تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

 للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة هود

مكية وآياتها ثلاث وعشرون ومائة

القول في تفسير السورة التي يذكر فيها هود

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }.

قال أبو جعفر: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله الر والصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ يعني : هذا الكتاب الذي أنزله اللّه على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهو القرآن. ورفع قوله: (كتابٌ) بنية: هذا كتاب. فأما على قول من زعم أن قوله: الر مراد به سائر حروف المعجم التي نزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالة على جميعها، وأن معنى الكلام: هذه الحروف كتاب أحكمت آياته، فإن الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعا ب قوله: الر.

وأما قوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله،

فقال بعضهم: تأويله: أحكمت آياته بالأمر والنهي، ثم فصلت بالثواب والعقاب. ذكر من قال ذلك:

١٣٨٦٢حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرني أبو محمد الثقفي، عن الحسن، في قوله: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال: أحكمت بالأمر والنهِي، وفصّلت بالثواب والعقاب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عبد الكريم بن محمد الجرجاني، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال: أحكمت في الأمر والنهي وفصلت بالوعيد.

حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبير، عن ابن عيينة، عن رجل، عن الحسن: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ قال: بالأمر والنهِي ثُمّ فُصّلَتْ قال: بالثواب والعقاب.

ورُوي عن الحسن قول خلافَ هذا. وذلك ما:

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي بكر، عن الحسن، قال: وحدثنا عباد بن العوّام، عن رجل، عن الحسن: أُحْكِمَتْ بالثواب والعقاب ثُمّ فُصّلَتْ بالأمر والنهِي.

وقال آخرون: معنى ذلك: أحكمت آياته من الباطل، ثم فصلت، فبين منها الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أحكمها اللّه من الباطل ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.

١٣٩٣١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ قال: أحكمها اللّه من الباطل، ثم فصلها: بينها.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: أحكم اللّه آياته من الدّخل والخلل والباطل، ثم فصلها بالأمر والنهي. وذلك أن إحكام الشيء إصلاحه وإتقانه، وإحكام آيات القرآن إحكامها من خلل يكون فيها أو باطل يقدر ذوزيغ أن يطعن فيها من قبله. وأما تفصيل آياته فإنه تمييز بعضها من بعض بالبيان عما فيها من حلال وحرام وأمر ونهي. وكان بعض المفسرين يفسر قوله: فُصّلَتْ بمعنى: فسرت، وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول. ذكر من قال ذلك:

١٣٩٣٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه :ثُمّ فُصّلَتْ قال: فسرت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فُصّلَتْ قال: فسرت.

قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني، عن مجاهد: ثُمّ فُصّلَتْ قال: فسرت.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

وقال قتادة: معناه: بيّنت، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل، وهو شبيه المعنى بقول مجاهد.

وأما قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ فإن معناه: حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها، خبير بما يؤول إليه عواقبها.

١٣٩٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

يقول: من عند حكيم خبير.

﴿ ١