تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

 للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة هود

مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائة

القول في تفسير السورة التي يذكر فيها هود

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }.

قال أبو جعفر: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله الر والصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ يعني : هذا الكتاب الذي أنزله اللّه على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهو القرآن. ورفع قوله: (كتابٌ) بنية: هذا كتاب. فأما على قول من زعم أن قوله: الر مراد به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالة على جميعها، وأن معنى الكلام: هذه الحروف كتاب أحكمت آياته، فإن الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعا ب قوله: الر.

وأما قوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله،

فقال بعضهم: تأويله: أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالثواب والعقاب. ذكر من قال ذلك:

١٣٨٦٢حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرني أبو محمد الثقفي، عن الحسن، في قوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال: أحكمت بالأمر والنهِي، وفصّلت بالثواب والعقاب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال: أحكمت في الأمر والنهي وفصلت بالوعيد.

حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبير، عن ابن عيينة، عن رجل، عن الحسن: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال: بالأمر والنهِي ثُمّ فُصّلَتْ قال: بالثواب والعقاب.

ورُوي عن الحسن قول خلافَ هذا. وذلك ما:

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي بكر، عن الحسن، قال: وحدثنا عباد بن العوّام، عن رجل، عن الحسن: أُحْكِمَتْ بالثواب والعقاب ثُمّ فُصّلَتْ بالأمر والنهِي.

وقال آخرون: معنى ذلك: أحكمت آياته من الباطل، ثم فصلت، فبين منها الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أحكمها اللّه من الباطل ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.

١٣٩٣١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال: أحكمها اللّه من الباطل، ثم فصلها: بينها.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: أحكم اللّه آياته من الدّخل والخلل والباطل، ثم فصلها بالأمر والنهي. وذلك أن إحكام الشيء إصلاحه وإتقانه، وإحكام آيات القرآن إحكامها من خلل يكون فيها أو باطل يقدر ذوزيغ أن يطعن فيها من قبله. وأما تفصيل آياته فإنه تمييز بعضها من بعض بالبيان عما فيها من حلال وحرام وأمر ونهي. وكان بعض المفسرين يفسر قوله: فُصّلَتْ بمعنى: فسرت، وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٣٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه :ثُمّ فُصّلَتْ قال: فسرت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فُصّلَتْ قال: فسرت.

قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد: ثُمّ فُصّلَتْ قال: فسرت.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال قتادة: معناه: بيّنت، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل، وهو شبيه المعنى بقول مجاهد.

وأما قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فإن معناه: حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها، خبير بما يؤول إليه عواقبها.

١٣٩٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

يقول: من عند حكيم خبير.

٢

القول في تأويل قوله تعالى:{أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللّه إِنّنِي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: ثم فصّلت بأن لا تعبدوا إلا اللّه وحده لا شريك له وتخلعوا الاَلهة والأنداد. ثم قال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا محمد للناس: إنني لكم من عند اللّه نذير ينذركم عقابه على معاصيه وعبادة الأصنام، وبشير يبشركم بالجزيل من الثواب على طاعته وإخلاص العبادة والألوهة له.

٣

القول في تأويل قوله تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مّتَاعاً حَسَناً إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ... }.

يقول تعالى ذكره: ثم فصلت آياته بأن لا تعبدوا إلا اللّه وبأن استغفروا ربكم. ويعني ب قوله: وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ وأن اعملوا أيها الناس من الأعمال ما يرضي ربكم عنكم، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم التي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام وإشراككم الاَلهة والأنداد في عبادته.

وقوله: ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ

يقول: ثم ارجعوا إلى ربكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد وبراءتكم من عبادتها. ولذلك قيل: وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ ولم يقل: وتوبوا إليه لأن التوبة معناها الرجوع إلى العمل بطاعة اللّه ، والاستغفار: استغفار من الشرك الذي كانوا عليه مقيمين، والعمل لله لا يكون عملاً له إلا بعد ترك الشرك به، فأما الشرك فإن عمله لا يكون إلا للشيطان، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتوبة إليه بعد الاستغفار من الشرك، لأن أهل الشرك كانوا يرون أنهم يطيعون اللّه بكثير من أفعالهم وهم على شركهم مقيمون.

وقوله: يُمَتّعْكُمْ مَتاعا حَسَنا إلى أجَلٍ مُسَمّى يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الاَيات: استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يُمَتّعْكُمْ مَتاعا حَسَنا إلى أجَلٍ مُسَمّى فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة اللّه ومعرفة حقه، فإن اللّه منعم يحبّ الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من اللّه ، وذلك قضاؤه الذي قضى.

وقوله: إلى أجَلٍ مُسَمّى يعني الموت.

١٣٩٣٥ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إلى أجَلٍ مُسَمّى قال: الموت.

١٣٩٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلى أجَلٍ مُسَمّى وهو الموت.

حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إلى أجَلٍ مُسَمّى قال: الموت.

وأما قوله: وَيُؤْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ فإنه يعني : يثيب كلّ من تفضل بفضل ماله أو قوّته أو معروفه على غيره محتسبا مريدا به وجه اللّه ، أجْزَلَ ثوابه وفضله في الاَخرة. كما:

١٣٩٣٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قال: ما احتسب به من ماله، أو عمل بيده أو رجله، أو كلمه، أو ما تطوّع به من أمره كله.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: أو عمل بيديه أو رجليه وكلامه، وما تطوّل به من أمره كله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال: وما نطق به من أمره كله.

١٣٩٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي في الاَخرة.

وقد رُوي عن ابن مسعود أنه كان يقول في تأويل ذلك ما:

١٣٩٣٩ـ حُدثت به عن المسيب بن شريك، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير، عن ابن مسعود، في قوله: وَيُوءْتِ كُلّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات. فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات. ثم

يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره.

وقوله: وإنْ تَوَلّوْا فإني أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يقول تعالى ذكره: وإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من إخلاص العبادة لله وترك عبادة الاَلهة وامتنعوا من الاستغفار لله والتوبة إليه فأدبروا مولين عن ذلك، فإني أيها القوم أخاف عليكم عذاب يوم كبير شأنه عظيم هوله، وذلك يَوْمَ تُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وقال جلّ ثناؤه: وإنْ تَوَلّوْا فإنّ أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْمٍ كَبِيرٍ ولكنه مما قد تقدمه قوله، والعرب إذا قدمت قبل الكلام قولاً خاطبت ثم عادت إلى الخبر عن الغائب ثم رجعت بعد إلى الخطاب، وقد بينا ذلك في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

٤

القول في تأويل قوله تعالى:{إِلَى اللّه مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: إلى اللّه أيها القوم ما بكم ومصيركم، فاحذروا عقابه إن توليتم عما أدعوكم إليه من التوبة إليه من عبادتكم الاَلهة والأصنام، فإنه مخلدكم نار جهنم إن هلكتم على شرككم قبل التوبة إليه. وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

يقول: وهو على إحيائكم بعد مماتكم، وعقابكم على إشراككم به الأوثان وغير ذلك مما أراد بكم وبغيركم قادر.

٥

القول في تأويل قوله تعالى:{أَلا إِنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }.

اختلف القرّاء في قراءة قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ فقرأته عامة الأمصار: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على تقدير يفعلون من (ثنيت) ، والصدور منصوبة.

واختلفت قارئو ذلك كذلك في تأويله،

فقال بعضهم: ذلك كان من فعل بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غطى وجهه وثنى ظهره. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٤٠ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن حصين، عن عبد اللّه بن شدّاد في قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال: كان أحدهم إذا مرّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال بثوبه على وجهه وثنى ظهره.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد، قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال: من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كان المنافقون إذا مرّوا به ثنى أحدهم صدره ويطأطىء رأسه، فقال اللّه : ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ... الآية.

حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن حصين، قال: سمعت عبد اللّه بن شداد يقول، في قوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال: كان أحدهم إذا مرّ بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثنى صدره، وتغشى بثوبه كي لا يراه النبيّ صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: بل كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم باللّه وظنّا أن اللّه يخفى عليه ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال: شكا وامتراء في الحقّ، ليستخفوا من اللّه إن استطاعوا.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شكّا وامتراء في الحقّ. لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال: من اللّه إن استطاعوا.

١٣٩٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال: تضيق شكّا.

حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قال: تضيق شكّا وامتراء في الحقّ، قال: لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال: من اللّه إن استطاعوا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.

١٣٩٤٣ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال: من جهالتهم به، قال اللّه : ألاَ حِينَ يَسْتَغْثُونَ ثِيَابَهُمْ في ظلمة الليل في أجوف بيوتهم، يَعْلَمُ تلك الساعة ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ إنّهُ عَلِيمٌ بذاتِ الصّدُور.

١٣٩٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال: كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه.

وقال آخرون: إنما كانوا يفعلون ذلك لئلا يسمعوا كلام اللّه تعالى. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ... الآية، قال: كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب اللّه ، قال تعالى: ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه، فإن اللّه لا يخفى ذلك عليه.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ قال: أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرّ في نفسه شيئا وتغطى بثوبه، فذلك أخفى ما يكون، واللّه يطلع على ما في نفوسهم، واللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون.

وقال آخرون: إنما هذا إخبار من اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم عن المنافقين الذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء ويبدون له المحبة والمودّة، وأنهم معه وعلى دينه.

يقول جلّ ثناؤه: ألا إنهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من اللّه ، ثم أخبر جل ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم.

وقال آخرون: كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٤٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال: هذا حين يناجي بعضهم بعضا. وقرأ: ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ... الآية.

ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: (ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ) على مثال: تَحْلَولِي التمرة: تَفْعَوعِل.

١٣٩٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عباس يقرأ (ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ) قال: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء.

١٣٩٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر

يقول: سمعت ابن عباس يقرؤها: (ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ) قال: سألته عنها، فقال: كان ناس يستحيون أن يتخلّوا فيُفْضُوا إلى السماء، وأن يصيبوا فيفضوا إلى السماء.

ورُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر، وهو ما:

١٣٩٤٩ـ حدثنا به محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: أخبرت عن عكرمة، أن ابن عباس، قرأ (ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ) وقال ابن عباس: تثنوني صدورهم: الشك في اللّه وعمل السيئات. يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يستكبر، أو يستكنّ من اللّه واللّه يراه، يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعْلِنُونَ.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قرأ: (ألا إنّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ) قال عكرمة: تثنوني صدورهم، قال: الشك في اللّه وعمل السيئات، فيستغشي ثيابه ويستكنّ من اللّه ، واللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون.

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ على مثال (يفعلون) ، والصدور نصب بمعنى: يحنون صدورهم ويكنّونها. كما:

١٣٩٥٠ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ

يقول: يكنّون.

١٣٩٥١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ

يقول: يكتمون ما في قلوبهم. ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ ما عملوا بالليل والنهار.

١٣٩٥٢ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ

يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ألا إنّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ

يقول: تثنوني صدورُهم.

وهذا التأويل الذي تأوّله الضحاك على مذهب قراءة ابن عباس، إلا أن الذي حدثنا هكذا ذكر القراءة في الرواية. فإذا كانت القراءة التي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصواب لإجماع الحجة من القرّاء عليها. فأولى التأويلات بتأويل ذلك، تأويل من قال: إنهم كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم باللّه أنه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم أو تناجوه بينهم.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالآية، لأن قوله: لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ بمعنى: ليستخفوا من اللّه ، وأن الهاء في قوله: مِنْهُ عائدة على اسم اللّه ، ولم يجر لمحمد ذكر قبل، . فيجعل من ذكره صلى اللّه عليه وسلم وهي في سياق الخبر عن اللّه . فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر اللّه أولى. وإذا صحّ أن ذلك كذلك، كان معلوما أنهم لم يحدّثوا أنفسهم أنهم يستخفون من اللّه إلا بجهلهم به، فلما أخبرهم جل ثناؤه أنه لا يخفى عليه سرّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حال كانوا تغشوا بالثياب أو أظهروا بالبزار، فقال: ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يعني : يتغشون ثيابهم يتغطونها ويلبسون، يقال منه: استغشى ثوبه وتغشاه، قال اللّه : واسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وقالت الخنساء:

أرْعَى النّجُومَ وَما كُلّفْتُ رِعْيَتَهاوتارَةً أتَغشّى فَضْلَ أطْمارِى شعي

يَعْلَمُ ما يُسِرّونَ

يقول جلّ ثناؤه: يعلم ما يسرّ هؤلاء الجهلة بربهم، الظانون أن اللّه يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها وثنوه، وما تناجوه بينهم فأخفوه وما يُعْلِنُونَ سواء عنده سرائر عباده وعلانيتهم إنّه عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورَ يقول تعالى ذكره: إن اللّه ذو علم بكلّ ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر وحقّ وباطل وخير وشرّ، وما تستجنّه مما لم يجنه بعد. كما:

١٣٩٥٣ـ حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ألاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ

يقول: يغطون رؤسهم.

تابع : تفسير سورة هود

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللّه رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّه رِزْقُها وما تدبّ دابة فـي الأرض. والدابة: الفـاعلة من دبّ فهو يدبّ، وهو دابّ، وهي دابة. إلا علـى اللّه رِزْقُها

يقول: إلا ومن اللّه رزقها الذي يصل إلـيها هو به متكفل، وذلك قُوُتها وغذاؤها وما به عيشها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: مـجاهد، فـي قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّه رِزْقُها قال: ما جاءها من رزق فمن اللّه ، وربـما لـم يرزقها حتـى تـموت جوعا، ولكن ما كان من رزق فمن اللّه .

١٣٩٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّه رِزْقُها قال: كلّ دابة.

١٣٩٥٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما مِنْ دَابّةٍ فِـي الأرْضِ إلاّ علـى اللّه رِزْقُها يعني : كلّ دابة والناس منهم.

وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن كل ماش فهو دابة، وأن معنى الكلام: وما دابة فـي الأرض، وأنّ (من) زائدة.

وقوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها حيث تستقرّ فـيه، وذلك مأواها الذي تأوي إلـيه لـيلاً أو نهارا. وَمُسْتَوْدَعَها: الـموضع الذي يُودِعها، إما بـموتها فـيه أو دفنها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٥٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التـيـمي، عن لـيث، عن الـحكم، عن مِقْسم، عن ابن عبـاس ، قال: مُسْتَقَرّها، حيث تأوي، وَمُسْتَوْدَعَها حيث تـموت.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها يقول، حيث تأوى، وَمُسْتَوْدَعَها يقول، إذا ماتت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن الـحكم، عن مِقْسم، عن ابن عبـاس : وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعُها قال، الـمستقرّ: حيث تأوي، والـمستودع، حيث تـموت.

وقال آخرون: مُسَتَقَرّها فـي الرحم، وَمُسْتَوْدَعَها: فـي الصلب. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٥٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها: فـي الرحم، وَمُسْتَوْدَعَها: فـي الصلب، مثل التـي فـي الأنعام.

١٣٩٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها فـالـمستقرّ: ما كان فـي الرحم، والـمستودع: ما كان فـي الصلب.

١٣٩٦٠ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها

يقول: فـي الرحم، وَمُسْتَوْدَعَها فـي الصلب.

وقال آخرون: الـمستقرّ: فـي الرحم، والـمستودع: حيث تـموت. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٦١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي ويعلـى بن فضيـل، عن إسماعيـل، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه : وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها قال: مستقرّها: الأرحام، ومستودعها: الأرض التـي تـموت فـيها.

قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السدي، عن مرّة، عن عبد اللّه : وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها الـمستقرّ: الرحم، والـمستودع. الـمكان الذي تـموت فـيه.

وقال آخرونمُسْتَقَرّها: أيام حياتها وَمُسْتَوْدَعَها: حيث تـموت فـيه. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٦٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربـيع بن أنس، قوله: وَيَعْلَـمُ مُسْتَقَرّها وَمُسْتَوْدَعَها قال: مستقرّها: أيام حياتها، ومستودعها: حيث تـموت ومن حيث تبعث.

وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـيه، لأن اللّه جل ثناؤه أخبر أن ما رزقت الدوابّ من رزق فمنه، فأولـى أن يتبع ذلك أن يعلـم مثواها ومستقرّها دون الـخبر عن علـمه بـما تضمنته الأصلاب والأرحام.

و يعني ب قوله: كُلّ فِـي كِتابٍ مُبِـينٍ عدد كل دابة، ومبلغ أرزاقها وقدر قرارها فـي مستقرّها، ومدة لبثها فـي مستودعها، كلّ ذلك فـي كتاب عند اللّه مثبت مكتوب مبـين، يبـين لـمن قرأه أن ذلك مثبت مكتوب قبل أن يخـلقها ويوجدها. وهذا إخبـار من اللّه جل ثناؤه الذين كانوا يثنون صدورهم لـيستـخفوا منه أنه قد علـم الأشياء كلها، وأثبتها فـي كتاب عنده قبل أن يخـلقها ويوجدها يقول لهم تعالـى ذكره: فمن كان قد علـم ذلك منهم قبل أن يوجدهم، فكيف يخفـي علـيه ما تنطوي علـيه نفوسهم إذا ثَنَوْا به صدورهم واستغشوا علـيه ثـيابهم؟

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُوَ الّذِي خَلَق السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: اللّه الذي إلـيه مرجعكم أيها الناس جميعا هُوَ الّذِي خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ فـي سِتّةِ أيّامٍ

يقول: أفـيعجز من خـلق ذلك من غير شيء أن يعيدكم أحياء بعد أن يـميتكم؟ وقـيـل: إن اللّه تعالـى ذكره خـلق السموات والأرض وما فـيهنّ فـي الأيام الستة، فـاجتزى فـي هذا الـموضع بذكر خـلق السموات والأرض من ذكر خـلق ما فـيهنّ.

١٣٩٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي إسماعيـل بن أميّة، عن أيوب بن خالد، عن عبد اللّه بن رافع، مولـى أمّ سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـيدي، فقال (خَـلَقَ اللّه التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ، وَخَـلَقَ الـجِبَـالَ فِـيها يَوْمَ الأحَدِ، وَخَـلَقَ الشّجَرَ فِـيها يَوْمَ الاثْنَـيْنِ، وَخَـلَقَ الـمَكْرُوهَ يَوْمَ الثّلاثاءِ، وَخَـلَقَ النّورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يَوْمَ الـخَمِيسِ، وَخَـلَقَ آدَمَ بَعْدَ العَصْرِ مِنْ يَوْمِ الـجُمُعَةِ فِـي آخِرِ الـخَـلْقِ فِـي آخِرِ ساعاتِ الـجُمُعَةِ فِـيـما بـينَ العَصْرِ إلـى اللّـيْـلِ) .

١٣٩٦٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: فِـي سِتّةِ أيّامٍ قال: بدأ خـلق الأرض فـي يومين، وقدر فـيها أقواتها فـي يومين.

١٣٩٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي صالـحّ، عن كعب، قال: بدأ اللّه خـلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنـين والثلاثاء والأربعاء والـخميس، وفرغ منها يوم الـجمعة، فخـلق آدم فـي آخر ساعة من يوم الـجمعة قال: فجعل مكان كلّ يوم ألف سنة.

١٣٩٦٦ـ وحُدثت عن الـمسيب بن شريك، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك : وَهُوَ الّذِي خَـلَقَ السّموَاتِ والأرْضَ فِـي سِتّةِ أيّامٍ قال: من أيام الاَخرة، كلّ يوم مقداره ألف سنة ابتدأ فـي الـخـلق يوم الأحد، وختـم الـخـلق يوم الـجمعة فسميت الـجمعة، وسَبَتَ يومَ السبت فلـم يخـلق شيئا.

وقوله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ

يقول: وكان عرشه علـى الـماء قبل أن يخـلق السموات والأرض وما فـيهن. كما:

١٣٩٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قبل أن يخـلق شيئا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

١٣٩٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ ينبئكم ربكم تبـارك وتعالـى كيف كان بدء خـلقه قبل أن يخـلق السموات والأرض.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: هذا بدء خـلقه قبل أن يخـلق السماء والأرض.

١٣٩٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن يعلـى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبـي رزين العقـيـلـي، قال: قلت: يا رسول اللّه ، أين كان ربنا قبل أن يخـلق السموات والأرض؟ قال: (فِـي عَماءٍ ما فَوْقَهُ هَوَاءٌ وما تَـحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمّ خَـلَقَ عَرْشَهُ علـى الـمَاءِ) .

حدثنا ابن وكيع ومـحمد بن هارون القطان الرازقـي قالا: حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلـمة، عن يعلـى بن عطاء، عن وكيع بن حدس، عن عمه أبـي رزين. قال: قلت: يا رسول اللّه أين كان ربنا قبل أن يخـلق خـلقه؟ قال: (كانَ فِـي عَماءٍ ما فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَما تَـحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمّ خَـلَقَ عَرْشَهُ علـى الـمَاءِ) .

١٣٩٧٠ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا الـمسعودي، قال: أخبرنا جامع بن شدّاد، عن صفوان بن مـحرز، عن ابن حصين وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: أتـى قوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدخـلوا علـيه، فجعل يبشرهم ويقولون: أعطنا حتـى ساء ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم خرجوا من عنده، وجاء قوم آخرون فدخـلوا علـيه، فقالوا: جئنا نسلـم علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونتفقّه فـي الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، قال: (فـاقْبَلُوا البُشْرَى إذْ لَـمْ يَقْبَلْها أُولَئِكَ الّذِينَ خَرَجُوا) قالوا: قبلنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كانَ اللّه وَلا شَيْءَ غيرُهُ، وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ، وكَتَبَ فِـي الذّكْرِ قَبْلَ كُلّ شَيْءٍ، ثُمّ خَـلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ) . ثُمّ أتانـي آت، فقال: تلْكَ ناقَتُكَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ يَنْقَطِطِعُ دُوَنها السّرابُ وَلَوَدِدْتُ أنّـي تَرَكْتُها.

١٣٩٧١ـ حدثنا مـحمد بن منصور، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، قال: حدثنا عمرو بن أبـي قـيس، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: كان عرش اللّه علـى الـماءُ ثم اتـخذ لنفسه جنة، ثم اتـخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة، قال: ومِنْ دُونِهِمَا جَنّتَانِ قال: وهي التـي لا تَعْلَـمُ نَفْسٌ أو قال: وهما التـي لا تعلـم نفس ما أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بـما كَانُوا يَعْمَلُونَ. قال: وهي التـي لا تعلـم الـخلائق ما فـيها أو ما فـيهما يأتـيهم كلّ يوم منها أو منهما تـحفة.

١٣٩٧٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، قال سئل ابن عبـاس عن قول اللّه :وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ قال: علـى أيّ شيء كان الـماء؟ قال: علـى متن الريح.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبـير قال: سئل ابن عبـاس عن قوله تعالـى: وكانَ عَرْشُهُ علـى الـمَاءِ علـى أيّ شيء كان الـماء؟ قال: علـى متن الريح.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٣٩٧٣ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مبشر الـحلبـي، عن أرطاة بن الـمنذر، قال: سمعت ضمرة

يقول: إن اللّه كان عرشه علـى الـماء، وخـلق السموات والأرض بـالـحقّ، وخـلق القلـم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خـلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح اللّه ومـجده ألف عام قبل أن يخـلق شيئا من الـخـلق.

١٣٩٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه

يقول: إن العرش كان قبل أن يخـلق اللّه السموات والأرض، ثم قبض قبضة من صفـاء الـماء، ثم فتـح القبضة فـارتفع دخان، ثم قضاهنّ سبع سموات فـي يومين، ثم أخذ طينة من الـماء فوضعها مكان البـيت، ثم دحا الأرض منها، ثم خـلق الأقوات فـي يومين والسموات فـي يومين وخـلق الأرض فـي يومين، ثم فرغ من آخر الـخـلق يوم السابع.

وقوله: لَـيَبْلُوَكُمْ ايّكمْ أحْسَنُ عَمَلا

يقول تعالـى ذكره: وهو الذي خـلق السموات والأرض أيها الناس، وخـلقكم فـي ستة أيام، لـيبلوكُمْ

يقول: لـيختبركم، أيّكم أحسنُ عملاً

يقول: أيكم أحسن له طاعة. كما:

١٣٩٧٥ـ حدثنا عن داود بن الـمـحبر، قال: حدثنا عبد الواحد بن زيد، عن كلـيب بن وائل، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: أنه تلا هذه الآية: لـيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً قال: (أيّكُمْ أحْسَنُ عَقْلاً، وأوْرَعُ عَنْ مَـحَارِمِ اللّه وأسْرَعُ فِـي طاعَةِ اللّه ) .

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: لـيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً يعني الثقلـين.)

وقوله: وَلَئِنْ قُلْتَ إنّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الـمَوْتِ لَـيَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِـينٌ.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولئن قلت لهؤلاء الـمشركين من قومك إنكم مبعوثون أحياء من بعد مـماتكم فتلوت علـيهم بذلك تنزيـلـي ووحيـي، لـيقولن إن هذا إلا سحر مبـين أي ما هذا الذي تتلوه علـينا مـما تقول إلا سحر لسامعه، مبـين حقـيقته أنه سحر. وهذا علـى تأويـل من قرأ ذلك: إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِـينٌ وأما من قرأ: (إنْ هَذَا إلاّ ساحِرٌ مُبِـينٌ) فإنه يوجه الـخبر بذلك عنهم إلـى أنهم وصفوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأنه فـيـما أتاهم به من ذلك ساحر مبـين. وقد بـيّنا الصواب من القراءة فـي ذلك فـي نظائره فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته ههنا.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَخّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىَ أُمّةٍ مّعْدُودَةٍ لّيَقُولُنّ مَا يَحْبِسُهُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولئن أخرنا عن هؤلاء الـمشركين من قومك يا مـحمد العذاب فلـم نعجله لهم، وأنسأنا فـي آجالهم إلـى أمة معدودة ووقت مـحدود وسنـين معلومة. وأصل الأمة ما قد بـيّنا فـيـما مضى من كتابنا هذا أنها الـجماعة من الناس تـجتـمع علـى مذهب ودين، ثم تستعمل فـي معان كثـيرة ترجع إلـى معنى الأصل الذي ذكرت. وإنـما قـيـل للسنـين الـمعدودة والـحين فـي هذا الـموضع ونـحوه أمة، لأن فـيها تكون الأمة. وإنـما معنى الكلام: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلـى مـجيء أمة وانقراض أخرى قبلها.

وبنـحو الذي قلنا من أن معنى الأمة فـي هذا الـموضع الأجل والـحين قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٧٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن ابن عبـاس . وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن ابن عبـاس : وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: إلـى أجل مـحدود.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن ابن عبـاس ، بـمثله.

١٣٩٧٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: أجل معدود.

١٣٩٧٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: إلـى أجل معدود.

١٣٩٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ قال: إلـى حين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٣٩٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ

يقول: أمسكنا عنهم العذاب إلـى أمة معدودة. قال ابن جريج: قال مـجاهد: إلـى حين.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّةٍ مَعْدُودَةٍ

يقول: إلـى أجل معلوم.

وقوله: لَـيَقُولُنّ ما يَحْبِسُهُ

يقول: لـيقولنّ هؤلاء الـمشركون ما يحبسه؟ أيّ شيء يـمنعه من تعجيـل العذاب الذي يتوعدنا به؟ تكذيبـا منهم به، وظنّا منهم أن ذلك إنـما أخر عنهم لكذب الـمتوعد. كما:

١٣٩٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله: لَـيَقُولُنّ ما يَحْبِسُهُ قال: للتكذيب به، أو أنه لـيس بشيء.

وقوله: ألا يَوْمَ يَأْتِـيهِمْ لَـيْسَ مَصْرُوفـا عَنْهُمْ

يقول تعالـى ذكره تـحقـيقا لوعيده وتصحيحا لـخبره: ألا يوم يأتـيهم العذاب الذي يكذّبون به لـيس مصروفـا عنهم،

يقول: لـيس يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه عنهم دافع، ولكنه يحلّ بهم فـيهلكهم. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

يقول: ونزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب اللّه . وكان استهزاؤهم به الذي ذكره اللّه قـيـلهم قبل نزوله ما يحبسه نقلاً بأنبـيائه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان بعض أهل التأويـل. يقول ذكر من قال ذلك:

١٣٩٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال: ما جاءت به أنبـياؤهم من الـحقّ.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ }.

يقول تعالـى ذكره: ولئن أذقنا الإنسان منا رخاء وسعة فـي الرزق والعيش، فبسطنا علـيه من الدنـيا، وهي الرحمة التـي ذكرها تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع، ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ

يقول: ثم سلبناه ذلك، فأصابته مصائب أجاحته فذهبت به إنّهُ لَـيَئُوسٌ كَفُورٌ

يقول: يظلّ قناطا من رحمة اللّه آيسا من الـخير.

وقوله: (يئوس) : فعول، من قول القائل: يئس فلان من كذا فهو يئوس، إذا كان ذلك صفة له.

وقوله: (كفور) ،

يقول: هو كفور لـمن أنعم علـيه، قلـيـل الشكر لربه الـمتفضل علـيه بـما كان وهب له من نعمته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَلَئِنْ أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمّ نَزَعْناها مِنْهُ إنّهُ لَـيَئُوسٌ كَفُورٌ قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من اللّه من السعة والأمن والعافـية فكفور لـمِا بك منها، وإذا نزعت منك يبتغ لك فراغك فـيئوس من رَوْحِ اللّه ، قنوط من رحمته، كذلك الـمرء الـمنافق والكافر.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرّآءَ مَسّتْهُ لَيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئَاتُ عَنّيَ إِنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ }.

يقول تعالـى ذكره: ولئن نـحن بسطنا للإنسان فـي دنـياه، ورزقناه رخاء فـي عيشه، ووسعنا علـيه فـي رزقه وذلك هي النعم التـي قال اللّه جلّ ثناؤه: وَلَئِنْ أذَقْناهُ نَعْماءَ.

وقوله: بَعْدَ ضَرّاءَ

يقول: بعد ضيق من العيش كان فـيه وعسرة كان يعالـجها. لَـيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّـي

يقول تعالـى ذكره: لـيقولنّ عند ذلك: ذهب الضيق والعسرة عنـي، وزالت الشدائد والـمكاره. إنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ

يقول تعالـى ذكره: إن الإنسان لفرح بـالنعم التـي يُعطاها مسرور بها فخور،

يقول: ذو فخر بـما نال من السعة فـي الدنـيا وما بسط له فـيها من العيش، وينسي صروفها ونكد العوارض فـيها، ويدع طلب النعيـم الذي يبقـي والسرور الذي يدوم فلا يزول.

١٣٩٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قوله: ذَهَبَ السّيّئاتُ عَنّـي غرّة بـاللّه وجراءة علـيه. إنّهُ لَفَرِحٌ واللّه لا يحبّ الفرحين، فَخُورٌ بعد ما أعطي اللّه ، وهو لا يشكر اللّه .

١١

إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

ثم استثنـي جل ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتـين الصفتـين الذين صبروا وعملوا الصالـحات. وإنـما جاز استثناؤهم منه لأن الإنسان بـمعنى الـجنس ومعنى الـجمع، وهو ك قوله: وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِـي خُسْرٍ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ فقال تعالـى ذكره: إلا الذين صبروا وعملوا الصالـحات، فإنهم إن تأتهم شدّة من الدنـيا وعسرة فـيها لـم يثنهم ذلك عن طاعة اللّه ، ولكنهم صبروا لأمره وقضائه، فإن نالوا فـيها رخاء وسعة شكروه وأدّوا حقوقه بـما أتاهم منها. يقول اللّه :أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يغفرها لهم، ولا يفضحهم بها فـي معادهم. وأجْرٌ كَبِـيرٌ

يقول: ولهم من اللّه مع مغفرة ذنوبهم ثواب علـى أعمالهم الصالـحة التـي عملوها فـي دار الدنـيا جزيـل، وجزاء عظيـم.

١٣٩٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: إلا الذين صبروا عند البلاء وعملوا الصالـحات عند النعمة، لهم مغفرة لذنوبهم، وأجر كبـير. قال: الـجنة.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فلعلك يا مـحمد تارك بعض ما يوحي إلـيك ربك أن تبلغه من أمرك بتبلـيغه ذلك، وضائق بـما يوحي إلـيك صدرك فلا تبلغه إياهم مخافة أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ له مصدّق بأنه لله رسول.

يقول تعالـى ذكره: فبلغهم ما أوحيته إلـيك، فإنك إنّـمَا أنْتَ نَذِيرٌ تنذرهم عقابـي وتـحذّرهم بأسي علـى كفرهم بـي، وإنـما الاَيات التـي يسألونكها عندي وفـي سلطانـي أنزلها إذا شئت، ولـيس علـيك إلا البلاغ والإنذار. وَاللّه علـى كُلّ شَيْءٍ وَكِيـلٌ

يقول: واللّه القـيـم بكلّ شيء وبـيده تدبـيره، فـانفذ لـما أمرتك به، ولا يـمنعك مسألتهم إياك الاَيات من تبلـيغهم وحيـي والنفوذ لأمري.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: قال اللّه لنبـيه: فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعضَ ما يُوحَى إِلِـيْكَ أن تفعل فـيه ما أمرت وتدعو إلـيه كما أرسلت، قالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ لا نرى معه مالاً، أين الـمال؟ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ينذر معه، إنّـمَا أنْتَ نَذِيرٌ فبلغ ما أمرت.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ...}

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: كفـاك حجةً علـى حقـيقة ما أتـيتهم به ودلالةً علـى صحّة نبوّتك هذا القرآن من سائر الاَيات غيره، إذْ كانت الاَيات إنـما تكون لـمن أعطيها دلالة علـى صدقه، لعجِز جميع الـخـلق عن أن يأتوا بـمثلها، وهذا القرآن جميع الـخـلق عَجَزَةٌ عن أن يأتوا بـمثله. فإن هم قالوا: افتريتَه: أي اختلقتَه وتكذّبتَه. ودلّ علـى أن معنى الكلام ما ذكرنا قوله: أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ.... إلـى آخر الآية. و يعني تعالـى ذكره ب قوله: أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ أي أيقولون افتراه وقد دللنا علـى سبب إدخال العرب (أم) فـي مثل هذا الـموضع فقل لهم: يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، يعني مفتعلات مختلفـات، إن كان ما أتـيتكم به من هذا القرآن مفترى ولـيس بآية معجزة كسائر ما سألته من الاَيات، كالكنز الذي قلتـم: هلاّ أنزل علـيه أو الـملَك الذي قلتـم: هلاّ جاء معه نذيرا له مصدّقا فإنكم قومي وأنتـم من أهل لسانـي، وأنا رجل منكم، ومـحال أن أقدر أخـلق وحدي مئة سورة وأربع عشرة سورة، ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا وتـختلقوا عشر سور مثلها، ولا سيـما إذا استعنتـم فـي ذلك بـمن شئتـم من الـخـلق.

يقول جلّ ثناؤه: قل لهم: وادعوا من استطعتـم أن تدعوهم من دون اللّه ، يعني سوى اللّه ، لافتراء ذلك واختلاقه من الاَلهة، فإن أنتـم لـم تقدروا علـى أن تفتروا عشر سور مثله، فقد تبـين لكم أنكم كَذَبة فـي قولكم افتراه، وصحت عندكم حقـيقة ما أتـيتكم به أنه من عند اللّه ، ولـم يكن لكم أن تتـخيروا الاَيات علـى ربكم، وقد جاءكم من الـحجة علـى حقـيقة ما تكذّبون به أنه من عند اللّه مثل الذي تسألون من الـحجة وترغبون أنكم تصدقون بـمـجيئها.

وقوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ ل قوله: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ وإنـما هو: قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كنتـم صادقـين أن هذا القرآن افتراه مـحمد، وادعوا من استطعتـم من دون اللّه علـى ذلك من الاَلهة والأنداد.

١٣٩٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قد قالوه قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا شُهدَاءَكُمْ قال: يشهدون أنها مثله هكذا قال القاسم فـي حديثه.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِلّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّه وَأَن لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مّسْلِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين: فإن لـم يستـجب لكم من تدعون من دون اللّه إلـى أن يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولـم تطيقوا أنتـم وهم أن تأتوا بذلك، فـاعلـموا وأيقنوا أنه إنـما أُنزل من السماء علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم بعلـم اللّه وإذنه، وأن مـحمدا لـم يفتره، ولا يقدر أن يفتريه، وأن لا إلهَ إلاّ هُوَ

يقول: وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستـحقّ الألوهة علـى الـخـلق إلا اللّه الذي له الـخـلق والأمر، فـاخـلعوا الأنداد والاَلهة وأفردوا له العبـادة.

وقد قـيـل: إن قوله: فإنْ لَـمْ يَسْتَـجِيبُوا لَكُمْ خطاب من اللّه لنبـيه، كأنه قال: فإن لـم يستـجب لك هؤلاء الكفـار يا مـحمد، فـاعلـموا أيها الـمشركون أنـما أنزل بعلـم اللّه . وذلك تأويـل بعيد من الـمفهوم.

وقوله: فَهَلْ أنْتُـمْ مُسْلِـمُونَ

يقول: فهل أنتـم مذعنون لله بـالطاعة، ومخـلصون له العبـادة بعد ثبوت الـحجة علـيكم؟ وكان مـجاهد

يقول: عنـي بهذا القول أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

١٣٩٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَهَلْ أنْتُـمْ مُسْلِـمُونَ قال: لأصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وأنْ لا إلَهَ إلاّ هُوَ فَهَلْ أنْتُـمْ مُسْلِـمُونَ قال: لأصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقـيـل: فإنْ لَـمْ يَسْتَـجُيبُوا لَكُمْ والـخطاب فـي أوّل الكلام قد جرى لواحد، وذلك قوله: قُلْ فَأْتُوا ولـم يقل: فإن لـم يستـجيبوا لك علـى نـحو ما قد بـيّنا قبل فـي خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم، أن العرب تـخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الـجمع إذا كان خطابه خطاب الأتبـاع وجنده، وأحيانا مخرج خطاب الواحد إذا كان فـي نفسه واحدا.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله الـحَياةَ الدّنْـيا وأثاثها وَزِينَتَها يطلب به، نوَفّ إلَـيْهِمْ أجور أعْمَالَهُمْ فِـيها وثوابها. وَهُمْ فِـيها

يقول: وهم فـي الدنـيا لا يُبْخَسُونَ

يقول: لا يُنقصون أجرها، ولكنهم يُوَفّونه فـيها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وَزِينَتَها... الآية، وهي ما يعطيهم اللّه من الدنـيا بحسناتهم وذلك أنهم لا يظلـمون نقـيرا،

يقول: من عمل صالـحا التـماس الدنـيا صوما أو صلاة أو تهجدا بـاللـيـل لا يعمله إلا لالتـماس الدنـيا يقول اللّه :أُوَفّـيه الذي التـمس فـي الدنـيا من الـمثابة، وحبط عمله الذي كان يعمل التـماس الدنـيا، وهو فـي الاَخرة من الـخاسرين.

١٣٩٩٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبـير: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها قال: ثواب ما عملوا فـي الدنـيا من خير أعطوه فـي الدنـيا، وَلَـيْس لهُمْ فـي الاَخِرِةِ إلاّ النّارُ وحَبِط ما صَنُعوا فِـيها.

١٣٩٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبـير، قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها قال: وربـما عملوا من خير أعطوه فـي الدنـيا، ولَـيْسَ لَهُمْ فـي الاَخِرِةِ إلاّ النّارُ وحَبِط ما صنَعُوا فِـيها قال: هي مثل الآية التـي فـي الروم: وما أتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْد اللّه .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن سعيد بن جبـير: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها قال: من عمل للدنـيا وُفّـيَهُ فـي الدنـيا.

١٣٩٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها قال: من عمل عملاً مـما أمر اللّه به من صلاة أو صدقة لا يريد بها وجه اللّه أعطاه اللّه فـي الدنـيا ثواب ذلك مثل ما أنفق فذلك قوله: نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها فـي الدنـيا، وَهُمْ فِـيهَا لا يُبْخَسُونَ أجر ما عملوا فـيها، أولَئِكَ الّذِينَ لَـيْسَ لَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ إلاّ النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِـيها... الآية.

١٣٩٩٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عيسى، يعني ابن ميـمون، عن مـجاهد، فـي قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها قال: مـمن لا يقبل منه جُوزي به يُعطي ثوابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن عيسى الـجرشي، عن مـجاهد: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها قال: مـمن لا يقبل منه يعجل له فـي الدنـيا.

١٣٩٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها وَهُمْ فِـيها لا يُبْخَسُونَ أي لا يظلـمون.

يقول: من كانت الدنـيا همه وسَدَمه وطلبته ونـيته، جازاه اللّه بحسناته فـي الدنـيا، ثم يُفْضِي إلـى الاَخرة ولـيس له حسنة يُعْطَي بها جزاء. وأما الـمؤمن فـيجازي بحسناته فـي الدنـيا ويثاب علـيها فـي الاَخرة. وَهُمْ فِـيها لا يُبْخَسُونَ: أي فـي الاَخرة لا يظلـمون.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا، عن معمر، عن قتادة: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها.... الآية، قال: من كان إنـما همته الدنـيا إياها يطلب أعطاه اللّه مالاً وأعطاه فـيها ما يعيش، وكان ذلك قصاصا له بعمله. وَهُمْ فِـيها لا يُبْخَسُونَ قال: لا يظلـمون.

١٣٩٩٥ـ قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن لـيث بن أبـي سلـم، عن مـحمد بن كعب الُقَرِظيّ: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ أحْسَنَ مِنْ مُـحْسِنٍ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ علـى اللّه فِـي عاجِلِ الدّنْـيا وآجِلِ الاَخِرَةِ) .

١٣٩٩٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها.... الآية،

يقول: من عمل عملاً صالـحا فـي غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي علـى ذلك أجرا فـي الدنـيا يصل رحما، يعطي سائلاً، يرحم مضطرّا فـي نـحو هذا من أعمال البرّ يعجل اللّه له ثواب عمله فـي الدنـيا، ويوسع علـيه فـي الـمعيشة والرزق، ويقرّ عينه فـيـما خوّله، ويدفع عنه من مكاره الدنـيا فـي نـحو هذا، ولـيس له فـي الاَخرة من نصيب.

١٣٩٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا حفص بن عمرو أبو عمر الضرير، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس فـي قوله: نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها وَهُمْ فِـيها لا يُبْخَسُونَ قال: هي فـي الـيهود والنصارى.

١٣٩٩٨ـ قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن أبـي رجاء الأزدي، عن الـحسن: نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها قال: طيبـاتهم.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، مثله.

١٣٩٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن وهب أنه بلغه أن مـجاهدا كان يقول فـي هذه الآية: هم أهل الرياء، هم أهل الرياء.

١٤٠٠٠ـ قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن حيوة بن شريح، قال: ثنى الولـيد بن أبـي الولـيد أبو عثمان، أن عقبة بن مسلـم حدثه، أن شُفـي بن ماتع الأصبحي حدثه: أنه دخـل الـمدينة، فإذا هو برجل قد اجتـمع علـيه الناس، فقال من هذا؟ فقالوا أبو هريرة. فدنوت منه حتـى قعدت بـين يديه وهو يحدّث الناس، فلـما سكت وخَلا قلت: أنشدك بحقّ وبحقّ لـما حدثتنـي حديثا سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عقلته وعلـمته قال: فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم نشغ نشغة، ثم أفـاق، فقال: لأحدثنك حديثا حدثنـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي هذا البـيت ما فـيه أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارّا علـى وجهه، واشتدّ به طويلاً، ثم أفـاق، فقال: حدثنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه تبـارك وتعالـى إذا كان يوم القـيامة نزل إلـى أهل القـيامة لـيقضي بـينهم وكل أمة جاثـية، فأوّل من يدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قتل فـي سبـيـل اللّه ، ورجل كثـير الـمال، فـيقول اللّه للقارىء: ألـم أعلـمك ما أنزلت علـى رسولـي؟ قال: بلـى يا ربّ قال: فماذا عملت فـيـما علـمت؟ قال: كنت أقوم آناء اللـيـل وآناء النهار. فـيقول اللّه له: كذبت وتقول له الـملائكة: كذبت ويقول اللّه له: بل أردت أن يقال: فلان قارىء فقد قـيـل ذلك. ويؤتـي بصاحب الـمال فـيقول اللّه له: ألـم أوسع علـيك حتـى لـم أدعك تـحتاج إلـى أحد؟ قال: بلـى يا ربّ قال: فماذا عملت فـيـما آتـيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدّق. فـيقول اللّه له: كذبت وتقول الـملائكة: كذبت ويقول اللّه له: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قـيـل ذلك. ويؤتـى بـالذي قُتل فـي سبـيـل اللّه ، فـيقال له: فبـماذا قتلت؟ فـ

يقول: أمرت بـالـجهاد فـي سبـيـلك، فقاتلت حتـى قتلت. فـيقول اللّه له: كذبت وتقول له الـملائكة: كذبت ويقول اللّه له: بل أردت أن يقال: فلان جريء، وقد قـيـل ذلك) . ثم ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى ركبتـي، فقال: (يا أبـا هريرة أولئك الثلاثة أوّل خـلق اللّه تسعر بهم النار يوم القـيامة) .

قال الولـيد أبو عثمان: فأخبرنـي عقبة أن شفـيّا هو الذي دخـل علـى معاوية، فأخبره بهذا.

قال أبو عثمان: وحدثنـي العلاء بن أبـي حكيـم أنه كان سيافـا لـمعاوية، قال: فدخـل علـيه رجل فحدثه بهذا عن أبـي هريرة، فقال أبو هريرة وقد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بـمن بقـي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتـى ظننا أنه هلك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل شرّ. ثم أفـاق معاوية ومسح عن وجهه فقال: صدق اللّه ورسوله مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها نُوفّ إلَـيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِـيها وقرأ إلـى: وَبـاطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن عيسى بن ميـمون، عن مـجاهد: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا وزَينَتَها... الآية، قال: مـمن لا يتقبل منه، يصوم ويصلـي يريد به الدنـيا، ويدفع عنه وهم الاَخرة. وَهُمْ فِـيها لا يُبْخَسُونَ لا ينقصون.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ إِلاّ النّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين ذكرت أنا نوفـيهم أجور أعمالهم فـي الدنـيا لَـيْسَ لَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ إلاّ النارُ يصلونها، وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِـيها

يقول: وذهب ما عملوا فـي الدنـيا، وَبـاطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنهم كانوا يعملون لغير اللّه ، فأبطله اللّه وأحبط عامله أجره.

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن كَانَ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ قد بـين له دينه فتبـينه، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: يعني ب قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٠١ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: حدثنا حسين بن مـحمد، قال: حدثنا شيبـان، عن قتادة، عن عروة، عن مـحمد ابن الـحنفـية، قال: قلت لأبـي: يا أبت أنت التالـي فـي وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ؟ قال: لا واللّه يا بنـي وددت أنـي كنت أنا هو، ولكنه لسانه.

١٤٠٠٢ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: لسانه.

١٤٠٠٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: لسانه.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا الـحكم بن عبد اللّه أبو النعمان العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، مثله.

حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي، قال: حدثنا الـمعافـي بن عمران، عن قرة بن خالد، عن الـحسن، مثله.

١٤٠٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وهو مـحمد كان علـى بـينة من ربه.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: لسانه.

١٤٠٠٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: لسانه هو الشاهد.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غندر، عن عوف، عن الـحسن، مثله.

وقال آخرون: يعني ب قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٠٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن سلـيـمان العلاف، عن الـحسين بن علـيّ فـي قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: الشاهد مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غندر، عن عوف، قال: ثنـي سلـيـمان العلاف، قال: بلغنـي أن الـحسين بن علـيّ قال: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن سلـيـمان العلاف، سمع الـحسين بن علـيّ: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ

يقول: مـحمد هو الشاهد من اللّه .

١٤٠٠٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان علـى بـينة من ربه، والقرآن يتلوه شاهد منه أيضا من اللّه بأنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٤٠٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ قال: النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

١٤٠٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن نضر بن عربـي، عن عكرمة، مثله.

١٤٠١٠ـ قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.

١٤٠١١ـ حدثنا الـحرث، قال: حدثنا أبو خالد، سمعت سفـيان

يقول: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ قال: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال آخرون: هو علـيّ بن أبـي طالب. ذكر من قال ذلك:

١٤٠١٢ـ حدثنا مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا رزيق بن مرزوق، قال: حدثنا صبـاح الفراء، عن جابر، عن عبد اللّه بن يحيى، قال: قال علـيّ رضي اللّه عنه: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فـيه الآية والاَيتان. فقال له رجل: فأنت فأيّ شيء نزل فـيك؟ فقال علـيّ: أما تقرأ الآية التـي نزلت فـي هود وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ؟

وقال آخرون: هو جبرئيـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ إنه كان

يقول: جبرئيـل.

١٤٠١٤ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبـيد اللّه ، عن إبراهيـم: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: جبرئيـل.

وحدثنا به أبو كريب مرّة أخرى بإسناده عن إبراهيـم، فقال: قال يقولون علـيّ إنـما هو جبرئيـل.

١٤٠١٥ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: هو جبرئيـل، تلا التوراة والإنـجيـل والقرآن، وهو الشاهد من اللّه .

حدثنا ابن بـاشر، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، وحدثنا مـحمد بن عبد اللّه الـمخرمي، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا سفـيان. وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: جبرئيـل.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.

قال: حدثنا سهل بن يوسف، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.

١٤٠١٦ـ قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: جبر يـل.

١٤٠١٧ـ قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي صالـح: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: جبرئيـل.

١٤٠١٨ـ قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: جبرئيـل.

١٤٠١٩ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ يعني مـحمدا هو علـى بـينة من اللّه ، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ جبرئيـل شاهد من اللّه يتلو علـى مـحمد ما بعث به.

١٤٠٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: هو جبرئيـل.

١٤٠٢١ـ قال: حدثنا أبـي، عن نضر بن عربـي، عن عكرمة، قال: هو جبرئيـل.

قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: جبرئيـل.

١٤٠٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ يعني مـحمدا علـى بـينة من ربه، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فهو جبرئيـل شاهد من اللّه بـالذي يتلو من كتاب اللّه الذي أنزل علـى مـحمد، قال: ويقال: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ

يقول: يحفظه الـملك الذي معه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: كان مـجاهد يقول فـي قوله: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ قال: يعني مـحمدا، وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: جبرئيـل.

وقال آخرون: هو ملك يحفظه ذكر من قال ذلك:

١٤٠٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: معه حافظ من اللّه ملك.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارونَ، وسُوَيد بن عمرو، عن حماد بن سَلَـمة، عن أيوب، عن مـجاهد: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: ملك يحفظه.

قال: حدثنا مـحمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن سمع مـجاهدا: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: الـملك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يتبعه حافظ من اللّه مَلَك.

١٤٠٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن مـجاهد: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال: الـملك يحفظه: يَتْلُونَهُ حَقّ تِلاوَتَهِ قال: يتبعونه حقّ اتبـاعه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُقال: حافظ من اللّه ملك.

وأولـى هذه الأقوال التـي ذكرناها بـالصواب فـي تأويـل قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ: قول من قال: هو جبرئيـل، لدلالة قوله: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إماما وَرَحْمَةً علـى صحة ذلك وذلك أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـم يتلُ قبل القرآن كتاب موسى، فـيكون ذلك دلـيلاً علـى صحة قول من قال: عُنِـي به لسان مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، أو مـحمد نفسه، أو علـيّ علـى قول من قال: عُنِـي به علـيّ. ولا يعلـم أن أحدا كان تلا ذلك قبل القرآن أو جاء به مـمن ذكر أهل التأويـل أنه عُنِـي ب قوله: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ غير جبرئيـل علـيه السلام.

فإن قال قائل: فإن كان ذلك دلـيـلك علـى أن الـمَعْنـيّ به جبرئيـل، فقد يجب أن تكون القراءة فـي قوله: وَمِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى بـالنصب لأن معنى الكلام علـى ما تأوّلت يجب أن يكون: ويتلو القرآن شاهد من اللّه ، ومن قَبل القرآن كتاب موسى؟ قـيـل: إن القراء فـي الأمصار قد أجمعت علـى قراءة ذلك بـالرفع فلـم يكن لأحد خلافُها، ولو كانت القراءة جاءت فـي ذلك بـالنصب كانت قراءة صحيحة ومعنى صحيحا.

فإن قال: فما وجه رفعهم إذا الكتاب علـى ما ادّعيت من التأويـل؟ قـيـل: وجه رفعهم هذا أنهم ابتدءوا الـخبر عن مـجيء كتاب موسى قبل كتابنا الـمنزل علـى مـحمد، فرفعوه ب (من) قبله، والقراءة كذلك، والـمعنى الذي ذكرت من معنى تلاوة جبرئيـل ذلك قبل القرآن، وأن الـمراد من معناه ذلك وإن كان الـخبر مستأنفـا علـى ما وصفت اكتفـاء بدلالة الكلام علـى معناه.

وأما قوله: إماما فإنه نصب علـى القطع من كتاب موسى، وقوله وَرَحْمَةً عطف علـى (الإمام) ، كأنه قـيـل: ومن قبله كتاب موسى إماما لبنـي إسرائيـل يأَتَـمّون به، ورحمة من اللّه تلاه علـى موسى. كما:

١٤٠٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن منصور، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى قال: من قبله جاء بـالكتاب إلـى موسى. وفـي الكلام مـحذوف قد ترك ذكره اكتفـاء بدلالة ما ذكر علـيه منه، وهو: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إِمَاما وَرَحْمَةً كمن هو فـي الضلالة متردّد، لا يهتدي لرشد، ولا يعرف حقّا من بـاطل، ولا يطلب بعمله إلا الـحياة الدنـيا وزينتها؟ وذلك نظير قوله: أمّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللّـيْـلِ ساجِدا وقائِما يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ والدلـيـل علـى حقـيقة ما قلنا فـي ذلك أن ذلك عَقِـيب قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الـحَياةَ الدّنْـيا... الآية، ثم قـيـل: أهذا خير أمّن كان علـى بـينة من ربه؟ والعرب تفعل ذلك كثـيرا إذا كان فـيـما ذكَرَتْ دلالة علـى مرادها علـى ما حَذَفت، وذلك كقول الشاعر:

فأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكِ ولكنْ لَـمْ نَـجِدْ لكِ مَدْفَعا

وقوله: أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ

يقول: هؤلاء الذين ذكرت يصدّقون ويقرّون به إن كفر به هؤلاء الـمشركون الذين يقولون: إن مـحمدا افتراه.)

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فـالنّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ إنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّكَ وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.

يقول تعالـى ذكره: ومن يكفر بهذا القرآن فـيجحد أنه من عند اللّه من الأحزاب وهم الـمتـحزبة علـى مللهم فـالنار موعده، إنه يصير إلـيها فـي الاَخرة بتكذيبه يقول اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. فَلا تَكُ فِـي مِرْيَةٍ مِنْهُ

يقول: فلا تك فـي شكّ منه، من أن موعد من كفر بـالقرآن من الأحزاب النار، وأن هذا القرآن الذي أنزلناه إلـيك من عند اللّه . ثم ابتدأ جل ثناؤه الـخبر عن القرآن، فقال: إن هذا القرآن الذي أنزلناه إلـيك يا مـحمد الـحقّ من ربك لا شكّ فـيه، ولكن أكثر الناس لا يصدّقون بأن ذلك كذلك.

فإن قال قائل: أو كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي شكّ من أن القرآن من عند اللّه ، وأنه حقّ، حتـى

قـيـل له: فلا تك فـي مرية منه؟ قـيـل: هذا نظير قوله: فإنْ كُنْتَ فِـي شَكَ مِـمّا أَنْزَلْنا إلَـيْكَ وقد بـيّنا ذلك هنالك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٢٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، قال: نبئت أن سعيد بن جبـير قال: ما بلغنـي حديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى وجهه إلا وجدت مِصْداقه فـي كتاب اللّه تعالـى، حتـى قال (لا يَسْمَعُ بِـي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ وَلاَ يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِـيّ ثُمّ لا يُؤْمِنُ بِـمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إلاّ دَخَـلَ النّارَ) . قال سعيد: فقلت أين هذا فـي كتاب اللّه ؟ حتـى أتـيت علـى هذه الآية: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إماما وَرَحْمَةً أُولَئكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فـالنّارُ مَوْعِدُهُ قال: من أهل الـملل كلها.

١٤٠٢٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه الـمُخَرّميّ وابن وكيع، قالا: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا سفـيان، عن أيوب عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ قال: من الـملل كلها.

حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبـير، قال: كنت لا أسمع بحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى وجهه، إلا وجدت مصداقه أو قال تصديقه فـي القرآن، فبلغنـي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا يَسْمَعُ بِـي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ وَلا يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِـيّ ثُمّ لا يُؤْمِنُ بِـمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إلاّ دَخَـلَ النّارَ) فجعلت أقول: أين مصداقها؟ حتـى أتـيت علـى هذا: أفمَنْ كانَ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ... إلـى قوله: فـالنّارُ مَوْعِدُهُ قال: فـالأحزاب: الـملل كلها.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: ثنـي أيوب، عن سعيد بن جبـير، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما مِنْ أحَدٍ يَسْمَعُ بِـي مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ وَلا يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِـيّ فَلا يُؤْمِنُ بِـي إلاّ دَخَـلَ النّار) فجعلت أقول: أين مصداقها فـي كتاب اللّه ؟ قال: وقلـما سمعت حديثا عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلا وجدت له تصديقا فـي القرآن، حتـى وجدت هذه الاَيات: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فـالنّارُ مَوْعِدُهُ: الـملل كلها.

١٤٠٢٨ـ قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فـالنّارُ مَوْعِدُهُ قال: الكفـار أحزاب كلهم علـى الكفر.

١٤٠٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي يكفر ببعضه، وهم الـيهود والنصارى. قال: بلغنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان

يقول: (لا يَسْمَعُ بِـي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ وَلا يَهُودِيّ وَلا نَصْرَانِـيّ ثُمّ يَـمُوتُ قَبْلَ أنْ يُؤْمِنَ بِـي، إلاّ دَخَـلَ النّارَ) .

١٤٠٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا يوسف بن عديّ النضْريّ، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، عن أبـي موسى الأشعري: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَن سَمِعَ بِـي مِنْ أُمّتِـي أوْ يَهُودِيّ أوْ نَصْرانِـيّ، فَلَـمْ يُؤْمِنْ بِـي لَـمْ يَدْخُـلِ الـجَنّةَ) .

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّه كَذِباً أُوْلَـَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىَ رَبّهِمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وأيّ الناس أشدّ تعذيبـا مـمن اختلق علـى اللّه كذبـا فكذب علـيه، أولئك يُعْرضون علـى ربهم، ويقول الأشهاد: هؤلاء الذين يكذِبون علـى ربهم يعرَضون يوم القـيامة علـى ربهم، فـيسألهم عما كانوا فـي دار الدنـيا يعملون. كما:

١٤٠٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: ومَنْ أظْلَـمُ مِـمّنِ افْتَرَى علـى اللّه كَذِبـا قال: الكافر والـمنافق أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ علـى رَبّهِمْ فـيسألهم عن أعمالهم.

وقوله: وَيَقُولُ الأشْهادُ يعني الـملائكة والأنبـياء الذين شهدوهم وحفظوا علـيهم ما كانوا يعملون، وهم جمع شاهد مثل الأصحاب الذي هو جمع صاحب هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا علـى رَبّهِمْ

يقول: شهد هؤلاء الأشهاد فـي الاَخرة علـى هؤلاء الـمفترين علـى اللّه فـي الدنـيا، فـيقولون: هؤلاء الذين كذبوا فـي الدنـيا علـى ربهم. يقول اللّه :ألاَ لَعْنَةُ اللّه علـى الظّالِـمِينَ

يقول: ألا غضب اللّه علـى الـمعتدين الذي كفروا بربهم.

وبنـحو ما قلنا فـي قوله وَيَقُولُ الأشْهادُ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٣٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا نـمير بن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَيَقُولُ الأشْهادُ قال: الـملائكة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الـملائكة.

١٤٠٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَيَقُولُ الأشْهادُ والأشهاد: الـملائكة، يشهدون علـى بنـي آدم بأعمالهم.

حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: الأشْهاد قال: الـخلائق، أو قال: الـملائكة.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنـحوه.

١٤٠٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَيَقُولُ الأشْهادُ الذين كان يحفظون أعمالهم علـيهم فـي الدنـيا هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا علـى رَبّهِمْ حفظوه وشهدوا به علـيهم يوم القـيامة. قال ابن جريج: قال مـجاهد: الأشهاد: الـملائكة.

١٤٠٣٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله: وَيَقُولُ الأشْهادُ قال: الـملائكة.

١٤٠٣٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَيَقُولُ الأشْهادُ يعني الأنبـياء والرسل، وهو قوله: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِـي كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا عَلَـيْهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَجِئنا بِكَ شَهِيدا علـى هَؤُلاءِ. قال:

وقوله: وَيَقُولُ الأشْهادُ هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا علـى رَبّهِمْ يقولون: يا ربنا أتـيناهم بـالـحقّ فكذّبوا، فنـحن نشهد علـيهم أنهم كذبوا علـيك يا ربنا.

١٤٠٣٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن مـحرز الـمازنـي، قال: بـينا نـحن بـالبـيت مع عبد اللّه بن عمر وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر ما سمعتَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فـي النـجوى؟ فقال: سمعت نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (يَدْنُو الـمُؤْمِنُ مِنْ رَبّهِ حتـى يَضَعَ عَلَـيْهِ كَنَفَهُ فَـيُقَرّرُهُ بذنُوبِهِ، فَـ

يَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ كَذَا؟ فَـ

يَقُولُ: رَبّ أعْرِفُ. مَرّتَـينِ. حتـى إذَا بَلَغَ بِهِ ما شاءَ اللّه أنْ يَبْلُغَ، قال: فإنّـي قَدْ سَترْتُها عَلَـيْكَ فِـي الدّنْـيا وأنا أغْفِرُها لَكَ الـيَوْمَ) قالَ: (فَـيُعْطَى صحِيفَةَ حَسَناتِهِ أوْ كِتابَهُ بِـيَـمِينِهِ. وأمّا الكُفّـارُ والـمُنافِقُونَ، فَـيُنادَى بِهِمْ علـى رُءوسِ الأشْهادِ: ألا هَؤُلاءِ الّذِينَ كَذَبُوا علـى رَبّهِمْ ألا لَعْنَةُ اللّه علـى الظّالِـمِينَ) .

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن مـحرز، عن ابن عمر، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه.

١٤٠٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: كنّا نـحدّث أنه لا يخزي يومئذ أحد فـيخفـي خزيه علـى أحد مـمن خـلق اللّه أو الـخلائق.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{الّذِينَ يَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ألا لعنة اللّه علـى الظالـمين الذين يصدّون الناس عن الإيـمان به والإقرار له بـالعبودة وإخلاص العبـادة له دون الاَلهة والأنداد من مشركي قريش، وهم الذين كانوا يفتِنون عن الإسلام مَن دخـل فـيه. وَيَبْغُونَها عِوَجا

يقول: ويـلتـمسون سبـيـل اللّه وهو الإسلام الذي دعا الناس إلـيه مـحمد،

يقول: زيغا وميلاً عن الاستقامة. وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ

يقول: وهم بـالبعث بعد الـمـمات مع صدّهم عن سبـيـل اللّه وبغيهم إياها عوجا كافرون،

يقول: هم جاحدون ذلك منكرون.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{أُولَـَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ ... }.

 يعني جلّ ذكره بقوبه: أُولَئِكَ لَـمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِـي الأرْضِ هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدّون عن سبـيـل اللّه ،

يقول جلّ ثناؤه: إنهم لـم يكونوا بـالذين يُعْجزون ربهم بهربهم منه فـي الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم، ولكنهم فـي قَبضته ومِلْكه، لا يـمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه هربـا إذا طلبهم. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّه مِنْ أوْلِـياءَ

يقول: ولـم يكن لهؤلاء الـمشركين إذا أراد عقابهم من دون اللّه أنصار ينصرونهم من اللّه ويحولون بـينهم وبـينه إذا هو عذّبهم، وقد كانت لهم فـي الدنـيا مَنَعة يـمتنعون بها مـمن أرادهم من الناس بسوء.

وقوله: يُضَاعَفُ لَهُمُ العَذَابُ

يقول تعالـى ذكره: يزاد فـي عذابهم، فـيجعل لهم مكان الواحد اثنان.

وقوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ فإنه اختلف فـي تأويـله،

فقال بعضهم: ذلك وصف اللّه به هؤلاء الـمشركين أنه قد ختـم علـى سمعهم وأبصارهم، وأنهم لا يسمعون الـحقّ، ولا يبصرون حُجَج اللّه سماع منتفع ولا إبصار مهتد. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ صمّ عن الـحقّ فما يسمعونه، بكم فما ينطقون به، عُمْي فلا يبصرونه، ولا ينتفعون به.

١٤٠٤٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فـينتفعوا به، ولا يبصروا خيرا فـيأخذوا به.

١٤٠٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: أخبر اللّه سبحانه أنه حال بـين أهل الشرك وبـين طاعته فـي الدنـيا والاَخرة. أما فـي الدنـيا فإنه قال: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وهي طاعته، وَما كانُوا يُبْصِرُونَ. وأما فـي الاَخرة فإنه قال: فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً.

وقال آخرون: إنـما عَنـي ب قوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّه مِنْ أوْلِـياءِ آلهة الذين يصدّون عن سبـيـل اللّه . وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم لـم يكونوا معجزين فـي الأرض، يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ يعني الاَلهة أنها لـم يكن لها سمع ولا بصر. هذا قول رُوي عن ابن عبـاس من وجه كرهت ذكره لضعف سنده.

وقال آخرون: معنى ذلك: يضاعف لهم العذاب بـما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبـما كانوا يبصرون ولا يتأملون حجج اللّه بأعينهم فـيعتبروا بها. قالوا: والبـاء كان ينبغي لها أن تدخـل، لأنه قد قال: فَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ بِـمَا كانُوا يَكْذِبُونَ بكذبهم فـي غير موضع من التنزيـل أدخـلت فـيه البـاء، وسقوطها جائز فـي الكلام كقولك فـي الكلام: لاحن بـما فـيك ما علـمت وبـما علـمت، وهذا قول قاله بعض أهل العربـية.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله ابن عبـاس وقتادة، من أن اللّه وصفهم تعالـى ذكره بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الـحقّ سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بـالكفر الذي كانوا علـيه مقـيـمين، عن استعمال جوارحهم فـي طاعة اللّه ، وقد كانت لهم أسماع وأبصار.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين غَبَنُوا أنفسهم حظوظها من رحمة اللّه . وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ وبطل كذبهم وإفكهم وفِرْيتهم علـى اللّه بإدّعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلها من دون اللّه غير مسلكهم، وأخذ طريقا غير طريقهم، فضلّ عنهم، لأنه سلك بهم إلـى جهنـم، وصارت آلتهم عدما لا شيء، لأنها كانت فـي الدنـيا حجارة أو خشبـا أو نـحاسا، أو كان لله ولـيّا، فسلك به إلـى الـجنة، وذلك أيضا غير مسلكهم، وذلك أيضا ضلال عنهم.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{لاَ جَرَمَ أَنّهُمْ فِي الاَخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم فـي الدنـيا فـي الاَخرة هم الأخسرون، الذين قد بـاعوا منازلهم من الـجنان بـمنازل أهل الـجنة من النار وذلك هو الـخسران الـمبـين. وقد بـينا فـيـما مضى أن معنى قولهم، جَرَمْتُ: كسبت الذنب وأجرمته، أن العرب كثر استعمالها إياه فـي مواضع الأيـمان، وفـي مواضع (لا بدّ) كقولهم: لا جرم أنك ذاهب، بـمعنى: لا بد، حتـى استعملوا ذلك فـي مواضع التـحقـيق فقالوا: لا جرم لـيقومنّ، بـمعنى: حقّا لـيقومنّ، فمعنى الكلام: لا منع عن أنهم، ولا صدّ عن أنهم.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوَاْ إِلَىَ رَبّهِمْ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: إن الذين صَدَقوا اللّه ورسوله وعملوا فـي الدنـيا بطاعة اللّه وأخبتوا إلـى ربهم.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى الإخبـات،

فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلـى ربهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِـحاتِ وأخْبَتُوا إلـى رَبّهِمْ قال: الإخبـات: الإنابة.

١٤٠٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأخْبَتُوا إلـى رَبّهِمْ

يقول: وأنابوا إلـى ربهم.

وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وأخْبَتُوا إلـى رَبّهِمْ

يقول: خافوا.

وقال آخرون: معناه: اطمأنوا. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأخْبَتُوا إلـى رَبّهِمْ قال: اطمأنوا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٤٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأخْبَتُوا إلـى رَبّهِمْ الإخبـات: التـخشع والتواضع.

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة الـمعانـي وإن اختلفت ألفـاظها، لأن الإنابة إلـى اللّه من خوف اللّه ، ومن الـخشوع والتواضع لله بـالطاعة، والطمأنـينة إلـيه من الـخشوع له، غير أن نفس الإخبـات عند العرب الـخشوع والتواضع. وقال: إلـى رَبّهِمْ ومعناه: أخبتوا لربهم، وذلك أن العرب تضع اللام موضع (إلـى) و(إلـى) موضع اللام كثـيرا، كما قال تعالـى: بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا بـمعنى: أوحى إلـيها. وقد يجوز أن يكون قـيـل ذلك كذلك، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخبـاتهم إلـى اللّه .

وقوله: أُولَئِكَ أصحَابُ الـجَنّةِ هُمْ فِـيها خالِدُونَ

يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان الـجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يـموتون فـيها، ولكنهم فـيها لابثون إلـى غير نهاية.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَىَ وَالأصَمّ وَالْبَصِيرِ وَالسّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكّرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: مثل فريقـي الكفر والإيـمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئا، والأصمّ الذي لا يسمع شيئا فكذلك فريق الكفر لا يُبصر الـحقّ فـيتبعه ويعمل به، لشغله بكفره بـاللّه وغَلَبة خِذلان اللّه علـيه، لا يسمع داعي اللّه إلـى الرشاد فـيجيبه إلـى الهدى فـيهتدي به، فهو مقـيـم فـي ضلالته، يتردّد فـي حَيرته. والسميع والبصير، فكذلك فريق الإيـمان أبصر حُجج اللّه ، وأقرّ بـما دلت علـيه من توحيد اللّه والبراءة من الاَلهة والأنداد ونبوّة الأنبـياء علـيهم السلام، وسمع داعي اللّه فأجابه وعمل بطاعة اللّه . كما:

١٤٠٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : مَثَلُ الفَرِيقَـيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ قال: الأعمى والأصمّ: الكافر، والبصير والسميع: الـمؤمن.

١٤٠٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مَثَلُ الفَرِيقَـيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ: الفريقان الكافران، والـمؤمنان، فأما الأعمى والأصمّ فـالكافران، وأما البصير والسميع فهما الـمؤمنان.

 

١٤٠٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مَثَلُ الفَرِيقَـيْنِ كالأعْمَى والأصَمّ والبَصِيرِ والسّمِيعِ.... الآية، هذا مثل ضربه اللّه للكافر والـمؤمن، فأما الكافر فصمّ عن الـحقّ فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره. وأما الـمؤمن فسمع الـحقّ فـانتفع به وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به.

يقول تعالـى: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً

يقول: هل يستوي هذان الفريقان علـى اختلاف حالتـيهما فـي أنفسهما عندكم أيها الناس؟ فإنهما لا يستويان عندكم، فكذلك حال الكافر والـمؤمن لا يستويان عند اللّه . أفَلا تَذَكّرُونَ

يقول جلّ ثناؤه: أفلا تعتبرون أيها الناس وتتفكرون، فتعلـموا حقـيقة اختلاف أمريهما، فتنزجروا عما أنتـم علـيه من الضلال إلـى الهدى ومن الكفر إلـى الإيـمان؟ فـالأعمى والأصم والبصير والسميع فـي اللفظ أربعة، وفـي الـمعنى اثنان، ولذلك قـيـل: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً وقـيـل: كالأعمى والأصمّ، والـمعنى: كالأعمى الأصمّ، وكذلك قـيـل: والبصير والسميع، والـمعنى: البصير السميع، كقول القائل: قام الظريف والعاقل، وهو ينعت بذلك شخصا واحدا.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحا إلـى قَوْمِهِ إنّـي لَكُمْ أيّها القوم نَذِيرٌ من اللّه أنذركم بأسه علـى كفركم به، فآمنوا به وأطيعوا أمره. و يعني ب قوله: مُبِـينٌ: يبـين لكم عما أرسل به إلـيكم من أمر اللّه ونهيه.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: إنّـي فقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض الـمدنـيـين بكسر (إن) علـى وجه الابتداء، إذ كان فـي الإرسال معنى القول. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الـمدينة والكوفة والبصرة بفتـح (أَنّ) علـى إعمال الإرسال فـيها، كأن معنى الكلام عندهم: لقد أرسلنا نوحا إلـى قومه بأنـي لكم نذير مبـين.

والصواب من القول فـي ذلك عندي، أن يُقال: إنهما قراءتان متفقتا الـمعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء كان مصيبـا للصواب فـي ذلك.

٢٦

وقوله: أنْ لا تَعْبُدُوا إلاّ اللّه فمن كسر الألف فـي قوله: إنـي جعل قوله: أرْسَلْنا عاملاً فـي (أَنْ) التـي فـي قوله: أنْ لا تَعْبُدُوا إلاّ اللّه ويصير الـمعنى حينئذ: ولقد أرسلنا نوحا إلـى قومه، أن لا تعبدوا إلا اللّه ،

وقل لهم إنّـي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِـينٌ. ومن فتـحها، ردّ (أنْ) فـي قوله: أنْ لا تَعْبُدُوا علـيها، فـيكون الـمعنى حينئذ: لقد أرسلنا نوحا إلـى قومه بأنـي لكم نذير مبـين، بأن لا تعبدوا إلا اللّه . و يعني ب قوله: بأن لا تعبدوا إلا اللّه أيها الناسُ، عبـادة الاَلهة والأوثان وإشراكها فـي عبـادته، وأفردوا اللّه بـالتوحيد وأخـلصوا له العبـادة، فإنه لا شريك له فـي خـلقه.

وقوله: إنّـي أخافُ عَلَـيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ ألِـيـم

يقول: إنـي أيها القوْم إن لـم تَـخُصّوا اللّه بـالعبـادة وتفردوه بـالتوحيد وتـخـلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان، أخاف علـيكم من اللّه عذاب يوم مؤلـم عقابُه وعذابه لـمن عذّب فـيه. وجعل الألـيـم من صفة الـيوم وهو من صفة العذاب، إذ كان العذاب فـيه كما قـيـل: وَجَعَلَ اللّـيْـلَ سَكَنا وإنـما السّكن من صفة ما سكن فـيه دون اللـيـل.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَقَالَ الْمَلاُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاّ بَشَراً مّثْلَنَا ...}.

يقول تعالـى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم، وهم الـملأ الذين كفروا بـاللّه وجحدوا نبوّة نبـيهم نوح علـيه السلام: ما نَرَاكَ يا نوح إلاّ بَشَرا مِثْلَنا يعنون بذلك أنه آدميّ مثلُهم فـي الـخـلق والصورة والـجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون اللّه يرسل من البشر رسولاً إلـى خـلقه.

وقوله: وَما نَرَاكَ اتّبَعَكَ إلاّ الّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ

يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سَفِلتنا من الناس دون الكبراء والأشراف فـيـما يُرَى ويظهر لنا.

وقوله: بـادِيَ الرأيِ اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق: بـادِيَ الرأيِ بغير همز (البـادي) وبهمز (الرأي) ، بـمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: بدا الشيء يبدو: إذا ظهر، كما قال الراجز:

أضْحَى لـخالـي شَبَهِي بـادِيَ بَدِيْوصَارَ للفَحْلِ لِسانِـي وَيَدِي

(بـادي بدي) بغير همز. وقال آخر:

وَقَدْ عَلَتْنِـي ذُرْأةٌ بـادِي بَدِي

وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: (بـادِىءَ الرأيِ) مهموز أيضا، بـمعنى: مبتدأ الرأي، من قولهم: بدأت بهذا الأمر: إذا ابتدأت به قبل غيره.

وأولـى القراءتـينِ بـالصواب فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: بـادِيَ بغير همز (البـادي) ، وبهمز (الرأي) ، لأن معنى ذلك الكلام: إلا الذين هم أراذلنا فـي ظاهر الرأي وفـيـما يظهر لنا.

وقوله: وَما نَرَى لَكُمْ عَلَـيْنا مِنْ فَضْلٍ

يقول: وما نتبـين لكم علـينا من فضل نلتـموه بـمخالفتكم إيانا فـي عبـادة الأوثان إلـى عبـادة اللّه وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلب ذلك الفضل وابتغاء ما أصبتـموه بخلافكم إيانا بَلْ نَظُنّكُمْ كاذِبِـينَ وهذا خطاب منهم لنوح علـيه السلام، وذلك أنهم إنـما كذّبوا نوحا دون أتبـاعه، لأن أتبـاعه لـم يكونوا رسلاً. وأخرج الـخطاب وهو واحد مخرج خطاب الـجميع، كما قـيـل: يا أيّها النّبِـيّ إذا طَلّقْتُـمُ النّساءَ وتأويـل الكلام: بل نظنك يا نوح فـي دعواك أن اللّه ابتعثك إلـينا رسولاً كاذبـا.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله بـادِيَ الرأي قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجا، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما نَرَاكَ اتّبَعَكَ إلاّ الّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ قال: فـيـما ظهر لنا.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مّنْ عِندِهِ فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نوح لقومه إذ كذبوه وردّوا علـيه ما جاءهم به من عند اللّه من النصيحة: يا قَوْمِ أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّـي علـى علـم ومعرفة وبـيان من اللّه لـي ما يـلزمنـي له، ويجب علـيّ من إخلاص العبـادة له وترك إشراك الأوثان معه فـيها. وآتانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ

يقول: ورزقنـي منه التوفـيق والنبوّة والـحكمة، فآمنت به وأطعته فـيـما أمرنـي ونهانـي. فَعُمّيَتْ عَلَـيْكُمْ.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الـمدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: (فَعَمِيَتْ) بفتـح العين وتـخفـيف الـميـم، بـمعنى: فعميت الرحمة علـيكم فلـم تهتدوا لها فتقروا بها وتصدقوا رسولكم علـيها. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: فَعُمّيَتْ عَلَـيْكُمْ بضمّ العين وتشديد الـميـم، اعتبـارا منهم ذلك بقراءة عبد اللّه ، وذلك أنهما فـيـما ذكر فـي قراءة عبد اللّه : (فعماها علـيكم) .

وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه: فَعُمّيَتْ عَلَـيْكُمْ بضمّ العين وتشديد الـميـم للذي ذكروا من العلة لـمن قرأ به، ولقربه من قوله: أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبـيّ وآتانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فأضاف الرحمة إلـى اللّه ، فكذلك تعميته علـى الاَخرين بـالإضافة إلـيه أولـى. وهذه الكلـمة مـما حوّلت العرب الفعل عن موضعه، وذلك أن الإنسان هو الذي يَعْمَى عن إبصار الـحقّ، إذ يَعْمى عن إبصاره، والـحقّ لا يوصف بـالعَمَى إلا علـى الاستعمال الذي قد جري به الكلام، وهو فـي جوازه لاستعمال العرب إياه نظير قولهم: دخـل الـخاتـم فـي يدي، والـخفّ فـي رجلـي، ومعلوم أن الرجل هي التـي تدخـل فـي الـخفّ، والأصبع فـي الـخاتـم، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لـما كان معلوما الـمراد فـيه.

وقوله: أنُلْزِمُكْمُوها وأنْتُـمْ لَهَا كارِهُونَ

يقول: أنأخذكم بـالدخول فـي الإسلام وقد عماه اللّه علـيكم، لها كَارِهُونَ

يقول: وأنتـم لإلزامناكموها كارهون،

يقول: لا نفعل ذلك، ولكن نكل أمركم إلـى اللّه حتـى يكون هو الذي يقضي فـي أمركم ما يرى ويشاء.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال نوح: يا قَوْمِ إنْ كُنْتُ عَلَـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّـي قال: قد عرفُتها وعرفتُ بها أمره وأنه لا إله إلا هو، وآتَانِـي رَحْمَةً مِنْ عِنَدِهِ: الإسلام والهدى والإيـمان والـحكم والنبوّة.

١٤٠٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أرأيْتُـمْ إنْ كُنْتُ علـى بَـيّنَةٍ مِنْ رَبّـي... الآية، أما واللّه لو استطاع نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لألزمها قومه، ولكن لـم يستطع ذلك ولـم يـملكه.

١٤٠٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سفـيان، عن داود، عن أبـي العالـية، قال: فـي قراءة أبـيّ: (أنلزُمكموها من شطر أنفسنا وأنتـم لها كارهون) .

١٤٠٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، قال: أخبرنا عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عبـاس : (أنلزمكموها من شطر أنفسنا) قال عبد اللّه : مِنْ شَطْرِ أنفسنا: من تلقاء أنفسنا.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبـاس مثله.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن داود بن أبـي هند، عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب: أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأنتـم لها كارهون.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ لآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّه وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّهُمْ مّلاَقُو رَبّهِمْ وَلَـَكِنّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }.

وهذا أيضا خبر من اللّه عن قـيـل نوح لقومه أنه قال لهم: يا قَوْمِ لا أسْألُكمْ علـى نصيحتـي لكم ودعايتكم إلـى توحيد اللّه ، وإخلاص العبـادة له مالاً: أجرا علـى ذلك، فتتهمونـي فـي نصيحتـي، وتظنون أن فعلـي ذلك طلب عرَض من أعراض الدنـيا. إنْ أجْرِيَ إلاّ علـى اللّه

يقول: ما ثواب نصيحتـي لكم ودعايتكم إلـى ما أدعوكم إلـيه، إلا علـى اللّه ، فإنه هو الذي يجازينـي ويثـيبنـي علـيه. وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا وما أنا بـمقص من آمن بـاللّه وأقرّ بوحدانـيته وخـلع الأوثان وتبرأ منها بأن لـم يكونوا من عِلْـيتكم وأشرافكم. إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ

يقول: إن هؤلاء الذين تسألونـي طردهم صائرون إلـى اللّه ، واللّه سائلهم عما كانوا فـي الدنـيا يعملون، لا عن شرفهم وحسبهم.

وكان قـيـل نوح ذلك لقومه، لأن قومه قالوا له، كما:

١٤٠٥٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ قال: قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتبعك فـاطردهم، وإلا فلن نرضى أن نكون نـحن وهم فـي الأمر سواء فقال: ما أنا بِطارِدِ الّذِينَ آمَنُوا إنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ فـيسألهم عن أعمالهم.

١٤٠٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، وحدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح جميعا، عن مـجاهد، قوله: إنْ أجْرِيَ إلاّ علـى اللّه قال: جزائي.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وقوله: وَلَكِنّـي أرَاكُمْ قَوْما تَـجْهَلُونَ

يقول: ولكنـي أيها القوم أراكم قوما تـجهلون الواجب علـيكم من حقّ اللّه واللازم لكم من فرائضه، ولذلك من جهلكم سألتـمونـي أن أطرد الذين آمنوا بـالله.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّه إِن طَرَدتّهُمْ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ }.

يقول: وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرِنـي فـيـمنعنـي مِنَ اللّه إن هو عاقبنـي علـى طردي الـمؤمنـين الـموحدين اللّه إن طردتهم. أفَلا تَذَكّرُونَ

يقول: أفلا تتفكرون فـيـما تقولون، فتعلـمون خطأه فتنتهوا عنه.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّه وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنّي مَلَكٌ ...}.

وقوله: وَلا أقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّه عطف علـى قوله: وَيا قَوْمِ لا أسألُكُمْ عَلَـيْهِ أجْرا ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم علـيه أجرا، ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه التـي لا يفنـيها شيء، فأدعوَكم إلـى اتبـاعي علـيها. وَلا أعْلَـمُ أيضا الغَيْبَ يعني ما خفـي من سرائر العبـاد، فإن ذلك لا يعلـمه إلا اللّه ، فأدّعي الربوبـية وأدعوكم إلـى عبـادتـي. وَلا أقُولُ أيضا إنّـي مَلَكٌ من الـملائكة أرسلت إلـيكم، فأكون كاذبـا فـي دعواي ذلك، بل أنا بشر مثلكم كما تقولون، أُمرت بدعائكم إلـى اللّه ، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إلـيكم. وَلا أقُولُ للّذِينَ تَزْدَرِي أعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِـيَهُم اللّه خَيْرا

يقول: ولا أقول للذين اتبعونـي وآمنوا بـاللّه ووحدوه الذين تستـحقرهم أعينكم، وقلتـم إنهم أراذلكم: لن يؤتـيكم اللّه خيرا، وذلك الإيـمان بـالله. اللّه أعْلَـمُ بِـمَا فِـي أنْفُسِهِمُ

يقول: اللّه أعلـم بضمائر صدورهم واعتقاد قلوبهم، وهو ولـيّ أمرهم فـي ذلك، وإنـما لـي منهم ما ظهر وبدا، وقد أظهروا الإيـمان بـاللّه واتبعونـي، فلا أطردهم ولا أستـحلّ ذلك. إنّـي إذا لِـمِنَ الظّالِـمِينَ

يقول: إنـي إن قلت لهؤلاء الذين أظهروا الإيـمان بـاللّه وتصديقـي: لن يؤتَـيهم اللّه خيرا، وقضيت علـى سرائرهم بخلاف ما أبدته ألسنتهم لـي علـى غير علـم منـي بـما فـي نفوسهم وطردتهم بفعلـي ذلك، لَـمِن الفـاعلـين ما لـيس لهم فعله الـمعتدين ما أمرهم اللّه به وذلك هو الظلـم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَلا أقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّه التـي لا يفـينها شيء، فأكون إنـما أدعوكم لتتبعونـي علـيها لأعطيكم منها. وَلا أقُولُ إنّـي مَلَكٌ نزلت من السماء برسالة، ما أنا إلا بشر مثلكم. وَلاَ أَعْلَـمُ الَغَيبَ ولا أقول اتبعونـي علـى علـم الغيب.

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم نوح لنوح علـيه السلام: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا، فأتنا بـما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقـين فـي عداتك ودعواك أنك لله رسول. يعني بذلك أنه لن يقدر علـى شيء من ذلك.

١٤٠٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: جادَلْتَنا قال: ماريتنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٠٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: قالوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا قال: ماريتنا، فَأكْثَرْتَ جِدَالَنا فَأْتِنا بِـمَا تَعِدُنا قال ابن جُرَيج: تكذيبـا بـالعذاب، وأنه بـاطل.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ إِنّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللّه إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال نوح لقومه حين استعجلوه العذاب: يا قوم لـيس الذي تستعجلون من العذاب إلـيّ، إنـما ذلك إلـى اللّه لا إلـى غيره، هو الذي يأتـيكم به إن شاء. وما أنْتُـمْ بِـمُعْجِزِينَ

يقول: ولستـم إذا أراد تعذيبكم بـمعجزيه: أي بفـائتـيه هربـا منه لأنكم حيث كنتـم فـي مُلكه وسلطانه وقدرته حكمه علـيكم جار.

٣٤

وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي يقول: ولا ينفعكم تـحذيري عقوبته ونزول سطوته بكم علـى كفركم به،

إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ فـي تـحذيري إياكم ذلك لأن نصحي لا ينفعكم لأنكم لا تقبلونه. إِنْ كَان اللّه يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُم،

يقول: إن كان اللّه يريد أن يهلككم بعذابه. هُوَ رَبّكُمْ وَإلَـيْهِ تُرْجَعونَ

يقول: وإلـيه تردّون بعد الهلاك. حُكي عن طيّىء أنها تقول: أصبح فلان غاويا: أي مريضا. وحُكي عن غيرهم سماعا منهم: أغويت فلانا، بـمعنى أهلكته، وغَوِي الفصيـل: إذا فقد اللبن فمات. وذكر أن قول اللّه :فَسَوْفَ يَـلْقَوْنَ غَيّا أي هلاكا.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيَءٌ مّمّا تُجْرَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: أيقول يا مـحمد هؤلاء الـمشركون من قومك: افترى مـحمد هذا القرآن؟ وهذا الـخبر عن نوح. قل لهم: إن افتريته فتـخرّصته واختلقته فَعَلَـيّ إجْرَامي

يقول: فعلـيّ إثمي فـي افترائي ما افتريت علـى ربـي دونكم، لا تؤاخَذُون بذنبـي ولا إثمي ولا أؤاخذ بذنبكم. وأنا بَرِيءٌ مِـمّا تُـجْرِمُونَ

يقول: وأنا بريء مـما تذنبون وتأثمون بربكم من افترائكم علـيه، ويقال منه: أجرمت إجراما وجَرَمْتُ أَجْرِم جَرْما، كما قال الشاعر:

طَرِيدُ عَشِيرَةٍ وَرَهِينُ ذَنْبٍبـما جَرَمَتْ يَدي وجَنى لسانِـي

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُوحِيَ إِلَىَ نُوحٍ أَنّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأَوْحَى اللّه إلـى نوح لـما حقّ علـى قومه القول، وأظلهم أمر اللّه ، أنّهُ لَنْ يُؤْمِنُ: يا نوح بـاللّه فـيوحده ويتبعك علـى ما تدعوه إلـيه مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَن فصدّق بذلك واتبعك. فَلا تَبْتَئِسْ

يقول: فلا تستِكنْ ولا تـحزن بـما كانوا يفعلون، فإنـي مهلكهم ومنقذك منهم ومَنِ اتبعك. وأوحي اللّه ذلك إلـيه بعد ما دعا علـيهم نوح بـالهلاك، فقال: رَبّ لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا وهو تفتعل من البؤس، يقال: ابتأس فلان بـالأمر يبتئس ابتئاسا، كما قال لبـيد بن ربـيعة:

فِـي مَأْتَـمٍ كَنِعاجِ صَارَةَ يَبْتَئِسْنَ بِـمَا لَقِـينا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَلا تَبْتَئِسْ قال: لا تـحزن.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

١٤٠٦١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَفْعَلُونَ

يقول: فلا تـحزن.

١٤٠٦٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَفْعَلُونَ قال: لا تَأْسَ ولا تـحزن.

١٤٠٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأُوحِيَ إلـى نُوحٍ أنّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ وذلك حين دعا علـيهم قالَ رَبّ لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا. قوله: فَلا تَبْتَئِسْ

يقول: فلا تأس ولا تـحزن.

١٤٠٦٤ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فحينئذ دعا علـى قومه لـما بـين اللّه له أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِنّهُمْ مّغْرَقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأُوحي إلـيه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأنِ اصْنَعِ الفُلْكَ، وهو السفـينة كما:

١٤٠٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الفلك: السفـينة.

وقوله بأعْيُنِنَا

يقول: بعين اللّه ووحيه كما يأمرك. كما:

١٤٠٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا وذلك أنه لـم يَعلَـم كيف صنعة الفلك، فأوحي اللّه إلـيه أن يصنعها علـى مثل جُؤجؤ الطائر.

١٤٠٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَوَحْيِنَا قال: كما نأمرك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا: كما نأمرك.

١٤٠٦٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـي، عن ابن عبـاس : وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا قال: بعين اللّه ، قال ابن جريج، قال مـجاهد: وَوَحْيِنا قال: كما نأمرك.

١٤٠٦٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثَور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا قال: بعين اللّه ووحيه.

وقوله: وَلاَ تُـخَاطِبْنِـي فـي الّذِينَ ظَلَـمُوا إنّهُمْ مُغْرَقُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولا تسألنـي فـي العفو عن هؤلاء الذي ظلـموا أنفسهم من قومك، فأكسبوها تعدّيا منهم علـيها بكفرهم بـاللّه الهلاك بـالغرق، إنهم مغرقون بـالطوفـان. كما:

١٤٠٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَلا تـخاطِبْنِـي قال:

يقول: ولا تراجعنـي. قال: تقدّمأن لا يشفع لهم عنده.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلّمَا مَرّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويصنع نوح السفـينة، وكلـما مر علـيه جماعة من كبراء قومه سخروا منه،

يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتـحولت نـجارا بعد النبوة وتعمل السفـينة فـي البر فـيقول لهم نوح: إنْ تسْخروا مّنا: إن تهزءوا منا الـيوم، فإنا نهزأ منكم فـي الاَخرة كما تهزءون منا فـي الدنـيا.

٣٩

فسوْفَ تعْلـمونَ إذا عاينتـم عذاب اللّه ، من الذي كان إلـى نفسه مسيئا منا. وكانت صنعة نوح السفـينة كما:

١٤٠٧١ـ حدثنـي الـمثنى وصالـح بن مسمار، قالا: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا موسى بن يعقوب، قال: ثنـي فـائد مولـى عبـيد اللّه بن علـي بن أبـي رافع: أن إبراهيـم بن عبد الرحمن بن أبـي ربـيعة، أخبره أن عائشة زوج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أخبرته: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْ رَحِمَ اللّه أحَدا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمّ الصّبِـيّ) . قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كانَ نُوحٌ مَكَث فـي قَومِهِ ألْف سَنَةٍ إلاّ خُمسِين عاما يَدْعُوهُمْ إلـى اللّه حتـى كانَ آخِرَ زَمانِه غَرَس شَجَرَةً، فعَظُمَتْ وذهَبَتْ كُلّ مَذْهَبٍ، ثُمّ قَطَعَها، ثُمّ جَعَل يَعْمَلُ سَفِـينَةً، ويَـمُرّونَ فـيَسألُونَهُ،

فَـيَقُولُ: أعْمَلُها سَفِـينَةً، فَـيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِـينَةً فِـي البَرّ فَكَيْفَ تَـجْرِي؟

فَـيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَـمُونَ. فَلَـمّا فَرَغَ مِنْها وَفـارَ التّنّورُ وكَثُرَ الـمَاءُ فـي السّكَكِ خَشِيَتْ أُمّ الصَبِـيّ عَلَـيْهِ، وكانَتْ تُـحِبُبّهُ حُبّـا شّدِيدا، فخَرَجَتْ إلـى الـجَبَل حتـى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ فَلَـمّا بَلَغَها الـمَاءُ خَرَجَتْ حتـى بَلَغَتْ ثُلُثَـيِ الـجَبَل فَلَـمّا بَلَغَها الـمَاءُ خَرَجَتْ حتـى اسْتَوَتْ علـى الـجَبَلِ فَلَـمّا بَلَغَ الـمَاءُ رَقَبَتَها رَفَعَتْهُ بـينَ يَدَيْها حتـى ذَهَبَ بِها الـمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللّه مِنْهُمْ أحَدا لَرَحِمَ أُمّ الصّبِـيّ) .

١٤٠٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن طول السفـينة ثلاث مئة ذراع، وعرضها خمسون ذراعا، وطولها فـي السماء ثلاثون ذراعا، وبـابها فـي عرضها.

١٤٠٧٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك، عن الـحسن، قال: كان طول سفـينة نوح ألف ذراع ومئتـي ذراع، وعرضها ستّ مئة ذراع.

١٤٠٧٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن مفضل بن فضالة، عن علـي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ان عبـاس، قال: قال الـحواريون لعيسى ابن مريـم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفـينة فحدثنا عنها قال: فـانطلق بهم حتـى انتهى بهم إلـى كثـيب من تراب، فأخذ كفّـا من ذلك التراب بكفه، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلـم، قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: فضرب الكثـيب بعصاه، قال: قم بإذن اللّه فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب. قال له عيسى: هكذا هلكت؟ قال: لا، ولكن متّ وأنا شاب، ولكنـي ظننت أنها الساعة، فمن ثم شِبْت. قال: حدّثنا عن سفـينة نوح قال: كان طولها ألف ذراع ومئتـي ذراع، وعرضها ستّ مئة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فـيها الدوابّ والوحش، وطبقة فـيها الإنس، وطبقة فـيها الطير. فلـما كثر أرواث الدوابّ، أوحى اللّه إلـى نوح أن اغمز ذنب الفـيـل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا علـى الروث. فلـما وقع الفأر بحبل السفـينة يقرضه، أوحى اللّه إلـى نوح أن اضرب بـين عينـي الأسد فخرج من منـخره سنور وسنورة، فأقبلا علـى الفأر، فقال له عيسى: كيف علـم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتـيه بـالـخبر، فوجد جيفة فوقع علـيها، فدعا علـيه بـالـخوف، فلذلك لا يألف البـيوت، قال: ثم بعث الـحمامة فجاءت بورق زيتون بـمنقارها وطين برجلـيها، فعلـم أن البلاد قد غرقت، قال: فطوّقها الـخضرة التـي فـي عنقها، ودعا لها أن تكون فـي أنس وأمان، فمن ثم تألف البـيوت. قال: فقلنا يا رسول اللّه ألا ننطلق به إلـى أهلـينا، فـيجلس معنا، ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن اللّه ، قال: فعاد ترابـا.

١٤٠٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق عمن لا يتّهم عن عبـيد بن عمير اللـيثـي: أنه كان يحدّث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعني قوم نوح فـيخنقونه حتـى يغشي علـيه، فإذا أفـاق قال: اللهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلـمون حتـى إذا تـمادوا فـي الـمعصية، وعظمت فـي الأرض منهم الـخطيئة، وتطاول علـيه وعلـيهم الشأن، واشتدّ علـيه منهم البلاء، وانتظر النـجل بعد النـجل، فلا يأتـي قرن إلا كان أخبث من القرن الذي قبله، حتـى إن كان الاَخِرُ منهم لـ

يقول: قد كان هذا مع آبـائنا ومع أجدادنا هكذا مـجنونا لا يقبلون منه شيئا. حتـى شكا ذلك من أمرهم نوح إلـى اللّه تعالـى، كما قصّ اللّه علـينا فـي كتابه: رَبّ إنـي دَعَوْتُ قَوْمي لَـيْلاً ونهَارا فَلـم يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا إلـى آخر القصة، حتـى قالَ رَبّ لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا إنّكَ إنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبـادَكَ وَلا يَـلِدُوا إلاّ فـاجِرا كَفّـارا إلـى آخر القصة. فلـما شكا ذلك منهم نوح إلـى اللّه واستنصره علـيهم، أوحي اللّه إلـيه أَنِ وَاصْنَعِ الفُلْكَ بأعْيُنِنا وَوَحْيِنا ولاَ تُـخاطبْنـي فـي الّذِينَ ظَلـمُوا أي بعد الـيوم، إنّهُمْ مُغْرَقُونَ. فأقبل نوح علـى عمل الفلك، ولَهِيَ عن قومه، وجعل يقطع الـخشب، ويضرب الـحديد ويهيىء عدة الفلك من القار وغيره مـما لا يصلـحه إلا هو. وجعل قومه يـمرّون به وهو فـي ذلك من عمله، فـيسخرون منه ويستهزئون به، فـ

يقول: إنْ تَسْخَرُوا منّا فإنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيحِلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ. قال: ويقولون له فـيـما بلغنـي: يا نوح قد صرت نـجارا بعد النبوّة قال: وأعقم اللّه أرحام النساء، فلا يولد لهم ولد. قال: ويزعم أهل التوراة أن اللّه أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطلـيه بـالقار من داخـله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانـين ذراعا، وأن يجعله ثلاثة أطبـاق: سفلاً ووسطا وعلوا، وأن يجعل فـيه كُوًى. ففعل نوح كما أمره اللّه ، حتـى إذا فرغ منه وقد عهد اللّه إلـيه إذا جاء أمرنا وفـار التنور فـاحمل فـيها من كلّ زوجين اثنـين وأهلك إلا من سبق علـيه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قلـيـل، وقد جعل التنور آية فـيـما بـينه وبـينه (ف) قال إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ فـاسْلُكْ فَـيها مِنْ كُلَ زَوْجيْنِ اثْنـين واركب. فلـما فـار التنور حمل نوح فـي الفلك من أمره اللّه ، وكانوا قلـيلاً كما قال اللّه ، وحمل فـيها من كلّ زوجين اثنـين مـما فـيه الروح والشجر ذكر وأنثى، فحمل فـيه بنـيه الثلاثة: سام وحام ويافت ونساءهم، وستة أناس مـمن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخـل ما أمره به من الدوابّ وتـخـلّف عنه ابنه يام، وكان كافرا.

١٤٠٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبـاس ، قال: سمعته

يقول: كان أوّل ما حمل نوح فـي الفلك من الدوابّ الدرّة، وآخر ما حمل الـحمار فلـما دخـل الـحمار وأدخـل صدره مَسَك إبلـيس بذنبه، فلـم تستقل رجلاه، فجعل نوح

يقول: ويحك ادخـل فـينهض فلا يستطيع. حتـى قال نوح: ويحك ادخـل وإن كان الشيطان معك قال: كلـمة زلّت عن لسانه. فلـما قالها نوح خـلـى الشيطان سبـيـله، فدخـل ودخـل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخـلك علـيّ يا عدوّ اللّه ؟ فقال: ألـم تقل: ادخـل وإن كان الشيطان معك؟ قال: اخرج عنـي يا عدوّ اللّه فقال: ما لك بدّ من أن تـحملنـي. فكان فـيـما يزعمون فـي ظهر الفلك. فلـما اطمأنّ نوح فـي الفلك، وأدخـل فـيه مَنْ آمن به، وكان ذلك فـي الشهر من السنة التـي دخـل فـيها نوح بعد ستّ مئة سنة من عمره لسبع عشرة لـيـلة مضت من الشهر فلـما دخـل وحمل معه من حمل، تـحرّك ينابـيع الغوط الأكبر، وفتـح أبواب السماء، كما قال اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فَفَتَـحْنا أبْوَابَ السّماءِ بِـمَاء مُنْهَمرٍ وفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا فـالْتَقَـى الـمَاءُ علـى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ فدخـل نوح ومن معه الفلك وغطاه علـيه وعلـى من معه بطبقة، فكان بـين أن أرسل اللّه الـماء وبـين أن احتـمل الـماء الفلك أربعون يوما وأربعون لـيـلة. ثم احتـمل الـماء كما تزعم أهل التوراة، وكثر الـماء واشتدّ وارتفع يقول اللّه لـمـحمد: وَحمَلْناهُ علـى ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ والدسر: الـمسامير، مسامير الـحديد. فجعلت الفلك تـجري به وبـمن معه فـي موج كالـجبـال ونادى نوح ابنه الذي هلك فـيـمن هلك، وكان فـي معزل حين رأى نوح من صدق موعد ربه ما رأى فقال: يا بُنَـيّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الكافرِينَ وكان شقـيا قد أضمر كفرا، قالَ سآوِي إلـى جَبَل يَعْصِمُنـي منَ الـمَاءِ وكان عهد الـجبـال وهي حرز من الأمطار إذا كانت، فظن أن ذلك كما كان يعهد. قال نوح: لا عاصِمَ الـيَوْمَ منْ أمْرِ اللّه إلاّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَـيْنَهُما الـمَوْجُ فَكانَ مِنَ الـمُغْرَقـينَ وكثر الـماء حتـى طغى وارتفع فوق الـجبـال كما تزعم أهل التوراة بخمسة عشر ذراعا، فبـاد ما علـى وجه الأرض من الـخـلق من كل شيء فـيه الروح أو شجر، فلـم يبق شيء من الـخلائق إلا نوح ومن معه فـي الفلك، وإلا عوج بن عنق فـيـما يزعم أهل الكتاب. فكان بـين أن أرسل اللّه الطوفـان وبـين أن غاض الـماء ستة أشهر وعشر لـيال.

١٤٠٧٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار، عن علـيّ بن زيد بن جدعان، قال ابن حميد، قال سلـمة وحدثنـي حسن بن علـيّ بن زيد عن يوسف بن مهران، قال: سمعته

يقول: لـما آذى نوحا فـي الفلك عذرةُ الناس، أمر أن يـمسح ذنب الفـيـل، فمسحه فخرج منه خنزيران، وكفـي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت فـي الفلك، فلـما آذته، أمر أن يأمر الأسد يعطس، فعطس فخرج من مَنْـخِريه هرّان يأكلان عنه الفأر.

١٤٠٧٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبـاس ، قال: لـما كان نوح فـي السفـينة، قرض الفأر حبـال السفـينة، فشكا نوح، فأوحي اللّه إلـيه فمسح ذنب الأسد فخرج سنّوران. وكان فـي السفـينة عذرة، فشكا ذلك إلـى ربه، فأوحي اللّه إلـيه، فمسح ذنب الفـيـل، فخرج خنزيران.

حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجوزجانـي، قال: حدثنا الأسود بن عامر، قال: أخبرنا سفـيان بن سعيد، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبـاس ، بنـحوه.

١٤٠٧٩ـ حُدثت عن الـمسيب بن أبـي رَوْق، عن الضحاك ، قال: قال سلـيـمان القَرَاسِي: عمل نوح السفـينة فـي أربع مئة سنة، وأنبت الساج أربعين سنة حتـى كان طوله أربع مئة ذراع، والذراع إلـى الـمنكب.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نوح لقومه: فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ أيها القوم إذا جاء أمر اللّه ، من الهالك مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ

يقول: الذي يأتـيه عذاب اللّه منا ومنكم يهينه ويذله، ويحلّ عَلَـيْهِ عَذَابٌ مُقِـيـمٌ

يقول: وينزل به فـي الاَخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له، مقـيـم علـيه أبدا.

٤٠

وقوله: حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا يقول: ويصنع نوح الفلك حتـى إذا جاء أمرنا الذي وعدناه أن يجيء قومه من الطوفـان الذي يغرقهم.

وقوله: وَفـارَ التّنّورُ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: معناه: انبجس الـماء من وجه الأرض، وفـار التنور، وهو وجه الأرض. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٨٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس أنه قال فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: التنور: وجه الأرض. قال:

قـيـل له: إذا رأيت الـماء علـى وجه الأرض، فـاركب أنت ومن معك قال: والعرب تسمى وجه الأرض: تنور الأرض.

١٤٠٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن العوّام، عن الضحاك ، بنـحوه.

١٤٠٨٢ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا الشيبـانـي، عن عكرمة، فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: وجه الأرض.

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة وسفـيان بن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الشيبـانـي، عن عكرمة: وَفـارَ التّنّورُ قال: وجه الأرض.

وقال آخرون: هو تنوير الصبح من قولهم: نوّر الصبح تنويرا. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٨٣ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا مـحمد بن فُضَيـل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبـاس مولـى أبـي جحيفة، عن أبـي جحيفة، عن علـيّ رضي اللّه عنه، قوله: حتـى إذَا جاءَ أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ قال: هو تنوير الصبح.

حدثنا ابن وكيع وإسحاق بن إسرائيـل، قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد مولـى أبـي جُحيفة، عن أبـي جُحيفة، عن علـيّ فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: تنوير الصبح.

حدثنا حماد بن يعقوب، قال: أخبرنا ابن فضيـل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن مولـى أبـي جُحيفة، أراه قد سماه عن أبـي جحيفة، عن علـيّ: وَفـارَ التّنّورُ قال: تنوير الصبح.

حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا هشيـم، عن ابن إسحاق، عن رجل من قريش، عن علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه: وَفـارَ التّنّورُ قال: طلع الفجر.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن رجل قد سماه، عن علـيّ بن أبـي طالب، قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: إذا طلع الفجر.

وقال آخرون: معنى ذلك: وفـار علـى الأرض وأشَرفِ مكان فـيها بـالـماء. وقال: التنور أشرف الأرض. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: حتـى إذَا جاء أمْرُنا وَفـارَ التّنّورُ كنا نُـحَدّث أنه أعلـى الأرض وأشرفها، وكان عَلَـما بـين نوح وبـين ربه.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة، قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: أشرف الأرض وأرفعها فـار الـماء منه.

وقال آخرون: هو التنور الذي يختبز فـيه. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: حتـى إذا جاءَ أمْرُنا وفـارَ التّنّورُ قال: إذا رأيت تنور أهلك يخرج منه الـماء فإنه هلاك قومك.

١٤٠٨٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي مـحمد، عن الـحسن، قال: كان تنورا من حجارة كان لـحواء حتـى صار إلـى نوح، قال: ف

قـيـل له: إذا رأيت الـماء يفور من التنور فـاركب أنت وأصحابك.

١٤٠٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَفـارَ التّنّورُ قال: حين انبجس الـماء وأمر نوح أن يركب هو ومن معه فـي الفلك.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَفـارَ التّنّورُ قال: انبجس الـماء منه آية أن يركب بأهله ومن معه فـي السفـينة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه، إلا أنه قال: آية أن يركب أهله ومن معه فـي السفـينة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: آية بأن يركب بأهله ومن معهم فـي السفـينة.

١٤٠٨٨ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: نبع الـماء فـي التنور، فعلـمت به امرأته فأخبرته. قال: وكان ذلك فـي ناحية الكوفة.

١٤٠٨٩ـ قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا علـي بن ثابت، عن السري بن إسماعيـل، عن الشعبـي: أنه كان يحلف بـاللّه ما فـار التنور إلا من ناحية الكوفة.

١٤٠٩٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الـحميد الـحِمّانـي، عن النضر أبـي عمر الـخزاز، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: فـار التنور بـالهند.

١٤٠٩١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَفـارَ التّنّورُ كان آية لنوح إذا خرج منه الـماء فقد أتـي الناس الهلاك والغرق.

وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى فـار: نبع.

١٤٠٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: وَفـارَ التّنّورُ قال: نبع.

قال أبو جعفر: وفوران الـماء سَوْرة دفعته، يقال منه: فـار الـماء يفور فوَرَانا وفَوْرا، وذاك إذا سارت دفعته.

وأولـى هذه الأقوال عندنا بتأويـل قوله: التّنّور قول من قال: هو التنور الذي يخبز فـيه لأن ذلك هو الـمعروف من كلام العرب، وكلام اللّه لا يوجه إلا إلـى الأغلب الأشهر من معانـيه عند العرب إلا أن تقوم حجة علـى شيء منه بخلاف ذلك فـيسلـم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنـما خاطبهم بـما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.

قُلْنَا لنوح حين جاء عذابنا قومه الذي وعدنا نوحا أن نعذّبهم به، وفـار التنور الذي جعلنا فورانه بـالـماء آية مـجيء عذابنا بـيننا وبـينه لهلاك قومه: احْمِلْ فِـيها يعني فـي الفلك مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ

يقول: من كلّ ذكر وأنثى. كما:

١٤٠٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: ذكر وأنثى من كلّ صنف.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ فـالواحد زوج، والزوجين ذكر وأنثى من كلّ صنف.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: ذكر وأنثى من كل صنف.

قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٤٠٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ

يقول: من كل صنف اثنـين.

١٤٠٩٥ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ يعني بـالزوجين اثنـين: ذكرا وأنثى.

وقال بعض أهل العلـم بكلام العرب من الكوفـيـين: الزوجان فـي كلام العرب: الاثنان، قال: ويقال علـيه زَوْجَا نعال: إذا كانت علـيه نعلان، ولا يقال علـيه زوج نعال، وكذلك عنده زوجا حمام، وعلـيه زوجا قـيود. وقال: ألا تسمع إلـى قوله: وأنّهُ خَـلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ والأُنْثَى فإنـما هما اثنان. وقال بعض البصريـين من أهل العربـية فـي قوله: قلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ قال: فجعل الزوجين: الضربـين، الذكور والإناث، قال: وزعم يونس أن قول الشاعر:

وأنْتَ امْرُءٌ تَعْدُو علـى كُلّ غِرّةٍفتُـخْطِيءُ فِـيها مَرّةً وتُصِيبُ

 يعني به الذئب. قال: فهذا أشذّ من ذلك. وقال آخر منهم: الزوج: اللون، قال: وكل ضرب يدعي لونا، واستشهد ببـيت الأعشى فـي ذلك:

وكُلّ زَوْجٍ مِنَ الديبـاجِ يَـلْبَسُهُأبُو قُدَامَةَ مَـحْبُوّ بِذَاكَ مَعا

وبقول لبـيد:

وذِيَ بهْجَةٍ كَنّ الـمَقانِبُ صَوْبَهُوَزَيّنَهُ أزْوَاجُ نَوْرٍ مُشَرّبِ

وذكر أن الـحسن قال فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ خَـلَقْنا زَوْجَيْنِ السماء زوج، والأرض زوج، والشتاء زوج، والصيف زوج، واللـيـل زوج، والنهار زوج، حتـى يصير الأمر إلـى اللّه الفرد الذي لا يشبهه شيء.

وقوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ

يقول: واحمل أهلك أيضا فـي الفلك، يعني بـالأهل: ولده ونساءه وأزواجه إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ

يقول: إلا من قلت فـيهم إنـي مهلكه مع من أهلك من قومك.

ثم اختلفوا فـي الذي استثناه اللّه من أهله،

فقال بعضهم: هو بعض نساء نوح. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ قال: العذاب، هي امرأته كانت من الغابرين فـي العذاب.

وقال آخرون: بل هو ابنه الذي غرق. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٩٧ـ حُدثت عن الـمسيب، عن أبـي روق، عن الضحاك ، فـي قوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ قال: ابنه غرق فـيـمن غرق.

وقوله: وَمَنْ آمَنَ

يقول: واحمل معهم من صدّقك واتبعك من قومك. يقول اللّه : وما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ

يقول: وما أقرّ بوحدانـية اللّه مع نوح من قومه إلا قلـيـل.

واختلفوا فـي عدد الذين كانوا آمنوا معه فحملهم معه فـي الفلك، فقال بعضهم فـي ذلك: كانوا ثمانـية أنفس. ذكر من قال ذلك:

١٤٠٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلـيـلٌ قال: ذكر لنا أنه لـم يتـمّ فـي السفـينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنـيه، ونساؤهم، فجميعهم ثمانـية.

 

١٤٠٩٩ـ حدثنا ابن وكيع والـحسن بن عرفة، قالا: حدثنا يحيى بن عبد الـملك بن أبـي غنـية، عن أبـيه، عن الـحكم: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ قال: نوح، وثلاثة بنـيه، وأربع كنائنه.

١٤١٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: حُدثت أن نوحا حمل معه بنـيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنـيه، وامرأة نوح، فهم ثمانـية بأزواجهم. وأسماء بنـيه: يافث، وسام، وحام، وأصاب حام زوجته فـي السفـينة، فدعا نوح أن يغير نطفته فجاء بـالسودان.

وقال آخرون: بل كانوا سبعة أنفس. ذكر من قال ذلك:

١٤١٠١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش: وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ قال: كانوا سبعة: نوح، وثلاث كنائن له، وثلاثة بنـين.

وقال آخرون: كانوا عشرة سوى نسائهم. ذكر من قال ذلك:

١٤١٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما فـار التنور، حمل نوح فـي الفلك من أمره اللّه به، وكانوا قلـيلاً كما قالالله، فحمل بنـيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث، ونساءهم، وستة أناسي مـمن كان آمن، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنـيه وأزواجهم.

وقال آخرون: بل كانوا ثمانـين نفسا. ذكر من قال ذلك:

١٤١٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : حمل نوح معه فـي السفـينة ثمانـين إنسانا.

١٤١٠٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، كان بعضهم

يقول: كانوا ثمانـين، يعني القلـيـل الذي قال اللّه : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ.

١٤١٠٥ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا زيد بن الـخُبـاب، قال: ثنـي حسين بن واقد الـخُراسانـي، قال: ثنـي أبو نَهِيك، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: كان فـي سفـينة نوح ثمانون رجلاً، أحدهم جُرْهُم.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال كما قال اللّه : وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ يصفهم بأنهم كانوا قلـيلاً، ولـم يحدد عددهم بـمقدار ولا خبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صحيح، فلا ينبغي أن يتـجاوز فـي ذلك حد اللّه ، إذ لـم يكن لـمبلغ عدد ذلك حد من كتاب اللّه أو أثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنّ رَبّي لَغَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال نوح: اركبوا فـي الفلك بسم اللّه مَـجراها ومُرْساها. وفـي الكلام مـحذوف قد استغنـي بدلالة ما ذكر من الـخبر علـيه عنه، وهو قوله: قُلْنا احْمِلْ فِـيها مِنْ كُلَ زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ وأهْلَكَ إلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَـيْهِ القَوْلُ مْنهُمْ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِـيـلٌ فحملهم نوح فـيها وقال لهم: اركبوا فـيها. فـاستغنـي بدلالة قوله: وَقالَ ارْكَبُوا فِـيها عن حمله إياهم فـيها، فترك ذكره.

واختلفت القراء فـي قراءة قوله: بسْمِ اللّه مَـجْرَاها وَمُرْساها فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: (بِسْمِ اللّه مُـجْرَاها ومُرْساها) بضمّ الـميـم فـي الـحرفـين كلـيهما. وإذا قرىء كذلك كان من أجرى وأرسى، وكان فـيه وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع بـمعنى: بسم اللّه إجراؤها وإرساؤها، فـيكون الـمُـجْرى والـمُرْسَى مرفوعين حينئذ بـالبـاء التـي فـي قوله: بِسْمِ اللّه . والاَخر بـالنصب، بـمعنى: بسم اللّه عند إجرائها وإرسائها، أو وقت إجرائها وإرسائها، فـيكون قوله: (بسم اللّه ) كلاما مكتفـيا بنفسه، كقول القائل عند ابتدائه فـي عمل يعمله: بسم اللّه ، ثم يكون الـمُـجْرى والـمُرسَى منصوبـين علـى ما نصبت العرب قولهم الـحمد لله سرارك وإهلالَك، يعنون الهلال أوّله وآخره، كأنهم قالوا: الـحمد لله أوّل الهلال وآخره، ومسموع منهم أيضا: الـحمد لله ما إهلالُك إلـى سرارك. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: بسْمِ اللّه مَـجْرَاها وَمُرْساها بفتـح الـميـم من (مَـجْراها) ، وضمها من (مُرْساها) ، فجعلوا (مـجراها) مصدرا من جري يجري مَـجْرًى، ومُرساها من أرسَى يُرْسِي إرساءً. وإذا قرىء ذلك كذلك كان فـي إعرابهما من الوجهين نـحو الذي فـيهما إذا قرئا: (مُـجراها ومُرساها) بضم الـميـم فـيهما علـى ما بـيّنت.

ورُوي عن أبـي رجاء العُطاردي أنه كان يقرأ ذلك: (بِسمِ اللّه مَـجْرِيها وَمُرْسِيها) بضمّ الـميـم فـيهما، ويصيرهما نعتا لله. وإذا قرئا كذلك، كان فـيهما أيضا وجهان من الإعراب، غير أن أحدهما الـخفض وهو الأغلب علـيهما من وجهي الإعراب لأن معنى الكلام علـى هذه القراءة: بسم اللّه مُـجْرِي الفلك ومُرسِيها، فـالـمُـجْرَى نعت لاسم اللّه . وقد يحتـمل أن يكون نصبـا، وهو الوجه الثانـي، لأنه يحسن دخول الألف واللام فـي الـمُـجِري والـمُرْسِي، كقولك بسم اللّه الـمُـجْريها والـمُرْسِيها، وإذا حذفتا نصبتا علـى الـحال، إذ كان فـيهما معنى النكرة، وإن كانا مضافـين إلـى الـمعرفة. وقد ذُكر عن بعض الكوفـيـين أنه قرأ ذلك: (مَـجْراها ومَرْساها) ، بفتـح الـميـم فـيهما جميعا، مِنْ جَرَى ورَسَا كأنه وجهه إلـى أنه فـي حال جريها وحال رسوها، وجعل كلتا الصفتـين للفُلْك كما قال عنترة:

فَصَبَرْتُ نَفْسا عِنْدَ ذلكَ حُرّةًتَرْسُو إذَا نَفْسُ الـجَبـانِ تَطَلّعُ

والقراءة التـي نـختارها فـي ذلك قراءة من قرأ: بِسْمِ اللّه مَـجْرَاها بفتـح الـميـم وَمُرْساها بضم الـميـم، بـمعنى: بسم اللّه حين تَـجْري وحين تُرْسِي. وإنـما اخترت الفتـح فـي ميـم (مَـجْراها) لقرب ذلك من قوله: وَهِيَ تَـجْرِي بِهِمْ فِـي مَوْجٍ كالـجِبـالِ ولـم يقل: تُـجْرَى بهم. ومن قرأ: (بِسْمِ اللّه مُـجْراها) كان الصواب علـى قراءته أن يقرأ: وهي تُـجْرَي بهم. وفـي إجماعهم علـى قراءة (تـجري) بفتـح التاء دلـيـل واضح علـى أن الوجه فـي (مَـجراها) فتـح الـميـم. وإنـما اخترنا الضم فـي (مُرساها) لإجماع الـحجة من القرّاء علـى ضمها. ومعنى قوله مَـجْراها مسيرها وَمُرْساها وَقْـفها، من وقـفها اللّه وأرساها. وكان مـجاهد يقرأ ذلك بضم الـميـم فـي الـحرفـين جميعا.

١٤١٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: (بسْمِ اللّه مُـجْرَاها وَمُرْساها) قال: حين يركبون ويُجْرُون ويُرْسُون.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: (بسْمِ اللّه مُـجْرَاها وَمُرْساها) قال: بسم اللّه حين يُجْرون وحين يُرْسون.

١٤١٠٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا أبو رَوْق، عن الضحاك ، فـي قوله: (ارْكَبُوا فِـيها بِسْمِ اللّه مُـجْرَاها وَمُرْساها) قال: إذا أراد أن ترسي قال: بسم اللّه فأرست، وإذا أراد أن تـجري قال بسم اللّه فجرت.

وقوله: إنّ رَبـي لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ

يقول: إن ربـي لساتر ذنوب من تاب وأناب إلـيه رحيـم بهم أن يعذّبهم بعد التوبة.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىَ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَبُنَيّ ارْكَبَ مّعَنَا وَلاَ تَكُن مّعَ الْكَافِرِينَ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَهِيَ تَـجْرِي بِهِمْ والفلك تـجري بنوح ومن معه فـيها فِـي مَوْجٍ كالـجبـالِ وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ يام، وكانَ فِـي مَعْزِلٍ عنه لـم يركب معه الفلك: يا بُنَـيّ ارْكَبْ مَعَنا الفلك وَلا تَكُنْ مَعَ الكافِرِينَ.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ سَآوِيَ إِلَىَ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّه إِلاّ مَن رّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال ابن نوح لـما دعاه نوح إلـى أن يركب معه السفـينة خوفـا علـيه من الغرق: سآوِي إلـى جَبَلٍ يَعْصِمُنـي منَ الـماءِ

يقول: سأصير إلـى جبل أتـحصن به من الـماء، فـيـمنعنـي منه أن يغرقنـي. و يعني ب قوله: يَعْصِمُنـي يـمنعنـي، مثل عصام القربة الذي يشدّ به رأسها فـيـمنع الـماء أن يسيـل منها.

وقوله: لا عاصِمَ الـيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّه إلاّ مَنْ رَحِمَ

يقول: لا مانع الـيوم من أمر اللّه الذي قد نزل بـالـخـلق من الغرق والهلاك إلا من رَحِمنا فأنقَذَنا منه، فإنه الذي يـمنع من شاء من خـلقه ويعصم. ف (من) فـي موضع رفع، لأن معنى الكلام: لا عاصم يعصم الـيوم من أمر اللّه إلا اللّه .

وقد اختلف أهل العربـية فـي موضع (مَنْ) فـي هذا الـموضع، فقال بعض نـحويـي الكوفة: هو فـي موضع نصب، لأن الـمعصوم بخلاف العاصم، والـمرحوم معصوم قال: كأن نصبه بـمنزلة قوله: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْـمِ إلاّ اتّبـاعَ الظّنّ قال: ومن استـجاز (اتبـاعُ الظن) والرفعَ فـي قوله:

وَبَلْدَةٌ لَـيْسَ بِها أنِـيسُإلاّ الـيَعافِـيرُ وَإلاّ العِيسُ

لـم يجز له الرفع فـي (مَنْ) ، لأن الذي قال: إلا الـيعافـيرُ، جعل أنـيس البر الـيعافـير وما أشبهها، وكذلك قوله: إلاّ اتّبَـاعَ الظنّ، يقول علـمهم ظَنّ. قال: وأنت لا يجوز لك فـي وجه أن تقول: الـمعصوم هو عاصم فـي حال، ولكن لو جعلت العاصم فـي تأويـل معصوم، لا معصوم الـيوم من أمر اللّه ، لـجاز رفع (مَنْ) . قال: ولا ينكر أن يخرج الـمفعول علـى فـاعل، ألا ترى قوله: مِنْ ماءٍ دَافِقٍ معناه واللّه أعلـم مدفوق؟

وقوله: فِـي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ معناها: مرضية؟ قال الشاعر:

شع دعَ الـمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها

وَاقْعُدْ فإنّكَ أنْتَ الطّاعِمُ الكاسِي

ومعناه: الـمكسوّ. وقال بعض نـحويـي البصرة: لا عاصِمَ الـيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّه إلاّ مَنْ رَحِمَ علـى: لَكِنْ مَنْ رحم، ويجوز أن يكون علـى: لا ذا عصمة: أي معصوم، ويكون (إلا من رحم) رفعا بدلاً من العاصم. ولا وجه لهذه الأقوال التـي حكيناها عن هؤلاء، لأن كلام اللّه تعالـى إنـما يوجه إلـى الأفصح الأشهر من كلام مَن نزل بلسانه ما وجد إلـى ذلك سبـيـل، ولـم يضطرنا شيء إلـى أن نـجعل (عاصما) فـي معنى (معصوم) ، ولا أن نـجعل (إلاّ) بـمعنى (لكن) ، إذ كنا نـجد لذلك فـي معناه الذي هو معناه فـي الـمشهور من كلام العرب مَخْرجا صحيحا، وهو ما قلنا من أن معنى ذلك: قال نوح: لا عاصم الـيوم من أمر اللّه إلا من رحمنا فأنـجانا من عذابه، كما يقال: لا مُنْـجِيَ الـيوم من عذاب اللّه إلا اللّه ، ولا مُطِعم الـيوم من طعام زيد إلا زيد. فهذا هو الكلام الـمعروف والـمعنى الـمفهوم.

وقوله: وَحالَ بَـيْنَهُما الـمَوْجُ فَكانَ مِنَ الـمُغْرَقِـينَ

يقول: وحال بـين نوح موج الـماء، فغرق، فكان مـمن أهلكه اللّه بـالغرق من قوم نوح صلى اللّه عليه وسلم.)

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ }.

يقول اللّه تعالـى ذكره: وقال اللّه للأرض بعد ما تناهى أمره فـي هلاك قوم نوح بـما أهلكهم به من الغرق: يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ: أي تَشَرّبـي، من قول القائل: بَلَعَ فلان كذا يَبْلَعُهُ، أو بَلِعَهُ يَبْلَعُه إذا ازدرده. وَيا سَماءُ اقْلِعي

يقول: أقلعي عن الـمطر: أمسكي. وَغِيضَ الـماءُ ذهبت به الأرض ونشفته. وَقُضِيَ الأمْرُ

يقول: قُضِي أمر اللّه ، فمضي بهلاك قوم نوح. وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ يعني الفُلْك. استوت: أرست علـى الـجوديّ، وهو جبل فـيـما ذكر بناحية الـموصل أو الـجزيرة. وَقِـيـلَ بُعْدا للقَوْمِ الظّالِـمِينَ

يقول: قال اللّه : أبعد اللّه القوم الظالـمين الذين كفروا بـاللّه من قوم نوح.

١٤١٠٨ـ حدثنا عبـاد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن عثمان بن مطر، عن عبد العزيز بن عبد الغفور عن أبـيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فِـي أولِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكبَ نُوحٌ السّفِـينَة فَصَامَ هُوَ وَجمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمُ السّفِـينَةُ سِتّةَ أشْهُرٍ، فـانْتَهَى ذلكَ إلـى الـمُـحَرّمِ، فَأرْسَتِ السّفِـينَةُ علـى الـجُودِيّ يَوْمَ عاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ وأمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِن الوَحْشِ والدّوَابّ فَصَامُوا شُكْرا لِلّهِ) .

١٤١٠٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: كانت السفـينة أعلاها للطير، ووسطها للناس، وفـي أسفلها السبـاع، وكان طولها فـي السماء ثلاثـين ذراعا، دفعت من عين وردة يوم الـجمعة لعشر لـيال مضين من رجب، وأرست علـى الـجوديّ يوم عاشوراء، ومرّت بـالبـيت فطافت به سبعا، وقد رفعه اللّه من الغرق، ثم جاءت الـيـمن، ثم رجعت.

١٤١١٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازي، عن قتادة، قال: هبط نوح من السفـينة يوم العاشر من الـمـحرّم، فقال لـمن معه: من كان منكم الـيوم صائما فلـيتـمّ صومه، ومن كان مفطرا فلـيصم.

١٤١١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن قـيس قال: كان فـي زمن نوح شبر من الأرض لا إنسان يدّعيه.

١٤١١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنها يعني الفلك استقلت بهم فـي عشر خـلون من رجب، وكانت فـي الـماء خمسين ومئة يوم، واستقرّت علـى الـجوديّ شهرا، وأهبط بهم فـي عشر من الـمـحرّم يوم عاشوراء.

وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل قوله: وَغِيضَ الـمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١١٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَغِيضَ الـمَاءُ قال: نقص. وَقُضِيَ الأمْرُ قال: هلاك قوم نوح.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. قال: قال ابن جريج وَغِيضَ الـمَاءُ نشفته الأرض.

١٤١١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يا سَماءُ أقْلِعِي

يقول: أمسكي. وَغِيضَ الـمَاءُ

يقول: ذهب الـماء.

١٤١١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَغِيضَ الـمَاءُ الغيوض: ذهاب الـماء وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ.

١٤١١٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: جبل بـالـجزيرة، تشامخت الـجبـال من الغرق، وتواضع هو لله فلـم يغرق، فأرسيت علـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: الـجوديّ جبل بـالـجزيرة، تشامخت الـجبـال يومئذ من الغرق وتطاولت، وتواضع هو لله فلـم يغرق، وأُرسيت سفـينة نوح علـيه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٤١١٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ

يقول: علـى الـجبل، واسمه الـجُوديّ.

١٤١١٨ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ قال: جبل بـالـجزيرة شمخت الـجبـال وتواضع حين أرادت أن ترفأ علـيه سفـينة نوح.

١٤١١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ أبقاها اللّه لنا بوادي أرض الـجزيرة عبرة وآية.

١٤١٢٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: وَاسْتَوَتْ علـى الـجُودِيّ هو جبل بـالـموصل.

١٤١٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نوحا بعث الغراب لـينظر إلـى الـماء، فوجد جيفة فوقع علـيها، فبعث الـحمامة فأتته بورق الزيتون، فأعطيت الطوق الذي فـي عنقها وخضاب رجلـيها.

١٤١٢٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما أراد اللّه أن يكفّ ذلك يعني الطوفـان أرسل ريحا علـى وجه الأرض، فسكن الـماء، واستدت ينابـيع الأرض الغمر الأكبر، وأبواب السماء يقول اللّه تعالـى: وَقِـيـلَ يا أرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سمَاءُ أقْلِعِي... إلـى: بُعْدا للقَوْمِ الظّالِـمِينَ فجعل ينقص ويغيض ويدبر. وكان استواء الفلك علـى الـجودي فـيـما يزعم أهل التوراة فـي الشهر السابع لسبع عشرة لـيـلة مضت منه، فـي أول يوم من الشهر العاشر، رُئِي رؤوس الـجبـال. فلـما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتـح نوح كوة الفلك التـي صنع فـيها، ثم أرسل الغراب لـينظر له ما فعل الـماء فلـم يرجع إلـيه، فأرسل الـحمامة فرجعت إلـيه، ولـم يجد لرجلـيها موضعا، فبسط يده للـحمامة فأخذها ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له، فرجعت حين أمست وفـي فـيها ورق زيتونة، فعلـم نوح أن الـماء قد قل عن وجه الأرض. ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها فلـم ترجع، فعلـم نوح أن الأرض قد برزت، فلـما كملت السنة فـيـما بـين أن أرسل اللّه الطوفـان إلـى أن أرسل نوح الـحمامة ودخـل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتـين برز وجه الأرض، فظهر الـيَبَس، وكشف نوح غطاء الفلك، ورأى وجه الأرض. وفـي الشهر الثانـي من سنة اثنتـين فـي سبع وعشرين لـيـلة منه قـيـل لنوح: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعَلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَك وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ.

١٤١٢٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: تزعم أناس أن من غرق من الولدان مع آبـائهم، ولـيس كذلك، إنـما الولدان بـمنزلة الطير وسائر من أغرق اللّه بغير ذنب، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لاَجالهم، والـمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من اللّه لهم فـي الدنـيا ثم مصيرهم إلـى النار.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنَادَى نُوحٌ رّبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ونادى نوح ربه، فقال: ربّ إنك وعدتنـي أن تنـجينـي من الغرق والهلاك وأهلـي، وقد هلك ابنـي، وابنـي من أهلـي. وَإنّ وَعْدَكَ الـحَقّ الذي لا خـلف له. وأنْتَ أحكَمُ الـحاكِمينَ بـالـحق، فـاحكم لـي بأن تفـيَ بـما وعدتنـي من أن تنـجيَ لـي أهلـي وترجعَ إلـيّ ابنـي. كما:

١٤١٢٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وأنْتَ أحْكَمُ الـحاكِمينَ قال: أحكم الـحاكمين بـالـحقّ.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَنُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّيَ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.

يقول اللّه تعالـى ذكره: قال اللّه يا نوح إن الذي غرّقته فأهلكته الذي تذكر أنه من أهلك لـيس من أهلك.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ

فقال بعضهم: معناه: لـيس من ولدك هو من غيرك. وقالوا: كان ذلك من حِنْث. ذكر من قال ذلك:

١٤١٢٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال: لـم يكن ابنه.

١٤١٢٦ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا يحيى بن يـمان، عن شريك، عن جابر، عن أبـي جعفر: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: ابن امرأته.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أصحاب ابن أبـي عَروبة فـيهم الـحسن، قال: لا واللّه ما هو بـابنه.

قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: هذه بلغة طيّ لـم يكن ابنه، كان ابن امرأته.

١٤١٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، ومنصور، عن الـحسن فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال: لـم يكن ابنه. وكان يقرؤها: (إنّهُ عَمِلَ غيرَ صَالِـحٍ) .

١٤١٢٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: كنت عند الـحسن فقال: نادي نوح ابنه: لعمر اللّه ما هو ابنه قال: قلت يا أبـا سعيد

يقول: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول: لـيس بـابنه؟ قال: أفرأيت قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ؟ قال: قلت إنه لـيس من أهلك الذين وعدتك أن أنـجيهَم معك، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إن أهل الكتاب يَكْذِبون.

١٤١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: سمعت الـحسن يقرأ هذه الآية: (إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ إنّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِـحٍ) فقال عند ذلك: واللّه ما كان ابنه ثم قرأ هذه الآية: فخانَتاهُما قال سعيد: فذكرت ذلك لقتال، قال: ما كان ينبغي له أن يحلف.

١٤١٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَلا تَسأَلْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ قال: تبـين لنوح أنه لـيس بـابنه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَلا تَسأَلْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ قال: بـين اللّه لنوح أنه لـيس بـابنه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

قال ابن جريج فـي قوله: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: ناداه وهو يحسبه أنه ابنه وكان وُلِد علـى فراشه.

١٤١٣١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن ثور، عن أبـي جعفر: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال: لو كان من أهله لنـجا.

١٤١٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، وسمع عبـيد بن عمير

يقول: نرى أن ما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم(الوَلَدُ للْفِرَاشِ) ، من أجل ابن نوح.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن ابن عون، عن الـحسن، قال: لا واللّه ما هو بـابنه.

وقال آخرون: معنى ذلك: لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ الذين وعدتك أن أُنـجيهم. ذكر من قال ذلك:

١٤١٣٣ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي عامر، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: هو ابنه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، قال: حدثنا أبو عامر، عن الضحاك ، قال: قال ابن عبـاس : هو ابنه، ما بغت امرأة نبـيّ قطّ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن أبـي عامر الهمدانـيّ، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عبـاس ، قال: ما بغت امرأة نبـيّ قطّ، قال:

وقوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ الذين وعدتك أن أنـجيهَم معك.

١٤١٣٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: هو ابنه، غيرَ أنه خالفه فـي العمل والنـية. قال عكرمة فـي بعض الـحروف: إنه عمل عملاً غير صالـح، والـخيانة تكون علـى غير بـاب.

١٤١٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة

يقول: كان ابنه، ولكن كان مخالفـا له فـي النـية والعمل، فمن ثم

قـيـل له: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ.

١٤١٣٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري وابن عيـينة، عن موسى بن أبـي عائشة عن سلـيـمان بن قَتّة، قال: سمعت ابن عبـاس يُسأل وهو إلـى جنب الكعبة عن قول اللّه تعالـى: فخانَتاهُمَا قال: أَمَا إنه لـم يكن بـالزنا، ولكن كانت هذه تـخبر الناس أنه مـجنون، وكانت هذه تدلّ علـى الأضياف. ثم قرأ: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ.

قال ابن عيـينة: وأخبرنـي عمار الدّهْنِـيّ أنه سأل سعيد بن جبـير، عن ذلك فقال: كان ابن نوح، إن اللّه لا يكذب. قال: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: وقال بعض العلـماء: ما فجرت امرأة نبـيَ قط.

١٤١٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمار الدهنـي، عن سعيد بن جبـير، قال: قال اللّه وهو الصادق، وهو ابنه: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سعيد، عن موسى بن أبـي عائشة، عن عبد اللّه بن شداد عن ابن عبـاس ، قال: ما بغت امرأة نبـيّ قطّ.

١٤١٣٨ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: سألت أبـا بشر، عن قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال: لـيس من أهل دينك، ولـيس مـمن وعدتك أن أنـجيهَم. قال يعقوب: قال هشيـم: كان عامة ما كان يحدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبـير.

١٤١٣٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، عن يعقوب بن قـيس، قال: أتـى سعيدَ بن جبـير رجل فقال: يا أبـا عبد اللّه ، الذي ذكر اللّه فـي كتابه ابن نوح أبنه هو؟ قال: نعم، واللّه إن نبـيّ اللّه أمره أن يركب معه فـي السفـينة فعصى، فقال: سآوِي إلـى جَبَلٍ يَعْصِمُنِـي مِنَ الـمَاءِ قالَ يا نُوحُ إنّهُ لَـيسَ مِنْ أهْلِكَ إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ لـمعصية نبـيّ اللّه .

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن أبـي معاوية البَجَلِـي، عن سعيد بن جبـير أنه جاء إلـيه رجل فسأله فقال: أرأيتك ابن نوح: أبنه؟ فسبح طويلاً ثم قال: لا إله إلا اللّه ، يحدّث اللّه مـحمدا: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول لـيس منه ولكن خالفه فـي العمل، فلـيس منه من لـم يؤمن.

١٤١٤٠ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي هارون الغَنَوي، عن عكرمة، فـي قوله: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ قال: أشهد أنه ابنه، قال اللّه : وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ.

١٤١٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن مـجاهد وعكرمة قالا: هو ابنه.

١٤١٤٢ـ حدثنـي فَضَالة بن الفضل الكوفـي، قال: قال بَزِيع: سأل رجل الضحاك عن ابن نوح فقال: ألا تعجبون إلـى هذا الأحمق يسألنـي عن ابن نوح؟ وهو ابن نوح، كما قال اللّه : قال نوح لابنه.

١٤١٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك أنه قرأ: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ.

وقوله: لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال:

يقول: لـيس هو من أهلك. قال:

يقول: لـيس هو من أهل ولايتك، ولا مـمن وعدتك أن أنـجيَ من أهلك. إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ قال:

يقول: كان عمله فـي شرك.

١٤١٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هو واللّه ابنه لصلبه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ قال: لـيس من أهل دينك، ولا مـمن وعدتك أن أنـجيه، وكان ابنه لصلبه.

١٤١٤٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: قالَ يا نُوحُ إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ

يقول: لـيس مـمن وعدناه النـجاة.

حُدثت عن الـحسينِ بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ

يقول: لـيس من أهل ولايتك، ولا مـمن وعدتك أن أنـجيَ من أهلك. إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ

يقول: كان عمله فـي شرك.

١٤١٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن بِرْقان، عن ميـمون، وثابت بن الـحجاج قالا: هو ابنه وُلد علـى فراشه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك: إنه لـيس من أهلك الذين وعدتك أن أنـجَيهم، لأنه كان لدينك مخالفـا وبـي كافرا. وكان ابنه لأن اللّه تعالـى ذكره قد أخبر نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أنه ابنه، فقال: وَنادَى نُوحٌ ابْنَهُ وغير جائز أن يخبر أنه ابنه فـيكون بخلاف ما أخبر. ولـيس فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ دلالة علـى أنه لـيس بـابنه، إذ كان قوله: لَـيْسَ مِنْ أهْلِكَ مـحتـملاً من الـمعنى ما ذكرنا، ومـحتـملاً أنه لـيس من أهل دينك، ثم يحذف (الدين) فـيقال: إنه لـيس من أهلك، كما قـيـل: وَاسأَلِ القَرْيَةَ التـي كُنّا فِـيها.

وأما قوله: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ بتنوين عمل ورفع غير.

واختلف الذي قرءوا ذلك كذلك فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: إن مسألتك إياي هذه عملٌ غيرُ صالـح. ذكر من قال ذلك:

١٤١٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ قال: إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالـح.

١٤١٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ أي سوء فَلا تَسأَلْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ.

١٤١٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ

يقول: سؤالك عما لـيس لك به علـم.

١٤١٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن مـجاهد، قوله: إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ قال: سؤالك إياي عمل غير صالـح فَلا تَسأَلْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ.

وقال آخرون: بل معناه: إن الذي ذكرت أنه ابنك فسألتنـي أن أنـجيَه عمل غير صالـح، أي أنه لغير رِشْدة. وقالوا: الهاء فـي قوله: (إنّهُ) عائدة علـى الابن. ذكر من قال ذلك:

١٤١٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ابن أبـي عَرُوبة، عن قتادة، عن الـحسن أنه قرأ: عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ قال: ما هو واللّه بـابنه.

ورُوي عن جماعة من السلف أنهم قرأوا ذلك: (إنّهُ عَمِلَ غيرَ صَالِـحٍ) علـى وجه الـخبر عن الفعل الـماضي، وغير منصوبة. ومـمن رُوي عنه أنه قرأ ذلك كذلك ابن عبـاس .

١٤١٥٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة عن موسى بن أبـي عائشة عن سلـيـمان بن قَتّة، عن ابن عبـاس أنه قرأ: (عَمِلَ غَيْرَ صَالِـحٍ) .

ووجهوا تأويـل ذلك إلـى ما.

١٤١٥٣ـ حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا غُنْدر، عن ابن أبـي عَروبة عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : إنّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالِـحٍ قال: كان مخالفـا له فـي النـية والعمل.

ولا نعلـم هذه القراءة قرأ بها أحد من قراء الأمصار إلا بعض الـمتأخرين. واعتل فـي ذلك بخبر رُوِيعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك غير صحيح السند، وذلك حديث رُوي عن شَهْر بن حَوْشَب، فمرة يقول عن أمّ سلـمة، ومرّ يقول عن أسماء بنت يزيد، ولا نعلـم لبنت يزيد ولا نعلـم لشَهْرٍ سماعا يصحّ عن أمّ سلـمة.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، وذلك رفع (عمل) بـالتنوين، ورفع (غير) ، يعني : إن سؤالك إياي ما تسألنـيه فـي ابنك الـمخالف دينك الـموالـي أهل الشرك بـي من النـجاة من الهلاك، وقد مضت إجابتـي إياك فـي دعائك: لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا ما قد مضى من غير استثناء أحد منهم عملٌ غير صالـح، لأنه مسألة منك إلـيّ أن لا أفعل ما قد تقدم منـي القول بأنـي أفعله فـي إجابتـي مسألتك إياي فعله، فذلك هو العمل غير الصالـح.

وقوله: فَلا تَسأَلْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ نهي من اللّه تعالـى ذَكّره نبـيه نوحا أن يسأله عن أسبـاب أفعاله التـي قد طوى علـمها عنه وعن غيره من البشر. يقول له تعالـى ذكره: إنـي يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهكلته، فلا تسألن بعدها عما قد طَوَيت علـمه عنك من أسبـاب أفعالـي، ولـيس لك به علـم إنـي أعظك أن تكون من الـجاهلـين فـي مسألتك إياي عن ذلك.

وكان ابن زيد يقول فـي قوله: إنّـي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ من الـجاهِلِـينَ ما:

١٤١٥٤ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ أن تبلغ الـجهالة بك أن لا أَفِـيَ لك بوعد وعدتك حتـى تسألنـي ما لـيس لك به علـم وَإلاّ تَغْفِرْ لـي وَتَرْحَمِنـي أكُنْ مِنَ الـخاسِرِينَ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَلا تَسألَنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ علْـمٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار فَلا تَسألْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِه علْـمٌ بكسر النون وتـخفـيفها، ونَـحَوْا بكسرها إلـى الدلالة علـى الـياء التـي هي كناية اسم اللّه فَلا تَسألْنِ. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين وبعض أهل الشام: (فَلا تَسألَنّ) بتشديد النون وفتـحها، بـمعنى: فلا تسألنّ يا نوح ما لـيس لك به علـم.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا تـخفـيف النون وكسرها، لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب الـمستعمل بـينهم.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّيَ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيَ أَكُن مّنَ الْخَاسِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عن إنابة نوح علـيه السلام بـالتوبة إلـيه من زلته فـي مسألته التـي سألها ربه فـي ابنه قَالَ رَبّ إنّـي أعُوذُ بِكَ أي أستـجير بك أن أتكلف مسألتك، ما لَـيسَ لِـي بهِ عِلْـم مـما قد استأثرت بعلـمه وطويت علـمه عن خـلقك، فـاغفر لـي زلتـي فـي مسألتـي إياك ما سألتك فـي ابنـي، وإن أنت لـم تغفرها لـي وترحمنـي فتنقذنـي من غضبك أكُنْ منَ الـخاسرينَ

يقول: من الذين غَبنَوا أنفسهم حظوظها وهلكوا.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قِيلَ يَنُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مّنّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىَ أُمَمٍ مّمّن مّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ ثُمّ يَمَسّهُمْ مّنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: يا نُوحُ اهْبطْ من الفلك إلـى الأرض بسَلامٍ منّا

يقول: بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا، وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ

يقول: وبركات علـيك، وَعلـى أُمَـمٍ مـمّنْ مَعَكَ

يقول: وعلـى قرون تـجيء من ذرّية من معك من ولدك، فهؤلاء الـمؤمنون من ذرّية نوح الذين سبقت لهم من اللّه السعادة وبـارك علـيهم قبل أن يخـلقهم فـي بطون أمهاتهم وأصلاب آبـائهم. ثم أخبر تعالـى ذكره نوحا عما هو فـاعل بأهل الشّقاء من ذريته، فقال له: وَأُمَـمٌ

يقول: وقرون وجماعة، سَنُـمَتّعُهُمْ فـي الـحياة فـي الدنـيا

يقول: نرزقهم فـيها ما يتـمتعون به إلـى أن يبلغوا آجالهم. ثُمّ يَـمُسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ

يقول: ثم نذيقهم إذا وردوا علـينا عذابـا مؤلـما موجعا.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٥٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي: قِـيـلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ.... إلـى آخر الآية، قال: دخـل فـي ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلـى يوم القـيامة ودخـل فـي ذلك العذاب والـمتاع كل كافر وكافرة إلـى يوم القـيامة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو داود الـحَفَرِي، عن سفـيان، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي: قِـيـلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ قال: دخـل فـي السلام كل مؤمن ومؤمنة، وفـي الشرك كل كافر وكافرة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة عن ابن جريج: وَعَلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ يعني مـمن لـم يولد، قد قضي البركات لـمن سبق له فـي علـم اللّه وقضائه السعادة. وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهمُ من سبق له فـي علـم اللّه وقضائه الشقاوة.

١٤١٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج بنـحوه، إلا أنه قال: وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ متاعَ الـحياة الدنـيا، مـمن قد سبق له فـي علـم اللّه وقضائه الشقاوة. قال: ولـم يهلك الولدان يوم غرق نوح بذنب آبـائهم كالطير والسبـاع، ولكن جاء أجلهم مع الغرق.

١٤١٥٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ قال: هبطوا واللّه عنهم راض، هبطوا بسلام من اللّه ، كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر. ثم أخرج منهم نسلاً بعد ذلك أمـما، منهم من رحم، ومنهم من عذّب. وقرأ: وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ وذلك إنـما افترقت الأمـم من تلك العصابة التـي خرجت من ذلك الـماء وسلـمت.

١٤١٥٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ.... الآية،

يقول: بركات علـيك وعلـى أمـمـم مـمن معك لـم يولدوا، أوجب اللّه لهم البركات لـما سبق لهم فـي علـم اللّه من السعادة. وَأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ يعني : متاع الـحياة الدنـيا. ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألـيـمٌ لـما سبق لهم فـي علـم اللّه من الشقاوة.

١٤١٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن: أنه كان إذا قرأ سورة هود، فأتـى علـى: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ حتـى ختـم الآية، قال الـحسن: فأنـجى اللّه نوحا والذين آمنوا، وهلك الـمتـمتعون حتـى ذكر الأنبـياء، كل ذلك

يقول: أنـجاه اللّه وهلك الـمتـمتعون.

١٤١٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمُسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: بعد الرحمة.

١٤١٦١ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد، قال: أخبرنـي أبـي، قال: أخبرنا عبد اللّه بن شَوْذَب، قال: سمعت داود بن أبـي هند يحدّث عن الـحسن أنه أتـى علـى هذه الآية: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: فكان ذلك حين بعث اللّه عادا، فأرسل إلـيهم هودا، فصدّقه مصدقون وكذّبه مكذبون حتـى جاء أمر اللّه فلـما جاء أمر اللّه نَـجّى اللّه هودا والذين آمنوا معه، وأهلك اللّه الـمتـمتعين، ثم بعث اللّه ثمود، فبعث إلـيهم صالـحا، فصدّقه مصدّقون وكذّبه مكذبون، حتـى جاء أمر اللّه فلـما جاء أمر اللّه نَـجّى اللّه صالـحا والذين آمنوا معه وأهلك اللّه الـمتـمتعين، ثم استقرأ الأنبـياء نبـيّا نبـيّا علـى نـحوٍ من هذا.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـَذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: هذه القصة التـي أنبأتك بها من قصة نوح وخبره وخبر قومه منْ أنْبـاءِ الغَيْبِ

يقول: هي من أخبـار الغيب التـي لـم تشهدها فتعلـمها، نُوحيها إلَـيْكَ

يقول: نوحيها إلـيك نـحن فنعرفكها، ما كُنْتَ تَعْلَـمُها أنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا الوحي الذي نوحيه إلـيك، فـاصبر علـى القـيام بأمر اللّه وتبلـيغ رسالته وما تلقـىَ من مشركي قومك، كما صبر نوح. إنّ العاقِبَةَ للْـمُتّقِـينَ

يقول: إن الـخير من عواقب الأمور لـمن اتقـى اللّه فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه فهم الفـائزون بـما يؤملون من النعيـم فـي الاَخرة والظفر فـي الدنـيا بـالطّلِبة، كما كانت عاقبة نوح إذ صبر لأمر اللّه أن نـجاه من الهلكة مع من آمن به وأعطاه فـي الاَخرة ما أعطاه من الكرامة، وغرق الـمكذّبـين به فأهلكهم جميعهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تِلْكَ مِنْ أنْبـاءِ الغَيْبِ نُوحِيها إلَـيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَـمُها أنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا القرآن، وما كان علـم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وقومه ما صنع نوح وقومه، لولا ما بـين اللّه فـي كتابه.

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّه مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ مُفْتَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأرسلنا إلـى قوم عاد أخاهم هودا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا اللّه وحده لا شريك له دون ما تعبدون من دونه من الاَلهة والأوثان. ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غيرُهُ

يقول: لـيس لكم معبود يستـحقّ العبـادة علـيكم غيره، فأخـلصوا له العبـادة وأفردوه بـالألوهة. إنْ أنْتُـمْ إلاّ مُفْتَرُونَ

يقول: ما أنتـم فـي إشراككم معه الاَلهة والأوثان إلا أهل فرية مكذّبون، تـختلقون البـاطل، لأنه لا إله سواه.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَقَوْمِ لآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى الّذِي فَطَرَنِيَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه: يا قوم لا أسألكم علـى ما أدعوكم إلـيه من إخلاص العبـادة لله وخـلع الأوثان والبراءة منها جزاء وثوابـا. إنْ أجْرِيَ إلاّ علـى الّذِي فَطَرَنِـي

يقول: إن ثوابـي وجزائي علـى نصيحتـي لكم، ودعائكم إلـى اللّه ، إلا علـى الذي خـلقنـي. أفَلا تَعْقِلُونَ

يقول: أفلا تعقلون أنـي لو كنت أبتغي بدعايتكم إلـى اللّه غير النصيحة لكم وطلب الـحظّ لكم فـي الدنـيا والاَخرة لالتـمست منكم علـى ذلك بعض أعراض الدنـيا وطلبت منكم الأجر والثواب؟

١٤١٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنْ أجْرِيَ إلاّ علـى الّذِي فَطَرَنِـي أي خـلقنـي.

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السّمَآءَ عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إِلَىَ قُوّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلّوْاْ مُجْرِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه: وَيا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ

يقول: آمنوا به حتـى يغفر لكم ذنوبكم. والاستغفـار: هو الإيـمان بـاللّه فـي هذا الـموضع، لأن هودا صلى اللّه عليه وسلم إنـما دعا قومه إلـى توحيد اللّه لـيغفر لهم ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللّه واتّقُوهُ وأطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ وَيُوَخّرْكُمْ إلـى أجَلٍ مُسَمّى.

وقوله: ثُمّ تُوبُوا إلَـيْهِ

يقول: ثم توبوا إلـى اللّه من سالف ذنوبكم وعبـادتكم غيره بعد الإيـمان به. يُرْسلِ السّماءَ عَلَـيْكُمْ مِدْرَارا

يقول: فإنكم إن آمنتـم بـاللّه وتبتـم من كفركم به، أرسل قَطْرَ السماء علـيكم يُدِرّ لكم الغيث فـي وقت حاجتكم إلـيه، وتـحيا بلادكم من الـجدب والقحط.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٦٤ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: مِدْرَارا

يقول: يتبع بعضها بعضا.

١٤١٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُرْسِلِ السّماءَ عَلَـيْكُمْ مِدْرَارا قال: يدرّ ذلك علـيهم قطرا ومطرا.

وأما قوله: وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلـى قُوّتِكُمْ فإن مـجاهدا كان يقول فـي ذلك ما:

١٤١٦٦ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلـى قُوّتِكُمْ قال: شدة إلـى شدّتِكمْ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وإسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين: قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد، فذكر مثله.

١٤١٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلـى قُوّتِكُمْ قال: جعل لهم قوّة، فلو أنهم أطاعوه، زادهم قوّة إلـى قوّتهم. وذكر لنا أنه إنـما قـيـل لهم: وَيَزِدْكُمْ قُوّةً إلـى قُوّتِكُمْ قال: إنه قد كان انقطع النسل عنهم سنـين، فقال هود لهم: إن آمنتـم بـاللّه أحيا اللّه بلادكم ورزقكم الـمال والولد، لأن ذلك من القوّة.

وقوله: وَلا تَتَوَلّوْا مُـجْرِمِينَ

يقول: ولا تدبروا عما أدعوكم إلـيه من توحيد اللّه ، والبراءة من الأوثان والأصنام مـجرمين، يعني كافرين بـالله.

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيَ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم هود لهود: يا هود ما أتـيتنا ببـيان ولا برهان علـى ما تقول، فنسلـم لك، ونقرّ بأنك صادق فـيـما تدعونا إلـيه من توحيد اللّه والإقرار بنبوّتك. وَما نَـحْنَ بِتارِكِي آلِهَتِنا

يقول: وما نـحن بتاركي آلهتنا يعني لقولك: أو من أجل قولك. وَما نَـحْنُ لَكَ بِـمُؤْمِنِـينَ

يقول: قالوا: وما نـحن لك بـما تدّعي من النبوّة والرسالة من اللّه إلـينا بـمصدّقـين.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن نّقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنّيَ أُشْهِدُ اللّه وَاشْهَدُوَاْ أَنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ }.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره، عن قول قوم هود أنهم قالوا له، إذ نصح لهم ودعاهم إلـى توحيد اللّه وتصديقه، وخـلع الأوثان والبراءة منها: لا نترك عبـادة آلهتنا، وما نقول إلا أن الذي حملك علـى ذمها والنهي عن عبـادتها أنه أصابك منها خبل من جنون فقال هود لهم: إنـي أشهد اللّه علـى نفسي وأشهدكم أيضا أيها القوم أنـي بريء مـما تشركون فـي عبـادة اللّه من آلهتكم وأوثانكم من دونه، فَكِيدُونِـي جمِيعا

يقول: فـاحتالوا أنتـم جميعا وآلهتكم فـي ضرّي ومكروهي، ثُمّ لا تُنْظِرُونِ

يقول: ثم لا تؤخرون ذلك، فـانظروا هل تنالوننـي أنتـم وهم بـما زعمتـم أن آلهتكم نالتنـي به من السوء.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابتك الأوثان بجنون.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهداعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابك الأوثان بجنون.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا ابن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن عيسى، عن مـجاهد: إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: سبَبْت آلِتها وعبتها فأجنّتك.

قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أصابك بعض آلهتنا بسوء يعنون الأوثان.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: أصابك الأوثان بجنون.

١٤١٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: تصيبك آلهتنا بـالـجنون.

١٤١٧٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: ما يحملك علـى ذمّ آلهتنا، إلا أنه أصابك منها سوء.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قال: إنـما تصنع هذا بآلهتنا أنها أصابتك بسوء.

١٤١٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد اللّه بن كثـير: أصابتك آلهتنا بشرّ.

١٤١٧٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يقولون: نـخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء، ولا نـحب أن تعتريك، يقولون: يصيبك منها سوء.

١٤١٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يقولون: اختلط عقلك فأصابك هذا مـما صنعت بك آلهتنا.

وقوله: اعْتَرَاكَ افتَعَل، من عرانـي الشيء يعرونـي: إذا أصابك، كما قال الشاعر:

نَ القَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِراءٌ ومَأْثَمُ

٥٥

مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللّه رَبّي وَرَبّكُمْ مّا مِن دَآبّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنّ رَبّي عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.

يقول: إنـي علـى اللّه الذي هو مالكي ومالككم والقّم علـى جميع خـلقه تَوَكّلْتُ من أن تصيبونـي أنتـم وغيركم من الـخـلق بسوء، فإنه لـيس من شيء يدبّ علـى الأرض إلا واللّه مالكه وهو فـي قبضته وسلطانه ذلـيـل له خاضع.

فإن قال قائل: وكيف قـيـل: هو آخذ بناصيتها، فخصّ بـالأخذ الناصية دون سائر أماكن الـجسد؟ قـيـل: لأن العرب كانت تستعمل ذلك فـي وصفها من وصفته بـالذلة والـخضوع، فتقول: ما ناصية فلان إلا بـيد فلان، أي أنه له مطيع يصرفه كيف شاء وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والـمن علـيه جزّوا ناصيته لـيعتدوا بذلك علـيه فخرا عند الـمفـاخرة. فخاطبهم اللّه بـما يعرفون فـي كلامهم، والـمعنى ما ذكرت.

وقوله: إنّ رَبّـي علـى صِرَاط مُسْتَقِـيـمٍ

يقول: إن ربـي علـى طريق الـحق، يجازي الـمـحسن من خـلقه بإحسانه والـمسيء بإساءته، لا يظلـم أحدا منهم شيئا ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيـمان به. كما:

١٤١٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنّ رَبّـي علـى صِرَاط مُسْتَقِـيـمٍ الـحق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن تَوَلّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبّي قَوْماً غَيْرَكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه: فإنْ تَوَلّوْا

يقول: فإن أدبروا معرضين عما أدعوهم إلـيه من توحيد اللّه وترك عبـادة الأوثان، فَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ أيها القوم ما أُرْسِلْتُ بِه إلَـيْكُمْ وما علـى الرسول إلا البلاغ. وَيَسْتَـخْـلِفُ رَبـي قَوْما غَيْرَكُمْ يهلككم ربـي، ثم يستبدل ربـي منكم قوما غيركم يوحدونه ويخـلصون له العبـادة. وَلا تَضُرّونَهُ شَيْئا

يقول: ولا تقدرون له علـى ضر إذا أراد إهلاككم أو أهلككم. وقد قـيـل: لا يضرّه هلاككم إذا أهلككم لا تنقصونه شيئا، لأنه سواء عنده كنتـم أو لـم تكونوا. إنّ رَبّـي علـى كُلّ شَيْءٍ حَفِـيظٌ

يقول: إن ربـي علـى جميع خـلقه ذو حفظ وعلـم،

يقول: هو الذي يحفظنـي من أن تنالونـي بسوء.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا هُوداً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَنَجّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء قومَ هود عذابُنا نَـجّيْنا منه هُودا والّذِينَ آمَنُوا بـاللّه مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنا يعني بفضل منه علـيهم ونعمة، ونَـجّيْناهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِـيظٍ

يقول: نـجيناهم أيضا من عذاب غلـيظ يوم القـيامة، كما نـجيناهم فـي الدنـيا من السّخْطة التـي أنزلتها بعاد.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عادٌ، جحدوا بأدلة اللّه وحججه، وعصوا رسله الذين أرسلهم إلـيهم للدعاء إلـى توحيده واتبـاع أمره، واتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ يعني كلّ مستكبر علـى اللّه ، حائد عن الـحقّ لا يذعن له ولا يقبله، يقال منه: عَنِدَ عن الـحقّ فهو يَعْنَدُ عُنُودا، والرجل عَانِدٌ وعَنُودٌ، ومن ذلك قـيـل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ: عرق عانِدٌ: أي ضارّ، ومنه قول الراجز:

إنّـي كَبِـيرٌ لا أُطِيقُ العُنّدَا

١٤١٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ: الـمشرك.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلآ إِنّ عَاداً كَفَرُواْ رَبّهُمْ أَلاَ بُعْداً لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وأتبع عاد قوم هود فـي هذه الدنـيا غضبـا من اللّه وسخطة يوم القـيامة، مثلها لعنة إلـى اللعنة التـي سلفت لهم من اللّه فـي الدنـيا. أَلاَ إِنّ عَادا كَفَرُوا رَبّهمْ ألا بُعْدا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ

يقول: أبعدهم اللّه من الـخير، يقال: كَفَرَ فلان رَبّه وكفر بَربّه، وشكرت لك وشكرتك. وقـيـل: إن معنى كفروا ربهم: كفروا نعمة ربهم.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّه مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وأرسلنا إلـى ثمود أخاهم صالـحا، فقال لهم يا قوم: اعبدوا اللّه وحده لا شريك له، وأخـلصوا له العبـادة دون ما سواه من الاَلهة، فما لكم من إله غيره يستوجب علـيكم العبـادة، ولا تـجوز الألوهة إلاّ له. هُوَ أنْشأَكُمْ مِنَ الأرْضِ

يقول: هو ابتدأ خـلقكم من الأرض. وإنـما قال ذلك لأنه خـلق آدم من الأرض، فخرج الـخطاب لهم إذ كان ذلك فعله بـمن هم منه. وَاسْتَعْمَركُمْ فَـيها

يقول: وجعلكم عُمّارا فـيها، فكان الـمعنى فـيه: أسكنكم فـيها أيام حياتكم، من قولهم: أعمر فلان فلانا داره، وهي له عُمْرَي.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه :وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِـيها قال: أعمركم فـيها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاسْتَعْمَرَكُم فِـيها

يقول: أعمركم.

وقوله: فـاسْتَغْفِرُوهُ

يقول: اعملوا عملاً يكون سببـا لستر اللّه علـيكم ذنوبكم، وذلك الإيـمان به وإخلاص العبـادة له دون ما سواه واتبـاع رسوله صالـح. ثُمّ تُوبُوا إلَـيْهِ

يقول: ثم اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربكم إلـى ما يرضاه ويحبه. إنّ رَبـيّ قَرِيبٌ مُـجِيبٌ

يقول: إن ربـي قريب مـمن أخـلص له العبـادة ورغب إلـيه فـي التوبة، مـجيب له إذا دعاه.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـَذَا أَتَنْهَانَآ أَن نّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنّنَا لَفِي شَكّ مّمّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت ثمود لصالـح نبـيهم: يا صَالِـحُ قَدْ كُنْتَ فـينا مَرْجُوّا: أي كنا نرجو أن تكون فـينا سيدا قَبْلَ هَذَا القول الذي قلته لنا من أنه مالنا من إله غير اللّه . أتَنْهانا أنْ نَعْبُد ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا

يقول: أتنهانا أن نعبد الاَلهة التـي كانت آبـاؤنا تعبد، وَإنّنا لَفِـي شَكّ مِـمّا تَدْعُونا إلَـيْهِ مُرِيبٍ يعنون أنهم لا يعلـمون صحة ما يدعوهم إلـيه من توحيد اللّه ، وأن الألوهة لا تكون إلا له خالصا. وقوله مُرِيبٍ أي يوجب التهمة من أَرَبْته فأنا أَرِيُبه إرابة، إذا فعلت به فعلاً يوجب له الريبة، ومنه قول الهُذَلـيّ:

كُنتُ إذا أتَوْتُهُ منْ غَيْبِيَشُمّ عِطْفـي وَيُبزّ ثَوْبِـي كأنـما أرَبْتُهُ بِرَيْبِ

٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةً مّن رّبّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّه إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ }.

يقول تعالـى ذكره: قال صالـح لقومه من ثمود: يا قَوْمِ أرأيْتُـمْ إنْ كُنْت علـى برهان وبـيان من اللّه قد علـمته وأيقنته وآتانِـي مِنْهُ رَحْمَةً

يقول: وآتانـي منه النبوّة والـحكمة والإسلام، فَمَنْ يَنْصَرُنِـي مِنَ اللّه إنْ عَصَيْتُهُ

يقول: فمن الذي يدفع عنـي عقابه إذا عاقبنـي إن أنا عصيته، فـيخـلّصنـي منه، فما تزيدوننـي بعذركم الذي تعتذرون به من أنكم تعبدون ما كان يعبد آبـاؤكم غير تـخسير لكمْ يخْسِركم حظوظكم من رحمة اللّه . كما:

١٤١٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَمَا تَزِيدُونَنِـي غيرَ تَـخْسِير

يقول: ما تزدادون أنتـم إلا خسارا.

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ هَـَذِهِ نَاقَةُ اللّه لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيَ أَرْضِ اللّه وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل صالـح لقومه من ثمود إذ قالوا له وَإنّنَا لَفِـي شَكَ مِـمّا تَدْعُونَا إلَـيْهِ مُرِيبٍ وسألوه الآية علـى ما دعاهم إلـيه: يا قَوْمِ هَذِهِ ناقَةُ اللّه لَكُمْ آيَةً

يقول: حجة وعلامة، ودلالة علـى حقـيقة ما أدعوكم إلـيه. فَذَرُوها تَأْكُلُ فِـي أرْضِ اللّه فلـيس علـيكم رزقها ولا مُؤْنتها. وَلا تَـمَسّوها بسُوءٍ

يقول: لا تقتلوها ولا تنالوها بعقر، فَـيأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ

يقول: فإنكم إن تـمسوها بسوء يأخذكم عذاب من اللّه غير بعيد فـيهلككم.

٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فعقرت ثمود ناقة اللّه . وفـي الكلام مـحذوف قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر علـيه، وهو: فكذّبوه فعقروها. فقال لهم صالـح: تَـمَتّعُوا فِـي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ

يقول: استـمتعوا فـي دار الدنـيا بحياتكم ثلاثة أيام. ذلكَ وَعْدٌ غيرُ مَكْذُوبٍ

يقول: هذا الأجل الذي أجّلتكم وعد من اللّه ، وعدكم بـانقضائه الهلاك، ونزول العذاب بكم غير مكذوب،

يقول: لـم يكذبكم فـيه من أعلـمكم ذلك.

١٤١٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَعَقَرُوها فَقالَ تَـمَتّعُوا فِـي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ ذلكَ وَعْدٌ غيرُ مَكْذُوبٍ وذُكِر لنا أن صالـحا حينَ أخبرهم أن العذاب أتاهم لبسوا الأنطاع والأكسية، وقـيـل لهم: إن آية ذلك أن تصفرّ ألوانكم أوّل يوم، تـم تـحمرّ فـي الـيوم الثانـي، ثم تسودّ فـي الـيوم الثالث وذُكر لنا أنهم لـما عقروا الناقة ندموا وقالوا: علـيكم الفصيـلَ فصعد الفصيـل القارة والقارة الـجبل حتـى إذا كان الـيوم الثالث، استقبل القبلة وقال: يا ربّ أمي يا ربّ أمي ثلاثا. قال: فأرسلت الصيحة عند ذلك.

وكان ابن عبـاس

يقول: لو صعدتـم القارة لرأيتـم عظام الفصيـل. وكانت منازل ثمود بحجرْ بـين الشام والـمدينة.

١٤١٧٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: تَـمَتّعُوا فِـي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ قال: بقـية آجالهم.

١٤١٨٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة أن ابن عبـاس قال: لو صعدتـم علـى القارة لرأيتـم عظام الفصيـل.

٦٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا صَالِحاً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما جاء ثمود عذابنا، نَـجّيْنا صَالِـحا وَالّذِينَ آمَنُوا به مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا

يقول: بنعمة وفضل من اللّه . وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ

يقول: ونـجيناهم من هوان ذلك الـيوم وذُلّة بذلك العذاب. إنّ رَبّكَ هُوَ القَوِيّ فـي بطشه إذا بطش بشيء أهلكه، كما أهلك ثمود حين بطش بها العزيز، فلا يغلبه غالب ولا يقهره قاهر، بل يغلب كلّ شيء ويقهره.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤١٨١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بِرَحْمَةٍ مِنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قال: نـجاه اللّه برحمة منا، ونـجاه من خزي يومئذ.

١٤١٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة قال: قلنا له: حدّثنا حديث ثمود قال: أحدثكم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ثمود: (كانت ثمود قوم صالـح، أعمرهم اللّه فـي الدنـيا فأطال أعمارهم حتـى جعل أحدهم يبنـي الـمسكن من الـمدَر، فـينهدم والرجل منهم حيّ، فلـما رأوا ذلك اتـخذوا من الـجبـال بـيوتا فَرِهين، فنـحتوها وجوّفوها، وكانوا فـي سعة من معايشهم، فقالوا: يا صالـح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلـم أنك رسول اللّه فدعا صالـح ربه، فأخرج لهم الناقة، فكان شِرْبُها يوما وشِرْبهم يوما معلوما. فإذا كان يوم شربها خـلوا عنها وعن الـماء وحلبوها لبنا، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء، حتـى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الـماء، فلـم تشرب منه شيئا، ملأوا كلّ إناء ووعاء وسقاء. فأوحى اللّه إلـى صالـح: إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم، فقالوا: ما كنا لنفعل فقال: إلا تعقروها أنتـم يوشك أن يولد فـيكم مولود. قالوا: ما علامة ذلك الـمولود؟ فواللّه لا نـجده إلا قتلناه قال: فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر. قال: وكان فـي الـمدينة شيخان عزيزان منـيعان، لأحدهما ابن يرغب به عن الـمناكح، وللاَخر ابنة لا يجد لها كفؤا، فجمع بـينهما مـجلس، فقال أحدهما لصاحبه: ما يـمنعك أن تزوّج ابنك؟ قال: لا أجد له كفؤا، قال: فإن ابنتـي كفؤٌ له، وأنا أزوّجك فزوّجه، فولد بـينهما ذلك الـمولود. وكان فـي الـمدينة ثمانـية رهط يفسدون فـي الأرض، ولا يصلـحون، فلـما قال لهم صالـح: إنـما يعقرها مولود فـيكم، اختاروا ثمانـي نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهنّ شُرَطا كانوا يطوفون فـي القرية، فإذا وجدوا الـمرأة تُـمْخَض، نظروا ما ولدها إن كان غلاما قلبنه، فنظرن ما هو، وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلـما وجدوا ذلك الـمولود صرخ النسوة وقلن: هذا الذي يريد رسول اللّه صالـح فأراد الشرط أن يأخذوه، فحال جدّاه بـينهم وبـينه وقالا: لو أن صالـحا أراد هذا قتلناه فكان شرّ مولود، وكان يشِبّ فـي الـيوم شبـابَ غيرِه فـي الـجمعة، ويشبّ فـي الـجمعة شَبـابَ غيره فـي الشهر، ويشبّ فـي الشهر شبـابَ غيره فـي السنة. فـاجتـمع الثمانـية الذين يفسدون فـي الأرض ولا يصلـحون وفـيهم الشيخان، فقالوا نستعمل علـينا هذا الغلام لـمنزلته وشرف جدّيه، فكانوا تسعة. وكان صالـح لا ينام معهم فـي القرية، كان فـي مسجد يقال له مسجد صالـح، فـيه يبـيت بـاللـيـل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، وإذا أمسى خرج إلـى مسجده فبـات فـيه) . قال حجاج: وقال ابن جريج: (لـما قال لهم صالـح: إنه سيولد غلام يكون هلاككم علـى يديه، قالوا فكيف تأمرنا؟ قال: آمركم بقتلهم فقتلوهم إلا واحدا. قال: فلـما بلغ ذلك الـمولود قالوا: لو كنا لـم نقتل أولادنا، لكان لكل رجل منا مثل هذا، هذا عمل صالـح. فأتـمروا بـينهم بقتله، وقالوا: نـخرج مسافرين والناس يروننا عَلانـية، ثم نرجع من لـيـلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نـحن فأقبلوا حتـى دخـلوا تـحت صخرة يرصدونه، فأرسل اللّه علـيهم الصخرة فرضختهم، فأصبحوا رَضخا. فـانطلق رجال مـمن قد اطلع علـى ذلك منهم، فإذا هم رضخ، فرجعوا يصيحون فـي القرية: أي عبـادَ اللّه ، أما رضي صالـح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتـى قتلهم؟ فـاجتـمع أهل القرية علـى قتل الناقة أجمعون، وأحجموا عنها إلا ذلك الابن العاشر.) ثم رجع الـحديث إلـى حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (وأرادوا أن يـمكروا بصالـح، فمشَوا حتـى أتوا علـى سَرَب علـى طريق صالـح، فـاختبأ فـيه ثمانـية، وقالوا: إذا خرج علـينا قتلناه وأتـينا أهله فبـيتناهم فأمر اللّه الأرض فـاستوت علـيهم) . قال: (فـاجتـمعوا ومشَوا إلـى الناقة وهي علـى حوضها قائمة، فقال الشقـيّ لأحدهم: ائتها فـاعقرها فأتاها فتعاظمه ذلك، فأضرب عن ذلك، فبعث آخَر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتـى مشَوا إلـيها، وتطاول فضرب عرقوبـيها، فوقعت تركض، وأتـى رجل منهم صالـحا، فقال: أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل، وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إلـيه: يا نبـي اللّه إنـما عقرها فلان، إنه لا ذنب لنا. قال: فـانظروا هل تُدْرِكون فصيـلها، فإن أدركتـموه، فعسى اللّه أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه، ولـما رأى الفصيـلُ أمه تضطرب أتـى جبلاً يقال له القارة قصيرا، فصعد وذهبوا لـيأخذوه، فأوحي اللّه إلـى الـجبل، فطال فـي السماء حتـى ما يناله الطير) . قال: (ودخـل صالـح القرية، فلـما رآه الفصيـل بكى حتـى سالت دموعه، ثم استقبل صالـحا فَرَغا رَغْوة، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى، فقال صالـح لقومه: لكل رَغوة أجل يوم تَـمَتّعُوا فِـي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ ذلكَ وَعْدٌ غيرُ مَكْذُوبٍ ألا إن آية العذاب أن الـيوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة، والـيوم الثانـي مـحمرة، والـيوم الثالث مسودّة فلـما أصبحوا فإذا وجوههم كأنها طُلِـيَت بـالـخَـلُوق، صغيرهم وكبـيرهم، ذكرهم وأنثاهم. فلـما أمْسَوْا صاحوا بأجمهم: ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب فلـما أصبحوا الـيوم الثالث إذا وجوههم مـحمرة كأنها خُضِبت بـالدماء، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب. فلـما أمسوْا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب فلـما أصبحوا الـيوم الثالث فإذا وجوههم مسودّة كأنها طُلـيت بـالقار، فصاحوا جميعا: ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتـحنّطوا، وكان حَنوطهم الصبر والـمَقْر، وكانت أكفـانهم الأنطاع. ثم ألَقْوا أنفسهم بـالأرض، فجعلوا يقلبون أبصارهم، فـينظرون إلـى السماء مرّة وإلـى الأرض مرّة، فلا يدرون من حيث يأتـيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تـحت أرجلهم من الأرض خَسْفـا وغرقا. فلـما أصبحوا الـيوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فـيها صوت كلّ صاعقة، وصوت كل شيء له صوت فـي الأرض، فتقطعت قلوبهم فـي صدورهم، فأصبحوا فـي دارهم جاثمين) .

١٤١٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: حُدّثت أنه لـما أخذتهمُ الصيحة أهلك اللّه مَنْ بـين الـمشارق والـمغارب منهم إلا رجلاً واحدا كان فـي حَرَم اللّه ، منعه حَرَم اللّه من عذاب اللّه . قـيـل: ومن هو يا رسول اللّه ، قال: (أبو رِغال) . وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أتـى علـى قرية ثمود لأصحابه: (لا يَدْخُـلَنّ أحَدٌ مِنْكُمُ القَرْيَةَ وَلا تَشْرَبُوا مِنْ مائهِمْ) وأراهم مرتقـي الفصيـل حين ارتقـي فـي القَارَة. قال ابن جريج، وأخبرنـي موسى بن عُقْبة، عن عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حين أتـى علـى قرية ثمود قال: (لا تَدْخُـلُوا علـى هؤلاءِ الـمَعَذّبِـينَ إلاّ أنْ تَكُونُوا بـاكِينَ، فإنْ لَـمْ تَكُونُوا بـاكينَ فَلا تَدْخُـلُوا عَلَـيْهمْ أنْ يُصِيبَكُمْ ما أصَابَهُمْ) . قال ابن جريج: قال جابر بن عبد اللّه . إن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـما أتـى علـى الـحِجْر، حمِد اللّه وأثنى علـيه ثم قال: (أمّا بَعْدُ، فَلا تَسألُوا رَسُولَكُمُ الاَياتِ، هَؤُلاءِ قَوْمُ صَالِـحٍ سألُوا رَسوَلهُمُ الآية، فَبَعَثَ اللّه لَهُمُ النّاقَةَ، فَكانَتْ تَرِدُ منْ هَذَا الفَجّ وتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الفَجّ، فَتَشْرَبُ ماءَهُمْ يَوْمَ وُرُودِها) .

١٤١٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـما مرّ بوادي ثمود، وهو عامد إلـى تَبُوك قال: فأمر أصحابه أن يسرعوا السير، وأن لا ينزلوا به، ولا يشربوا من مائه، وأخبرهم أنه وادٍ ملعون. قال: وذُكِر لنا أن الرجل الـموسر من قوم صالـح كان يعطِي الـمعسر منهم ما يتكفّنون به، وكان الرجل منهم يَـلْـحَد لنفسه ولأهل بـيته، لـميعاد نبـيّ اللّه صالـح الذي وعدهم وحدّث من رآهم بـالطرق والأفنـية والبـيوت، فـيهم شبـان وشيوخ أبقاهم اللّه عبرة وآية.

١٤١٨٥ـ حدثنا إسماعيـل بن الـمتوكل الأشجعي من أهلِ حمص، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، قال: حدثنا عبد اللّه بن واقد، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، قال: حدثنا أبو الطفـيـل، قال: لـما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غزوة تَبُوك، نزل الـحِجر فقال: (يا أيّها النّاسُ لا تَسألُوا نَبِـيّكُمُ الاَياتِ هَؤلاءِ قَوْمُ صَالِـحٍ سألُوا نَبِـيّهُمْ أنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً، فَبَعَثَ اللّه لَهُمُ النّاقَةَ آيَةً، فَكانَتْ تَلِـجُ عَلَـيْهِمْ يَوْمَ وُرُودِهُمُ الّذِي كانُوا يَتَرَوّونَ مِنْهُ، ثُمّ يَحْلُبُونَها مِثْلَ ما كانُوا يَتَرَوّوْنَ مِنْ مائهِمْ قَبْلَ ذلكَ لَبَنا، ثُمّ تَـخْرُجُ مِن ذلكَ الفَجّ، فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ وَعَقَرُوها، فَوَعَدَهُمُ اللّه العَذَابَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ، وكانَ وَعْدا مِنَ اللّه غيرَ مَكْذُوبٍ، فأهْلَكَ اللّه مَنْ كانَ مِنْهُمْ فِـي مَشارِقِ الأرْضِ وَمَغارِبِها إلاّ رَجُلاً وَاحِدا كانَ فِـي حَرَمِ اللّه ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللّه مِنْ عَذَابِ اللّه ) قالُوا: وَمَنْ ذلكَ الرّجُلُ يا رَسُولَ اللّه ؟ قالَ: (أبُو رُغال) .

٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَأَخَذَ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأصاب الذين فعلوا ما لـم يكن لهم فعله من عَقْر ناقة اللّه وكفرهم به الصيحةُ، فَأصْبَحُوا فِـي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ قد جَثَمتهم الـمنايا، وتركتهم خمودا بأفنـيتهم. كما:

١٤١٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فأصْبَحُوا فِـي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يقول: أصبحوا قد هلكوا.

٦٨

كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها يقول: كأن لـم يعيشوا فـيها، ولـم يعمروا بها. كما:

١٤١٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها كأن لـم يعيشوا فـيها.

١٤١٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.

وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بشواهده فأغنـي ذلك عن إعادته.

وقوله: ألا أنّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبّهُمْ

يقول: ألا إن ثمود كفروا بآيات ربهم فجحدوها. ألا بُعْدا لِثَمُودَ

يقول: ألا أبعد اللّه ثمود لنزول العذاب بهم.

٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَىَ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا من الـملائكة، وهم فـيـما ذُكِر كانوا جبرئيـل وملكين آخرين. وقـيـل إن الـملكين الاَخرين كانا ميكائيـل وإسرافـيـل معه. إبْرَاهِيـمُ يعني إبراهيـم خـلـيـل اللّه بـالبُشْرَى يعني : بـالبشارة. واختلفوا فـي تلك البشارة التـي أتوه بها،

فقال بعضهم: هي البشارة بإسحاق. وقال بعضهم: هي البشارة بهلاك قوم لوط. قالُوا سَلاما

يقول: فسلـموا علـيه سلاما، ونصب (سلاما) بإعمال (قالوا) فـيه، كأنه قـيـل: قالوا قولاً وسلّـموا تسلـيـما. قالَ سَلامٌ

يقول: قال إبراهيـم لهم: سلام. فرفع (سلام) ، بـمعنى علـيكم السلام، أو بـمعنى سلام منكم. وقد ذُكِر عن العرب أنها تقول: سِلْـم، بـمعنى السلام كما قالوا: حِلّ وحلال، وحِرْم وحرام. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:

مَرَرْنا فَقُلْنا إيهِ سِلْـمٌ فَسَلّـمَتْكمَا اكْتَلّ بـالبَرْقِ الغَمامُ اللّوَائِحُ

بـمعنى (سلام) . وقد روي (كما انكلّ) . وقد زعم بعضهم أن معناه إذا قرىء كذلك: نـحن سِلْـم لكم، من الـمسالـمة التـي هي خلاف الـمـحاربة، وهذه قراءة عامة قرّاء الكوفـيـين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز والبصرة قالوا سلاما قال سَلامٌ علـى أن الـجواب من إبراهيـم صلى اللّه عليه وسلم لهم، بنـحو تسلـيـمهم علـيكم السلام.

والصواب من القول فـي ذلك عندي: أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، لأن السّلْـم قد يكون بـمعنى السلام علـى ما وصفت، والسلام بـمعنى السلـم، لأن التسلـيـم لا يكاد يكون إلا بـين أهل السّلـم دون الأعداء، فإذا ذكر تسلـيـم من قوم علـى قوم وردّ الاَخرين علـيهم، دلّ ذلك علـى مسالـمة بعضهم بعضا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة فـي القراءة، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب.

وقوله: فَمَا لَبثَ أنْ جاءَ بعجْلٍ حَنـيذٍ وأصله مـحنوذ، صرف من مفعول إلـى فَعيـل.

وقد اختلف أهل العربـية فـي معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم: معنى الـمـحنوذ: الـمشويّ، قال: ويقال منه: حنذت فرسي، بـمعنى سَخّنته وعَرّقته. واستشهد لقوله ذلك ببـيت الراجز:

وَرَهِبَـا منْ حَنْذِهِ أنْ يَهْرَجا

وقال آخر منهم: حَنَذ فرسه: أي أضمره، وقال: قالوا حَنَذهَ يحْنِذهُ حنذا: أي عرّقه. وقال بعض أهل الكوفة: كل ما انشوى فـي الأرض إذا خددت له فـيه فدفنته وغمـمته فهو الـحنـيذ والـمـحنوذ. قال: والـخيـل تَـحنذ إذا ألقـيت علـيها الـجلال بعضها علـى بعض لتعرق. قال: ويقال: إذا سقـيتَ فأحْنِذْ، يعني أخْفِسْ، يريد: أقلّ الـماء وأكثر النبـيذ.

وأما التأويـل، فإنهم قالوا فـي معناه ما أنا ذاكره، وذلك ما:

١٤١٨٩ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: بعِجْلٍ حَنِـيذٍ

يقول: نضيج.

١٤١٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بِعِجْلٍ حَنِـيذ قال: (بعجل) حَسِيـل البقر، والـحنـيذ: الـمشويّ النضيج.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْرَاهِيـمَ بـالبُشْرَى... إلـى بِعِجْلٍ حَنِـيذٍ قال: نضيج سخن أنضج بـالـحجارة.

١٤١٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَمَا لَبثَ أنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنـيذٍ والـحنـيذ: النضيج.

١٤١٩٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بعِجْلٍ حَنِـيذٍ قال: نضيج. قال: وقال الكلبـي: والـحنـيذ: الذي يُحْنَذ فـي الأرض.

١٤١٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر، فـي قوله: فجاءَ بعِجْلٍ حَنِـيذٍ قال: الـحنـيذ: الذي يقطر ماء وقد شُويِ. وقال حفص: الـحنـيذ: مثل حناذ الـخيـل.

١٤١٩٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ذبحه ثم شواه فـي الرّضْف فهو الـحنـيذ حين شواه.

١٤١٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو يزيد، عن يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية: فجاءَ بعِجْلٍ حَنِـيذٍ قال: الـمشويّ الذي يقطُر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شَمر بن عطية، قال: الـحنـيذ: الذي يقطر ماؤه وقد شُوِيَ.

١٤١٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : بعِجْلٍ حَنِـيذٍ قال: نضيج.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: بعِجْلٍ حَنِـيذٍ الذي أنضج بـالـحجارة.

١٤١٩٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان: فَمَا لَبثَ أنْ جاءَ بعجْلٍ حَنـيئذٍ قال: مشويّ.

١٤١٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه

يقول: حينذ، يعني شُوِي.

١٤١٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: الـحناذ: الإنضاج.

قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التـي ذكرناها عن أهل العربـية وأهل التفسير متقاربـات الـمعانـي بعضها من بعض. وموضع (أن) فـي قوله: أنْ جاءَ بِعجْلٍ حَنِـيذٍ نصب ب قوله: (فما لبث أن جاء) .

٧٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما رأى إبراهيـم أيدَيهم لا تصل إلـى العجل الذي أتاهم به والطعام الذي قدّم إلـيهم نكرهم، وذلك أنه لـما قدّم طعامه صلى اللّه عليه وسلم إلـيهم فـيـما ذُكِر، كَفّوا عن أكله، لأنهم لـم يكونوا مـمن يأكله، وكان إمساكهم عن أكله عند إبراهيـم وهم ضيفـانه مستنكرَا، ولـم تكن بـينهم معرفة، وراعه أمرهم وأوجس فـي نفسه منهم خيفة.

وكان قتادة

يقول: كان إنكاره ذلك من أمرهم كما:

١٤٢٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَـمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَـيْهِ نَكِرَهُمْ وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلـم يَطعَم من طعامهم، ظنوا أنه لـم يجىءْ بخير، وأنه يحدّث نفسه بشرّ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: فَلَـمّا رأى أيْدِيهِمْ لا تَصِلُ إلَـيْهِ نَكِرَهُمْ قال: كانوا إذا نزل بهم ضيف فلـم يأكل من طعامهم، ظنوا أنه لـم يأت بخير، وأنه يحدّث نفسه بشرّ، ثم حدّثوه عند ذلك بـما جاءوا.

وقال غيره فـي ذلك ما:

١٤٢٠١ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن الأسود بن قـيس، عن جندب بن سفـيان، قال: لـما دخـل ضيف إبراهيـم علـيه السلام قرّب إلـيهم العجل، فجعلوا ينكتون بِقداح فـي أيديهم من نَبْل، ولا تصل أيديهم إلـيه، نكرهم عند ذلك.

يقال منه: نَكِرْت الشيء أَنكره، وأَنكرته أنكره بـمعنى واحد، ومن نكرت وأنكرت قول الأعشى:

وأنْكَرَتْنـي وَما كانَ الذي نَكِرَتْمنَ الـحَوَادثِ إلاّ الشّيْبَ والصّلَعا

فجمع اللغتـين جميعا فـي البـيت. وقال أبو ذُؤيب:

فَنَكرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بهِهَوْجاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرْشُعُ

وقوله: وأوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً

يقول: أحسّ فـي نفسه منهم خيفة وأضمرها. قالُوا لا تَـخَفْ

يقول: قالت الـملائكة لـما رأت ما بإبراهيـم من الـخوف منهم: لا تـخف منا وكن آمنا، فإنا ملائكةُ ربك أرسلنا إلـى قوم لوط.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَامْرأتُهُ سارّة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فـالغ، وهي ابنة عم إبراهيـم. قائمَةٌ قـيـل: كانت قائمة من وراء الستر تستـمع كلام الرسل وكلام إبراهيـم علـيه السلام. وقـيـل: كانت قائمة تـخدم الرسل وإبراهيـم جالس مع الرسل.

وقوله: فَضَحِكَتْ اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَضَحِكَتْ وفـي السبب الذي من أجله ضحكت،

فقال بعضهم: ضحكت الضحك الـمعروف تعجبـا من أنها وزوجها إبراهيـم يخدمان ضيفـانهم بأنفسهما تكرمة لهم، وهم عن طعامهم مـمسكون لا يأكلون. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٢ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: بعث اللّه الـملائكة لتهلك قوم لوط أقبلت تـمشي فـي صورة رجال شبـاب، حتـى نزلوا علـى إبراهيـم فتضيّفوه. فلـما رآهم إبراهيـم أجلّهم فراغَ إلـى أهله، فجاء بعجل سمين، فذبحه ثم شواه فـي الرّضْف، فهو الـحنـيذ حين شواه. وأتاهم فقعد معهم، وقامت سارَة تـخدمهم، فذلك حين

يقول: وَامْرأتُهُ قائمَةٌ وهو جالس. فـي قراءة ابن مسعود (فلـما قرّبه إلـيهم قال ألا تأكلون) قالوا: يا إبراهيـم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال: فإن لهذا ثمنا. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم اللّه علـى أوّله وتـحمدونه علـى آخره. فنظر جبرئيـل إلـى ميكائيـل فقال: حقّ لهذا أن يتـخذه ربه خـلـيلاً. فَلَـمّا رَأى أيْدَيهُمْ لا تَصِلُ إلَـيْهِ

يقول: لا يأكلون، فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلـما نظرت إلـيه سارّة أنه قد أكرمهم وقامت هي تـخدمهم، ضحكت وقالت: عجبـا لأضيافنا هؤلاء، إنا نـخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا

وقال آخرون: بل ضحكت من أن قوم لوط فـي غفلة وقد جاءت رسل اللّه لهلاكهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لـما أوجس إبراهيـم خيفة فـي نفسه حدّثوه عند ذلك بـما جاءوا فـيه، فضحكت امرأته وعجِبت من أن قوما أتاهم العذاب وهم فـي غفلة، فضحكت من ذلك وعجبت، فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب.

١٤٢٠٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه قال: ضحكت تعجبـا مـما فـيه قوم لوط من الغفلة ومـما أتاهم من العذاب.

وقال آخرون: بل ضحكت ظنا منها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٥ـ حدثنا الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن قـيس، فـي قوله: وامرأتهُ قائمَةٌ فَضَحكَتْ قال: لـما جاءت الـملائكة ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط.

وقال آخرون: بل ضحكت لِـمَا رأت بزوجها إبراهيـم من الرّوع. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي: فضَحِكَتْ قال: ضحكت حينَ راعُوا إبراهيـم مـما رأت من الرّوع بإبراهيـم.

وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبـا من أن يكون لها ولد علـى كِبَر سنها وسنّ زوجها. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه

يقول: لـما أتـى الـملائكة إبراهيـم علـيه السلام فرآهم، راعه هيئتهم وجمالهم، فسلـموا علـيه، وجلسوا إلـيه، فقام فأمر بعجل سمين، فحنذ له، فقرّ إلـيهم الطعام. فلـما رأى أيديهم لا تصل إلـيه نكرهم وأوجس منهم خيفة، وسارَة وراء البـيت تسمع قالوا: لا تـخف إنا نبشرك بغلام حلـيـم مبـارك وبشّر به امرأته سارة، فضحكت وعجبت كيف يكون لـي ولد وأنا عجوز وهو شيخ كبـير فقالوا: أتعجبـين من أمر اللّه ؟ فإنه قادر علـى ما يشاء، فقد وهبه اللّه لكم فأبشروا به

وقد قال بعض من كان يتأوّل هذا التأويـل: إن هذا من الـمقدّم الذي معناه التأخير، وكأن معنى الكلام عنده: وامرأته قائمة، فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: يا ويـلتا أألد وأنا عجوز.

وقال آخرون: بل معنى قوله: (فضحكت) فـي هذا الـموضع: فحاضت. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٨ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، عن علـيّ بن هارون، عن عمرو بن الأزهر، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: فَضَحِكَتْ قال: حاضت، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة. قال: وكان إبراهيـم ابن مئة سنة.

وقال آخرون: بل ضحكت سرورا بـالأمن منهم لـما قالوا لإبراهيـم: لا تـخف، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضا كما خافهم إبراهيـم فلـما أمنت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق. وقد كان بعض أهل العربـية من الكوفـيـين يزعم أنه لـم يسمع ضحكت بـمعنى حاضت من ثقة. وذكر بعض أهل العربـية من البصريـين أن بعض أهل الـحجاز أخبره عن بعضهم أن العرب تقول ضحكت الـمرأة: حاضت، قال: وقد قال: الضحك: الـحيض، وقد قال بعضهم: الضحك: العجب، وذكر بـيت أبـي ذؤيب:

فجاءَ بِـمَزْجٍ لَـمْ يَرَ النّاسُ مِثْلَهُهُوَ الضّحْكُ إلاّ أنّهُ عَمَلُ النّـحْلِ

وذكر أن بعض أصحابه أنشده فـي الضحك بـمعنى الـحيض:

وَضَحْكُ الأرَانِبِ فَوْقَ الصّفـاكمِثْلِ دَمِ الـجَوْفِ يَوْمَ اللّقا

قال: وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكُمَيت:

فأضْحَكَتِ الضبّـاعَ سيُوفُ سَعْدٍبقَتْلَـى ما دُفِنّ وَلا وُدِينا

وقال: يريد الـحيض. قال: وبـالـحرث بن كعب يقولون: ضحكت النـخـلة: إذا أخرجت الطلع أو البسر. وقالوا: الضحك: الطلع. قال: وسمعنا من يحكي: أضحكت حوضا: أي ملأته حتـى فـاض. قال: وكأنّ الـمعنى قريب بعضه من بعض كله، لأنه كأنه شيء يـمتلـىء فـيفـيض.

وأولـى الأقوال التـي ذكرت فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى قوله: (فضحكت) : فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب اللّه وغفلته عنه.

وإنـما قُلْنا هذا القول أولـى بـالصواب لأنه ذكر عقـيب قولهم لإبراهيـم: لا تـخف إنا أرسلنا إلـى قوم لوط. فإذْ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيـم: لا تـخف، كان الضحك والتعجب إنـما هو من أمر قوم لوط.

٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنّ هَـَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }.

يقول تعالـى ذكره: فبشّرنا سارة امرأة إبراهيـم ثوابـا منا لها علـى نكيرها وعجبها من فعل قوم لوط بإسحاق ولدا لها. ومِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ

يقول: ومن خـلف إسحاق يعقوب من ابنهاإسحاق. والوراء فـي كلام العرب: ولد الولد، وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٠٩ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا داود، عن عامر، قال: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: الوراء: ولد الولد.

١٤٢١٠ـ حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى، قال كل واحد منهما: حدثنـي أبو الـيسع إسماعيـل بن حماد بن أبـي الـمغيرة مولـى الأشعري، قال: كنت إلـى جنب جدي أبـي الـمغيرة بن مهران فـي مسجد علـيّ بن زيد، فمرّ بنا الـحسن بن أبـي الـحسن، فقال: يا أبـا الـمغيرة من هذا الفتـى؟ قال: ابنـي من ورائي، فقال الـحسن: فَبَشّرناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ.

١٤٢١١ـ حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـي، فـي قوله: فَبَشّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: ولد الولد هو الوراء.

حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد، عن داود، عن عامر، فـي قوله: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: الوراء: ولد الولد.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـيّ، مثله.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو عمرو الأزدي، قال: سمعت الشعبـيّ

يقول: ولد الولد: هم الولد من الوراء.

١٤٢١٢ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب بن أبـي ثابت، قال: جاء رجل إلـى ابن عبـاس ومعه ابن ابنه، فقال: من هذا معك؟ قال: هذا ابنـي، قال: هذا ولدك من الوراء. قال: فكأنه شقّ علـى ذلك الرجل، فقال ابن عبـاس : إن اللّه

يقول: فَبَشّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ فولد الولد: هم الوراء.

١٤٢١٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما ضحكت سارّة وقالت: عجبـا لأضيافنا هؤلاء، إنا نـخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا قال لها جبريـل: أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فضربت وجهها عجبـا، فذلك قوله: فَصكّتْ وَجْهَها وقالت: أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلـى شَيْخا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أتَعْجَبـينَ منْ أمْرِ اللّه رَحْمَةُ اللّه وَبَرَكاتُهُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ إنّهُ حَميدٌ مَـجِيدٌ قالت سارّة: ما آية ذلك؟ قال: فأخذ بـيده عودا يابسا فلواه بـين أصابعه، فـاهتزّ أخضر، فقال إبراهيـم: هو لله إذا ذبـيحا.

١٤٢١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: فضحكت يعني سارّة لـما عرفت من أمر اللّه جل ثناؤه ولـما تعلـم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يقعوب بـابن وبـابن ابن، فقالت وصكّت وجهها يقال: ضربت علـى جبـينها: يا وَيْـلَتا ءألِدُ وأنا عَجُوز.... إلـى قوله: إنّهُ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء العراق والـحجاز: (ومِنْ وَرَاءِ إسحاقَ يَعْقُوبُ) برفع (يعقوب) ، ويعيد ابتداء الكلام بقوله . وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ. وذلك وإن كان خبرا مبتدأ، ففـيه دلالة علـى معنى التبشير. وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشأم: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ نصبـا فأما الشامي منهما فذكر أنه كان ينـحو بـيعقوب نـحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة، كأنه قال: ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب، فلـما لـم يظهر (وهبنا) عمل فـيه التبشير وعطف به علـى موضع (إسحاق) ، إذ كان إسحاق وإن كان مخفوضا فإنه بـمعنى الـمنصوب بعمل (بشرنا) فـيه، كما قال الشاعر:

جِئْنِـي بِـمِثْلِ بنـي بَدْرٍ لقَومِهِمِأوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْطُورِ بنِ سَيّارِ

أوْ عامِرِ بْنِ طُفَـيْـلٍ فـي مُرَكّبهِأوْ حارِثا يَوْمَ نادَى القَوْمُ يا حارِ

وأما الكوفـيّ منهما فإنه قرأه بتأويـل الـخفض فـيـما ذُكِر عنه، غير أنه نصبه لأنه لا يُجْرَى. وقد أنكر ذلك أهل العلـم بـالعربـية من أجل دخول الصفة بـين حرف العطف والاسم، وقالوا: خَطأ أن يقال: مررت بعمرو فـي الدار وفـي الدار زيد، وأنت عاطف بزيد علـى عمرو، إلا بتكرير البـاء وإعادتها، فإن لـم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع وجاز النصب، فإن قدم الاسم علـى الصفة جاز حينئذ الـخفض، وذلك إذا قلت: مررت بعمرو فـي الدار وزيد فـي البـيت. وقد أجاز الـخفض والصفة معترضة بـين حرف العطف والاسم بعض نـحويـي البصرة.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا، لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من كلام العرب، والذي لا يتناكره أهل العلـم بـالعربـية، وما علـيه قراءة الأمصار. فأما النصب فـيه فإن له وجها، غير أنـي لا أحبّ القراءة به، لأن كتاب اللّه نزل بأفصح ألسن العرب، والذي هو أولـى بـالعلـم بـالذي نزل به من الفصاحة.

٧٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّه رَحْمَةُ اللّه وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت سارّة لـما بُشّرت بإسحاق أنها تلد تعجبـا مـما قـيـل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السنّ التـي لا يـلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء، وقـيـل: إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة وإبراهيـم ابن مِئة سنة، وقد ذُكِرَت الرواية فـيـما رُوى فـي ذلك عن مـجاهد قبلُ.

وأما ابن إسحاق، فإنه قال فـي ذلك ما:

١٤٢١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت سارّة يوم بشرت بإسحاق فـيـما ذَكَر لـي بعض أهل العلـم ابنة تسعين سنة، وإبراهيـم ابن عشرين ومئة سنة.

يا وَيْـلَتا وهي كلـمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء والاستنكار للشيء، فـيقولون عند التعجب: ويـلُ امّه رجلاً ما أرجله.

وقد اختلف أهل العربـية فـي هذه الألف التـي فـي: يا وَيْـلَتَا فقال بعض نـحويـي البصرة: هذه ألف حقـيقة، إذا وقـفت قلت: يا ويـلتاه، وهي مثل ألف النّدبة، فلطفت من أن تكون فـي السكت، وجعلت بعدها الهاء لتكون أبـين لها وأبعد فـي الصوت وذلك لأن الألف إذا كانت بـين حرفـين كان لها صدى كنـحو الصوت يكون فـي جوف الشيء فـيتردّد فـيه، فتكون أكثر وأبـين. وقال غيره: هذه ألف الندبة، فإذا وقـفت علـيها فجائز، وإن وقـفت علـى الهاء فجائز وقال: ألا ترى أنهم قد وقـفوا علـى قوله: وَيَدْعُوا الإنْسانُ فحذفوا الواو وأثبتوها، وكذلك: ما كُنّا نَبْغِي بـالـياء، وغير الـياء؟ قال: وهذا أقوى من ألف النّدبة وهائها.

والصواب من القول فـي ذلك عندي أن هذه الألف ألف الندبة، والوقـف علـيها بـالهاء وغير الهاء جائز فـي الكلام لاستعمال العرب ذلك فـي كلامهم.

وقوله: ءألِدُ وأنا عَجُوزٌ تقول: أنى يكون لـي ولد وأنا عجوز. وَهَذَا بَعْلـى شَيْخا والبعل فـي هذا الـموضع: الزوج وسمي بذلك لأنه قّـيـم أمرها، كما سموا مالك الشيء بعله، وكما قالوا للنـخـل التـي تستغنـي بـماء السماء عن سقـي ماء الأنهار والعيون البعل، لأن مالك الشيء القـيـم به، والنـخـل البعل بـماء السماء حياته.

وقوله: إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ

يقول: إن كون الولد من مثلـي ومثل بعلـي علـى السنّ التـي بها نـحن لشيء عجيب. قالُوا أتَعْجَبِـينَ مِنْ أمْرِ اللّه يقول اللّه تعالـى ذكره: قالت الرسل لها: أتعجبـين من أمر أمَر اللّه به أن يكون وقضاء قضاه اللّه فـيك وفـي بعلك؟

وقوله: رَحْمَة اللّه وَبَرَكاتُهُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ

يقول: رحمة اللّه وسعادته لكم أهل بـيت إبراهيـم. وجعلت الألف واللام خـلفـا من الإضافة.

وقوله: إنّهُ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ

يقول: إن اللّه مـحمود فـي تفضله علـيكم بـما تفضل به من النعم علـيكم وعلـى سائر خـلقه مـجيد

يقول: ذو مـجد ومدح وثناء كريـم، يقال فـي فعل منه: مَـجُدَ الرجل يَـمْـجُد مَـجَادّةً إذا صار كذلك، وإذا أردت أنك مدحته قلت: مـجّدته تـمـجيدا.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَىَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما ذهب عن إبراهيـم الـخوف الذي أوجسه فـي نفسه من رسلنا حين رأى أيديهم لا تصل إلـى طعامه، وأمن أن يكون قصد فـي نفسه وأهله بسوء، وجاءته البشرى بإسحاق، ظلّ يجادلنا فـي قوم لوط.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ

يقول: ذهب عنه الـخوف، وَجاءَتْهُ البُشْرَى بإسْحاقَ.

١٤٢١٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى بإسحاق، ويعقوب ولد من صلب إسحاق، وأمن مـما كان يخاف قال: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَهَبَ لـي علـى الكِبَرِ إسْماعيـلَ وإسْحاقَ إنّ رَبـي لَسَميعُ الدّعاءِ.

وقد قـيـل معنى ذلك: وجاءته البشرى أنهم لـيسوا إياه يريدون. ذكر من قال ذلك:

١٤٢١٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَجاءَتْهُ البُشْرَى قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلـى قوم لوط، وأنهم لـيسوا إياه يريدون.

١٤٢١٩ـ قال: حدثنا مـحمد بن ثور، قال: حدثنا معمر، وقال آخرون: بشر بإسحاق.

وأما الرّوع: فهو الـخوف، يقال منه: راعنـي كذا يَرُوعنـي رَوْعا: إذا خافه، ومنه قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم(كيف لك برَوْعَة الـمؤمن) ومنه قول عَنْترة:

ما رَاعَنِـي إلاّ حَمُولةُ أهْلِهاوَسْطَ الدّيارِ تَسَفّ حَبّ الـخِمْخِمِ

بـمعنى: ما أفزعنـي.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الروع: الفرق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: الفرق.

١٤٢٢١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: الفرق.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: ذهب عنه الـخوف.

وقوله: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ

يقول: يخاصمنا. كما:

١٤٢٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يُجادِلُنا: يخاصمنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وزعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن معنى قوله: يُجادِلُنا يكلـمنا، وقال: لأن إبراهيـم لا يجادل اللّه إنـما يسأله ويطلب منه. وهذا من الكلام جهل، لأن اللّه تعالـى ذكره أخبرنا فـي كتابه أنه يجادل فـي قوم لوط، فقول القائل: إبراهيـم لا يجادل، موهما بذلك أن قول من قال فـي تأويـل قوله: يُجادِلُنا يخاصمنا، أن إبراهيـم كان يخاصم ربه جهل من الكلام، وإنـما كان جداله الرسل علـى وجه الـمـحاجة لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا، ولكنه لـما عرف الـمراد من الكلام حذف الرسل. وكان جداله إيّاهم كما:

١٤٢٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، قال: حدثنا جعفر، عن سعيد: يُجادِلُنا فـي قَوْمِ لُوطٍ قال: لـما جاء جبرئيـل ومن معه قالوا لإبراهيـم: إنّا مُهْلِكُوا أهْلِ هَذِهِ الْقَرْيةِ إنّ أهْلُهَا كانُوا ظالـمينَ قال لهم إبراهيـم: أتهلكون قرية فـيها أربع مئة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها ثلاث مئة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها مئتا مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها أربعون مؤمنا؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها أربعة عشرَ مؤمنا؟ قالوا: لا. وكان إبراهيـم يعدّهم أربعة عشر بـامرأة لوط، فسكت عنهم واطمأنت نفسه.

١٤٢٢٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـحمانـي، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: قال الـملك لإبراهيـم: إن كان فـيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب.

١٤٢٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ ذكر لنا أن مـجادلته إياهم أنه قال لهم: أرأيتـم إن كان فـيها خمسون من الـمؤمنـين أمعذّبوها أنتـم؟ قالوا: لا. حتـى صار ذلك إلـى عشرة، قال: أرأيتـم إن كان فـيها عشرة أمعذّبوهم أنتـم؟ قالوا: لا. وهي ثلاث قرى فـيها ما شاء اللّه من الكثرة والعدد.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ قال: بلغنا أنه قال لهم يؤمئذ: أرأيتـم إن كان فـيها خمسون من الـمسلـمين؟ قالوا: إن كان فـيها خمسون لـم نعذّبهم. قال: أربعون؟ قالوا: وأربعون. قال: ثلاثون؟ قالوا: ثلاثون. حتـى بلغ عشرة، قالوا: وإن كان فـيهم عشرة، قال: ما قوم لا يكون فـيهم عشرة فـيهم خير. قال ابن عبد الأعلـى، قال مـحمد بن ثور: قال معمر: بلغنا أنه كان فـي قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان، أو ما شاء اللّه من ذلك.

١٤٢٢٦ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمُ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى قالَ ما خَطبُكمْ أيها الـمرسلونَ قالوا: إنا أرسلنا إلـى قوم لوط فجادلهم فـي قوم لوط، قال: أرأيتـم إن كان فـيها مئة من الـمسلـمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. فلـم يزل يحطّ حتـى بلغ عشرة من الـمسلـمين، فقالوا: لا نعذّبهم إن كان فـيهم عشرة من الـمسلـمين. ثم قالوا: يا إبراهيـمُ أعرِضْ عَنْ هذَا إنه لـيس فـيها إلا أهل بـيت من الـمؤمنـين هو لوط وأهل بـيته، وهو قول اللّه تعالـى ذكره: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ فقالت الـملائكة: يا إبْرَاهِيـمُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ وإنّهُمْ آتِـيهِمْ عَذَابٌ غيرُ مَرْدُود.

١٤٢٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قال: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى يعني : إبراهيـم جادل عن قوم لوط لـيردّ عنهم العذاب. قال: فـيزعم أهل التوراة أن مـجادلة إبراهيـم إياهم حين جادلهم فـي قوم لوط لـيردّ عنهم العذاب. إنـما قال للرسل فـيـما يكلـمهم به: أرأيتـم إن كان فـيهم مئة مؤمن أتهلكونهم؟ قالوا:، لا، قال: أفرأيتـم إن كانوا تسعين؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتـم إن كانوا ثمانـين؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتـم إن كانوا سبعين؟ قالوا: لا، قال: أفرأيتـم إن كانوا ستـين؟ قالوا لا، قال: أفرأيتـم إن كانوا خمسين؟ قالوا لا، قال: أفرأيتـم إن كان رجلاً واحدا مسلـما؟ قالوا: لا. قال: فلـما لـم يذكروا لإبراهيـم أن فـيها مؤمنا واحداقالَ إنّ فـيهَا لُوطا يدفع به عنهم العذاب، قالُوا نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَنْ فِـيها لَنُنَـجّيَنّهُ وأهْلَهُ إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابرِينَ قالوا: يا إبراهيـم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك، وإنهم آتـيهم عذاب غير مردود.

١٤٢٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: قال إبراهيـم: أتهلكونهم إن وجدتـم فـيها مئة مؤمن ثم تسعين؟ حتـى هبط إلـى خمسة. قال: وكان فـي قرية لوط أربعة آلاف ألف.

١٤٢٢٩ـ حدثنا مـحمد بن عوف، قال: حدثنا أبو الـمغيرة، قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا أبو الـمثنى ومسلـم أبو الـحبـيـل الأشجعي قالا: لَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ... إلـى آخر الآية، قال إبراهيـم: أتعذّب عالـما من عالـمك كثـيرا فـيهم مئة رجل؟ قال: لا وعزّتـي ولا خمسين قال: فأربعين؟ فثلاثـين؟ حتـى انتهى إلـى خمسة. قال: لا وعزتـي لا أعذبهم ولو كان فـيهم خمسة يعبدوننـي قال اللّه عزّ وجلّ: فَمَا وَجَدْنا فِـيها غيرَ بَـيْتٍ مِنَ الـمُسْلِـمِينَ أي لوطا وابنتـيه، قال: فحلّ بهم من العذاب، قال اللّه عزّ وجلّ: وتَرَكْنَا فِـيهَا آيةً للّذِينَ يخافُونَ العَذابَ الألـيـمَ وقال: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ.

والعرب لا تكاد تتلقـى (لـمّا) إذا ولـيها فعل ماض إلا بـماض، يقولون: لـما قام قمت، ولا يكادون يقولون: لـما قام أقوم. وقد يجوز فـيـما كان من الفعل له تطاول مثل الـجدال والـخصومة والقتال، فـيقولون فـي ذلك: لـما لقـيته أقاتله، بـمعنى: جعلت أقاتله.

٧٥

وقوله: إنّ إبْرَاهِيـمَ لَـحَلِـيـمٌ أوّاهٌ مُنِـيبٌ يقول تعالـى ذكره: إن إبراهيـم لبطيء الغضب متذلل لربه خاشع له، منقاد لأمره، منـيب رجاع إلـى طاعته. كما:

١٤٢٣٠ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد: أوّاهٌ مُنِـيبٌ قال: القانت: الرجّاع.

وقد بـيّنا معنى الأوّاه فـيـما مضى بـاختلاف الـمختلفـين والشواهد علـى الصحيح منه عندنا من القول بـما أغنـي عن إعادته.

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـَذَآ إِنّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَإِنّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قول رسله لإبراهيـم: يا إبْرَاهِيـمُ أعْرِضْ عَنْ هَذا، وذلك قـيـلهم له حين جادلهم فـي قوم لوط، فقالوا: دع عنك الـجدال فـي أمرهم والـخصومة فـيه، فإنّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ بعذابهم، وحُقّ علـيهم كلـمة العذاب، ومضى فـيهم بهلاكهم القضاء. وإنّهُمْ آتِـيهِمْ عَذَابٌ غيرُ مَرْدُودٍ

يقول: وإن قوم لوط نازل بهم عذاب من اللّه غير مدفوع. وقد ذكر الرواية بـما ذكرنا فـيه عمن ذكر ذلك عنه.

٧٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيَءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما جاءت ملائكتنا لوطا، ساءه مـجيئهم. وهو (فعل) من السّوء، وضاق بهم بـمـجيئهم ذَرْعا

يقول: وضاقت نفسه غمّا بـمـجيئهم، وذلك أنه لـم يكن يعلـم أنهم رسل اللّه فـي حال ما ساءه مـجيئهم، وعلـم من قومه ما هم علـيه من إتـيانهم الفـاحشة، وخاف علـيهم، فضاق من أجل ذلك بـمـجيئهم ذرعا، وعلـم أنه سيحتاج إلـى الـمدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلـمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا

يقول: ساء ظنّا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه.

١٤٢٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة أنه قال: لـما جاءت الرسل لوطا أتَوْه وهو فـي أرض له يعمل فـيها، وقد قـيـل لهم واللّه أعلـم: لا تهلكوهم حتـى يشهد لوط قال: فأتوه فقالوا: إنا متضيفوك اللـيـلة فـانطلق بهم، فلـما مضى ساعة التفت فقال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ واللّه ما أعلـم علـى ظهر الأرض أناسا أخبث منهم قال: فمضى معهم، ثم قال الثانـية مثل ما قال، فـانطلق بهم، فلـما بصرت بهم عجوز السّوء امرأته، انطلقتْ فأنذرتهم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال حذيفة، فذكر نـحوه.

١٤٢٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أتت الـملائكة لوطا وهو فـي مزرعة له، وقال اللّه للـملائكة: إن شهد لوط علـيهم أربع شهادات فقد أَذِنت لكم فـي هلكتهم. فقالوا: يا لوط إنا نريد أن نَضِيفك اللـيـلة، فقال: وما بلغكم من أمرهم؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بـاللّه إنها لشرّ قرية فـي الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرّات. فشهد علـيهم لوط أربع شهادات، فدخـلوا معه منزله.

١٤٢٣٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: خرجت الـملائكة من عند إبراهيـم نـحو قرية لوط، فأتَوها نصف النهار، فلـما بلغوا نهر سَدُوم لقوا ابنة لوط تستقـي من الـماء لأهلها، وكانت له ابنتان، اسم الكبرى ريثا، والصغرى زغرتا، فقالوا لها: يا جارية، هل من منزل؟ قالت: نعم، فمكانكم لا تدخـلوا حتـى آتـيكم فرقت علـيهم من قومها، فأتت أبـاها فقالت: يا أبتاه أرادك فتـيان علـى بـاب الـمدينة ما رأيت وجه قوم أحسن منهم، لا يأخذْهم قومك فـيفضحوهم وقد كان قومه نَهَوه أن يُضِيف رجلاً، فقالوا: خـلّ عنّا فلنُضِف الرجال فجاء بهم، فلـم يعلـم أحد إلا أهل بـيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، قالت: إن فـي بـيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قَطّ فجاءه قومه يُهْرَعون إلـيه.

١٤٢٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: خرجت الرسل فـيـما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيـم إلـى لوط بـالـمؤتفِكة، فلـما جاءت الرسل لوطا سيء بهم وَضَاقَ بِهِمْ ذَرَعا وذلك من تـخوّف قومه علـيهم أن يفضحوه فـي ضيفه، فقال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.

وأما قوله: وَقال هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ فإنه

يقول: وقال لوط: هذا الـيوم يوم شديد شره، عظيـم بَلاؤه، يقال منه: عَصَب يومُنا هذا يَعْصِب عَصْبـا، ومنه قول عديّ بن زيد:

وكنتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لـم أُعَرّدْوَقَدْ سَلَكُوكَ فِـي يَوْمٍ عَصِيبِ

وقول الراجز:

يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الأبْطالاعَصْبَ القَوِيّ السّلَـمَ الطّوَالا

وقول الاَخر:

وإنّكَ إلاّ تُرْضِ بَكْرَ بنَ وَائِلٍيكُنْ لَكَ يَوْمٌ بـالعِرَاقِ عَصِيبُ

وقال كعب بن جُعيـل:

ويُـلَبّونَ بـالـحَضِيصِ فِئامٌعارِفـاتٌ مِنْهُ بِـيَوْمٍ عَصِيبِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٣٦ـ حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: عصيب: شديد.

١٤٢٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يقول شديد.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي يوم بلاء وشدة.

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَوْمٌ عَصِيبٌ شديد.

١٤٢٣٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أي يوم شديد.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وجاء لوطا قومه يستـحثون إلـيه يَرْعَدون مع سرعة الـمشي مـما بهم من طلب الفـاحشة، يقال: أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمّى: إذا أُرعد، وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصا، كما قال الراجز:

بِـمُعْجَلاتٍ نَـحْوَهُ مَهارِعِ

ومنه قول مهلهل:

فجاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسارَىنَقُودُهُمُ علـى رَغْمِ الأُنُوفِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٣٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يُهَرْوِلون، وهو الإسراع فـي الـمشي.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.

١٤٢٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد والـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يسعون إلـيه.

١٤٢٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: فأتوه يُهرعون إلـيه،

يقول: سراعا إلـيه.

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يسرعون إلـيه.

١٤٢٤٢ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ

يقول: يسرعون الـمشي إلـيه.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يهرولون فـي الـمشي. قال سفـيان: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ يسرعون إلـيه.

١٤٢٤٣ـ حدثنا سوّار بن عبد اللّه ، قال: قال سفـيان بن عيـينة فـي قوله: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: كأنهم يُدْفَعون.

١٤٢٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: أقبلوا يُسْرعون مشيا بـين الهَرْولة والـجَمْز.

١٤٢٤٥ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ

يقول: مسرعين.

وقوله: وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ

يقول: من قبل مـجيئهم إلـى لوط كانوا يأتون الرجال فـي أدبـارهم. كما:

١٤٢٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ قال: يأتون الرجال.

وقوله: قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي

يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه لـما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتـي يعني نساء أمته فـانكِحوهن ف هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ. كما:

١٤٢٤٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم لوط بتزويج النساء، وقال: هن أطهر لكم.

١٤٢٤٨ـ حدثنا مـحمدقال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: وبلغنـي هذا أيضا عن مـجاهد.

حدثنا ابن وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: لـم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكلّ نبـيّ أبو أمته.

١٤٢٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء، لـم يعرض علـيهم سفـاحا.

١٤٢٥٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا أبو بشر، سمعت ابن أبـي نـجيح يقول فـي قوله: هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: ما عرض علـيهم نكاحا ولا سفـاحا.

١٤٢٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء، وأراد نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقـيَ أضيافه ببناته.

١٤٢٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر عن الربـيع، فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج.

حدثنـي أبو جعفر، عن الربـيع، فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج.

١٤٢٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا مـحمد بن شبـيب الزهرانـي عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قول لوط: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني : نساؤهم هنّ بناته هو نبـيهم. وقال فـي بعض القراءة: (النّبِـيّ أوْلـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ وهو أَبٌ لهم) .

١٤٢٥٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قالوا: أو لـم ننهك أن تُضَيّف العالـمين، قال: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ إن كنْتـم فـاعلـين ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ.

١٤٢٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إلـيهم حين أخبروا بهم يهرعون إلـيه. فـيزعمون واللّه أعلـم أن امرأة لوط هي التـي أخبرتهم بـمكانهم، وقالت: إن عند لوط لضيفـانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قَطّ منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فـاحشة لـم يسبقهم بها أحد من العالـمين. فلـما جاءوه قالوا: أوَ لـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ أي ألـم نقل لك: لا يقربنك أحد، فإنا لن نـجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفـاحشة. قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فأنا أَفدى ضيفـي منكم بهنّ. ولـم يدْعهم إلا إلـى الـحلال من النكاح.

١٤٢٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي قال: النساء.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فقرأته عامة القرّاء برفع أطهر، علـى أن جعلوا (هنّ) اسما، و(أطهر) خبره، كأنه قـيـل: بناتـي أطهر لكم مـما تريدون من الفـاحشة من الرجال. وذُكر عن عيسى بن عمر البصْري أنه كان يقرأ ذلك: (هنّ أطْهَرَ) لكم بنصب (أطهر) . وكان بعض نـحويـي البصرة

يقول: هذا لا يكون، إنّـما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغنـي عن الـخبر إذا كان بـين الاسم والـخبر هذه الأسماء الـمضمرة. وكان بعض نـحويـي الكوفة

يقول: من نصبه جعله نكرة خارجة من الـمعرفة، ويكون قوله: (هنّ) عمادا للفعل فلا يعمله. وقال آخر منهم: مسموع من العرب: هذا زيد إياه بعينه، قال: فقد جعله خبرا لهذا مثل قولك: كان عبد اللّه إياه بعينه. قال: وإنـما لـم يجز أن يقع الفعل ههنا لأن التقريب ردّ كلام فلـم يجتـمعا لأنه يتناقض، لأن ذلك إخبـار عن معهود، وهذا إخبـار عن ابتداء ما هو فـيه: ها أنا ذا حاضر، أو زيد هو العالـم، فتناقض أن يدخـل الـمعهود علـى الـحاضر، فلذلك لـم يجز.

والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي ذلك: الرفع هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيه مع صحته فـي العربـية، وبعد النصب فـيه من الصحة.

وقوله: فـاتّقُوا اللّه وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي

يقول: فـاخشوا اللّه أيها الناس، واحذروا عقابه فـي إتـيانكم الفـاحشة التـي تأتونها وتطلبونها. وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي

يقول: وَلا تُذِلّونـي بأن تركبوا منـي فـي ضيفـي ما يكرهون أن تركبوه منهم. والضيف فـي لفظ واحد فـي هذا الـموضع بـمعنى جمع، والعرب تسمي الواحد والـجمع ضيفـا بلفظ واحد كما قالوا: رجل عدل، وقوم عدل.

وقوله: ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ

يقول: ألـيس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفـاحشة من ضيفـي، فـيحول بـينهم وبـين ذلك؟ كما:

١٤٢٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فـاتّقُوا اللّه وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ أي رجل يعرف الـحق وينهي عن الـمنكر.

٧٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ وَإِنّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم لوط للوط: لَقَدْ عَلِـمْتَ يا لوط ما لَنا فـي بنَاتِكَ مِنْ حَق لأنهنَ لَسْن لنا أزواجا. كما:

١٤٢٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالُوا: لَقَدْ عَلِـمْتَ ما لَنا فـي بَناتِكَ مِنْ حَق: أي من أزواج وَإنّكَ لَتَعْلَـم ما نُرِيدُ.

وقوله: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ

يقول: قالوا: وإنك يا لوط لتعلـم أن حاجتنا فـي غير بناتك، وأن الذي نريد هو ما تنهانا عنه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٥٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ إن نريد الرجال.

١٤٢٦٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ: أي إن بُغْيتنا لغير ذلك، فلـما لـم يتناهوا، ولـم يردّهم قوله، ولـم يقبلوا منه شيئا مـما عرض علـيهم من أمور بناته. قالَ لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ لَوْ أَنّ لِي بِكُمْ قُوّةً أَوْ آوِيَ إِلَىَ رُكْنٍ شَدِيدٍ }.

يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه حين أبوا إلا الـمضيّ لـما قد جاءوا له من طلب الفـاحشة وأيس من أن يستـجيبوا له إلـى شيء مـما عرض علـيهم: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً بأنصار تنصرنـي علـيكم وأعوان تعيننـي، أوْ آوي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ

يقول: أو أنضمّ إلـى عشيرة مانعة تـمنعنـي منكم، لـحلت بـينكم وبـين ما جئتـم تريدونه منـي فـي أضيافـي. وحذف جواب (لو) لدلالة الكلام علـيه، وأن معناه مفهوم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٦١ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ

يقول: إلـى جند شديد لقاتلتكم.

١٤٢٦٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: العشيرة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: إلـى رُكْنٍ شَديدٍ قال: العشيرة.

١٤٢٦٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك بن فضالة، عن الـحسن: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: إلـى ركن من الناس.

١٤٢٦٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال قوله: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: بلغنا أنه لـم يبعث نبـيّ بعد لوط إلا فـي ثروة من قومه حتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

١٤٢٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي عشيرة تـمنعنـي أو شيعة تنصرنـي، لـحلت بـينكم وبـين هذا.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: يعني به العشيرة.

١٤٢٦٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن: أن هذه الآية لـما نزلت: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رَحِمَ اللّه لُوطا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن مبـارك، عن الـحسن، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رَحِمَ اللّه أخِي لُوطا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فلأَيّ شَيْءٍ اسْتكانَ) .

١٤٢٦٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة وعبد الرحيـم، عن مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رحَمَةُ اللّه علـى لُوطٍ إنْ كانَ لَـيَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إذْ قالَ لقَوْمِهِ لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ، ما بَعَثَ اللّه بَعْدَه مِنْ نَبِـيّ إلاّ فِـي ثَرْوةٍ مِنْ قَوْمِهِ) . قال مـحمد: والثروة: الكثرة والـمنعة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، قال: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلـمة، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بـمثله.

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بـمثله.

حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري، قال: حدثنا سعيد بن تلـيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: ثنـي بكر بن مضر، عن عمرو بن الـحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (رَحِمَ اللّه لُوطا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ) .

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فذكر مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن عمرو عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فـي قوله: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ (قَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ، يعني اللّه تبـارك وتعالـى، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (فَمَا بَعَثَ اللّه بَعْدَهُ مِنْ نَبِـيّ إلاّ فِـي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ) .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبـي يونس، سمع أبـا هريرة يحدّث عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (رَحِمَ اللّه لُوطا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ) .

قال: حدثنا ابن أبـي مريـم سعيد بن عبد الـحكم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي الزناد، عن أبـيه، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبـي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

١٤٢٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان كان إذا قرأ هذه الآية، أو أتـى علـى هذه الآية قال: (رَحِمَ اللّه لُوطا، لَقَدْ كانَ لـيَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ) . وذُكر لنا أن اللّه تعالـى لـم يبعث نبـيا بعد لوط علـيه السلام إلا فـي ثروة من قومه، حتـى بعث اللّه نبـيكم فـي ثروة من قومه.

يقال: من أوى إلـى رِكن شديد: أويت إلـيك، فأنا آوى إلـيك أَوْيا بـمعنى صرت إلـيك وانضمـمت، كما قال الراجز:

يأْوِي إلـى رُكْنٍ مِنَ الأرْكانِفِـي عَدَدٍ طَيْسٍ ومَـجْدٍ بـانِ

وقـيـل: إن لوطا لـما قال هذه الـمقالة وجدت الرسل علـيه لذلك.

١٤٢٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه

يقول: قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ فوجد علـيه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَلُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُوَاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الْلّيْلِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قالت الـملائكة للوط لـما قال لوط لقومه لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ ورأوا ما لَقِـي من الكرب بسببهم منهم: يا لُوطُ إنّا رُسُلْ رَبّكَ أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إلـيك وإلـى ضيفك بـمكروه، فهوّن علـيك الأمر، فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ

يقول: فـاخرج من بـين أظهرهم أنت وأهلك ببقـية من اللـيـل، يقال منه: أسرى وسَرَى، وذلك إذا سار بلـيـل. وَلا يَـلْتَفِتُ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ.

واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: فأسْرِ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين: (فـاسْرِ) وصل بغير همز الألف من (سَرى) . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: فَأَسْرِ بهمز الألف من (أسرى) والقول عندي فـي ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل قُدْوة فـي القراءة، وهما لغتان مشهورتان فـي العرب معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك.

وأما قوله: إلاّ امْرأتَكَ فإن عامة القرّاء من الـحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرءوا بـالنصب إلاّ امْرأتَكَ بتأويـل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلـى أن لوطا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نُهِي أن يُسْري بها، وأمر بتـخـلـيفها مع قومها. وقرأ ذلك بعض البصريـين: (إلاّ امْرأتُكَ) رفعا، بـمعنى: ولا يـلتفت منكم أحد إلا امرأتُك، فإن لوطا قد أخرجها معه، وإنه نُهِي لوط ومن معه مـمن أسرى معه أن يـلتفتَ سوى زوجته، وإنها التفتت فهلكت لذلك.

وقوله: إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ

يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب. إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ

يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فـاستبطأ ذلك منهم لوط، وقال لهم: بلـى عجلوا لهم الهلاك فقالوا: ألَـيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيبٍ: أي عند الصبح نزول العذاب بهم. كما:

١٤٢٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَريبٍ: أي إنـما ينزل بهم من صبح لـيـلتك هذه، فـامض لـما تؤمر.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرسل من عند إبراهيـم إلـى لوط، فلـما أتوا لوطا، وكان من أمرهم ما ذكر اللّه ، قال جبرئيـل للوط: يا لُوطُ إنّا مُهْلِكُوا أهْل هَذِهِ القَرْيَةِ إنّ أهْلَها كَانُوا ظَالِـمِينَ فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة فقال له جبرئيـل علـيه السلام: إن مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأنزلت علـى لوط: ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ قال: فأمره أن يَسْري بأهله بِقطْع من اللـيـل، ولا يـلتفت منهم أحد إلا امرأته. قال: فسار، فلـما كانت الساعة التـي أهلكوا فـيها أدخـل جبرئيـل جناحه فرفعها حتـى سمع أهل السماء صياح الدّيَكة ونُبـاح الكلاب، فجعل عالـيها سافلها، وأمطر علـيها حجارة منِ سجّيـل، قال: وسمعت امرأة لوط الهَدّة، فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها.

١٤٢٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: كان لوط أخذ علـى امرأته أن لا تذيع شيئا من سرّ أضيافه، قال: فلـما دخـل علـيه جبرئيـل ومن معه، رأتهم فـي صورة لـم تر مثلها قطا فـانطلقت تسعى إلـى قومها، فأتت النادي فقالت بـيدها هكذا، وأقبلوا يُهْرَعون مشيا بـين الهرولة والـجمز. فلـما انتهوا إلـى لوط قال لهم لوط ما قال اللّه فـي كتابه، قال جبرئيـل: يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ قال: فقال بـيده، فطمس أعينهم، فجعلوا يطلبونهم، يـلـمُسون الـحيطان وهم لا يبصرون.

١٤٢٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة، قال: لـما بصرت بهم يعني بـالرسل عجوز السّوء امرأته انطلقت فأنذرتهم فقالت: إنه تَضَيّفَ لوطا قوم ما رأيت قوما أحسن وجوها قال: ولا أعلـمه إلا قالت: ولا أشدّ بـياضا وأطيب ريحا. قال: فأتوه يهرعون إلـيه، كما قال اللّه ، فأصفق لوط البـاب، قال: فجعلوا يعالـجونه، قال: فـاستأذن جبرئيـل ربه فـي عقوبتهم، فأذن له، فصفقهم بجناحه، فتركهم عميانا يتردّدون فـي أخبث لـيـلة ما أتت علـيهم قطّ، فأخبروه إنّا رسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت، فـالتفتت وأرسل اللّه علـيها حجرا فأهلكها.

وقوله: إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأراد نبـيّ اللّه ما هو أعجل من ذلك، فقالوا ألـيس الصبح بقريب؟

١٤٢٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: انطلقت امرأته يعني امرأة لوط حين رأتهم، يعني حين رأت الرسل إلـى قومها، فقالت: إنه قد ضافه اللـيـلة قوم ما رأيت مثلهم قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا فجاءوا يُهْرَعون إلـيه، فبـادرهم لوط إلـى أن يزجهم علـى البـاب، فقال: هَؤُلاءِ بَناتـي إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ فقالوا: أو لَـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ. فدخـلوا علـى الـملائكة، فتناولتهم الـملائكة وطمست أعينهم، فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا كما أنت حتـى تصبح قال: واحتـمل جبرئيـل قُرَيات لوط الأربع، فـي كل قرية مئة ألف، فرفعهم علـى جناحه بـين السماء والأرض، حتـى سمع أهل السماء الدنـيا أصوات دِيَكتهم، ثم قلبهم، فجعل اللّه عالـيها سافلها.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال حذيفة: لـما دخـلوا علـيه، ذهبت عجوزه عجوز السوّء، فأتت قومها، فقالت: لقد تضيفّ لوطا اللـيـلة قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن وجوها منهم قال: فجاءوا يسرعون، فعاجلهم لوط، فقام ملك فلزّ البـاب

يقول: فسدّه واستأذن جبرئيـل فـي عقوبتهم، فأذن له، فضربهم جبرئيـل بجناحه، فتركهم عميانا، فبـاتوا بشرّ لـيـلة، ثم قالُوا إنّا رُسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ قال: فبلغنا أنها سمعت صوتا، فـالتفتت فأصابها حجر، وهي شاذّة من القوم، معلوم مكانها.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حذيفة بنـحوه، إلا أنه قال: فعاجلهم لوط.

١٤٢٧٥ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ بسط حينئذ جبريـل علـيه جناحيه، ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم فـي أدبـار بعض عميانا يقولون: النـجاء النـجاء فإن فـي بـيت لوط أسحر قوم فـي الأرض فذلك قوله: وَلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهَمْ. وقالوا للوط: إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ فأَسْرِ بأهْلِكَ بِقطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها واتبع أدبـار أهلك

يقول: سر بهم، وَامْضوا حَيْثُ تؤْمَرُونَ فأخرجهم اللّه إلـى الشأم، وقال لوط: أهلكوهم الساعة فقالوا: إنا لـم نؤمر إلا بـالصبح، ألـيس الصبح بقريب؟ فلـما أن كان السّحَر خرج لوط وأهله معه امرأته، فذلك قوله: إلاّ آلَ لُوطٍ نَـجّيْناهُمْ بِسَحَرٍ.

١٤٢٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، عن عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه

يقول: كان أهل سَدُوم الذين فـيهم لوط قوما قد استغنوا عن النساء بـالرجال فلـما رأى اللّه ذلك بعث الـملائكة لـيعذّبوهم، فأتوا إبراهيـم، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر اللّه فـي كتابه. فلـما بشّروا سارَة بـالولد، قاموا وقام معهم إبراهيـم يـمشي، قال: أخبرونـي لـم بُعِثتـم وما خَطْبكم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلـى أهل سدوم لندمّرها، وإنهم قوم سوء قد استغنوا بـالرجال عن النساء. قال إبراهيـم: إن كان فـيهم خمسون رجلاً صالـحا؟ قالوا: إذن لا نعذبهم. فجعل ينقص حتـى قال أهل البـيت، قال: فإن كان فـيها بـيت صالـح؟ قال: فلوط وأهل بـيته. قالوا: إن امرأته هواها معهم. فلـما يئس إبراهيـم انصرف ومضوا إلـى أهل سَدُوم، فدخـلوا علـى لوط فلـما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم، فأرسلت إلـى أهل القرية إنه قد نزل بنا قوم لـم يُرَ قوم قط أحسن منهم ولا أجمل فتسامعوا بذلك، فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا علـيهم الـجدران. فلقـيهم لوط، فقال: يا قوم لا تفضحونـي فـي ضيفـي، وأنا أزوّجكم بناتـي فهن أطهر لكم فقالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانهنّ، فقال: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ. فوجد علـيه الرسل، قالوا: إن ركنك لشديد، وإنهم آتـيهم عذاب غير مردود فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه، فطمس أبصارهم، فقالوا: سحرنا، انصرفوا بنا حتـى نرجع إلـيه فكان من أمرهم ما قد قصّ اللّه تعالـى فـي كتابه. فأدخـل ميكائيـل وهو صاحب العذاب جناحه حتـى بلغ أسفل الأرض، فقلبها، ونزلت حجارة من السماء، فتتبعت من لـم يكن منهم فـي القرية حيث كانوا، فأهلكهم اللّه ، ونـجى لوطا وأهله، إلا امرأته.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، وعن أبـي بكر بن عبد اللّه وأبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة، عن حذيفة، دخـل حديث بعضهم فـي بعض، قال: كان إبراهيـم علـيه السلام يأتـيهم فـ

يقول: ويْحَكم أنهاكم عن اللّه أن تَعَرضوّا لعقوبته، حتـى إذا بلغ الكتاب أجله لـمـحلّ عذابهم وسطوات الربّ بهم. قال: فـانتهت الـملائكة إلـى لوط وهو يعمل فـي أرض له، فدعاهم إلـى الضيافة، فقالوا: إنا مضيفوك اللـيـلة. وكان اللّه تعالـى عهد إلـى جبريـل علـيه السلام أن لا تعذبهم حتـى يشهد علـيهم لوط ثلاث شهادات فلـما توجه بهم لوط إلـى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشرّ والدواهي العظام، فمشي معهم ساعة، ثم التفت إلـيهم، فقال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلـم علـى وجه الأرض شرّا منهم، أين أذهب بكم إلـى قومي وهم شرّ خـلق اللّه فـالتفت جبرئيـل إلـى الـملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة ثم مشى ساعة فلـما توسط القرية وأشفق علـيهم واستـحيا منهم، قال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ وما أعلـم علـى وجه الأرض شرّا منهم، إن قومي شرّ خـلق اللّه فـالتفت جبرئيـل إلـى الـملائكة، فقال: احفظوا هاتان ثنتان فلـما انتهى إلـى بـاب الدار بكى حياء منهم وشفقة علـيهم وقال: إن قومي شرّ خـلق اللّه ، أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلـم علـى وجه الأرض أهل قرية شرّا منهم فقال جبريـل للـملائكة: احفظوا هذه ثلاث قد حَقّ العذاب. فلـما دخـلوا ذهبت عجوزه، عجوز السوء، فصعدت فلوّحت بثوبها، فأتاها الفسّاق يهرعون سراعا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيّف لوط اللـيـلة قوما ما رأيت أحسن وجوها منهم ولا أطيب ريحا منهم فهرعوا مسارعين إلـى البـاب، فعاجلهم لوط علـى البـاب، فدافعوه طويلاً، هو داخـل وهم خارج، يناشدهم اللّه و

يقول: هَؤُلاَءِ بَنَاتِـي هُنّ أطْهَرَ لَكُمْ فقام الـمَلك فلزّ البـاب

يقول: فسدّه واستأذن جبرئيـل فـي عقوبتهم، فأذن اللّه له، فقام فـي الصورة التـي يكون فـيها فـي السماء، فنشر جناحه، ولـجبرئيـل جناحان، وعلـيه وشاح من درّ منظوم، وهو برّاق الثنايا أجلـي الـجبـين، ورأسه حُبُك حُبُك، مثل الـمرجان وهو اللؤلؤ، كأنه الثلـج، وقدماه إلـى الـخضرة، فقال: يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلـيكَ امض يا لوط من البـاب ودعنـي وإياهم فتنـحّى لوط عن البـاب، فخرج علـيهم فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم فصاروا عميا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلـى بـيوتهم. ثم أمر لوطا فـاحتـمل بأهله من لـيـلته، قال: فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ.

١٤٢٧٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قال لوط لقومه: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ والرسل تسمع ما يقول وما يقال له ويرون ما هو فـيه من كرب ذلك، فلـما رأوا ما بلغه قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ أي بشيء تكرهه، فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ إنّ مَوْعِدَهُمُ الصبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ أي إنـما ينزل بهم العذاب من صبح لـيـلتك هذه، فـامض لـما تؤمر.

١٤٢٧٨ـ قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن كعب القُرَظي أنه حدّث. أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا فـي وجوه الذين جاءوا لوطا من قومه يراودونه عن ضيفه، فرجعوا عميانا. قال: يقول اللّه :وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ.

١٤٢٧٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: بطائفة من اللـيـل.

١٤٢٨٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ بطائفة من اللـيـل.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، قوله: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: جوف اللـيـل.

وقوله: واتّبِعْ أدْبـارَهُمْ

يقول: واتبع أدبـار أهلك، ولا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ.

وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:

١٤٢٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ قال: لا ينظر وراءه أحد، إلاّ امْرأتَكَ.

ورُوى عن عبد اللّه بن مسعود أنه كان يقرأ: (فَأَسْرِ بأهْلكَ بقطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ إلاّ امْرأتَكَ) .

١٤٢٨٢ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، قال فـي حرف ابن مسعود: (فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ إلاّ امْرأتَكَ) .

وهذا يدلّ علـى صحة القراءة بـالنصب.

٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مّنْضُودٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء أمرنا بـالعذاب وقضاؤنا فـيهم بـالهلاك، جَعَلْنا عالِـيَها يعني عالـي قريتهم سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها

يقول: وأرسلنا علـيها حِجَارَةً مِنْ سِجّيـلٍ.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى سجيـل،

فقال بعضهم: هو بـالفـارسية سِنْك وكل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: مِنْ سِجّيـلٍ بـالفـارسية، أوّلها حجر، وآخرها طين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بنـحوه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.

١٤٢٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: فـارسية أعربت سنك وكل.

١٤٢٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: السجيـل: الطين.

١٤٢٨٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مِنْ سِجّيـلٍ قالا: من طين.

١٤٢٨٧ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، عن وهب قال: سجيـل بـالفـارسية: سنك وكل.

١٤٢٨٨ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ أما السجيـل فقال ابن عبـاس : هو بـالفـارسية: سنك وجل، سنك: هو الـحجر، وجل هو الطين.

يقول: أرسلنا علـيهم حجارة من طين.

١٤٢٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن السديّ، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: طين فـي حجارة.

وقال ابن زيد فـي قوله ما:

١٤٢٩٠ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: السماء الدنـيا. قال: والسماء الدنـيا اسمها سجيـل، وهي التـي أنزل اللّه علـى قوم لوط.

وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من البصريـين

يقول: السجيـل: هو من الـحجارة الصلب الشديد ومن الضرب، ويستشهد علـى ذلك بقول الشاعر:

ضَرْبـا تَوَاصَى بهِ الأبْطالُ سِجّيلاً

وقال بعضهم: تـحوّل اللام نونا. وقال آخر منهم: هو فعيـل من قول القائل: أسجلته: أرسلته، فكأنه من ذلك أي مرسلة علـيهم. وقال آخر منهم: بل هو من (سجلت له سجلاً) من العطاء، فكأنه قـيـل: منـحوا ذلك البلاء فأعطوه، وقالوا أسجله: أهمله. وقال بعضهم: هو من السّجِلّ، لأنه كان فـيها علـم كالكتاب. وقال آخر منهم: بل هو طين يطبخ الاَجرّ، وينشد بـيت الفضل بن عبـاس:

مَنْ يُساجِلْنِـي يُساجِلْ ماجِدايَـمْلأُ الدّلْوَ إلـى عَقْدِ الكَرَبْ

فهذا من سَجَلْت له سَجْلاً: أعطيته.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله الـمفسرون، وهو أنها من طين، وبذلك وصفها اللّه فـي كتابه فـي موضع، وذلك قوله: لِنُرْسِلَ عَلَـيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للْـمُسْرِفِـينَ. وقد رُوى عن سعيد بن جبـير أنه كان

يقول: هي فـارسية ونبطية.

١٤٢٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، قال: فـارسية ونبطية سج ايـل.

فذهب سعيد بن جبـير فـي ذلك إلـى أن اسم الطين بفـارسية جل لا ايـل، وأن ذلك لو كان بـالفـارسية لكان سجِلّ لاِ سجّيـل، لأن الـحجر بـالفـارسية يدعى سِجَ والطين جِلْ، فلا وجه لكون الـياء فـيها وهي فـارسية. وقد بـيّنا الصواب من القول عندنا فـي أول الكتاب بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد ذُكر عن الـحسن البصري أنه قال: كان أصل الـحجارة طينا فشددت.

وأما قوله: مَنْضُودٍ فإن قتادة وعكرمة يقولان فـيه ما:

١٤٢٩٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.

١٤٢٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.

وقال الربـيع بن أنس فـيه، ما:

١٤٢٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله مَنْضُودٍ قال: نضد بعضه علـى بعض.

١٤٢٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر الهذلـيّ بن عبد اللّه : أما قوله: مَنْضُودٍ فإنها فـي السماء منضودة: معدّة، وهي من عدّة اللّه التـي أعدّ للظلـمة.

وقال بعضهم: منضود: يتبع بعضه بعضا علـيهم، قال: فذلك نَضْدُهُ.

والصواب من القول فـي ذلك ما قاله الربـيع بن أنس، وذلك أن قوله: مَنْضُودٍ من نعت (سجيـل) ، لا من نعت الـحجارة، وإنـما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلـى بعض، فـيصير حجارة، ولـم يـمطروا الطين فـيكون موصوفـا بأنه تتابع علـى القوم بـمـجيئه، وإنـما كان جائزا أن يكون علـى ما تأوّله هذا الـمتأوّل لو كان التنزيـل بـالنصب متضودة فـيكون من نعت الـحجارة حينئذ.

٨٣

وأما قوله: مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ فإنه

يقول: معلـمة عند اللّه ، أعلـمها اللّه ، والـمسوّمة من نعت الـحجارة، ولذلك نصبت ونعت بها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٢٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مُسَوّمَةً قال: معلـمة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. قال ابن جريج: مسوّمة لا تشاكل حجارة الأرض.

١٤٢٩٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: مُسَوّمَةً قالا: مطوّقة بها نضح من حمرة.

١٤٢٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مُسَوّمَةً علـيها سيـما معلومة حدّث بعض من رآها أنها حجارة مطوّقة علـيها، أو بها نضح من حمرة لـيست كحجارتكم.

١٤٢٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: مُسَوّمَةً قال: علـيها سيـما خطوط.

١٤٣٠٠ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: مُسَوّمَةً قال: الـمسوّمة: الـمختـمة.

وأما قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ فإنه

يقول تعالـى ذكره متهدّدا مشركي قريش: وما هذه الـحجارة التـي أمطرتها علـى قوم لوط من مشركي قومك يا مـحمد ببعيد أن يـمطروها إن لـم يتوبوا من شِركهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٠١ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبـان بن تغلب، عن مـجاهد، فـي قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ ببَعِيدٍ قال: أن يصيبهم ما أصاب القوم.

١٤٣٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ قال: يرهب بها من يشاء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٤٣٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ

يقول: ما أجار اللّه منها ظالـما بعد قوم لوط.

١٤٣٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبِعِيدٍ

يقول: لـم يبرأ منها ظالـم بعدهم.

حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة، عن ابن شَوْذَب، عن قتادة، فـي قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ قال: يعني ظالـمي هذه الأمة، قال: واللّه ما أجار منها ظالـما بعد.

١٤٣٠٥ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ

يقول: من ظَلَـمة العرب إن لـم يتوبوا فـيعذّبوا بها.

١٤٣٠٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر الهذلـيّ بن عبد اللّه ، قال

يقول: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ من ظلـمة أمتك ببعيد، فلا يأمنها منهم ظالـم.

وكان قَلْبُ الـملائكةِ عالـي أرض سدوم سافلها، كما:

١٤٣٠٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن مـجاهد، قال: أخذ جبرئيـل علـيه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم، حملهم بـمواشيهم وأمتعتهم حتـى سمع أهل السماء نُبـاح كلابهم ثم أكفأهم.

حدثنا به أبو كريب مرّة أخرى عن مـجاهد، قال: أدخـل جبرئيـل جناحه تـحت الأرض السفلـى من قوم لوط، ثم أخذهم بـالـجناح الأيـمن، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، كان

يقول: فَلَـمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِـيَهَا سافِلَها قال: لـما أصبحوا غدا جبرئيـل علـى قريتهم، ففتقها من أركانها، ثم أدخـل جناحه، ثم حملها علـى خوافـي جناحه.

قال: حدثنا شبل، قال: فحدثنـي هذا ابنُ أبـي نـجيح، عن إبراهيـم بن أبـي بكر قال: ولـم يسمعه ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد، قال: فحملها علـى خوافـي جناحه بـما فـيها، ثم صعد بها إلـى السماء حتـى سمع أهل السماء نبـاح كلابهم ثم قلبها، فكان أوّل ما سقط منها شرفها، فذلك قول اللّه :جَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال مـجاهد: فلـم يصب قوما ما أصابهم إن اللّه طمس علـى أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر علـيهم حجارة من سِجيّـل.

١٤٣٠٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنا أن جبرئيـل علـيه السلام أخذ بعُروة القرية الوسطى، ثم ألوى بها إلـى السماء، حتـى سمع أهل السماء ضَواغي كلابهم، ثم دمّر بعضها علـى بعض فجعل عالـيها سافلها ثم أتبعهم الـحجارة. قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكِر لنا أن جبرئيـل علـيه السلام أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلـى جوّ السماء حتـى سمعت الـملائكة ضواغي كلابهم، ثم دمر بعضها علـى بعض ثم أتبع شُذّان القوم صخرا، قال: وهي ثلاث قرى يقال لها سَدُوم، وهي بـين الـمدينة والشام. قال: وذُكر لنا أنه كان فـيها أربعة آلاف ألف. وذُكر لنا أن إبراهيـم علـيه السلام كان يُشْرِف

يقول: سدوم يوم مّا لك

١٤٣٠٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبرئيـل، فـاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتـى بلغ السماء الدنـيا حتـى سمع أهل السماء نبـاح كلابهم وأصواب ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم فذلك حين

يقول: والـمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى الـمنقلبة حين أهوى بها جبرئيـل الأرض فـاقتلعها بجناحه، فمن لـم يـمت حين أسقط الأرض أمطر اللّه علـيه وهو تـحت الأرض الـحجارة، ومن كان منهم شاذّا فـي الأرض وهو قول اللّه :فجَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ ثم تتَبعَهم فـي القرى، فكان الرجل يأتـيه الـحجر فـيقتله، وذلك قول اللّه تعالـى: وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر وأبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنا أن جبرئيـل علـيه السلام لـما أصبح نشر جناحه، فـانتسف به أرضهم بـما فـيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فـيها، فضمها فـي جناحه، فحواها وطواها فـي جوف جناحه، ثم صعد بها إلـى السماء الدنـيا، حتـى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها فأرسلها إلـى الأرض منكوسة، دمدم بعضَها علـى بعض، فجعل عالـيها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيـل.

١٤٣١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن كعب القُرَظي، قال: حُدثت أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (بَعَثَ اللّه جبرئيـل علـيه السلام إلـى الـمُؤْتَفِكة قَرْيَةِ لُوطٍ علـيه السلام التـي كان لُوطٌ فـيها، فـاحْتَـمَلَها بجَنَاحِهِ، ثم صَعِدَ بها حتـى إنّ أهْلَ السّماء الدّنْـيا لَـيَسْمَعُونَ نُبَـاحَ كِلابها وأصْوَاتَ دَجَاجِهَا، ثم كَفَأَهَا علـى وَجْهِها، ثم أتْبَعَها اللّه بـالـحِجَارَةِ، يقول اللّه : جَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ فأهْلَكَها اللّه وما حَوْلَها مِنَ الـمُؤْتَفِكَاتِ، وكُنّ خَمْسَ قَرْيَاتٍ: صنعة، وصعوة، وعثرة، ودوما، وسدوم وسدوم هي القرية العظمى، ونـجّى اللّه لوطا ومَنْ معه من أهله، إلا امْرَأَته كانَتْ فِـيـمَنَ هَلك) .

٨٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّه مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وَ أرسلنا إلـى ولد مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْبـا فلـما أتاهم قالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللّه ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرُهُ

يقول: أطيعوه، وتَذَللّوا له بـالطاعة لـما أمركم به ونهاكم عنه، ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غَيْرُهُ

يقول: ما لكم من معبود سواه يستـحق علـيكم العبـادة غيره. وَلا تَنْقصُوا الـمِكْيالَ والـمِيزانَ

يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم فـي مكيالكم وميزانكم، إنّـي أرَاكمْ بِخَيْرٍ.

واختلف أهل التأويـل فـي الـخير الذي أخبر اللّه عن شعيب أنه قال لـمدين إنه يراهم به،

فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وحذرهم غَلاءه. ذكر من قال ذلك:

١٤٣١١ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود الواسطي، قال: حدثنا مـحمد بن موسى، عن الذيال بن عمرو، عن ابن عبـاس : إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: رُخْص السعر. وإنّـي أخافُ عَلَـيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُـحِيطٍ قال: غلاء سعر.

١٤٣١٢ـ حدثنـي أحمد بن علـيّ النصري، قال: ثنـي عبد الصمد بن عبد الوراث، قال: حدثنا صالـح بن رستـم، عن الـحسن، وذكر قوم شعيب قال: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: رُخْص السعر.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبـي عامر الـخراز، عن الـحسن، فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: الغنى ورُخْص السعر.

وقال آخرون: عنـي بذلك: إنـي أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنـيا. ذكر من قال ذلك:

١٤٣١٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: يعني خير الدنـيا وزينتها.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ أبصر علـيهم قِشْرا من قِشْر الدنـيا وزينتها.

١٤٣١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: فـي دنـياكم، كما قال اللّه تعالـى: إنْ تَرَكَ خَيْرا سماه خيرا لأن الناس يسمون الـماء خيرا.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما أخبر اللّه عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ يعني بخير الدنـيا. وقد يدخـل فـي خير الدنـيا الـمال وزينة الـحياة الدنـيا ورخص السعر، ولا دلالة علـى أنه عنـي بقـيـله ذلك بعض خيرات الدنـيا دون بعض، فذلك علـى كلّ معانـي خيرات الدنـيا التـي ذكر أهل العلـم أنهم كانوا أوتوها. وإنـما قال ذلك شعيب، لأن قومه كانوا فـي سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثـيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم فـي مكايـيـلكم وموازينكم، فقد وسّع اللّه علـيكم رزقكم، وَإنّـي أخافُ عَلـيكُم بـمخالفتكم أمر اللّه وبخسكم الناس أموالهم فـي مكايـيـلكم وموازينكم عذابَ يومٍ مُـحيطٍ

يقول: أن ينزل بكم عذاب يوم مـحيط بكم عذابه. فجعل الـمـحيط نعتا للـيوم، وهو من نعت العذاب، إذ كان مفهوما معناه، وكان العذاب فـي الـيوم، فصار كقولهم جُبّتك مـحترقة.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: أوفُوا الناس الكيـل والـميزان بـالقسط،

يقول: بـالعدل، وذلك بأن توفّوا أهل الـحقوق التـي هي مـما يكال أو يوزن حقوقهم علـى ما وجب لهم من التـمام بغير بخس ولا نقص.

وقوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول ولا تنقصوا الناس حقوقهم التـي يجب علـيكم أن توفوهم كيلاً أو وزنا أو غير ذلك. كما:

١٤٣١٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا علـي بن صالـح بن حيّ، قال: بلغنـي فـي قوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ قال: لا تنقصوهم.

١٤٣١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ

يقول: لا تظلـموا الناس أشياءهم.

وقوله: وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ

يقول: ولا تسيروا فـي الأرض تعملون فـيها بـمعاصي اللّه . كما:

١٤٣١٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ قال: لا تسيروا فـي الأرض.

١٤٣١٨ـ حُدثت عن الـمسيب، عن أبـي روق، عن الضحاك : وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ

يقول: لا تسعوا فـي الأرض مفسدين، يعني : نقصان الكيـل والـميزان.

٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{بَقِيّةُ اللّه خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: بَقِـيّة اللّه خَيْرٌ لَكُمْ ما أبقاه اللّه لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بـالـمكيال والـميزان بـالقسط، فأحله لكم، خير لكم من الذي يبقـى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بـالـمكيال والـميزان، إنْ كُنْتـمْ مُؤْمِنِـينَ

يقول: إن كنتـم مصدّقـين بوعد اللّه ووعيده وحلاله وحرامه. وهذا قول رُوى عن ابن عبـاس بإسناد غير مرتضىً عند أهل النقل.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك،

فقال بعضهم: معناه طاعة اللّه خير لكم. ذكر من قال ذلك:

١٤٣١٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة اللّه خير لكم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّه قال: طاعة اللّه خَيْرٌ لَكُمْ.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّه قال: طاعة اللّه .

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن لـيث، عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة اللّه خير لكم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة اللّه .

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: حظّكم من ربكم خير لكم. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ: حظكم من ربكم خير لكم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ قال: حظكم من اللّه خير لكم.

وقال آخرون: معناه: رزق اللّه خير لكم. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٢١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عمن ذكره، عن ابن عبـاس : بَقِـيّةُ اللّه قال رزق اللّه .

وقال ابن زيد فـي قوله ما:

١٤٣٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: بَقِـيّةُ اللّه خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنـين قال: الهلاك فـي العذاب، والبقـية فـي الرحمة.

وإنـما اخترت فـي تأويـل ذلك القول الذي اخترته، لأن اللّه تعالـى ذكره إنـما تقدم إلـيهم بـالنهي عن بخس الناس أشياءهم فـي الـمكيال والـميزان، وإلـى ترك التطفـيف فـي الكيـل والبخس فـي الـميزان دعاهم شعيب، فتعقـيب ذلك بـالـخبر عما لهم من الـحظّ فـي الوفـاء فـي الدنـيا والاَخرة أولـى، مع أن قوله: بَقِـيّةُ إنـما هي مصدر من قول القائل بَقّـيْت بَقِـيّة من كذا، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلـى: بقـية اللّه التـي أبقاها لكم مـما لكم بعد وفـائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقـيتكم من الـحرام الذي يبقـى لكم من ظلـمكم الناس ببخسكم إياهم فـي الكيـل والوزن.

وقوله: وَما أنا عَلَـيْكُمْ بِحَفِـيظٍ

يقول: وما أنا علـيكم أيها الناس برقـيب أرقبكم عند كيـلكم ووزنكم هل توفون الناس حقوقهم أم تظلـمونهم، وإنـما علـيّ أن أبلغكم رسالة ربـي فقد أبلغتكموها.

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نّفْعَلَ فِيَ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنّكَ لأنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم شعيب: يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ عبـادة ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا من الأوثان والأصنام، أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ من كسر الدراهم وقطعها وبخس الناس فـي الكيـل والوزن إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لـم يكن لـيفعله فـي حال الرضا، الرّشِيدُ يعني : رشيد الأمر فـي أمره إياهم أن يتركوا عبـادة الأوثان. كما:

١٤٣٢٣ـحدثنا مـحمود بن خداش، قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط، قال: حدثنا داود بن قـيس، عن زيد بن أسلـم، فـي قول اللّه :أصلاتُك تأمُرُك أن نَتْرُك ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَل فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ، إنّكَ لاَءَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشيدُ قال: كان مـما نهاهم عنه حذف الدراهم، أو قال: قطع الدراهم. الشك من حماد.

١٤٣٢٤ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا ابن أبـي فُدَيك، عن أبـي مودود، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي

يقول: بلغنـي أن قوم شعيب عذّبوا فـي قطع الدراهم، وجدت ذلك فـي القرآن: أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أو أن نَفْعَل فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي، قال: عذّب قوم شعيب فـي قطعهم الدراهم، فقالوا: يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أو أن نَفْعَلَ فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ.

قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط، عن داود بن قـيس، عن زيد بن أسلـم، فـي قوله: أو أن نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال: كان مـما نهاهم عنه: حذف الدراهم.

١٤٣٢٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال: نهاهم عن قطع الدنانـير والدراهم، فقالوا: إنـما هي أموالنا نفعل فـيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا حَرّقناها، وإن شئنا طرحناها.

قال: وأخبرنا ابن وهب، قال: وأخبرنـي داود بن قـيس الـمري أنه سمع زيد بن أسلـم يقول فـي قول اللّه : قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال زيد: كان من ذلك قطع الدراهم.

وقوله: أصَلاتُكَ كان الأعمش يقول فـي تأويـلها ما:

١٤٣٢٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري عن الأعمش، فـي قوله: أصَلاتُكَ قال: قراءتك.

فإن قال قائل: وكيف قـيـل: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا، أو أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء، وإنـما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا فـي أموالهم ما قد ذكرت أنه نهاهم عنه فـيها؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت.

وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك، فقال بعض البصريـين: معنى ذلك: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا، أن أن نترك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء، ولـيس معناه: تأمرك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء، لأنه لـيس بذا أمرهم.

وقال بعض الكوفـيـين نـحو هذا القول، قال: وفـيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي، كأنه قال: أصلاتك تأمرك بذا وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة علـى أن الأولـى منصوبة بقوله (تأمرك) ، وأن الثانـية منصوبة عطفـا بها علـى (ما) التـي فـي قوله: ما يَعْبُدُ. وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا، أو أن نترك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء؟ وقد ذكر عن بعض القرّاء أنه قرأه (ما تَشاءُ) ، فمن قرأ ذلك كذلك فلا مؤنة فـيه، وكانت (أن) الثانـية حينئذ معطوفة علـى (أن) الأولـى.

وأما قولهم لشعيب: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ فإنهم أعداء اللّه قالوا ذلك له استهزاء به وإنـما سفهوه وجهلوه بهذا الكلام. وبـما قلنا من ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ قال: يستهزءون.

١٤٣٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ الـمستهزءون يستهزءون بأنك لأنت الـحلـيـم الرشيد.

٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتـم إن كنت علـى بـيان وبرهان من ربـي فـيـما أدعوكم إلـيه من عبـادة اللّه ، والبراءة من عبـادة الأوثان والأصنام، وفـيـما أنهاكم عنه من إفساد الـمال وَرَزَقَنِـي مِنْهُ رِزْقا حَسَنا يعني حلالاً طيبـا. وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلـى ما أنهاكُمْ عَنْهُ

يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعل خلافه، بل لا أفعل إلا بـما آمركم به ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. كما:

١٤٣٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلـى ما أنهاكُم عَنْهُ

يقول: لـم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتـيه.

إنْ أُرِيدُ إلاّ الإصْلاحَ

يقول: ما أريد فـيـما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم ما اسْتَطَعْتُ

يقول: ما قدرت علـى إصلاحه لئلا ينالكم من اللّه عقوبة منكلة، بخلافكم أمره ومعصيتكم رسوله. وَما تَوْفِـيقـي إلاّ بـاللّه

يقول: وما إصابتـي الـحقّ فـي مـحاولتـي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بـالله، فإنه هو الـمعين علـى ذلك إن لا يعني علـيه لـم أصب الـحقّ فـيه.

وقوله: عَلَـيهِ تَوَكّلْتُ

يقول: إلـى اللّه أفوّض أمري، فإنه ثقتـي وعلـيه اعتـمادي فـي أموري.

وقوله: وَإلَـيْهِ أُنِـيبُ وإلـيه أقبل بـالطاعة وأرجع بـالتوبة. كما:

١٤٣٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن إسحاق نـجيح، عن مـجاهد: وَإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قوله: وإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع.

٨٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شِقَاقِيَ أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: ويا قَوْمِ لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي

يقول: لا يحملنكم عداوتـي وبغضي وفراق الدين الذي أنا علـيه، علـى الإصرار علـى ما أنتـم علـيه من الكفر بـاللّه وعبـادة الأوثان وبخس الناس فـي الـمكيال والـميزان وترك الإنابة والتوبة، فـيصِيبكم مثلُ ما أصابَ قومَ نوحٍ من الغرق أوْ قومَ هودٍ من العذاب أوْ قَوْمَ صَالـحٍ من الرجفة. وما قَوْمُ لُوطٍ الذين ائتفكت بهم الأرض مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هلاكهم، أفلا تتعظون به وتعتبرون؟

يقول: فـاعتبروا بهؤلاء، واحذروا أن يصيبكم بشقاقـي مثل الذي أصابهم. كما:

١٤٣٣١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي

يقول: لا يحملنكم فراقـي إنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصاب قَوْمَ نُوحٍ... الآية.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: لا يَجْرِمَنّكُمْ شِقاقـي

يقول: لا يحملنكم شقاقـي.

١٤٣٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شقاقـي قال عداوتـي وبغضائي وفراقـي.

١٤٣٣٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال: إنـما كانوا حديثا منهم قريبـا يعني قوم نوح وعاد وثمود وصالـح.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال: إنـما كانوا حديثـي عهد قريب بعد نوح وثمود.

قال أبو جعفر: وقد يحتـمل أن يقال: معناه: وما دار قوم لوط منكم ببعيد.

٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوَاْ إِلَيْهِ إِنّ رَبّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ أيها القوم من ذنوبكم بـينكم وبـين ربكم التـي أنتـم علـيها مقـيـمون من عبـادة الاَلهة والأصنام وبَخْس الناس حقوقهم فـي الـمكايـيـل والـموازين. ثُمّ تُوبُوا إلَـيْهِ

يقول: ثم ارجعوا إلـى طاعته والانتهاء إلا أمره ونهيه. أنّ رَبّـي رَحِيـمٌ

يقول: هو رحيـم بـمن تاب وأناب إلـيه أن يعذبه بعد التوبة. وَدُودٌ

يقول: ذو مـحبة لـمن أناب وتاب إلـيه يودّه ويحبه.

٩١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مّمّا تَقُولُ وَإِنّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم شعيب لشعيب: يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِـيرا مِـمّا تَقُول أي ما نعلـم حقـيقة كثـير مـما تقول وتـخبرنا به. وَإنّا لَنَرَاك فِـينا ضَعِيفـا ذكر أنه كان ضريرا، فلذلك قالوا له: إنّا لَنَراكَ فِـينا ضَعِيفـا. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٣٤ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا أسد بن زيد الـجَصّاص، قال: أخبرنا شريك، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان أعمى.

حدثنا عبـاس بن أبـي طالب، قال: ثنـي إبراهيـم بن مهدي الـمصيّصي، قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة، عن سفـيان، عن سعيد، مثله.

حدثنا أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا إبراهيـم بن زياد وإسحاق بن الـمنذر، وعبد الـملك بن زيد، قالوا: حدثنا شريك، عن سالـم، عن سعيد، مثله.

١٤٣٣٥ـ قال: حدثنا عمرو بن عون ومـحمد بن الصبـاح، قالا: سمعنا شريكا يقول فـي قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: أعمى.

حدثنا سعدويه، قال: حدثنا عبـاد، عن شريك، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، مثله.

١٤٣٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، قوله: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان ضعيف البصر. قال سفـيان: وكان يقال له خطيب الأنبـياء.

قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا عبـاد، عن شريك، عن سالـم، عن سعيد: وَإنّا لَنَرَاكَ فِـينا ضَعِيفـا قال: كان ضرير البصر.

وقوله: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ

يقول: يقولون: ولولا أنت فـي عشيرتك وقومك لرجمناك، يعنون: لسببناك. وقال بعضهم: معناه لقتلناك. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٣٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجمْناكَ قال: قالوا: لولا أن نتقـي قومك ورهطك لرجمناك. وَما أنْتَ عَلَـيْنا بعَزيزٍ يعنون: ما أنت مـمن يكرم علـينا، فـيعظم علـينا إذلاله وهَوَانُه، بل ذلك علـينا هَين.

٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَقَوْمِ أَرَهْطِيَ أَعَزّ عَلَيْكُم مّنَ اللّه وَاتّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنّ رَبّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أَعْزَزْتـم قومكم، فكانوا أعزّ علـيكم من اللّه ، واستـخففتـم بربكم، فجعلتـموه خـلف ظهوركم، لا تأتـمرون لأمره ولا تـخافون عقابه، ولا تعظمونه حقّ عظمته. يقال للرجل إذا لـم يقض حاجة الرجل: نبذ حاجته وراء ظهره: أي تركها لا يـلتفت إلـيها، وإذا قضاها قـيـل: جعلها أمامه ونُصْب عينـيه ويقال: ظهرت بحاجتـي وجعلتها ظِهرِية: أي خـلف ظهرك، كما قال الشاعر:

وَجَدْنا بنـي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظّهْرِ

بـمعنى: أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يـلتفتون إلـيها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّه واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظهرِيّا وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعزّ علـيهم من اللّه ، وصَغُر شأن اللّه عندهم عزّ ربنا وجلّ ثناؤه.

١٤٣٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: قـفـا.

١٤٣٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ يا قَوْمِ أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّه واتـخَذْتُـمَوهُ وَرَاءَكُم ظَهْرِيّا

يقول: عَزّزتـم قومكم، وأظهرتـم بربكم.

١٤٣٤١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاتّـخَذْتُـمُوه وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّا قال: لـم تراقبوه فـي شيء إنـما تراقبون قومي. وَاتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا

يقول: عَزّزتـم قومكم وأظهرتـم بربكم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: لـم تراقبوه فـي شيء، إنـما تراقبون قومي، واتـخذتـموه وراءكم ظِهْرِيّا لا تـخافونه.

١٤٣٤٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّه قال: أعززتـم قومكم واغتررتـم بربكم، سمعت إسحاق بن أبـي إسرائيـل قال: قال سفـيان: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا كما يقول الرجل للرجل: خـلفت حاجتـي خـلف ظهرك، فـاتـخذتـموه وراءكم ظهريّا: استـخففتـم بأمره، فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بـين يديه ولـم يستـخف بها.

١٤٣٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: الظهري الفضل، مثل الـجمال يخرج معه بـابل ظهارية فضل لا يحمل علـيها شيئا إلا أن يحتاج إلـيها، قال: فـ

يقول: إنـما ربكم عندكم مثل هذا إن احتـجتـم إلـيه، وإن لـم تـحتاجوا إلـيه فلـيس بشيء.

وقال آخرون: معنى ذلك: واتـخذتـم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريّا، فـالهاء فـي قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ علـى هذا من ذكر ما جاء به شعيب علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: تركتـم ما جاء به شعيب.

١٤٣٤٥ـ قال: حدثنا جعفر بن عون، عن سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد، قال: نبذوا أمره.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، عن سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: نبذتـم أمره.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: هم رهط شعيب تركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريّا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا قال: استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاء به شعيب وراء ظهورهم ظهريّا.

وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي تأويـل ذلك لقرب قوله: واتّـخَذْتُـمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّا من قوله: أرَهْطِي أعَزّ عَلَـيْكُمْ مِنَ اللّه فكانت الهاء فـي قوله واتّـخَذْتُـمُوهُ بأن تكون من ذكر اللّه لقرب جوارها منه أشبه وأولـى.

وقوله: إنّ رَبّـي بِـمَا تَعْمَلُونَ مُـحِيطٌ

يقول: إن ربـي مـحيط علـمه بعملكم، فلا يخفـى علـيه منه شيء، وهو مـجازيكم علـى جميعه عاجلاً وآجلاً.

٩٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَيَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: ويا قَوْمِ اعْمَلُوا علـى مَكانَتِكُمْ

يقول: علـى تـمكنكم، يقال منه: الرجل يعمل علـى مَكينته ومكِنته: أي علـى اتئاده، ومَكُن الرجُل يـمكُن مَكْنا ومَكانة ومكانا.

وكان بعض أهل التأويـل يقول فـي معنى قوله: علـى مَكانَتِكُمْ: علـى منازلكم. فمعنى الكلام إذن: ويا قوم اعملوا علـى تـمكنكم من العمل الذي تعملونه، إنّـي عامِلٌ علـى تؤدة من اعمل الذي أعمله، سَوفَ تَعْلَـمُونَ أينا الـجانـي علـى نفسه والـمخطىء علـيها والـمصيب فـي فعله الـمـحسن إلـى نفسه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: (مَنْ يَأْتِـيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إنّـي مَعَكُمْ رَقِـيبٌ) .

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نبـيه شعيب لقومه: الذي يأتـيه منا ومنكم أيها القوم عَذابٌ يُخْزِيهِ

يقول: يذله ويهينه وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ

يقول: ويخزي أيضا الذي هو كاذب فـي قـيـله وخبره منا ومنكم. وَارْتَقِبُوا: أي انتظروا وتفقدوا من الرقبة، يقال منه: رَقَبْتُ فلانا أرْقُبُه رِقْبة. وقوم: إنّـي مَعَكُم رَقِـيبٌ

يقول: إنـي أيضا ذو رِقبة لذلك العذاب معكم، وناظر إلـيه بـمن هو نازل منا ومنكم.

٩٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا شُعَيْباً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَأَخَذَتِ الّذِينَ ظَلَمُواْ الصّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء قضاؤنا فـي قوم شعيب بعذابنا نـجينا شعيبـا رسولنا والذين آمنوا به فصدّقوه علـى ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب، من عذابنا الذي بعثنا علـى قومه، برحمة منا له ولـمن آمن به واتبعه علـى ما جاءهم به من عند ربهم وأخذت الذين ظلـموا الصيحة من السماء أخمدتهم فأهلكتهم بكفرهم بربهم. وقـيـل: إن جبريـل علـيه السلام، صاح بهم صيحة أخرجت أرواحهم من أجسامهم. فَأصْبَحُوا فِـي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ علـى ركبهم وصَرْعَى بأفنـيتهم.

٩٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ بُعْداً لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }.

يقول تعالـى ذكره: كأن لـم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم اللّه بعذابه حين أصبحوا جاثمين فـي ديارهم قبل ذلك. ولـم يغنوا، من قولهم: غنـيت بـمكان كذا: إذا أقمت به، ومنه قول النابغة:

غَنِـيَتْ بذلكَ إذْ هُمُ لـي جِيرَةٌمِنْها بعَطْفِ رِسالَةٍ وتَوَدّدِ

١٤٣٤٦ـ وكما حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها قال:

يقول: كأن لـم يعيشوا فـيها.

١٤٣٤٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مثله.

وقوله: ألا بُعْدا لِـمَدْيَنَ كمَا بَعِدَتْ ثُمودُ

يقول تعالـى ذكره: ألا أبعد اللّه مدين من رحمته بـاحلال نقمته كما بعدت ثمود،

يقول: كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم.

٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا علـى توحيدنا، وحجة تبـين لـمن عاينها وتأملها بقلب صحيح، أنها تدل علـى توحيد اللّه وكذب كل من ادّعى الربوبـية دونه، وبطول قول من أشرك معه فـي الألوهة غيره.

٩٧

إلَـى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ يعني إلـى أشراف جنده وتبّـاعه. فـاتّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ

يقول: فكذّب فرعون وملؤه موسى، وجحدوا وحدانـية اللّه ، وأبوا قبول ما أتاهم به موسى من عند اللّه ، واتبع ملأ فرعون دون أمر اللّه ، وأطاعوه فـي تكذيب موسى وردّ ما جاءهم به من عند اللّه علـيه.

يقول تعالـى ذكره: وَما أمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يعني : أنه لا يرشد أمر فرعون من قبله منه، فـي تكذيب موسى، إلـى خير، ولا يهديه إلا صلاح، بل يورده نار جهنـم.

٩٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }.

يقول تعالـى ذكره: يقدم فرعون قومه يوم القـيامة يقودهم، فـيـمضي بهم إلـى النار حتـى يوردهموها ويصلـيهم سعيرها. وَبِئْسَ الوِرْدُ

يقول: وبئس الورد الذي يردونه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٤٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ قال: فرعون يقدم قومه يوم القـيامة يـمضي بـين أيديهم حتـى يهجم بهم علـى النار.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ

يقول: يقود قومه فأوردهم النار.

١٤٣٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس قوله: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ

يقول: أضلهم فأوردهم النار.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عمن سمع ابن عبـاس يقول فـي قوله: فَأوْرَدَهُمُ النّارَ قال: الورد: الدخول.

١٤٣٥٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ كان ابن عبـاس

يقول: الورد فـي القرآن أربعة أوراد: فـي هود قوله: وَبِئْس الورْدُ الـمَوْرُود، وفـي مريـم: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَاردُها، وورد فـي الأنبـياء: حَصَبُ جَهَنّـمُ أنْتُـمْ لَهَا وَاردُونَ، وورد فـي مريـم أيضا: وَنَسُوقُ الـمُـجْرمينَ إلـى جَهَنّـمَ ورْدا. كان ابن عبـاس

يقول: كل هذا الدخول، واللّه لـيَرِدنّ جهنـم كلّ برّ وفـاجر. ثُمّ نُنَـجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِـمِينَ فِـيهَا جِثِـيّا.

٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَأُتْبِعُواْ فِي هَـَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الْمَرْفُودُ }.

يقول اللّه تعالـى ذكره: وأتبعهم اللّه فـي هذه، يعني فـي هذه الدنـيا مع العذاب الذي عجله لهم فـيها من الغرق فـي البحر، لعنته. وَيَوْمَ القِـيامَة

يقول: وفـي يوم القـيامة أيضا يـلعنون لعنة أخرى. كما:

١٤٣٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: لعنة أخرى.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال زيدوا بلعنته لعنة أخرى، فتلك لعنتان.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ اللعنة فـي أثر اللعنة.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: زيدوا لعنة أخرى، فتلك لعنتان.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فِـي هَذِهِ قال: فـي الدنـيا وَيَوْمَ القِـيامَةِ أردفوا بلعنة أخرى زيدوها، فتلك لعنتان.

وقوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ

يقول: بئس العون الـمعان اللعنة الـمزيدة فـيها أخرى منها. وأصل الرفد: العون، يقال منه: رفد فلان فلانا عند الأمير يرفده رفدا بكسر الراء، وإذا فُتـحت، فهو السّقـي فـي القدح العظيـم، والرّفد: القدح الضخم، ومنه قول الأعشى:

رُبّ رَفْدٍ هَرَقْتَهُ ذلكَ الـيَوْمَ وأسْرَى مِنْ مَعْشَرٍ أقْتالِ

ويقال: رفد فلان حائطه، وذلك إذا أسنده بخشبة لئلا يسقط. والرّفد بفتـح الراء الـمصدر، يقال منه: رَفَدَهُ يَرْفِده رِفْدا. والرّفد: اسم الشيء الذي يُعطاه الإنسان وهو الـمَرْفد.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة الدنـيا والاَخرة.

١٤٣٥٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنهم اللّه فـي الدنـيا، وزيد لهم فـيها اللعنة فـي الاَخرة.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَيَوْم القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ قال: لعنة فـي الدنـيا، وزيدوا فـيها لعنة فـي الاَخرة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ

يقول: ترادفت علـيهم اللعنتان من اللّه لعنة فـي الدنـيا، ولعنة فـي الاَخرة.

١٤٣٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: أصابتهم لعنتان فـي الدنـيا، رفدت إحداهما الأخرى، وهو قوله: وَيَوْمَ القِـيامَة بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودُ.

١٠٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَىَ نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: هذا القصص الذي ذكرناه لك فـي هذه السورة، والنبأ الذي أنبأناكه فـيها من أخبـار القرى التـي أهلكنا أهلها بكفرهم بـالله، وتكذيبهم رسله، نقصه علـيك فنـخبرك به. مِنْها قائمٌ

يقول: منها بنـيانه بـائد بأهله هالك ومنها قائم بنـيانه عامر، ومنها حصيد بنـيانه خراب متداع، قد تعفـى أثره دارس، من قولهم: زرع حصيد: إذا كان قد استؤصل قطعه، وإنـما هو مـحصود، ولكنه صرف إلـى فعيـل كما قد بـيّنا فـي نظائره.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: ذلكَ مِنْ أنْبـاءِ القُرَى نَقُصّهُ عَلَـيْكَ مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ يعني بـالقائم: قرى عامرة. والـحصيد: قرى خامدة.

١٤٣٥٦ـحدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قَائمٌ وحَصِيدٌ قال: قائم علـى عروشها، وحصيد: مستأصلة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مِنْها قائمٌ يُرى مكانه، وَحَصِيدٌ لا يرى له أثر.

١٤٣٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: مِنْها قائمٌ قال: خاو علـى عروشه، وَحَصِيدٌ: ملزق بـالأرض.

١٤٣٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن سفـيان، عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: خرّ بنـيانه.

حدثنا الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش: مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ قال: الـحصيد: ما قد خرّ بنـيانه.

١٤٣٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ منها قائم يُرى أثره، وحصيد بـاد لا يُرى.

١٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القُرى التـي اقتصصنا نبأها علـيك يا مـحمد بغير استـحقاق منهم عقوبتنا، فتكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هم فـي غير موضعها، ولَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ

يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بـمعصيتهم اللّه وكفرهم به، عقوبته وعذابه، فأحلوا بها ما لـم يكن لهم أن يحلوه بها، وأوجبوا لها ما لـم يكن لهم أن يوجبوه لها. فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التـي يَدْعُونَ منْ دُونِ اللّه منْ شَيْءٍ

يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التـي يدعونها من دون اللّه ويدعونها أربـابـا من عقاب اللّه وعذابه إذا أحله بهم ربهم من شيء ولا ردّت عنهم شيئا منه. لَـمّا جاءَ أمْرُ رَبّكَ يا مـحمد،

يقول: لـما جاء قضاء ربك بعذابهم، فحقّ علـيهم عقابه ونزل بهم سخطه. وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبـيبٍ

يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مـجيء أمر ربك هؤلاء الـمشركين بعقاب اللّه غير تـخسير وتدمير وإهلاك، يقال منه: تببته أتببه تتبـيبـا، ومنه قولهم للرجل: تبّـا لك، قال جرير:

عَرادةُ مِنْ بَقِـيّةِ قَوْمِ لُوطٍألا تَبّـا لِـمَا فَعَلوا تَبـابَـا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٦٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سعيد بن سلام أبو الـحسن البصري، قال: حدثنا سفـيان، عن نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر فـي قوله: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.

١٤٣٦١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: تـخسير.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٣٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ

يقول: غير تـخسير.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: غير تـخسير.

وهذا الـخبر من اللّه تعالـى ذكره، وإن كان خبرا عمن مضى من الأمـم قبلنا، فإنه وعيد من اللّه جل ثناؤه لنا أيتها الأمة أنا إن سلكنا سبـيـل الأمـم قبلنا فـي الـخلاف علـيه وعلـى رسوله، سلك بنا سبـيـلهم فـي العقوبة، وإعلام منه لنا أنه لا يظلـم أحدا من خـلقه، وأن العبـاد هم الذين يظلـمون أنفسهم. كما:

١٤٣٦٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: اعتذر يعني ربنا جل ثناؤه إلـى خـلقه، فقال: وَما ظَلَـمْناهُم مـما ذكرنا لك من عذاب من عذّبنا من الأمـم وَلَكِنْ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُم فَمَا أغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ حتـى بلغ: وَما زَادُوهُمْ غيرَ تَتْبِـيبٍ قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبـيب.

١٠٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التـي اقتصصت علـيك نبأ أهلها بـما أخذتهم به من العذاب، علـى خلافهم أمري وتكذيبهم رسلـي وجحودهم آياتـي، فكذلك أخذي القرى وأهلها إذا أخذتهم بعقابـي وهم ظلـمة لأنفسهم بكفرهم بـاللّه وإشراكهم به غيره وتكذيبهم رسله. إنّ أخْذهُ ألِـيـمٌ

يقول: إن أخذ ربكم بـالعقاب من أخذه ألـيـم،

يقول: موجع شَدِيدٌ الإيجاع، وهذا أمر من اللّه تـحذير لهذه الأمة أن يسلكوا فـي معصيته طريق من قبلهم من الأمـم الفـاجرة، فـيحلّ بهم ما حلّ بهم من الـمثلات. كما:

١٤٣٦٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن يزيد بن أبـي بردة، عن أبـيه، عن أبـي موسى، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه يُـمْلـي) وربـما قال: (يُـمْهِلُ للظّالـم، حَتّـى إذَا أخَذَهُ لَـمْ يُفْلِتْهُ) ثم قرأ: وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِـمَةٌ.

١٤٣٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إن اللّه حذّر هذه الأمة سطوته ب قوله: وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِـيـمٌ شَدِيدٌ.

وكان عاصم الـجحدري يقرأ ذلك: (وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِـمَةٌ.) وذلك قراءة لا أستـجيز بها لـخلافها مصاحف الـمسلـمين وما علـيه قرأة الأمصار.

١٠٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مّجْمُوعٌ لّهُ النّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مّشْهُودٌ }.

يقول تعالـى ذكره: إن فـي أخذنا مَن أخذنا من أهل القرى التـي اقتصصنا خبرها علـيكم أيها الناس الآية،

يقول: لعبرة وعظة لـمن خاف عقاب اللّه وعذابه فـي الاَخرة من عبـاده، وحجة علـيه لربه، وزاجرا يزجره عن أن يعصي اللّه ويخالفه فـيـما أمره ونهاه. وقـيـل: بل معنى ذلك: إن فـيه عبرة لـمن خاف عذاب الاَخرة بأن اللّه سيفـي له بوعده. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِـمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ إنا سوف نفـي لهم بـما وعدناهم فـي الاَخرة كما وفـينا للأنبـياء أنا ننصرهم.

وقوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ

يقول تعالـى ذكره: هذا الـيوم، يعني يوم القـيامة، يوْمٌ مـجموعٌ له الناس،

يقول: يحشر اللّه الناس من قبورهم، فـيجمعهم فـيه للـجزاء والثواب والعقاب. وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ

يقول: وهو يوم تشهده الـخلائق لا يتـخـلف منهم أحد، فـينتقم حينئذ مـمن عصى اللّه وخالف أمره وكذب رسله.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٦٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، فـي قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: يوم القـيامة.

١٤٣٦٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن عكرمة، مثله.

١٤٣٦٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف الـمكيّ، عن ابن عبـاس ، قال: الشاهد: مـحمد، والـمشهود: يوم القـيامة. ثم قرأ: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن علـيّ بن زيد، عن ابن عبـاس ، قال: الشاهد: مـحمد، والـمشهود: يوم القـيامة. ثم تلا هذه الآية: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

١٤٣٧٠ـ حُدثت عن الـمسيب عن جويبر، عن الضحاك ، قوله: ذلكَ يَوْمٌ مَـجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ قال: ذلك يوم القـيامة، يجتـمع فـيه الـخـلق كلهم ويشهده أهل السماء وأهل الأرض.

١٠٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاّ لأجَلٍ مّعْدُودٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وما نؤخر يوم القـيامة عنكم أن نـجيئكم به إلا لاَنٍ يُقْضَى، فقضى له أجلاً فعدّه وأحصاه، فلا يأتـي إلا لأجله ذلك، لا يتقدم مـجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.

١٠٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ }.

يقول تعالـى ذكره: يوم يأتـي القـيامة أيها الناس، وتقوم الساعة لا تكلـم نفس إلا بإذن ربها.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: (يَوْمَ يَأْتِـي) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة بإثبـات الـياء فـيها: (يَوْمَ يَأْتـي لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ) . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة وبعض الكوفـيـين بإثبـات الـياء فـيها فـي الوصل وجذفها فـي الوقـف. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف: (يَوْمَ يَأْتِ لا تُكَلّـمُ نَفْسٌ إلاّ بإذْنِهِ) .

والصواب من القراءة فـي ذلك عندي: يَوْمَ يَأْتِ بحذف الـياء فـي الوصل والوقـف اتبـاعا لـخط الـمصحف، وأنها لغة معروفة لهذيـل، تقول: ما أَدْرِ ما تقول، ومنه قول الشاعر:

كَفّـاكَ كَفّ ما تُلِـيقُ دِرْهماجُودا وأُخرَى تُعْطِ بـالسّيْفِ الدّما

وقـيـل: لا تَكَلّـمُ وإنـما هي (لا تتكلـم) ، فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة البـاقـية منهما علـيها.

وقوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وسَعِيدٌ وقول: فمن هذه النفوس التـي لا تكلـم يوم القـيامة إلا بإذن ربها، شقـي وسعيد وعادٍ علـى النفس، وهي فـي اللفظ واحدة بذكر الـجميع فـي قوله: فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ

١٠٦

يقول: تعالـى ذكره: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ لهم، وهو أول نهاق الـحمار وشبهه،

وَشَهِيقٌ وهو آخر نهيقه إذا ردده فـي الـجوف عند فراغه من نهاقه، كما قال رؤبة بن العجاج:

حَشْرَجَ فـي الـجَوْفِ سَحِيلاً أوْ شَهَقْحتـى يُقالُ ناهِقٌ وَما نَهَقْ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:)

١٤٣٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهيقٌ يقول: صوت شديد وصوت ضعيف.

١٤٣٧٢ـ قال: حدثنا إسحاق، حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن أبـي العالـية، فـي قوله: لَهُمْ فِـيها زَفـيرٌ وشَهِيقٌ قال: الزفـير فـي الـحلق، والشهيق فـي الصدر.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية بنـحوه.

١٤٣٧٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: صوت الكافر فـي النار صوت الـحمار، أوله زفـير وآخره شهيق.

١٤٣٧٤ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي ومـحمد بن معمر البحرانـي ومـحمد بن الـمثنى ومـحمد بن بشار، قالوا: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سلـيـمان بن سفـيان، قال: حدثنا عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر عن عمر، قال: لـما نزلت هذه الآية فَمِنْهُمْ شَقِـيّ وَسَعِيدٌ سألت النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: يا نبـيّ اللّه ، فعلام عملنا؟ علـى شيء قد فرغ منه أم علـى شيء لـم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (علـى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يا عُمَرُ وَجَرَتْ بِهِ الأقْلامُ، وَلَكِنْ كُلّ مُيَسّرٌ لِـمّا خُـلِقَ لَهُ) . اللفظ لـحديث ابن معمر.

١٠٧

وقوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يرِيدُ

يعني ذكره ب قوله: خالِدِينَ فِـيها لابثـين فـيها، و يعني ب قوله: ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ أبدا وذلك أن العرب إذا أرادت أنُ تصف الشيء بـالدوام أبدا، قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض بـمعنى أنه دائم أبدا، وكذلك يقولون: هو بـاق ما اختلف اللـيـل والنهار، وما سمر لنا سمير، وما لألأت العفر بأذنابها يعنون بذلك كله أبدا. فخاطبهم جل ثناؤه بـما يتعارفون به بـينهم، فقال: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ. والـمعنى فـي ذلك: خالدين فـيها أبدا.

وكان ابن زيد يقول فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه:

١٤٣٧٥ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ قال: ما دامت الأرض أرضا، والسماء سماء. ثم قال: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ.

واختلف أهل العلـم والتأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: هذا استثناء استثناه اللّه فـي أهل التوحيد أنه يخرجهم من النار إذا شاء بعد أن أدخـلهم النار. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٧٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّماوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: اللّه أعلـم بثُنـياه. وذُكر لنا أن ناسا يصيبهم سَفَع من النار بذنوب أصابوها، ثم يدخـلهم الـجنة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ واللّه أعلـم بثنـيّته ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوب أصابتهم، ثم يدخـلهم اللّه الـجنة بفضل رحمته، يقال لهم الـجهنـميون.

١٤٣٧٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا شيبـان بن فروخ، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة، وتلا هذه الآية: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ... إلـى قوله: لِـمَا يُريدُ فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النار) قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حروراء.

١٤٣٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن أبـي مالك، يعني ثعلبة، عن أبـي سنان، فـي قوله: فَأمّا الّذِينَ شَقَوا فَفِـي النّارِ لَهُمْ فِـيها زَفِـيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء فـي أهل التوحيد.

١٤٣٧٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك بن مزاحم: فَأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النّارِ... إلـى قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السمَواتُ والأرْضُ إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: يخرج قوم من النار فـيدخـلون الـجنة، فهم الذين استُثنـي لهم.

١٤٣٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن عامر بن جشِب، عن خالد بن معدان فـي قوله: لابِثِـينَ فـيها أحْقابـا،

وقوله: خالِدينَ فِـيها إلاّ ما شاءَ رَبّكَ أنهما فـي أهل التوحيد.

وقال آخرون: الاستثناء فـي هذه الآية فـي أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إلا أن يشاء ربك أن يتـجاوز عنهم فلا يدخـلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلـى أنه من قوله: فأمّا الّذِينَ شَقُوا فَفِـي النارِ... إلاّ ما شاءَ رَبّكَ لا من الـخـلود. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا ابن التـيـمي، عن أبـيه، عن أبـي نضرة، عن جابر أو أبـي سعيد يعني الـخدري أو عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـي قوله: إلاّ ما شاءَ رَبّكَ إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُزِيدُ قال: (هَذِهِ الآية تَأْتـي علـى القُرْآنِ كُلّهِ) ،

يقول: حيث كان فـي القرآن خالِدِينَ فـيها تأتـي علـيه. قال: وسمعت أبـا مُـجَلّزٍ

يقول: هو جزاؤه، فإن شاء اللّه تـجاوز عن عذابه.

وقال آخرون: عنـي بذلك أهل النار وكل من دخـلها. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨٢ـ حُدثت عن الـمسيب عمن ذكره، عن ابن عبـاس : خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ لا يـموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السماوات والأرض. إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: استثناء اللّه . قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: لـيأتـينّ علـى جهنـم زمان تـخفق أبوابها لـيس فـيها أحد، وذلك بعد ما يـلبثون فـيها أحقابـا.

١٤٣٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن بـيان، عن الشعبـي، قال: جهنـم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابـا.

وقال آخرون: أخبرنا اللّه بـمشيئته لأهل الـجنة، فعرفنا معنى ثنـياه ب قوله: عَطاءً غَيْرَ مَـجْذُوذٍ أنها فـي الزيادة علـى مقدار مدة السماوات والأرض، قال: ولـم يخبرنا بـمشيئته فـي أهل النار، وجائز أن تكون مشيئته فـي الزيادة وجائز أن تكون فـي النقصان. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ آلاّ ما شاءَ رَبّكَ فقرأ حتـى بلغ: عَطَاءً غيرَ مـجْذُوذٍ قال: وأخبرنا بـالذي يشاء لأهل الـجنة، فقال: عطاء غير مـجذوذ، ولـم يخبرنا بـالذي يشاء لأهل النار.

وأولـى هذه الأقوال فـي تأويـل هذه الآية بـالصواب، القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك ، من أن ذلك استثناء فـي أهل التوحيد من أهل الكبـائر أنه يدخـلهم النار، خالدين فـيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فـيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فـيدخـلهم الـجنة، كما قد بـيّنا فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال بـالصحة فـي ذلك لأن اللّه جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الـخـلود فـي النار، وتظاهرت بذلك الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناء فـي أهل الشرك، وأن الأخبـار قد تواترت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه يدخـل قوما من أهل الإيـمان به بذنوب أصابوها النار ثم يخرجهم منها فـيدخـلهم الـجنة فغير جائز أن يكون ذلك استثناء أهل التوحيد قبل دخولها مع صحة الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـما ذكرنا، وأنا إن جعلناه استثناء فـي ذلك كنا قد دخـلنا فـي قول من

يقول: لا يدخـل الـجنة فـاسق ولا النار مؤمن، وذلك خلاف مذاهب أهل العلـم وما جاءت به الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلـم إلا الثالث. ولأهل العربـية فـي ذلك مذهب غير ذلك سنذكره بعد، ونبـينه إن شاء اللّه تعالـى.

وقوله: إنّ رَبّكَ فَعّالٌ لِـمَا يُرِيدُ

يقول تعالـى ذكره: إن ربك يا مـحمد لا يـمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بـمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء، فـيـمضي فعله فـيهم وفـيـمن شاء من خـلقه فعله وقضاءه.

١٠٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَأَمّا الّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الـمدينة والـحجاز والبصرة وبضع الكوفـيـين: (وأما الّذِينَ سَعِدُوا) بفتـح السين، وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا بضم السين، بـمعنى: رُزقوا السعادة.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب.

فإن قال قائل: وكيف قـيـل: سِعُدُوا فـيـما لـم يسمّ فـاعله، ولـم يقل: (أُسعدوا) ، وأنت لا تقول فـي الـخبر فـيـما سُمى فـاعله سعده اللّه ، بل إنـما تقول: أسعده اللّه ؟ قـيـل: ذلك نظير قولهم: هو مـجنون مـحبوب فـيـما لـم يسم فـاعله، فإذا سموا فـاعله، قـيـل: أجنّه اللّه وأحبّه، والعرب تفعل ذلك كثـيرا. وقد بـيّنا بعض ذلك فـيـما مضى من كتابنا هذا.

وتأويـل ذلك: وأما الذين سُعدوا برحمة اللّه ، فهم فـي الـجنة خالدين فـيها ما دامت السموات والأرض،

يقول: أبدا، إلا ما شاء ربك. فـاختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: إلا ما شاء ربك من قدْر ما مكثوا فـي النار قبل دخولهم الـجنة، قالوا: وذلك فـيـمن أخرج من النار من الـمؤمنـين فأدخـل الـجنة. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك ، فـي قوله: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا ففـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ، إلاّ ما شاء رَبّكَ قال: هو أيضا فـي الذين يخرجون من النار فـيدخـلون الـجنة،

يقول: خالدين فـي الـجنة ما دامت السماوات والأرض، إلاّ ما شاءَ رَبّكَ

يقول: إلا ما مكثوا فـي النار حتـى أدخـلوا الـجنة.

وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما شاء ربك من الزيادة علـى قدر مدّة دوام السماوات والأرض، قال: وذلك هو الـخـلود فـيها أبدا. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن أبـي مالك، يعني ثعلبة، عن أبـي سنان: وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي الـجَنّةِ خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ قال: ومشيئته خـلودهم فـيها، ثم أتبعها فقال: عطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ.

واختلف أهل العربـية فـي وجه الاستثناء فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم فـي ذلك معنـيان: أحدهما أن تـجعله استثناء يستثنـيه ولا يفعله، كقولك: واللّه لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزمك علـى ضربه، قال: فكذلك قال: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ ولا يشاؤه. قال: والقول الاَخر: أن العرب إذا استثنت شيئا كثـيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا ومعنى الواو (سوى) فمن ذلك قوله: خَالدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَاوَاتُ والأرْضُ سوى ما شاء اللّه من زيادة الـخـلود، فـيجعل (إلا) مكان (سوى) فـيصلـح، وكأنه قال: خالدين فـيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الـخـلود والأبد. ومثله فـي الكلام أن تقول: لـي علـيك ألف إلا الألفـين اللذين قبله. قال: وهذا أحبّ الوجهين إلـيّ لأن اللّه لا يخـلف وعده. وقد وصل الاستثناء ب قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فدلّ علـى أن الاستثناء لهم بقوله فـي الـخـلود غير منقطع عنهم.

وقال آخر منهم بنـحو هذا القول، وقالوا: جائز فـيه وجه ثالث، وهو أن يكون استثنى من خـلودهم فـي الـجنة احتبـاسهم عنها ما بـين الـموت والبعث وهو البرزخ إلـى أن يصيروا إلـى الـجنة. ثم هو خـلود الأبد،

يقول: فلـم يغيبوا عن الـجنة إلا بقدر إقامتهم فـي البرزخ.

وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والأرض بـمعنى الأبد علـى ما تعرف العرب وتستعمل وتستثنى الـمشيئة من داومها لأن أهل الـجنة وأهل النار قد كانوا فـي وقت من أوقات دوام السماوات والأرض فـي الدنـيا لا فـي الـجنة، فكأنه قال: خالدين فـي الـجنة وخالدين فـي النار دوام السماء، والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم فـي الدنـيا قبل ذلك.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب، القول الذي ذكرته عن الضحاك ، وهو وأمّا الّذِينَ سُعِدُوا فَفِـي ا لـجَنّةِ خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ من قدر مكثهم فـي النار، من لدن دخـلوها إلـى أن أدخـلوا الـجنة، وتكون الآية معناها الـخصوص لأن الأشهر من كلام العرب فـي (إلا) توجيهها إلـى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مـما قبلها إلا أن يكون معها دلالة تدل علـى خلاف ذلك، ولا دلالة فـي الكلام، أعنـي فـي قوله: إلاّ ما شَاءَ رَبّكَ تدلّ علـى أن معناها غير معنى الاستثناء الـمفهوم فـي الكلام فـيوجه إلـيه.

وأما قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ فإنه يعني عطاء من اللّه غير مقطوع عنهم، من قولهم: جذذت الشيء أجذّه جذّا: إذا قطعته، كما قال النابغة:

تَـجُذّ السّلُوقـيّ الـمُضاعَفَ نَسْجُهُويُوقِدُنَ بـالصّفّـاحِ نارَ الـحُبـاحِب

 يعني ب قوله: (تـجذ) : تقطع.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.

١٤٣٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ

يقول: غير منقطع.

١٤٣٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ

يقول: عطاء غير مقطوع.

١٤٣٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مـجذوذ، قال: مقطوع.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: غير مقطوع.

قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٣٩١ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، مثله.

١٤٣٩٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج. عن ابن جريج، مثله.

قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ قال: أما هذه فقد أمضاها،

يقول: عطاء غير منقطع.

١٤٣٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: عَطاءً غيرَ مَـجْذُوذٍ غير منزوع منهم.

١٠٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مّمّا يَعْبُدُ هَـَؤُلآءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مّن قَبْلُ وَإِنّا لَمُوَفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فلا تك فـي شك يا مـحمد مـما يعبد هؤلاء الـمشركون من قومك من الاَلهة والأصنام أنه ضلال وبـاطل وأنه بـاللّه شرك، ما يعبد هؤلاء إلا كما يعبد آبـاؤهم من قبل،

يقول: إلا كعبـادة آبـائهم من قبل عبـادتهم لها. يخبر تعالـى ذكره أنهم لـم يعبدوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتبـاعا منهم منهاج آبـائهم، واقتفـاء منهم آثارهم فـي عبـادتهموها، لا عن أمر اللّه إياهم بذلك، ولا بحجة تبـينوها توجب علـيهم عبـادتها. ثم أخبر جل ثناؤه نبـيه ما هو فـاعل بهم لعبـادتهم ذلك، فقال جلّ ثناؤه: وَإنّا لَـمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ يعني : حظهم مـما وعدتُهم أن أوفـيَهموه من خير أو شر، غير منقوص،

يقول: لا أنقصهم مـما وعدتهم، بل أتـمـم ذلك لهم علـى التـمام والكمال. كما:

١٤٣٩٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وَإنّا لَـمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ قال: ما وُعدوا فـيه من خير أو شرّ.

حدثنا أبو كريب ومـحمد بن بشار، قالا: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، مثله، إلا أن أبـا كريب قال فـي حديثه: من خير وشرّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شريك، عن جابر، عن مـجاهد عن ابن عبـاس : وَإنّا لَـمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ قال: ما قدّر لهم من الـخير والشرّ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَإنّا لَـمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ قال: ما يصيبهم خير أو شرّ.

١٤٣٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنّا لَـمُوفّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غيرَ مَنْقُوصٍ قال: نصيبهم من العذاب.

١١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنّهُمْ لَفِي شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ }.

يقول تعالـى ذكر مسلـيا نبـيه فـي تكذيب مشركي قومه إياه فـيـما أتاهم به من عند اللّه بفعل بنـي إسرائيـل بـموسى فـيـما أتاهم به من عند اللّه ، يقول له تعالـى ذكره: ولا يحزنك يا مـحمد تكذيب هؤلاء الـمشركين لك، وامض لـما أمرك به ربك من تبلـيغ رسالته، فـان الذي يفعل بك هؤلاء من رد ما جئتهم به علـيك من النصيحة من فعل ضربـائهم من الأمـم قبلهم وسنة من سننهم. ثم أخبره جل ثناؤه بـما فعل قوم موسى به، فقال: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى الكتابَ يعني التوراة، كما آتـيناك الفرقان، فـاختلف فـي ذلك الكتاب قوم موسى فكذب به بعضهم وصدق به بعضهم، كما قد فعل قومك بـالفرقات من تصديق بعض به وتكذيب بعض. وَلَوْلا كَلـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ

يقول تعالـى ذكره: ولولا كلـمة سبقت يا مـحمد من ربك بأنه لا يعجل علـى خـلقه بـالعذاب، ولكن يتأنى حتـى يبلغ الكتاب أجله لَقُضِيَ بَـيْنَهُمْ

يقول: لقضي بـين الـمكذب منهم به والـمصدّق بإهلاك اللّه الـمكذّب به منهم وإنـجائه الـمصدّق به. وإنّهُمْ لفـي شَكَ مِنْهُ مُرِيبٍ

يقول: وإن الـمكذّبـين به منهم لفـي شكّ من حقـيقته أنه من عند اللّه مريب،

يقول: يريبهم فلا يدرون أحقّ هو أم بـاطل، ولكنهم فـيه مـمترون.

١١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَإِنّ كُـلاّ لّمّا لَيُوَفّيَنّهُمْ رَبّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته جماعة من قرّاء أهل الـمدينة والكوفة: وَإنّ مشددة كُلاّ لـمّا مشدّدة.

واختلفت أهل العربـية فـي معنى ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: معناه إذا قرىء كذلك وإن كلاّ لـمـما لـيوفـيهم ربك أعمالهم، ولكن لـما اجتـمعت الـميـمات حذفت واحدة فبقـيت ثنتان، فأدغمت واحدة فـي الأخرى، كما قال الشاعر:

وإنّـي لَـمّا أُصْدِرُ الأمْرَ وَجْهَهُإذَا هُوَ أعْيا بـالنّبِـيـل مَصَادِرُه

ثم تـخفف، كما قرأ بعض القرّاء: (والبَغْي يَعِظُكُمْ) يخفف الـياء مع الـياء، وذكر أن الكسائي أنشده:

وأشْمَتّ العُدَاةَ بِنَا فَأضْحُوالَدَيْ يَتَبـاشَرُونَ بِـمَا لَقَـيْنَا

وقال: يريد: لديّ يتبـاشرون بـما لقـينا، فحذف (ياء) لـحركتهن واجتـماعهن قال: ومثله:

كانَ مِنْ آخرَها إلقادِممَخْرِمَ نَـجْدٍ فـارعِ الـمَخارِمِ

وقال أراد إلـى القادم، فحذف اللام عند اللام.

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرىء كذلك: وإنّ كُلاّ شديدا وحقّا لـيوفـيهم ربك أعمالهم. قال: وإنـما يراد إذا قرىء ذلك كذلك: وإنّ كُلاّ لَـمّا بـالتشديد والتنوين، ولكن قاىء ذلك كذلك حذف منه التنوين، فأخرجه علـى لفظ (فَعْلَـى) لـما كما فعل ذلك فـي قوله: ثُمّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرَى فقرأ (تترى) بعضهم بـالتنوين، كما قرأ من قرأ: (لَـمّا) بـالتنوين، وقرأ آخرون بغير تنوين، كما قرأ لَـمّا بغير تنوين من قرأه، وقالوا: أصله من اللـمّ من قول اللّه تعالـى: وتَأْكُلُونَ التّراثَ أكْلاً لَـمّا يعني : أكلاً شديدا.

وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرىء كذلك: وإن كلاّ إلا لـيوفـيهم، كما يقول القائل: لقد قمت عنا، وبـاللّه إلا قمت عنا. ووجدت عامة أهل العلـم بـالعربـية ينكرون هذا القول، ويأبون أن يكون جائزا توجيه (لـما) إلـى معنى (إلا) فـي الـيـمين خاصة وقالوا: لو جاز أن يكون ذلك بـمعنى إلا جاز أن يقال: قام القوم لـما أخاك، بـمعنى: إلا أخاك، ودخولها فـي كل موضع صلـح دخول إلا فـيه. وأنا أرى أن ذلك فـاسد من وجه هو أبـين مـما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربـية إنّ فـي فساده، وهو أنّ (إنّ) إثبـات للشيء وتـحقـيق له، و (إلا) أيضا تـحقـيق أيضا، وإنـما تدخـل نقضا لـجحد قد تقدمها. فإذا كان ذلك معناها فواجب أن تكون عند متأوّلها التأويـل الذي ذكرنا عنه، أن تكون بـمعنى الـجحد عنده، حتـى تكون إلا نقضا لها. وذلك إن قاله قائل قول لا يخفـى جهل قائله، اللهمّ إلا أن يخفف قارىء (إنّ) فـيجعلها بـمعنى (إن) التـي تكون بـمعنى الـجحد. وإن فعل ذلك فسدت قراءته ذلك كذلك أيضا من وجه آخر، وهو أنه يصير حينئد ناصبـا ل (كلّ) ب قوله: لـيوفـيهم، ولـيس فـي العربـية أن ينصب ما بعد (إلا) من الفعل الاسم الذي قبلها، لا تقول العرب: ما زيدا إلا ضربت، فـيفسد ذلك إذا قرىء كذلك من هذا الوجه إلا أن يرفع رافع الكلّ، فـيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القرّاء وخطّ مصاحف الـمسلـمين، ولا يخرج بذلك من العيب بخروجه من معروف كلام العرب. وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين) (وإنْ كُلاّ) بتـخفـيف (إن) ونصب (كلاّ) لَـمّا مشددة. وزعم بعض أهل العربـية أن قارىء ذلك كذلك أراد (إنّ) الثقـيـلة فخففها. وذُكر عن أبـي زيد البصري أنه سمع: كأنْ ثديـيه حُقّان، فنصب ب (كأنْ) ، والنون مخففة من (كأن) ومنه قول الشاعر:

وَوَجْهٌ مُشْرِقُ النّـحْرِكأنْ ثَدْيَـيْهِ حُقّانٍ

وقرأ ذلك بعض الـمدنـين بتـخفـيف (إنّ) ونصب (كُلاّ) وتـخفـيف (لَـمَا) . وقد يحتـمل أن يكون قارىء ذلك كذلك قصد الـمعنى الذي حكيناه عن قارىء الكوفة من تـخفـيفه نون (إن) وهو يريد تشديدها، ويريد بـما التـي فـي (لَـمَا) التـي تدخـل فـي الكلام صلة، وأن يكون قصد إلـى تـحميـل الكلام معنى: وإن كلاّ لـيوفـينهم ويجوز أن يكون معناه كان فـي قراءته ذلك كذلك: وإنْ كُلاّ لـيوفـينهم أيْ لـيوفّـينّ كُلاّ، فـيكون نـيته فـي نصب (كلّ) كانت ب قوله: (لـيَوفـينهم) ، فإن كان ذلك أراد ففـيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب، وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام الـيـمين اسما قبلها.

وقرأ ذلك بعض أهل الـحجاز والبصرة: (وإنّ) مشددة (كُلاّ لَـمَا) مخففة لَـيُوفّـيَنّهُمْ، ولهذه القراءة وجهان من الـمعنى: أحدهما: أن يكون قارئها إراد: وإنّ كُلاّ لـمَنْ لـيوفـيهم ربك أعمالهم، فـيوجه (ما) التـي فـي (لـما) إلـى معنى (مَنْ) كما قال جلّ ثناؤه: فـانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ وإن كان أكثر استعمال العرب لها فـي غير بنـي آدم، وينوي بـاللام التـي فـي (لـما) اللام التـي يتلقـى بها (وإن) جوابـا لها، وبـاللام التـي فـي قوله: لَـيُوفّـيَنّهُمْ لام الـيـمين دخـلت فـيـما بـين ما وصلتها، كما قال جلّ ثناؤه: وإنْ مِنْكُمْ لَـمَنْ لَـيُبَطّئَنّ وكما يقال هذا ما لغيره أفضل منه. والوجه الاَخر: أن يجعل (ما) التـي فـي (لـما) بـمعنى (ما) التـي تدخـل صلة فـي الكلام، واللام التـي فـيها اللام التـي يجاب بها، واللام التـي فـي: لَـيُوَفّـيَنّهُمْ هي أيضا اللام التـي يجاب بها (إنّ) كرّرت وأعيدت، إذا كان ذلك موضعها، وكانت الأولـى مـما تدخـلها العرب فـي غير موضعها ثم تعيدها بعدُ فـي موضعها، كما قال الشاعر:

فَلَوْ أنّ قَوْمي لَـمْ يَكُونُوا أعِزّةًلَبَعْدُ لَقَدْ لا قَـيْتُ لا بُدّ مَصْرَعا

وقرأ ذلك الزهري فـيـما ذكر عنه: وَإنّ كُلاّ بتشديد إنّ ولَـمّا بتنوينها، بـمعنى: شديدا وحقّا وجميعا.

وأصح هذه القراءات مخرجا علـى كلام العرب الـمستفـيض فـيهم قراءة من قرأ: (وإنّ) بتشديد نونها، (كُلاّ لَـمَا) بتـخفـيف ما لَـيُوَفّـيَنّهُمْ رَبّكَ بـمعنى: وإن كلّ هؤلاء الذين قصصنا علـيك يا مـحمد قصصهم فـي هذه السور، لـمن لـيوفـينهم ربك أعمالهم بـالصالـح منها بـالـجزيـل من الثواب، وبـالطالـح منها بـالتشديد من العقاب، فتكون (ما) بـمعنى (من) واللام التـي فـيها جوابـا لأن واللام فـي قوله: لَـيُوفّـيَنّهُمْ لام قسم.

وقوله: إنّهُ بِـما يَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ

يقول تعالـى ذكره: إن ربك بـما يعمل هؤلاء الـمشركون بـاللّه من قومك يا مـحمد، خبـير، لا يخفـى علـيه شيء من عملهم بل يخبرُ ذلك كله ويعلـمه ويحيط به حتـى يجازيهم علـى جميع ذلك جزاءهم.

١١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فـاستقم أنت يا مـحمد علـى أمر ربك والدين الذي ابتعثك به والدعاء إلـيه، كما أمرك ربك. وَمَنْ تَابَ مَعَكَ

يقول: ومن رجع معك إلـى طاعة اللّه والعمل بـما أمره به ربه من بعد كفره. وَلا تَطْغَوْا

يقول: ولا تعدوا أمره إلـى ما نهاكم عنه. إنّهُ بِـمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

يقول: إن ربكم أيها الناس بـما تعملون من الأعمال كلها طاعتها ومعصيتها بصير ذو علـم بها، لا يخفـى علـيه منها شيء، وهو لـجميعها مبصر،

يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا اللّه أيها الناس أن يطلع علـيكم ربكم وأنتـم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علـم بـما تعلـمون، وهو لكم بـالـمرصاد.

وكان ابن عيـينة يقول فـي معنى قوله: فـاسْتَقِمْ كمَا أُمِرْتَ ما:

١٤٣٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان فـي قوله: فـاسْتَقِمْ كمَا أُمِرْتَ قال: استقم علـى القرآن.

١٤٣٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَطْغَوْا قال: الطغيان: خلاف اللّه وركوب معصيته ذلك الطغيان.

١١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلاَ تَرْكَنُوَاْ إِلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسّكُمُ النّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللّه مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمّ لاَ تُنصَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولا تـميـلوا أيها الناس إلـى قول هؤلاء الذين كفروا بـالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم، فتـمسّكم النار بفعلكم ذلك، وما لكم من دون اللّه من ناصر ينصركم وولـيّ يـلـيكم. ثُمّ لا تنْصُرونَ

يقول: فإنكم إن فعلتـم ذلك لـم ينصركم اللّه ، بل يخـلـيكم من نصرته ويسلط علـيكم عدوّكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٣٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا فَتَـمَسّكُمُ النّارُ يعني : الركون إلـى الشرك.

١٤٣٩٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا

يقول: لا ترضوا أعمالهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا يقلو: لا ترضوا أعمالهم،

يقول: الركون: الرضا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قوله: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا قال: لا ترضوا أعمالهم فتـمسكم النار.

١٤٤٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا قال: قال ابن عبـاس : ولا تـميـلوا إلـى الذين ظلـموا.

١٤٤٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا فَتَـمَسّكُمُ النّارُ

يقول: لا تلـحقوا بـالشرك، وهو الذي خرجتـم منه.

١٤٤٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَرْكَنُوا إلـى الّذِينَ ظَلَـمُوا فَتَـمَسّكُمُ النّارُ قال: الركون: الإدهان. وقرأ: وَدّوا لَوْ تُدْهِنُ فَـيُدْهِنُونَ قال: تركن إلـيهم، ولا تنكر علـيهم الذي قالوا: وقد قالوا العظيـم من كفرهم بـاللّه وكتابه ورسله. قال: وإنـما هذا لأهل الكفر وأهل الشرك ولـيس لأهل الإسلام، أما أهل الذنوب من أهل الإسلام فـاللّه أعلـم بذنوبهم وأعمالهم، ما ينبغي لأحد أن يصالـح علـى شيء من معاصي اللّه ولا يركن إلـيه فـيها.

١١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّـيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وأقم الصلاة يا مـحمد، يعني صلّ طرفـي النهار، يعني الغداة والعشي.

واختلف أهل التأويـل فـي التـي عنـيت بهذه الآية من صلوات العشي بعد إجماع جميعهم علـى أن التـي عنـيت من صلاة الغد: الفجر بعضهم: عنـيت بذلك صلاة الظهر والعصر، قالوا: وهما من صلاة العشي. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٠٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: أقِمِ الصّلاَةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: الفجر، وصلاتـي العشى، يعني الظهر والعصر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: صلاة الفجر، وصلاة العشيّ.

١٤٤٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن أفلـح بن سعيد، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي

يقول: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: فطرفـا النهار: الفجر والظهر والعصر.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: الفجر، والظهر، والعصر.

وقال آخرون: بل عُنـي بها صلاة الـمغرب. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ

يقول: صلاة الغداة وصلاة الـمغرب.

١٤٤٠٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن عوف، عن الـحسن: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: صلاة الغداة والـمغرب.

١٤٤٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ الصبح، والـمغرب.

وقال آخرون: عُنـي بها: صلاة العصر. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: صلاة الفجر والعصر.

١٤٤٠٩ـ قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن أفلـح بن سعيد القُبـائي، عن مـحمد بن كعب: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ الفجر والعصر.

١٤٤١٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أبو رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: صلاة الصبح وصلاة العصر.

حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا مبـارك، عن الـحسن، قال: قال اللّه لنبـيه: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: طرفـى النهار: الغداة والعصر.

١٤٤١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، قتادة، قوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ يعني صلاة العصر والصبح.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن مبـارك بن فضالة، عن الـحسن: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ الغداة والعصر.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن أفلـح بن سعيد، عن مـحمد بن كعب: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ الفجر والعصر.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ قال: الغداة والعصر.

وقال بعضهم: بل عنى بطرفـى النهار: الظهر، والعصر وب قوله: زُلَفـا مِنَ اللّـيْـل: الـمغرب، والعشاء، والصبح.

وأولـى هذه الأقول فـي فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: هي صلاة الـمغرب كما ذكرنا عن ابن عبـاس .

وأنـما قلنا هو أولـى بـالصواب لإجماع الـجميع علـى أن صلاة أحد الطرفـين من ذلك صلاة الفجر، وهي تصلـى قبل طلوع الشمس فـالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعا أن تكون صلاة الطرف الاَخر الـمغرب، لأنها تصلـى بعد غروب الشمس، ولو كان واجبـا أن يكون مرادا بصلاة أحد الطرفـين قبل غروب الشمس وجب أن يكون مرادا بصلاة الطرف الاَخر بعد طلوعها، وذلك ما لا نعلـم قائلاً قاله إلا من قال: عنى بذلك صلاة الظهر والعصر، وذلك قول لا يُخِيـلُ فساده، لأنهما إلـى أن يكونا جميعا من صلاة أحد الطرفـين أقرب منهما إلـى أن يكونا من صلاة طرفـى النهار، وذلك أن الظهر لا شكّ أنها تصلـى بعد مضيّ نصف النهار فـي النصف الثانـي منه، فمـحال أن تكون من طرف النهار الأوّل وهي فـي طرفه الاَخر. فإذا كان لا قائل من أهل العلـم

يقول: عنـي بصلاة طرف النهار الأوّل صلاة بعد طلوع الشمس، وجب أن يكون غير جائز أن يقال: عنى بصلاة طرف النهار الاَخرة صلاة قبل غروبها. وإذا كان ذلك صحّ ما قلنا فـي ذلك من القول وفسد ما خالفه.

وأما قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ فإنه يعني : ساعات من اللـيـل، وهي جمع زُلْفة، والزلفة: الساعة والـمنزلة والقربة. وقـيـل: إنـما سميت الـمزدلفة وجُمَع من ذلك لأنها منزل بهد عرفة. وقـيـل: سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلـى حوّاء وهي بها ومنه قول العجاج فـي صفة بعير:

ناجٍ طَوَاهُ الأيْنَ مِـمّا وَجَفـاطَيّ اللّـيالـي زُلَفـا فَزُلَفَـا

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق: وَزُلَفـا بضم الزاي وفتـح اللام. وقرأه بعض أهل الـمدينة بضم الزاي واللام، كأنه وجّهه إلـى أنه واحد وأنه بـمنزلة الـحلـم. وقرأه بعض الـمكيـين: (وزُلْفـا) بضم الزاي وتسكين اللام.

وأعجب القراءات فـي ذلك إلـيّ أن أقرأها: وَزُلَفـا ضم الزاي وفتـح اللام، علـى معنى جمع زُلْفة، كما تـجمع غرفة غُرَف، وحُجْرة حُجَر. وإنـما اخترت قراءة ذلك كذلك، لأن صلاة العشاء الاَخرة إنـما تصلـى بعد مضيّ زلف من اللـيـل، وهي التـي عنـيت عندي ب قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٤١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الساعات من اللـيـل صلاة العتـمة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٤٤١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : زُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ

يقول: صلاة العتـمة.

١٤٤١٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن عوف، عن الـحسن: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: العشاء.

١٤٤١٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفـيان، عن عبـيد اللّه بن أبـي زيد، قال: كان ابن عبـاس يعجبه التأخير بـالعشاء، ويقرأ: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: ساعة من اللـيـل، صلاة العتـمة.

١٤٤١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: العتـمة، وما سمعت أحدا من فقهائنا ومشايخنا، يقول العشاء، ما يقولون إلا العتـمة.

وقال قوم: الصلاة التـي أمر النبـي صلى اللّه عليه وسلم بإقامتها زلفـا من اللـيـل، صلاة الـمغرب والعشاء. ذكر من قال ذلك:

١٤٤١٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع، واللفظ لـيعقوب، قالا: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أبو رجاء عن الـحسن: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: هما زلفتان من اللـيـل: صلاة الـمغرب، وصلاة العشاء.

حدثنا ابن جميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن أشعث، عن الـحسن، فـي قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الـمغرب، والعشاء.

١٤٤١٨ـ حدثنـي الـحسن بن علـيّ، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا مبـارك، عن الـحسن: قال اللّه لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: زلفـا من اللـيـل: الـمغرب، والعشاء، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هُما زُلْفَتا اللّـيْـلِ: الـمَغْرِبُ والعِشَاءُ) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الـمغرب، والعشاء.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

١٤٤١٩ـ قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـمبـارك بن فضالة، عن الـحسن، قال: قد بـين اللّه مواقـيت الصلاة القرآن، قال: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَق اللّـيْـلِ قال: دلوكها: إذا زالت عن بطن السماء وكان لها فـي الأرض فـيء، وقال: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ الغداة، والعصر. وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ الـمغرب، والعشاء. قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هُمَا زُلْفَتا اللّـيْـلِ الـمَغْرِبُ والعِشَاءُ) .

١٤٤٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: يعني صلاة الـمغرب وصلاة العشاء.

١٤٤٢١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن أفلـح بن سعيد، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي

يقول: زُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ الـمغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن أفلـح بن سعيد، عن مـحمد بن كعب، مثله.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا أبو معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ الـمغرب والعشاء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عاصم بن سلـيـمان، عن الـحسن، قال: زلفتا اللـيـل: الـمغرب، والعشاء.

١٤٤٢٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الـمغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عاصم، عن الـحسن: وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الـمغرب والعشاء.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن جويبر، عن الضحاك : وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ قال: الـمغرب والعشاء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عاصم، عن الـحسن: زُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ صلاة الـمغرب والعشاء.

وقوله: إنّ الـحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات

يقول تعالـى ذكره: إن الإنابة إلـى طاعة اللّه والعمل بـما يرضيه، يذهب آثام معصية اللّه ويكفر الذنوب.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـحسنات التـي عنى اللّه فـي هذا الـموضع اللاتـي يذهبن السيئات،

فقال بعضهم: هنّ الصلوات الـخمس الـمكتوبـات. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٢٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن الـجريري، عن أبـي الورد بن ثمامة، عن أبـي مـحمد ابن الـحضرمي، قال: حدثنا كعب فـي هذا الـمسجد، قال: والذي نفس كعب بـيده إن الصلوات الـخمس لهنّ الـحسنات التـي بذهبن السيئات كما يغسل الـماء الدرن.

١٤٤٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن أفلـح، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي يقول فـي قوله: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: هنّ الصلوات الـخمس.

١٤٤٢٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد اللّه بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٢٦ـ قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مـجاهد: إنّ الـحَسَنَاتِ الصلوات.

١٤٤٢٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة جميعا، عن عوف، عن الـحسن: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٢٨ـ حدثنـي زريق بن السخت، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٢٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: تعالـى إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه : إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٣٢ـ قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سعيد الـجريري، قال: ثنـي أبو عثمان، عن سلـمان، قال: والذي نفسي بـيده، إن الـحسنات التـي يـمـحو اللّه بهنّ السيئات كما يغسل الـماء الدرن: الصلوات الـخمس.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن عبد اللّه بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٣٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مَزْيدة بن زيد، عن مسروق: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: الصلوات الـخمس.

١٤٤٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، وعبد اللّه بن أبـي زياد القطونـي، قالا: حدثنا عبد اللّه بن يزيد، قال: أخبرنا حيوة، قال: أخبرنا أبو عقـيـل زهرة بن معبد القرشي من بنـي تـيـم من رهط أبـي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، أنه سمع الـحرث مولـى عثمان بن عفـان رحمه اللّه

يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاء الـمؤذّن فدعا عثمان بـماء فـي إناء أظنه سيكون فـيه قدر مدّ فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: (مَنْ تَوَضّأَ وُضُوئي هَذَا ثم قامَ فَصَلّـى صَلاَةَ الظّهْرِ غُفِرَ لَهُ ما كانَ بَـيْنَهُ وبـينَ صَلاةَ الصّبْحِ، ثُمّ صَلّـى العَصْرَ غُفِرَ لَهُ ما بَـيْنَهُ وبـينَ صَلاةِ الظّهْرِ، ثم صَلّـى الـمَغْرِبَ غُفرَ لَهُ ما بَـيْنَهُ وبـينَ صَلاةِ العَصْرِ، ثُمّ صَلّـى العِشَاءَ غُفِرَ لَهُ ما بَـيْنَهُ وبـينَ صَلاةِ الـمَغْرِبِ، ثُمّ لَعَلّهُ يَبـيتُ لَـيْـلَةً يَتَـمَرّغُ، ثُمّ إنْ قامَ فَتَوَضّأَ وَصَلّـى الصّبْحَ غُفِرَ لَه ما بَـيْنَها وبـينَ صَلاةِ العِشاءِ، وَهُنّ الـحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ) .

حدثنـي سعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكيـم، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا حيوة، قال: حدثنا أبو عقـيـل، زُهرة بن معبد، أنه سمع الـحرث مولـى عثمان بن عفـان رضي اللّه عنه، قال: جلس عثمان بن عفـان يوما علـى الـمقاعد، فذكر نـحوه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا أنه قال: (وَهُنّ الـحَسنَاتُ، إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات) .

حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن زيد، ورشدين بن سعد، قالا حدثنا زهرة بن معبد، قال: سمعت الـحرث مولـى عثمان بن عفـان،

يقول: جلس عثمان بن عفـان يوما علـى الـمقاعد، ثم ذكر نـحو ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إلا أنه قال: (وَهُنّ الـحَسنَاتُ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات) .

١٤٤٣٥ـ حدثنا مـحمد بن عوف، قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبـيد، عن أبـي مالك الأشعري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (جُعِلَتْ الصّلَوَاتُ كَفّـارَاتِ لِـمَا بَـيْنَهُنّ، فإنّ اللّه قالَ: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات) .

١٤٤٣٦ـ حدثنا ابن سيار القزار، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن علـيّ بن زيد، عن أبـي عثمان النهدي، قال: كنت مع سلـمان تـحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا فهزّه حتـى تـحاتّ ورقه، ثم قال: هكذا فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كنت معه تـحت شجرة فأخذ غصنا من أغصانها يابسا فهزّه حتـى تـحارت ورقه، ثم قال: (ألاتَسْألُنِـي لَـم أفْعَلُ هَذَا يا سَلْـمانُ؟) فقلت: ولـم تفعله؟ فقال: (إنّ الـمُسْلِـمَ إذَا تَوَضّأَ فأحْسَنَ الُوضُوءَ ثُمّ صَلّـى الصّلَوَاتِ الـخَمْسَ، تَـحاتّتْ خَطاياهُ كمَا تَـحاتّ هَذَا الوَرَقُ) ثُمّ تَلا هَذِهِ الآية: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... إلـى آخر الآية.

وقال آخرون: هو قوله: سبحان اللّه ، والـحمد لله، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات قال: سبحان اللّه ، والـحمد لله، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر.

وأولـى التأويـلـين بـالصواب ذلك قول من قال فـي ذلك: هُنّ الصلوات الـخمسُ، لصحة الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال: (مَثَلُ الصّلَوَاتِ الـخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ علـى بـابِ أحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِـيهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ، فَمَاذَا يُبْقِـينَ مِنْ دَرَنِهِ) ، وإن ذلك فـي سياق أمر اللّه بإقامة الصلوات، والوعد علـى إقامتها الـجزيـل من الثواب عقـيبها أولـى من الوعد علـى ما لـم يجر له ذكر من صالـحات سائر الأعمال إذا خصّ بـالقصد بذلك بعض دون بعض.

وقوله: ذلكَ ذِكْرَى للذّاكِرِين يقول تعالـى: هذا الذي أوعدت علـيه من الركون إلـى الظلـم وتهددت فـيه، والذي وعدت فـيه من إقامة الصلوات اللواتـي يذهبن السيئات تذكرة ذكرّت بها قوما يذكرون وعد اللّه ، فـيرجون ثوابه ووعيده فـيخافون عقابه، لا من قد طبع علـى قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا. وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نال من غير زوجته ولا ملك يـمينه بعض ما يحرم علـيه، فتاب من ذنبه ذلك. ذكر الرواية بذلك:

١٤٤٣٨ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيـم، عن علقمة والأسود، قالا: قال عبد اللّه بن مسعود: جاء رجل إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فقال إنـي عالـجت امرأة فـي بعض أقطار الـمدينة، فأصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فـاقض فـيّ ما شئت فقال عمر: لقد سترك اللّه ، لو سترت علـى نفسك. قال: ولـم يردّ النبـي صلى اللّه عليه وسلم شيئا. فقام الرجل، فـانطلق، فأتبعه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رجلاً، فدعاه، فلـما آتاه قرأ علـيه: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ فقال رجل من القوم: هذا له يا رسول اللّه خاصة؟ قال: (بَلْ للنّاسِ كافّةً) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك بن حرب، عن إبراهيـم، عن علقمة والأسود، عن عبد اللّه ، قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه إنـي لقـيت امرأة فـي البستان، فضمـمتها إلـيّ وبـاشرتها وقبلتها، وفعلت بها كلّ شي غير أنـي لـم أجامعها فسكت عنه النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ، فدعاه النبـي صلى اللّه عليه وسلم فقرأها علـيه، فقال عمر: يا رسول اللّه ، أله خاصة، أم للناس كافة؟ قال: (لا، بَلْ للنّاسِ كافّةً) ولفظ الـحديث لابن وكيع.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيـم بن زيد، يحدّث عن علقة والأسود، عن ابن مسعود، قال: جاء رجل إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ، إنـي وجدت امرأة فـي بستان ففعلت بها كل شيء غير أنـي لـم أجامعها، قبلتها ولزمتها ولـم أفعل غير ذلك، فـافعل بـي ما شئت فلـم يقل له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر اللّه علـيه لو سترت علـى نفسه فأتبعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بصره، فقال: (رُدّوهُ عَلـيّ) فردّوه، فقرأ علـيه: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ قال: فقال معاذ بن جبل: أله وحده يا نبـيّ اللّه ، أم للناس كافة؟ فقال: (بَلْ للنّاسِ كافّةً) .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن إبراهيـم، عن علقمة والأسود عن عبد اللّه ، قال: جاء رجل إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ، أخذت امرأة فـي البستان فأصبت منها كل شيء، غير أنـي لـم أنكحها، فـاصنع بـي ما شئت فسكت النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فلـما ذهب دعاه، فقرأ علـيه هذه الآية: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد اللّه العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت إبراهيـم يحدّث عن خاله الأسود، عن عبد اللّه : أن رجلاً لقـي امرأة فـي بعض طرق الـمدينة، فأصاب منها ما دون الـجماع. فأتـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فذكر ذلك له، فنزلت: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ فقال معاذ بن جبل: يا رسول اللّه ، لهذا خاصة أو لنا عامّة؟ قال: (بَلْ لَكُمْ عَامّةً) .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، قال: أنبأنـي سماك، قال: سمعت إبراهيـم يحدّث عن خاله، عن ابن مسعود: أن رجلاً قال للنبـي صلى اللّه عليه وسلم: لقـيت امرأة فـي حش بـالـمدينة، فأصبت منها ما دون الـجماع... نـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيـم عن خاله، عن ابن مسعود، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

١٤٤٣٩ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: جاء فلان بن معتب رجل من الأنصار، فقال: يا رسول اللّه دخـلت علـيّ امرأة، فنلت منها ما ينال الرجل من أهله، إلا أنـي لـم أواقعها فلـم يدر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يجيبه حتـى نزلت هذه الآية: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ، إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات... الآية، فدعاه فقرأها علـيه.

حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية وحدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل وحدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان جميعا، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي عثمان، عن ابن مسعود: أن رجلاً أصاب من امرأة شيئا لا أدري ما بلغ، غير أنه ما دون الزنا. فأتـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فذكر ذلك له، فنزلت: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات فقال الرجل: ألـي هذه يا رسول اللّه ؟ قال: (لِـمَن أخَذَ بِها مِن أُمّتِـي، أوْ لِـمَنْ عَمِلَ بِها) .

١٤٤٤٠ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا قبـيصة، عن حماد بن سلـمة، عن علـيّ بن زيد، قال: كنت مع سلـمان، فأخذ غصن شجرة يابسة فحتّه وقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (مَنْ تَوَضّأَ فأحْسَنَ الْوضُوءَ تَـحاتّتْ خَطاياهُ كمَا يَتَـحاتّ هَذَا الوَرَقُ) ثم قال: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... إلـى آخر الآية.

١٤٤٤١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة وحسين الـجعفـي عن زائدة، قال: حدثنا عبد الـملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، عن معاذ، قال: أتـى رجل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ما ترى فـي رجل لقـي امرأة لا يعرفها، فلـيس يأتـي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لـم يجامعها؟ فأنزل اللّه هذه الآية: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (تَوَضّأْ ثُمّ صَلّ) قال معاذ: قلت يا رسول اللّه ، أله خاصة أم للؤمنـين عامة؟ قال: (بَلْ للْـمُوءْمِنِـينَ عامّةً) .

١٤٤٤٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الـملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى: أن رجلاً أصاب من امرأة ما دون الـجماع، فأتـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم يسأله عن ذلك. فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو أنزلت: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... الآية، فقال معاذ: يا رسول اللّه ، أله خاصة أم للناس عامة؟ قال: (هِيَ للنّاسِ عامّةً) .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الـملك بن عمير، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، قال: أتـى رجل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه.

١٤٤٤٣ـ حدثنـي عبد اللّه بن أحمد بن شبويه، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيـم، قال: ثنـي عمرو بن الـحرث، قال: ثنـي عبد اللّه بن سالـم، عن الزّبـيدي، قال: حدثنا سلـيـم بن عامر، أنه سمع أبـا أمامة

يقول: إن رجلاً أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أقم فـيّ حدْ اللّه مرّة واثنتـين. فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ثم أقـيـمت الصلاة فلـما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الصلاة، قال: (أيْنَ هَذَا القائِلُ: أقِمْ فِـيّ حدّ اللّه ؟) قال: أناذا قال: (هَلْ أتْـمَـمْتَ الُوضُوءَ وَصَلّـيْتَ مَعَنا آنِفـا؟) قالَ: نَعَمْ. قال: (فإنّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كمَا وَلَدَتْكَ أُمّكَ، فَلا تَعُدْ) وأنزل اللّه حينئذ علـى رسوله: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... الآية.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي جرير، عن عبد الـملك، عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، عن معاذ بن جبل: أنه كان جالسا عند النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول اللّه ، رجل أصاب من امرأة ما لا يحلّ له، لـم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لـم يجامعها؟ قال: (يَتَوَضّأُ وُضُوءا حَسَنا ثُمّ يُصَلّـي) . فأنزل اللّه هذه الآية: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... الآية، فقال معاذ: هي يا رسول اللّه خاصة، أم للـمسلـمين عامّة؟ قال: (بَلْ للـمُسْلِـمِينَ عامّةً) .

١٤٤٤٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مـحمد بن مسلـم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة: أن رجلاً من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالس مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـاستأذنه لـحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلـم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـالـمطر، فوجد الـمرأة جالسة علـى غدير، فدفع فـي صدرها وجلس بـين رجلـيها، فصار ذكره مثل الهدبة، فقام نادما حتـى أتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بـما صنع، فقال له النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (اسْتَغْفِرْ رَبّكَ وَصَلّ أرْبَعَ رَكَعاتٍ) قال: وتلا علـيه: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... الآية.

١٤٤٤٥ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن عثمان بن وهب، عن موسى بن طلـحة، عن أبـي الـيسر بن عمرو الأنصاري قال: أتتنـي امرأة تبتاع منـي بدرهم تـمرا، فقلت: إن فـي البـيت تـمرا أجود من هذا، فدخـلت فأهويت إلـيها فقبلتها. فأتـيت أبـا بكر فسألته، فقال: استر علـى نفسك وتُبْ واستغفر اللّه فأتـيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (أخْـلَفْتَ رَجُلاً غازيا فِـي سَبِـيـلِ اللّه فِـي أهْلِهِ بِـمِثْلَ هَذَا؟) حتـى ظننتُ أنـي من أهل النار، حتـى تـمنـيت أنـي أسلـمت ساعتئذ. قال: فأطرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ساعة فنزل جبرئيـل فقال: (أيْنَ أبُو الـيُسْرِ؟) فجِئت، فقرأ علـيّ: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ... إلـى ذِكْرَى للذّاكِرِينَ قال: إنسان له: يا رسول اللّه خاصة أم للناس عامة؟ قال: (للنّاسِ عامّةً) .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلـحة، عن أبـي الـيسر قال: لقـيت امرأة فـالتزمتها، غير أنـي لـم أنكحها، فأتـيت عمر بن الـخطاب فقال: اتق اللّه واستر علـى نفسك، ولا تـخبرنّ أحدا فلـم أصبر حتـى أتـيت أبـا بكر رضي اللّه عنه، فسألته، فقال: اتق اللّه واستر علـى نفسك ولا تـخبرنّ أحدا قال: فلـم أصبر حتـى أتـيت النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فأخبرته، فقال له: (هل جَهّزْتَ غَازِيا؟) قلت: لا، قال: (فهل خَـلَفْتَ غَازِيا فـي أهْلِهِ؟) قلت: لا، فقال لـي حتـى تـمنـيت أنـي كنت دخـلت فـي الإسلام تلك الساعة. قال: فلـما ولـيت دعانـي، فقرأ علـيّ: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ فقال له أصحابه: ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: (بَلْ للنّاسِ عامّةً) .

١٤٤٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنـي سعيد، عن قتادة: أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبـيّ اللّه هلكت فأنزل اللّه : إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ.

١٤٤٤٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن سلـيـمان التـيـمي، قال: ضرب رجل علـى كفل امرأة، ثم أتـى أبـا بكر وعمرو رضي اللّه عنهما، فكلـما سأل رجلاً منهما عن كفـارة ذلك قال: أمغزية هي؟ قال: نعم، قال: لا أدري. ثم أتـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: (أمَغْزِيَةٌ هِيَ؟) قال: نعم. قال: لا أدري. حتـى أنزل اللّه : أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات.

١٤٤٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن قـيس بن سعد، عن عطاء، فـي قول اللّه تعالـى: أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ أن امرأة دخـلت علـى رجل يبـيع الدقـيق، فقبلها فأسقط فـي يده. فأتـى عمر، فذكر ذلك له، فقال: اتق اللّه ولا تكن امرأة غاز فقال الرجل: هي امرأة غاز. فذهب إلـى أبـي بكر فقال مثل ما قال عمر. فذهبوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم جميعا، فقال له: كذلك، ثم سكت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فلـم يجبهم، فأنزل اللّه : أقِم الصّلاةَ طَرَفِـي النّهارِ وَزُلَفـا مِنَ اللّـيْـلِ الصلوات الـمفروضات إنّ الـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عطاء بن أبـي ربـاح، قال: أقبلت امرأة حتـى جاءت إنسانا يبـيع الدقـيق لتبتاع منه، فدخـل بها البـيت، فلـما خلا له قبّلها. قال: فسقط فـي يديه، فـانطلق إلـى أبـي بكر، فذكر ذلك له، فقال: أبصر لا تكوننّ امرأة رجل غازٍ فبـينـما هم علـى ذلك، نزل فـي ذلك: أقِمِ الصّلاة طَرفِـي النّهار وزُلَفـا مِن اللّـيْـلِ قـيـل لعطاء: الـمكتوبة هي؟ قال: نعم هي الـمكتوبة. فقال ابن جريج، وقال عبد اللّه بن كثـير: هي الـمكتوبـات.

١٤٤٤٩ـ قال ابن جريج، عن يزيد بن رومان: إن رجلاً من بنـي غَنـم، دخـلت علـيه امرأة فقبلها ووضع يده علـى دبرها. فجاء إلـى أبـي بكر رضي اللّه عنه، ثم جاء إلـى عمر رضي اللّه عنه، ثم أتـى إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: أقِمِ الصّلاة... إلـى قوله: ذلك ذِكْرَى للذّاكِرِينَ فلـم يزل الرجل الذي قبّل الـمرأة يذكر، فذلك قوله: ذِكْرَى للذّاكِرِينَ.

١١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاصْبِرْ فَإِنّ اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: واصبر يا مـحمد علـى ما تلقـى من مشركي قومك من الأذى فـي اللّه والـمكروه رجاء جزيـل ثواب اللّه علـى ذلك، فإن اللّه لا يضيع ثواب عَمَلِ مَنْ عَمَلِ فأطاع اللّه واتبع أمره فـيذهب به، بل يوفره أحوج ما يكون إلـيه.

١١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت علـيك نبأهم فـي هذه السورة الذين أهلكتهم بـمعصيتهم إياي وكفرهم برسلـي من قبلكم. أولُو بَقِـيّةٍ

يقول: ذو بقـية من الفهم والعقل، يعتبرون مواعظ اللّه وبتدبرون حججه، فـيعرفون ما لهم فـي الإيـمان بـاللّه وعلـيهم فـي الكفر به يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ فِـي الأرْضِ

يقول: ينهون أهل الـمعاصي عن معاصيهم أهل الكفر بـاللّه عن كفرهم به فـي أرضه. إلاّ قَلِـيلاً مِـمّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ

يقول: لـم يكن من القرون من قبلكم أولو بقـية ينهون عن الفساد فـي الأرض إلا يسيرا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد فـي الأرض، فنـجاهم اللّه من عذابه، حين أخذ من كان مقـيـما علـى الكفر بـاللّه عذابه، وهم أتبـاع الأنبـياء والرسل. ونصب (قلـيلاً) لأن قوله: إلاّ قَلِـيلاً استثناء منقطع مـما قبله، كما قال: إلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَـمّا آمَنُوا، وقد بـيّنا ذلك فـي غير موضع بـما أغنى عن إعادته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: اعتذر فقال: فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ... حتـى بلغ: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ فإذا هم الذين نـجوا حين نزل عذاب اللّه . وقرأ: واتّبَعَ الّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ.

١٤٤٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِـيَةٍ... إلـى قوله: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ قال: يستقلهم اللّه من كل قوم.

١٤٤٥٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، قال: سألنـي بلال، عن قول الـحسن فـي العذر، قال: فقال: سمعت الـحسن

يقول: قِـيـلَ يا نُوحُ اهْبطْ بَسلامٍ مَنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مـمّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألـيـمٌ قال: بعث اللّه هودا إلـى عاد، فنـجى اللّه هودا والذين آمنوا معه وهلك الـمتـمتعون. وبعث اللّه صالـحا إلـى ثمود، فنـجى اللّه صالـحا وهلك الـمتـمتعون. فجعلت أستقريه الأمـم، فقال: ما أراه إلا كان حسن القول فـي العذر.

١٤٤٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَوْلا كانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِـيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسادِ فِـي الأرْضِ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّنْ أنـجَيْنا مِنْهُمْ. أي لـم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد فـي الأرض، إلاّ قلـيلاً مـمن أنـجينا منهم.

وقوله: واتّبَعَ الّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ

يقول تعالـى ذكره: واتبع الذين ظلـموا أنفسهم فكفروا بـاللّه ما أترفوا فـيه. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : واتّبَعَ الّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ قال: ما أُنْظروا فـيه.

١٤٤٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: واتّبَعَ الّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ من دنـياهم.

وكأن هؤلاء وجهوا تأويـل الكلام: واتبعوا الذين ظلـموا الشيء الذي أنظرهم فـيه ربهم من نعيـم الدنـيا ولذاتها، إيثارا له علـى عمل الاَخرة وما ينـجيهم من عذاب اللّه .

وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلـموا ما تـجبروا فـيه من الـملك وعتوا عن أمر اللّه . ذكر من قال ذلك:

١٤٤٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :واتّبَعَ الّذِينَ ظَلَـمُوا ما أُتْرِفُوا فِـيهِ قال: فـي ملكهم وتـجبرهم، وتركوا الـحقّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه، إلا أنه قال: وتركهم الـحقّ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر أن الذين ظلـموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بـالله، اتبعوا ما أنظروا فـيه من لذّات الدنـيا فـاستكبروا وكفروا بـاللّه واتبعوا ما أنظروا فـيه من لذّات الدنـيا، فـاستكبروا عن أمر اللّه وتـجبروا وصدّوا عن سبـيـله وذلك أن الـمترف فـي كلام العرب: هو الـمنعم الذي قد غَذّى بـاللذات، ومنه قول الراجز:

شع تُهْدِي رُءُوس الـمُتْرَفِـينَ الصّدّادْ

إلـى أمِيرِ الـمُوءْمِنِـينَ الـمُـمْتادْ

وقوله: وكانُوا مُـجْرِمِينَ

يقول: وكانوا مكتسي الكفر بـالله.)

١١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَمَا كَانَ رَبّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما كان ربك يا مـحمد لـيهلك القرآن التـي أهلكها، التـي قصّ علـيك نبأها، ظلـما وأهلها مصلـحون فـي أعمالهم، غير مسيئين، فـيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم فـي أعمالهم وطاعتهم ربهم ظلـما، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بـاللّه وتـماديهم فـي غيهم وتكذيبهم رسلهم وركوبهم السيئات. وقد قـيـل: معنى ذلك لـم يكن لـيهلكهم بشركهم بـالله، وذلك قوله (بظلـم) ، يعني : بشرك، وأهلها مصلـحون فـيـما بـينهم لا يتظالـمون، ولكنهم يتعاطون الـحقّ بـينهم وإن كانوا مشركين، وإنـما يهلكهم إذا تظالـموا.

١١٨

انظر تفسير الآية:١١٩

١١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولو شاء ربك يا مـحمد لـجعل الناس كلها جماعة واحدة علـى ملة واحدة ودين واحد. كما:

١٤٤٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لَـجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةٍ

يقول: لـجعلهم مسلـمين كلهم.

وقوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ

يقول تعالـى ذكره: ولا يزال الناس مختلفـين، إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الاختلاف الذي وصف اللّه الناس أنهم لا يزالون به،

فقال بعضهم: هو الاختلاف فـي الأديان. فتأويـل ذلك علـى مذهب هؤلاء ولا يزال الناس مختلفـين علـى أديان شتّـى من بـين يهودي ونصرانـي ومـجوسي، ونـحو ذلك. وقال قائلو هذه الـمقالة: استثنى اللّه من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيـمان. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى والـمـجوس. والـحنـيفـية هم الذين رحم ربك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة، قال: حدثنا سفـيان، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى والـمـجوس إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: هم الـحنـيفـية.

١٤٤٥٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن، قال: قلت للـحسن، قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ. قال: الناس مختلفون علـى أديان شتـى، إلا من رحم ربك، فمن رحم غير مختلفـين.

١٤٤٦٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حسن بن صالـح، عن لـيث، عن مـجاهد: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه.

١٤٤٦١ـ قال: حدثنا معلـي بن أسد، قال: حدثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن، قال: سئل الـحسن عن هذه الآية: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: الناس كلهم مختلفون علـى أديان شتّـى. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فمن رحم غير مختلف. فقلت له: ولذلك خـلقهم؟ فقال: خـلق هؤلاء لـجنته وهؤلاء لناره، وخـلق هؤلاء لرحمته وخـلق هؤلاء لعذابه.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: حدثنا أبو جعفر، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.

قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مـجاهد، قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل الـحقّ وأهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحق.

قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

١٤٤٦٢ـ قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك: إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ لـيس فـيهم اختلاف.

١٤٤٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا بن يـمان، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عكرمة: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: الـيهود والنصارى. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل القبلة.

١٤٤٦٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي الـحكم بن أبـان عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.

١٤٤٦٥ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: لا يزالون مختلفـين فـي الهوى.

١٤٤٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فأهل رحمة اللّه أهل جماعة وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتـمعت دورهم وأبدانهم.

١٤٤٦٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: من جعله علـى الإسلام.

١٤٤٦٨ـ قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الـحسن بن واصل، عن الـحسن: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ.

قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة عن مـجاهد فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: أهل البـاطل. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: أهل الـحقّ.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفـين فـي الرزق، فهذا فقـير وهذا غنّى. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٦٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معتـمر، عن أبـيه، أن الـحسن قال: مختلفـين فـي الرزق، سخر بعضهم لبعض.

وقال بعضهم: مختلفـين فـي الـمغفرة والرحمة، أو كما قال.

وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال الناس مختلفـين فـي أديانهم وأهوائهم علـى أديان وملل وأهواء شتّـى، إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فآمن بـاللّه وصدّق رسله، فإنهم لا يختلفون فـي توحيد اللّه وتصديق رسله وما جاءهم من عند اللّه .

وإنـما قلت ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك، لأن اللّه جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: وَتَـمّتْ كِلـمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ ففـي ذلك دلـيـل واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس، إنـما هو خبر عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار، ولو كان خبرا عن اختلافهم فـي الرزق لـم يعقب ذلك بـالـخبر عن عقابهم وعذابهم.

وأما قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خـلقهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٧٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مبـارك بن فضالة، عن الـحسن: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للاختلاف.

١٤٤٧١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا منصور بن عبد الرحمن، قال: قلت للـحسن، ولذلك خـلقهم؟ فقال: خـلق هؤلاء لـجنته وخـلق هؤلاء لناره، وخـلق هؤلاء لرحمته وخـلق هؤلاء لعذابه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـيه، عن منصور، عن الـحسن، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـمعلـى بن أسد، قال: حدثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن، عن الـحسن. بنـحوه.

قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن خالد الـحذّاء، أن الـحسن قال فـي هذه الآية: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلق هؤلاء لهذه، وخـلق هؤلاء لهذه.

١٤٤٧٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة بن خـلـيفة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، قال: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: أما أهل رحمة اللّه فإنهم لا يختلفون اختلافـا يضرّهم.

١٤٤٧٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلقهم فريقـين: فريقا يرحم فلا يختلف، وفريقا لا يَرْحم يختلف، وذلك قوله: فَمِنْهُمْ شَقـيّ وَسَعِيدٌ.

١٤٤٧٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ قال: يهود ونصارى ومـجوس. إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ قال: من جعله علـى الإسلام. وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: مؤمن وكافر.

١٤٤٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك عن قول اللّه :وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: خـلقهم لـيكونوا فريقـين: فريق فـي الـجنة، وفريق فـي السعير.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خـلقهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٧٦ـ حدثنـي أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حسن بن صالـح، عن لـيث، عن مـجاهد: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال للرحمة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شريك، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو حفص، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: للرحمة خـلقهم.

١٤٤٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة خـلقهم.

١٤٤٧٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عمن ذكره عن ثابت، عن الضحاك : وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: للرحمة.

١٤٤٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي الـحكم بن أبـان، عن عكرمة: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ قال: أهل الـحقّ ومن اتبعه لرحمته.

١٤٤٨٠ـ حدثنـي سعد بن عبد اللّه ، قال: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِـينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ وَلذلكَ قال: للرحمة خَـلَقَهُمْ ولـم يخـلقهم للعذاب.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: وللاختلاف بـالشقاء والسعادة خـلقهم لأن اللّه جلّ ذكره ذكر صنفـين من خـلقه: أحدهما أهل اختلاف وبـاطل، والاَخر أهل حقّ ثم عقب ذلك ب قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ، فعمّ ب قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ صفة الصنفـين، فأخبر عن كلّ فريق منهما أنه ميسر لـما خـلق له.

فإن قال قائل: فإن كان تأويـل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون الـمختلفون غير ملومين علـى اختلافهم، إن كان لذلك خـلقهم ربهم، وأن يكونوا الـمتـمتعون هم الـملومين؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما إلـيه ذهبت وإنـما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفـين بـالبـاطل من أديانهم ومللهم

إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبّكَ فهداه للـحقّ ولعلـمه، وعلـى علـمه النافذ فـيهم قبل أن يخـلقهم أنه يكون فـيهم الـمؤمن والكافر، والشقّـي والسعيد خـلقهم، فمعنى اللام فـي قوله: وَلذلكَ خَـلَقَهُمْ بـمعنى (علـى) كقولك للرجل: أكرمتك علـى برّك بـي، وأكرمتك لبرّك بـي.

وأما قوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجمَعِينَ لعلـمه السابق فـيهم أنهم يستوجبون صِلِـيّها بكفرهم بـالله، وخلافهم أمره.

وقوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ قسم كقول القائل: حلفـى لأزورنك، وبدا لـي لاَتـينك ولذلك تلقـيت بلام الـيـمين.

وقوله: مِنَ الـجِنّةِ وهي ما اجتنّ عن أبصار بنـي آدم والناس، يعني : وبنـي آدم. وقـيـل: إنهم سموا جنة، لأنهم كانوا علـى الـجنان. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك: وإنـما سموا الـجنة أنهم كانوا علـى الـجنان، والـملائكة كلهم جِنة.

١٤٤٨٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: الـجِنّة: الـملائكة.

وأما معنى قول أبـي مالك هذا: أن إبلـيس كان من الـملائكة، والـجنّ ذرّيته، وأن الـملائكة تسمى عنده الـجنّ، لـما قد بـيّنت فـيـما مضى من كتابنا هذا.

١٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَكُـلاّ نّقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـَذِهِ الْحَقّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وكُلاّ نَقْصّ عَلَـيْكَ يا مـحمد مِنْ أنْبـاءِ الرّسُلِ الذين كانوا قبلك، ما نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ فلا تـجزع من تكذيب من كذّبك من قومك وردّ علـيك ما جئتهم به، ولا يضق صدرك فتترك بعض ما أنزلت إلـيك من أجل أن قالوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاء مَعَهُ مَلَكٌ إذا علـمت ما لقـى معن قبلك من رسلـي من أمـمها. كما:

١٤٤٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وكُلاّ نَقُصّ علـيكَ مِنْ أنْبـاءِ الرّسُلِ ما نُثَبّت بِهِ فُؤدَاكَ قال: لتعلـم ما لفـيت الرسل قبلك من أمـمهم.

وأختلف أهل العربـية فـي وجه نصب (كلاّ) ، فقال بعض نـحويـي البصرة: نُصب علـى معنى: ونقصّ علـيك من أنبـاء الرسل ما نثبت به فؤادك كلاّ كأن الكل منصوب عنده علـى الـمصدر من نقص بتأويـل: ونقصّ علـيك ذلك كل القصص وقد أنكر ذلك قوله بعض أهل العربـية، وقال: ذلك غير جائز وقال إنـما نصبت (كلاّ) ب (نقصّ) ، لأن (كلاّ) بنـيت علـى الإضافة كان معها إضافة أو لـم يكن. وقال: أراد: كله نقصّ علـيك، وجعل (ما نثبت) ردّا علـى (كُلاّ) . وقد بـيّنت الصواب من القول فـي ذلك.

وأما قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٨٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن خـلـيد بن جعفر، عن أبـي إياس، عن أبـي موسى: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن خـلـيد بن جعفر، عن أبـي إياس معاوية بن قرة، عن أبـي موسى، مثله.

١٤٤٨٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: ثنـي سعيد بن عامر، قال: حدثنا عوف، عن أبـي رجاء، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن أبـي عوانة، عن أبـي بشر، عن عمرو العنبري، عن ابن عبـاس : وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبـي عوانة، عن أبـي بشر، عن رجل من بنـي العنبر، قال: خطبنا ابن عبـاس فقال: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبـير، قال: سمعت ابن عبـاس قرأ هذه السورة علـى الناس حتـى بلغ: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال فـي هذه السورة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عوف، عن مروان الأصغر، عن ابن عبـاس أنه قرأ علـى الـمنبر: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ فقال: فـي هذه السورة.

١٤٤٨٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن لـيث، عن مـجاهد: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَجاءَكَ فـي هذه السورة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، مثله.

١٤٤٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، قال: هذه السورة.

١٤٤٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، مثله.

١٤٤٨٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، بـمثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع. وكدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن أبـي رجاء عن الـحسن. مثله.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن أبـان بن تغلب، عن مـجاهد، مثله.

١٤٤٩٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه السورة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، قال: سمعت الـحسن البصري يقول فـي قول اللّه تعالـى: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: يعني فـي هذه السورة.

وقال آخرون: معنى ذلك: وجاءك فـي هذه الدنـيا الـحقّ. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٩١ـ حدثنا مـحمد بن بشار ومـحمد بن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادةوَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: فـي هذه الدنـيا.

١٤٤٩٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن قتادة: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ قال: كان الـحسن

يقول: فـي الدنـيا.

وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي تأويـل ذلك، قول من قال: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن ذلك تأويـله.

فإن قال قائل: أو لـم يجيء النبـي صلى اللّه عليه وسلم الـحقّ من سورة القرآن إلا فـي هذه السورة فـيقال وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ؟

قـيـل له: بلـى قد جاءه فـيها كلها.

فإن قال: فما وجه خصوصه إذن فـي هذه السورة ب قوله: وَجاءَكَ فِـي هَذِهِ الـحَقّ؟ قـيـل: إن معنى الكلام: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ مع ما جاءك فـي سائر سور القرآن، أو إلـى ما جاءك من الـحقّ فـي سائر سور القرآن، لا أن معناه: وجاءك فـي هذه السورة الـحقّ دون سائر سور القرآن.

وقوله: وَمَوعِظَةٌ يقول: وجاءك موعظة تعظ الـجاهلـين بـاللّه وتبـين لهم عِبره مـمن كفر به وكذّب رسله. وَذِكْرَى للْـموءْمِنِـينَ

يقول: وتذكرة تذكر الـمؤمنـين بـاللّه ورسله كي لا يغفلوا عن الواجب لله علـيهم.

١٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَقُل لّلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وقل يا مـحمد للذين لا يصدّقونك ولا يقرّون بوحدانـية اللّه : اعْمَلُوا علـى مَكَانَتِكُمْ

يقول: علـى هينتكم وتـمكنكم ما أنتـم عاملوه، فإنا عاملون ما نـحن عاملوه من الأعمال التـي أمرنا اللّه بها، وانتظروا ما وعدكم الشيطان، فإنا منتظرون ما وعدنا اللّه من حربكم ونصرتنا علـيكم. كما:

١٢٢

١٤٤٩٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ قال: يقول: انتظروا مواعيد الشيطان إياكم علـى ما يزين لكم إنا منتظرون.

١٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولله يا مـحمد ملك كلّ ما غاب عنك فـي السماوات والأرض، فلـم تطلع عيه ولـم تعلـمه، كلّ ذلك بـيده وبعلـمه، لا يخفـى علـيه منه شيء، وهو عالـم بـما يعمله مشركو قومك وما إلـيه مصير أمرهم من إقامة علـى الشرك أو إقلاع عنه وتوبة. وإلَـيْهِ يُرْجَعُ الأمْر كُلّهُ

يقول: وإلـى اللّه معاد كلّ عامل وعمله، وهو مـجاز جميعهم بأعمالهم. كما:

١٤٤٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَإلَـيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلّهُ قال: فـيقضي بـينهم بحكمه بـالعدل.

يقول: فـاعْبُدْهُ

يقول: فـاعبد ربك يا مـحمد، وَتَوَكّلْ عَلَـيْهِ

يقول: وفوّض أمرك إلـيه وثق به وبكفـايته، فإنه كافـى من توكل علـيه.

وقوله: وَمَا رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ

يقول تعالـى ذكره: وما ربك يا مـحمد بساه عما يعمل هؤلاء الـمشركون من قومك، بل هو مـحيط به لا يعزب عنه شيء منه، وهو لهم بـالـمرصاد، فلا يحزنك إعراضهم عنك ولاتكذيبهم بـما جئتهم به من الـحقّ، وامض لأمر ربك فإنك بأعيننا.

١٤٤٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، عن جعفر بن سلـيـمان، عن أبـي عمران الـجونـي، عن عبد اللّه بن ربـاح، عن كعب، قال: خاتـمة التوراة، خاتـمة هود.

﴿ ٠