٦٢٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق في حديث ذكره، قال: ثني محمد بن مسلم وعاصم بن عمرو، وعبد اللّه بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، عن ابن عباس، قال: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره، أرسل إلى قريش أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها اللّه فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام: واللّه لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كلّ عام فنقيم عليه ثلاثا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونُسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا ١٢٦٢٣ـ قال ابن حميد: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ: أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا: لا نرجع حتى نأتي بدرا وننحر بها الجزر ونسقي بها الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أي لا يكوننّ أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس، وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم، وموازرة نبيكم أي لا تعملوا إلا لله ولا تطلبوا غيره. ١٢٦٢٤ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ قال: أصحاب بدر. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر. ١٢٦٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. قال ابن جريج: وقال عبد اللّه بن كثير: هم مشركو قريش، وذلك خروجهم إلى بدر. ١٢٦٢٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ يعني المشركين الذي قاتلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر. ١٢٦٢٧ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ قال: هم قريش وأبو جهل وأصحابه الذين خرجوا يوم بدر. ١٢٦٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه وَاللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ قال: كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبيّ اللّه يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر، وقد قيل لهم يومئذ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم قالوا: لا واللّه حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا. قال: وذكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال يومئذ: (اللّه م إن قُرَيْشا أقْبَلَتْ بِفَخْرِها وخُيَلائها لِتُحادّكَ وَرَسُولكَ) . ١٢٦٢٩ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: ذكر المشركين وما يطعمون على المياه، فقال: وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه . ١٢٦٣٠ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا قال: هم المشركون خرجوا إلى بدر أشرا وبطرا. ١٢٦٣١ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل اللّه : وَلا تَكُونُوا كالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرا وَرِئاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه وَاللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. فتأويل الكلام إذن: ولا تكونوا أيها المؤمنون باللّه ورسوله في العمل بالرياء والسمعة وترك إخلاص العمل لله واحتساب الأجر فيه، كالجيش من أهل الكفر باللّه ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرا ومراءاة الناس بزيهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم. وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّه يقول: ويمنعون الناس من دين اللّه والدخول في الإسلام بقتالهم إياهم وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الإيمان بالله، واللّه بما يعملون من الرياء والصدّ عن سبيل اللّه وغير ذلك من أفعالهم محيط، يقول: عالم بجميع ذلك، لا يخفى عليه منه شيء وذلك أن الأشياء كلها له متجلية، لا يعزب عنه منها شيء، فهو لهم بها معاقب وعليها معذّب. ٤٨القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ...}. يعني تعالى ذكره ب قوله: وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أَعمالَهُمْ وحين زين لهم الشيطان أعمالهم. وكان تزيينه ذلك لهم كما: ١٢٦٣٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجل من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطفّ الناس، أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده، فولى مدبرا هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة تزعم أنك لنا جار؟ قال: إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ إنّي أخافُ اللّه وَاللّه شَدِيدُ العِقابِ وذلك حين رأى الملائكة. ١٢٦٣٣ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني الشاعر ثم المدلجي، فجاء على فرس فقال للمشركين: لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم. ١٢٦٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، ثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثبطهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا. ١٢٦٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، في قوله: وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِب لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وإنّي جارٌ لَكُمْ فذكر استدراج إبليس إياهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم. يقول اللّه :فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ ونظر عدوّ اللّه إلى جنود اللّه من الملائكة قد أيد اللّه بهم رسوله والمؤمنين على عدوّهم، نَكَصَ على عَقِبَيْهِ وَقالَ إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إني أرَى ما لا ترون وصدق عدوّ اللّه أنه رأى ما لا يرون. وقال: إنّي أخافُ اللّه وَاللّه شَدِيدُ العِقابِ، فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نكص الحرث بن هشام أو عمير بن وهب الجمحي، فذكر أحدهما فقال: أين سراقة؟ أسلمنا عدو اللّه وذهب. ١٢٦٣٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ... إلى قوله: شَدِيدُ العِقابِ قال: ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فزعم عدوّ اللّه أنه لا يدى له بالملائكة، وقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف اللّه . وكذب واللّه عدوّ اللّه ، ما به مخافة اللّه ، ولكن علم أن لا قوّة له ولا منعة له، وتلك عادة عدوّ اللّه لمن أطاعه واستعاذ به، حتى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلم وتبرأ منهم عند ذلك. ١٢٦٣٧ـ حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ... الاَية، قال: لما كان يوم بدر، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وإني جار لكم. فلما التقوا ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة نكص على عقبيه، قال: رجع مدبرا وقال: إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ... الاَية. ١٢٦٣٨ـ حدثنا أحمد بن الفرج، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، قال: حدثنا مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما رُؤِيَ إبْلِيسُ يَوْما هُوَ فِيهِ أصْغَرُ وَلا أحْقَرُ وَلا أدْحَرُ وَلا أغْيَظُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَذلكَ مِمّا يَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الرّحْمَةِ وَالعَفْوِ عَنِ الذّنُوبِ، إلاّ ما رأى يَوْمَ بَدْرٍ) . قالوا: يا رسول اللّه : وما رأى يوم بدر؟ قال: (أَمَا إنّهُ رأى جِبْرِيلَ يَزَعُ المَلائِكَةَ) . ١٢٦٣٩ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن الحسن، في قوله: إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ قال: رأى جبريل معتجرا ببرد يمشي بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وفي يده اللجام، ما ركب. ١٢٦٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: قال الحسن: وتلا هذه الاَية: وَإذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعْمالَهُمْ... الاَية، قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم، ولن تغلبوا كثرةً. فلما التقوا نكص على عقيبه، يقول: رجع مدبرا، وقال: إني بريء منكم، إني أرى ما لا ترون. يعني الملائكة. ١٢٦٤١ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، قال: لما أجمعت قريش على السير، قالوا: إنما نتخوّف من بني بكر. فقال لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس. فتأويل الكلام: وإن اللّه لسميع عليم في هذه الأحوال وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم أيها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحّسن ذلك لهم، وحثهم عليكم وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، فاطمئنوا وأبشروا، وإني جار لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فتغيركم أجيركم وأمنعكم منهم، ولا تخافوهم، واجعلوا جدّكم وبأسكم على محمد وأصحابه. فَلَمّا تَرَاءَتِ الفِئَتانِ يقول: فما تزاحفت جنود اللّه من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعض نَكَصَ على عَقِبَيْهِ يقول: رجع القهقرى على قفاه هاربا، يقال منه: نكص ينكُصُ وينكِصُ نُكُوصا، ومنه قول زهير: هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ البَيْضِ إذْ لَحِقُوالا ينْكُصُونَ إذا ما اسْتُلْحِمُوا وحَمُوا وقال للمشركين إنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ يعني : أنه يرى الملائكة الذين بعثهم اللّه مددا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم إنّي أخَافُ عقاب اللّه وكذب عدوّ اللّه واللّه شَدِيدُ العِقَابِ. ٤٩القول في تأويل قوله تعالى:{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ غَرّ هَـَؤُلآءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكّلْ عَلَى اللّه فَإِنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. يقول تعالى ذكره: وإن اللّه لسميع عليم في هذه الأحوال، وإذ يقول المنافقون. وكرّ ب قوله: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ على قوله: إذْ يُرِيكَهُمُ اللّه فِي مِنامِكَ قَلِيلاً. والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني : شكّ في الإسلام لم يصح يقينهم، ولم تشرح بالإيمان صدورهم. غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ يقول: غرّ هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم من أنفسهم دينهم، وذلك الإسلام. وذكر أن الذين قالوا هذا القول كانوا نفرا ممن كان قد تكلم بالإسلام من مشركي قريش ولم يستحكم الإسلام في قلوبهم. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٤٢ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر في هذه الاَية: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ قال: كان ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد، عن داود، عن عامر، مثله. ١٢٦٤٣ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ قال: فئة من قريش: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحرث بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعليّ بن أمية بن خلف، والعاصي بن منبه بن الحجاج خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلما رأوا قلة أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا: غرّ هؤلاء دينهم حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوّهم ١٢٦٤٤ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ قال: هم قوم لم يشدوا القتال يوم بدر، فسموا منافقين. قال معمر: وقال بعضهم: قوم كانوا أقرّوا بالإسلام وهم بمكة، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: غرّ هؤلاء دينهم ١٢٦٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... إلى قوله: فإنّ اللّه عَزِيزٌ حكِيمٌ قال: رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر اللّه . وذكر لنا أن أبا جهل عدوّ اللّه لما أشرف على محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، قال: واللّه لا يعبد اللّه بعد اليوم قسوة وعتوّا. ١٢٦٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج في قوله: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: ناس كانوا من المنافقين بمكة، قالوه يوم بدر، وهم يومئذ ثلاث مئة وبضعةَ عَشَرَ رجلاً. ١٢٦٤٧ـ قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: إذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: لما دنا القوم بعضهم من بعض، فقلل اللّه المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: غرّ هؤلاء دينهم وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال اللّه : وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّه فإنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وأما قوله: وَمَنْ يَتَوَكّلْ على اللّه فإن معناه: ومن يسلم أمره إلى اللّه ويثق به ويرض بقضائه، فإن اللّه حافظه وناصره لأنه عزيز لا يغلبه شيء ولا يقهره أحد، فجاره منيع ومن يتوكل عليه يكفه. وهذا أمر من اللّه جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول اللّه وغيرهم أن يفوّضوا أمرهم إليه ويسلموا لقضائه، كيما يكفيهم أعداءهم، ولا يستذلهم من ناوأهم لأنه عزيز غير مغلوب، فجاره غير مقهور. حِكِيمُ يقول: هو فيما يدبر من أمر خلقه، حكيم لا يدخل تدبيره خلل. ٥٠القول في تأويل قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ يَتَوَفّى الّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: ولو تعاين يا محمد حين يتوفى الملائكة أرواح الكفار فتنزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والأستاه، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٤٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إذْ يَتَوَفّى في الّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ قال: يوم بدر. ١٢٦٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن أسلم، عن إسماعيل بن كثير، عن مجاهد: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ قال: وأستاههم ولكن اللّه كريم يكني. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ قال: وأستاههم ولكن اللّه كريم يكني. ١٢٦٥٠ـ حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، في قوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ قال: إن اللّه كني، ولو شاء لقال: أستاههم، وإنما عنى بأدبارهم: أستاههم. ١٢٦٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أستاههم يوم بدر. قال ابن جريج: قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم. ١٢٦٥٢ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عباد بن راشد، عن الحسن، قال: قال رجل: يا رسول اللّه إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك، فما ذاك؟ قال: (ضَرْبُ المَلائِكَةِ) . ١٢٦٥٣ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: أن رجلاً قال للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: إني حملت على رجل من المشركين، فذهبت لأضربه، فندر رأسه. فقال: (سَبَقَكَ إلَيْهِ المَلَكُ) . ١٢٦٥٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حرملة، أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت اللّه يقول: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدْبارَهُمْ فإنما يريد أستاههم. قال أبو جعفر: وفي الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره، وهو قوله: وَيَقُولُونَ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ حذفت (يقولون) ، كما حذفت من قوله: وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا وَسِمعْنا بمعنى: يقولون ربنا أبصرنا. ٥١القول في تأويل قوله تعالى:{ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّه لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ }. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: ذوقوا عذاب اللّه الذي يحرقكم، هذا العذاب لكم بما قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ أي بما كسبت أيديكم من الاَثام والأوزار واجترحتم من معاصي اللّه أيام حياتكم، فذوقوا اليوم العذاب وفي معادكم عذاب الحريق وذلك لكم بأن اللّه ليس بظلام للعبيد، لا يعاقب أحدا من خلقه إلا بجرم اجترمه، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه، لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه. وفي فتح (أن) من قوله: وأن اللّه وجهان من الإعراب: أحدهما النصب، وهو للعطف على (ما) التي في قوله: بِمَا قَدّمَتْ بمعنى: ذلك بما قدمت أيديكم، وبأن اللّه ليس بظلام للعبيد في قول بعضهم، والخفض في قول بعض. والاَخر: الرفع على ذلِكَ بما قَدّمَتْ وذلك أن اللّه . ٥٢القول في تأويل قوله تعالى:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّه فَأَخَذَهُمُ اللّه بِذُنُوبِهِمْ إِنّ اللّه قَوِيّ شَدِيدُ الْعِقَابِ }. يقول تعالى ذكره: فعل هؤلاء المشركون من قريش الذين قتلوا ببدر كعادة قوم فرعون وصنيعهم وفعلهم، وفعل من كذب بحجج اللّه ورسله من الأمم الخالية قبلهم، ففعلنا بهم كفعلنا بأولئك. وقد بيّنا فيما مضى أن الدأب: هو الشأن والعادة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ١٢٦٥٥ـ حدثني الحرث، قال: ثني عبد العزيز، قال: حدثنا شيبان، عن جابر، عن عامر ومجاهد وعطاء: كَدأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ: كفعل آل فرعون، كسنن آل فرعون. وقوله: فَأخَذَهُمُ اللّه بذُنُوِبِهِمْ يقول: فعاقبهم اللّه بتكذيبهم حججه ورسله ومعصيتهم ربهم، كما عاقب أشكالهم والأمم الذين قبلهم. إنّ اللّه قَوِيّ لا يغلبه غالب ولا يردّ قضاءه رادّ، ينفذ أمره ويمضي قضاءه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حججه. ٥٣القول في تأويل قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنّ اللّه لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىَ قَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ }. يقول تعالى ذكره: وأخذنا هؤلاء الذين كفروا بآياتنا من مشركي قريش ببدر بذنوبهم وفعلنا ذلك بهم، بأنهم غيروا ما أنعم اللّه عليهم به من ابتعاثه رسوله منهم وبين أظهرهم، بإخراجهم إياه من بينهم وتكذيبهم له وحربهم إياه فغيرنا نعمتنا عليهم بإهلاكنا إياهم، كفعلنا ذلك في الماضين قبلهم ممن طغى علينا وعصى أمرنا. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٥٦ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: ذلكَ بأنّ اللّه لَمْ يَكُ مُغَيّرا نِعْمَةً أنْعَمَها على قَوْمٍ حتى يُغَيّرُوا ما بأنْفُسِهمْ يقول: نعمة اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، أنعم به على قريش وكفروا، فنقله إلى الأنصار. وقوله: وأنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ يقول: لا يخفى عليه شيء من كلام خلقه، يسمع كلام كلّ ناطق منهم بخير نطق أو بشرّ، عليم بما تضمره صدورهم، وهو مجازيهم ومثيبهم على ما يقولون ويعملون، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. ٥٤القول في تأويل قوله تعالى:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذّبُواْ بآيَاتِ رَبّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }. يقول تعالى ذكره: غَيّر هؤلاء المشركون باللّه المقتولون ببدر، نعمة ربهم التي أنعم بها عليهم، بابتعاثه محمدا منهم وبين أظهرهم، داعيا لهم إلى الهدى، بتكذيبهم إياه وحربهم له. كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ: كسنة آل فرعون وعادتهم، وفعلهم بموسى نبيّ اللّه في تكذيبهم إياه، وتصديهم لحربه وعادة من قبلهم من الأمم المكذبة رسلها وصنيعهم. فأهْلَكْناهُمْ بِذُنُوِبهِمْ بعضا بالرجفة، وبعضا بالخسف، وبعضا بالريح. وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ في اليم. وكُلّ كانُوا ظالِمِينَ يقول: كل هؤلاء الأمم التي أهلكناها كانوا فاعلين ما لم يكن لهم فعله من تكذيبهم رسل اللّه والجحود لاَياته، فكذلك أهلكنا هؤلاء الذين أهلكناهم ببدر، إذ غيّروا نعمة اللّه عندهم بالقتل بالسيف، وأذللنا بعضهم بالإسار والسّباء. ٥٥القول في تأويل قوله تعالى:{إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّه الّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. يقول تعالى ذكره: إن شرّ ما دبّ على الأرض عند اللّه الذين كفروا بربهم فجحدوا وحدانيته، وعبدوا غيره. فهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول: فهم لا يصدقون رسل اللّه ولا يقرّون بوحيه وتنزيله. ٥٦القول في تأويل قوله تعالى:{الّذِينَ عَاهَدْتّ مِنْهُمْ ثُمّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرّةٍ وَهُمْ لاَ يَتّقُونَ }. يقول تعالى ذكره: إن شرّ الدوابّ عند اللّه الذين كفروا، الذين عاهدت منهم يا محمد، يقول: أخذت عهودهم ومواثيقهم أن لا يحاربوك ولا يظاهروا عليك محاربا لك كقريظة ونظرائهم ممن كان بينك وبينهم عهد وعقد، ثم ينقضون عهودهم ومواثيقهم، كلما عاهدوا دافعوك وحاربوك وظاهروا عليك، وهم لا يتقون اللّه ولا يخافون في فعلهم ذلك أن يوقع بهم وقعة تجتاحهم وتهلكهم. كالذي: ١٢٦٥٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ قال: قريظة مالئوا على محمد يوم الخندق أعداءه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه. ٥٧القول في تأويل قوله تعالى:{فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِم مّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: فإما تلقين في الحرب هؤلاء الذين عاهدتهم فنقضوا عهدك مرّة بعد مرّة من قريظة فتأسرهم، فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول: فافعل بهم فعلاً يكون مشرّدا مَن خلفهم من نظرائهم ممن بينك وبينه عهد وعقد. والتشريد: التطريد والتبديد والتفريق. وإنما أمر بذلك نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفعل بالناقض العهد بينه وبينهم إذا قدر عليهم فعلاً يكون إخافة لمن وراءهم ممن كان بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبينه عهد، حتى لا يجترئوا على مثل الذي اجترأ عليه هؤلاء الذين وصف اللّه صفتهم في هذه الاَية من نقض العهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٥٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يعني : نكّلْ بهم من بعدهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول: نكل بهم من وراءهم. ١٢٦٥٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول: عظ بهم من سواهم من الناس. ١٢٦٦٠ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول: نكل بهم من خلفهم من بعدهم من العدوّ، لعلهم يحذرون أن ينكُثوا فيُصْنَع بهم مثل ذلك. ١٢٦٦١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير: فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال: أنذر بهم من خلفهم. ١٢٦٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس، قال: نكل بهم من خلفهم من بعدهم. قال ابن جريج، قال عبد اللّه بن كثير: نكل بهم من وراءهم. ١٢٦٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ: أي نكل بهم من وراءهم لعلهم يعقلون. ١٢٦٦٤ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ يقول: نكل بهم مَن بعدهم. ١٢٦٦٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه :فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال: أخفهم بما تصنع بهؤلاء وقرأ: وآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّه يَعْلَمُهُمْ. وأما قوله: لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ فإن معناه: كي يتعظوا بما فعلت بهؤلاء الذين وصفت صفتهم، فيحذروا نقض العهد الذي بينك وبينهم، خَوْفَ أن ينزل بهم منك ما نزل بهؤلاء إذا هم نقضوه. ٥٨القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىَ سَوَآءٍ إِنّ اللّه لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ }. يقول تعالى ذكره: وإمّا تخافنّ يا محمد من عدوّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَوَاءٍ يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إنّ اللّه لا يُحِبّ الخائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد. فإن قال قائل: وكيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة والخوف ظنّ لا يقين؟ قيل: إن الأمر بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معناه: إذا ظهرت آثار الخيانة من عدوّك وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السلم وآذنهم بالحرب. وذلك كالذين كان من بني قريظة، إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومحاربتهم معه بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المسالمة، ولن يقاتلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فكانت إجابتهم إياه إلى ذلك موجبا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خوف الغدر به وبأصحابه منهم، فكذلك حكم كل قوم أهل موادعة للمؤمنين ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من قريظة منها، فحُقّ على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء ويؤذنهم بالحرب. ومعنى قوله: عَلى سَوَاءٍ: أي حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سلم. وقيل: نزلت الاَية في قريظة. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٦٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَوَاءٍ قال قريظة. وقد قال بعضهم: السواء في هذا الموضع: المَهَل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٦٧ـ حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: إنه مما تبين لنا أن قوله: فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَوَاءٍ أنه على مهل. كما حدثنا بكير عن مقاتل بن حيان في قول اللّه :بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ. وأما أهل العلم بكلام العرب، فإنهم في معناه مختلفون، فكان بعضهم يقول: معناه: فانبذ إليهم على عَدْل يعني حتى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكم لبعض من المحاربة. واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الراجز: وَاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدّرِ الأعْدَاءحتى يُجِيبُوكَ إلى السّوَاءِ يعني إلى العدل. وكان آخرون يقولون: معناه الوسط، من قول حسان: يا وَيْحَ أنْصَارِ الرّسُولِ وَرَهْطِهِبَعْدَ المُغَيّبِ فِي سَوَاءِ المُلْحَدِ بمعنى في وسط اللحد. وكذلك هذه المعاني متقاربة، لأن العدل وسط لا يعلو فوق الحقّ ولا يقصر عنه، وكذلك الوسط عدل، واستواء الفريقين فيما عليه بعضهم لبعض بعض المهادنة عدل من الفعل ووسط. وأما الذي قاله الوليد بن مسلم من أن معناه المهل، فما لا أعلم له وجها في كلام العرب. ٥٩القول في تأويل قوله تعالى:{وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوَاْ إِنّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ }. اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق: (وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنّهُمْ) بكسر الألف من (إنهم) وبالتاء في (تحسبنّ) ، بمعنى: ولا تحسبنّ يا محمد الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدىء الخبر عن قدرة اللّه عليهم، فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجِزون ربهم إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها. وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة: وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا بالياء في (يحسبنّ) ، وكسر الألف من (إنهم) ، وهي قراءة غير حميدة لمعنيين: أحدهما خروجهما من قراءة القرّاء وشذوذها عنها، والاَخر بعدها من فصيح كلام العرب وذلك أن (يحسب) يطلب في كلام العرب منصوبا وخبره، ك قوله: عبد اللّه يحسب أخاك قائما ويقوم وقام، فقارىء هذه القراءة أصحب (يحسب) خبرا لغير مخبر عنه مذكور، وإنما كان مراده: ظنيّ ولا يحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزوننا، فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد اللّه ، وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد اللّه : (وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّهُمْ سَبَقُوا إنّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) وهذا فصيح صحيح إذا أدخلت أنهم في الكلام، لأن (يحسبنّ) عاملة في (أنهم) ، وإذا لم يكن في الكلام (أنهم) كانت خالية من اسم تعمل فيه. وللذي قرأ من ذلك من القرّاء وجهان في كلام العرب وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم: أحدهما أن يكون أريد به: ولا يحسبنّ الذين كفروا أن سبقوا، أو أنهم سبقوا، ثم حذف (أن) و(أنهم) ، كما قال جلّ ثناؤه: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا بمعنى: أن يريكم. وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة: أظَنّ ابْنُ طُرْثُوثٍ عُيَيْنَةُ ذَاهِبابِعادِيّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعائِلُهْ بمعنى: أظنّ ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابُه وجعائله. وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجه (سبقوا) إلى (سابقين) على هذا المعنى. والوجه الثاني على أنه أراد إضمار منصوب ب (يحسب) ، كأنه قال: ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا، ثم حذف الهمز وأضمر. وقد وجه بعضهم معنى قوله: أنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ إنما ذلكم الشيطان يخوّف المؤمن من أوليائه، وأن ذكر المؤمن مضمر في قوله: (يخوّف) ، إذ كان الشيطان عنده لا يخوّف أولياءه. وقرأ ذلك بعض أهل الشام: (وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا) بالتاء من (تحسبن) (سَبَقُوا إنّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) بفتح الألف من (أنهم) ، بمعنى: ولا تحسبنّ الذين كفروا أنهم لا يعجزون. ولا وجه لهذه القراءة يعقل إلا أن يكون أراد القارىء ب (لا) التي في يعجزون (لا) التي تدخل في الكلام حشوا وصلة. فيكون معنى الكلام حينئذ: ولا تحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون. ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب اللّه إلى التطويل بغير حجة يجب التسليم لها وله في الصحة مخرج. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ: (لا تَحْسَبن) بالتاء (الّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنهُمْ) بكسر الألف من (إنهُمْ لا يُعْجِزُونَ) بمعنى: ولا تحسبنّ أنت يا محمد الذين جحدوا حجج اللّه وكذّبوا بها سبقونا بأنفسهم، ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا: أي يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منا. كما: ١٢٦٦٨ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: (وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) يقول: لا يفوتون. ٦٠القول في تأويل قوله تعالى:{وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّه ...}. يقول تعالى ذكره: وأعدّوا لهؤلاء الذين كفروا بربهم الذين بينكم وبينهم عهد، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون باللّه ورسوله ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ يقول: ما أطقتم أن تعدّوه لهم من الاَلات التي تكون قوّة لكم عليهم من السلاح والخيل. تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُو اللّه وَعَدُوّكُمْ يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدوّ اللّه وعدوّكم من المشركين. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٦٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو إدريس، قال: سمعت أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل من جهينة يرفع الحديث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوةٍ (ألا إنّ الرّمْيَ هُوَ القُوّةُ، ألاَ إنّ الرّمْيَ هُوَ الْقُوّةُ) . ١٢٦٧٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سعيد بن شرحبيل، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحرث، عن أبي عليّ الهمدانيّ، أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: قال اللّه : وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ ألا وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول على المنبر (قالَ اللّه : وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ ألا أنّ القُوّةَ الرّمْيُ ألا إنّ القُوّةَ الرّمْيُ) ثَلاثا. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محبوب وجعفر بن عون ووكيع وأبو أسامة وأبو نعيم، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهنيّ قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر: وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ فقال: (ألا إن القُوةَ الرمْيُ، ألا إن القُوةَ الرمْيُ) ثلاث مرات. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر، أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قرأ هذه الاَية على المنبر، فذكر نحوه. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، نحوه. حدثنا أحمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه محمد بن عبيدة، عن أخيه عبد اللّه بن عبيدة، عن عقبة بن عامر، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، في قوله: وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوةٍ (ألا إن القُوةَ الرمْيُ) . ١٢٦٧١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن شعبة بن دينار، عن عكرمة، في قوله: وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوةٍ قال: الحصون. وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ قال: الإناث. ١٢٦٧٢ـ حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال: لقي رجل مجاهدا بمكة، ومع مجاهد جُوالَق، قال: فقال مجاهد: هذا من القوّة ومجاهد يتجهز للغزو. ١٢٦٧٣ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وأعِدّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوةٍ من سلاح. وأما قوله: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّه وَعَدُوّكُمْ فقال ابن وكيع: ١٢٦٧٤ـ حدثنا أبي عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: تَرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّه وَعَدُوّكُمْ قال: تخزون به عدوّ اللّه وعدوّكم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: تَرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّه وَعَدُوّكُمْ قال: تخزون به عدوّ اللّه وعدوّكم. وكذا كان يقرأ بها ترهبون. حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة وخصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: تُرْهِبُونَ بِهِ تخزون به. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. يقال منه: أرهبت العدوّ ورهّبته، فأنا أُرْهِبُه وأُرَهّبُه إرهابا وترهيبا، وهو الرّهَبُ والرّهْبُ، ومنه قول طفيل الغنويّ: وَيْلُ امّ حَيّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورِهِمُبَنِي كِلابٍ غَدَاةَ الرّعْبِ والرّهَبِ القول في تأويل قوله تعالى: وآخِرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّه يَعْلَمهُمْ. اختلف أهل التأويل في هؤلاء الاَخرين من هم وما هم، فقال بعضهم: هم بنو قريظة. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٧٥ـ حُدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ يعني من بني قريظة. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ قال: قريظة. وقال آخرون: من فارس. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٧٦ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وآخِرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّه يَعْلَمهُمْ هؤلاء أهل فارس. وقال آخرون: هم كل عدوّ للمسلمين غير الذي أمر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أن يشرّد بهم من خلفهم. قالوا: وهم المنافقون. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٧٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول اللّه :فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال: أخفهم بهم لما تصنع بهؤلاء. وقرأ: وآخِرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّه يَعْلَمهُمْ. ١٢٦٧٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وآخِرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّه يَعْلَمهُمْ قال: هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم لأنهم معكم يقولون لا إله إلا اللّه ويغزون معكم. وقال آخرون: هم قوم من الجنّ. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللّه أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوّه وعدوّهم من المشركين من السلاح والرمي وغير ذلك ورباط الخيل. ولا وجه لأن يقال: عني بالقوّة معنى دون معنى من معاني القوّة، وقد عمّ اللّه الأمر بها. فإن قال قائل: فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قد بين أن ذلك مراد به الخصوص ب قوله: (ألا إن القُوّةَ الرّمْيُ) . قيل له: إن الخبر وإن كان قد جاء بذلك فليس في الخير ما يدلّ على أنه مراد بها الرمي خاصة دون سائر معاني القوّة عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوّة، لأنه إنما قيل في الخبر: (ألا إنّ القُوّةَ الرّمْيُ) ولم يقل دون غيرها. ومن القوّة أيضا السيف والرمح والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين، كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم، هذا مع وهي سند الخبر بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأما قوله: وآخِرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ فإن قول من قال: عني به الجنّ، أقرب وأشبه بالصواب لأنه جل ثناؤه قد أدخل ب قوله: وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّه وَعَدُوّكُمْ الأمر بارتباط الخيل لإرهاب كلّ عدوّ لله وللمؤمنين يعلمونهم، ولا شكّ أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم، لعلمهم بأنهم مشركون وأنهم لهم حرب، ولا معنى لأن يقال: وهم يعلمونهم لهم أعداء، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ولكن معنى ذلك: إن شاء اللّه ترهبون بارتباطكم أيها المؤمنون الخيل عدوّ اللّه وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم لكفرهم باللّه ورسوله، وترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم اللّه يعلمهم دونكم، لأن بني آدم لا يرونهم. وقيل: إن صهيل الخيل يرهب الجنّ، وإن الجنّ لا تقرب دارا فيها فرس. فإن قال قائل: فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون، فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون؟ قيل: فإن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم، وإنما كان يروعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرّون من الكفر، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوّة لإرهاب العدوّ، فأما من لم يرهبه ذلك فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون، وقيل: (لا تعلمونهم) ، فاكتفي للعلم بمنصوب واحد في هذا الموضع، لأنه أريد لا تعرفونهم، كما قال الشاعر: فإنّ اللّه يَعْلَمُنِي وَوَهْباوأنّا سَوْفَ يَلْقاهُ كِلانا القول في تأويل قوله تعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّه يُوَفّ إلَيْكُمْ وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ. يقول تعالى ذكره: وما أنفقتم أيها المؤمنون من نفقة في شراء آلة حرب من سلاح أو حراب أو كراع أو غير ذلك من النفقات في جهاد أعداء اللّه من المشركين يخلفه اللّه عليكم في الدنيا، ويدّخر لكم أجوركم على ذلك عنده، حتى يوفيكموها يوم القيامة. وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ يقول: يفعل ذلك بكم ربكم فلا يضيع أجوركم عليه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ومَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّه يُوَفّ إلَيْكُمْ وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ: أي لا يضيع لكم عند اللّه أجره في الاَخرة وعاجل خلفه في الدنيا. ٦١القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّه إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: وإما تخافنّ من قوم خيانة وغدرا، فانبذ إليهم على سواء وآذنهم بالحرب. وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحرب، إما بالدخول في الإسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح فاجْنَحْ لَهَا يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه. يقال منه: جنح الرجل إلى كذا يجنح إليه جنوحا، وهي لتميم وقيس فيما ذكر عنها، تقول: يجنُح بضم النون. وآخرون: يقولون: يَجْنِحُ بكسر النون، وذلك إذا مال، ومنه قول نابغة بني ذبيان: جَوَانِحَ قَدْ أيْقَنّ أنّ قَبِيلَهُإذَا ما الْتَقَى الجَمْعانِ أوّلُ غالِبِ جوانح: موائل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٨٠ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ قال: للصلح. ونسخها قوله: فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. ١٢٦٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ إلى الصلح فاجْنَحْ لَهَا قال: وكانت هذه قبل براءة، كان نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوادع القوم إلى أجل، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلوا، ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال: فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقال: قاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافّةً ونبذ إلى كلّ ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا اللّه ويسلموا، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك، وكل عهد كان في هذه السورة وفي غيرها، وكلّ صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به فإن براءة جاءت بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه . ١٢٦٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري، قالا: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا نسختها الاَية التي في براءة قوله: قاتِلُوا الّذينَ لا يُؤْمِنُونَ باللّه وَلا باليَوْمِ الاَخِرِ... إلى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ. ١٢٦٨٣ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده. ١٢٦٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا: أي إن دعوك إلى السلم إلى الإسلام، فصالحهم عليه. ١٢٦٨٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد. فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الاَية منسوخة، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفي حكم المنسوخ من كل وجه، فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا. وقول اللّه في براءة: فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حيْثُ وَجَدْتْموهُمْ غير ناف حكمه حكم قوله: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا لأن قوله: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ إنّمَا عُني به بنو قريظة، وكانوا يهودا أهل كتاب، وقد أذن اللّه جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم. وأما قوله: فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حيْثُ وَجَدْتْموهُمْ فإنما عني به مشركو العرب من عبدة الأوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم، فليس في إحدى الاَيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه. ١٢٦٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَإنْ جَنَحُوا للسّلْمِ قال: قريظة. وأما قوله: وَتَوَكّلْ على اللّه يقول: فوّض إلى اللّه يا محمد أمرك، واستكفه واثقا به أنه يكفيك. كالذي: ١٢٦٨٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَتَوَكّلْ على اللّه إن اللّه كافيك. وقوله: إنّهُ هُوَ السّمِيِعُ العَلِيمُ يعني بذلك: إن اللّه الذي تتوكل عليه سميع لما تقول أنت، ومن تسالمه وتتاركه الحرب من أعداء اللّه وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه، ويشرط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط، والعليم بما يضمره كلّ فريق منكم للفريق الاَخر من الوفاء بما عاقده عليه، ومن المضمِر ذلك منكم في قلبه والمنطوي على خلافه لصاحبه. ٦٢القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِن يُرِيدُوَاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّه هُوَ الّذِيَ أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }. يقول تعالى ذكره: وإن يرد يا محمد هؤلاء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء، إن خفت منهم خيانة، وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم خداعك والمكر بك فإنّ حَسْبَكَ اللّه يقول: فإن اللّه كافيكهم وكافيك خداعهم إياك، لأنه متكفل بإظهار دينك على الأديان ومتضمن أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السفلى. هُوَ الّذِي أيّدَكَ بِنَصْرِهِ يقول: اللّه الذي قوّاك بنصره إياك على أعدائه، وبالمؤْمِنِينَ يعني بالأنصار. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٨٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَإنْ يُرِيدُوا أن يَخْدَعُوكَ قال: قريظة. ١٢٦٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وَإنْ يُرِيدُوا أنْ يَخْدَعُوكَ فإنّ حَسْبَكَ اللّه هو من وراء ذلك. ١٢٦٩٠ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: هُوَ الّذِي أيّدَكَ بِنَصْرِهِ قال: بالأنصار. ٦٣القول في تأويل قوله تعالى:{وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـَكِنّ اللّه أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. يريد جل ثناؤه ب قوله: وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التفرّق والتشتت على دينه الحقّ، فصيرهم به جميعا بعد أن كانوا أشتاتا، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء. وقوله: لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: لو أنفقت يا محمد ما في الأرض جميعا من ذهب وورق وعرض، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك، ولكن اللّه جمعها على الهدى، فائتلفت واجتمعت تقوية من اللّه لك وتأييدا منه ومعونة على عدوّك. يقول جلّ ثناؤه: والذي فعل ذلك وسببه لك حتى صاروا لك أعوانا وأنصارا ويدا واحدة على من بغاك سوءا هو الذي إن رام عدوّ منك مراما يكفيك كيده وينصرك عليه، فثق به وامض لأمره وتوكل عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٩١ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ قال: هؤلاء الأنصار ألف بين قلوبهم من بعد حرب فيما كان بينهم. ١٢٦٩٢ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن بشير بن ثابت رجل من الأنصار، أنه قال في هذه الاَية: لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ يعني الأنصار. ١٢٦٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ على الهدى الذي بعثك به إليهم. لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ وَلَكِنّ اللّه ألّفَ بَيْنَهُمْ بدينه الذي جمعهم عليه، يعني الأوس والخزرج. ١٢٦٩٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن إبراهيم الجزري، عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما. قال: قلت لمجاهد: بمصافحة يغفر لهما؟ فقال مجاهد: أما سمعته يقول: لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني. ١٢٦٩٥ـ حدثنا عبد الكريم بن أبي عُمير، قال: ثني الوليد، عن أبي عمرو، قال: ثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد، ولقيته وأخذ بيدي، فقال: إذا تراءى المتحابان في اللّه فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشجر. قال عبدة: فقلت له: إن هذا ليسير قال: لا تقل ذلك، فإن اللّه يقول: لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ. قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني. ١٢٦٩٦ـ حدثني محمد بن خلف، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا فضيل بن غزوان، قال: أتيت أبا إسحاق، فسلمت عليه فقلت: أتعرفني؟ فقال فضيل: نعم لولا الحياء منك لقبلتك. ١٢٦٩٧ـ حدثني أبو الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: نزلت هذه الاَية في المتحابين في اللّه : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ. ١٢٦٩٨ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس أو قال عن الناس الألفة. حدثني محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدثنا أيوب بن سويد، عن الأوزاعي، قال: ثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد، ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم، عن الوليد. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة وابن نمير وحفص بن غياث، عن فضيل بن غزوان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: سمعت عبد اللّه يقول: لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ... الاَية، قال: هم المتحابون في اللّه . وقوله: إنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يقول: إن اللّه الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما وجعلهم لك أنصارا عزيز لا يقهره شيء ولا يردّ قضاءه رادّ، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه. يقول: فعليه فتوكل، وبه فثق، حَكِيمٌ في تدبير خلقه. ٦٤القول في تأويل قوله تعالى:{يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: يا أيها النبيّ حسبك اللّه ، وحسب من اتبعك من المؤمنين اللّه . يقول لهم جلّ ثناؤه: ناهضوا عدوّكم، فإن اللّه كافيكم أمرهم، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم، فإن اللّه مؤيدكم بنصره. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٦٩٩ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا سفيان، عن شوذب بن معاذ، عن الشعبيّ في قوله: يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال: حسبك اللّه وحسب من اتبعك من المؤمنين اللّه . حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن شوذب، عن الشعبيّ، في قوله: يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال: حسبك اللّه وحسب من معك. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبيد اللّه ، عن سفيان، عن شوذب، عن عامر، بنحوه، إلا أنه قال: حسبك اللّه وحسب من شهد معك. ١٢٧٠٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، في قوله: يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّه وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال: يا أيها النبيّ حسبك اللّه وحسب من اتبعك من المؤمنين، إنّ حسبك أنت وهم اللّه . ف(مَنْ) من قوله: وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي نصب عطفا على معنى الكاف في قوله: حَسْبُكَ اللّه لا على لفظه، لأنها في محل خفض في الظاهر وفي محل نصب في المعنى، لأن معنى الكلام: يكفيك اللّه ، ويكفي من اتبعك من المؤمنين. وقد قال بعض أهل العربية في (مَن) : إنها في موضع رفع على العطف على اسم اللّه ، كأنه قال: حسبك اللّه ومتبعوك إلى جهاد العدوّ من المؤمنين دون القاعدين عنك منهم. واستشهد على صحة قوله ذلك ب قوله: حَرّضِ المُؤْمِنينَ على القِتالِ. ٦٥القول في تأويل قوله تعالى:{يَأَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: يا أيّها النّبِيّ حَرّضِ المُؤْمِنِينَ على القِتالِ حُثّ متبعيك ومصدقيك على ما جئتهم به من الحق على قتال من أدبر وتولى عن الحق من المشركين. إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عشْرُونَ رجلاً صَابِرُونَ عند لقاء العدوّ، يحتسبون أنفسهم ويثبتون لعدوّهم يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ من عدوّهم ويقهروهم. وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ عند ذلك يَغْلِبُوا منهم ألفا. بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يقول: من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير رجاء ثواب ولا لطلب أجر ولا احتساب لأنهم لم يفقهوا أن اللّه موجب لمن قاتل احتسابا وطلب موعودا لله في المعاد ما وعد المجاهدين في سبيله، فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللقاء خشية أن يقتلوا فتذهب دنياهم. ٦٦ثم خفف تعالى ذكره عن المؤمنين إذ علم ضعفهم فقال لهم: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا يعني أن في الواحد منهم عن لقاء العشرة من عدوّهم ضعفا، فإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابرَةٌ عند لقائهم للثبات لهم، يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ منهم، إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ منهم بإذْنِ اللّه يعني بتخلية اللّه إياهم لغلبتهم ومعونته إياهم. وَاللّه مَعَ الصّابِرِينَ لعدوّهم وعدوّ اللّه ، احتسابا في صبره وطلبا لجزيل الثواب من ربه، بالعون منه له والنصر عليه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٠١ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن محبب، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن عطاء في قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ قال: كان الواحد لعشرة، ثم جعل الواحد باثنين لا ينبغي له أن يفرّ منهما. ١٢٧٠٢ـ حدثنا سعيد بن يحيى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: جعل على المسلمين على الرجل عشرة من الكفار، فقال: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ فخفف ذلك عنهم، فجعل على الرجل رجلان. قال ابن عباس: فما أحبّ أن يعلم الناس تخفيف ذلك عنهم. ١٢٧٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، ثني عبد اللّه بن أبي نجيح المكيّ، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد اللّه بن عباس، قال: لما نزلت هذه الاَية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ومئة ألفا، فخفف اللّه عنهم، فنسخها بالاَية الأخرى فقال: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا فإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ قال: وكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوّهم لم ينبغ لهم أن يفرّوا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم أن يقاتلوا، وجاز لهم أن يتحوّزوا عنهم. ١٢٧٠٤ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ قال: كان لكل رجل من المسلمين عشرة لا ينبغي له أن يفرّ منهم، فكانوا كذلك حتى أنزل اللّه : الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفافإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ فعبأ لكل رجل من المسلمين رجلين من المشركين، فنسخ الأمر الأوّل. وقال مرّة أخرى في قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ فأمر اللّه الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار، فشقّ ذلك على المؤمنين ورحمهم اللّه ، فقال: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ بإذنِ اللّه وَاللّه مَعَ الصابِرِينَ فأمر اللّه الرجل من المؤمنين أن يقاتل رجلين من الكفار. ١٢٧٠٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيّها النّبِيّ حَرّضِ المُؤْمِنِينَ على القِتالِ... إلى قوله: بأنهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ وذلك أنه كان جعل على كل رجل من المسلمين عشرة من العدوّ يؤشّبهم، يعني يغريهم بذلك ليوطنوا أنفسهم على الغزو، وإن اللّه ناصرهم على العدوّ، ولم يكن أمرا عزمه اللّه عليهم ولا أوجبه، ولكن كان تحريضا ووصية أمر اللّه بها نبيه. ثم خفف عنهم فقال: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا فجعل على كل رجل رجلين بعد ذلك تخفيفا، ليعلم المؤمنون أن اللّه بهم رحيم، فتوكلوا على اللّه وصبروا وصدقوا، ولو كان عليهم واجبا الغزو إذن بعد كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم. فلا يغرنك قول رجال، فإني قد سمعت رجالاً يقولون: إنه لا يصلح لرجل من المسلمين أن يقاتل حتى يكون على كل رجل رجلان، وحتى يكون على كل رجلين أربعة، ثم بحساب ذلك، وزعموا أنهم يعصون اللّه إن قاتلوا حتى يبلغوا عدة ذلك، وإنه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتى يبلغوا عدة أن يكون على كل رجل رجلان، وعلى كل رجلين أربعة، وقد قال اللّه : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَءُوفٌ بالعِبادِ وقال اللّه : فقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه لا تُكَلّفُ إلاّ نَفْسَكَ وَحَرّضِ المُؤْمِنِينَ فهو التحريض الذي أنزل اللّه عليهم في الأنفال، فلا يعجزك قائل: قد سقطت بين ظهري أناس كما شاء اللّه أن يكونوا. ١٢٧٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الحصين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا: قال في سورة الأنفال: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا ألْفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ثم نسخ فقال: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا... إلى قوله: وَاللّه مَعَ الصّابِرِينَ. ١٢٧٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، في قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ قال: واحد من المسلمين وعشرة من المشركين، ثم خفف عنهم فجعل عليهم أن لا يفرّ رجل من رجلين. ١٢٧٠٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عظن مجاهد، قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ... إلى قوله: وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ قال: هذا لأصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر، جعل على الرجل منهم عشرة من الكفار، فضجّوا من ذلك، فجعل على الرجل رجلين تخفيفا من اللّه . ١٢٧٠٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار وأبي معبد عن ابن عباس، قال: إنما أمر الرجل أن يصبر نفسه لعشرة، والعشرة لمئة إذ المسلمون قليل فلما كثر المسلمون خفف اللّه عنهم، فأمر الرجل أن يصبر لرجلين، والعشرة للعشرين، والمئة للمئتين. ١٢٧١٠ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفرّوا فإنهم إن لم يفرّوا غلبوا، ثم خفف اللّه عنهم وقال: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ ف يقول: لا ينبغي أن يفرّ ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم. ١٢٧١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ جعل اللّه على كل رجل رجلين بعد ما كان على كل رجل عشرة. وهذا الحديث عن ابن عباس. ١٢٧١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان فرض على المؤمنين أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين، قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا ألْفا فشقّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه التخفيف، فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين، قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ فخفف اللّه عنهم، ونُقِصوا من الصبر بقدر ذلك. ١٢٧١٣ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ يقول: يقاتلوا مئتين، فكانوا أضعف من ذلك، فنسخها اللّه عنهم، فخفف فقال: فإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ فجعل أوّل مرّة الرجلَ لعشرة، ثم جعل الرجل لاثنين. ١٢٧١٤ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفرّوا، فإنهم إن لم يفرّوا غلبوا، ثم خفف اللّه عنهم فقال: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ بإذْنِ اللّه ف يقول: لا ينبغي أن يفرّ ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم. ١٢٧١٥ـ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كان هذا واجبا أن لا يفرّ واحد من عشرة. ١٢٧١٦ـ وبه قال: أخبرنا الثوري، عن ليث، عن عطاء، مثل ذلك. وأما قوله: بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ فقد بيّنا تأويله. وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما: ١٢٧١٧ـ حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ: أي لا يقاتلون على نية، ولا حقّ فيه، ولا معرفة لخير ولا شرّ. وهذه الاَية، أعني قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وإن كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الأمر، يدلّ على ذلك قوله: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل، ولو كان ثبوت العشرة منهم للمئة من عدوّهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف وكان ندبا لم يكن للتخفيف وجه لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوت للعشرة من العدوّ، وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدما لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن حكم قوله: الاَنَ خَفّفَ اللّه عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا ناسخ لحكم قوله: إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا ألْفا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا، وقد بيّنا في كتابنا (لطيف البيان عن أصول الأحكام) أن كل خبر من اللّه وعد فيه عباده على عمل ثوابا وجزاءً، وعلى تركه عقابا وعذابا، وإن لم يكن خارجا ظاهره مخرج الأمر، ففي معنى الأمر بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا فقرأه بعض المدنيين وبعض البصريين: (وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا) بضم الضاد في جميع القرآن وتنوين الضعف على المصدر من ضَعُفَ الرجل ضُعْفا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين: وَعَلِمَ أنّ فِيكُمْ ضَعْفا بفتح الضاد على المصدر أيضا من ضعف. وقرأه بعض المدنيين: (ضُعَفَاء) على تقدير فعلاء، جمع ضعيف على ضعفاء كما يجمع الشريك شركاء والرحيم رحماء. وأولى القراءة في ذلك بالصواب قراءة من قرأه: (وعلم أن فيكم ضَعفا) و(ضُعفا) ، بفتح الضاد أو ضمها، لأنهما القراءتان المعروفتان، وهما لغتان مشهورتان في كلام العرب فصيحتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب الصواب. فأما قراءة من قرأ ذلك: (ضُعَفَاء) فإنها عن قراءة القرّاء شاذة، وإن كان لها في الصحة مخرج، فلا أحبّ لقارىء القراءة بها. ٦٧القول في تأويل قوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ حَتّىَ يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّه يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. يقول تعالى ذكره: ما كان لنبيّ أن يحتبس كافرا قدر عليه وصار في يده من عَبَدَة الأوثان للفداء أو للمنّ. والأسر في كلام العرب: الحبس، يقال منه: مأسور، يراد به: محبوس، ومسموع منهم: أناله لله أسرا. وإنما قال اللّه جل ثناؤه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم يعرّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم. وقوله: حتى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسرا، يقال منه: أثخن فلان في هذا الأمر إذا بالغ فيه، وحُكي أثخنته معرفة، بمعنى: قتلته معرفة. تريدون: يقول للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأسركم المشركين، وهو ما عرض للمرء منها من مال ومتاع، يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطُعْمها. وَاللّه يُرِيدُ الاَخِرَةَ يقول: واللّه يريد لكم زينة الاَخرة، وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جناته بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض، يقول لهم: واطلبوا ما يريد اللّه لكم وله اعملوا لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها. وَاللّه عَزِيرٌ يقول: إن أنتم أردتم الاَخرة لم يغلبكم عدوّ لكم، لأن اللّه عزيز لا يقهر ولا يغلب، وإنه حَكِيمٌ في تدبيره أمره خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٧١٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتدّ سلطانهم، أنزل اللّه تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: فإمّا مَنّا بَعْدُ وإمّا فِدَاءً فجعل اللّه النبيّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادَوْهم. ١٢٧١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيْا... الاَية، قال: أراد أصحاب نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر الفداء، ففادوهم بأربعة آلاف، ولعمري ما كان أثخن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ وكان أوّل قتال قاتله المشركين. ١٢٧٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، قال: الإثخان: القتل. ١٢٧٢١ـ حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا شريك، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، في قوله: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتل. ١٢٧٢٢ـ قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى... الاَية، نزلت الرخصة بعد، إن شئت فمُنّ وإن شئت ففَادِ. ١٢٧٢٣ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ يعني : الذين أسروا ببدر. ١٢٧٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى من من عدوه. حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ: أي يثخن عدوّه، حتى ينفيهم من الأرض. تُرِيدُونَ عَرَض الدّنْيا: أي المتاع والفداء بأخذ الرجال. وَاللّه يُرِيدُ الاَخِرَةَ بقتلهم لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه، الذي به تدرك الاَخرة. ١٢٧٢٥ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه ، قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما تَقُولُونَ في هَؤُلاءِ الأسْرَى؟) فقال أبو بكر: يا رسول اللّه قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلّ اللّه أن يتوب عليهم وقال عمر: يا رسول اللّه كذّبوك وأخرجوك، قدّمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد اللّه بن رواحة: يا رسول اللّه ، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا قال: فقال له العباس: قطعت رَحِمَكَ. قال: فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يجبهم، ثم دخل فقال ناسٌ: يأخُذُ بقَوْلِ أبي بَكْرٍ، وَقالَ ناسٌ: يأْخُذُ بقَوْلِ عُمَرَ، وَقالَ ناسٌ: يَأْخُذُ بقَوْلِ عبَدْ اللّه بْنِ رَوَاحَةَ. ثم خرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (إن اللّه لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجالٍ حتى تَكُونَ ألْيَنَ مِنَ اللّبَنِ، وإن اللّه لَيُشَدّدَ قُلُوبَ رِجالِ حتى تَكُونَ أشَدّ مِنَ الحِجارَةِ وَإنّ مَثَلَكَ يا أبا بَكْرٍ مَثَلُ إبْرَاهِيمَ، قالَ: مَنْ تَبِعَنِي فإنّهُ مِنّي وَمَنْ عَصَانِي فإنّكَ غَفُورٌ رُحِيمٌ وَمَثَلَكَ يا أبا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى، قالَ: إنْ تُعَذّبَهُمْ فإنّهُمْ عِبادُكَ... الاَية، ومَثَلَكَ يا عُمَرَ مَثَلُ نُوحٍ قالَ: رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا، وَمَثَلُكَ يا ابْنَ رَوَاحَةَ كمَثَلِ مُوسَى، قالَ: رَبّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حتى يَرَوُا العَذَابَ الألِيمَ) . قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أنْتُمُ اليَوْمَ عالَةٌ، فَلا ينْفَلِتَنّ أحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ بِفِدَاءٍ أوْ ضَرْبِ عُنُقٍ) قال عبد اللّه بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ) قال: فأنزل اللّه : ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ... إلى آخر الثلاث الاَيات. ١٢٧٢٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا أبو زميل، قال: ثني عبد اللّه بن عباس، قال: لما أسروا الأسارى يعني يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أيْنَ أبُو بَكْرٍ وَعُمَر وعَليّ؟) قال: (ما ترون في الأسارى؟) فقال أبو بكر: يا رسول اللّه هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوّة على الكفار، وعسى اللّه أن يهديهم للإسلام. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما تَرَى يا ابْنَ الخَطّابِ؟) فقال: لا والذي لا إله إلا هو ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبيّ اللّه ، ولكن أرى أن تمكننا منهم، فتمكن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوِي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. قال عمر: فلما كان من الغد حئت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أبْكِي للّذِي عَرَضَ لأصَحابِي مِنْ أخْذِهِمُ الفِدَاءَ، وَلَقَدْ عُرِضَ عَليّ عَذَابُكُمْ أدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ) لشجرة قريبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عزّ وجلّ ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ... إلى قوله: حَلالاً طَيّبا وأحلّ اللّه الغنيمة لهم. ٦٨القول في تأويل قوله تعالى:{لّوْلاَ كِتَابٌ مّنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. يقول تعالى ذكره لأهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ يقول: لولا قضاء من اللّه سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن اللّه محلّ لكم الغنيمة، وأن اللّه قضى فيما قضى أنه لا يضلّ قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، وأنه لا يعذّب أحدا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ناصرا دين اللّه لنالكم من اللّه بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٢٧ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ... الاَية، قال: إن اللّه كان مطعم هذه الأمة الغنيمة، وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به. قال: فعاب اللّه ذلك عليهم، ثم أحله اللّه . ١٢٧٢٨ـ حدثنا محمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن عوف، عن الحسن، في قول اللّه :لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ... الاَية، وذلك يوم بدر، أخذ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم المغانم والأسارى قبل أن يؤمروا به، وكان اللّه تبارك وتعالى قد كتب في أمّ الكتاب المغانم والأسارى حلال لمحمد وأمته، ولم يكن أحله لأمة قبلهم. وأخذوا المغانم، وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك، قال اللّه : لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ يعني في الكتاب الأوّل أن المغانم والأساري حلال لكم لمسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ١٢٧٢٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ... الاَية، وكانت الغنائم قبل أن يُبعث النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الأمم إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان، وحرّم اللّه عليهم أن يأكلوا منه قليلاً أو كثيرا، حرم ذلك على كلّ نبيّ وعلى أمته، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلّون منه ولا يأخذون منه قليلاً ولا كثيرا إلا عذّبهم اللّه عليه. وكان اللّه حرمه عليهم تحريما شديدا، فلم يحلّه لنبيّ إلا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وكان قد سبق من اللّه في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال، فذلك قوله يوم بدر في أخذ الفداء من الأسارى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ١٢٧٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عروة، عن الحسن: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: إن اللّه كان معطي هذه الأمة الغنيمة، وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تحلّ الغنيمة. ١٢٧٣١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمرة قال: قال الأعمش، في قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: سبق من اللّه أن أحلّ لهم الغنيمة. ١٢٧٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بشير بن ميمون، قال: سمعت سعيدا يحدث عن أبي هريرة، قال: قرأ هذه الاَية: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ قال: يعني : لولا أنه سبق في علمي أني سأحلّ الغنائم، لمسّكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم. ١٢٧٣٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، وأبو معاوية، بنحوه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما أُحِلّتِ الغَنائمُ لاِءَحَد سُودِ الرّءُوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ، كانَتْ تَنْزِلُ نارٌ مِنَ السّماءِ وتَأْكُلُها) ، حتى كان يوم بدر، فوقع الناس في الغنائم، فأنزل اللّه لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ... حتى بلغ حَلالاً طَيّبا. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنحوه، قال: فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم. ١٢٧٣٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اخْتارُوا أنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الفِدَاءَ فَتَقْوَوْا بِهِ على عَدُوّكُمْ، وَإنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعونَ، أوْ تَقْتُلُوهُمْ) فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم، وقُتل منهم سبعون. قال عبيدة: وطلبوا الخيرتين كلتيهما. ١٢٧٣٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: كان فداء أسارى بدر: مئة أوظقية والأوقية أربعون درهما ومن الدنانير: ستة دنانير. ١٢٧٣٦ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، أنه قال في أسارى بدر: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، وَإنْ شِئْتُمْ فادَيْتَمُوهُمْ وَاسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ بِعِدّتِهِمْ) فقالوا: بلى، نأخذ الفداء فتستمتع به ويستشهد منا بعدتهم. ١٢٧٣٧ـ حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا همام بن يحيى، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي وائل، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: أمر عمر رضي اللّه عنه بقتل الأسارى، فأنزل اللّه : لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ١٢٧٣٨ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: كان المغنم محرما على كلّ نبيّ وأمته، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قربانا تأكله النار، وكان سبق في قضاء اللّه وعلمه أن يحلّ المغنم لهذه الأمة يأكلون في بطونهم. ١٢٧٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء في قول اللّه :لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ قال: كان في علم لله أن تحلّ لهم الغنائم، فقال: لولا كتاب من اللّه سبق بأنه أحلّ لكم الغنائم، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من اللّه سبق لأهل بدر أن لا يعذبهم لمسهم عذاب عظيم. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيريّ، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: لأهل بدر من السعادة. ١٢٧٤١ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لأهل بدر مشهدهم. ١٢٧٤٢ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: سبق من اللّه خير لأهل بدر. ١٢٧٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ كان سبق لهم من اللّه خير، وأحل لهم الغنائم. حدثني الحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ قال: سبق أن لا يعذّب أحدا من أهل بدر. حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لأهل بدر ومشهدهم إياه. ١٢٧٤٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم. فقال: سبق من اللّه العفو عنهم، والرحمة لهم سبق أن لا يعذّب المؤمنين، لأنه لا يعذّب رسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره. وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من اللّه سبق أن لا يؤاخذ أحدا بفعل أتاه على جهالة، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لأهل بدر ومشهدهم إياه، قال: كتاب سبق ل قوله: وَما كانَ اللّه لِيُضِلّ قَوْما بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيّنَ لَهُمْ ما يَتّقُونَ سبق ذلك وسبق أن لا يؤاخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة. لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ قال ابن جريج: قال ابن عباس: فيما أخذتم مما أسرتم. ثم قال بعد: فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ. ١٢٧٤٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: عاتبه في الأسارى وأَخْذ الغنائم، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما من عدوّ له. ١٢٧٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد، قال: ثني أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نُصِرْتُ بالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدا وَطَهُورا، وأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وأُحِلّتْ لِيَ المَغانِمُ ولَمْ تَحِلّ لِنَبِيَ كانَ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشّفاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤتَهُنّ نَبِيّ كانَ قَبْلِي) . قال محمد: فقال: ما كانَ لِنَبِيّ أي قبلك أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى... إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ أي من الأسارى والمغانم. عَذَابٌ عَظِيمٌ: أي لولا أنه سبق مني أن لا أعذّب إلا بعد النهي ولم أكن نهيتكم لعذّبتكم فيما صنعتم، ثم أحلها له ولهم رحمة ونعمة وعائدة من الرحمن الرحيم. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قد بيناه قبل، وذلك أن قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ خبر عام غير محصور على معنى دون معنى. وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت مما قد سبق في كتاب اللّه أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة، وذلك ما عملوا من عمل بجهالة، وإحلال الغنيمة والمغفرة لأهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى، وقد عمّ اللّه الخبر بكل ذلك بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه. ١٢٧٤٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحبّ الغنائم إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقي أسيرا إلا ضرب عنقه، وقال: يا رسول اللّه مالنا وللغنائم، نحن قوم نجاهد في دين اللّه حتى يعبد اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ عُذّبْنا فِي هَذَا الأمْرِ يا عُمَرُ ما نَجا غيرُكَ) . قال اللّه : لا تعودوا تستحلون قبل أن أحلّ لكم. ١٢٧٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: لمّا نزلت: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَقَ... الاَية، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مِنَ السّماءِ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ إلاّ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ) ل قوله: يا نبيّ اللّه كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استبقاء الرجال. ٦٩القول في تأويل قوله تعالى:{فَكُلُواْ مِمّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّه إِنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }. يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدر: فكلوا أيها المؤمنون مما غنمتم من أموال المشركين حلالاً بإحلاله لكم طيبا. وَاتّقُوا اللّه يقول: وخافوا اللّه أن تعودوا أن تفعلوا في دينكم شيئا بعد هذه من قبل أن يعهد فيه إليكم، كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة وأخذتموهما من قبل أن يحلا لكم. إنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، وتأويل الكلام: فكلوا مما غنمتم حلالاً طيبا، إن اللّه غفور رحيم، واتقوا اللّه . ويعني ب قوله: إنّ اللّه غَفُورٌ لذنوب أهل الإيمان من عباده، رَحِيمٌ بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها. ٧٠القول في تأويل قوله تعالى:{يَأَيّهَا النّبِيّ قُل لّمَن فِيَ أَيْدِيكُمْ مّنَ الأسْرَىَ ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: يا أيها النبيّ قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ إنْ يَعْلَمِ اللّه في قُلُوبِكُمْ خَيْرا يقول: إن يعلم اللّه في قلوبكم إسلاما يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء. وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبيّ اللّه وأصحابه وكفركم بالله. وَاللّه غَفُورٌ لذنوب عباده إذا تابوا، رَحِيمٌ بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. وذُكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نزلت هذه الاَية. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٥٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال العباس: فيّ نزلت: ما كانَ لِنَبِيّ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتى يُثْخِنَ في الأرْضِ، فأخبرت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى، فأبدلني اللّه بها عشرين عبدا كلهم تاجر، مالي في يديه. وقد حدثنا بهذا الحديث ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد، ثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد اللّه بن رئاب، قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: فيّ واللّه نزلت حين ذكرت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إسلامي. ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. ١٢٧٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى... الاَية، قال: ذكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمّا قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا، وقد توضأ لصلاة الظهر، فما أعطى يومئذ شاكيا ولا حرم سائلاً وما صلى يومئذ حتى فرّقه، وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي، فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة. ١٢٧٥٢ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى... الاَية، وكان العباس أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، فقال العباس حين نزلت هذه الاَية: لقد أعطاني اللّه خصلتين ما أحبّ أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية، فآتاني أربعين عبدا وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا اللّه . ١٢٧٥٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى... إلى قوله: وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني بذلك من أسر يوم بدر، يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي، آتيتكم خيرا مما أخذ منكم وغفرت لكم. ١٢٧٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى عباس وأصحابه، قال: قالوا للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك لرسول اللّه ، لننصحنّ لك على قومنا فنزل: إنْ يَعْلِمِ اللّه فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرا يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ إيمانا وتصديقا، يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم، وَيَغْفِرْ لَكُمْ الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحبّ أن هذه الاَية لم تنزل فينا وأن لي الدنيا، لقد قال: يُؤْتِكُمْ خَيْرا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مئة ضعف، وقال: وَيَغْفِرْ لَكُمْ وأرجو أن يكون قد غفر لي. ١٢٧٥٥ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيّها النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى... الاَية، يعني العباس وأصحابه أسروا يوم بدر، يقول اللّه : إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرا مما أُخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا اللّه خصلتين ما شيء هو أفضل منهما: عشرين عبدا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق، ننتظر المغفرة من اللّه سبحانه. ٧١القول في تأويل قوله تعالى:{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّه مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن يرد هؤلاء الأسارى الذين في أيديكم خيانتك: أي الغدر بك والمكر والخداع، بإظهارهم لك بالقول خلاف ما في نفوسهم، فَقَدْ خَانُوا اللّه مِنْ قَبْلُ يقول: فقد خالفوا أمر اللّه ممن قبل وقعة بدر، وأمكن منهم ببدر المؤمنين. واللّه عَلِيمٌ بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم، حَكِيمٌ في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: وَإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ يعني : العباس وأصحابه في قولهم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول اللّه ، لننصحن لك على قومنا يقول: إن كان قولهم خيانة فقد خانوا اللّه من قبل، فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يقول: قد كفروا وقاتلوك، فأمكنك اللّه منهم. ١٢٧٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ... الاَية. قال: ذكر لنا أن رجلاً كتب لنبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكة، ثم قال: ما كان محمد يكتب إلا ما شئتُ فلما سمع ذلك رجل من الأنصار، نذر لئن أمكنه اللّه منه ليضربنه بالسيف. فلما كان يوم الفتح أمّن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس إلا عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صُبابة، وابن خطل، وامرأة كانت تدعو على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كل صباح. فجاء عثمان بابن أبي سرح، وكان رضيعه أو أخاه من الرضاعة، فقال: يا رسول اللّه هذا فلان أقبل تائبا نادما، فأعرض نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فلم سمع به الأنصاريّ أقبل متقلدا سيفه، فأطاف به، وجعل ينظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجاء أن يومىء إليه. ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قدم يده فبايعه، فقال: (أَمَا واللّه لقد تَلَوّمْتُكَ فيه لتُوفي نَذْرَكَ) ، فقال: يا نبيّ اللّه إني هبتك، فلولا أومضت إليّ فقال: (إنّه لا يَنْبَغي لِنَبيّ أنْ يُومِضَ) . ١٢٧٥٨ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: وَإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللّه مِنْ قَبْلُ فَأمْكَنْ مِنْهُمْ يقول: قد كفروا باللّه ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر. ٧٢القول في تأويل قوله تعالى:{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ ...}. يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا اللّه ورسوله. وَهاجَرُوا يعني : هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم، يعني : تركوهم وخرجوا عنهم، وهجرهم قومُهم وعشيرتهم. وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه يقول: بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصابها في حرب أعداء اللّه من الكفار في سبيل اللّه ، يقول في دين اللّه الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه. وَالّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا يقول: والذين آووا رسول اللّه والمهاجرين معه يعني أنهم جعلوا لهم مأوى يأوون إليه، وهو المثوى والمسكن، يقول: أسكنوهم وجعلوا لهم من منازلهم مساكن، إذ أخرجهم قومهم من منازلهم ونَصَرُوا يقول: ونصروهم على أعدائهم وأعداء اللّه من المشركين. أُولئكَ بعضُهمْ أوْلياءُ بَعْضٍ يقول: هاتان الفرقتان، يعني المهاجرين والأنصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على من سواهم من المشركين، وأيديهم واحدة على من كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض، وأن اللّه ورّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة دون القرابة والأرحام، وأن اللّه نسخ ذلك بعد ب قوله: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٢٧٥٩ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في الميراث. جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، قال اللّه : وَالّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك، حتى أنزل اللّه هذه الاَية: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الأرحام. ١٢٧٦٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه يقول: لا هجرة بعد الفتح، إنما هو الشهادة بعد ذلك وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ... إلى قوله: حتى يُهاجِرُوا وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ثلاث منازل. منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وآوَوْا وَنَصَرُوا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة، وشهروا السيوف على من كذب وجحد، فهذان مؤمنان جعل اللّه بعضهم أولياء بعض، فكانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاريّ بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر. فبرأ اللّه المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال اللّه : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا وكان حقّا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم. ثم أنزل اللّه بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا ب قوله: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وب قوله: وَالمُؤمِنُونَ والمُؤمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ. ١٢٧٦١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الثلاث الاَيات خواتيم الأنفال فيهنّ ذكر ما كان من ولاية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين الأنصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ١٢٧٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثير، قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا... إلى قوله: بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال: بلغنا أنها كانت في الميراث لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا والمؤمنون الذين لم يهاجروا، قال: ثم نزل بعد: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فتوارثوا ولم يهاجروا. قال ابن جريج، قال مجاهد: خواتيم الأنفال الثلاث الاَيات فيهنّ ذكر ما كان والي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المهاجرين المسلمين وبين الأنصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه . ١٢٧٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا... إلى قوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا، فنسخ ذلك بعد ذلك قول اللّه :وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا أي من أهل الشرك. فأجيزت الوصية، ولا ميراث لهم، وصارت المواريث بالملل، والمسلمون يرث بعضهم بعضا من المهاجرين والمؤمنين، ولا يرث أهل ملتين. ١٢٧٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن، قالا: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه ... إلى قوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر، فنسخها فقال: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ١٢٧٦٥ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ فِي الميراث، وَالّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا وهؤلاء الأعراب، ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ في الميراث، وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يقول بأنهم مسلمون، فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ في الميراث، وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ الذين توارثوا على الهجرة في كتاب اللّه ، ثم نسختها الفرائض والمواريث، فتوارث الأعراب والمهاجرون. القول في تأويل قوله تعالى: وَالّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. يعني بقوله تعالى ذكره: والّذِينَ آمَنُوا الذين صدقوا باللّه ورسوله، ولَمْ يُهاجِرُوا قومهم الكفار، ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام. ما لَكُمْ أيها المؤمنون باللّه ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرضَ الحرب، مِنْ وَلايَتِهِمْ يعني : من نصرتهم وميراثهم. وقد ذكرت قول بعض من قال: معنى الولاية ههنا الميراث، وسأذكر إن شاء اللّه من حضرني ذكره بعد. مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الإسلام. وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يقول: إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا في الدين، يعني بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين، فعليكم أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار النصر، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق، يعني عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه. وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول: واللّه بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضا أيها المهاجرون والأنصار، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر، ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين، وغير ذلك من فرائض اللّه التي فرضها عليكم. بَصِيرٌ يراه ويبصره، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء. ١٢٧٦٦ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وآخى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بينهم، فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة، وكان الرجل يسلم ولا يهاجر لا يرث أخاه، فنسخ ذلك قوله: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ. ١٢٧٦٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام، فقال: (تُقيمُ الصّلاةَ، وتُؤْتي الزّكَاةَ، وتَحجّ البَيْتَ، وتَصُومُ رَمَضَانَ، وأنّكَ لا ترى نَارَ مُشْرِكٍ إلاّ وأنْتَ حَرْبٌ) . ١٢٧٦٨ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يعني : إن استنصركم الأعراب المسلمون أيها المهاجرون والأنصار على عدوّهم فعليكم أن تنصروهم. إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. ١٢٧٦٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ترك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الناس يوم توفي على أربع منازل: مؤمن مهاجر، والأنصار، وأعرابي مؤمن لم يهاجر إن استنصره النبيّ صلى اللّه عليه وسلم نصره وإن تركه فهو إذن له وإن استنصر النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الدين كان حقّا عليه أن ينصره، فذلك قوله: وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ. والرابعة: التابعون بإحسان. ١٢٧٧٠ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا... إلى آخر السورة، قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توفي وترك الناس على أربع منازل: مؤمن مهاجر، ومسلم أعرابي، والذين آووا ونصروا، والتابعون بإحسان. ٧٣القول في تأويل قوله تعالى:{وَالّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }. يقول تعالى ذكره: وَالّذِينَ كَفَرُوا باللّه ورسوله، بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره، وأحقّ به من المؤمنين باللّه ورسوله. وقد ذكرنا قول من قال: عنى بيان أن بعضهم أحقّ بميراث بعض من قرابتهم من المؤمنين، وسنذكر بقية من حضرنا ذكره. ١٢٧٧١ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك، قال: قال رجل: نورّث أرحامنا من المشركين فنزلت: وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ... الاَية. ١٢٧٧٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ إلاَ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ نزلت في مواريث مشركي أهل العهد. ١٢٧٧٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا... إلى قوله: وَفَسادٌ كَبِيرٌ قال: كان المؤمن المهاجر، والمؤمن الذي ليس بمهاجر لا يتوارثان وإن كانا أخوين مؤمنين. قال: وذلك لأن هذا الدين كان بهذا البلد قليلاً حتى كان يوم الفتح فلما كان يوم الفتح وانقطعت الهجرة توارثوا حيثما كانوا بالأرحام، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ) . وقرأ: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه . وقال آخرون: معنى ذلك: إن الكفار بعضهم أنصار بعض وإنه لا يكون مؤمنا من كان مقيما بدار الحرب ولم يهاجر. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٧٤ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ قال: كان ينزل الرجل بين المسلمين والمشركين ف يقول: إن ظهر هؤلاء كنت معهم، وإن ظهر هؤلاء كنت معهم. فأبى اللّه عليهم ذلك، وأنزل اللّه في ذلك فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك إلا صاحب جزية مقرّا بالخراج. ١٢٧٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حضّ اللّه المؤمنين على التواصل، فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض. وأما قوله: إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا أيها المؤمنون ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة والأنصار بالإيمان دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار تَكُنْ فِتْنَةٌ يقول: يحدث بلاءً في الأرض بسبب ذلك، وَفَسادٌ كَبِيرٌ يعني : ومعاصي اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٢٧٧٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ إلا تفعلوا هذا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قال: ولم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقبل الإيمان إلا بالهجرة، ولا يجعلونهم منهم إلا بالهجرة. ١٢٧٧٧ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في الميراث. إلا تَفْعَلُوهُ يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به. تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ. وقال آخرون: معنى ذلك: إلا تناصروا أيها المؤمنون في الدين تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمن. ثم رد المواريث إلى الأرحام. ١٢٧٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ قال: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين، وأنه دلالة على تحريم اللّه على المؤمن المقام في دار الحرب وترك الهجرة لأن المعروف في كلام العرب من معنى الوليّ أنه النصير والمعين أو ابن العم والنسيب. فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده، وذلك معنى بعيد وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام اللّه إلى الأظهر الأشهر، أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فبّين أن أولى التأويلين ب قوله: إلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ تأويل من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين تكن فتنة في الأرض، إذ كان متبدأ الاَية من قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه بالحثّ على الموالاة على الدين والتناصر جاء، وكذلك الواجب أن يكون خاتمتها به. ٧٤القول في تأويل قوله تعالى:{وَالّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّه ...}. يقول تعالى ذكره: وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا آووا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم ونصروا دين اللّه ، أولئك هم أهل الإيمان باللّه ورسوله حقّا، لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك وأقام بين أظهر أهل الشرك ولم يغز مع المسلمين عدوّهم. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول: لهم ستر من اللّه على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يقول: لهم في الجنة طعم ومشرب هنيّ كريم، لا يتغير في أجوافهم فيصير نَجْوا، ولكنه يصير رشحا كرشح المسك. وهذه الاَية تنبىء عن صحة ما قلنا أن معنى قول اللّه :بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ في هذه الاَية، وقوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إنما هو النصرة والمعونة دون الميراث لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده دون من لم يهاجر ب قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه والّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا... الاَية، ولو كان مرادا بالاَيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم لم يكن عقيب ذلك إلا الحثّ على مضيّ الميراث على ما أمر، وفي صحة ذلك كذلك الدليل الواضح على أن لا ناسخ في هذه الاَيات لشيء ولا منسوخ. ٧٥القول في تأويل قوله تعالى:{وَالّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ ...}. يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا باللّه ورسوله من بعد تبياني ما بينت من ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضا وانقطاع ولايتهم ممن آمن ولم يهاجر حتى يهاجر وهاجروا دار الكفر إلى دار الإسلام وجاهدوا معكم أيها المؤمنون، فأولئك منكم في الولاية يجب عليكم لهم من الحقّ والنصرة في الدين والموارثة مثل الذي يجب لكم عليهم ولبعضكم على بعض. كما: ١٢٧٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم رد المواريث إلى الأرحام التي بينها فقال: وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه أي في الميراث، إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. القول في تأويل قوله تعالى: وأُلُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه إنّ اللّه بِكُلّ شيْءٍ عَلِيمٌ. يقول تعالى ذكره: والمتناسبون بالأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث، إذا كانوا ممن قسم اللّه له منه نصيبا وحظّا من الحليف والوليّ، فِي كِتاب اللّه يقول: في حكم اللّه الذي كتبه في اللوح المحفوظ والسابق من القضاء. إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول: إن اللّه عالم بما يصلح عباده في توريثه بعضهم من بعض في القرابة والنسب دون الحلف بالعقد، وبغير ذلك من الأمور كلها، لا يخفى عليه شيء منها. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٧٨١ـ حدثنا أحمد بن المقدام، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا قتادة أنه قال: كان لا يرث الأعرابي المهاجرَ حتى أنزل اللّه : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه . ١٢٧٨٢ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا ابن عون، عن عيسى بن الحرث، أن أخاه شريح بن الحرث كانت له سرية فولدت منه جارية، فلما شبت الجارية زوّجت، فولدت غلاما، ثم ماتت السرّية، واختصم شريح بن الحرث والغلام إلى شريح القاضي في ميراثها، فجعل شريح بن الحرث يقول: ليس له ميراث في كتاب اللّه . قال: فقضى شريح بالميراث للغلام. قال: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه فركب ميسرة بن يزيد إلى ابن الزبير، وأخبره بقضاء شريح وقوله، فكتب ابن الزبير إلى شريح أن ميسرة أخبرني أنك قضيت بكذا وكذا وقلت: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه وإنه ليس كذلك، إنما نزلت هذه الاَية: أن الرجل كان يعاقد الرجل يقول: ترثني وأرثك، فنزلت: وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه . فجاء بالكتاب إلى شريح، فقال شريح: أعتقها جنين بطنها وأبى أن يرجع عن قضائه. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: ثني عيسى بن الحرث، قال: كانت لشريح بن الحرث سرية، فذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه: كان الرجل يعاقد الرجل يقول: ترثني وأرثك فلما نزلت ترك ذلك. |
﴿ ٠ ﴾