تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

 للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الأنفال

 مَدنـيّة وآيَاتها خمس وَسَبْعُونَ

بِسمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ

١

القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها الأنفـال

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنفَالُ للّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُواْ اللّه وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ }..

اختلف أهل التأويـل فـي معنى الأنفـال التـي ذكرها اللّه فـي هذا الـموضع،

فقال بعضهم: هي الغنائم، وقالوا: معنى الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الغنائم التـي غنـمتها أنت وأصحابك يوم بدر لـمن هي، فقل هي لله ولرسوله. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن عكرمة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.

١٢٢١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الأنفـال: الـمغنـم.

١٢٢١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الأنْفـال قال: يعني الغنائم.

١٢٢١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ الأنفـال: الغنائم.

١٢٢١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الأنفـال: الغنائم.

١٢٢١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الأنفـال: الغنائم.

١٢٢١٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: الغنائم.

وقال آخرون: هي أنفـال السرايا. ذكر من قال ذلك.

١٢٢١٦ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا علـيّ بن صالـح بن حيّ، قال: بلغنـي فـي قوله: يَسأَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: السرايا.

وقال آخرون: الأنفـال ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو دابّة وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك.

١٢٢١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن عبد الـملك، عن عطاء، فـي قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: هو ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال دابّة أو عبد أو متاع، ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن عبد الـملك، عن عطاء: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هي ما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع أو نفل، فهو للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يصنع فـيه ما شاء.

١٢٢١٨ـ قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن معمر، عن الزهري، أن ابن عبـاس سئل عن الأنفـال، فقال: السلَب والفرس.

١٢٢١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، ويقال: الأنفـال: ما أخذ مـما سقط من الـمتاع بعدما تقسم الغنائم، فهي نفل لله ولرسوله.

١٢٢٢٠ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن مـحمد بن شهاب أن رجلاً قال لابن عبـاس : ما الأنفـال؟ قال: الفرس والدرع والرمـح.

١٢٢٢١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: قال ابن جريج، قال عطاء: الأنفـال: الفرس الشاذّ، والدرع، والثوب.

١٢٢٢٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن ابن عبـاس ، قال: كان ينفّل الرجل فرس الرجل وسلبه.

١٢٢٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن مـحمد، قال: سمعت رجلاً سأل ابن عبـاس عن الأنفـال، فقال ابن عبـاس : الفرس من النفل، والسّلب من النفل. ثم عاد لـمسألته، فقال ابن عبـاس ذلك أيضا، ثم قال الرجل: الأنفـال التـي قال اللّه فـي كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلـم يزل يسأله حتـى كاد يحرجه، فقال ابن عبـاس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صَبِـيغ الذي ضربه عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن القاسم بن مـحمد، قال: قال ابن عبـاس : كان عمر رضي اللّه عنه إذا سئل عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك. ثم قال ابن عبـاس : واللّه ما بعث اللّه نبـيه علـيه السلام إلاّ زاجرا آمرا مـحللاً مـحرّما. قال القاسم: فسلط علـى ابن عبـاس رجل يسأله عن الأنفـال، فقال ابن عبـاس : كان الرجل ينفّل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد علـيه الرجل، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد علـيه حتـى أغضبه، فقال ابن عبـاس : أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبـيغ الذي ضربه عمر حتـى سالت الدماء علـى عقبـيه، أو علـى رجلـيه، فقال الرجل: أما أنت فقد انتقم اللّه لعمر منك.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عبد الـملك، عن عطاء: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك فـيـما شذّ من الـمشركين إلـى الـمسلـمين فـي غير قتال من دابّة أو عبد، فهو نفل للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: النفل: الـخمس الذي جعله اللّه لأهل الـخمس. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٢٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: هو الـخمس. قال الـمهاجرون: لـم يرفع عنا هذا الـخمس؟ لـم يخرج منا؟ فقال اللّه : هو لله والرسول.

١٢٢٢٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن الـحجاج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أنهم سألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن الـخمس بعد الأربعة الأخماس، فنزلت: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.

قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي معنى الأنفـال قول من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الـجيش أو جميعهم إما من سلبه علـى حقوقهم من القسمة، وإما مـما وصل إلـيه بـالنفل، أو ببعض أسبـابه، ترغيبـا له وتـحريضا لـمن معه من جيشه علـى ما فـيه صلاحهم وصلاح الـمسلـمين، أو صلاح أحد الفريقـين. وقد يدخـل فـي ذلك ما قال ابن عبـاس من أنه الفرس والدرع ونـحو ذلك، ويدخـل فـيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من الـمشركين إلـى الـمسلـمين من عبد أو فرس لأن ذلك أمره إلـى الإمام إذا لـم يكن ما وصلوا إلـيه لغلبة وقهر، يفعل ما فـيه صلاح أهل الإسلام، وقد يدخـل فـيه ما غلب علـيه الـجيش بقهر.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصواب، لأن النّفَل فـي كلام العرب إنـما هو الزيادة علـى الشيء، يقال منه: نفلتك كذا، وأنفلتك: إذا زدتك، والأنفـال: جمع نَفَل ومنه قول لبـيد بن ربـيعة:

إنّ تَقْوَى رَبّنا خَيْرُ نَفَلْوَبـاذْنِ اللّه رَيْثـي وَعَجَلْ

فإذ كان معناه ما ذكرنا، فكلّ من زيد من مقاتلة الـجيش علـى سهمه من الغنـيـمة، إن كان ذلك لبلاء أبلاه أو لغناء كان منه عن الـمسلـمين، بتنفـيـل الوالـي ذلك إياه، فـيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة فـي بعض الأحوال بحقّ، فلـيست من الغنـيـمة التـي تقع فـيها القسمة، وكذلك كلّ ما رضخ لـمن لا سهم له فـي الغنـيـمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبـا علـيه فلـيس مـما وقعت علـيه القسمة. فـالفصل إذ كان الأمر علـى ما وصفنا بـين الغنـيـمة والنفل، أن الغنـيـمة هي ما أفـاء اللّه علـى الـمسلـمين من أموال الـمشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل أو لـم ينفل والنفَل: هو ما أعطيه الرجل علـى البلاء والغناء عن الـجيش علـى غير قسمة. وإذ كان ذلك معنى النفل، فتأويـل الكلام: يسألك أصحابك يا مـحمد عن الفضل من الـمال الذي تقع فـيه القسمة من غنـيـمة كفـار قريش الذين قتلوا ببدر لـمن هو قل لهم يا مـحمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء.

واختلف فـي السبب الذي من أجله نزلت هذه الاَية،

فقال بعضهم: نزلت فـي غنائم بدر لأن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان نفّل أقواما علـى بلاء، فأبلـى أقوام وتـخـلّف آخرون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـاختلفوا فـيها بعد انقضاء الـحرب، فأنزل اللّه هذه الاَية علـى رسوله، يعلـمهم أن ما فعل فـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فماض جائز. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٢٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت داود بن أبـي هند يحدث، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ أتَـى مَكانَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا، أوْ فَعَلَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا) . فتسارع إلـيه الشبـان، وبقـي الشيوخ عند الرايات. فلـما فتـح اللّه علـيهم، جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فأنزل اللّه علـيه الاَية: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما كان يوم بدر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ صَنَعَ كَذَا وكَذَا، فَلَهُ كَذَا وكَذَا) قال: فتسارع فـي ذلك شبـان الرجال، وبقـيت الشيوخ تـحت الرايات فلـما كانت الغنائم، جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقالت الشيوخ: لا تستأثروا علـينا، فإنا كنا ردءا لكم، وكنا تـحت الرايات، ولو انكشفتـم لفئتـم إلـينا فتنازعوا، فأنزل اللّه : يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.

حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما كان يوم بدر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا وكَذَا مِنَ النّفَلِ) قال: فتقدّم الفتـيان ولزم الـمشيخة الرايات، فلـم يبرحوا، فلـما فتـح علـيهم، قالت الـمشيخة: كنا ردءا لكم، فلو انهزمتـم انـحزتـم إلـينا، لا تذهبوا بـالـمغنـم دوننا فأبى الفتـيان وقالوا: جعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنا فأنزل اللّه : يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: فكان ذلك خيرا لهم، وكذلك أيضا: أطيعونـي فإنـي أعلـم.

١٢٢٢٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عكرمة فـي هذه الاَية: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: لـما كان يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مَنْ صَنَعَ كَذَا فَلَهُ مِنَ النّفَلِ كَذَا) فخرج شبـان من الرجال فجعلوا يصنعونه، فلـما كان عند القسمة، قال الشيوخ: نـحن أصحاب الرايات، وقد كنا ردءا لكم فأنزل اللّه فـي ذلك: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.

١٢٢٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب الزبـيري، قال: ثنـي الـمغيرة بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن سلـيـمان بن موسى، عن مكحول مولـى هذيـل، عن أبـي سلام، عن أبـي أُمامة البـاهلـي، عن عبـادة بن الصامت، قال: أنزل اللّه حين اختلف القوم فـي الغنائم يوم بدر: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـينهم عن سواء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد، قال: ثنـي عبد الرحمن بن الـحرث وغيره من أصحابنا، عن سلـيـمان بن موسى الأسدي، عن مكحول، عن أبـي أمامة البـاهلـي، قال: سألت عبـادة بن الصامت عن الأنفـال، فقال: فـينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فـي النفل، وساءت فـيه أخلاقنا، فنزعه اللّه من أيدينا، فجعله إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـين الـمسلـمين عن سواء،

يقول: علـى السواء، فكان فـي ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وصلاح ذات البـين.

وقال آخرون: إنـما نزلت هذه الاَية لأن بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأله من الـمغنـم شيئا قبل قسمتها، فلـم يعطه إياه، إذ كان شركا بـين الـجيش، فجعل اللّه جميع ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٢٩ـ حدثنـي إسماعيـل بن موسى السديّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أتـيت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر بسيف، فقلت: يا رسول اللّه هذا السيف قد شفـى اللّه به من الـمشركين فسألته إياه، فقال: (لَـيْسَ هذا لـي ولا لَكَ) . قال: فلـما ولـيت، قلت: أخاف أن يعطيه من لـم يبل بلائي. فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خـلفـي، قال: فقلت: أخاف أن يكون نزل فـيّ شيء قال: (إنّ السّيْفَ قد صَارَ لـي) . قال: فأعطانـيه، ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.

١٢٢٣٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك، قال: لـما كان يوم بدر، جئت بسيف، قال: فقلت: يا رسول اللّه ، إن اللّه قد شفـي صدري من الـمشركين أو نـحو هذا، فهب لـي هذا السيف فقال لـي: (هَذَا لَـيْسَ لـي وَلا لَكَ) . فرجعت فقلت: عسى أن يعطى هذا من لـم يبل بلائي فجاءنـي الرسول، فقلت: حدث فـيّ حدث: فلـما انتهيت، قال: (يا سَعْدُ إنّكَ سألْتَنِـي السّيْفَ وَلَـيْسَ لـي، وَإنّهُ قَدْ صَارَ لـي فَهُوَ لَكَ) . ونزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: أصبت سيفـا يوم بدر، فأعجبنـي، فقلت: يا رسول اللّه هبه لـي فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.

حدثنا ابن الـمثنى وابن وكيع، قال ابن الـمثنى، ثنـي معاوية، وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الشيبـانـي، عن مـحمد بن عبـيد اللّه ، عن سعيد بن أبـي وقاص، قال: لـما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكُتـيفة، فجئت به إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (اذْهَبْ فـاطْرَحَهُ فـي القبَض) فطرحته ورجعت وبـي ما لا يعلـمه إلاّ اللّه من قتل أخي وأخذ سلبـي، قال: فما جاوزت إلاّ قريبـا حتـى نزلت علـيه سورة الأنفـال، فقال: (اذْهَبْ فَخُذُ سَيْفَكَ) . ولفظ الـحديث لابن الـمثنى.

١٢٢٣١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة جميعا، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي عبد اللّه بن أبـي بكر، عن قـيس بن ساعدة، قال: سمعت أبـا أسيد بن مالك بن ربـيعة

يقول: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر، وكان السيف يدعى الـمرَزُبـان فلـما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يردوا ما فـي أيديهم من النفل، أقبلت به فألقـيته فـي النفل، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يـمنع شيئا يُسأله، فرآه الأرقم بن أبـي الأرقم الـمخزومي، فسأله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأعطاه إياه.

١٢٢٣٢ـ حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن أبـي بكر، عن يحيى بن عمران، عن جده عثمان بن الأرقم، عن عمه، عن جده، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر: (رُدّوا ما كانَ مِنَ الأنْفـالِ) فوضع أبو أسيد الساعدي سيف بن عائد الـمرزبـان، فعرفه الأرقم فقال: هبه لـي يا رسول اللّه قال: فأعطاه إياه.

١٢٢٣٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شبعة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: أصبت سيفـا. قال: فأتـى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه فقال: (ضَعْهُ) ثم قام فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه قال: (ضَعْهُ) قال: ثم قام فقال: يا رسول اللّه نفلنـيه اجُعل كمن لا غناء له؟ فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أخَذْتَهُ) فنزلت هذه الاَية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرّسُولِ.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أخذت سيفـا من الـمغنـم، فقلت: يا رسول اللّه هب لـي هذا فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.

١٢٢٣٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن مـجاهد، فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: قال سعد: كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية، فأتـيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: أعطنـي هذا السيف يا رسول اللّه فسكت، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ قال: فأعطانـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: بل نزلت لأن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألوا قسمة الغنـيـمة بـينهم يوم بدر فأعلـمهم اللّه أن ذلك لله ولرسوله دونهم لـيس لهم فـيه شيء. وقالوا: معنى (عن) فـي هذا الـموضع (من) وإنـما معنى الكلام: يسألونك من الأنفـال، وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرؤه: (يَسْألُونَكَ الأنْفـالَ) علـى هذا التأويـل. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها: (يَسألُونَكَ الأنْفـالَ) .

١٢٢٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هي فـي قراءة ابن مسعود (يَسألُونَكَ الأنْفـالَ) . ذكر من قال ذلك.

١٢٢٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ قال: الأنفـال: الـمغانـم كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالصة لـيس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا الـمسلـمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول. فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال اللّه : يَسألونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفَـالُ لـي جعلتها لرسولـي لـيس لكم فـيها شيء فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ، ثم أنزل اللّه : واعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ ثم قسم ذلك الـخمس لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولـمن سمي فـي الاَية.

١٢٢٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نزلت فـي الـمهاجرين والأنصار مـمن شهد بدرا. قال: واختلفوا فكانوا أثلاثا. قال: فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالِ لِلّهِ وَالرسُولِ وملكه اللّه رسوله، فقسمه كما أراه اللّه .

١٢٢٣٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن الـحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جدّه: أن الناس سألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الغنائم يوم بدر، فنزلت: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ.

١٢٢٤٠ـ قال: حدثنا عبـاد بن العوام، عن جويبر، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك أن تُنَفّلهُمْ.

١٢٢٤١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا أيوب، عن عكرمة، فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: يسألونك الأنفـال.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى أخبر فـي هذه الاَية عن قوم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأنفـال أن يعطيهموها، فأخبرهم اللّه أنها لله وأنه جعلها لرسوله. وإذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيها، وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه، وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بـين الـجيش.

واختلفوا فـيها، أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟

فقال بعضهم: هي منسوخة، وقالوا: نسخها قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن جابر، عن مـجاهد وعكرمة، قالا: كانت الأنفـال لله وللرسول فنسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمَسَهُ وللرّسُولِ.

١٢٢٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: أصاب سعد بن أبـي وقاص يوم بدر سيفـا، فـاختصم فـيه وناس معه، فسألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأخذه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم منهم، فقال اللّه : يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ والرّسُولِ... الاَية، فكانت الغنائم يومئذٍ للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة، فنسخها اللّه بـالـخمس.

١٢٢٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي سلـيـم مولـى أم مـحمد، عن مـجاهد، فـي قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ قال: نسختها: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن مـجاهد وعكرمة، أو عكرمة وعامر، قالا: نسخت الأنفـال: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ.

وقال آخرون: هي مـحكمة ولـيست منسوخة. وإنـما معنى ذلك: قل الأنفـال لله، وهي لا شكّ لله مع الدنـيا بـما فـيها والاَخرة، وللرسول يضعها فـي مواضعها التـي أمره اللّه بوضعها فـيه. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يَسألُونَكَ عَنِ الأنْفـالِ فقرأ حتـى بلغ: إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاء ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم. ثم جاء بعد الأربعين: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا غَنِـمْتُـمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ... الاَية، ولكم أربعة أخماس، وقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يوم خَيبر: (وَهَذا الـخُمُسُ مَرْدُودٌ علـى فُقَرائِكُمْ يَصْنَعُ اللّه وَرَسُولَهُ فِـي ذلكَ الـخُمْسَ ما أحَبّـا، وَيَضَعانِهِ حَيْثُ أحَبّـا، ثم أخبرنا اللّه الذي يجب من ذلك) ثم قرأ الاَية: لِذِي القُرْبَى والـيَتامَى والـمَساكِينِ وَابْنِ السّبِـيـلِ كَيْلا يَكونَ دُولَةً بـينَ الأغْنِـياءِ مِنْكُمْ.

قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفـال لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم ينفل من شاء، فنفل القاتل السلب، وجعل للـجيش فـي البداءة الربع وفـي الرجعة الثلث بعد الـخمس، ونفل قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا فـي بعض الـمغازي. فجعل اللّه تعالـى ذكره حكم الأنفـال إلـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم ينفل علـى ما يرى مـما فـيه صلاح الـمسلـمين، وعلـى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته فـي ذلك، ولـيس فـي الاَية دلـيـل علـى أن حكمها منسوخ لاحتـمالها ما ذكرت من الـمعنى الذي وصفت، وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ إلاّ بحجة يجب التسلـيـم لها، فقد دللنا فـي غير موضع من كتبنا علـى أن لا منسوخ إلاّ ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ينفـيه من كلّ معانـيه، أو يأتـي خبر يوجب الـحجة أن أحدهما ناسخ الاَخر. وقد ذُكر عن سعيد بن الـمسيب أنه كان ينكر أن يكون التنفـيـل لأحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تأويلاً منه لقول اللّه تعالـى: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ.

١٢٢٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن مـحمد بن عمرو، قال: أرسل سعيد بن الـمسيب غلامه إلـى قوم سألوه عن شيء، فقال: إنكم أرسلتـم إلـيّ تسألونـي عن الأنفـال، فلا نفل بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقد بـيّنا أن للأئمة أن يتأسوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي مغازيهم بفعله، فـينفلوا علـى نـحو ما كان ينفل، إذا كان التنفـيـل صلاحا للـمسلـمين.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ.

يقول تعالـى ذكره: فخافوا اللّه أيها القوم، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلـحوا الـحال بـينكم.

واختلف أهل التأويـل فـي الذي عنـي ب قوله: وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ

فقال بعضهم: هو أمر من اللّه الذين غنـموا الغنـيـمة يوم بدر وشهدوا الوقعة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا اختلفوا فـي الغنـيـمة أن يردّوا ما أصابوا منها بعضهم علـى بعض. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٤٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال: كان نبـيّ اللّه ينفّل الرجل من الـمؤمنـين سلب الرجل من الكفـار إذا قتله، ثم أنزل اللّه : فـاتّقوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ أمرهم أن يردّ بعضُهم علـى بعض.

١٢٢٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان ينفل الرجل علـى قدر جِدّه وغَنائه علـى ما رأى، حتـى إذا كان يوم بدر وملأ الناس أيديهم غنائم، قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوّة بـالغنائم فذكروا ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت: قُلِ الأنْفـالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ لـيردّ أهل القوّة علـى أهل الضعف.

وقال آخرون: هذا تـحريج من اللّه علـى القوم، ونهي لهم عن الاختلاف فـيـما اختلفوا فـيه من أمر الغنـيـمة وغيره. ذكر من قال ذلك.

١٢٢٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا خالد بن يزيد، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قالا: حدثنا أبو إسرائيـل، عن فضيـل، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتِ بَـيْنِكُمْ قال: حرّج علـيهم.

١٢٢٥٠ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن سفـيان بن حسين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ قال هذا تـحريج من اللّه علـى الـمؤمنـين أن يتقوا ويصلـحوا ذات بـينهم. قال عبـاد، قال سفـيان: هذا حين اختلفوا فـي الغنائم يوم بدر.

١٢٢٥١ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: أي لا تستبوا.

واختلف أهل العربـية فـي وجه تأنـيث البـين، فقال بعض نـحويـي البصرة: أضاف ذات إلـى البـين وجعله ذاتا، لأن بعض الأشياء يوضع علـيه اسم مؤنث، وبعضا يذكر نـحو الدار، والـحائط أنث الدار وذكر الـحائط. وقال بعضهم: إنـما أراد ب قوله: ذَاتَ بَـيْنِكُمْ: الـحال التـي للبـين فقال: وكذلك (ذات العشاء) يريد الساعة التـي فـيها العشاء. قال: ولـم يضعوا مذكرا لـمؤنث ولا مؤنثا لـمذكر إلاّ لـمعنى.

قال أبو جعفر: هذا القول أولـى القولـين بـالصواب للعلة التـي ذكرتها له.

وأما قوله: وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ فإن معناه: وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفـال إلـى أمر اللّه وأمر رسوله فـيـما أفـاء اللّه علـيكم، فقد بـين لكم وجوهه وسبُله. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ

يقول: إن كنتـم مصدّقـين رسول اللّه فـيـما آتاكم به من عند ربكم. كما:

١٢٢٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: فـاتّقُوا اللّه وأصْلِـحُوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّه ورَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فسلـموا لله ولرسوله يحكمان فـيها بـما شاءا، ويضعانها حيث أرادا.

﴿ ١