تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

 للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

 إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة يوسف

مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة

القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها يوسف:

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

{الَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }.

قال أبو جعفر مـحمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ، والقول الذي نـختاره فـي تأويـل ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته ههنا.

وأما قوله: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: تلك آيات الكتاب الـمبـين: بـين حلاله وحرامه، ورشده وهداه. ذكر من قال ذلك:

١٤٤٩٦ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا الولـيد بن سلـمة الفلسطينـي، قال: أخبرنـي عبد الوهاب بن مـجاهد، عن أبـيه، فـي قول اللّه تعالـى: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ قال: بـين حلاله وحرامه.

١٤٤٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ أي واللّه لـمبـين تركيبه هداه ورشده.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ قال: بـين اللّه رشده وهداه.

وقال آخرون فـي ذلك بـما:

١٤٤٩٨ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا الولـيد بن سلـمة، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ أنه قال في قول اللّه عز وجل: الكِتابِ الـمُبِـينِ قال بـين الـحروف التـي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف.

والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب الـمبـين، لـمن تلاه وتدبر ما فـيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانـيه لأن اللّه جل ثناؤه أخبر أنه مبـين، ولـم يخصّ إبـانته عن بعض ما فـيه دون جميعه، فذلك علـى جميعه، إذ كان جميعه مبـينا عما فـيه.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِنّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب الـمبـين قرآنا عربـيّا علـى العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربـي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم لـيعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله عزّ وجلّ: لَعَلّكُمْ تَعْقلُونَ.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ }.

يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: نـحن نقصّ علـيك يا مـحمد أحسن القصص بوحينا إلـيك هذا القرآن، فنـخبرك فـيه عن الأخبـار الـماضية وأنبـاء الأمـم السالفة والكتب التـي أنزلناها فـي العصور الـخالـية. وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغَافِلـينَ

يقول تعالـى ذكره: وإن كنت يا مـحمد من قبل أن نوحيه إلـيك لـمن الغافلـين عن ذلك، لا تعلـمه ولا شيئا منه. كما:

١٤٤٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ من الكتب الـماضية وأمور اللّه السالفة فـي الأمـم، وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغافِلـينَ.

وذكر أن هذه الآية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـمسألة أصحابه إياه أن يقصّ علـيهم. ذكر الرواية بذلك:

١٤٥٠٠ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الـملائي، عن ابن عبـاس ، قال: قالوا: يا رسول اللّه ، لو قصصت علـينا قال: فنزلت: نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ.

١٤٥٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبـي عبد الرحمن، عن عمرو بن قـيس، قال: قالوا: يا نبـيّ اللّه ، فذكر مثله.

١٤٥٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن عون بن عبد اللّه ، قال: ملّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلممَلّةً، فقالوا: يا رسول اللّه حدّثنا فأنزل اللّه عزّ وجل: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ. ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول اللّه حدّثنا فوق الـحديث ودون القرآن يعنون القصص. فأنزل اللّه : الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ إنّا أنْزَلْناهُ قُرآنا عَرَبِـيّا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ نَـحْنُ نَقُصّ عَلَـيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ بِـمَا أوْحَيْنا إلَـيْكَ هَذَا القُرآنَ وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَـمِنَ الغافِلِـينَ. فأرادوا الـحديث فدلهم علـى أحسن الـحديث، وأرادوا القصص فدلهم علـى أحسن القصص.

١٤٥٠٣ـ حدثنا مـحمد بن سعيد العطار، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: أخبرنا خلاد الصفـار، عن عمرو بن قـيس، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أنزل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم القرآن، قال: فتلاه علـيهم زمانا، فقالوا: يا رسول اللّه ، لو قصصت علـينا فأنزل اللّه : الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ... إلـى قوله: لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ... الآية. قال: ثم تلاه علـيهم زمانا، فقالوا: يا رسول اللّه لو حدثتنا فأنزل اللّه تعالـى: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها قال خلاد: وزادوا فـيه رجلاً آخر، قالوا: يا رسول اللّه ، أو قال أبو يحيى: ذهبت من كتابـي كلـمة، فأنزل اللّه : أَلـمْ يَأنِ للّذِينَ آمَنُوا أنْ تَـخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه .

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَأَبتِ إِنّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وإن كنت يا مـحمد لـمن الغافلـين عن نبإ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم، إذ قال لأبـيه يعقوب بن إسحاق: يا أبت إنـي رأيت أحد عشر كوكبـا

يقول: إنـي رأيت فـي منامي أحد عشر كوكبـا. وقـيـل: إن رؤيا الأنبـياء كانت وحيا.

١٤٥٠٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجِدِينَ قال: كانت رؤيا الأنبـياء وحيا.

١٤٥٠٥ـ وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا قال: كانت الرؤيا فـيهم وحيا.

وذكر أن الأحد العشر الكواكب التـي رآها فـي منامه ساجدة مع الشمس والقمر، ما:

١٤٥٠٦ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي، قال: حدثنا الـحكم بن ظهير، عن السديّ، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم رجل من يهود يقال له بستانة الـيهودي، فقال له: يا مـحمد أخبرنـي عن الكواكب التـي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلـم يجبه بشيء، ونزل علـيه جبرئيـل وأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـيه، فقال: (هَلْ أنْتَ مُؤْمِنٌ إنْ أخْبَرْتُكَ بأسْمائها؟) قال: نعم، فقال: (جَرْبـانُ والطّارِقُ، والذّيّالُ، وذُو الكَتِفَـينِ، وقابسٌ، وَوَثّابٌ وَعمودَانِ، والفَلِـيقُ، والـمُصْبَحُ، والضّرُوحُ، وَدُو الفَرْغِ، والضّياءُ، والنورُ) . فقال الـيهوديّ: واللّه إنها لأسماؤها.

وقوله: والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجِدِينَ

يقول: والشمس والقمر رأيتهم فـي منامي سجودا. وقال ساجِدِين والكواكب والشمس والقمر إنـما يخبر عنها بفـاعلة وفـاعلات، لا بـالواو والنون، إنـما هي علامة جمع أسماء ذكور بنـي آدم أو الـجنّ أو الـملائكة. وإنـما قـيـل ذلك كذلك، لأن السجود من أفعال من يجمع أسماء ذكورهم بـالـياء والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قـيـل: يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ. وقال: (رأيتهم) وقد قـيـل: إنـي رأيت أحد عشر كوكبـا، فكرّر الفعل، وذلك علـى لغة من قال: كلـمت أخاك كلـمته، توكيدا للفعل بـالتكرير.

وقد قـيـل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذْ قالَ يُوسُفُ لاَءَبِـيهِ يا أبَتِ إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا إخوته أحد عشر كوكبـا، والشمس والقمر، يعني بذلك: أبويه.

١٤٥٠٨ـ حدثنـي الـحرث، قال: ثنـي عبد العزيز، قال: حدثنا شريك، عن السديّ، فـي قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ... الآية، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له. فإذا قـيـل له عمن قال إن كان حقّا، فإن ابن عبـاس فسره.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا والشّمْسَ والقَمَرَ رأيْتُهُمْ لـي ساجدِينَ قال: الكواكب: إخوته، والشمس والقمر: أبواه.

١٤٥٠٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا إخوته والشّمْسَ أمه والقَمَرَ أبوه.

١٤٥١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: قال سفـيان: كان أبويه وإخوته.

١٤٥١١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك ، قوله: إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا هم إخوة يوسف والشّمْسَ والقَمَر هما أبواه.

١٤٥١٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يا أبَتِ إنّـي رأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبـا.... الآية، قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته وكانوا أنبـياء، فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتـى سجد له أبواه حين بلغهم.

ورُوى عن ابن عبـاس أنه قال: الكواكب إخوته، والشمس والقمر: أبوه وخالته، من وجه غير مـحمود، فكرهت ذكره.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ يَبُنَيّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىَ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنّ الشّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّ مّبِينٌ }.

يقول جلّ ذكره قالَ يعقوب لابنه يوسف: يا بُنَـيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ هذه عَلـى إخْوَتِكَ فـيحسدوك فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا

يقول: فـيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فـيك الشيطان. إنّ الشّيْطانَ للإِنْسانِ عَدُوّ مُبِـينٌ

يقول: إن الشيطان لاَدم وبنـيه عدوّ، وقد أبـان لهم عداوته وأظهرها.

يقول: فـاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بـالـحسد منهم لك إن أنت قصصت علـيهم رؤياك. وإنـما قال يعقوب ذلك، لأنه قد كان تبـين له من أخوته قبل ذلك حسده. كما:

١٤٥١٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: نزل يعقوب الشام، فكان همه يوسف وأخاه، فحسده إخوته لـما رأوا حبّ أبـيه له، ورأى يوسف فـي الـمنام كأن أحد عشر كوكبـا والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فحدّث بها أبـاه فقال: يا بُنـيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ علـى إخْوَتِكَ فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا.... الآية.

واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول اللام فـي قوله: فَـيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا فقال بعض نـحويـي البصرة: معناه: فـيتـخذوا لك كيدا، ولـيست مثل: إنْ كُنْتُـمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ تلك أرادوا أن يوصل الفعل إلـيها بـاللام كما يوصل بـالبـاء، كما تقول: قدمت له طعاما، تريد قدّمت إلـيه. وقال: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ، ومثله قوله: قُلِ اللّه يَهْدِي للـحَقّ قال: وإن شئت كان: فـيكيدوا لك كيدا، فـي معنى: فـيكيدوك، وتـجعل اللام مثل: لِرَبّهمْ يَرْهَبُونَ وقد قال (لربهم يرهبون) إنـما هو بـمكان: (ربهم يرهبون) . وقال بعضهم: أدخـلت اللام فـي ذلك، كما تدخـل فـي قولهم: حمدت لك وشكرت لك، وحمدتك وشكرتك، وقال: هذه لام علـيها الفعل، فكذلك قوله: فـيَكيدُوا لَكَ كَيْدا تقول: فـيكيدوك، ويكيدوا لك فـيقصدوك، ويقصدوا لك، قال: (وكيدا) : توكيد.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ...}.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل يعقوب لابنه يوسف لـما قصّ علـيه رؤياه: وكذلكَ يَجْتَبِـيكَ رَبّكَ وهكذا يجتبـيك ربك.

يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمس والقمر لك سجودا، فكذلك يصطفـيك ربك. كما:

١٤٥١٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو العنقزي، عن أبـي بكر الهذلـيّ، عن عكرمة: وكذلكَ يَجْتَبـيكَ رَبّكَ قال: يصطفـيك.

١٤٥١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكذلكَ يَجْتَبِـيكَ رَبّكَ وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاجتبـاه واصطفـاه وعلـمه من عَبر الأحاديث، وهو تأويـل الأحاديث.

وقوله: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ

يقول: ويعلـمك ربك من علـم ما يؤول إلـيه أحاديث الناس عما يرونه فـي منامهم، وذلك تعبـير الرؤيا.

١٤٥١٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: عبـارة الرؤيا.

١٤٥١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيُعَلّـمُكَ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: تأويـل الكلام: العلـم والـحلـم، وكان يوسف أعبر الناس. وقرأ: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما.

وقوله: ويُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكَ بـاجتبـائه إياك واخيتاره وتعلـيـمه إياك تأويـل الأحاديث. وَعلـى آلِ يَعْقُوبَ

يقول: وعلـى أهل دين يعقوب وملته من ذرّيته وغيرهم. كمَا أتَـمّها علـى أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيـمَ وإسْحاقَ بـاتـخاذه هذا خـلـيلاً وتنـجيته من النار، وفدية هذا بذبح عظيـم. كالذي:

١٤٥١٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن عكرمة، فـي قوله: وَيُتـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكَ وَعلـى آلِ يَعْقُوبَ كمَا أتَـمّها علـى أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيـمَ وَإسْحاقَ قال: فنعمته علـى إبراهيـم أن نـجاه من النار، وعلـى إسحاق أن نـجاه من الذبح.

وقوله: إنّ رَبّكَ عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ

يقول: إن ربك علـيـم بـمواضع الفضل، ومن هو أهل للاجتبـاء والنعمة، حكيـم فـي تدبـيره خـلقه.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{لّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لّلسّائِلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: لَقَدْ كانَ فِـي يُوسُفَ وإخُوَتِهِ الأحد عشر آياتٌ يعني عبرَ وذكر للسّائِلِـينَ يعني السائلـين عن أخبـارهم وقصصهم. وإنـما أراد جل ثناؤه بذلك نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أنه يقال: إن اللّه تبـارك وتعالـى إنـما أنزل هذه السورة علـى نبـيه يعلـمه فـيها ما لقـي يوسف من إخوته وإذايته من الـحسد، مع تكرمة اللّه إياه، تسلـية له بذلك مـما يـلقـى من إذايته وأقاربه من مشركي قريش. كذلك كان ابن إسحاق يقول.

١٤٥١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: إنـما قصّ اللّه تبـارك وتعالـى علـى مـحمد خبر يوسف وبغي إخوته علـيه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لـما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بغي قومه وحسده حين أكرمه اللّه عزّ وجلّ بنبوّته لـيتأسى به.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: آياتٌ للسّائِلِـينَ فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (آياتٌ) علـى الـجماع. ورُوى عن مـجاهد وابن كثـير أنهما قرءا ذلك علـى التوحيد.

والذي هو أولـى القراءتـين بـالصواب قراءة من قرأ ذلك علـى الـجماع، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبّ إِلَىَ أَبِينَا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: لقد كان فـي يوسف وإخوته آيات لـمن سأل عن شأنهم حين قالوا إخوة يوسف لَـيُوسُفُ وأخُوهُ مِنْ أمه أحَبّ إلـى أبِـينا مِنّا ونَـحْنُ عُصْبَةٌ يقولون: ونـحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلاً. والعصبة من الناس هم عشرة فصاعدا، قـيـل إلـى خمسة عشر فصاعدا عشر، لـيس لها واحد من لفظها، كالنفر والرهط. إنّ أبـانا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يعنون: إن أبـانا يعقوب لفـي خطأ من فعله فـي إيثاره يوسف وأخاه من أمه علـينا بـالـمـحبة، و يعني بـالـمبـين أنه خطأ، يبـين عن نفسه أنه خطأ لـمن تأمله ونظر إلـيه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي، عن أسبـاط، عن السديّ: إذْ قالُوا لَـيُوسُفُ وأخُوهُ أحَبّ إلـي أبِـينا مِنا قال: يعنون بنـيامين. قال: وكانوا عشرة.

١٤٥٢١ـ قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: إنّ أبـانا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ قال: فـي ضلال من أمرنا.

١٤٥٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ونَـحْنُ عُصْبَةٌ قال: العصبة: الـجماعة.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ }.

 

يقول جلّ ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه فـي أرض من الأرض، يعنون مكانا من الأرض. يَخْـلُ لَكُمْ وَجْهُ أبِـيكُمْ يعنون: يخـل لكم وجه أبـيكم من شغله بـيوسف، فإنه قد شغله عنا وصرف وجهه عنا إلـيه. وتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْما صَالِـحِينَ يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف وذنبهم الذي يركبونه فـيه، فـيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قوما صالـحين.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضا يَخْـلُ لَكُمْ وَجْهُ أبِـيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْما صَالِـحِينَ قال: تتوبون مـما صنعتـم، أو من صنـيعكم.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، وقـيـل إن قائل ذلك روبـيـل كان ابن خالة يوسف. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ذكر لنا أنه روبـيـل كان أكبر القوم، وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله.

١٤٥٢٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: اقْتُلُوا يُوسُفَ... إلـى قوله: إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ قال: ذكر لـي واللّه أعلـم أن الذي قال ذلك منهم روبـيـل الأكبر من بنـي يعقوب، وكان أقصدهم فـيه رأيا.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله.

وقـيـل: كان قائل ذلك منهم شمعون. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد، فـي قوله: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ قال: هو شمعون.

وقوله: وألْقُوهُ فِـي غَيابَتِ الـجُبّ

يقول: وألقوه فـي قعر الـجبّ حيث يغيب خبره.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل الـمدينة: (غَيابـاتِ الـجُبّ) علـى الـجماع. وقرأ ذلك عامة قرّاء سائر الأمصار: غَيابَةِ الـجُبّ بتوحيد الغيابة. وقراءة ذلك بـالتوحيد أحبّ إلـيّ.

والـجبّ: بئر. وقـيـل: إنه اسم بئر ببـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فِـي غَيابَةِ الُـجْبّ قال: بئر ببـيت الـمقدس.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: غَيابَةِ الـجُبّ قال: بئر ببـيت الـمقدس.

والغيابة: كل شيء غيب شيئا فهو غيابة، والـجبّ: البئر غير الـمطوية.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٢٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: فِـي غَيابَةِ الـجُبّ فـي بعض نواحيها: فـي أسفلها.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ

يقول: فـي بعض نواحيها.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مثله.

١٤٥٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ قال: قالها كبـيرهم الذي تـخـلف. قال: والـجبّ: بئر بـالشأم.

١٤٥٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ألْقُوهُ فِـي غَيابَةِ الـجُبّ يعني : الركية.

١٤٥٣١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: الـجبّ: البئر.

وقوله: يَـلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ

يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من الـمسافرين. إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ

يقول: إن كنتـم فـاعلـين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الأعراب.

١٤٥٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : يَـلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ قال: التقطه ناس من الأعراب.

وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السّيّارَةِ) بـالتاء.

١٤٥٣٣ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، عن هارون، عن مطر الورّاق، عن الـحسن.

وكأن الـحسن ذهب فـي تأنـيثه بعض السيارة إلـى أن فعل بعضها فعلها، والعرب تفعل ذلك فـي خبر كان عن الـمضاف إلـى مؤنث يكون الـخبر عن بعضه خبرا عن جميعه، وذلك كقول الشاعر:

أرَى مَرّ السّنِـينَ أخَذْنَ مِنّـيكمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

فقال: (أخذن منـي) ، وقد ابتدأ الـخبر عن الـمراد، إذ كان الـخبر عن الـمرّ خبرا عن السنـين، وكما قال الاَخر:

إذا ماتَ مِنْهُمْ سَيّدٌ قامَ سَيّدٌفَدَانَتْ لهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ

فقال: (دانت له) ، والـخبر عن أهل القرى، لأن الـخبر عنهم كالـخبر عن القرى. ومن قال ذلك، لـم يقل: فدانت له غلام هند، لأن الغلام لو ألقـى من الكلام لـم تدلّ هند علـيه، كما يدل الـخبر عن القرية علـى أهلها. وذلك أنه لو قـيـل: فدانت له القرى، كان معلوما أنه خبر عن أهلها، وكذلك بعض السيارة، لو ألقـى البعض، فقـيـل: تلتقطه السيارة، علـم أنه خبر عن البعض أو الكلّ، ودلّ علـيه الـخبر عن السيارة.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ يَـأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنّا عَلَىَ يُوسُفَ وَإِنّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف إذ تآمروا بـينهم، وأجمعوا علـى الفرقة بـينه وبـين والده يعقوب لوالدهم يعقوب: يا أبـانا ما لَكَ لاَ تأْمَنّا علـى يوسُفَ فتتركه معنا إذا نـحن خرجنا خارج الـمدينة إلـى الصحراء، ونَـحْنَ لَهُ ناصحُونَ نـحوطه ونكلؤه.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: (يَرْتَعِ ويَـلْعَبْ) بكسر العين من يرتع وبـالـياء فـي يرتع ويـلعب، علـى معنى (يفتعل) من الرعي: ارتعيت فأنا أرتعي. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلـى: أرسله معنا غدا يرتع الإبل، ويـلعب. وَإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ.

وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ بـالـياء فـي الـحرفـين جميعا وتسكين العين، من قولهم: رتع فلان فـي ماله: إذا لهى فـيه ونعم وأنفقه فـي شهواته، ومن ذلك قولهم فـي مثل من الأمثال: (القَـيْدُ والرّتَعَة) ومنه قول القطامي:

أكُفْرا بَعْدَ رَدّ الـمَوْتِ عَنّـيوبعدَ عَطائِكَ الـمِئَةَ الرّتاعَا

وقرأ بعض أهل البصرة: (نَرْتَعْ) بـالنون (وَنَلْعَب) بـالنون فـيهما جميعا، وسكون العين من (نرتع) .

١٤٥٣٤ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، قال: كان أبو عمرو يقرأ: (نَرْتَع وَنَلْعَبْ) بـالنون، قال: فقلت لأبـي عمرو: كيف يقولون نلعب وهم أنبـياء؟ قال: لـم يكونوا يومئذ أنبـياء.

وأولـى القراءة فـي ذلك عندي بـالصواب، قراءة من قرأه فـي الـحرفـين كلـيهما بـالـياء وبجزم العين فـي (يرتعْ) . لأن القوم إنـما سألوا إياهم إرسال يوسف معهم، وخدعوه بـالـخبر عن مسألتهم إياه ذلك عما لـيوسف فـي إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلـى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك، لا بـالـخبر عن أنفسهم. وبذلك أيضا جاء تأويـل أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ

يقول: يسع وينشط.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يـلهو، وينشط، ويسعى.

١٤٥٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط، ويـلهو.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، بنـحوه.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يسعى، ويـلهو.

١٤٥٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قوله: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يتلهى ويـلعب.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يتلهى ويـلعب.

١٤٥٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط ويـلعب.

قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ: يـلهو.

قال: حدثنا حسين بن علـيّ، عن شيبـان، عن قتادة: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: ينشط، ويـلعب.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا نعيـم بن ضمضم العامري، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ قال: يسعى، وينشط.

وكأن الذين يقرءون ذلك: (يَرْتَعِ وَيَـلْعَبْ) بكسر العين من يرتعِ، يتأوّلونه علـى الوجه الذي:

١٤٥٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: (أرْسِلْهُ مَعَنا غَدا يَرْتَعْ وَيَـلْعَبْ) قال: يرعي غنـمه، وينظر ويعقل، فـيعرف ما يعرف الرجل.

وكان مـجاهد يقول فـي ذلك بـما:

١٤٥٤٠ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: (نَرْتَعِ) : يحفظ بعضنا بعضا، نتكالأ، نتـحارس.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: (نَرْتَعِ) قال: يحفظ بعضنا بعضا، نتكالأ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن وَرْقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

١٤٥٤١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، بنـحوه.

فتأويـل الكلام: أرسله معنا غدا نلهو ونلعب وننعم، وننشط فـي الصحراء، ونـحن حافظوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ إِنّي لَيَحْزُنُنِيَ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لهم: إنـي لـيحزننـي أن تذهبوا به معكم إلـى الصحراء، مخافة علـيه من الذئب أن يأكله وأنتـم عنه غافلون لا تشعرون.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّآ إِذَاً لّخَاسِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب فـي الصحراء، ونـحن أحد عشر رجلاً معه نـحفظه، وهم العصبة إنّا إذا لـخَاسِرُونَ

يقول: إنا إذا لعجزة هالكون.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوَاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

وفـي الكلام متروك حذف ذكره اكتفـاء بـما ظهر عما ترك، وهو: فأرسله معهم، فلـما ذهبوا به، وأجمَعُوا

يقول: وأجمع رأيهم وعزموا علـى أنْ يَجْعَلُوهُ فِـي غَيابَتِ الـجُبّ. كما:

١٤٥٤٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قوله: إنّـي لَـيَحْزُنُنـي أنْ تَذْهَبُوا بِهِ... الآية، قال: قال: لن أرسله معكم، إنـي أخاف أن يأكله الذئب وأنتـم عنه غافلون. قالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذّئْبُ وَنـحْنُ عُصْبَةٌ إنّا أذا لـخَاسِرُونَ فأرسله معهم، فأخرجوه وبه علـيهم كرامة. فلـما برزوا به إلـى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه، فـيستغيث بـالاَخر فـيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيـما، فضربوه حتـى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح و

يقول: يا أبتاه يا يعقوب، لو تعلـم ما صنع بـابنك بنو الإماء فلـما كادوا يقتلونه قال يهوذا: ألـيس قد أعطيتـمونـي موثقا أن لا تقتلوه؟ فـانطلقوا به إلـى الـجبّ لـيطرحوه، فجعلوا يدلونه فـي البئر، فـيتعلق بشفـير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه ردُوا علـيّ قميصي أتوارى به فـي الـجبّ فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبـا تؤنسك قال: إنـي لـم أر شيئا. فدلوه فـي البئر. حتـى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يـموت، وكان فـي البئر ماء، فسقط فـيه، ثم أوى إلـى صخرة فـيها، فقام علـيها. قال: فلـما ألقوه فـي البئر جعل يبكي، فنادوه، فظنّ أنها رحمة أدركتهم، فلبّـاهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فـيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتـمونـي موثقا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتـيه بـالطعام.

وقوله: فَلَـمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا فأدخـلت الواو فـي الـجواب، كما قال امرؤ القـيس:

فَلَـمّا أجَزْنا ساحَةَ الـحَيّ وَانْتَـحَىبِنَا بطْن خَبْتٍ ذي قِـفَـافٍ عَقَنْقَلِ

فأدخـل الواو فـي جواب (لـما) ، وإنـما الكلام: فلـما أجزنا ساحة الـحيّ انتـحى بنا، وكذلك: فَلَـمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا لأن قوله (أجمعوا) هو الـجواب.

وقوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ

يقول: وأوحينا إلـى يوسف لتـخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا

يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك. وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ

يقول: وهم لا يعلـمون ولا يدرون.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عناه اللّه عزّ وجلّ ب قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ

فقال بعضهم: عُنـي بذلك: أن اللّه أوحى إلـى يوسف أن يوسف سينبىء إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه فـي الـجبّ، وبـيعهم إياه، وسائر ما صنعوا به من صنـيعهم، وإخوته لا يشعرون بوحي اللّه إلـيه بذلك. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ إلـى يوسف.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هذَا قال: أوحينا إلـى يوسف: لتنبئنّ إخوتك.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: أوحى إلـى يوسف وهو فـي الـجبّ أن سينبئهم بـما صنعوا، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ قال: إلـى يوسف.

وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلـى يوسف بـما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام اللّه إياه بذلك. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بـما أطلع اللّه علـيه ويوسف من أمرهم وهو فـي البئر.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: أوحى اللّه إلـى يوسف وهو فـي الـجبّ أن ينبئهم بـما صنعوا به، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن قتادة بنـحوه، إلا أنه قال: أن سينبئهم.

وقال اخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنـيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ

يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.

١٤٥٤٦ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا صدقة بن عبـادة الأسدي، عن أبـيه، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: لـما دخـل إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: جيء بـالصواع فوضعه علـى يده، ثم نقره فطنّ فقال: إنه لـيخبرنـي فـي هذا الـجام أنه كان لكم أخ من أبـيكم يقال له يوسف يدنـيه هونكم، وإنكم انطلقتـم به فألقـيتـموه فـي غيابة الـجبّ قال: ثم نقره فطنّ فأتـيتـم أبـاكم فقلتـم: إن الذئب أكله، وجئتـم علـى قميصه بدم كذب. قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الـجام لـيخبره بخبركم. قال ابن عبـاس : فلا نرى هذه ا ية نزلت إلا فـيهم: لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءُوَا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ }.

يقول جلّ ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أبـاهم بعد ما ألقوا يوسف فـي غيابة الـجبّ *  عِشاءً يَبْكُونَ.

١٧

وقـيـل: إن معنى قوله: نَسْتَبِقُ ننتضل من السبـاق. كما:

١٤٥٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبلوا علـى أبـيهم عشاء يبكون. فلـما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنـيّ؟ هل أصابكم فـي غنـمكم شيء؟ قالوا: لا قال: فما فعل يوسف؟

قالوا: يا أبـانا إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فأكَلَهُ الذَئْبُ فبكى الشيخ وصاح بأعلـى صوته وقال: أين القميص؟ فجاءوه بـالقميص علـيه دم كذب، فأخذ القميص فطرحه علـى وجهه، ثم بكى حتـي تـخضب وجهه من دم القميص.

وقوله: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا يقولون: وما أنت بـمصدّقنا علـى قـيـلنا إن يوسف أكله الذئب وَلَوْ كُنّا صَادِقِـينَ. كما:

١٤٥٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا قال: بـمصدّق لنا... وَلَوْ كُنّا صَادِقِـينَ إما خبر عنهم أنهم غير صادقـين، فذلك تكذيب منهم أنفسهم، أو خبر منهم عن أبـيهم أنه لا يصدقهم لو صدَقوه، فقد علـمت أنهم لو صَدقوا أبـاهم الـخبر صَدّقهم؟ قـيـل: لـيس معنى ذلك بواحد منهما، وإنـما معنى ذلك: وما أنت بـمصدّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يتهمون لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَجَآءُوا عَلَىَ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّه الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ } .

يقول تعالـى ذكره: وَجاءُوا علـى قَمِيصَهِ بِدَمٍ كَذِبٍ وسماه اللّه كذبـا لأن الذين جاءوا بـالقميص وهو فـيه كذبوا، فقالوا لـيعقوب: هو دم يوسف، ولـم يكن دمه، وإنـما كان دم سخـلة فـيـما قـيـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٤٩ـ حدثنـي أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة، يعني : شاة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.

١٤٥٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: كان ذلك الدم كذبـا، لـم يكن دم يوسف.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.

١٤٥٥١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: بدم سخـلة.

١٤٥٥٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: ذبحوا جديا من الغنـم، ثم لطخوا القميص بدمه، ثم أقبلوا إلـى أبـيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئب لرحيـما كيف أكل لـحمه ولـم يخرق قميصه يا بنـيّ يا يوسف ما فعل بك بنو ا ماء.؟

١٤٥٥٣ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لو أكله السبع لـخرق القميص.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو خالد، قال: حدثنا سفـيان بإسناده عن ابن عبـاس مثله، إلا أنه قال: لو أكله الذئب لـخرق القميص.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لو كان الذئب أكله لـخرقه.

١٤٥٥٤ـ حدثنـي عبـيد اللّه بن أبـي زياد، قال: حدثنا عثمان بن عمرو، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن، قال: جيء بقميص يوسف إلـى يعقوب، فجعل ينظر إلـيه فـيرى أثر الدم ولا يرى فـيه خرقا، قال: يا بنـيّ ما كنت أعهد الذئب حلـيـما

حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال: حدثنا أبو عاصم العقدي، عن قرة، قال: سمعت الـحسن

يقول: لـما جاءوا بقميص يوسف، فلـم ير يعقوب شَقّا، قال: يا بنـيّ، واللّه ما عهدت الذئب حلـيـما

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلـم، عن الـحسن، قال: لـما جاء إخوة يوسف بقميصه إلـى أبـيهم، قال: جعل يقلبه، فـ

يقول: ما عهدت الذئب حلـيـما، أكل ابنـي وأبقـى علـى قميصه

١٤٥٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لـما أتوا نبـيّ اللّه يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثر سبع ولا طعن ولا خرق.

١٤٥٥٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بِدَمٍ كَذِبٍ الدم كذب، لـم يكن دم يوسف.

١٤٥٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مـجالد، عن الشعبـيّ، قال: ذبحوا جديا ولطخوه من دمه فلـما نظر يعقوب إلـى القميص صحيحا، عرف أن القوم كذبوه، فقال لهم: إن كان هذا الذئب لـحلـيـما، حيث رحم القميص ولـم يرحم ابنـي فعرف أنهم قد كذبوه.

حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبـا أسامة، عن سفـيان، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لـما أتـي يعقوب بقميص يوسف، فلـم ير فـيه خرقا، قال: كذبتـم، لو أكله السبع لـخرق قميصه

١٤٥٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، ويعلـى، عن زكريا، عن سماك، عن عامر، قال: كان فـي قميص يوسف ثلاث ايات حين جاءوا علـى قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لـخرق قميصه.

١٤٥٥٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا زكريا، عن سماك، عن عامر، قال: إنه كان

يقول: فـي قميص يوسف ثلاث ايات، حين ألقـي علـى وجه أبـيه فـارتدّ بصيرا، وحين قُدّ من دبر، وحين جاءوا علـى قميصه بدم كذب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عامر، قال: كان فـي قميص يوسف ثلاث ايات: الشقّ، والدم، وألقاه علـى وجه أبـيه فـارتدّ بصيرا.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن، قال: لـما جيء بقميص يوسف إلـى يعقوب، فرأى الدم ولـم ير الشقّ، قال: ما عهدت الذئب حلـيـما.

قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن، بـمثله.

فإن قال قائل: كيف قـيـل: بِدَمٍ كَذِبٍ وقد علـمت أنه كان دما لا شكّ فـيه، وإن لـم يكن كان دم يوسف؟ قـيـل: فـي ذلك من القول وجهان: أحدهما: أن يكون قـيـل بِدَمٍ كَذِبٍ لأنه كُذبَ فـيه كما يقال: اللـيـلة الهلال، وكما قـيـل: فَمَا رَبِحَتْ تِـجَارَتُهُمْ وذلك قول كان بعض نـحويـي البصرة يقوله.

والوجه ا خر: وهو أن يقال: هو مصدر بـمعنى مفعول، وتأويـله: وجاءوا علـى قميصه بدم مكذوب، كما يقال: ما له عقل ولا معقول، ولا له جلد ولا له مـجلود. والعرب تفعل ذلك كثـيرا، تضع مفعو فـي موضع الـمصدر، والـمصدر فـي موضع مفعول، كما قال الراعي:

حتـى إذَا لَـمْ يَتْرُكُوا لِعِظامِهِلَـحْما وَلا لِفُؤَادِهِ مَعْقُولا

وذلك كان يقوله بعض نـحويـي الكوفة.

وقوله: قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا

يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذّبـا لهم فـي خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا

يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا فـي يوسف وحسنته ففعلتـموه. كما:

١٤٥٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا قال:

يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا.

وقوله: فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ

يقول: فصبري علـى ما فعلتـم بـي فـي أمر يوسف صبر جميـل، أو فهو صبر جميـل. وَاللّه الـمسْتَعانُ علـى ما تَصِفُونَ

يقول: واللّه أستعين علـى كفـايتـي شرّ ما تصفون من الكذب. وقـيـل: إن الصبر الـجميـل: هو الصبر الذي لا جزع فـيه ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ قال: لـيس فـيه جزع.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٩

تأويل قوله تعالى {وَجَاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىَ دَلْوَهُ قَالَ يَبُشْرَىَ هَـَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرّوهُ بِضَاعَةً وَاللّه عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فبـاعه إخوته بثمن بخس.

٢٠

وقال آخرون: بل عنـي ب قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ السيارة أنهم بـاعوا يوسف بثمن بخس. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وهم السيارة الذين بـاعوه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك: وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس، وذلك أن اللّه عزّ وجلّ قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بـادعائهم أنه بضاعة، ولـم يقولوا ذلك إلا رغبة فـيه أن يخـلص لهم دونهم واستر خاصا لثمنه الذي ابتاعه به، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولو كان مبتاعوه من إخوته فـيه من الزاهدين لـم يكن لقـيـلهم لرفقائهم هو بضاعة معنى، ولا كان لشرائهم إياه وهم فـيه من الزاهدين وجه، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبـا علـى عقولهم لأنه مـحال أن يشترى صحيح العقل ما هو فـيه زاهد من غير إكراه مكره له علـيه، ثم يكذب فـي أمره الناس بأن

يقول: هو بضاعة لـم أشتره مع زهده فـيه، بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنـين لنفـاستها عنده، ولـما يرجو من نفـيس الثمن لها وفضل الربح.

وأما قوله: بَخْسٍ فإنه يعني : نقص، وهو مصدر من قول القائل: بَخِسْتُ فلانا حقه: إذا ظلـمته، يعني : ظلـمه فنقصه عما يجب له من الوفـاء، أبْخَسُهُ بخسا ومنه قوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ. وإنـما أريد بثمن مبخوس: منقوص، فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول، كما قـيـل: بِدَمٍ كَذِبٍ وإنـما هو بدم مكذوب فـيه.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: قـيـل بِثَمَنٍ بَخْسٍ لأنه كان حراما علـيهم. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: الـحرام.

١٤٥٦٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: كان ثمنه بخسا حراما، لـم يحلّ لهم أن يأكلوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: بـاعوه بثمن بخس، قال: كان بـيعه حراما وشراؤه حراما.

حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: حرام.

١٤٥٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : بِثَمَنٍ بَخْسٍ

يقول: لـم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه.

وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلـم. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: هو الظلـم، وكان بـيع يوسف وثمنه حراما علـيهم.

١٤٥٦٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: ظلـم.

وقال آخرون: عُنـي بـالبخس فـي هذا الـموضع: القلـيـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن جابر، عن عامر، قال: البخس: القلـيـل.

١٤٥٦٩ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن جابر، عن عكرمة، مثله.

وقد بـيّنا الصحيح من القول فـي ذلك. وأما قوله دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ فإنه يعني عز وجلّ أنهم بـاعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافـية لزهدهم كان فـيه. وقـيـل: إنـما قـيـل معدودة لـيعلـم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين، لأنهم كانوا فـي ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما، لأن أقلّ أوزانهم وأصغرها كان الأوقـية، وكان وزن الأوقـية أربعين درهما. قالوا: وإنـما دلّ ب قوله: مَعْدُودَةٍ علـى قلة الدراهم التـي بـاعوه بها،

فقال بعضهم: كان عشرين درهما. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه ، قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

١٤٥٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نوف البكالـي، فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع: وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نوف البكالـي: بَخْسٍ دَرَاهِمَ قال: كانت عشرين درهما.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـيّ، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن نوف، مثله.

١٤٥٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، فـي قوله: بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.

١٤٥٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: كانت عشرين درهما.

١٤٥٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنه بـيع بعشرين درهما، وكانوا فـيه من الزاهدين.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

١٤٥٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي إدريس، عن عطية، قال: كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين.

وقال آخرون: بل كان عددها اثنـين وعشرين درهما، أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلاً درهمين درهمين منها. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنـين وعشرين درهما.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف أحد عشر رجلاً.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ.

قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

وقال آخرون: بل كانت أربعين درهما. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن جابر، عن عكرمة: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: أربعين درهما.

١٤٥٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: بـاعوه ولـم يبلغ ثمنه الذي بـاعوه به أوقـية، وذلك أن الناس كانوا يتبـايعون فـي ذلك الزمان بـالأواقـي، فما قصر عن الأوقـية فهو عدد يقول اللّه :

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ أي لـم يبلغ الأوقـية.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر أنهم بـاعوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولـم يحَدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع علـيه دلالة فـي كتاب ولا خبر من الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وقد يحتـمل أن يكون كان عشرين، ويحتـمل أن يكون كان اثنـين وعشرين، وأن يكون كان أربعين، وأقلّ من ذلك وأكثر، وأيّ ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة ولـيس فـي العلـم بـمبلغ وزن ذلك فـائدة تقع فـي ديِن ولا فـي الـجهل به دخول ضرّ فـيه، والإيـمان بظاهر التنزيـل فرض، وما عداه فموضوع عنا تكلّف علـمه.

وقوله: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ

يقول تعالـى ذكره: وكان إخوة يوسف فـي يوسف من الزاهدين، لا يعلـمون كرامته عند اللّه ، ولا يعرفون منزلته عنده، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بـينه وبـين والده لـيخـلو لهم وجهه منه، ويقطعوه عن القرب منه لتكون الـمنافع التـي كانت مصروفة إلـى يوسف دونهم مصروفة إلـيهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٧٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك : وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال: لـم يعلـموا بنبوّته ومنزلته من اللّه .

١٤٥٨٠ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك ، فـي قوله: وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فنزلت علـى الـجبّ، فأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فـاستقـى من الـماء فـاستـخرج يوسف، فـاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلـمون علـمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فـيه فبـاعوه وكان بـيعه حراما، وبـاعوه بدراهم معدودة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال إخوته زهدوا، فلـم يعلـموا منزلته من اللّه ونبوّته ومكانه.

١٤٥٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: إخوته زهدوا فـيه، لـم يعلـموا منزلته من اللّه عزّ وجلّ.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىَ أَن يَنفَعَنَآ ...}.

يقول جلّ ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بـائعه بـمصر، وذُكر أن اسمه قطفـير.

١٤٥٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سيعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: كان اسم الذي اشتراه قطفـير.

وقـيـل: إن اسمه إطفـير بن روحيب، وهو العزيز، وكان علـى خزائن مصر، وكان الـملك يومئذ الريان بن الولـيد، رجل من العمالـيق. كذلك:

١٤٥٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق.

وقـيـل: إن الذي بـاعه بـمصر كان مالك بن ذعر بن ثويب بن عنقاء بن مديان بن إبراهيـم. كذلك:

١٤٥٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن السائب، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس .

وَقالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرأتِهِ واسمها فـيـما ذَكر ابن إسحاق: راعيـل بنت رعائيـل.

١٤٥٨٥ـ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق.

أكْرِمي مَثْوَاهُ

يقول: أكرمي موضع مُقامه وذلك حيث يثوِي ويقـيـم فـيه، يقال: ثَوَى فلان بـمكان كذا: إذا أقام فـيه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أكْرِمي مَثْوَاهُ منزلته، وهي امرأة العزيز.

١٤٥٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَقالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرأتِهِ أكْرِمي مَثْوَاهُ قال: منزلته.

١٤٥٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. اشتراه الـملك، والـملك مسلـم.

وقوله: عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا ذُكر أن مشتريَ يوسف قال هذا القول لامرأته حين دفعه إلـيها، لأنه لـم يكن له ولد ولـم يأت النساء، فقال لها: أكرميه عسى أن يَكْفَـينا بعض ما نعانـي من أمورنا إذا فهم الأمور التـي نكلّفها وعرفها، أو نَتّـخِذَهُ وَلَدا

يقول: أو نتبناه.

١٤٥٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان إطفـير فـيـما ذكر لـي رجلاً لا يأتـي النساء وكانت امرأته راعيـل امرأة حسناء ناعمة طاعمة فـي ملك ودنـيا.

١٤٥٩٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس فـي يوسف فقال لأمرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا. وأبو بكر حين تفرّس فـي عمر. والتـي قالت: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ.

١٤٥٩١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: انطلق بـيوسف إلـى مصر، فـاشتراه العزيز ملك مصر، فـانطُلق به إلـى بـيته فقال لامرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه ، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ والقوم فـيه زاهدون. وأبو بكر حين تفرّس فـي عمر فـاستـخـلفه. والـمرأة التـي قالت: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ.

وقوله: وكذلكَ مَكّنا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يقول عزّ وجلّ: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد همّوا بقتله، وأخرجناه من الـجبّ بعد أن ألقـي فـيه، فصيرناه إلـى الكرامة والـمنزلة الرفـيعة عند عزيز مصر، كذلك مكنا له فـي الأرض فجعلناه علـى خزائنها.

وقوله: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ

يقول تعالـى ذكره: وكي نعلّـم يوسف من عبـارة الرؤيا مكنا له فـي الأرض. كما:

١٤٥٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ تَأْوِيـل الأحادِيثِ قال: عبـارة الرؤيا.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٥٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـل الأحادِيثِ قال: تعبـير الرؤيا.

١٤٥٩٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: عبـارة الرّؤيا.

وقوله: وَاللّه غالِبٌ علـى أمْرِهِ

يقول تعالـى ذكره: واللّه مستولٍ علـى أمر يوسف يَسُوسُه ويدبره ويحوطه. والهاء فـي قوله: علـى أمْرِهِ عائدة علـى يوسف.

ورُوى عن سعيد بن جبـير فـي معنى (غالب) ، ما:

١٤٥٩٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَاللّه غالِبٌ علـى أمْرِهِ قال: فعال.

وقوله: وَلَكِنّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَـمُونَ

يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا فـي يوسف فبـاعوه بثمن خسيس، والذي صار بـين أظهرهم من أهل مصر حين بـيع فـيهم، لا يعلـمون ما اللّه بـيوسف صانع وإلـيه يوسف من أمره صائر.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: لـما بلغ يوسف أشدّه،

يقول: لـما بلغ منتهى شدّته وقوّته فـي شبـابه وحده. وذلك فـيـما بـين ثمانـي عشرة إلـى ستـين سنة، وقـيـل إلـى أربعين سنة، يقال منه: مضت أشدّ الرجل: أي شدته، وهو جمع مثل الأضرّ والأسُرّ لـم يسمع له بواحد من لفظه، ويجب فـي القـياس أن يكون واحده شَدّ، كما واحد الأضر ضَرّ، وواحد الأسرّ سَرّ، كما قال الشاعر:

هلْ غيرَ أنْ كَثُرَ الأشُدّ وأهْلَكَتْحَرْبُ الـمُلُوكِ أكاثِرَ الأمْوَالِ

وقال حميد:

وَقد أتـى لَوْ تُعْتِبُ العَوَاذِلُبَعْدَ الأشُدّ أرْبَعٌ كَوَامِلُ

وقد اختلف أهل التأويـل فـي الذي عنى اللّه به فـي هذا الـموضع من مبلغ الأشدّ،

فقال بعضهم: عُنـي به ثلاث وثلاثون سنة. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٩٦ـ حدثنا ابن وكيع والـحسن بن مـحمد، قالا: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

١٤٥٩٧ـ حُدثت عن علـيّ بن الهيثم، عن بشر بن الـمفضل، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن مـجاهد، قال: سمعت ابن عبـاس يقول فـي قوله: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: بضعا وثلاثـين سنة.

وقال آخرون: بل عُنـي به عشرون سنة. ذكر من قال ذلك:

١٤٥٩٨ـ حُدثت عن علـيّ بن الـمسيب، عن أبـي روق، عن الضحاك ، فـي قوله: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: عشرين سنة.

ورُوي عن ابن عبـاس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بـين ثمانـي عشرة سنة إلـى ثلاثـين. وقد بـيّنت معنى الأشدّ.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه أخبر أنه آتـي يوسف لـما بلغ أشدّه حكما وعلـما. والأشُدّ: هو انتهاء قوّته وشبـابه. وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثمانـي عشرة سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثـين سنة، ولا دلالة فـي كتاب اللّه ولا أثر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ولا فـي إجماع الأمة علـى أيّ ذلك كان. وإذا لـم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت، فـالصواب أن يقال فـيه كما قال عزّ وجلّ، حتـى تثبت حجة بصحة ما قـيـل فـي ذلك من الوجه الذي يجب التسلـيـم له فـيسلـم لها حينئذ.

وقوله: آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما

يقول تعالـى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلـم. كما:

١٤٥٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: حُكْما وَعِلْـما قال: العقل والعلـم قبل النبوّة.

وقوله: وكذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتـيته بطاعته إياي الـحكمَ والعلـم، ومكنته فـي الأرض، واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله، كذلك نـجزي من أحسن فـي عمله، فأطاعنـي فـي أمري وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ. وهذا وإن كان مخرَج ظاهره علـى كلّ مـحسن، فإن الـمراد به مـحمد نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم. يقول له عزّ وجلّ: كما فعلتُ هذا بـيوسف من بعد ما لقـي من إخوته ما لقـي وقاسى من البلاء ما قاسى، فمكنته فـي الأرض ووطّأت له فـي البلاد، فكذلك أفعل بك فأنـجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بـالعداوة، وأمكن لك فـي الأرض وأوتـيك الـحكم والعلـم، لأن ذلك جزائي أهلَ الإحسان فـي أمري ونهيـي.

١٤٦٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وكذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ

يقول: الـمهتدين.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَرَاوَدَتْهُ الّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نّفْسِهِ وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وراودت امرأة العزيز وهي التـي كان يوسف فـي بـيتها (يوسُفَ) عن نفسه أن يواقعها. كما:

١٤٦٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ولـما بلغ أشدّه راودته التـي هو فـي بـيتها عن نفسه: امرأة العزيز.

١٤٦٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَرَاوَدَتْهُ التـي هُوَ فِـي بَـيْتِها عَنْ نَفْسِهِ قال: أحبته.

١٤٦٠٣ـ قال: ثنـي أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: قالت تعاله.

وقوله: وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ

يقول: وغلّقت الـمرأة أبواب البـيوت، علـيها وعلـى يوسف لـما أرادت منه وراودته علـيه، بـابـا بعد بـاب.

وقوله: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: هَيْتَ لَكَ بفتـح، الهاء والتاء، بـمعنى: هلـمّ لك وادن وتقرّب، كما قال الشاعر لعلـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه:

أبْلِغْ أمِيرَ الـمُؤْمِنِـينَأخا العِراقِ إذَا أتَـيْتا

أنّ العِرَاقَ وأهْلَهُ عُنُقٌ إلـيكَ فهَيْتَ هَيْتا

 يعني : تعال واقرب.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تأولّه من قرأه كذلك:

١٤٦٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه الـمخرمي، قال: حدثنا أبو الـجوّاب، قال: حدثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: هَيْتَ لَكَ تقول: هلـمّ لك.

١٤٦٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبـيش، أنه كان يقرأ هذا الـحرف: هَيْتَ لَكَ نصبـا: أي هلـمّ لك.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس ، قوله: هَيْتَ لَكَ قال: تقول: هلـمّ لك.

١٤٦٠٦ـ حدثنـي أحمد بن سهيـل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، قال: حدثنا النضر بن علـيّ الـجزري، عن عكرمة، مولـى ابن عبـاس ، فـي قوله: هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك. قال: هي بـالـحورانـية.

١٤٦٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قال: كان الـحسن

يقول: هلـمّ لك.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الـحسن: هَيْتَ لَكَ يقول بعضهم: هلـمّ لك.

١٤٦٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك. وهي بـالقبطية.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن عمرو، عن الـحسن: هَيْتَ لَكَ قال: كلـمة بـالسريانـية: أي علـيك.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا خـلف بن هشام، قال: حدثنا مـحبوب، عن قتادة، عن الـحسن: هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك.

قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر: هَيْتَ لَكَ: أي هلـمّ.

١٤٦٠٩ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، قال: بلغنـي فـي قوله: هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك.

١٤٦١٠ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبـيد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن خالد الـحذاء، عن عكرمة عن ابن عبـاس أنه قرأ: هَيْتَ لَكَ وقال: تدعوه إلـى نفسها.

١٤٦١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: هَيْتَ لَكَ قال: لغة عربـية تدعوه بها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: لغة بـالعربـية تدعوه بها إلـى نفسها.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن: هَيْتَ لَكَ بفتـح الهاء والتاء، وقال: تقول: هلـمّ لك.

١٤٦١٢ـ حدثنـي الـحرث، قال أبو عبـيدة: كان الكسائيّ يحكيها، يعني : هَيْتَ لَكَ قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلـى الـحجاز، معناها: (تعال) . قال: وقال أبو عبـيد: سألت شيخا عالـما من أهل حوران، فذكر أنها لغتهم يعرفها.

١٤٦١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: هَيْتَ لَكَ قال: تعال.

١٤٦١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قال: هلـمّ لك إلـيّ.

وقرأ ذلك جماعة من الـمتقدمين: (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) بكسر الهاء وضمّ التاء والهمز، بـمعنى: تهيأت لك، من قول القائل: هئت للأمر أهيء هيئة. ومـمن رُوي ذلك عنه ابن عبـاس وأبو عبد الرحمن السُلـمِي وجماعة غيرهما.

١٤٦١٥ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحجاج، عن هارون، عن أبـان العطار، عن قتادة: أن ابن عبـاس قرأها كذلك مكسورة الهاء مضمومة التاء. قال أحمد: قال أبو عبـيد: لا أعلـمها إلا مهموزة.

١٤٦١٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أبـان العطار، عن عاصم، عن أبـي عبد الرحمن السلـمي: (هِئْتُ لَكَ) أي تهيأت لك.

١٤٦١٧ـ قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، مثله.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة

يقول: تهيأت لك.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: (هِئْتُ لَكَ) قال عكرمة: تهيأت لك.

١٤٦١٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أبو وائل

يقول: (هِئْتُ لَكَ) : أي تهيأت لك.

وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة.

١٤٦١٩ـ حُدثت عن علـيّ بن الـمُغيرة، قال: قال أبو عبـيدة معمر بن الـمثنى، شهدت أبـا عمرو وسأله أبو أحمد، أو أحمد، وكان عالـما بـالقرآن، عن قول من قال: (هِئْتُ لَكَ) بكسر الهاء وهمز الـياء، فقال: أبو عمرو. ينسي أي بـاطل جعلها، (فعِلت) من (تهيأت) ، فهذا الـخندق، فـاستعرض حتـى تنتهِي إلـى الـيـمن، هل تعرف أحدا يقول هئت لك؟

١٤٦٢٠ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: لـم يكن الكسائي يحكي هِئْتُ لَكَ عن العرب.

وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة: (هِيتَ لَكَ) بكسر الهاء وتسكين الـياء وفتـح التاء.

وقرأه بعض الـمكيـين: (هَيْتُ لَكَ) بفتـح الهاء وتسكين الـياء وضمّ التاء.

وقرأه بعض البصريـين، وهو عبد اللّه بن إسحاق: (هَيْتِ لَكَ) بفتـح الهاء وكسر التاء. وقد أنشد بعض الرواة بـيتا لطرفة بن العبد فـي (هَيْتُ) بفتـح الهاء وضم التاء، وذلك:

لَـيْسَ قَوْمي بـالأَبْعَدِينَ إذَا ماقالَ دَاعٍ مِنَ العَشِيرَةِ هَيْتُ

وأولـى القراءة فـي ذلك، قراءة من قرأه: هَيْتَ لَكَ بفتـح الهاء والتاء، وتسكين الـياء، لأنها اللغة الـمعروفة فـي العرب دون غيرها، وأنها فـيـما ذكر قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٤٦٢١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبـي وائل، قال ابن مسعود: قد سمعتُ القرأة فسمعتهم متقاربـين، فـاقرءوا كما علـمتـم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنـما هو كقول أحدكم: هلـمّ وتعال. ثم قرأ عبد اللّه : هَيْتَ لَكَ فقلت: يا أبـا عبد الرحمن إن ناسا يقرءونها: (هِيتَ لَكَ) فقال عبد اللّه : إنـي أقرؤها كما علـمت أحبّ إلـيّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي وائل، قال: سمعت عبد اللّه بن مسعود يقرأ هذه الآية: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا (هِيتَ لَكَ) . فقال عبد اللّه إنـي أقرؤها كما علـمت أحبّ إلـيّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن منصور، عن أبـي وائل، قال: قال عبد اللّه : هَيْتَ لَكَ فقال له مسروق: إن ناسا يقرءونها: (هِيتَ لَكَ) فقال: دعونـي، فإنـي أقرأ كما أقرئت أحبّ إلـيّ.

١٤٦٢٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم العسقلانـي، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن شقـيق، عن ابن مسعود قال: هَيْتَ لَكَ بنصب الهاء والتاء وبلا همز.

وذكر أبو عبـيدة معمر بن الـمثنى، أن العرب لا تثنـي هَيتَ لَكَ ولا تـجمع ولا تؤنث، وأنها تصوّره فـي كلّ حال، وإنـما يتبـين العدد بـما بعد، وكذلك التأنـيث والتذكير، وقال: تقول للواحد: هيت لك، وللاثنـين: هيت لكما، وللـجمع: هيت لكم، وللنساء: هيت لكن.

وقوله: قالَ مَعاذَ اللّه

يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف إذ دعته الـمرأة إلـى نفسها وقالت له هلـمّ إلـيّ: أعتصم بـاللّه من الذي تدعونـي إلـيه وأستـجير به منه.

وقوله: إنّهُ رَبّـي أحْسَنَ مَثْوَايَ

يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي. كما:

١٤٦٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: مَعاذَ اللّه إنّهُ رَبّـي قال: سيدي.

١٤٦٢٤ـ قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح: إنّهُ رَبّـي قال: سيدي.

١٤٦٢٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: قالَ مَعاذَ اللّه إنّهُ رَبّـي أحْسَنَ مَثْوَايَ قال: سيدي. يعني : زوج الـمرأة.

١٤٦٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: قالَ مَعاذَ اللّه إنّهُ رَبـي يعني : إطفـير،

يقول: إنه سيدي.

وقوله: أحْسَنَ مَثْوَايَ

يقول: أحسن منزلتـي وأكرمنـي وائتـمننـي، فلا أخونه. كما:

١٤٦٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أحْسَنَ مَثْوَايَ أمننـي علـى بـيته وأهله.

١٤٦٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: أحْسَنَ مَثْوَايَ فلا أخونه فـي أهله.

١٤٦٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: أحْسَنَ مَثْوَايَ قال: يريد يوسف سيده زوج الـمرأة.

وقوله: إنّهُ لا يُفْلِـحُ الظّالُـمِونَ

يقول: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينـجح مَن ظلـم ففعل ما لـيس له فعله، وهذا الذي تدعونـي إلـيه من الفجور ظلـم وخيانة لسيدي الذي ائتـمننـي علـى منزله. كما:

١٤٦٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إنّهُ لا يُفْلِـحُ الظّالُـمِونَ قال: هذا الذي تدعونـي إلـيه ظلـم، ولا يفلـح من عمل به.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِهَا لَوْلآ أَن رّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوَءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }.

ذُكر أن امرأة العزيز لـما همّت بـيوسف وأرادت مراودته، جعلت تذكر له مـحاسن نفسه، وتشوّقه إلـى نفسها. كما:

١٤٦٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَلَقَدْ هَمّتْ بهِ وَهَمّ بِها قال: قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أوّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك قال: هو للتراب يأكله. فلـم تزل حتـى أطمعته، فهمت به وهمّ بها. فدخلا البـيت، وغلقت الأبواب، وذهب لـيحلّ سراويـله، فإذا هو بصورة يعقوب قائما فـي البـيت قد عضّ علـى أصبعه

يقول: يا يوسف تواقعها فإنـما مَثَلُكَ ما لـم تواقعها مثل الطير فـي جوّ السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثلَه إذا مات ووقع إلـى الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ومثلك ما لـم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل علـيه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يـموت فـيدخـل النـمل فـي أصل قرنـيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. فربط سراويـله، وذهب لـيخرج يشتدّ، فأدركْته، فأخذت بـمؤخر قميصه من خـلفه، فخرقته حتـى أخرجته منه، وسقط، وطرحه يوسف، واشتدّ نـحو البـاب.

١٤٦٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبت علـيه يعني الـمرأة تطمعه مرّة وتـخيفه أخرى، وتدعوه إلـى لذّة من حاجة الرجال فـي جمالها وحسنها ومُلكها، وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل حتـى رقّ لها مـما يرى من كلفها به، ولـم يتـخوّف منها حتـى همّ بها وهمت به، حتـى خَـلَوَا فـي بعض بـيوته.

ومعنى الهمّ بـالشيء فـي كلام العرب: حديث الـمرء نفسه بـمواقعته، ما لـم يواقع.

فأما ما كان من همّ يوسف بـالـمرأة وهمها به، فإن أهل العلـم قالوا فـي ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما:

١٤٦٣٣ـ حدثنا أبو كريب وسفـيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: حدثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس ، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِمْيان، وجلس منها مـجلس الـخاتن. لفظ الـحديث لأبـي كُريب.

حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عيـينة، قال: سمع عبـيد اللّه بن أبـي يزيد ابن عبـاس فـي: وَلَقَدْ همّتْ بِه وَهَمّ بِهَا قال: جلس منها مـجلس الـخاتن، وحلّ الهِمْيان.

حدثنا زياد بن عبد اللّه الـحسانـي، وعمرو بن علـيّ، والـحسن بن مـحمد، قالوا: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن عبد اللّه بن أبـي يزيد، قال: سمعت ابن عبـاس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مـجلس الـخاتن.

حدثنـي زياد بن عبد اللّه ، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سألت ابن عبـاس : ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بـين رجلـيها.

١٤٦٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: استلقت له، وحلّ ثـيابه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس : وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها ما بلغ؟ قال: استلقت له وجلس بـين رجلـيها، وحلّ ثـيابه، أو ثـيابها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سألت ابن عبـاس : ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت علـى قـفـاها، وقعد بـين رجلـيها لـينزع ثـيابه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سئل ابن عبـاس ، عن قوله: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهِيـمان، يعني السراويـل.

١٤٦٣٥ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: حلّ السراويـل حتـى التّبـان، واستلقت له.

حدثنا زياد بن عبد اللّه الـحسانـي، قال: حدثنا مالك بن سعير، قال: حدثنا الأعمش، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: حلّ سراويـله، حتـى وقع علـى التّبـان.

١٤٦٣٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: جلس منها مـجلس الرجل من امرأته.

١٤٦٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، قال: ثنـي القاسم بن أبـي بزة: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: أما هَمّها به، فـاستلقت له، وأما همه بها: فإنه قعد بـين رجلـيها ونزع ثـيابه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنـي حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن أبـي ملـيكة، قال: قلت لابن عبـاس : ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بـين رجلـيها ينزع ثـيابه.

١٤٦٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان، عن سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، عن سعيد بن جبـير وعكرمة، قالا: حلّ السراويـل، وجلس منها مـجلس الـخاتن.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي، عن شريك، عن جابر، عن مـجاهد: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: استلقت، وحلّ ثـيابه حتـى بلغ التبـان.

١٤٦٣٩ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: أطلق تكة سراويـله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملكية، قال: شهدت ابن عبـاس سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مـجلس الـخاتن.

فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بـمثل هذا وهو لله نبـيّ؟ قـيـل: إن أهل العلـم اختلفوا فـي ذلك،

فقال بعضهم: كان مـمن ابتلـي من الأنبـياء بخطيئة، فإنـما ابتلاه اللّه بها لـيكون من اللّه عزّ وجلّ علـى وَجَل إذا ذكرها، فـيجدّ فـي طاعته إشفـاقا منها، ولا يتكل علـى سعة عفو اللّه ورحمته.

وقال آخرون: بل ابتلاهم اللّه بذلك لـيعرّفهم موضع نعمته علـيهم، بصفحة عنهم وتركه عقوبته علـيه فـي الاَخرة.

وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك لـيجعلهم أئمة لأهل الذنوب فـي رجاء رحمة اللّه ، وترك الإياس من عفوه عنه إذا تابوا.

وأما آخرون مـمن خالف أقوال السلف وتأوّلوا القرآن بآرائهم، فأنهم قالوا فـي ذلك أقوالاً مختلفة،

فقال بعضهم: معناه: ولقد همت الـمرأة بـيوسف، وهمّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بـمكروه لهمها به مـما أرادته من الـمكروه، لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفه ذلك عما همّ به من أذاها، لا أنها ارتدعت من قِبلَ نفسها. قالوا: والشاهد علـى صحة ذلك قوله: كذلكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السّوءَ والفَحْشاءَ قالوا: فـالسوء: هو ما كان همّ به من أذاها، وهو غير الفحشاء.

وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به. فتناهى الـخبر عنها، ثم ابتدىء الـخبر عن يوسف، فقـيـل: وهمّ بها يوسف، لولا أن أرى برهان ربه. كأنهم وجهوا معنى الكلام إلـى أن يوسف لـم يهمّ بها، وأن اللّه إنـما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلـم يهمّ بها، كما قـيـل: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتّبَعْتُـمُ الشّيْطانَ إلاّ قَلـيلاً. ويفسد هذين القولـين أن العرب لا تقدم جواب (لولا) قبلها، لا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلـم بتأويـل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويـله.

وقال آخرون منهم: بل قد همّت الـمرأة بـيوسف وهمّ يوسف بـالـمرأة، غير أن همهما كان تـمثـيلاً منهما بـين الفعل والترك، لا عزما ولا إرادة قالوا: ولا حرج فـي حديث النفس ولا فـي ذكر القلب إذا لـم يكن معهما عزم ولا فعل. وأما البرهان الذي رآه يوسف فترك من أجله مواقعة الـخطيئة، فإن أهل العلـم مختلفون فـيه،

فقال بعضهم: نودي بـالنهي عن مواقعة الـخطيئة. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٤٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملكية، عن ابن عبـاس : لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: نودي: يا يوسف أتزنـي، فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له.

قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملكية، عن ابن عبـاس ، قال: لـم يتعظ علـى النداء حتـى رأى برهان ربه، قال: تـمثال صورة وجه أبـيه قال سفـيان: عاضّا علـى أصبعه فقال: يا يوسف تزنـي، فتكون كالطير ذهب ريشة؟.

حدثنـي زياد بن عبد اللّه الـحسانـي، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي عديّ، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: قال ابن عبـاس : نودي: يا ابن يعقوب لا تكن كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه أو قعدَ لا ريش له قال: فلـم يتعظ علـى النداء، فلـم يزد علـى هذا، قال ابن جريج: وحدثنـي غير واحد، أنه رأى أبـاه عاضّا علـى أصبعه.

حدثنـي أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبـي ملكية، قال: قال ابن عبـاس : لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: نودي فلـم يسمع، ف

قـيـل له: يا ابن يعقوب تريد أن تزنـي. فتكون كالطير نُتِف فلا ريش له؟

١٤٦٤١ـ حدثنا ابن حميد. قال: حدثنا سلـمة، عن طلـحة، عن عمرو الـحضرميّ، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: بلغنـي أن يوسف لـما جلس بـين رجلـي الـمرأة فهو يحلّ هميانه. نودي: يا يوسف بن يعقوب لا تزن، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه فأعرض. ثم نودي فأعرض. فتـمثل له يعقوب عاضّا علـى أصبعه، فقام.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس ، قال: نودي: يا ابن يعقوب لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه وبقـي لا ريش له فلـم يتعظ علـى النداء، ففزع.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن أبـي ملكية، قال: قال ابن عبـاس : نودي: يا ابن يعقوب لا تكوننّ كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه قال: أو قعد لا ريش له فلـم يتعظ علـى النداء شيئا، حتـى رأى برهان ربه، ففَرِق ففرّ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: قال ابن عبـاس : نودي: يا ابن يعقوب أتزنـي فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له؟

١٤٦٤٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي نافع بن يزيد، عن همام بن يحيى، عن قتادة قال: نودي يوسف فقـيـل: أنت مكتوب فـي الأنبـياء تعمل عمل السفهاء

١٤٦٤٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: يحيى بن يـمان. عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملكية، قال: نودي: يوسف بن يعقوب تزنـي، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟

وقال آخرون: البرهان الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الـخطيئة من أجله صورة يعقوب علـيهما السلام يتوعدّه. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٤٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العَنْقزيّ، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى صورة أو تـمثال وجه يعقوب عاضّا علـى أصبعه، فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن العَنْقزي، عن إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: مثل له يعقوب، فضرب فـي صدره، فخرجت شهوته من أنامله.

١٤٦٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، عن مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى تـمثال وجه أبـيه قائلاً بكفه، هكذا وبسط كفه، فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: مُثّل له يعقوب عاضّا علـى أصابعه، فضرب صدره، فخرجت شهوته من أنامله.

حدثنا يونس بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا عبد اللّه بن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى صورة يعقوب واضعا أنـملته علـى فـيه يتوعده، ففرّ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال سمعت عبد اللّه بن أبـي ملـيكة يحدّث، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بِها قال: حين رأى يعقوب فـي سقـف البـيت، قال: فنزعت شهوته التـي كان يجدها حتـى خرج يسعى إلـى بـاب البـيت، فتبعته الـمرأة.

١٤٦٤٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن قرة بن خالد السدوسي، عن الـحسن، قال: زعموا واللّه أعلـم أن سقـف البـيت انفرج، فرأى يعقوب عاضّا علـى أصابعه.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، عن الـحسن، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى تـمثال يعقوب عاضّا علـى أصبعه

يقول: يوسف، يوسف

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، عن الـحسن، نـحوه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو العنقزي، قال: أخبرنا سفـيان الثوري، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى تـمثال وجه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله.

١٤٦٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، عن سعيد بن جبـير، قال: رأى صورة فـيها وجه يعقوب عاضّا علـى أصابعه، فدفع فـي صدره، فخرجت شهوته من أنامله. فكلّ ولد يعقوب ولد له اثنا عشر رجلاً إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة ولـم يولد له غير أحد عشر.

١٤٦٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس بن زيد، عن ابن شهاب، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف يعقوب.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عيسى بن الـمنذر، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا يونس بن يزيد الإيـلـي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، مثله.

١٤٦٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: مثل له يعقوب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: يعقوب.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: مثل له يعقوب.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أنه قال: جلس منها مـجلس الرجل من امرأته حتـى رأى صورة يعقوب فـي الـجدار.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: مُثّل له يعقوب.

١٤٦٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن القاسم بن أبـي بزة، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكوننّ كالطير له ريش فإذا زنى قعد لـيس له ريش فلـم يعرض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجه يعقوب عاضّا علـى أصبعه، فقام مرعوبـا استـحياء من اللّه تعالـى ذكره. فذلك قول اللّه سبحانه وتعالـى: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه وجه يعقوب.

١٤٦٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة، قال: مثل له يعقوب عاضّا علـى أصابعه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نضر بن عربـيّ، عن عكرمة، مثله.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: مثل له يعقوب، فدفع فـي صدره، فخرجت شهوته من أنامله.

١٤٦٥٢ـ قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، قال: كان يولد لكلّ رجل منهم اثنا عشر ابنا إلا يوسف، ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته.

١٤٦٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا: ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت عبـيد اللّه بن أبـي جعفر

يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بنانه.

١٤٦٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يعلـي بن عبـيد، عن مـحمد الـخراسانـيّ، قال: سألت مـحمد بن سيرين، عن قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: مثل له يعقوب عاضّا علـى أصابعه

يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم خـلـيـل اللّه ، اسمك فـي الأنبـياء وتعمل عمل السفهاء؟

حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الـحسن، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى يعقوب عاضّا علـى أصبعه

يقول: يوسف

١٤٦٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: رأى صورة يعقوب، فقال: يا يوسف تعمل عمل الفجار، وأنت مكتوب فـي الأنبـياء؟ فـاستـحيا منه.

١٤٦٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه رأى آية من آيات ربه، حجزه اللّه بها عن معصيته ذُكر لنا أنه مُثّلَ له يعقوب حتـى كلـمه، فعصمه اللّه ونزع كلّ شهوة كانت فـي مفـاصله.

قال: حدثنا سعيد عن قتادة، عن الـحسن: أنه مثل له يعقوب وهو عاضّ علـى أصبع من أصابعه.

١٤٦٥٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي سالـم، عن أبـي صالـح، قال: رأى صورة يعقوب فـي سقـف البـيت عاضّا علـى إصبعه

يقول: يا يوسف يعني قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور ويونس عن الـحسن، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى صورة يعقوب فـي سقـف البـيت عاضّا علـى أصبعه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن إسماعيـل بن أبـي سالـم، عن أبـي صالـح مثله، وقال عاضّا علـى أصبعه

يقول: يوسف، يوسف

١٤٦٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمى، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: نظر يوسف إلـى صورة يعقوب عاضّا علـى أصبعه

يقول: يا يوسف فذاك حيث كفّ، وقام فـاندفع.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن سالـم وأبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى صورة فـيها وجه يعقوب عاضّا علـى أصابعه، فدفع فـي صدره فخرجت شهوته من بـين أنامله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: رأى تـمثال وجه أبـيه، فخرجت الشهوة من أنامله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: تـمثال صورة يعقوب فـي سقـف البـيت.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان، عن يونس بن عبـيد، عن الـحسن، قال: رأى يعقوب عاضّا علـى يده.

قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: يعقوب ضرب بـيده علـى صدره، فخرجت شهوته من أنامله.

١٤٦٥٩ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه آية من ربه يزعمون أنه مثل له يعقوب، فـاستـحيا.

وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف ما أوعد اللّه عزّ وجلّ علـى الزنا أهله.

ذكر من قال ذلك:

١٤٦٦٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبـي مودود، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي، قال: رفع يوسف رأسه إلـى سقـف البـيت، فإذا كتاب فـي حائط البـيت: لا تَقْرَبُوا الزّنا إنّهُ كانَ فـاحِشَةً وَساءَ سَبِـيلاً.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مودود، عن مـحمد بن كعب، قال: رفع يوسف رأسه إلـى سقـف البـيت حين همّ، فرأى كتابـا فـي حائط البـيت: لا تَقْرَبُوا الزّنا إنّهُ كانَ فَـاحِشَةً وَساءَ سَبِـيلاً.

١٤٦٦١ـ قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب: لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه قال: لولا ما رأى فـي القرآن من تعظيـم الزنا.

١٤٦٦٢ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي نافع بن يزيد، عن أبـي صخر، قال: سمعت القرظي يقول فـي البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب اللّه : إنّ عَلَـيْكُمْ لـحَافِظينَ... الآية،

وقوله: ومَا تَكُونُ فِـي شأنٍ... الآية،

وقوله: أفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ. قال نافع: سمعت أبـا هلال يقول مثل قول القُرَظيْ، وزاد آية رابعة: وَلا تَقْرَبُوا الزّنا.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: أخبرنا أبو معشر، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّه فقال: ما حرّم اللّه علـيه من الزنا.

وقال آخرون: بل رأى تـمثال الـملك. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَلَقَدْ هَمّتْ بِهِ وَهَمّ بها لَوْلا أنْ رأى بُرْهانَ رَبّهِ

يقول: آيات ربه أرى تـمثال الـملك.

١٤٦٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان بعض أهل العلـم فـيـما بلغنـي

يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوء والفحشاء: يعقوب عاضّا علـى أصبعه، فلـما رآه انكشف هاربـا. ويقول بعضهم: إنـما هو خيال إطفـير سيده حين دنا من البـاب، وذلك أنه لـما هرب منها واتبعه ألفـياه لدى البـاب.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أخبر عن همّ يوسف وامرأة العزيز كلّ واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من آيات اللّه ، زجرته عن ركوب ما همّ به يوسف من الفـاحشة. وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الـملك، وجائز أن يكون الوعيد فـي الاَيات التـي ذكرها اللّه فـي القرآن علـى الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأيّ ذلك من أيّ. والصواب أن يقال فـي ذلك ما قاله اللّه تبـارك وتعالـى، والإيـمان به، وترك ما عدا ذلك إلـى عالـمِه.

وقوله: كذلكَ لِنَصْرفَ عَنْهُ السّوءَ والفَحْشاءَ

يقول تعالـى ذكره: كما رأينا يوسف برهاننا علـى الزجر عما همّ به من الفـاحشة، كذلك نسبب له فـي كل ما عرض له من همّ يهمّ به فـيـما لا يرضاه ما يزجره ويدفعه عنه كي نصرف عنه ركوب ما حرّمنا علـيه وإتـيان الزنا، لنطهره من دنس ذلك.

وقوله: إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُخْـلَصِينَ اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والكوفة: إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُخْـلَصِينَ بفتـح اللام من (الـمخـلصين) ، بتأويـل: إن يوسف من عبـادنا الذين أخـلصناهم لأنفسنا واخترناهم لنبوّتنا ورسالتنا. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: (إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُخْـلَصِينَ) بكسر اللام، بـمعنى: أن يوسف من عبـادنا الذين أخـلصوا توحيدنا وعبـادتنا، فلـم يشركوا بنا شيئا، ولـم يعبدوا شيئا غيرنا.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثـيرة من من القرّاء، وهما متفقتا الـمعنى وذلك أن من أخـلصه اللّه لنفسه فـاختاره، فهو مخـلص لله التوحيد والعبـادة، ومن أخـلص توحيد اللّه وعبـادته فلـم يشرك بـاللّه شيئا، فهو مـمن أخـلصه اللّه ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو الصواب مصيب.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيّدَهَا لَدَى الْبَابِ ... }.

 

يقول جلّ ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بـاب البـيت. أما يوسف ففرارا من ركوب الفـاحشة لـما رأى برهان ربه فزجره عنها. وأما الـمرأة فطلبها يوسف لتقضي حاجتها منه التـي راودته علـيها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إلـيها مانعة له من الـخروج من البـاب، فقدّته من دبر، يعني : شقته من خـلف لا من قدّام، لأن يوسف كان هو الهارب وكانت هي الطالبة. كما:

١٤٦٦٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاسْتَبَقَا البـابَ قال: استبق هو والـمرأة البـاب، وَقَدّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرِ.

١٤٦٦٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما رأى برهان ربه، انكشف عنها هاربـا، واتبعته، فأخذت قميصه من دبر فشقّته علـيه.

وقوله: وألْفَـيا سَيّدَها لَدَى البـابِ

يقول جلّ ثناؤه: وصادفـا سيدها وهو زوج الـمرأة لدى البـاب، يعني : عند البـاب. كالذي:

١٤٦٦٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، عن رجل، عن مـجاهد: وألْفَـيا سَيّدَها قال: سيدها: زوجها، لَدَى البـابِ قال: عند البـاب.

١٤٦٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الـحسن، عن زيد بن ثابت، قال: السيد: الزوج.

١٤٦٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألْفَـيا سَيّدَها لَدَى البـابِ أي عند البـاب.

١٤٦٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وألْفَـيا سَيّدَها لَدَى البـابِ قال: جالسا عند البـاب وابن عمها معه. فلـما رأته قالَتْ ما جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بأهْلكَ سُوءا إنه راودنـي عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فشققت قميصه قال يوسف: بل هي راودتنـي عن نفسي، وفررت منها فأدركتنـي، فشقّ قميصي فقال ابن عمها: تبـيان هذا فـي القميص، فإن كان القميص قُدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبـين، وإن كان قميصه قُدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقـين. فأتـي بـالقميص، فوجده قدّ من دبر قالَ إنّهُ مِنْ كَيْدِكُنّ إنّ كَيْدَكُنّ عَظِيـمٌ يِوسِفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لذَنْبِك أنّكِ كُنْتِ مِنَ الـخاطِئِينَ.

١٤٦٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وألْفَـيا سَيّدَها لَدَى البـابِ إطفـير قائما علـى بـاب البـيت. فقالَتْ وهابته: ما جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بأهْلِكَ سُوءا إلاّ أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ ولطخته مكانها بـالسيئة فرقا ن أن يتهمها صاحبها علـى القبـيح. فقال هو، وصدقة الـحديث: هِيَ رَاودَتْنـي عَنْ نَفْسِي.

وقوله: قالَتْ ما جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بأهْلِكَ سُوءا

يقول تعالـى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لـما ألفـياه عند البـاب، فخافت أن يتهمها بـالفجور: ما ثواب رجل أراد بـامرأتك الزنا إلا أن يسجن فـي السجن أو إلا عذاب ألـيـم؟

يقول: موجع وإنـما قال: إلاّ أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذَابٌ ألـيـمٌ لأن قوله: إلاّ أنْ يُسْجَنَ بـمعنى إلا السجن، فعطف العذاب علـيه وذلك أنّ (أن) وما عملت فـيه بـمنزلة الاسم.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لـما قذفته امرأة العزيز بـما قذفته من إرداته الفـاحشة منها مكذّبـا لها فـيـما قذفته به ودفعا لـما نُسِب إلـيه: ما أنا راودتها عن نفسها، بل هي راودتنـي عن نفسي. وقد قـيـل: إن يوسف لـم يرد ذكر ذلك لو لـم تقذفه عند سيدها بـما قذفته به. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا شيبـان، عن أبـي إسحاق، عن نوف الشامي، قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره حتـى قالَتْ ما جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بأهْلِكَ سُوءا... الآية، قال: فغضب فقال: هي راودتنـي عن نفسي.

وأما قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها فإن أهل العلـم اختلفوا فـي صفة الشاهد،

فقال بعضهم: كان صبـيّا فـي الـمهد. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو العلاء بن عبد الـجبـار، عن حماد بن سلـمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: تكلـم أربعة فـي الـمهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جُريج، وعيسى ابن مريـم علـيه السلام.

١٤٦٧٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبـي بكر الهُذَلـيّ، عن شَهرْ بن حَوْشب، عن أبـي هريرة، قال: عيسى، وصاحب يوسف، وصاحب جُريج. يعني تكلـموا فـي الـمهد.

١٤٦٧٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: صبـيّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان فـي الـمهد صبـيّا.

حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـيّ، قال: حدثنا أيوب بن جابر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: صبـيّ.

حدثنـي يحيى بن طلـحة البربوعي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، بـمثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير، قال: كان صبـيّا فـي مهده.

١٤٦٧٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: صبـيّ فـي الـمهد.

١٤٦٧٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي مزوق، عن جويبر، عن الضحاك : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: صبـيّ أنطقه اللّه . ويقال: ذو رأي برأيه.

١٤٦٧٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: أخبرنا عفـان، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنـي عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (تَكَلّـمَ أرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ) فذكر فِـيهمْ شاهِدَ يُوسُفَ.

١٤٦٧٩ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج. قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها يزعمون أنه كان صبـيّا فـي الدار.

١٤٦٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا عمي. قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان صبـياّ فـي الـمهد.

وقال آخرون: كان رجلاً ذا لـحية. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٨١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان ذا لـحية.

١٤٦٨٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن جابر، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان من خاصة الـملك.

١٤٦٨٣ـ وبه قال: حدثنا أبـي، عن عمران بن حدير، سمع عكرمة

يقول: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: ما كان يصبـيّ، ولكن رجلاً حكيـما.

حدثنا سَوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، وذكره عنده: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها فقالوا: كان صبـيّا، فقال: إنه لـيس بصبـيّ ولكنه رجل حكيـم.

١٤٦٨٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان رجلاً.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: رجل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: رجل.

١٤٦٨٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: رجل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عبـاس : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: ذو لـحية.

١٤٦٨٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ابن عمها كان الشاهد من أهلها.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عبـاس : وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: ذو لـحية.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان ذا لـحية.

١٤٦٨٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن جابر، عن ابن أبـي ملـيكة: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان من خاصة الـملك.

١٤٦٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: رجل حكيـم كان من أهلها.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: رجل حكيـم من أهلها.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان رجلاً.

١٤٦٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن بعض أصحابه، عن الـحسن، فـي قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال رجل له رأي أشار برأيه.

١٤٦٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: يقال: إنـما كان الشاهد مشيرا رجلاً من أهل إطفـير، وكان يستعين برأيه. إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبـين.

وقـيـل: معنى قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ: حكم حاكم.

١٤٦٩١ـ حدثت بذلك عن الفراء، عن معلـي بن هلال، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد.

وقال آخرون: إنـما عنـي بـالشاهد القميص الـمقدود. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: قميصه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قميصه مشقوق من دُبُر، فتلك الشهادة.

١٤٦٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن لـيث، عن مـجاهد: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها لـم يكن من الإنس.

قال: حدثنا حفص، عن لـيث، عن مـجاهد: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها قال: كان من أمر اللّه ، ولـم يكن إنسيا.

والصواب من القول فـي ذلك، قول من قال: كان صبـيّا فـي الـمهد للـخبر الذي ذكرناه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر من تكلـم فـي الـمهد، فذكر أن أحدهم صاحب يوسف. فأما ما قاله مـجاهد من أنه القميص الـمقدود فما لا معنى له لأن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل الـمرأة فقال: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أهْلها ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا الـمرأة.

وقوله: إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلً فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذِبِـينَ لأن الـمطلوب إذا كان هاربـا فإنـما يؤتـى من قبل دبره، فكان معلوما أن الشقّ لو كان من قُبُل لـم يكن هاربـا مطلوبـا، ولكن كان يكون طالبـا مدفوعا، وكان ذلك شهادة علـى كذبه.

١٤٦٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال: أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبل لقد صدقت وهو من الكاذبـين، وذلك أن الرجل إنـما يريد الـمرأة مقبلاً.

٢٧

وإنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ وَهُوَ مِنَ الصّادِقِـينَ وذلك أن الرجل لا يأتـي الـمرأة من دبر. وقال: إنه لا ينبغي أن يكون فـي الـحقّ إلا ذاك. فلـما رأى إطفـير قميصه قُدّ من دبر عرف أنه من كيدها، فقال: إنّهُ مِنْ كَيْدِكُنّ إنّ كَيْدَكُنّ عَظِيـمٌ.

١٤٦٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال: يعني الشاهد من أهلها: القميص يقضي بـينهما إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلً فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذِبِـينَ * وإنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصّادِقِـينَ *  فَلَـمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إنّهُ مِنْ كَيْدَكُنّ إنّ كَيْدَكُنّ عَظِيـمٌ.

وإنـما حذفت (أن) التـي تتلقـى بها الشهادة، لأنه ذهب بـالشهادة إلـى معنى القول، كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه، كما قـيـل: يُوصِيكُمُ اللّه فِـي أوْلادِكُمْ للذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنْثَـيَـيْنِ لأنه ذهب بـالوصية إلـى القول.

٢٨

وقوله: فَلَـمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ خبر عن زوج الـمرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكنّ: أي صنـيعكنّ، يعني من صنـيع النساء، إن كيدكنّ عظيـم. وقـيـل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائل ذلك.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }.

وهذا فـيـما ذكر ابن عبـاس ، خبر من اللّه تعالـى ذكره عن قـيـل الشاهد أنه قال للـمرأة ولـيوسف، يعني ب قوله: يُوسُفُ يا يوسف أعْرِضْ عَنْ هَذَا

يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إلـيك فـيـما راودتك علـيه فلا تذكره لأحد. كما:

١٤٦٩٦ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا قال: لا تذكره، واسْتَغْفِري أنت زوجك،

يقول: سلـيه أن لا يعاقبك علـى ذنبك الذي أذنبت، وأن يصفح عنه فـيستره علـيك.

إنّكِ كُنْتِ مِنَ الـخَاطِئينَ،

يقول: إنك كنت من الـمذنبـين فـي مراودة يوسف عن نفسه، يقال منه: خطىء فـي الـخطيئة يخْطَأُ خَطَأً وَخِطْأً، كما قال جلّ ثناؤه: (إنّهُ كانَ خِطْأً كَبـيرا) والـخطأ فـي الأمر، وحكى فـي الصواب أيضا الصّوْب، والصوب كما قال: الشاعر:

لَعَمْرُكِ إنّـمَا خَطَئِي وَصَوْبِـيعلـيّ وإِنّ ما أهْلَكْتُ مالُ

وينشد بـيت أمية:

عبـادُكَ يُخْطِئُونَ وأنْتَ رَبٌبكَفّـيْكَ الـمَنايا والـحُتُومُ

من خَطِىء الرجل. وقـيـل: إنّكِ كُنْتِ مِنَ الـخَاطِئينَ لـم يقل: من الـخاطئات، لأنه لـم يقصد بذلك قصد الـخبر عن النساء، وإنـما قصد به الـخبر عمن يفعل ذلك فـيخطىء.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وتـحدّث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز فـي مدينة مصر، وشاع من أمرهما فـيها ما كان، فلـم ينكتـم، وقلن: امرأة العزيز تراود فتاها، عبدها، عن نفسه: كما:

١٤٦٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وشاع الـحديث فـي القرية، . وتـحدّث النساء بأمره وأمرها، وقلن: امْرأةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ أي عبدها.

وأما العزيز فإنه الـملك فـي كلام العرب ومنه قول أبـي دؤاد:

دُرّةٌ غاصَ عَلَـيْها تاجِرٌجُلِـيَتْ عنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلّ

 يعني بـالعزيز: الـملك، وهو من العزّة.

وقوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا يقول قد وصل حثّ يوسف إلـى شغاف قلبها، فدخـل تـحته حتـى غلب علـى قلبها. وشغاف القلب: حجابه وغلافه الذي هو فـيه، وإياه عَنى النابغة الذبـيانـي ب قوله:

وَقَدْ حالَ هَمّ دُونَ ذلكَ داخِـلٌدُخُولَ شُغافٍ تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٦٩٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول فـي قوله: شَغَفَها حُبّـا قال: دخـل حبه تـحت الشغاف.

١٤٦٩٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: دخـل حبه فـي شغافها،

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: دخـل حبه فـي شغافها.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: كان حبه فـي شغافها.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثل حديث الـحسن بن مـحمد، عن شبـابة.

١٤٧٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا

يقول: علقها حبّـا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: غلبها.

١٤٧٠١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبـي: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: الـمشغوف: الـمـحبّ، والـمشعوف: الـمـجنون.

١٤٧٠٢ـ وبه قال: حدثنا أبـي، عن أبـي الأشهب، عن أبـي رجاء والـحسن: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: أحدهما: قد بطنها حبـا، وقال الاَخر: قد صدقها حبـا.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: قد بطنها حبّـا. قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل الـمدينة يقولون: قد بطنها حبّـا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، قال: سمعته يقول فـي قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: بطنها حبّـا. وأهل الـمدينة يقولون ذلك.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن قرة، عن الـحسن: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: قد بطن بها حبّـا.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الـحسن: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: بطنها حبه.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. عن الـحسن: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: بطن بها.

١٤٧٠٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: استبطنا حبها إياه.

١٤٧٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا أي قد علقها.

١٤٧٠٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: قد علقها حبّـا.

١٤٧٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هو الـحبّ اللازق بـالقلب.

١٤٧٠٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ، فـي قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا

يقول: هلكت علـيه حبّـا، والشّغَاف: شَغاف القلب.

١٤٧٠٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: والشغاف: جلدة من علـى القلب يقال لها: لسان القلب،

يقول: دخـل الـحبّ الـجلد حتـى أصاب القلب.

وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار بـالغين: قَدْ شَغَفَها علـى معنى ما وصفت من التأويـل. وقرأ ذلك أبو رجاء: (قَدْ شَعَفَها) بـالعين.

١٤٧٠٩ـ حدثنا الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن أبـي رجاء: (قَدْ شَعَفَها) .

قال: حدثنا خـلف، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي الأشهب، أو عوف عن أبـي رجاء: (قَدْ شَعَفَها حُبّـا) بـالعين.

١٤٧١٠ـ قال: حدثنا خـلف، قال: حدثنا مـحبوب، قال: قرأه عوف: (قَدْ شَعَفَها) .

١٤٧١١ـ قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: (قَدْ شَعَفَها حُبّـا) وقال: شعفها إذا كان هو يحبها.

ووجّه هؤلاء معنى الكلام إلـى أن الـحبّ قد عمها.

وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من الكوفـيـين

يقول: هو من قول القائل: قد شُعِفَ بها، كأنه ذهب بها كلّ مذهب من شغف الـجبـال، وهي رؤوسها.

ورُوي عن إبراهيـم النـخعي أنه قال: الشغف: شغف الـحبّ. والشّعفَ: شَعَف الدابة حين تذعر.

١٤٧١٢ـ حدثنـي بذلك الـحارث، عن القاسم، أنه قال: يُروى ذلك عن أبـي عوانة، عن مغيرة عنه.

قال الـحارث: قال القاسم، يذهب إبراهيـم إلـى أنّ أصل الشغف: هو الذعر. قال: وكذلك هو كما قال إبراهيـم فـي الأصل، إلا أن العرب ربـما استعارت الكلـمة فوضعتها فـي غير موضعها قال امرؤ القـيس:

أتَقْتُلِنـي وَقَدْ شَعَفْتُ فُؤَادَهاكمَا شَعَفَ الـمَهْنُوءَةَ الرّجلُ الطّالـي

قال: وشعف الـمرأة. من الـحبّ، وشعف الـمهنوءة من الذّعر، فشبه لوعة الـحبّ وجواه بذلك.

وقال ابن زيد فـي ذلك ما:

١٤٧١٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: ابن زيد، فـي قوله: قَدْ شَغَفَها حُبّـا قال: أن الشّغْف والشّعَف مختلفـان، والشعْف فـي البغض، والشغْف فـي الـحبّ. وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له، لأن الشعْف فـي كلام العرب بـمعنى عموم الـحبّ أشهر من أن يجهله ذو علـم بكلامهم.

والصواب فـي ذلك عندنا من القراءة: قَدْ شَغَفَها بـالغين لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.

وقوله: إنّا لَنَراها فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ قلن: إنا لنرى امرأة العزيز فـي مراودتها فتاها عن نفسه وغلبة حبه علـيها لفـي خطأ من الفعل وجور عن قصد السبـيـل مبـين لـمن تأمله وعلـمه أنه ضلال وخطأ غير صواب ولا سداد. وإنـما كان قـيـلهنّ ما قلن من ذلك وتـحدّثهنّ بـما تـحدّثن به من شأنها وشأن يوسف مكرا منهنّ فـيـما ذكر لتريهنّ يوسف.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئاً ...}.

يقول تعالـى ذكره: فلـما سمعت امرأة العزيز بـمكر النسوة اللاتـي قلن فـي الـمدينة ما ذكره اللّه عزّ وجلّ عنهنّ. وكان مكرهنّ ما:

١٤٧١٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا سَمِعَتْ بِـمَكْرِهِنّ

يقول: بقوله نّ.

١٤٧١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما أظهر النساء ذلك من قولهنّ: تراود عبدها مكرا بها لتريهنّ يوسف، وكان يوصف لهنّ بحسنه وجماله فَلَـمّا سَمِعَتْ بِـمَكْرِهِنّ أرْسَلَتْ إلَـيْهِنّ وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا.

١٤٧١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَلَـمّا سَمِعَتْ بِـمَكْرِهِنّ: أي بحديثهنّ، أرْسَلَتْ إلَـيْهِنّ

يقول: أرسلت إلـى النسوة اللاتـي تـحدّثن بشأنها وشأن يوسف.

وأعْتَدَتْ أفعلت من العتاد، وهو العدّة، ومعناه: أعدّت لهنّ متكئا يعني مـجلسا للطعام، وما يتكئن علـيه من النـمارق والوسائد، وهو مفتعل من قول القائل: اتكأت، يقال: ألقِ له مُتّكَئا، يعني : ما يتكىء علـيه.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٧١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سيعد: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا قال: طعاما وشرابـا ومتكئا.

١٤٧١٨ـ قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً قال: يتكئن علـيه.

١٤٧١٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية. عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكأً قال: مـجلسا.

١٤٧٢٠ـ قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي الأشهب، عن الـحسن أنه كان يقرأ: مُتّكَأً و

يقول: هو الـمـجلس والطعام.

١٤٧٢١ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن يزيد: من قرأ: (مُتّكَأً) خفـيفة، يعني طعاما، ومن قرأ مُتّكَأً يعني الـمتكأ.

فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه من تأويـل هذه الكلـمة، هو معنى الكلـمة وتأويـل الـمتكأ، وأنها أعدّت للنسوة مـجلسا فـيه متكأً وطعام وشراب وأترجّ. ثم فسّر بعضهم الـمتكأ بأنه الطعام علـى وجه الـخبر عن الذين أعدّ من أجله الـمتكأ، وبعضهم عن الـخبر عن الأترجّ، إذ كان فـي الكلام: وآتت كلّ واحدة منهن سكينا، لأن السكين إنـما تعدّ للأترجّ وما أشبهه مـما يقطع به. وبعضهم علـى البزماورد:

حدثنـي هارون بن حاتـم الـمقرىء، قال: حدثنا هشيـم بن الزبرقان، عن أبـي روق عن الضحاك ، فـي قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا قال: البزماورد.

وقال أبو عبـيدة معمر بن الـمثنى: الـمتكأ: هو النّـمرق يتكأ علـيه. وقال: زعم قوم أنه الأترجّ، قال: وهذا أبطل بـاطل فـي الأرض، لكن عسى أن يكون مع الـمتكإ أترجّ يأكلونه. وحكى أبو عبـيد القاسم بن سلام قول أبـي عبـيدة، ثم قال: والفقهاء أعلـم بـالتأويـل منه. ثم قال: ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب، فإن الكسائي كان

يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثـير انقرض أهله. والقول فـي أن الفقهاء أعلـم بـالتأويـل من أبـي عبـيدة كما قال أبو عبـيدة لا شكّ فـيه، غير أن أبـا عبـيدة لـم يبعد من الصواب فـي هذا القول، بل القول كما قال من أن من قال للـمتكإ هو الأترجّ إنـما بـين الـمعدّ فـي الـمـجلس الذي فـيه الـمتكأ والذي من أجله أعطين السكاكين، لأن السكاكين معلوم أنها لا تعدّ للـمتكإ إلا لتـخريقه، ولـم يُعْطَين السكاكين لذلك. ومـما يبـين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عبـاس ، من أن الـمتكإ هو الـمـجلس.

ثم رُوى عن مـجاهد عنه، ما:

١٤٧٢٢ـ حدثنـي به سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا قال: أعطتهنّ أترجّا، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا.

فبـين ابن عبـاس فـي رواية مـجاهد هذه ما أعطت النسوة، وأعرض عن ذكر بـيان معنى الـمتكإ، إذا كان معلوما معناه. ذكر من قال فـي تأويـل الـمتكإ ما ذكرنا:

١٤٧٢٣ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن حصين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا قال: الترنـج.

١٤٧٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، قال: حُدثت عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها: (مُتْكا) مخففة، و

يقول: هو الأترجّ.

١٤٧٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية: (وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً) قال الطعام.

١٤٧٢٦ـ حدثنـي يعقوب والـحسن بن مـحمد، قالا: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً قال: طعاما.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، مثله.

١٤٧٢٧ـ حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً قال: طعاما.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـيرة نـحوه.

١٤٧٢٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: من قرأ مُتّكَأً فهو الطعام، ومن قرأها (مُتّكا) فخففها، فهو الأترجّ.

١٤٧٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: مُتّكَأً قال: طعاما.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٧٣٠ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: من قرأ: (مُتْكأً) خفـيفة، فهو الأترجّ.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، بنـحوه.

١٤٧٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، قال سمعت بعضهم

يقول: الأترجّ.

١٤٧٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً: أي طعاما.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

١٤٧٣٣ـ قال: حدثنا يزيد، عن أبـي رجاء، عن عكرمة، فـي قوله: مُتّكَأً قال: طعاما.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً يعني الأترجّ.

١٤٧٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً والـمتكأ: الطعام.

قال: حدثنا جرير عن لـيث، عن مـجاهد: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً قال: الطعام.

١٤٧٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً قال: طعاما.

١٤٧٣٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مُتّكَأً فهو كلّ شيء يجزّ بـالسكين.

قال اللّه تعالـى ذكره مخبرا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتـي تـحدّثن بشأنها فـي الـمدينة: وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتـي حضرنها سكينا لتقطع به من الطعام ما تقطع به، وذلك ما ذكرت أنها آتتهنّ إما من الأترجّ، وإما من البزماورد، أو غير ذلك مـما يقطع بـالسكين. كما:

١٤٧٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا وأترجّا يأكلنه.

١٤٧٣٨ـ حدثنا سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكينا قال: أعطتهن أترجّا، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا.

١٤٧٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنُهْنّ سِكّينا لـيحتززن به من طعامهنّ.

١٤٧٤٠ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا وأعطتهنّ ترنـجا وعسلاً، فكنّ يحززن الترنـج بـالسكين، ويأكلن بـالعسل.

وفـي هذه الكلـمة بـيان صحة ما قلنا واخترنا فـي قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً وذلك أن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوة السكاكين، وترك ماله آتتهنّ السكاكين، إذا كان معلوما أن السكاكين لاتدفع إلـى من دعى إلـى مـجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها، فـاستغنـي بفهم السامع بذكر إيتائها صواحبـاتها السكاكين عن ذكر ماله آتتهنّ ذلك، فكذلك استغنـي بذكر اعتدادها لهنّ الـمتكأ عن ذكر ما يعتدّ له الـمتكأ مـما يحضر الـمـجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء لفهم السامعين بـالـمراد من ذلك، ودلالة قوله: وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً علـيه. فأما نفس الـمتكأ فهو ما وصفنا خاصة دون غيره.

وقوله: وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَـيْهِنّ فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ

يقول تعالـى ذكره: وقالت امرأة العزيز لـيوسف: اخْرُجْ عَلَـيْهِنّ فخرج علـيهنّ يوسف، فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ

يقول جلّ ثناؤه: فلـما رأين يوسف أعظمنه وأجللنه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٤١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: أكْبَرْنَهُ أعظمنه.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٧٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ: أي أعظمنه.

١٤٧٤٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَـيْهِنّ لـيوسف، فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ: عظمنه.

حدثنا إسماعيـل بن سيف العجلـي، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، قال: سمعت السديّ يقول فـي قوله: فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ قال: أعظمنه.

١٤٧٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: اخْرُجْ عَلَـيْهِنّ فخرج فَلَـمّا رأيْنَهُ أعظمنه وبهتن.

١٤٧٤٥ـ حدثنا إسماعيـل بن سيف، قال: حدثنا عبد الصمد بن علـيّ الهاشميّ، عن أبـيه، عن جدّه، فـي قوله: فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ قال: حضن.

١٤٧٤٦ـ حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: فَلَـمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ

يقول: أعظمنه.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله.

وهذا القول، أعنـي القول الذي رُوي عن عبد الصمد، عن أبـيه، عن جده، فـي معنى أكْبَرْنَهُ أنه حِضْنَ، إن لـم يكن عنى به أنهنّ حضن من إجلالهنّ يوسف وإعظامهنّ لـما كان اللّه قسم له من البهاء والـجمال، ولـما يجد من مثل ذلك النساء عند معايَنتهنّ إياه، فقول لا معنى له لأن تأويـل ذلك: فلـما رأين يوسف أكبرنه، فـالهاء التـي فـي أكبرنه من ذكر يوسف، ولا شكّ أن من الـمـحال أن يَحِضْن يوسف، ولكن الـخبر إن كان صحيحا عن ابن عبـاس علـى ما رُوي، فخـلـيق أن يكون كان معناه فـي ذلك أنهن حضن لـما أكبرن من حُسن يوسف وجماله فـي أنفسهن ووجدن ما يجدد النساء من مثل ذلك. وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده فـي أكبرن بـمعنى حضن، بـيتا لا أحسب أن له أصلاً، لأنه لـيس بـالـمعروف عند الرواة، وذلك:

نَأْتِـي النّسَاءَ علـى أطْهارِهِنّ وَلانَأْتِـي النّساءَ إذَا أكْبَرْنَ إكْبـارا

وزعم أن معناه: إذا حضن.

وقوله: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: معناه: أنهن حززن بـالسكين فـي أيديهن وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترجّ. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٤٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ حزّا حزّا بـالسكين.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: حزّا حزّا بـالسكاكين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: حزّا حزّا بـالسكين.

١٤٧٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: جعل النسوة يحززن أيديهنّ، يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ.

١٤٧٤٩ـ حدثنا إسماعيـل بن سيف، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، قال: سمعت السديّ

يقول: كانت فـي أيديهن سكاكين مع الأترجّ، فقطعن أيديهن، وسالت الدماء، فقلن: نـحن نلومك علـى حبّ هذا الرجل، ونـحن قد قطّعنا أيدينا وسالت الدماء

١٤٧٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: جعلن يَحِززن أيديهن بـالسكين، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنـج، قد ذهبت عقولهنّ مـما رأين.

١٤٧٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ وحززن أيديهن.

١٤٧٥٢ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا ابن كدينة، عن حصين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ.

١٤٧٥٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: جعلن يحززن أيديهن، ولا يشعرن بذلك.

١٤٧٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت لـيوسف: اخرج علـيهنّ فخرج علـيهن، فلـما رأينه أكبرنه، وغلبت عقولهن عجبـا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بـالسكاكين التـي معهن ما يعقلن شيئا مـما يصنعن، وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا.

 

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتـى أبنّها وهن لا يشعرن. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قطّعن أيديهن حتـى ألقـينها.

١٤٧٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: قطعن أيديهن حتـى ألقـينها.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك كان قطعا بإبـانة، وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش، ولا قول فـي ذلك أصوب من التسلـيـم لظاهر التنزيـل.

١٤٧٥٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الـحسن.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص عن عبد اللّه ، مثله.

وبه عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: قسم لـيوسف وأمه ثلثُ الـحسن.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: أعطي يوسف وأمه ثلثَ حسن الـخـلق.

١٤٧٥٨ـ حدثنـي أحمد بن ثابت، وعبد اللّه بن الرازيان، قالا: حدثنا عفـان، قال: أخبرنا حماد بن سلـمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ شَطْرَ الـحُسْنِ) .

١٤٧٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبـي معاذ، عن يونس، عن الـحسن، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أهْلِ الدّنْـيا، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَـيْنِ) أو قال: (أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ الثّلُثَـيْنِ، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَ) .

١٤٧٦٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ربـيعة الـجرشي، قال: قسم الـحسن نصفـين، فأعطي يوسف وأمه سارّة نصف الـحسن، والنصف الاَخر بـين سائر الـخـلق.

١٤٧٦١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ربـيعة الـجرشي، قال: قسم الـحسن نصفـين: فقسم لـيوسف وأمه النصف، والنصف لسائر الناس.

حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، عن ربـيعة الـجرشي، قال: قسم الـحسن نصفـين، فجعل لـيوسف وسارّة النصف، وجعل لسائر الـخـلق نصف.

١٤٧٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الـحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنـيا، وأعطي الناس الثلثـين.

وقوله: وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفـيـين: حاشَ لِلّهِ بفتـح الشين وحذف الـياء. وقرأه بعض البصريـين بإثبـات الـياء (حاشى لله) . وفـيه لغات لـم يقرأ بها: (حاشَى اللّه ) كما قال الشاعر:

حاشَى أبـي ثَوْبـانَ إنّ بهِضَنّا عَنِ الـمَلْـحاةِ والشّتْـمِ

وذُكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة: (حاشْ اللّه ) بتسكين السين والألف يجمع بـين الساكنـين. وأما القراءة فإنـما هي بإحدى اللغتـين الأولـيـين، فمن قرأ: حاشَ لِلّهِ بفتـح الشين وإسقاط الـياء فإنه أراد لغة من قال: (حاشى لله) ، بإثبـات الـياء، ولكنه حذف الـياء لكثرتها علـى ألسن العرب، كما حذفت العرب الألف من قولهم: لا أب لغيرك، ولا أب لشانـيك، وهم يعنون: لا أبـا لغيرك، ولا أبـا لشانـيك.

وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يزعم أن لقولهم: (حاشى لله) ، موضعين فـي الكلام: أحدهما: التنزيه، والاَخر: الاستثناء، وهو فـي هذا الـموضع عندنا بـمعنى التنزيه لله، كأنه قـيـل: معاذ اللّه .

وأما القول فـي قراءة ذلك، فإنه يقال للقارىء، فـي قراءته بأيّ القراءتـين شاء، إن شاء بقراءة الكوفـيـين وإن شاء بقراءة البصريـين، وهو: حاشَ لِلّهِ و(حاشَى لِلّهِ) لأنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بـمعنى واحد، وما عدا ذلك فلغات لا تـجوز القراءة بها، لأنا لا نعلـم قارئا قرأ بها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ قال: معاذ اللّه .

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: حاشَ لِلّهِ: معاذ اللّه .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ: معاذ اللّه .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: حاشَ لِلّهِ: معاذ اللّه .

١٤٧٦٤ـ قال: حدثنا عبد الوهاب، عن عمرو، عن الـحسن: حَاشَ لِلّهِ: معاذ اللّه .

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقوله: ما هَذَا بَشَرا

يقول: قلن ما هذا بشرا، لأنهنّ لـم يرين فـي حسن صورته من البشر أحدا، فقلن: لو كان من البشر لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر، ولكنه من الـملائكة لا من البشر. كما:

١٤٧٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا: ما هكذا تكون البشر.

وبهذه القراءة قرأ عامة قرّاء الأمصار. وقد:

١٤٧٦٦ـ حُدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: ثنـي دعامة بن رجاء التـيـمي، وكان غرّا، عن أبـي الـحويرث الـحنفـي أنه قرأ: (ما هَذَا بِشِرًى) : أي ما هذا بـمشترًى، يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثله مستعبدا يشتري ويبـاع. وهذه القراءة لا أستـجيز القراءة بها لإجماع قرّاء الأمصار علـى خلافها. وقد بـيّنا أن ما أجمعت علـيه فغير جائز خلافها فـيه. وأما نصب البشر، فمن لغة أهل الـحجاز إذا أسقطوا البـاء من الـخبر نصبوه، فقالوا: ما عمرو قائما. وأما أهل نـجد، فإن من لغتهم رفعه، يقولون: ما عمرو قائم ومنه قول بعضهم حيث

يقول:

لَشَتّانَ ما أنْوِي وَينْوِي بنُو أبـيجميعا، فما هَذَانِ مُسْتَوِيانِ

تَـمّنْوا لِـيَ الـمْوتَ الذي يَشْعَبُ الفَتـىوكُلّ فَتـى والـمَوْتُ يَـلْتَقِـيانِ

وأما القرآن، فجاء بـالنصب فـي كل ذلك، لأنه نزل بلغة أهل الـحجاز.

وقوله: إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيـمٌ

يقول: قلن ما هذا إلا ملَك من الـملائكة. كما:

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيـمٌ قال: قلن: ملَك من الـملائكة.

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ فَذَلِكُنّ الّذِي لُمْتُنّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتّهُ عَن نّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنّ وَلَيَكُوناً مّن الصّاغِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتـي قطعن أيديهن، فهذا الذي أصابكن فـي رؤيتكن إياه وفـي نظرة منكن نظرتن إلـيه ما أصابكن من ذهاب العقل وغروب الفهم ولها إلـيه حتـى قطعتنّ أيديكنّ، هو الذي لـمتننـي فـي حبـي إياه وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حبّـا إنا لنراها فـي ضلال مبـين. ثم أقرّت لهنّ بأنها قد راودته عن نفسه، وأن الذي تـحدثن به عنها فـي أمره حقّ، فقالت: وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فـاسْتَعْصَمَ مـما راودته علـيه من ذلك. كما:

١٤٧٦٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قالت: فَذَلِكُنّ الّذِي لُـمْتُنّنِـي فِـيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فـاسْتَعْصَمَ: تقول: بعد ما حلّ السراويـل استعصى، لا أدري ما بدا له.

١٤٧٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـاسْتَعْصَمَ: أي فـاستعصى.

١٤٧٦٩ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فـاسْتَعْصَمَ

يقول: فـامتنع.

وقوله: لَئِنْ لَـمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَـيُسْجَننّ وَلَـيَكُونا مِنَ الصّاغِرِينَ تقول: ولئن لـم يطاوعنـي علـى ما أدعوه إلـيه من حاجتـي إلـيه لـيسجننّ، تقول: لـيحبسنّ فـي السجن، ولـيكونا من أهل الصغار والذلة بـالـحبس والسجن، ولأهيننه. والوقـف علـى قوله: (لـيسجننّ) بـالنون لأنها مشددة، كما قـيـل: لَـيُبَطّئَنّ.

وأما قوله: وَلَـيَكُونا فإن الوقـف علـيه بـالألف لأنها النون الـخفـيفة، وهي شبـيهة نون الإعراب فـي الأسماء فـي قول القائل: رأيت رجلاً عندك، فإذا وقـف علـى الرجل قـيـل: رأيت رجلاً، فصارت النون ألفـا، فكذلك ذلك فـي: ولـيكونا، ومثله قوله: لَنَسْفَعا بـالنّاصِيَةِ ناصِيَةٍ الوقـف علـيه بـالألف لـما ذكرت ومنه قول الأعشى:

وَصَلّ علـى حِينِ العَشِيّاتِ وَالضّحَىوَلا تعْبُدِ الشّيْطانَ وَاللّه فـاعْبُدَا

وإنـما هو: (فـاعبدن) ، ولكن إذا وقـف علـيه كان الوقـف بـالألف.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ السّجْنُ أَحَبّ إِلَيّ مِمّا يَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ وَأَكُن مّنَ الْجَاهِلِينَ }.

وهذا الـخبر من اللّه يدلّ علـى أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف فـي الـمراودة عن نفسه، وتوعدته بـالسجن والـحبس إن لـم يفعل ما دعته إلـيه، فـاختار السجن علـى ما دعته إلـيه من ذلك لأنها لو لـم تكن عاودته وتوعدته بذلك، كان مـحالاً أن

يقول: رَبّ السّجْنُ أحَبّ إلـيّ مِـمّا يَدْعُونَنِـي إلَـيْهِ وهو لا يدعى إلـى شيء ولا يخوّف بحبس. والسجن هو الـحبس نفسه، وهو بـيت الـحبس. وبكسر السين قرأه قرّاء الأمصار كلها، والعرب تضع الأماكن الـمشتقة من الأفعال مواضع الأفعال فتقول: طلعت الشمس مَطْلِعا، وغربت مَغْرِبـا، فـيجعلونها وهي أسماء خـلَفـا من الـمصادر، فكذلك السجن، فإذا فتـحت السين من السجن كان مصدرا صحيحا. وقد ذُكر عن بعض الـمتقدمين أنه يقرؤه: (السّجْنُ أحَبّ إلـيّ) بفتـح السين. ولا أستـجيز القراءة بذلك لإجماع الـحجة من القرّاء علـى خلافها. وتأويـل الكلام: قال يوسف: يا ربّ الـحبس فـي السجن أحبّ إلـيّ مـما يدعوننـي إلـيه من معصيتك ويراودننـي علـيه من الفـاحشة. كما:

١٤٧٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَ رَبّ السّجْنُ أحَبّ إلـيّ مِـمّا يَدْعُونَنِـي إلَـيْهِ: من الزنا.

١٤٧٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف، وأضاف إلـى ربه واستعانه علـى ما نزل به: رَبّ السّجْنُ أحَبّ إلـيّ مِـمّا يَدْعُونَنِـي إلَـيْهِ: أي السجن أحبّ إلـيّ من أن آتـيَ ما تكره.

وقوله: وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّـي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَـيْهِنّ

يقول: وإن لـم تدفع عنـي يا ربّ فعلهنّ الذي يفعلن بـي فـي مراودتهنّ إياي علـى أنفسهن أَصْبُ إلـيهنّ،

يقول: أميـل إلـيهنّ، وأتابعهنّ علـى ما يردن منـي، ويهوَين من قول القائل: صبـا فلان إلـى كذا، ومنه قول الشاعر:

إلـى هِنْدٍ صَبـا قَلْبِـيوهِنْدٌ مثْلُها يُصْبِـي

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أصْبُ إلَـيْهِنّ

يقول: أتابعهنّ.

١٤٧٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَإلاّ تَصْرِفْ عَنِـي كَيْدَهُنّ: أي ما أتـخوّف منهنّ أصْبُ إلَـيْهِنّ.

١٤٧٧٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّـي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَـيْهِنّ وأكُنْ مِنَ الـجاهِلِـينَ قال: إلا يكن منك أنت العون والـمنعة، لا يكن منـي ولا عندي.

وقوله: وأكُنْ مِنَ الـجاهِلِـينَ

يقول: وأكن بصبوتـي إلـيهنّ من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك. كما:

١٤٧٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وأكُنْ مِنَ الـجاهِلِـينَ: أي جاهلاً إذا ركبت معصيتك.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

إن قال قائل: وما وجه قوله: فـاسْتَـجابَ لَه رَبّهُ ولا مسألة تقدمت من يوسف لربه، ولا دعا بصرف كيدهنّ عنه، وإنـما أخبر ربه أن السجن أحبّ إلـيه من معصيته؟ قـيـل: إن فـي إخبـاره بذلك شكاية منه إلـى ربه مـما لقـي منهنّ، وفـي قوله: وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّـي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَـيْهِنّ معنى دعاء ومسألة منه ربه صرف كيدهنّ، ولذلك قال اللّه تعالـى ذكره: فـاسْتَـجابَ لَهُ رَبّهُ وذلك كقول القائل لاَخر: إن لا تزرنـي أُهِنْكَ، فـيجيبه الاَخر: إذن أزورَك، لأن فـي قوله: إن لا تزرنـي أهنك، معنـي الأمر بـالزيارة. وتأويـل الكلام: فـاستـجاب اللّه لـيوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحبـاتها من معصية اللّه . كما:

١٤٧٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فـاسْتَـجابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِـيـمُ: أي نـجاه من أن يركب الـمعصية فـيهنّ، وقد نزل به بعض ما حَذِر منهنّ.

وقوله: إنّهُ هُوَ السّمِيعُ دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه ودعاء كل داع من خـلقه. العَلِـيـمُ بـمطلبه وحاجته، وما يصلـحه، وبحاجة جميع خـلقه وما يصلـحهم.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الاَيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّىَ حِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ثم بدا للعزيز زوج الـمرأة التـي راودت يوسف عن نفسه. وقـيـل: (بدا لهم) ، وهو واحد، لأنه لـم يذكر بـاسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فـاخْشَوْهُمْ وقـيـل: إنّ قائل ذلك كان واحدا. وقـيـل: معنى قوله: ثُمّ بَدَا لَهُمْ فـي الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا، ورأوا أن يسجُنوه مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ ببراءته مـما قدفته به امرأة العزيز. وتلك الاَيات كانت: قَدّ القميص من دُبر، وخمشا فـي الوجه، وقطع أيديهن، كما:

١٤٧٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نصر بن عوف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ قال: كان من الاَيات قدّ فـي القميص وخمش فـي الوجه.

١٤٧٧٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وابن نـمير، عن نصر، عن عكرمة، مثله.

١٤٧٧٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ قال: قدّ القميص من دُبر.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ قال: قدّ القميص من دُبر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٧٨٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ قال: الاَيات: حزّهن أيديهن، وقدّ القميص.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: قدّ القميص من دبر.

١٤٧٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَـيَسْجُنُنّهُ ببراءته مـما اتهم به من شقّ قميصه من دُبر، لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ.

١٤٧٨٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ قال: الاَيات: القميص، وقطع الأيدي.

وقوله: لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ

يقول: لـيسجننه إلـى الوقت الذي يرون فـيه رأيهم. وجعل اللّه ذلك الـحبس لـيوسف فـيـما ذكر عقوبة له من همه بـالـمرأة وكفّـارة لـخطيئته.

١٤٧٨٣ـ حُدثت عن يحيى بن أبـي زائدة، عن إسرائيـل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ عثر يوسف علـيه السلام ثلاث عثرات: حين همّ بها فسجن، وحين قال: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبكّ فَلَبِثَ فِـي السّجْن بضْعَ سنـينَ وأنساه الشيطان ذكر ربه، وقال لهم: إنّكُمْ لَسارِقُونَ ف قالُوا إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.

وذُكر أن سبب حبسه فـي السجن: كان شكوى امرأة العزيز إلـى زوجها أمره وأمرها. كما:

١٤٧٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ قال: قالت الـمرأة لزوجها: إن هذا العبد العبرانـيّ قد فضحنـي فـي الناس يعتذر إلـيهم ويخبرهم أنـي راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لـي فأخرج فأعتذر، وإما أن تـحبِسه كما حبستنـي، فذلك قول اللّه تعالـى: ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ.

وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول هذه اللام فـي: لَـيَسْجُنُنّهُ فقال بعض البصريـين: دخـلت هاهنا لأنه موضع يقع فـيه (أيّ) ، فلـما كان حرف الاستفهام يدخـل فـيه دخـلته النون، لأن النون تكون فـي الاستفهام، تقول: بدا لهم أيّهم يَأْخُذُنّ: أي استبـان لهم. وأنكر ذلك بعض أهل العربـية، فقال: هذا يـمين، ولـيس قوله: هل تقومنّ بـيـمين، ولَتقومنّ، لا يكون إلا يـمينا.

وقال بعض نـحويـي الكوفة: بدا لهم، بـمعنى: القول، والقول يأتـي بكلَ: الكلام بـالقسم وبـالاستفهام، فلذلك جاز: بدا لهم قام زيد، وبدا لهم لـيقومنّ. وقـيـل: إن الـحين فـي هذا الـموضع معنـيّ به سبع سنـين. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٨٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن داود، عن عكرمة: لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ قال: سبع سنـين.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنّيَ أَرَانِيَ أَعْصِرُ خَمْراً ...}.

يقول تعالـى ذكره: ودخـل مع يوسف السجن فتـيان، فدلّ بذلك علـى متروك قد ترك من الكلام وهو:ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الاَياتِ لَـيَسْجُنُنّهُ حتـى حِينٍ فسجنوه وأدخـلوه السجن ودخـل معه فتـيان، فـاستغنى بدلـيـل قوله: وَدَخَـلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَـيانِ علـى إدخالهم يوسف السجن من ذكره. وكان الفتـيان فـيـما ذكر: غلامين من غلـمان ملك مصر الأكبر: أحدهما صاحب شرابه، والاَخر صاحب طعامه. كما:

١٤٧٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: فطرح فـي السجن، يعني يوسف، ودخـل معه السجن فتـيان، غلامان كانا للـملك الأكبر: الريان بن الولـيد، كان أحدهما علـى شرابه، والاَخر علـى بعض أمره، فـي سخطة سخطها علـيهما، اسم أحدهما مـجلث والاَخر نبو، ونبو الذي كان علـى الشراب.

١٤٧٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَدَخَـلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَـيانِ قال: كان أحدهما خبـازا للـملك علـى طعامه، وكان الاَخر ساقـيه علـى شرابه.

وكان سبب حبس الـملك الفتـيـين فـيـما ذكر، ما:

١٤٧٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: إن الـملك غضب علـى خبـازه، بلغه أنه يريد أن يسمّه، فحبسه وحبس صاحب شرابه، ظنّ أنه مالأه علـى ذلك فحبسهما جميعا فذلك قول اللّه تعالـى ودخـل معه السجن فتـيان.

وقوله: قالَ أحَدُهُما إنّـي أرَانِـي أعْصِرُ خَمْرا ذكر أن يوسف صلوات اللّه وسلامه علـيه لـما أدخـل السجن، قال لـمن فـيه من الـمـحبّسين، وسألوه عن عمله: إنـي أعبر الرؤيا، فقال أحد الفتـيـين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنـجرّبه. كما:

١٤٧٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما دخـل يوسف السجن قال: أنا أعبر الأحلام. فقال أحد الفتـيـين لصاحبه: هلـمّ نـجرّب هذا العبد العبرانـيّ نتراءى له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا. فقال الـخبـاز: إنـي أرانـي أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، وقال الاَخر: إنـي أرانـي أعصر خمرا.

١٤٧٩٠ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه ، قال: ما رأى صاحبـا يوسف شيئا، وإنـما كانا تـحالُـما لـيجرّبـا علـمه.

وقال قوم: إنـما سأله الفتـيان عن رؤيا كانا رأياها علـى صحة وحقـيقة، وعلـى تصديق منهما لـيوسف لعلـمه بتعبـيرها. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما رأى الفتـيان يوسف، قالا: واللّه يا فتـى لقد أحببناك حين رأيناك.

١٤٧٩٢ـ قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما اللّه أن لا تـحبـانـي فواللّه ما أحبنـي أحد قطّ إلا دخـل علـيّ من حبه بلاء، لقد أحبتنـي عمتـي فدخـل علـيّ من حبها بلاء، ثم لقد أحبنـي أبـي فدخـل علـيّ بحبه بلاء، ثم لقد أحبتنـي زوجة صاحبـي هذا فدخـل علـيّ بحبها إياي بلاء، فلا تـحبـانـي بـارك اللّه فـيكما قال: فأبـيا إلا حبه وإلفه حيث كان، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله، وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا، فرأى (مـجلث) أنه يحمل فوق رأسه، خبزا تأكل الطير منه، ورأى (نبو) أنه يعصر خمرا، فـاستفتـياه فـيها وقالا له: نَبّئْنا بتأْوِيـلِهِ إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ إن فعلت.

وعنـي ب قوله: أعْصِرُ خَمْرا أي إنـي أرى فـي نومي أنـي أعصر عنبـا. وكذلك ذلك فـي قراءة ابن مسعود فـيـما ذكر عنه.

١٤٧٩٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي سلـمة الصائغ، عن إبراهيـم بن بشير الأنصاريّ، عن مـحمد بن الـحنفـية قال فـي قراءة ابن مسعود: (إنّـي أَرَانِـي أعْصِرُ عِنَبـا) .

وذكر أن ذلك من لغة أهل عُمان، وأنهم يسمون العنب خمرا. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٩٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْرا

يقول: أعصر عنبـا، وهو بلغة أهل عُمان، يسمون العنب خمرا.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك : إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْرا قال: عنبـا، أرض كذا وكذا يدعون العنب خمرا.

١٤٧٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : إنّـي أرَانـي أعْصِرُ خَمْرا قال: عنبـا.

١٤٧٩٦ـ حُدثت عن الـمسيب بن شريك، عن أبـي حمزة، عن عكرمة، قال: أتاه فقال: رأيت فـيـما يرى النائم أنـي غرست حَبَلَةً من عنب، فنبتت، فخرج فـيه عناقـيد فعصرتهن، ثم سقـيتهنّ الـملك، فقال: تـمكث فـي السجن ثلاثة أيام، ثم تـخرج فتسقـيه خمرا.

وقوله: وَقالَ الاَخَرُ إنْـي أرَانِـي أحْمِلُ فَوْقَ رأسِي خُبْزا تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنا بتأْوِيـلهِ

يقول تعالـى ذكره: وقال الاَخر من الفتـيـين: إنـي أرانـي فـي منامي أحمل فوق رأسي خبزا

يقول: أحمل علـى رأسي، فوضعت (فوق) مكان (علـى) تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ يعني من الـخبز.

وقوله: نَبّئْنا بتَأْوِيـلِهِ

يقول: أخبرنا بـما يؤول إلـيه ما أخبرناك أنا رأيناه فـي منامنا ويرجع إلـيه. كما:

١٤٧٩٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: نَبّئْنا بتَأْوِيـلِهِ قال: به. قال الـحارث، قال أبو عبـيد: يعني مـجاهد: أن تأويـل الشيء: هو الشيء. قال: ومنه تأويـل الرؤيا، إنـما هو الشيء الذي تئول إلـيه.

وقوله: إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الإحسان الذي وصف به الفتـيان يوسف،

فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم، ويعزي حزينهم، وإذا احتاج منهم إنسان جمَع له. ذكر من قال ذلك:

١٤٧٩٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كنت جالسا معه ببلـخ، فسئل عن قوله: نَبّئْنا بَتأْوِيـلِهِ إنّا نَرَاكَ مِن الـمُـحْسِنِـينَ قال:

قـيـل له: ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام علـيه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق أوسع له.

حدثنا إسحاق، عن أبـي إسرائيـل، قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك ، قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان فـي السجن قام علـيه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق علـيه الـمكان أوسع له.

١٤٧٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن قتادة، قوله: إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم، ويعزّي حزينهم، ويجتهد لربه. وقال: لـما انتهى يوسف إلـى السجن وجد فـيه قوما قد انقطع رجاؤهم واشتدّ بلاؤهم، فطال حزنهم، فجعل

يقول: أبشروا واصبروا تؤجروا، إن لهذا أجرا، إن لهذا ثوابـا فقالوا: يا فتـى بـارك اللّه فـيك ما أحسن وجهك وأحسن خـلقك، لقد بورك لنا فـي جوارك، ما نـحبّ أنا كنا فـي غير هذا منذ حبسنا لـما تـخبرنا من الأجر والكفّـارة والطهارة، فمن أنت يا فتـى؟ قال: أنا يوسف ابن صفـيّ اللّه يعقوب ابن ذبـيح اللّه إسحاق بن إبراهيـم خـلـيـل اللّه . وكانت علـيه مـحبة، وقال له عامل السجن: يا فتـى واللّه لو استطعت لـخـلـيت سبـيـلك، ولكن سأحسن جوارك وأحسن إسارك، فكن فـي أيّ بـيوت السجن شئت.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن خـلف الأشجعي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك فـي: إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ قال: كان يوسع للرجل فـي مـجلسه، ويتعاهد الـمرضى.

وقال آخرون: معناه: إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ إذ نبأتنا بتأويـل رؤيانا هذه. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: استفتـياه فـي رؤياهما، وقالا له: نَبَئّنْا بتَأْوِيـلِهِ إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ إن فعلت.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة.

فإن قال قائل: وما وجه الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت، وقد علـمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويـل رؤياهما لـيست من الـخبر عن صفته بأنه يعود الـمريض ويقوم علـيه ويحسن إلـى من احتاج فـي شيء، وإنـما يقال للرجل: نبئنا بتأويـل هذا فإنك عالـم، وهذا من الـمواضع التـي تـحسن بـالوصف بـالعلـم لا بغيره؟

قـيـل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويـل رؤيانا مـحسنا إلـينا فـي إخبـارك إيانا بذلك، كما نراك تـحسن فـي سائر أفعالك، إنا نراك من الـمـحسنـين.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاّ نَبّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ...}.

يقول تعالـى ذكره: قالَ يوسف للفتـيـين اللذين استعبراه الرؤيا: لا يَأْتِـيكُما أيها الفتـيان فـي منامكما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إلاّ نَبّأْتُكُما بتأْوِيـلِهِ فـي يقظتكما قَبْلَ أنْ يَأْتِـيَكُما.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: قال يوسف لهما: لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ فـي النوم إلاّ نَبّأْتُكُما بتأويـله فـي الـيقظة.

١٤٨٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف لهما: لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ

يقول: فـي نومكما إلاّ نَبّأْتُكُما بتَأْوِيـلِهِ.

و يعني بقوله بِتَأْوِيـلِهِ: ما يئول إلـيه ويصير ما رأيا فـيى منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فـيه.

وقوله: ذَلِكُما مِـمّا عَلّـمَنِـي رَبّـي

يقول: هذا الذي أذكر أنـي أعلـمه من تعبـير الرؤيا مـما علـمنـي ربـي فعلّـمته. إنّـي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وجاء الـخبر مبتدأ: أي تركت ملة قوم، والـمعنى: ما ملت. وإنـما ابتدأ بذلك لأن فـي الابتداء الدلـيـل علـى معناه.

وقوله: إنّـي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه

يقول: إنـي برئت من ملة من لا يصدّق بـالله، ويقرّ بوحدانـيته. وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ

يقول: وهم مع تركهم الإيـمان بوحدانـية اللّه لا يقرّون بـالـمعاد والبعث ولا بثواب ولا عقاب. وكرّرت (هم) مرّتـين، فقـيـل: وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ لـما دخـل بـينهما قوله: بـالاَخِرَةِ فصارت (هم) الأولـى كالـملغاة، وصار الاعتـماد علـى الثانـية، كما قـيـل: وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ وكما قـيـل: أيَعِدُكُمْ أنّكُمْ إذا مِتّـمُ وكُنْتُـمْ تُرَابـا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرَجُونَ.

فإن قال قائل: ما وجه هذا الـخبر ومعناه من يوسف، وأين جوابه الفتـيـين عما سألاه من تعبـير رؤياهما من هذا الكلام؟

قـيـل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويـل رؤياهما لـما علـم من مكروه ذلك علـى أحدهما، فأعرض عن ذكره وأخذ فـي غيره لـيعرضا عن مسألته الـجواب بـما سألاه من ذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُريج، فـي قوله: إنّـي أرانِـي أعْصِرُ خَمْرا وَقالَ الاَخَرُ إنّـي أرَانِـي أحْمِلُ فَوْقَ رأسِي خُبْزا تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنا بَتأْوِيـلِهِ. قال: فكره العبـارة لهما، وأخبرهما بشيء لـم يسألاه عنه لـيريهما أن عنده علـما. وكان الـملك إذا أراد قتل إنسان، صنع له طعاما معلوما، فأرسل به إلـيه، ف (قال) يوسف: لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ.... إلـى قوله: تَشْكُرُونَ. فلـم يَدَعاه، فعدل بهما، وكره العبـارة لهما، فلـم يدعاه حتـى يعبر لهما، فعدل بهما وقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللّه الوَاحِدُ القَهّارُ... إلـى قوله: يَعْلَـمُونَ فلـم يدعاه حتـى عَبّر لهما، فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْن أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّه خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فَـيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ. قالا: ما رأينا شيئا، إنـما كنا نلعب قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.

وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله ابن جريج. ف قوله: لاَ يأْتِـيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ فـي الـيقظة لا فـي النوم. وإنـما أعلـمهما علـى هذا القول أن عنده علـمَ ما يؤول إلـيه أمر الطعام الذي يأتـيهما من عند الـملك ومن عند غيره، لأنه قد علـم النوع الذي إذا أتاهما كان علامة لقتل من أتاه ذلك منهما، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك، فأخبرهما أنه عنده علـمُ ذلك.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَآئِـيَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نّشْرِكَ بِاللّه مِن شَيْءٍ ...}.

 يعني ب قوله: واتّبَعْتُ مِلّةَ آبـائي إبْرَاهِيـمَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك. ما كانَ لَنا أنْ نُشْرِكَ بـاللّه مِنْ شَيْءٍ

يقول: ما جاز لنا أن نـجعل لله شريكا فـي عبـادته وطاعته، بل الذي علـينا إفراده بـالألوهة والعبـادة. ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّه عَلَـيْنا

يقول: اتبـاعي ملة آبـائي إبراهيـم وإسحاق ويعقوب علـى الإسلام، وتركي مِلّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ، من فضل اللّه الذي تفضل به علـينا، فأنعم إذ أكرمنا به. وعَلـى النّاسِ

يقول: وذلك أيضا من فضل اللّه علـى الناس، إذ أرسلنا إلـيهم دعاة إلـى توحيده وطاعته. ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ

يقول: ولكن من يكفر بـاللّه لا يشكر ذلك من فضله علـيه، لأنه لا يعلـم من أنعم به علـيه ولا يعرف الـمتفضل به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّه عَلَـيْنا أن جعلنا أنبـياء. وَعلـى النّاسِ

يقول: أن بعثنا إلـيهم رسلاً.

١٤٨٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّه عَلَـيْنا وَعلـى النّاسِ ذُكِر لنا أن أبـا الدرداء كان

يقول: يا رُبّ شاكر نعمة غير منعمَ علـيه لا يدري، ورُبّ حامل فقه غير فقـيه.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّه الْوَاحِدُ الْقَهّارُ }.

ذُكر أن يوسف صلوات اللّه وسلامه علـيه قال هذا القول للفتـيـين اللذين دخلا معه السجن، لأن أحدهما كان مشركا، فدعاه بهذا القول إلـى الإسلام وترك عبـادة الاَلهة والأوثان، فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ يعني : يا من هو فـي السجن. وجعلهما صاحبـيه لكونهما فـيه، كما قال اللّه تعالـى لسكان الـجنة أولَئِكَ أصْحابُ الـجَنّةِ هُمْ فِـيها خالِدُونَ وكذلك قال لأهل النار، وسمّاهم أصحابها لكونهم فـيها.

وقوله: أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أم اللّه الوَاحِدُ القَهّارِ

يقول: أعبـادة أربـاب شتـى متفرّقـين وآلهة لا تنفع ولا تضرّ خير، أم عبـادة الـمعبود الواحد الذي لا ثانـي له فـي قدرته وسلطانه، الذي قهر كلّ شيء فذلله وسخره فأطاعه طوعا وكرها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا صَاحِبَـيِ السّجْنَ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ... إلـى قوله: لا يَعْلَـمُونَ لـما عرف نبـي اللّه يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلـى حظهما من ربهما وإلـى نصيبهما من آخرتهما.

١٤٨٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ يوسف يقوله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٨٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم دعاهما إلـى اللّه وإلـى الإسلام، فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللّه الوَاحِدُ القَهّارُ: أي خير أن تعبدوا إلها واحدا، أو آلهة متفرّقة لا تغنـي عنكم شيئا؟.

٤٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ أَسْمَآءً سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ ...}.

 يعني ب قوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ: ما تعبدون من دون اللّه . وقال: ما تَعْبُدُونَ وقد ابتدأ الـخطاب بخطاب اثنـين فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ لأنه قصد الـمخاطب به ومن هو علـى الشرك بـاللّه مقـيـم من أهل مصر، فقال للـمخاطب بذلك: ما تعبد أنت ومن هو علـى مثل ما أنت علـيه من عبدة الأوثان إلاّ أسْماءً سَمّيْتُـمُوها أنْتُـمْ وآبـاؤُكُمْ، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربـابـا، شركا منهم وتشبـيها لها فـي أسمائها التـي سموها بها بـالله، تعالـى عن أن يكون له مثل أو شبـيه. ما أنْزَلَ اللّه بِها مِنْ سُلْطانٍ

يقول: سموها بأسماء لـم يأذن لهم بتسميتها، ولا وَضَع لهم علـى أن تلك الأسماء أسماؤها دلالة ولا حجة، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء.

وقوله: إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ أمَرَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ

يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتـم وجميع خـلقه إلا اللّه الذي له الألوهة والعبـادة خالصة دون كلّ ما سواه من الأشياء. كما:

١٤٨٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس عن أبـي العالـية، فـي قوله: إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ أمَرَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ أيّاهُ قال: أسس الدين علـى الإخلاص لله وحده لا شريك له.

وقوله: ذلكَ الدّينُ القَـيّـمُ

يقول: هذا الذي دعوتكما إلـيه من البراءة من عبـادة ما سوى اللّه من الأوثان، وأن تـخـلصا العبـادة لله الواحد القهار، هو الدين القويـم الذي لا أعوجاج فـيه، والـحقّ الذي لا شكّ فـيه. وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ

يقول: ولكن أهل الشرك بـاللّه يجهلون ذلك، فلا يعلـمون حقـيقته.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَمّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْراً وَأَمّا الاَخَرُ فَيُصْلَبُ ...}.

يقول جل ثناؤه مخبرا عن قـيـل يوسف للّذِين دخلا معه السجن: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا هو الذي رأى أنه يعصر خمرا، فـيسقـي ربه: يعني سيده وهو ملكهم، خمرا:

يقول: يكون صاحب شرابه.

١٤٨١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا قال: سيده.

وأما الاَخر، وهو الذي رأى أن علـى رأسه خبزا تأكل الطير منه فـيصلب فتأكل الطير من رأسه فذكر أنه لـما عبرّ ما أخبراه به أنهما رأياه فـي منامهما، قالا له: ما رأينا شيئا، فقال لهما: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ

يقول: فرغ من الأمر الذي فـيه استفتـيتـما، ووجب حكم اللّه علـيكما بـالذي أخبرتكما به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨١١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عمارة، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه قال: قال اللذان دخلا السجن علـى يوسف: ما رأينا شيئا فقال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه : قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ قال: لـما قالا ما قالا، أخبرهما، فقالا: ما رأينا شيئا فقال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن عمارة، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، فـي الفتـيـين اللذين أتـيا يوسف والرؤيا: إنـما كانا تـحالـما لـيجرّبـاه. فلـما أوّل رؤياهما قالا: إنـما كنا نلعب قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.

 

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عمارة، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه ، قال: ما رأى صاحبـا يوسف شيئا، إنـما كانا تـحالُـما لـيجرّبـا علـمه فقال أحدهما: إنـي أرانـي أعصر عنبـا، وقال الاَخر: إنـي أرانـي أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، نبئنا بتأويـله إنا نراك من الـمـحسنـين قال: يا صاحبـي السجن أما أحدكما فـيسقـي ربه خمرا، وأما الاَخر فـيصلب فتأكل الطير من رأسه. فلـما عبر، قالا: ما رأينا شيئا، قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ علـى ما عَبّر يوسف.

١٤٨١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال لـمـجلّث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك، وقال لنبّو: أما أنت فتردّ علـى عملك، فـيرضى عنك صاحبك. قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ. أو كما قال.

١٤٨١٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.

١٤٨١٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنـما كنا نلعب قال: قد وقعت الرؤيا علـى ما أوّلت.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ فذكر مثله.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ

يقول: اذكرنـي عند سيدك، وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم. كما:

١٤٨١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال، يعني لنبو: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ: أي اذكر للـملك الأعظم مظلـمتـي وحبسي فـي غير شيء. قال: أفعل.

١٤٨١٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه :اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال للذي نـجا من صاحبـي السجن، يوسف

يقول: اذكرنـي عند الـملك.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

١٤٨١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن أسبـاط: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: عند ملك الأرض.

١٤٨١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ يعني بذلك الـملك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ الذي نـجا من صاحبـي السجن للـملك، يقول يوسف: اذكرنـي.

١٤٨١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم التّـيـمي: أنه لـما انتهى به إلـى بـاب السجن قال له صاحب له. حاجَتَك أوصنـي بحاجتك قال: حاجتـي أن تذكرنـي عند ربك. ينوي الربّ ملك يوسف.

وكان قتادة يوجه معنى الظنّ فـي هذا الـموضع إلـى الظنّ الذي هو خلاف الـيقـين.

١٤٨٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ وإنـما عبـارة الرؤيا بـالظنّ، فـيُحقّ اللّه ما يشاء ويبطل ما يشاء.

وهذا الذي قاله قتادة من أن عِبـارة الرؤيا ظنّ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبـياء. فأما الأنبـياء فغير جائز منها أن تـخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها علـى حقـيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لأن ذلك لو جاز علـيها فـي أخبـارها لـم يؤمن مثل ذلك فـي كلّ أخبـارها، وإذا لـم يؤمن ذلك فـي أخبـارها سقطت حجتها علـى من أرسلت إلـيه. فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز علـيها أن تـخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق. فمعلوم إذ كان الأمر علـى ما وصفت أن يوسف لـم يقطع الشهادة علـى ما أخبر الفتـيـين اللذين استعبراه أنه كائن، فـيقول لأحدهما: أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فـيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ ثم يؤكد ذلك ب قوله: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ عند قولهما: لـم نر شيئا، إلا وهو علـى يقـين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا مـحالة لا شكّ فـيه، ولـيقـينه بكون ذلك قال للناجي منهما: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. فبّـينٌ إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة فـي معنى قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما،

وقوله: فَأنْساهُ الشّيْطانُ ذِكْرَ رَبّهِ وهذا خبر من اللّه جل ثناؤه عن غفلة عرضت لـيوسف من قِبَل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بـما هو فـيه خلاصة، ولكنه زلّ بها، فأطال من أجلها فـي السجن حَبسه وأوجع لها عقوبته. كما:

١٤٨٢١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان الضّبَعِيّ، عن بِسطام بن مسلـم، عن مالك بن دينار، قال: لـما قال يوسف للساقـي: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: قـيـل: يا يوسف اتـخذتَ من دونـي وكيلاً؟ لأطيـلنّ حبسك فبكى يوسف وقال: يا ربّ أَنْسَى قلبـي كثرةُ البلوى، فقلت كلـمةً، فويـلٌ لإخوتـي.

١٤٨٢٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْلا أنّهُ) يعني يوسف (قالَ الكَلِـمَةَ التـي قالَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

١٤٨٢٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن، قال: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رَحِمَ اللّه يُوسُفَ لَوْلا كَلِـمَتُهُ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) ، يعني قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. قال: ثم يبكي الـحسن فـ

يقول: نـحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلـى الناس.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْلا كَلِـمَةُ يُوسُفَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

١٤٨٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن إبراهيـم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ لَـمْ يَقُلْ يُوسُفُ) يعني الكلـمة التـي قال (ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ) يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير اللّه .

١٤٨٢٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْ لَـمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان

يقول: (لَوْلا أنّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ، وَلكِنْ إنّـمَا عُوقِبَ بـاسْتِشْفـاعِهِ علـى رَبّهِ) .

١٤٨٢٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قال له: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: فلـم يذكره حتـى رأى الـملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الـملك وابتغاء الفرج من عنده. فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ ب قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه، غير أنه قال: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ عقوبة ل قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل حديث الـمثنى، عن أبـي حذيفة.

وكان مـحمد بن إسحاق

يقول: إنـما أنسى الشيطان الساقـي ذكر أمر يوسف لـملكهم.

١٤٨٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما خرج، يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما، ردّ علـى ما كان علـيه، ورضي عنه صاحبه. فأنساه الشيطان ذكر ذلك للـملك الذي أمره يوسف أن يذكره، فلبث يوسف بعد ذلك فـي السجن بضع سنـين.

يقول جلّ ثناؤه: فلبث يوسف فـي السجن لقـيـله للناجي من صاحبـي السجن من القـيـل: اذكرنـي عند سيدك بضع سنـين، عقوبة له من اللّه بذلك.

واختلف أهل التأويـل فـي قدر البِضْع الذي لبث يوسف فـي السجن،

فقال بعضهم: هو سبع سنـين. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٢٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد أبو عَثْمة، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لبث يوسف فـي السجن سبع سنـين.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنِـينَ قال: سبع سنـين.

١٤٨٢٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمران أبو الهذيـل الصّنْعانـي، قال: سمعت وهْبـا

يقول: أصاب أيوب البلاء سبع سنـين، وترك فـي السجن يوسف سبع سنـين، وعذب بختنصر يجول فـي السبـاع سبع سنـين.

١٤٨٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: زعموا أنها، يعني البضع: سبع سنـين، كما لبث يوسف.

وقال آخرون: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة

يقول: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع.

١٤٨٣٢ـ حدثنا وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن منصور، عن مـجاهد: بِضْعَ سِنِـينَ قال: ما بـين الثلاث إلـى التسع.

وقال آخرون: بل هو ما دون العشر. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : بِضْعَ سنـينَ دون العشرة.

وزعم الفرّاء أن البِضْع لا يذكر إلا مع عشر، ومع العشرين إلـى التسعين، وهو نـيف ما بـين الثلاثة إلـى التسعة. وقال: كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة، ولا بضع وألف، وإذا كانت للذكران قـيـل: بضع.

والصواب فـي البضع من الثلاث إلـى التسع إلـى العشر، ولا يكون دون الثلاث، وكذلك ما زاد علـى العقد إلـى الـمئة، وما زاد علـى الـمئة فلا يكون فـيه بضع.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّيَ أَرَىَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجَافٌ...}.

 يعني جلّ ذكره ب قوله: وقال ملك مصر إنّـي أرَى فـي الـمنام سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ. وقال: (إنـي أرى) ، ولـم يذكر أنه رأى فـي منامه ولا فـي غيره، لَتَعارُف العرب بـينها فـي كلامها إذا قال القائل منهم: أرى أنـي أفعل كذا وكذا أنه خبر عن رؤيته ذلك فـي منامه وإن لـم يذكر النوم. وأخرج الـخبر جل ثناؤه علـى ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بـينهم. وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ

يقول: وأرى سبع سنبلات خضر فـي منامي. وأُخَرَ

يقول: وسبعا أخر من السنبل يابِساتٍ يَأيّها الـمَلأُ

يقول: يا أيّها الأشراف من رجالـي وأصحابـي أفْتُونِـي فِـي رُؤْيايَ فـاعْبرُوها إنْ كُنْتُـمْ للرّؤْيا عَبرَة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: إن اللّه أرى الـملك فـي منامه رؤيا هالته، فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات. فجمع السحرةَ والكهنةَ والـحُزاةَ والقافَة، فقصها علـيهم. فقالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ وَما نَـحْنُ بَتأْوِيـلِ الأحْلامِ بِعالِـمِينَ.

١٤٨٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن الـملك الرّيّان بن الولـيد رأى رؤياه التـي رأى، فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولـم يدر ما تأويـلها فقال للـملإ حوله من أهل مـملكته: إنّـي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سمِانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ... إلـى قوله: بِعالِـمِينَ.

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال الـملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبـير رؤياه: رؤياك هذه أضغاث أحلام يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقـيقة لها. وهي جمع ضِغْث، والضّغْث: أصله الـحُزْمة من الـحشيش، يُشَبّهُ بها الأحلام الـمختلطة التـي لا تأويـل لها. والأحلام جمع حُلْـم، وهو ما لـم يصدقُ من الرؤيا، ومن الأضغاث قول ابن مقبل:

خَوْدٌ كأنّ فِراشَها وُضِعَتْ بِهِأضْغاثُ رَيْحانٍ غَدَاةَ شَمالِ

ومنه قول الاَخر:

يَحْمِي ذِمارَ جَنِـينٍ قَلّ مانِعُهُطاوٍ كضِغْثِ الـخَلا فـي البَطْنِ مُكْتَـمِنُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ

يقول: مشتبهة.

١٤٨٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ كاذبة.

١٤٨٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لـما قصّ الـملك رؤياه التـي رأى علـى أصحابه، قالوا: أضغاث أحلام: أي فعل الأحلام.

١٤٨٣٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أضْغاثُ أحْلامٍ قال: أخلاط أحلام، وَما نَـحْنُ بتأوِيـل الأحْلامِ بِعالِـمِينَ.

١٤٨٤٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: أضغاث أحلام كاذبة.

قال: ثنـي الـمـحاربـيّ، عن جويبر، عن الضحاك ، قالوا: أضغاث، قال: كذب.

حُدثت عن الـحسين بن الفَرَج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ: هي الأحلام الكاذبة.

وقوله: وَما نَـحْنُ بتَأْوِيـلِ الأحْلامِ بِعالِـمِينَ

يقول: وما نـحن بـما تئول إلـيه الأحلام الكاذبة بعالـمِين. والبـاء الأولـى التـي فـي التأويـل من صلة (العالـمِين) ، والتـي فـي (العالـمين) البـاء التـي تدخـل فـي الـخبر مع (ما) التـي بـمعنى الـجحد. ورفع (أضغاث أحلام) ، لأن معنى الكلام: لـيس هذه الرؤيا بشيء إنـما هي أضغاث أحلام.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال الذي نـجا من القتل من صاحبـي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا وادّكَرَ

يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذكر حاجته للـملِك التـي كان سأله عند تعبـيره رؤياه أن يذكرها له ب قوله: اذْكُرنِـي عِنْدَ رَبّكَ بَعدَ أُمّةٍ يعني بعد حين. كالذي:

١٤٨٤١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رُزَين، عن ابن عبـاس : وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رُزَين، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عاصم، عن أبـي رزين عن ابن عبـاس ، مثله.

١٤٨٤٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين.

١٤٨٤٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: أخبرنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رُزَين قال: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن ابن عبـاس مثله.

قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ

يقول: بعد حين.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: ذكر بعد حين.

١٤٨٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ بعد حين.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الـحسن، مثله.

حدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد بن أبـي عَروبة، عن قتادة، عن الـحسن، مثله.

١٤٨٤٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين.

١٤٨٤٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثـير بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين. قال: قال ابن جريج، وقال ابن عبـاس : بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد سنـين.

١٤٨٤٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.

١٤٨٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـي، قال: حدثنا شريك، وعن سِماك، عن عكرمة: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أي بعد حِقْبة من الدهر.

وهذا التأويـل علـى قراءة من قرأ: بَعْدَ أُمّةٍ بضمّ الألف وتشديد الـميـم، وهي قراءة القرّاء فـي أمصار الإسلام.

وقد رُوى عن جماعة من الـمتقدّمين أنهم قرءوا ذلك: (بَعْدَ أُمّةٍ) بفتـح الألف وتـخفـيف الـميـم وفتـحها بـمعنى بعد نسيان. وذكر بضهم أن العرب تقول من ذلك: أَمِهَ الرّجلُ يأمَهُ أمَها: إذا نسي. وكذلك تأوّله من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٠٤حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرأ: (بَعْدَ أمَهٍ) ويفسرها: بعد نسيان.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا بَهزْ بن أسد، عن هَمّام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس أنه قرأ: (بَعْدَ أمَهٍ)

يقول: بعد نسيان.

١٤٨٤٩ـ حدثنـي أبو غسان مالك بن الـخـلـيـل الـيحمَديّ، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن أبـي هارون الغنويّ، عن عكرمة أنه قرأ: (بَعْدَ أمَهٍ) والأمَهُ: النسيان.

حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أبو هارون الغنوي، عن عكرمة، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: قال هارون، وثنى أبو هارون الغنوي، عن عكرمة: (بَعْدَ أمَهٍ) : بعد نسيان.

قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة: (وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ) : بعد نسيان.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عبـاس : أي بعد نسيان.

١٤٨٥٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ) قال: من بعد نسيانه.

١٤٨٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد الكريـم أبـي أمية الـمعلـم، عن مـجاهد، أنه قرأ: (وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ) .

١٤٨٥٢ـ حدثنـي ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك : وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد نسيان.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: (وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ)

يقول: بعد نسيان.

وقد ذكر فـيها قراءة ثالثة، وهي ما:

١٤٨٥٣ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال حدثنا عبد اللّه بن الزّبَـير، عن سفـيان، عن حميد، قال: قرأ مـجاهد: (وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ) مـجزمة الـميـم مخففة.

وكأن قارىء ذلك كذلك أراد به الـمصدر من قولهم: أمِهَ يأْمَهُ أمْها، وتأويـل هذه القراءة، نظير تأويـل من فتـح الألف والـميـم.

وقوله: أناأُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ

يقول: أنا أخبركم بتأويـله. فَأرْسِلُونَ

يقول: فأطلقونـي أمضى لاَتـيكم بتأويـله من عند العالِـم به. وفـي الكلام مـحذوف قد ترك ذكره استغناء بـما ظهر عما ترك وذلك: فأرسلوه فأتـى يوسف، فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق. كما:

حدثنا حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قال: قالَ الـمَلِكُ للـملإ حوله: إنّـي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتِ سِمانٍ... الآية، وقالوا له ما قال، وسمع (نبو) من ذلك ما سمع ومسألتَه عن تأويـلها ذكر يوسف وما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك علـى ما قال من قوله، قال: أنا أُنَبَئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونَ يقول اللّه تعالـى: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: أي حقبة من الدهر، فأتاه فقال: يا يوسف إن الـملك قد رأى كذا وكذا فقصّ علـيه الرؤيا، فقال فـيها يوسف ما ذكر اللّه تعالـى لنا فـي الكتاب فجاءهم مثْلَ فَلَق الصبح تأويـلها، فخرج نبو من عند يوسف بـما أفتاهم به من تأويـل رؤيا الـملك، وأخبره بـما قال.

وقـيـل: إن الذي نـجا منهما إنـما قال: أرسلونـي لأن السجن لـم يكن فـي الـمدينة. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وقَالَ الّذِي نَـجا مِنْهُما وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أنا أُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونَ

٤٦

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ...

قال ابن عبـاس : لـم يكن السجن فـي الـمدينة، فـانطلق الساقـي إلـى يوسف، فقال: أفْتِنا فـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ... الاَيات.

 قوله: أفْتِنا فِـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُن سَبُعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ فإن معناه: أفتنا فـي سبع بقرات سِمان رُئِينَ فـي الـمنام يأكلهن سبع منها عجاف، وفـي سبع سنبلات خضر رئين أيضا، وسبع أخر منهنّ يابسات. فأما السمان من البقر: فإنها السنون الـمخصبة. كما:

١٤٨٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أفْتِنا فـي سَبْعٍ بَقَرَاتَ سِمانٍ يَأكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ قال: أما السمان: فسنون منها مخصبة. وأما السبع العِجاف: فسنون مـجدبة لا تنبت شيئا.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أفْتنا فِـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ فـالسمان الـمخاصيب، والبقرات العجاف: هي السنون الـمُـحُول الـجُدُوب.

 قوله: وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ أما الـخضر: فهنّ السنون الـمخاصيب، وأما الـيابسات: فهنّ الـجُدُوب الـمـحول. والعجاف: جمع عجف، وهي الـمهازيـل.

وقوله: لَعَلّـي أرْجِعُ إلـى النّاسِ لَعلّهُمْ يَعْلَـمُونَ

يقول: كي أرجع إلـى الناس فأخبرهم، لَعَلّهُمْ يَعْلَـمُونَ

يقول: لـيعلـموا تأويـل ما سألتك عنه من الرؤيا.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّا تَأْكُلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الـملك: تَزْرَعُونَ سَبُعَ سِنِـينَ دَأَبـا

يقول: تزرعون هذه السبع السنـين، كما كنتـم تزرعون سائر السنـين قبلها علـى عادتكم فـيـما مضى. والدّأب: العادة ومن ذلك قول امرىء القـيس:

كدَأبِكَ مِنْ أُمّ الـحُوَيْرِثَ قبلَهاوجارَتِها أُمّ الرّبـابِ بِـمَأْسَلِ

 يعني كعادتك منها.

وقوله: فَمَا حَصَدْتُـمْ فَذَرُوهُ فِـي سُنْبُلِهِ إلاّ قَلـيلاً مِـمّا تَأْكُلُونَ وهذا مشورة أشار بها نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى القوم، ورأى رآه لهم صلاحا يأمرهم بـاستبقاء طعامهم. كما:

١٤٨٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال لهم نبـيّ اللّه يوسف تَزْرَعُونَ سَبُعَ سِنِـينَ دَأَبـا... الآية، فإنـما أراد نبـي اللّه صلى اللّه عليه وسلم البقاء.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ثُمّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدّمْتُمْ لَهُنّ إِلاّ قَلِيلاً مّمّا تُحْصِنُونَ }.

يقول: ثم يجيء من بعد السنـين السبع التـي تزرعون فـيها دأبـا، سنون سبع شداد

يقول: جُدوب قحْطه يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ

يقول: يؤكل فـيهنّ ما قدمتـم فـي إعداد ما أعددتـم لهنّ فـي السنـين السبعة الـخصبة من الطعام والأقوات. وقال جلّ ثناؤه: يَأْكُلْنَ فوصف السنـين بأنهنّ يأكلهن، وإنـما الـمعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فـيهنّ، كما قـيـل:

نَهارُكَ يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ

ولَـيْـلُكَ نَوْمٌ والرّدَى لكَ لازِم

فوصف النهار بـالسهو والغفلة واللـيـل بـالنوم، وإنـما يسهى فـي هذا ويغفل فـيه وينام فـي هذا، لـمعرفة الـمخاطبـين بـمعناه، والـمراد منه: إلا قلـيلاً مـما تـحصنون،

يقول: إلا يسيرا مـما تـحرزونه. والإحصان: التصيـير فـي الـحصن وإنـما الـمراد منه: الإحراز.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٥٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ يقول يأكلن ما كنتـم اتـخذتـم فـيهنّ من القوت، إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ثُمّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الـجدوب الـمـحول، يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ثُمّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الـجدوب، يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ: مـما تدّخرون.

١٤٨٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ

يقول: تَـخزُنون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : تُـحْصِنُون: تـحرزون.

١٤٨٥٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ قال: مـما ترفعون.

وهذه الأقوال فـي قوله: تَـحْصِنُونَ وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـيه، فإن معانـيها متقاربة، وأصل الكلـمة وتأويـلها علـى ما بـيّنت.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ثُمّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }.

وهذا خبر من يوسف علـيه السلام للقوم عما لـم يكن فـي رؤيا ملكهم، ولكنه من علـم الغيب الذي آتاه اللّه دلالة علـى نبوّته وحجة علـى صدقة. كما:

١٤٨٦٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثم زاده اللّه علـم سنة لـم يسألوه عنها، فقال: ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ.

و يعني ب قوله: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ بـالـمطر والغيث.

وبنـحو ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ قال: فـيه يغاثون بـالـمطر.

١٤٨٦٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك : فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ قال: بـالـمطر.

١٤٨٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ قال: أخبرهم بشيء لـم يسألوه عنه، وكان اللّه قد علّـمه إياه عام فـيه يغاث الناس بـالـمطر.

١٤٨٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ بـالـمطر.

وأما قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: وفـيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: الأعناب والدهن.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ السمسم دهنا، والعنب خمرا، والزيتون زيتا.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ

يقول: يصيبهم غيث، فـيعصرون فـيه العنب، ويعصرون فـيه الزيت، ويعصرون من كلّ الثمرات،

١٤٨٦٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: يعصرون أعنابهم.

١٤٨٦٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: العنب.

١٤٨٦٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك : وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: كانوا يعصرون الأعناب والثمرات.

١٤٨٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: يعصرون الأعناب والزيتون والثمار من الـخصب، هذا علـم آتاه اللّه يوسف لـم يسئل عنه.

وقال آخرون: معنى قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ وفـيه يحلبون. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي فضالة، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: فـيه يحلبون.

١٤٨٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا الفرج بن فضالة، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، قال: كان ابن عبـاس يقرأ: (وَفِـيهِ تَعْصِرُونَ) بـالتاء، يعني تـحتلبون.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الـمدينة والبصرة والكوفة: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ بـالـياء، بـمعنى ما وصفت من قول من قال: عصر الأعناب والأدهان. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: (وَفِـيهِ تَعْصِرُونَ) بـالتاء. وقرأه بعضهم: (وَفِـيهِ يَعْصَرُونَ) بـمعنى: يُـمطرون، وهذه قراءة لا أستـجيز القراءة بها لـخلافها ما علـيه من قرّاء الأمصار.

والصواب من القراءة فـي ذلك أن لقارئه الـخيار فـي قراءته بأيّ القراءتـين الأخريـين شاء، إن شاء بـالـياء ردّا علـى الـخبر به عن الناس، علـى معنى: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ أعْنابهم وأدهانهم. وإن شاء بـالتاء ردّا علـى قوله: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ وخطابـا به لـمن خاطبه ب قوله: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ لأنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قِرَاءَة الأمصار بـاتفـاق الـمعنى، وإن اختلفت الألفـاظ بهما. وذلك أن الـمخاطبـين بذلك كان لا شكّ أنهم أغيثوا وعصروا: أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا، وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا، أغيث الـمخاطبون وعصروا، فهما متفقتا الـمعنى، وإن اختلفت الألفـاظ بقراءة ذلك. وكان بعض من لا علـم له بأقوال السلف من أهل التأويـل مـمن يفسر القرآن برأيه علـى مذهب كلام العرب يوجه معنى قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ إلـى: وفـيه يَنْـجون من الـجدب والقحط بـالغيث، ويزعم أنه من العَصر والعصر التـي بـمعنى الـمنـجاة، من قول أبـي زبـيد الطائي:

صَادِيا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغاثٍوَلَقَدْ كانَ عُصْرَةَ الـمَنْـجُودِ

أي الـمقهور، ومن قول لبـيد:

فبـاتَ وأسْرَى القَوْمُ آخِرَ لَـيْـلهِمْ

وَما كانَ وَقّافـا بغَيْرِ مُعَصّرِ

وذلك تأويـل يكفـي من الشهادة علـى خطئه خلافه قول جميع أهل العلـم من الصحابة والتابعين. وأما القول الذي روى الفَرج بن فضالة عن علـيّ بن أبـي طلـحة، فقول لا معنى له، لأنه خلاف الـمعروف من كلام العرب وخلاف ما يعرف من قول ابن عبـاس رضي اللّه عنهما.

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمّا جَآءَهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىَ رَبّكَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فلـما رجع الرسول الذي أرسلوه إلـى يوسف، الذي قال: أنا أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونِ فأخبرهم بتأويـل رؤيا الـملك عن يوسف، علـم الـملك حقـيقة ما أفتاه به من تأويـل رؤياه وصحة ذلك، وقال الـملك: ائتونـي بـالذي عَبَر رؤياي هذه. كالذي:

١٤٨٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: فخرج (نبو) من عند يوسف بـما أفتاهم به من تأويـل رؤيا الـملك حتـى أتـى الـملك، فأخيره بـما قال، فلـما أخبره بـما فـي نفسه كمثل النهار وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: ائتونـي به.

١٤٨٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما أتـى الـملكَ رسولُه، قال: ائتونـي به.

وقوله: فَلَـمّا جاءَهُ الرّسُولُ

يقول: فلـما جاءه رسول الـملك يدعوه إلـى الـملك، قالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ

يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلـى سيدك فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ. وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابة الـملك حتـى يعرف صحة أمره عندهم مـما كانوا قذفوه به من شأن النساء، فقال للرسول: سل الـملك ما شأن النسوة اللاتـي قطّعن أيدَيهن، والـمرأة التـي سُجِنتُ بسببها كما:

١٤٨٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا جاءَهُ الرّسُولُ قالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ والـمرأة التـي سجنت بسبب أمرها عما كان من ذلك.

١٤٨٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما أتـى الـملك رسوله فأخبره قالَ ائْتُونِـي بِهِ فلـما أتاه الرسول ودعاه إلـى الـملك أبى يوسف الـخروج معه، وقال: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ... الآية، قال السديّ، قال ابن عبـاس : لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلـم الـملك بشأنه، ما زالت فـي نفس العزيز منه حاجة،

يقول: هذا الذي راود امرأته.

١٤٨٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبـي الزناد، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يَرْحَمُ اللّه يُوسُفَ إنْ كانَ ذَا أناةٍ، لَوْ كُنْتُ أنا الـمَـحْبُوسَ ثُمّ أُرْسِلَ إلـيّ لَـخَرَجْتُ سَرِيعا، إنْ كان لَـحَلِـيـما ذَا أناةٍ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، قال: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلـمة، عن أبـي هريرة قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ لَبِثْتُ فِـي السّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ ثُمّ جاءَنِـي الدّاعِي لأَجَبْتُهُ، إذْ جاءَهُ الرّسُولُ فَقالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ) ... الآية.

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلاد، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بـمثله.

حدثنا زكريا بن أبـان الـمقريء، قال: حدثنا سعيد بن تلـيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: ثنـي بكر بن مُضَر، عن عمرو بن الـحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْ لَبِثْتُ فِـي السّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ لاَءَجَبْتُ الدّاعِيَ) .

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بـمثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا حماد، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقرأ هذه الآية: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ إنّ رَبّـي بكَيْدِهُنّ عَلـيـمٌ قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ كُنْت أنا لأَسْرَعْتُ الإجابَةَ، وَما ابْتَغَيْتُ العُذْرَ) .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. ومـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ.... الآية، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ بُعِثَ إلـيّ لأَسْرَعْتُ فِـي الإجابَةِ وَما ابْتَغَيْتُ العُذْرَ) .

١٤٨٧٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَقَدْ عَجبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وكَرَمِهِ، وَاللّه يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَن البَقَرَاتِ العِجافِ والسّمانِ، وَلَوْ كُنْتُ مَكانَهُ ما أخْبَرْتُهُمْ بِشَيْءٍ حتـى أشْتَرِطَ أنْ يُخْرِجُونِـي وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسفَ وَصَبْرِهِ وكرَمِهِ واللّه يَغْفِرُ لَهُ حِينَ أتاهُ الرّسُولُ، وَلَوْ كُنْتُ مَكانَهُ لَبـادَرْتُهُمُ البـابَ، وَلكنّهُ أرَادَ أنْ يَكُونَ لَهُ العُذْرُ) .

١٤٨٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ارْجِعْ إلـى رَبكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ أراد نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يخرج حتـى يكون له العذر.

١٤٨٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن.

وقوله: إنّ رَبّـي بكَيْدِهِنّ عَلِـيـمٌ

يقول: إن اللّه تعالـى ذكره ذو علـم بصنـيعهنّ وأفعالهن التـي فعلن بـي ويفعلن بغيري من الناس، لا يخفـي علـيه ذلك كله، وهو من وراء جزائهنّ علـى ذلك. وقـيـل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفـير العزيز زوج الـمرأة التـي راودتنـي عن نفسي ذو علـم ببراءتـي مـما قذفتنـي به من السوء.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنّ إِذْ رَاوَدتُنّ يُوسُفَ عَن نّفْسِهِ ...}.

وفـي هذا الكلام متروك قداستغنـي بدلالة ما ذكر علـيه عنه، وهو: فرجع الرسول إلـى الـملك من عند يوسف برسالته، فدعا الـملك النسوة اللاتـي قطّعن أيديهن وامرأة العزيز، فقال لهنّ: ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ كالذي:

١٤٨٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فلـما جاء الرسول الـملك من عند يوسف بـما أرسله إلـيه جميع النسوة وَقالَ ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ.

و يعني ب قوله: ما خَطْبُكُنّ ما كان أمركنّ، وما كان شأنكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه، فأجبنه: فَقُلْنَ حاشَ لِلّه مَا عَلِـمْنا علَـيْهِ مِنْ سُوءٍ، قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَص الـحَقّ تقول: الاَن تبـين الـحقّ وانكشف فظهر، أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإن يوسف لـمن الصادقـين فـي قوله هِيَ رَاوَدَتْنـي عَنْ نَفْسِي.

وبـمثل ما قلنا فـي معنى: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.

١٤٨٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ تبـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٨٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ الاَن تبـين الـحق.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.

١٤٨٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، مثله.

١٤٨٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، مثله.

١٤٨٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت راعيـل امرأة إطفـير العزيز: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ: أي الاَن برز الـحقّ وتبـين، أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ فـيـما كان قال يوسف مـما ادّعت علـيه.

١٤٨٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: قال الـملك: ائتونـي بهنّ، فقال: ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِـمْنا عَلَـيْهَ مِنْ سُوءٍ. ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنا راودته عن نفسه، ودخـل معها البـيت وحلّ سراويـله ثم شدّه بعد ذلك، فلا تدري ما بدا له. فقال امرأة العزيز: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ.

١٤٨٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ تبـين.

وأصل حصحص: حَصّ ولكن قـيـل: حصحص، كما قـيـل: فكُبْكِبُوا فـي (كُبوا) ، وقـيـل: (كفكف) فـي (كفّ) ، و(ذْرذَر) فـي (ذَرّ) . وأصل الـحصّ: استئصال الشيء، يقال منه: حَصّ شعره: إذا استأصله جزّا. وإنـما أريد فـي هذا الـموضع: حصحص الـحقّ: ذهب البـاطل والكذب، فـانقطع، وتبـين الـحقّ فظهر.

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّه لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ }.

 يعني ب قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخْنْهُ بـالغَيْبِ هذا الفعل الذي فعلته من ردّي رسول الـملك إلـيه، وتركي إجابته والـخروج إلـيه، ومسألتـي إياه أن يسأل النّسْوَة اللاتـي قطّعْنَ أيْدِيَهُن، عن شأنهنّ إذ قطعن أيديهن، إنـما فعلته لـيعلـم أنـي لـم أخنه فـي زوجته بـالغيب:

يقول: لـم أركب منها فـاحشة فـي حال غيبته عنـي. وإذا لـم يركب ذلك بـمغيبه، فهو فـي حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا عن ركوبه. كما:

١٤٨٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: يقول يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ إطفـير سيده، أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ أنـي لـم أكن لأخالفه إلـى أهله من حيث لا يعلـمه.

١٤٨٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ يوسف يقوله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ذَلكَ لـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ يوسف ي قوله: لـم أخن سيدي.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال يوسف يقوله.

١٤٨٩١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: هذا قول يوسف.

١٤٨٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح، فـي قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخنْهُ بـالغَيْبِ هو يوسف

يقول: لـم أخن الـملك بـالغيب.

وقوله: وأنّ اللّه لا يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ

يقول: فعلت ذلك لـيعلـم سيدي أنـي لـم أخنه بـالغيب، وأن اللّه لا يهدي كيد الـخائنـين:

يقول: وأن اللّه لا يسدّد صنـيع من خان الأمانات، ولا يرشد فعالهم فـي خيانتهموها. واتصل قوله: ذلكَ لـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ بقول امرأة العزيز: أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهَ لـمِنَ الصّادِقِـينَ الـمعرفة السامعين لـمعناه، كاتصال قول اللّه تعالـى: وكذلكَ يَفْعَلُونَ بقول الـمرأة: وجعلوا أعزّةَ أهْلِها أذِلّة، وذلك أن قوله: وكذلكَ يَفْعَلُونَ خبر مبتدإ، وكذلك قول فرعون لأصحابه فـي سورة الأعراف: فَمَاذَا تَأْمُرُونِ وهو متصل بقول الـملأ: يُرِيدُ أن يُخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ. واللّه أعلـم.

تابع : تفسير سورة يوسف

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول يوسف صلوات اللّه علـيه: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي من الـخطأ والزلل فأزكيَها. إنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بـالسّوءِ

يقول: إن النفوس نفوس العبـاد تأمرهم بـما تهواه وإن كان هواها فـي غير ما فـيه رضا اللّه إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي

يقول: إلا أن يرحم ربـي من شاء من خـلقه، فـينـجيه من اتبـاع هواها وطاعته فـيـما تأمره به من السوء. إنّ رَبّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ. و(ما) فـي قوله: إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي فـي موضع نصب، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله، ك قوله: ولاَ هُمْ يُنْقَذُونَ إلاّ رَحْمَةً مِنّا بـمعنى: إلا أن يُرحموا، وأَنْ إذا كانت فـي معنى الـمصدر تضارع (ما) .

و يعني ب قوله: إنّ رَبّـي غَفُورٌ رَحيـمٌ: أن اللّه ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، بتركه عقوبته علـيها وفضيحته بها، رحيـم به بعد توبته أن يعذّبه علـيها. وذُكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لـما قال: ذلكَ لـيَعْلَـمَ أنْـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال مَلَك من الـملائكة: ولا يوم همـمت بها؟ فقال يوسف حينئذٍ: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ. وقد قـيـل: إن القائل لـيوسف: ولا يومَ هَمَـمْتَ بها فحللت سراويـلك؟ هو امرأة العزيز، فأجابها يوسف بهذا الـجواب. وقـيـل: إن يوسف قال ذلك ابتداء من قِبَل نفسه. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٩٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما جمع الـملك النسوة، فسألهن: هل رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِـمْنا عَلَـيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ... الآية، قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال فقال له جَبْرَئيـل: ولا يوم همـمت به همـمت؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سمِاك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما جمع الـملك النسوة، قال لهن: أنتُن راودتنّ يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر سائر الـحديث، مثل حديث أبـي كُريب، عن وكيع.  

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا إسرائيـل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لـما جمع الـملك النسوة، قال: أنتنّ راودتنَ يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر نـحوه غير أنه قال: فغمزه جبرائيـل، فقال: ولا حين همـمتَ بها؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

١٤٨٩٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: لـما قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال جبرائيـل، أو ملك: ولا يومَ همَـمتَ بـما همـمت به؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير بنـحوه، إلا أنه قال: قال له الـملَك: ولا حين همـمت بها؟ ولـم يقل: أو جبرئيـل، ثم ذكر سائر الـحديث مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر وأحمد بن بشير، عن مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جُبـير: ذَلِكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: فقال له الـملك، أو جبريـل: ولا حين همـمت بها؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

١٤٨٩٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي سِنان، عن ابن أبـي الهذيـل، قال: لـما قال يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال له جبرئيـل: ولا يوم همـمت بـما همـمت به؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، بـمثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، مثل حديث ابن وكيع، عن مـحمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء.

١٤٨٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الـجبـار، وزيد بن حبـاب، عن حماد بن سلـمة، عن ثابت، عن الـحسن: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال له جبرئيـل: اذكر همك فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن الـحسن: ذلكَ لِـيَعْلَـمُ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال جبرئيـل: يا يوسف اذكر همك قال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

١٤٨٩٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح، فـي قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخنُهُ بـالغَيْب قال: هذا قول يوسف، قال: فقال له جبرئيـل: ولا حين حللت سراويـلك؟ قال: فقال يوسف وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأمّارةٌ بـالسوءِ... الآية.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح، بنـحوه.

١٤٨٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ ذكر لنا أن الـملك الذي كان مع يوسف، قال له: اذكر ما همـمت به قال نبـيّ اللّه : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنـي أن الـمَلَك قال له حين قال ما قال: أتذكر هَمّك؟ فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبّـي.

١٤٨٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أَنّى لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال الـملك، وطعن فـي جنبه: يا يوسف، ولا حين همـمت؟ قال: فقال: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي. ذكر من قال قائل ذلك له الـمرأة:

١٤٩٠٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: قاله يوسف حين جيء به لـيُعْلِـم العزيز أنه لـم يخنه بـالغيب فـي أهله وأنّ اللّه لا يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويـلك؟ فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ. ذكر من قال قائل ذلك يوسف لنفسه، من غير تذكير مذكّر ذكّره ولكنه تذكر ما كان سَلَف منه فـي ذلك.

١٤٩٠١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عَمّي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ وأنّ اللّه لاَ يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ هو قول يوسف لـملـيكهِ حين أراه اللّه عذره، فذكّره أنه قد همّ بها وهمّت به، فقال يوسف: وَما أُبَرّىءُ نَفْسي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بـالسّوءِ... الآية.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلّمَهُ قَالَ إِنّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال الـملك، يعني ملك مصر الأكبر، وهو فـيـما ذكر ابن سحاق: الولـيد بن الريان.

١٤٩٠٢ـ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة عنه: حين تبـين عذر يوسف، وعرف أمانته وعلـمه، قال لأصحابه: ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي

يقول: أجعله من خـلصائي دون غيري.

وقوله: فَلَـمّا كَلّـمَهُ

يقول: فلـما كلـم الـملك يوسف، وعَرَف براءته وعِظَم أمانته، قال له: إنك يا يوسف لدينا مكين أمين أي متـمكن مـما أردت، وعرضَ لك من حاجةٍ قِبلَنا، لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا، أمين علـى ما اؤتـمنت علـيه من شيء.

١٤٩٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما وَجَدَ الـملك له عُذرا، قال: ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي.

١٤٩٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي

يقول: أتـخذه لنفسي.

١٤٩٠٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل: قالَ الـمَلِكُ ائْتُونِـي بِهِ أسْتَـخْـلِصْهُ لِنَفْسِي قال: قال له الـملك: إنـي أريد أن أُخـلّصك لنفسي، غير أنـي آنف أن تأكل معي فقال يوسف: أنا أحقّ أن آنَف، أنا ابن إسحاق أو أنا ابن إسماعيـل، أبو جعفر شكّ، وفـي كتابـي: ابن إسحاق ذبـيح اللّه ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل بنـحوه، غير أنه قال: أنا ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه ابن إسماعيـل ذبـيح اللّه .

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل قال: قال العزيز لـيوسف: ما من شيء إلا وأنا أحبّ أن تشركنـي فـيه، إلا أنـي أحبّ أن لا تشركنـي فـي أهلـي، وأن لا يأكل معي عبدي قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحقّ أن آنَف منك، أنا ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه ، وابن إسحاق الذبـيح، وابن يعقوب الذي ابـيضت عيناه من الـحزن.

١٤٩٠٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفـيان بن عقبة، عن حمزة الزيات، عن ابن إسحاق، عن أبـي ميسرة، قال: لـما رأى العزيز لَبَق يوسف وكَيْسَه وظُرْفه، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلـمانه فلـما كان بـينه وبـين الـمرأة ما كان، قالت له: تدنـي هذا؟ مره فلـيتغدّ مع الغلـمان قال له: اذهب فتغدّ مع الغلـمان فقال له يوسف فـي وجهه: ترغب أن تأكل معي، أو تَنْكَف؟ أنا واللّه يوسف بن يعقوب نبـيّ اللّه ، ابن إسحاق ذبـيح اللّه ، ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه .

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىَ خَزَآئِنِ الأرْضِ إِنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }.

يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف للـملك: اجعلنـي علـى خزائن أرضك، وهي جمع خِزانة، والألف واللام دخـلتا فـي الأرض خـلفـا من الإضافة، كما قال الشاعر.

والأحْلامُ غيرُ عَوَازِبِ

وهذا من يوسف صلوات اللّه علـيه مسألة منه للـملك أن يولـيه أمر طعام بلده وخراجها، والقـيام بأسبـاب بلده، ففعل ذلك الـملك به فـيـما بلغنـي. كما:

١٤٩٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ قال: كان لفرعون خزائن غير الطعام، قال: فأسلـم سلطانه كله إلـيه، وجعل القضاء إلـيه، أمره وقضاؤه نافذ.

١٤٩٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار، عن شيبة الضبـي، فـي قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأَرْضِ قال: علـى حفظ الطعام.

وقوله: إنّـي حَفـيظٌ عَلِـيـمٌ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله،

فقال بعضهم: معنى ذلك: إنـي حفـيظ لـما استودعتنـي علـيـم بـما ولـيتنـي. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٠٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ إنـي حافظ لـما استودعتنـي، عالـم بـما ولّـيتنـي. قال:: قد فعلت.

١٤٩١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ

يقول: حفـيظ لـما ولـيتُ، علـيـم بأمره.

١٤٩١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار، عن شيبة الضبـي فـي قوله: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ

يقول: إنـي حفـيظ لـما استودعتنـي، علـيـم بسنـي الـمـجاعة.

وقال آخرون: إنـي حافظ للـحساب، علـيـم بـالألسن. ذكر من قال ذلك:

١٤٩١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن الأشجعي: إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ: حافظ للـحساب، علـيـم بـالألسن.

وأولـى القولـين عندنا بـالصواب، قول من قال: معنى ذلك: إنـي حافظ لـما استودعتنـي، عالـم بـما أولـيتنـي، لأن ذلك عقـيب قوله: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ ومسألته الـملك استكفـاءة خزائن الأرض، فكان إعلامه بأن عنده خبرة فـي ذلك، وكفـايته إياه، أشبه من إعلامه حفظه الـحساب ومعرفته بـالألسن.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وهكذا وطأنا لـيوسف فـي الأرض، يعني أرض مصر. يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ

يقول: يتـخذ من أرض مصر منزلاً حيث يشاء بعد الـحبس والضيق. نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ من خـلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنّا له فـي الأرض بعد العبودة والإسار وبعد الإلقاء فـي الـجبّ. وَلا نُضِيعُ أجْرَ الـمُـحْسِنِـينَ

يقول: ولا نُبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه وعمل بـما أمره وانتهى عما نهاه عنه، كما لـم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع اللّه . وكان تـميكن اللّه لـيوسف فـي الأرض، كما:

١٤٩١٣ـ حدثنا ابن حميد، حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قال يوسف للـملك: اجْعَلْنِـي علـى خَزَائِنِ الأرْضِ إنّـي حَفِـيظٌ عَلِـيـمٌ قال الـملك: قد فعلت فولاه فـيـما يذكرون عمل إطفـير وعزل إطفـير عما كان علـيه، يقول اللّه :وكذلكَ مَكّنا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ... الآية. قال: فذكر لـي واللّه أعلـم أن إطفـير هلك فـي تلك اللـيالـي، وأن الـملك الرّيان بن الولـيد زوّج يوسف امرأة إطفـير راعيـل، وأنها حين دخـلت علـيه قال: ألـيس هذا خير مـما كنت تريدين؟ قال: فـيزعمون أنها قالت: أيها الصدّيق لا تلُـمنـي، فإنـي كنتُ امرأة كما ترى حُسنا وجمالاً، ناعمة فـي مُلك ودنـيا، وكان صاحبـي لا يأتـي النساء، وكنتَ كما جعَلك اللّه فـي حُسنك وهيئتك، فغلبتنـي نفسي علـى ما رأيت. فـيزعمون أنه وجدها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلـين: إفراثـيـم بن يوسف، وميشا بن يوسف.

١٤٩١٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: وكذلكَ مَكّنا لـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال: استعمله الـملك علـى مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يـلـي البـيع والتـجارة وأمرها كله، فذلك قوله:وكذلكَ مَكنّا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يشاءُ.

١٤٩١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يَتَبَوّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال: ملكناه فـيـما يكون فـيها حيث يشاء من تلك الدنـيا، يصنع فـيها ما يشاء، فُوّضَتْ إلـيه. قال: ولو شاء أن يجعل فرعون من تـحت يديه، ويجعله فوقه لفعل.

١٤٩١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي إسحاق الكوفـي، عن مـجاهد، قال: أسلـم الـملك الذي كان معه يوسف.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلأجْرُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ لّلّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتّقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولثواب اللّه فـي الاَخرة خير للذين آمنوا

يقول: للذين صدّقوا اللّه ورسوله مـما أعطى يوسف فـي الدنـيا من تـمكينه له فـي أرض مصر. وكانُوا يَتّقُونَ

يقول: وكانوا يتقون اللّه فـيخافون عقابه فـي خلاف أمره واستـحلال مـحارمه، فـيطيعونه فـي أمره ونهيه.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَجاءَ إخْوةُ يُوسُفَ فَدَخَـلُوا عَلَـيْهِ فَعَرَفَهُمْ يوسف، وَهُمْ لـيوسف مُنْكِرونَ لا يعرفونه. وكان سبب مـجيئهم يوسف فـيـما ذكر لـي، كما:

١٤٩١٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما اطمأنّ يوسف فـي ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فـيه، وخـلت السنون الـمخصبة التـي كان أمرهم بـالإعداد فـيها للسنـين التـي أخبرهم بها أنها كائنة، جهد الناس فـي كلّ وجه، وضربوا إلـى مصر يـلتـمسون بها الـميرة من كلّ بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الـجهد، قد أسا بـينهم، وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرا واحدا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطا بـين الناس، وتوسيعا علـيهم، فقدم إخوته فـيـمن قدم علـيه من الناس يـلتـمسون الـميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لـما أراد اللّه أن يبلّغ لـيوسف علـيه السلام ما أراد.

١٤٩١٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: أصاب الناس الـجوع، حتـى أصاب بلاد يعقوب التـي هو بها، فبعث بنـيه إلـى مصر، وأمسك أخا يوسف بنـيامين فلـما دخـلوا علـى يوسف عرفهم وهم له منكرون فلـما نظر إلـيهم، قال: أخبرونـي ما أمركم، فإنـي أُنكِر شأنكم قالوا: نـحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم؟ جئنا نـمتار طعاما. قال: كذبتـم، أنتـم عيون كم أنتـم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتـم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبرونـي خبرَكم قالوا: إنا إخوة بنو رجل صِدّيق، وإنا كنا اثنـي عشر، وكان أبونا يحبّ أخا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فـيها، وكان أحبنا إلـى أبـينا. قال: فإلـى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلـى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تـخبرونـي أن أبـاكم صدّيق وهو يحبّ الصغير منكم دون الكبـير؟ ائتونـي بأخيكم هذا حتـى أنظر إلـيه فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ وإنّا لَفـاعِلُونَ قال: فضعوا بعضكم رهينة حتـى ترجعوا فوضعوا شمعون.

١٤٩١٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ قال: لا يعرفونه.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَهّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّيَ أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ }.

يقول: ولـما حمل يوسف لإخوته أبـا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيره، قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ كيـما أحمل لكم بعيرا آخر فتزدادوا به حمل بعير آخر. ألا تَرَوْنَ أنّـي أوفِـي الكَيْـلِ فلا أبخسه أحدا وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ، وأنا خير من أنزل ضيفـا علـى نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما:

١٤٩٢٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ يوسف

يقول: أنا خير من يضيف بـمصر.

١٤٩٢١ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما جهز يوسف فـيـمن جهز من الناس، حمل لكلّ رجل منهم بعيرا بعدتهم، ثم قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ أجعل لكم بعيرا آخر، أو كما قال. ألا تَرَوْنَ أنّـي أُوفِـي الكَيْـلَ: أي لا أبخس الناس شيئا، وأنا خَيْرُ الـمُنْزِلِـينَ: أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتـيتـم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إلـيكم، وازددتـم به بعيرا مع عدتكم، فإنـي لا أعطي لكم كل رجل منكم إلا بعيرا. فإنْ لَـمْ تَأْتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ لا تقربوا بلدي.

١٤٩٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ يعني بنـيامين، وهو أخو يوسف لأبـيه وأمه.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل يوسف لإخوته: فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ بأخيكم من أبـيكم، فَلاَ كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي

يقول: فلـيس لكم عندي طعام أكيـله لكم، وَلا تَقْرَبُونِ

يقول: ولا تقربوا بلادي.

وقوله: وَلا تَقْرَبُونِ فـي موضع جزم بـالنهي، والنون فـي موضع نصب، وكسرت لـما حُذفت ياؤها، والكلام: ولا تقربونـي.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنّا لَفَاعِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف لـيوسف إذ قال لهم: ائْتُونِـي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِـيكُمْ، قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ ونسأله أن يخـلـيه معنا حتـى نَـجِيء به إلـيك، وَإنّا لَفـاعِلُونَ يعنون بذلك: وإنا لفـاعلون ما قلنا لك أنا نفعله من مراودة أبـينا عن أخينا منه ولنـجتهدن. كما:

١٤٩٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَإنّا لَفـاعِلُونَ لنـجتهدنّ.

٦٢

وقوله: وَقال لِفِتْـيانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحالِهِمْ

يقول تعالـى ذكره: وقال يوسف لِفتـيانه، وهم غلـمانه. كما:

١٤٩٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقالَ لِفِتـيْانِهِ أي لغلـمانه: اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحَالَهُمْ

يقول: اجعلوا أثمان الطعام الذي أخذتـموها منهم فـي رحالهم.

والرحال: جمع رحل، وذلك جمع الكثـير، فأما القلـيـل من الـجمع منه فهو أرحُل، وذلك جمع ما بـين الثلاثة إلـى العشرة.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى البضاعة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِـي رِحالِهِمْ: أي أوراقهم.

١٤٩٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التـي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت فـي رحالهم وهم لا يعلـمون.

١٤٩٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: وقال لفتـيته وهو يكيـل لهم: اجعلوا بضاعتهم فـي رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلـى أهلهم لعلهم يرجعون إلـيّ.

فإن قال قائل: ولأية علة أمر يوسف فتـيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته فـي رحالهم؟ قـيـل: يحتـمل ذلك أوجها: أحدها: أن يكون خشي أن لا يكون عند أبـيه دراهم، إذ كانت السّنة سنَة جدب وقحط، فـيضرّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إلـيه. أو أراد أن يتسع بها أبوه وإخوته مع حاجتهم إلـيه، فردّه علـيهم من حيث لا يعلـمون سبب ردّه تكرّما وتفضلاً، والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخـلفوه الوعد فـي الرجوع، إذا وجدوا فـي رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه علـيهم غيرهم عِوَضا من طعامهم، ويتـحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتـى يؤدّوه علـى صاحبه، فـيكون ذلك أدعى لهم إلـى العود إلـيه.

٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا رَجِعُوا إِلَىَ أَبِيهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما رجع إخوة يوسف إلـى أبـيهم، قالوا: يا أبـانا مُنِعَ مِنّا الكَيْـلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ

يقول: مُنع منا الكيـل فوق الكيـل الذي كيـل لنا، ولـم يُكَل لكل رجل منا إلا كيـل بعير، فأرسل معنا أخانا بنـيامين يكتل لنفسه كيـل بعير آخر زيادة علـى كيـل أبـاعرنا. وَإنّا لُـحَافِظُونَ من أن يناله مكروه فـي سفره.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٤٩٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فلـما رجعوا إلـى أبـيهم قالوا: يا أبـانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة مّا لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتونـي بأخيكم هذا الذي عكف علـيه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك، فإن لـم تأتونـي به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَـيْهِ إلاّ كَمَا أمِنْتُكُمْ علـى أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فـاللّه خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتـيتـم ملك مصر فـاقرئوه منـي السلام، وقولوا: إن أبـانا يصلّـي علـيك، ويدعو لك بـما أولـيتنا.

١٤٩٢٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: خرجوا حتـى قدموا علـى أبـيهم، وكان منزلهم فـيـما ذكر لـي بعض أهل العلـم بـالعَرَبـات من أرض فلسطين بغَوْر الشام. وبعض

يقول: بـالأولاج من ناحية الشّعب أسفل من حِسْمَى، وكان صاحب بـادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبـانا قدمنا علـى خير رجل أنزلنا فأكرم منزلنا وكال لنا فأوفـانا ولـم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتـيه بأخ لنا من أبـينا، وقال: إن أنتـم لـم تفعلوا فلا تقربُنـيّ ولا تدخـلُنّ بلدي فقال لهم يعقوب: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَـيْهِ إلاّ كمَا أمِنْتُكُمْ علـى أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فـاللّه خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ.

واختلفت القراء فـي قراءة قوله: نَكْتَلْ، فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل مكة والكوفة نَكْتَلْ بـالنون، بـمعنى: نكتل نـحن وهو. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: (يَكْتَلْ) بـالـياء، بـمعنى يكتل هو لنفسه كما نكتال لأنفسنا.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. وذلك أنهم إنـما أخبروا أبـاهم أنه مَنَع منهم زيادة الكيـل علـى عدد رءوسهم، فقالوا: يا أبـانَا مُنِعَ مِنّا الكَيْـلُ ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم لـيكتال لنفسه، فهو إذن اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم، فقد دخـل الأخ فـي عَدَدهم. فسواء كان الـخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ الـجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به.

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىَ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّه خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم علـى أخيكم من أبـيكم الذي تسألونـي أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم علـى أخيه يوسف من قبل؟

يقول: من قبله.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فـاللّه خَيْرٌ حافِظا فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: فـاللّه خَيْرٌ حفْظا بـمعنى: واللّه خيركم حفظا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين وبعض أهل مكة: فـاللّه خَيْرٌ حافِظا بـالألف علـى توجيه الـحافظ إلـى أنه تفسير للـخير، كما يقال: هو خير رجلاً، والـمعنى: فـاللّه خيركم حافظا، ثم حذفت الكاف والـميـم.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل علـم بـالقرآن. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن من وصف اللّه بأنه خيرهم حفظا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظا، ومن وصفه بأنه خيرهم حافظا فقد وصفه بأنه خيرهم حفظا. وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ

يقول: واللّه أرحم راحم بخـلقه، يرحم صَعْفِـي علـى كبر سنـي، ووحدتـي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه حتـى يردّه علـيّ لرحمته.

٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدّتْ إِلَيْهِمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولـما فتـح إخوة يوسف متاعهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف، وجدوا بضاعتهم، وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ردّت إلـيهم. قالُوا يا أبـانا ما نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنا رُدّتْ إلَـيْنا يعني أنهم قالوا لأبـيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردّت إلـينا تطيـيبـا منهم لنفسه بـما صنع بهم فـي ردّ بضاعتهم إلـيه. وإذا وُجّه الكلام إلـى هذا الـمعنى كانت (ما) استفهاما فـي موضع نصب ب قوله: نَبْغِي. وإلـى هذا التأويـل كان يوجهه قتادة.

١٤٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما نَبْغِي

يقول: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا رُدّت إلـينا، وقد أوفـى لنا الكيـلُ.

وقوله: وَنـميرُ أهْلَنا

يقول: ونطلب لأهلنا طعاما فنشتريه لهم، يقال منه: مَارَ فلان أهله يَـميرَهم مَيْرا، ومنه قول الشاعر:

بَعَثْتُكَ مائِرا فَمَكَثْتَ حَوْلاًمَتـى يَأْتـي غِياثُكَ مَنْ تُغِيثُ

وَنَـحْفَظُ أخانا الذي ترسله معنا وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ

يقول: ونزداد علـى أحمالنا من الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا، ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ

يقول: هذا حِمل يسير. كما:

١٤٩٣١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: وَنَزْدَادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير، فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير. وقال ابن جريج: قال مـجاهد: كَيْـلَ بَعِيرٍ حمل حمار. قال: وهي لغة. قال القاسم: يعني مـجاهد: أن الـحمار يقال له فـي بعض اللغات: بعير.

١٤٩٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ

يقول: حمل بعير.

١٤٩٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ نَعُد به بعيرا مع إبلنا ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ.

٦٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّىَ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مّنَ اللّه لَتَأْتُنّنِي بِهِ إِلاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه: لن أرسل أخاكم معكم إلـى ملك مصر حتـى تُوْتُون مَوْثِقا مِنَ اللّه

يقول: حتـى تُعْطون مؤثقا من اللّه ، بـمعنى الـميثاق، وهو ما يوثق به من يـمين وعهد، لَتَأتُنّنِـي بِهِ يقول لتأتننـي: بأخيكم، إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ

يقول: إلا أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه علـى أن تأتونـي به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قال: عهدهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٩٣٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن تهلكوا جميعا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد.

قال: وحدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٩٣٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ قال: إلا أن تُغلَبوا حتـى لا تطيقوا ذلك.

١٤٩٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا، فـيكون ذلك عذرا لكم عندي.

وقوله: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ

يقول: فلـما أعطوه عهودهم، قال يعقوب: اللّه علـى ما نَقُولُ أنا وأنتـم وَكِيـلٌ

يقول: هو شهيد علـينا بـالوفـاء بـما نقول جميعا.

٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه لـما أرادوا الـخروج من عنده إلـى مصر لـيـمتاروا الطعام: يا بَنـيّ لا تدخـلوا مصر من طريق واحد، وادخـلوا من أبواب متفرّقة وذُكر أنه قال ذلك لهم، لأنهم كانوا رجالاً لهم جمال وهيبة، فخاف علـيهم العين إذا دخـلوا جماعة من طريق واحد وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا فـي الدخول إلـيها. كما:

١٤٩٣٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يزيد الواسطيّ، عن جويبر، عن الضحاك : لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وَادْخـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: خاف علـيهم العين.

١٤٩٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ واحدٍ خشي نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم العينَ علـى بنـيه كانوا ذوي صورة وجمال.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالاً، فخشي علـيهم أنفسُ الناس.

١٤٩٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقالَ يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ واحِدٍ وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: رهب يعقوب علـيه السلام علـيهم العين.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ خَشِي يعقوب علـى ولده العين.

١٤٩٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ وَاحِدٍ قال: خشي علـيهم العين.

١٤٩٤٢ـ قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: خاف يعقوب صلى اللّه عليه وسلم علـى بنـيه العين، فقال: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحدٍ فـيقال: هؤلاء لرجل واحد، ولكن ادخـلوا من أبواب متفرّقة.

١٤٩٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما أجمعوا الـخروج، يعني ولد يعقوب، قال يعقوب: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ خشي علـيهم أعين الناس لهيبتهم، وأنهم لرجل واحد.

وقوله: وَما أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّه مِنْ شَيْءٍ

يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء اللّه الذي قد قضاه علـيكم من شيء صغير ولا كبـير، لأن قضاءه نافذ فـي خـلقه. إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ

يقول: ما القضاء والـحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم فـي خـلقه بـما يشاء، فـينفذ فـيهم حكمه، ويقضي فـيهم ولا يُردّ قضاؤه. عَلَـيْهِ تَوَكّلْتُ

يقول: علـى اللّه توكلت، فَوَثقت به فـيكم، وفـي حفظكم علـيّ حتـى يردّكم إلـىّ وأنتـم سالـمون معافون، لا علـى دخولكم مصر إذا دخـلتـموها من أبواب متفرّقة. وَعَلَـيْهِ فَلْـيَتَوكّلِ الـمُتَوكّلُونَ

يقول: وإلـى اللّه فلـيفوّض أمورَهم الـمفوّضون.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللّه مِن شَيْءٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرّقة. ما كانَ يُغْنِـي دخولهم إياها كذلك عَنْهُمْ مِنَ قضاء اللّه الذي قضاه فـيهم فحتـمه، مِنْ شَيْءٍ إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعَقُوبَ قَضَاها إلا أنهم قضوا وطرا لـيعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفـا من العين علـيهم، فـاطمأنت نفسه أن يكونوا أُوتُوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:

١٤٩٤٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها خيفة العين علـى بنـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: خشية العين علـيهم.

١٤٩٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قوله: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: ما تـخوّف علـى بنـيه من أعين الناس لهيبتهم وعدتهم.

وقوله: وإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ

يقول تعالـى ذكره: وإن يعقوب لذو علـم لتعلـيـمنا إياه. وقـيـل: معناه وإنه لذو حفظ لـما استودعنا صدره من العلـم. واختلف عن قتادة فـي ذلك:

١٤٩٤٦ـ فحدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإِنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ: أي مـما علـمناه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن أبـي عَرُوبة عن قتادة: وَإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ قال: إنه لعامل بـما علـم.

١٤٩٤٧ـ قال: الـمثنى، قال إسحاق، قال عبد اللّه ، قال سفـيان: إنه لذو علـم مـما علـمناه، وقال: من لا يعمل لا يكون عالـما.

وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ

يقول جلّ ثناؤه: ولكن كثـيرا من الناس غير يعقوب، لا يعلـمون ما يعلـمه، لأنا حَرَمناه ذلك فلـم يعلـمه.

٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّيَ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب علـى يوسف، آوَى إلَـيْهِ أخاهُ

يقول: ضمّ إلـيه أخاه لأبـيه وأمه، وكلّ أخوه لأبـيه. كما:

١٤٩٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السّدّي: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلاً، وأجرى علـيهم الطعام والشراب فلـما كان اللـيـل جاءهم بُـمُثل، فقال: لـينـم كلّ أخوين منكم علـى مِثال فلـما بقـي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي علـى فراشي. فبـات معه، فجعل يوسف يشُمّ ريحه، ويضمه إلـيه حتـى أصبح، وجعل رُوبـيـل

يقول: ما رأينا مثل هذا، أريحونا منه.

١٤٩٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما دخـلوا، يعني ولد يعقوب علـى يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتـيك به، قد جئناك به فذكر لـي أنه قال لهم: قد أحسنتـم وأصبتـم، وستـجدون ذلك عندي، أو كما قال. ثم قال: إنـي أراكم رجالاً، وقد أردت أن أكرمكم، ودعا ضافته، فقال: أنزل كل رجلـين علـى حدة، ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال: إنـي أرى هذا الرجل الذي جئتـم به لـيس معه ثان، فسأضمه إلـيّ، فـيكون منزله معي. فأنزلهم رجلـين رجلـين فـي منازل شتـى، وأنزل أخاه معه، فآواه إلـيه، فلـما خلا به قالَ إنّـي أنا أخُوكَ أنا يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بشيء فعلوه بنا فـيـما مضى، فإن اللّه قد أحسن إلـينا، ولا تعلـمهم شيئا مـما أعلـمتك. يقول اللّه :وَلـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيه أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.

١٤٩٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ ضمه إلـيه وأنزله، وهو بنـيامين.

١٤٩٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه، يقول، وسئل عن قول يوسف: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ كيف أجابه حين أخِذ بـالصواع، وقد كان أخبره أنه أخوه وأنتـم تزعمون أنه لـم يزل متنكرا لهم يكايدهم، حتـى رجعوا، فقال: إنه لـم يعترف له بـالنسبة، ولكنه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ

يقول: لا يحزنك مكانه.

وقوله: فَلا تَبْتَئِسْ

يقول: فلا تستكِنْ ولا تـحزن، وهو: (فلا تفتعل) من (البؤس) ، يقال منه: ابتأس يبتئس ابتئاسا.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلا تَبْتَئِسْ

يقول: فلا تـحزن، ولا تـيأس.

١٤٩٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد، قال: سمعت وهب بن منبه

يقول: فَلا تَبْتَئِسْ

يقول: لا يحزنك مكانه.

١٤٩٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ

يقول: لا تـحزن علـى ما كانوا يعملون.

فتأويـل الكلام إذن: فلا تـحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إلـيك فـي نفسك وفـي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبل الـيوم بك.

٧٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَهّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمّ أَذّنَ مُؤَذّنٌ أَيّتُهَا الْعِيرُ إِنّكُمْ لَسَارِقُونَ }.

يقول: ولـما حمّل يوسف إبل إخوته ما حَملها من الـميرة وقضى حاجتهم، كما:

١٤٩٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَلَـمّا جَهّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ

يقول: لـما قضى لهم حاجتهم ووفـاهم كيـلهم.

وقوله: جَعَلَ السّقايَةَ فـي رَحْلِ أخِيهِ

يقول: جعل الإناء الذي يكيـل به الطعام فـي رحل أخيه. والسقاية: هي الـمشربة، وهي الإناء الذي كان يشرب فـيه الـملك ويكيـل به الطعام.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٥٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا عبد الواحد، عن يونس، عن الـحسن أنه كان

يقول: الصّواع والسقاية سواء، هو الإناء الذي يشرب فـيه.

١٤٩٥٧ـ قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: السقاية والصّواع شيء واحد، كان يشرب فـيه يوسف.

قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: السقاية الصّواع الذي يشرب فـيه يوسف.

١٤٩٥٨ـ حدثنا مـحمد بن الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: جَعَلَ السّقَايَةَ قال: مَشْرَبة الـملك.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ وهو إناء الـملك الذي كان يشرب فـيه.

١٤٩٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلكِ ولِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وهي السقاية التـي كان يشرب فـيها الـملك يعني مَكّوكه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: جَعَلَ السّقَايَةَ

وقوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هما شيء واحد، السقاية والصواع شيء واحد يشرب فـيه يوسف.

١٤٩٦٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: جَعَلَ السّقايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ: هو الإناء الذي كان يشرب فـيه الـملك.

١٤٩٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: جَعَلَ السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ قال: السقاية: هو الصّواع، وكان كأسا من ذهب فـيـما يذكرون.

 قوله: فِـي رَحْلِ أخِيهِ فإنه يعني : فـي متاع أخيه ابن أمه وأبـيه وهو بنـيامين، وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فِـي رَحْلِ أخِيهِ: أي فـي متاع أخيه.

وقوله: ثُمّ أذّنَ مُؤَذّنٌ

يقول: ثم نادى مناد، وقـيـل: أعلـم مُعْلِـم، أيّتُها العِيرُ: وهي القافلة فـيها الأحمال إنّكُمْ لَسارِقُونَ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا جَهّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ والأخ لا يشعر، فلـما ارتـحلوا أذّن مؤذّن قبل أن ترتـحل العير: إنّكُمْ لَسارِقُونَ.

١٤٩٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفـاهم، وحمل لهم بعيرا بعيرا، وحمل لأخيه بعيرا بـاسمه كما حمل لهم، ثم أمر بسقاية الـملك، وهو الصواع، وزعموا أنها كانت من فضة، فجُعلت فـي رحل أخيه بنـيامين. ثم أمهلهم حتـى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر بهم فأُدركوا، فـاحتُبِسوا، ثم نادى مناد: أيّتُها العيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ قـفوا وانتهى إلـيهم رسوله، فقال لهم فـيـما يذكرون: ألـم نكرم ضيافتكم، ونوفكم كيـلكم، ونـحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لـم نفعل بغيركم، وأدخـلناكم علـينا فـي بـيوتنا ومنازلنا؟ أو كما قال لهم، قالوا: بلـى، وما ذاك؟ قال: سِقاية الـملك فقدناها، ولا نتهم علـيها غيركم. قالوا تاللّه لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِـينَ.

وقوله: أيّتُها العِيرُ قد بـيّنا فـيـما مضى معنى العِير، وهو جمع لا واحد له من لفظه. وحُكي عن مـجاهد أن عِير بنـي يعقوب كانت حَمِيرا.

١٤٩٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد: أيّتُها العِيرُ قال: كانت حميرا.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي رجل، عن مـجاهد، فـي قوله: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لسَارِقُونَ قال: كانت العِير حميرا.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قال بنو يعقوب لـما نودوا: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ وأقبلوا علـى الـمنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: ماذَا تَفْقِدُونَ ما الذي تفقدون؟

٧٢

قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلِكِ

يقول: فقال لهم القوم: نفقد مَشْرَبَة الـملك.

واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فذُكر عن أبـي هريرة أنه قرأ: (صَاعَ الـمَلِكَ) بغير واو، كأنه وجهه إلـى الصاع الذي يكال به الطعام. ورُوي عن أبـي رجاء أنه قرأه: (صَوْعَ الـمَلِكَ) . ورُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: (صَوْغَ الـمَلِكَ) بـالغين، كأنه وجهه إلـى أنه مصدر، من قولهم صاغ يصوغ صَوْغا. وأما الذي علـيه قرّاء الأمصار: فصواع الـملك، وهي القراءة التـي لا أستـجيز القراءة بخلافها لإجماع الـحجة علـيها. والصّواع: هو الإناء الذي كان يوسف يكيـل به الطعام، وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٦٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس فـي هذا الـحرف: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كهيئة الـمَكّوك. قال: وكان للعبـاس مثله فـي الـجاهلـية يشرب فـيه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من فضة مثل الـمَكّوك. وكان للعبـاس منها واحد فـي الـجاهلـية.

١٤٩٦٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع. قال: حدثنا أبـي. عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من فضة.

١٤٩٦٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، أنه قرأ: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال وكان إناءه الذي يشرب فـيه، وكان إلـى الطول ما هو.

١٤٩٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو، عن أبـي عوانة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: الـمَكّوك الفـارسيّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هو الـمَكّوك الفـارسي الذي يـلتقـي طرفـاه، كانت تشرب فـيه الأعاجم.

١٤٩٧٠ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغراء، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: إناء الـملك الذي كان يشرب فـيه.

حدثنا الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى: يعني ابن عبـاد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عبـاس : قال: صُوَاعَ الـمَلِكِ: مَكّوك من فضة يشربون فـيه. وكان للعبـاس واحد فـي الـجاهلـية.

١٤٩٧١ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: صُوَاع الـمَلِكِ: إناء الـملك الذي يشرب فـيه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هو الـمَكّوك الفـارسي الذي يـلتقـي طَرَفـاه.

١٤٩٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الصواع: كان يشرب فـيه يوسف.

١٤٩٧٣ـ حدثنا مـحمد بن معمر البحرانـي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا صدقة بن عبـاد، عن أبـيه عن ابن عبـاس : صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من نُـحاس.

وقوله: وَلِـمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ

يقول: ولـمن جاء بـالصواع حمل بعير من الطعام. كما:

١٤٩٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلِ بَعِيرٍ

يقول: وِقْر بعير.

١٤٩٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل طعام وهي لغة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل طعام، وهي لغة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٤٩٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: قوله حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل حمار.

وقوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ

يقول: وأنا بأن أوفـيه حمل بعير من الطعام إذا جاءنـي بصواع الـملك كفـيـل.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٧٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ

يقول: كفـيـل.

١٤٩٧٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ الزعيـم: هو الـمؤذن الذي قال: أيّتُها العِيرُ.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بكر وأبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، قال: بلغنـي عن مـجاهد، ثم ذكر نـحوه.

١٤٩٧٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبـير: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال: كفـيـل.

١٤٩٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ: أي وأنا به كفـيـل.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال: كفـيـل.

١٤٩٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال كفـيـل.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك ، فذكر مثله.

١٤٩٨٢ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال كفـيـل.

١٤٩٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير وأنا به كفـيـل بذلك حتـى أؤدّيه إلـيه.

ومِن الزعيـم الذي بـمعنى الكفـيـل قول الشاعر:

فلَسْتُ بآمِرٍ فِـيها بسَلْـمٍولكِنّـي علـى نَفْسِي زَعِيـمُ

وأصل الزعيـم فـي كلام العرب: القائم بأمر القوم، وكذلك الكفـيـل والـحَمِيـل، ولذلك قـيـل: رئيس القوم زعيـمهم ومدبرهم، يقال منه: قد زَعُم فلان زَعامة وزَعَاما ومنه قول لـيـلـى الأخيـلـية:

حتـى إذَا بَرَزَ اللّوَاءُ رأيْتَهُتـحتَ اللّوَاءِ علـى الـخَمِيسِ زَعِيـما

٧٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّه لَقَدْ عَلِمْتُمْ مّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنّا سَارِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف: تاللّه يعني : والله. وهذه التاء فـي (تالله) إنـما هي واو قلبت تاء كما فعل ذلك فـي التورية وهي من ورّيت، والتراث وهي من ورثت، والتـخمة وهي من الوخامة قُلبت الواو فـي ذلك كله تاء. والواو فـي هذه الـحروف كلها من الأسماء، ولـيست كذلك فـي (تالله) ، لأنها إنـما هي واو القسم، وإنـما جعلت تاء لكثرة ما جرى علـى ألسن العرب فـي الأيـمان فـي قولهم (والله) ، فخصت فـي هذه الكلـمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك فـي اسم اللّه ، فقال: (تالله) لـم يقل تالرحمن وتالرحيـم، ولا مع شيء من أسماء اللّه ، ولا مع شيء مـما يقسم به، ولا يقال ذلك إلاّ فـي (تالله) وحده.

وقوله: لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ

يقول: لقد علـمتـم ما جئنا لنعصَى اللّه فـي أرضكم، كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله: قالُوا تاللّه لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ

يقول: ما جئنا لنعصَى فـي الأرض.

فإن قال قائل: وكان عِلْـمُ من قـيـل له لقد عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ بأنهم لـم يجيئوا لذلك حتـى استـجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟ قـيـل: استـجازا أن يقولوا ذلك لأنهم فـيـما ذكر ردّوا البضاعة التـي وجدوها فـي رحالهم، فقالوا: لو كنا سرّاقا لـم نردّ علـيكم البضاعة التـي وجدوها فـي رحالهم، فقالوا: لو كنا سرّاقا لـم نردّ علـيكم البضاعة التـي وجدناها فـي رحالنا. وقـيـل: إنهم كانوا قد عرفوا فـي طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلـمون أحدا ولا يتناولون ما لـيس لهم، فقالوا ذلك حين قـيـل لهم: إنّكُمْ لَسارِقُونَ.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السّرَق إن كنتـم كاذبـين فـي قولكم ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِـينَ

٧٥

قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ.

يقول جلّ ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السّرَق مَنْ وُجد فـي متاعه السّرَق فهو جزاؤه،

يقول: فـالذي وجد ذلك فـي رحله ثوابه بأن يُسْلَـم بسرقته إلـى من سرق منه حتـى يسترقّه. كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ

يقول: كذلك نفعل بـمن ظلـم ففعل ما لـيس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقا.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَهُوَ جَزَاؤُهُ أي سُلّـم به، كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ: أي كذلك نصنع بـمن سَرَق منا.

١٤٩٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزّاق، عن معمر، قال: بلغنا فـي قوله: قالُوا فمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ أخبروا يوسف بـما يُحْكَم فـي بلادهم أنه من سَرَق أُخِذ عبدا، فقالوا: جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ.

١٤٩٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: قالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ تأخذونه فهو لكم.

ومعنى الكلام: قالوا: ثواب السّرَق الـموجود فـي رحله، كأنه قـيـل: ثوابه استرقاق الـموجود فـي رحله، ثم حذف (استرقاق) ، إذ كان معروفـا معناه، ثم ابتدىء الكلام فقـيـل: هو جزاؤه كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ.

وقد يحتـمل وجها آخر: أن يكون معناه: قالوا ثواب السرق الذي يوجد السرق فـي رحله، فـالسارق جزاؤه. فـيكون (جزاؤه) الأوّل مرفوعا بجملة الـخبر بعده، ويكون مرفوعا بـالعائد من ذكره فـي (هو) ، و (هو) رافع (جزاؤه) الثانـي.

ويحتـمل وجها ثالثا: وهو أن تكون (مَنْ) جزائية، وتكون مرفوعة بـالعائد من ذكره فـي الهاء التـي فـي (رحله) ، والـجزاء الأوّل مرفوعا بـالعائد من ذكره فـي (وجد) ، ويكون جواب الـجزاء الفـاء فـي (فهو) . والـجزاء الثانـي مرفوع ب (هو) ، فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: قالوا: جزاء السّرَق من وُجد السّرَق فـي رحله، فهو ثوابه يُسْترقّ ويستعبد.

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ففتّش يوسف أوعيتهم ورحالهم طالبـا بذلك صُواع الـملك، فبدأ فـي تفتـيشه بأوعية إخوته من أبـيه، فجعل يفتشها وعاء وعاء قبل وعاء أخيه من أبـيه وأمه، فإنّه أخّر تفتـيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فـاستـخرج الصواع من وعاء أخيه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَبَدَأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ ذُكر لنا أنه كان لا ينظر فـي وعاء إلاّ استغفر اللّه تأثما مـما قذفهم به، حتـى بقـيَ أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئا، قالوا: بَلـى فـاسْتبرِه، أَلاَ وقد علـموا حيث وضعوا سقايتهم. ثم استـخرجها من وعاء أخيه.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتاد، قال: فـاستـخرجها من وعاء أخيه، قال: كان كلـما فتـح متاعا استغفر تائبـا مـما صنع، حتـى بلغ متاع الغلام، فقال: ما أظنّ هذا أخذ شيئا، قالوا: بلـى، فـاستبره.

١٤٩٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: فَبَدأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وَعاءِ أخِيهِ فلـما بقـي رَحْلُ الغلام، قال: ما كان هذا الغلام لـيأخذه. قالوا: واللّه لا يترك حتـى تنظر فـي رحله، لنذهب وقد طابت نفسك فأدخـل يده فـاستـخرجها من رحله.

١٤٩٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قال الرسول لهم: ولِـمَنْ جاءِ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قالوا: ما نعلـمه فـينا ولا معنا. قال: لستـم ببـارحين حتـى أفتش أمتعتكم وأُعْذِر فـي طلبها منكم. فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاء، يفتشها وينظر ما فـيها، حتـى مرّ علـى وعاء أخيه ففتشه، فـاستـخرجها منه، فأخذ برقبته، فـانصرف به إلـى يوسف. يقول اللّه :كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ.

١٤٩٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: ذُكِر لنا أنه كان كلـما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثما، قد علـم أين موضع الذي يطلب. حتـى إذا بقـي أخوه وعلـم أن بغيته فـيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبـالـي أن لا أبحث متاعه قال إخوته: إنه أطيب لنفسك وأنفسنا أن تستبرىء متاعه أيضا. فلـما فتـح متاعه استـخرج بغيته منه قال اللّه : كذلكَ كِدْنا لـيُوسُفَ.

واختلف أهل العربـية فـي الهاء والألف اللتـين فـي قوله: ثُمّ اسْتَـخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخِيهِ فقال بعض نـحويّـي البصرة: هي من ذكر (الصواع) ، قال: وأنّث وقد قال: ولِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ لأنه عنى الصّواع. قال: والصواع مذكر، ومنهم من يؤنث الصواع، وعنـي ههنا السقاية، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد مثل الثوب والـملـحفة مذكر ومؤنث لشيء واحد.

وقال بعض نـحويّـي الكوفة فـي قوله: ثُمّ اسْتَـخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخِيهِ ذهب إلـى تأنـيث السرقة، قال: وإن يكن الصواع فـي معنى الصاع، فلعل هذا التأنـيث من ذلك. قال: وإن شئت جعلته لتأنـيث السقاية. قال: والصواع ذَكر، والصاع يؤنث ويذكر، فمن أنثه قال: ثلاث أَصْوُع، مثل ثلاث أَدْوُر، ومن ذكره قال: أصواع، مثل أبواب.

وقال آخر منهم: إنـما أُنث الصواع حين أنث لأنه أريدت به السقاية وذُكّر حين ذكر، لأنه أريد به الصواع. قال: وذلك مثل الـخِوَان والـمائدة، وسِنان الرمـح وعالـيته، وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتـمع فـيه اسمان: أحدهما مذكر، والاَخر مؤنث.

وقوله: كذلك كِدْنا لِـيُوسُفَ

يقول: هكذا صنعنا لـيوسف حتـى يُخَـلّص أخاه لأبـيه وأمه من إخوته لأبـيه، بإقرار منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه فـي يديه ويحول بـينه وبـينهم وذلك أنهم قالوا إذ قـيـل لهم ما جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ: جزاء من سرق الصواع أن من وجد ذلك فـي رحله فهو مُسْتَرَقّ به، وذلك كان حكمهم فـي دينهم. فكاد اللّه لـيوسف كما وصف لنا حتـى أخَذ أخاهُ منهم، فصار عنده بحكمهم وصنع اللّه له.

وقوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه

يقول: ما كان يوسف لـيأخذ أخاه فـي حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لأنه لـم يكن من حكم ذلك الـملك وقضائه أن يُسْترقّ أحد بـالسرق، فلـم يكن لـيوسف أخذ أخيه فـي حكم ملك أرضه إلاّ أن يشاء اللّه بكيده الذي كاده له، حتـى أَسْلَـمَ مَنْ وُجد فـي وعائه الصّواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم علـيه وطابت أنفسهم بـالتسلـيـم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٩٢ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ فعلةً كادها اللّه له، فـاعتلّ بها يوسف.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ كادها اللّه له، فكانت علة لـيوسف.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه قال: إلاّ فعلة كادها اللّه فـاعتلّ بها يوسف.

١٤٩٩٣ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ قال: صنعنا.

١٤٩٩٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ

يقول: صنعنا لـيوسف.

١٤٩٩٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ

يقول: صنعنا لـيوسف.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ

فقال بعضهم: ما كان لـيأخذ أخاه فـي سلطان الـملك. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ

يقول: فـي سلطان الـملك.

١٤٩٩٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ما كان لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ

يقول: فـي سلْطان الـملك.

وقال آخرون: معنى ذلك: فـي حكمه وقضائه. ذكر من قال ذلك:

١٤٩٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه

يقول: ما كان ذلك فـي قضاء الـملك أن يستعبد رجلاً بسرقة.

١٤٩٩٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: لـم يكن ذلك فـي دين الـملك، قال: حكمه.

١٥٠٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح مـحمد بن لـيث الـمروزي، عن رجل قد سماه، عن عبد اللّه بن الـمبـارك، عن أبـي مودود الـمدينـيّ، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرَظيّ

يقول: قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: دين الـملك لا يؤخذ به من سرق أصلاً، ولكن اللّه كاد لأخيه، حتـى تكلـموا ما تكلـموا به، فأخذهم بقوله م، ولـيس فـي قضاء الـملك.

١٥٠٠١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: بلغه فـي قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلكِ قال: كان حكم الـملك أن من سرق ضوعف علـيه الغُرم.

١٥٠٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ

يقول: فـي حكم الـملك.

١٥٠٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ: أي بظلـم، ولكن اللّه كاد لـيوسف لـيضمّ إلـيه أخاه.

١٥٠٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: لـيس فـي دين الـملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الـحكم عند الأنبـياء يعقوب وبنـيه: أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا يُسترقّ.

وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـي معنى دين الـملك، فمتقاربة الـمعانـي، لأن من أخذه فـي سلطان الـملك عامله بعمله، فـيريناه أخذه إذا لـم يغيره، وذلك منه حكم علـيه، وحكمه علـيه قضاؤه. وأصل الدّين: الطاعة، وقد بـيّنت ذلك فـي غير هذا الـموضع بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وقوله: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه كما:

١٥٠٠٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه ولكن صَنَعنا له بأنهم قالوا: فَهُوَ جَزَاؤُهُ.

١٥٠٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّه إلاّ بعلة كادها اللّه ، فـاعتلّ بها يوسف.

وقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: (نَرْفَعُ دَرَجاتِ مَنْ نَشاءُ) بإضافة الدرجات إلـى (مَنْ) بـمعنى: نرفع منازل من نشاء، رفع منازله ومراتبه فـي الدنـيا بـالعلـم علـى غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف فـي ذلك ومنزلته فـي الدنـيا علـى منازل إخوته ومراتبهم. وقرأ ذلك آخرون: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بتنوين (الدرجات) ، بـمعنى: نرفع من نشاء مراتب ودرجات فـي العلـم علـى غيره، كما رفعنا يوسف. فمَن علـى هذه القراءة نصب، وعلـى القراءة الأولـى خفض. وقد بـيّنا ذلك فـي سورة الأنعام.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٠٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتِ مَنْ نَشاءُ يوسف وإخوته أُوتوا علـما، فرفعنا يوسف فوقهم فـي العلـم.

وقوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ

يقول تعالـى ذكره: وفوق كل عالـم مَنْ هو أعلـم منه حتـى ينتهي ذلك إلـى اللّه تعالـى. وإنـما عَنَى بذلك أن يوسف أعلـم إخوته، وأن فوق يوسف من هو أعلـم من يوسف، حتـى ينتهي ذلك إلـى اللّه تعالـى.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٠٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عامر العَقْديّ، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الأعلـى الثعلبـيّ، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: وَفَوْقَ كُلّ ذِي علْـمٍ عَلـيـمٌ فقال ابن عبـاس : بئسما قلت، إن اللّه هو علـيـم، وهو فوق كلّ عالـم.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد الأعلـى عن سعيد بن جبـير، قال: حدّث ابن عبـاس بحديث، فقال رجل عنده: الـحمد لله وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ فقال ابن عبـاس : العالـم اللّه ، وهو فوق كلّ عالـم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عبد الأعلـى، عن سعيد بن جبـير، قال: كنا عند ابن عبـاس ، فحدّث حديثا، فتعجب رجل فقال: الـحمد لله وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ فقال ابن عبـاس : بئسما قلت: اللّه العلـيـم، وهو فوق كل عالـم.

١٥٠٠٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد وابن وكيع، قالا: حدثنا عمرو بن مـحمد، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سالـم، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: يكون هذا أعلـم من هذا، وهذا أعلـم من هذا، واللّه فوق كل عالـم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلـى، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: اللّه الـخبـير العلـيـم فوق كلّ عالـم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن عبد الأعلـى، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: اللّه فوق كلّ عالـم.

١٥٠١٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب، قال: سأل رجل علـيا عن مسئلة، فقال فـيها، فقال الرجل: لـيس هكذا ولكن كذا وكذا، قال علـيّ: أصبت وأخطأت وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ.

١٥٠١١ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن عُلَـية، عن خالد، عن عكرمة، فـي قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: علـم اللّه فوق كلّ أحد.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن نصر، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: اللّه عزّ وجلّ.

١٥٠١٢ـ حدثنا ابن وكيع، حدثنا يعلـى بن عبـيد، عن سفـيان، عن عبد الأعلـى، عن سعيد بن جبـير: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: اللّه أعلـم من كلّ أحد.

١٥٠١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الـحسن، فـي قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ قال: لـيس عالـم إلاّ فوقه عالـم حتـى ينتهي العلـم إلـى اللّه .

١٥٠١٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عاصم، قال: حدثنا جويرية، عن بشير الهجيـمي، قال: سمعت الـحسن قرأ هذه الآية يوما: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ، ثم وقـف فقال: إنه واللّه ما أمسى علـى ظهر الأرض عالـم إلاّ فوقه من هو أعلـم منه، حتـى يعود العلـم إلـى الذي علـمه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ، عن جرير، عن ابن شُبْرُمة، عن الـحسن: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: فوق كل عالـم عالـم، حتـى ينتهي العلـم إلـى اللّه .

١٥٠١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ حتـى ينتهي العلـم إلـى اللّه ، منه بدىء، وتعلـمت العلـماء، وإلـيه يعود. فـي قراءة عبد اللّه : (وَفَوْقَ كُلّ عالِـمٍ عَلِـيـمٌ) .

قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز لـيوسف أن يجعل السقاية فـي رحل أخيه ثم يِسَرّق قوما أبرياء من السّرَق، ويقول أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ؟ قـيـل: إن قوله: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ إنـما هو خبر من اللّه عن مؤذّن أذّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون الـمؤذّن أذن بذلكَ أنْ فَقَد الصواع ولا يعلـم بصنـيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذن الـمؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستـجاز الأمر بـالنداء بذلك لعلـمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقة فـي بعض الأحوال، فأمر الـمؤذن أن يناديهم بوصفهم بـالسّرَق، ويوسف يعني ذلك السرق لا سرقهم الصواع. وقد قال بعض أهل التأويـل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه اللّه بإجابة القوم إياه: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ وقد ذكرنا الرواية فـيـما مضى بذلك.

٧٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قالُوا إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون أخاه لأبـيه وأمه وهو يوسف. كما:

١٥٠١٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ لـيوسف.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدَ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: يعني يوسف.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: يوسف.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي السّرَق الذي وصفوا به يوسف

فقال بعضهم: كان صنـما لـجده أبـي أمه كسره وألقاه علـى الطريق. ذكر من قال ذلك:

١٥٠١٧ـ حدثنا أحمد بن عمرو البصري، قال: حدثنا الفـيض بن الفضل، قال: حدثنا مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: سرق يوسف صنـما لـجدّه أبـي أمه كسره وألقاه فـي الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك.

١٥٠١٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ذكر أنه سرق صنـما لـجدّه أبـي أمه، فعيروه بذلك.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ: أرادوا بذلك عيب نبـيّ اللّه يوسف، وسرقته التـي عابوه بها صنـم كان لـجدّه أبـي أمه، فأخذه، إنـما أراد نبـيّ اللّه بذلك الـخير، فعابوه.

١٥٠١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: إنْ يَسْرقْ فقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كانت أم يوسف أمرت يوسف يسرق صنـما لـخاله يعبده، كانت مسلـمة.

وقال آخرون فـي ذلك ما:

١٥٠٢٠ـ حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، قال: كان بنو يعقوب علـى طعام، اضطرّ يوسف إلـى عَرْق فخبأه، فعيروه بذلك إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.

وقال آخرون فـي ذلك بـما:

١٥٠٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أبـي الـحجاج، قال: كان أول ما دخـل علـى يوسف من البلاء فـيـما بلغنـي أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إلـيها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بـالكَبر، فكان من اختصّ بها مـمن ولـيها كان له سَلَـما لا ينازع فـيه، يصنع فـيه ما شاء. وكان يعقوب حين ولد له يوسف، كان قد حضنته عمته، فكان معها وإلـيها، فلـم يحب أحد شيئا من الأشياء حبها إياه. حتـى إذا ترعرع وبلغ سنوات، ووقعت نفس يعقوب علـيه، أتاها فقال: يا أخية سلّـمي إلـيّ يوسف، فواللّه ما أقدر علـى أن يغيب عنـي ساعة فقالت: واللّه ما أنا بتاركته، واللّه ما أقدر أن يغيب عنـي ساعة قال: فواللّه ما أنا بتاركه قالت: فدعه عندي أياما أنظر إلـيه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلـينـي عنه أو كما قالت. فلـما خرج من عندها يعقوب عمدت إلـى منطقة إسحاق فحزمتها علـى يوسف من تـحت ثـيابه، ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق، فـانظروا من أخذها ومن أصابها فـالتُـمست، ثم قالت: اكشفوا أهل البـيت فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: واللّه إنه لـي لسلـم أصنع فـيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الـخبر، فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك فهو سلـم لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر علـيه يعقوب حتـى ماتت. قال: فهو الذي تقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه علـيهم فـي أنفسهم تأنـيبـا له: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ. فلـما سمعها يوسف قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا سرّا فـي نفسه ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ واللّه أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ.

وقوله: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ يعني ب قوله: (فأسرّها) : فأضمرها، وقال: (فأسرّها) فأنث، لأنه عنى بها الكلـمة، وهي: (أنتـمّ شرّ مكانا، واللّه أعلـم بـما تصفون) ، ولو كانت جاءت بـالتذكير كان جائزا، كما قـيـل: تِلْكَ مِنْ أنْبـاءِ الغَيْبِ و ذلكَ منْ أنْبـاءِ القُرَى، وكنـي عن الكلـمة ولـم يجر لها ذكر متقدّم، والعرب تفعل ذلك كثـيرا، إذا كان مفهوما الـمعنى الـمراد عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتـم الطائي:

أماوِيّ ما يُغْنِـي الثّرَاءُ عَنِ الفَتـىإذَا حَشْرَجَتْ يَوْما وَضَاقَ بِها الصّدْرُ

يريد: وضاق بـالنفس الصدر. فكنـي عنها ولـم يجر لها ذكر، إذ كان فـي قوله: (إذا حشرجت يوما) ، دلالة لسامع كلامه علـى مراده ب قوله: (وضاق بها) . ومنه قول اللّه :ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحيـمٌ فقال: (من بعدها) ، ولـم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ أما الذي أسرّ فـي نفسه ف قوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ قال هذا القول.

١٥٠٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ

يقول: أسرّ فـي نفسه قوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّه أعْلَـمُ بـمَا تَصِفُونَ.

وقوله: وَاللّه أعْلَـمُ بِـما تَصِفُونَ

يقول: واللّه أعلـم بـما تكذّبون فـيـما تصفون به أخاه بنـيامين.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٢٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّه أعْلَـمُ بِـما تَصِفُونَ يقولون: يوسف يقوله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٥٠٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ: أي بـما تكذبون.

فمعنى الكلام إذن: فأسرّها يوسف فـي نفسه ولـم يبدها لهم، قال: أنتـم شرّ عند اللّه منزلاً مـمن وصفتـموه بأنه سرق، وأخبث مكانا بـما سلف من أفعالكم، واللّه عالـم بكذبكم، وأن جهله كثـير مـمن حضر من الناس.

وذُكر أن الصواع لـما وُجد فـي رحل أخي يوسف تلاوم القوم بـينهم، كما:

١٥٠٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما استـخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بنـي راحيـل، ما يزال لنا منكم بلاء حتـى أخذت هذا الصواع فقال بنـيامين: بل بنو راحيـل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتـم بأخي فأهلكتـموه فـي البرية، وضع هذا الصواع فـي رحلـي الذي وضع الدراهم فـي رحالكم. فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها. فلـما دخـلوا علـى يوسف دعا بـالصواع، فنقر فـيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال: إن صواعي هذا لـيخبرنـي أنكم كنتـم اثنـي عشر رجلاً، وأنكم انطلقتـم بأخ لكم فبعتـموه. فلـما سمعها بنـيامين، قام فسجد لـيوسف، ثم قال: أيها الـملك، سل صواعك هذا عن أخي أحيّ هو؟ فنقره، ثم قال: هو حيّ، وسوف تراه. قال: فـاصنع بـي ما شئت، فإنه إن علـم بـي سوف يستنقذنـي. قال: فدخـل يوسف فبكى، ثم توضأ، ثم خرج فقال بنـيامين: أيها الـملك إنـي أريد أن تضرب صواعك هذا فـيخبرك بـالـحقّ، فسله من سرقه فجعله فـي رحلـي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبـان، وهو

يقول: كيف تسألنـي عن صاحبـي، وقد رؤيت مع من كنت قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لـم يطاقوا، فغضب روبـيـل، فقال: أيها الـملك، واللّه لتتركنا أو لأصيحنّ صيحة لا يبقـى بـمصر امرأة حامل إلاّ ألقت ما فـي بطنها وقامت كلّ شعرة فـي جسد روبـيـل، فخرجت من ثـيابه، فقال يوسف لابنه: قم إلـى جنب روبـيـل فمسّه وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسه الاَخر ذهب غضبه، فمرّ الغلام إلـى جنبه فمسه، فذهب غضبه، فقال روبـيـل: من هذا؟ إن فـي هذا البلد لبزرا من بَزْر يعقوب. فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبـيـل فقال: يا أيها الـملك لا تذكر يعقوب، فإنه سَرِيّ اللّه ، ابن ذبـيح اللّه ، ابن خـلـيـل اللّه . قال يوسف: أنت إذن كنت صادقا.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَأَيّهَا الْعَزِيزُ إِنّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت إخوة يوسف لـيوسف: يا أيّها العَزِيزُ يا أيها الـملك إنّ لَهُ أبـا شَيْخا كَبِـيرا كَلِفـا بحبه، يعنون يعقوب. فَخُذْ أحَدنا مَكانَهُ يعنون فخذ أحدا منا بدلاً من بنـيامين، وخـلّ عنه. إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ يقولون: إنا نراك من الـمـحسنـين فـي أفعالك.

وقال مـحمد بن إسحاق فـي ذلك، ما:

١٥٠٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: إنّا نَراكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلت.

٧٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ مَعَاذَ اللّه أَن نّأْخُذَ إِلاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنّـآ إِذاً لّظَالِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لإخوته: مَعاذَ اللّه أعوذ بـالله. وكذلك تفعل العرب فـي كل مصدر وضعته موضع يَفْعَل ويَفْعِل، فإنها تنصب، كقولهم: حمدا لله وشكرا له، بـمعنى: أحمد اللّه وأشكره والعرب تقول فـي ذلك: معاذ اللّه ، ومعاذة اللّه ، فتدخـل فـيه هاء التأنـيث كما يقولون: ما أحسن معناه هذا الكلام، وعوذ اللّه ، وعوذة اللّه ، وعياذ اللّه ويقولون: اللهمّ عائذا بك، كأنه قـيـل: أعوذ بك عائذا، أو أدعوك عائذا. أنْ نَأْخُذَ إلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ

يقول: أستـجير بـاللّه من أن نأخذ بريئا بسقـيـم. كما:

١٥٠٢٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: قالَ مَعاذَ اللّه أنْ نَأْخُذَ إلاّ مَنْ وَجَدْنا متَاعَنا عِنْدَهُ إنّا إذًا لَظالِـمُونَ

يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده أنا إذا نفعل ما لـيس لنا فعله، ونـجور علـى الناس.

١٥٠٢٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: قالُوا يا أيّها العَزِيزُ إنّ لَهُ أبـا شَيْخا كَبِـيرا فَخُذْ أحَدَنا مَكانَهُ إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسنِـين قالَ مَعاذَ اللّه أنْ نَأْخُذَ إلاّ مَنْ وجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إنّا إذًا لَظالِـمُونَ قال يوسف: إذا أتـيتـم أبـاكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تـموت حتـى ترى ابنك يوسف، حتـى يعلـم أن فـي أرض مصر صدّيقـين مثله.

٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ ...}.

 يعني تعالـى ذكره: فَلَـمّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ فلـما يئسوا منه من أن يخـلـى يوسف عن بنـيامين ويأخذ منهم واحدا مكانه وأن يجيبهم إلـى ما سألوه من ذلك.

وقوله: اسْتَـيْأَسُوا استفعلوا، من يئس الرجل من كذا يـيأس. كما:

١٥٠٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ يئسوا منه ورأوا شدّته فـي أمره.

وقوله: خَـلَصُوا نَـجِيّا يقول بعضهم لبعض: يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم. والنـجيّ جماعة القوم الـمنتـجين يسمى به الواحد والـجماعة، كما يقال: رجل عدل ورجال عدل، وقوم زور وفطر، وهو مصدر من قول القائل: نـجوت فلانا أنـجوه نـجيّا، جعل صفة ونعتا. ومن الدلـيـل علـى أن ذلك كما ذكرنا قول اللّه تعالـى: وَقَرّبْناهُ نَـجِيّا فوصف به الواحد، وقال فـي هذا الـموضع: خَـلَصوا نَـجِيّا فوصف به الـجماعة، ويجمع النّـجِيّ أنـجية، كما قال لبـيد:

وشَهدْتُ أنْـجِيَةَ الأُفـاقَةِ عالِـياكَعْبِـي وأرْدَافُ الـمُلُوكِ شُهُودُ

وقد يقال للـجماعة من الرجال: نـجوى، كما قال جلّ ثناؤه: وَإذْ هُمْ نَـجْوَى وقال: ما يَكُونُ مِنْ نَـجْوَى ثَلاثَةٍ وهم القوم الذين يتناجون. وتكون النـجوى أيضا مصدراكما قال اللّه : وإنّـمَا النّـجْوَى مِنَ الشّيْطانِتقول منه: نـجوت أنـجو نـجوى، فهي فـي هذا الـموضع: الـمناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر:

بُنَـيّ بَدَا خِبّ نَـجْوَى الرّجالِفَكُنْ عِنْدَ سِرّكَ خَبّ النّـجِي

فـالنـجوى والنـجيّ فـي هذا البـيت بـمعنى واحد، وهو الـمناجاة، وقد جمع بـين اللغتـين.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: خَـلَصُوا نَـجِيّا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ خَـلَصُوا نَـجِيّا وأخـلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خَـلَوْا بـينهم نـجيّا يتناجون بـينهم.

١٥٠٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: خَـلَصُوا نَـجِيّا خـلصوا وحدهم نـجيّا.

١٥٠٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: خَـلَصُوا نَـجِيّا: أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون.

وقوله: قالَ كَبِـيرُهُمْ اختلف أهل العلـم فـي الـمعنـيّ بذلك،

فقال بعضهم: عنى به كبـيرهم فـي العقل والعلـم، لا فـي السنّ، وهو شمعون، قالوا: وكان روبـيـل أكبر منه فـي الـميلاد. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: قالَ كَبـيرُهُمْ قال: هو شمعون الذي تـخـلف، وأكبر منه، وأكبر منهم فـي الـميلاد روبـيـل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قالَ كَبـيرهُمْ: شمعون الذي تـخـلف، وأكبر منه فـي الـميلاد روبـيـل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد: قالَ كَبـيرُهُمْ قال: شمعون الذي تـخـلف، وأكبرهم فـي الـميلاد روبـيـل.

وقال آخرون: بل عَنَى به كبـيرهم فـي السنّ وهو روبـيـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا زيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ كَبـيرُهُمْ وهو روبـيـل أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قالَ كَبـيرهُمْ قال: رُوبـيـل، وهو الذي أشار علـيهم أن لا يقتلوه.

١٥٠٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: قالَ كَبـيرُهُمْ فـي العلـم أنّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثقا مِنَ اللّه وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ... الآية، فأقام روبـيـل بـمصر، وأقبل التسعة إلـى يعقوب فأخبروه الـخبر، فبكى وقال: يا بنـيّ ما تذهبون مرّة إلاّ نقصتـم واحدا، ذهبتـم مرّة فنقصتـم يوسف، وذهبتـم الثانـية فنقصتـم شمعون، وذهبتـم الاَن فنقصتـم روبـيـل.

١٥٠٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ خَـلَصُوا نَـجِيّا قال: ماذا ترون؟ فقال رُوبـيـل كما ذُكر لـي، وكان كبـير القوم: ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنّ أبـاكمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكمْ مَوْثِقا مِنَ اللّه لَتَأْتُنّنِـي بِهِ إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ... الآية.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة قول من قال: عنى ب قوله: قالَ كَبـيرُهُمْ رُوبـيـل لإجماع جميعهم علـى أنه كان أكبرهم سنّا، ولا تفهم العرب فـي الـمخاطبة إذا قـيـل لهم: فلان كبـير القوم مطلقا بغير وصل إلاّ أحد معنـيـين، إما فـي الرياسة علـيهم والسؤدد وإما فـي السنّ، فأما فـي العقل فإنهم إذا أرادوا ذلك وصلوه، فقالوا: هو كبـيرهم فـي العقل، فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك فلا يفهم إلاّ ما ذكرت. وقد قال أهل التأويـل: لـم يكن لشمعون وإن كان قد كان من العلـم والعقل بـالـمكان الذي جعله اللّه به علـى إخوته رياسة وسؤدد، فـيعلـم بذلك أنه عنى ب قوله: قالَ كَبِـيرُهُمْ فإذا كان ذلك كذلك فلـم يبق إلاّ الوجه الاَخر، وهو الكبر فـي السنّ، وقد قال الذين ذكرنا جميعا: رُوبـيـل كان أكبر القوم سنّا، فصحّ بذلك القول الذي اخترناه.

وقوله: ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثِقا مِنَ اللّه

يقول: ألـم تعلـموا أيها القوم أن أبـاكم يعقوب قد أخذ علـيكم عهود اللّه ومواثـيقه لنأتـينه به جميعا، إلاّ أن يُحاط بكم، ومن قبل فعلتكم هذه تفريطكم فـي يوسف

يقول: أو لـم تعلـموا من قبل هذا تفريطكم فـي يوسف. وإذا صرف تأويـل الكلام إلـى هذا الذي قلناه، كانت (ما) حينئذٍ فـي موضع نصب. وقد يجوز أن يكون قوله: وَمِنْ قَبْلُ ما فَرّطْتُـمْ فِـي يُوسُفَ خبرا مبتدأ، ويكون قوله: ألَـمْ تَعْلَـمُوا أنّ أبـاكُمْ قَدْ أخَذَ عَلَـيْكُمْ مَوْثِقا مِنَ اللّه خبرا متناهيا، فتكون (ما) حينئذٍ فـي موضع رفع، كأنه قـيـل: ومن قبل هذا تفريطكم فـي يوسف، فتكون (ما) مرفوعة ب (من) قبل هذا، ويجوز أن تكون (ما) التـي تكون صلة فـي الكلام، فـيكون تأويـل الكلام: ومن قبل هذا تفريطكم فـي يوسف.

وقوله: فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ التـي أنا بها وهي مصر فأفـارقها، حتـى يَأْذَنَ لـي أبـي بـالـخروج منها، كما:

١٥٠٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ التـي أنا بها الـيوم، حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي بـالـخروج منها.

١٥٠٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال شمعون: لَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي أوْ يَحْكُمَ اللّه لـي وَهُوَ خَيْرُ الـحاكمِينَ.

وقوله: أوْ يَحْكُمَ اللّه لـي: أو يفضَي لـي ربـي بـالـخروج منها وترك أخي بنـيامين، وإلاّ فإنـي غير خارج: وَهُوَ خَيْرُ الـحاكمينَ

يقول: واللّه خير من حكم وأعدل من فصَل بـين الناس.

وكان أبو صالـح يقول فـي ذلك بـما:

١٥٠٤٠ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد السبـيعيّ، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قوله: حتـى يَأْذَنَ لـي أبِـي أوْ يَحْكُمَ اللّه لـي قال: بـالسيف.

وكأن أبـا صالـح وجه تأويـل قوله: أوْ يَحْكُمَ اللّه لـي إلـى: أو يفضي اللّه لـي بِحَربَ مَنْ منعنـي من الانصراف بأخي بنـيامين إلـى أبـيه يعقوب، فأحاربه.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ارْجِعُوَاْ إِلَىَ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَأَبَانَا إِنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل رُوبـيـل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه بـالصواع الذي استـخرج من وعائه: ارْجِعُوا إخوتـي إلـى أبِـيكُمْ يعقوب فَقُولُوا له يا أبـانَا إنّ ابْنكَ بنـيامين سَرَقَ. والقراءة علـى قراءة هذا الـحرف بفتـح السين والراء والتـخفـيف: إنّ ابْنَكَ سَرَقَ. ورُوي عن ابن عبـاس : (إِن ابْنَكَ سُرّقَ) بضم السين وتشديد الراء، علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله، بـمعنى: أنه سُرّق. وَما شَهِدْنا إلاّ بِـمَا عَلِـمْنا.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سَرَق إلاّ بظاهر علـمنا بأن ذلك كذلك، لأن صوَاع الـملك أصيب فـي وعائه دون أوعية غيره. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ارْجِعُوا إلـى أبِـيكُمْ فإنـي ما كنت راجعا حتـى يأتـينـي أمره، فقُولُوا يا أبـانَا إنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إلاّ بِـمَا عَلِـمْنا: أي قد وُجِدَت السرقة فـي رحله، ونـحن ننظر لا علـم لنا بـالغيب. وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بـما علـمنا. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٤٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال لهم يعقوب علـيه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بقولكم؟ فقالوا: ما شَهِدْنا إلاّ بِـمَا عَلِـمْنا لـم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ وذلك الذي علـمنا. قال: وكان الـحكم عند الأنبـياء يعقوب وبنـيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا فـيسترقّ.

وقوله: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ

يقول: وما كنا نرى أن ابنك يَسْرِق ويصير أمرنا إلـى هذا، وإنـما قلنا ونَـحْفَظُ أخانا مـما لنا إلـى حفظه منه السبـيـل.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٤٣ـ حدثنا الـحسين بن الـحريث أبو عمار الـمروزي، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الـحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال: ما كنا نعلـم أن ابنك يسرق.

١٥٠٤٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ لـم نشعر أنه سيسرق.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال: لـم نشعر أنه سيسرق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال: لـم نشعر أنه سيسرق.

١٥٠٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وأبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِين قال: ما كنا نظنّ ولا نشعر أنه سيسرق.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال: ما كنا نرى أنه سيسرق.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال: ما كنا نظنّ أن ابنك يسرق.

وأولـى التأويـلـين بـالصواب عندنا فـي قوله: وَما شَهِدْنا إلاّ بِـمَا عَلِـمْنا قول من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلاّ بـما علـمنا من رؤيتنا للصواع فـي وعائه لأنه عقـيب قوله: إنّ ابْنَكَ سَرَقَ فهو بأن يكون خبرا عن شهادتهم بذلك أولـى من أن يكون خبرا عما هو منفصل. وذكر أن الغيب فـي لغة حمير هو اللـيـل بعينه.

٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الّتِي كُنّا فِيهَا وَالّعِيْرَ الّتِيَ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصَادِقُونَ }.

يقول: وإن كنت متهما لنا لا تصدّقنا علـى ما نقول من أن ابنك سرق، فـاسأل القرية التـي كنا فـيها، وهي مصر.

يقول: سل من فـيها من أهلها، والعِيرَ التـي أقْبَلْنا فِـيها وهي القافلة التـي كنا فـيها، التـي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقـيقة ما أخبرناك عنه من سرقه، فإنك تـخبر مصداق ذلك. وإنّا لَصَادِقونَ فـيـما أخبرناك من خبره.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واسأَلِ القَرْيَةَ التـي كنا فِـيها وهي مصر.

١٥٠٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَاسأَلِ القَرْيَةَ التـي كُنّا فِـيها قال: يعنون مصر.

١٥٠٤٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قد عرف رُوِبـيـل فـي رَجْع قوله لإخوته أنهم أهلِ تَهَمة عند أبـيهم، لـما كانوا صنعوا فـي يوسف، وقولهم له: اسألِ القَرْيَةَ التـي كُنّا فِـيها والعِيرَ التـي أقْبَلْنا فِـيها فقد علـموا ما علـمنا وشهدوا ما شهدنا إن كنت لا تصدقنا وَإنّا لَصَادِقُونَ.

٨٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّه أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.

قال أبو جعفر: فـي الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنـيامين إلـى أبـيهم، وتـخـلّف روبـيـل، فأخبروه خبره، فلـما أخبروه أنه سرق قال: بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا

يقول: بل زيّنت لكم أنفكسم أمرا همـمتـم به وأردتـموه. فصَبْرٌ جَمِيـلٌ

يقول: فصبري علـى ما نالنـي من فقد ولدي صبر جميـل لا جزع فـيه ولا شكاية، عسى اللّه أن يأتـينـي بأولادي جميعا فـيردّهم علـيّ. إنّهُ هُوَ العَلِـيـمُ بوحدتـي وبفقدهم وحزنـي علـيهم وصدق ما يقولون من كذبه. الـحَكِيـمِ فـي تدبـيره خـلقه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ

يقول: زينت.

وقوله: عَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَنِـي بِهِمْ جَمِيعا

يقول: بـيوسف وأخيه وروبـيـل.

١٥٠٥٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما جاءوا بذلك إلـى يعقوب، يعني بقول روبـيـل لهم اتهمهم، وظنّ أن ذلك كفعلتهم بـيوسف، ثم قال: بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا فَصَبْرٌ جَميـلٌ عَسَى اللّه أنْ يَأْتِـيَنِـي بهِمْ جَميعا: أي بـيوسف وأخيه وروبـيـل.

٨٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَوَلّىَ عَنْهُمْ وَقَالَ يَأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَتَوَلّـى عَنْهُمْ وأعرض عنهم يعقوب، وَقالَ يا أسَفـا علـى يُوسُفَ يعني : يا حزنا علـيه. يقال: إن الأسف هو أشدّ الـحزن والتندم، يقال منه: أسفت علـى كذا آسف علـيه أسفـا. يقول اللّه جلّ ثناؤه: وابـيضت عينا يعقوب من الـحزن فَهُوَ كَظِيـمٌ

يقول: فهو مكظوم علـى الـحزن، يعني أنه مـملوء منه مـمسك علـيه لا يبـينه صرف الـمفعول منه إلـى فعيـل. ومنه قوله: والكاظِمِينَ الغَيْظَ وقد بـيّنا معناه بشواهده فـيـما مضى.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ما قلنا فـي تأويـل قوله وَقالَ يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ :

١٥٠٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَتَوَلّـى عَنْهُمْ أعرض عنهم، وتتامّ حزنه، وبلغ مـجهوده، حين لـحق بـيوسف أخوه وهيّج علـيه حزنه علـى يوسف، فقال: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ وابْـيَضّتْ عَيْناهُ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ.

١٥٠٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَتَوَلّـى عَنْهُمْ وَقالَ يا أسَفـا علـى يُوسُفَ

يقول: يا حَزَنَى علـى يوسف.

١٥٠٥٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ: يا حَزَنَا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ: يا جزعاه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ يا جزعاه حزنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ قال: يا جزعا.

١٥٠٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ أي حزناه.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ قال: يا حزناه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد الـمَعْمَري، عن معمر، عن قتادة، نـحوه.

١٥٠٥٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَقالَ يا أسَفـا علـى يُوسُفَ....

١٥٠٥٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي حجيرة، عن الضحاك : يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ قال: يا حَزَنا علـى يوسف.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أبـي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك : يا أسَفَـا يا حزناه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: ثنـي هشيـم، قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك : يا أسَفَـا يا حزنا علـى يوسف.

١٥٠٥٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن سفـيان العصفري، عن سعيد بن جبـير، قال: لـم يعط أحدٌ غير هذه الأمة الاسترجاع، ألا تسمعون إلـى قول يعقوب: يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن سعيد بن جبـير، نـحوه.

ذكر من قال ما قلنا فـي تأويـل قوله تعالـى وَابْـيَضّتْ عَيْناهُ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ:

١٥٠٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فهُوَ كَظِيـمٌ قال: كظيـم الـحزن.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: كظيـم الـحزن.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: الـحزن.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فَهُوَ كَظِيـمٌ مكمود.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: كظيـم علـى الـحزن.

١٥٠٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: الكظيـم: الكميد.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: فَهُو كَظِيـمٌ قال كميد.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: كَظِيـمٌ قال: كميد.

١٥٠٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَابْـيَضّتْ عَيْناهُ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ

يقول: يردّد حزنه فـي جوفه ولـم يتكلـم بسوء.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: كظيـم علـى الـحزن فلـم يقل بأسا.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَابْـيَضّتْ عَيْناهُ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: كظيـم علـى الـحزن فلـم يقل إلاّ خيرا.

١٥٠٦١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن يزيد بن زُريع، عن عطاء الـخراسانـيّ: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: مكروب.

١٥٠٦٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَهُوَ كَظِيـمٌ قال: من الغيظ.

١٥٠٦٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَابْـيَضّتْ عَيناهْ مِنَ الـحُزْنِ فَهُوَ كَظِيـمٌ. قال: الكظيـم: الذي لا يتكلـم، بلغ به الـحزن حتـى كان لا يكلـمهم.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّىَ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }.

 يعني تعالـى ذكره: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إلـيه من مصر له حين قال يا أسَفَـا علـى يُوسُفَ: تاللّه لا تزال تذكر يوسف.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: تَفْتَؤُ تَفْتَرّ من حبه.

١٥٠٦٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: تَفْتَأ ما تفتر من حبه، كذا قال الـحسن فـي حديثه، وهو غلط، إنـما هو: تَفْتَرّ من حبه، تزال تذكر يوسف.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قالُوا تاللّه تَفْتَأ تَذْكُرُ يُوسُفَ قال: لا تفترّ من حبه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: تَفْتَؤُ: تفتر من حبه.

١٥٠٦٦ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: تاللّه تَفْتَأ تَذْكُرُ يُوسُفَ قال: لا تزال تذكر يوسف.

١٥٠٦٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : قالُوا تاللّه تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ قال: لا تزال تذكر يوسف، قال: لا تفتر من حبه.

١٥٠٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تَفْتُؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ قال: لا تزال تذكر يوسف.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ قال: لا تزال تذكر يوسف.

يقال منه: ما فَتِئْت أقول ذاك، وما فَتَأْتُ لغة، أَفتـىء وأفْتَأُ فَتْأً وفُتُوءا. وحُكي أيضا ما أفتأت به ومنه قول أوس بن حجر:

فما فَتِئَتْ حتـى كأنّ غُبـارَهاسُرَادِقُ يَوْمٍ ذي رِياحٍ تَرَفّعُ

وقول الاَخر:

فمَا فَتِئَتْ خَيْـلٌ تَثُوبُ وتَدّعِيويَـلْـحَقُ مِنها لاحِقٌ وتَقَطّعُ

بـمعنى: فما زالت. وحذفت (لا) من قوله تَفْتَأ وهي مرادة فـي الكلام، لأن الـيـمين إذا كان ما بعدها خبرا لـم يصحبها الـجحد، ولـم تسقط اللام التـي يجاب بها الأيـمان، وذلك كقول القائل: واللّه لاَتـينك، وإذا كان ما بعدها مـجحودا تلقـيت ب (ما) أو ب(لا) فلـما عرف موقعها حذفت من الكلام لـمعرفة السامع بـمعنى الكلام، ومنه قول امرىء القـيس:

فقُلْتُ يَـمِينُ اللّه أبْرَحُ قاعِداولو قَطّعُوا رأسِي لَدَيْكِ وأوْصَالـي

فحذفت (لا) من قوله: (أبرح قاعدا) ، لـما ذكرت من العلة، كما قال الاَخر:

فَلا وأبـي دَهْماءَ زَالَتْ عَزِيزَةًعلـى قومِها ما فَتّلَ الزّنْدَ قادِحُ

يريد: لا زالت.

وقوله: حتـى تَكُونَ حَرَضا

يقول: حتـى تكون دنف الـجسم، مخبول العقل. وأصل الـحرض: الفساد فـي الـجسم والعقل من الـحزن أو العشق ومنه قول العرْجيّ:

إنـي امْرُؤٌ لَـجّ بـي حُبّ فأحْرَضَنـيحتـى بَلِـيتُ وحتـى شَفّنِـي السّقَمُ

 يعني ب قوله: (فأحرضنـي) : أذابنـي فتركنـي مُـحْرَضا، يقال منه: رجل حَرَض، وامرأة حَرَض، وقوم حَرَض، ورجلان حَرَض، علـى صورة واحدة للـمذكر والـمؤنث وفـي التثنـية والـجمع، ومن العرب من يقول للذكر: حارض، وللأنثى حارضة، فإذا وصف بهذا اللفظ ثنـي وجمع وذكر وأنث، ووحد حرض بكل حال، ولـم يدخـله التأنـيث لأنه مصدر، فإذا أخرج علـى فـاعل علـى تقدير الأسماء لزمه ما يـلزم الأسماء من التثنـية والـجمع والتذكير والتأنـيث. وذكر بعضهم سماعا: رجل مـحرض: إذا كان وجعا، وأنشد فـي ذلك بـيتا:

طَلَبَتْهُ الـخَيْـلُ يَوْما كامِلاًولَوْ آلْفَتْهُ لأَضْحَى مُـحْرَضَا

وذُكر أن منه قول امرىء القـيس:

أرَى الـمَرْءَ ذا الأذْوَادِ يُصْبحُ مُـحْرضاكإحْرَاضِ بَكْرٍ فـي الدّيارِ مَرِيضِ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: حتـى تَكُونَ حَرَضا يعني : الـجهد فـي الـمرض البـالـي.

١٥٠٧٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: حتـى تَكُونَ حَرَضا قال: دون الـموت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد: حتـى تَكُونَ حَرَضا قال: الـحرض: ما دون الـموت.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٥٠٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: حتـى تَكُونَ حَرَضا حتـى تبلـى أو تهرم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: حتـى تَكُونَ حَرَضا حتـى تكون هرما.

١٥٠٧٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أبـي بكر الهذلـي، عن الـحسن: حتـى تَكُونَ حَرَضا قال: هرما.

١٥٠٧٣ـ قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: الـحرض: الشيء البـالـي.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: حتـى تَكُونَ حَرَضا قال: الـحرض: الشيء البـالـي الفـانـي.

قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن أبـي معاذ، عن عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك : حتـى تَكُونَ حَرَضا الـحرض: البـالـي.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك يقول فـي قوله: حتـى تَكُونَ حَرَضا: هو البـالـي الـمندثر.

١٥٠٧٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: حتـى تَكُونَ حَرَضا بـالـيا.

١٥٠٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما ذكر يعقوب يوسف، قالوا: يعني ولده الذين حضروه فـي ذلك الوقت جهلاً وظلـما تاللّه تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتـى تَكُونَ حَرَضا أي تكون فـاسدا لا عقل لك أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ.

١٥٠٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: حتـى تَكُونَ حَرَضا أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: الـحرض: الذي قد ردّ إلـى أرذل العمر حتـى لا يعقل، أو تهلك فتكون هالكا قبل ذلك.

وقوله: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ

يقول: أو تكون مـمن هلك بـالـموت.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٧٧ـ حدثنـي ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: الـموت.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ من الـميتـين.

١٥٠٧٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: الـميتـين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله.

١٥٠٧٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن عون، عن أبـي بكر الهذلـي، عن الـحسن: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: الـميتـين.

١٥٠٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال أو تـموت.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: من الـميتـين.

١٥٠٨١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ قال: من الـميتـين.

٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّمَآ أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّه وَأَعْلَمُ مِنَ اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب للقائلـين له من ولده تاللّه تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حتـى تَكُونَ حَرَضًا أوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ: لست إلـيكم أشكو بثـي وحزنـي، وإنـما أشكو ذلك إلـى اللّه .

و يعني ب قوله: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي ما أشكو همي وَحُزْنِـي إلاّ إلـى اللّه .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي قال: ابن عبـاس : بثّـي: همي.

حدثنا ابن حميد، قال:.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٠٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي قال: ابن عبـاس : بثّـي: همي.

١٥٠٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يعقوب عن علـم بـالله: إنّـمَا أشْكُوا بَثّـي وَحُزْنِـي إلـى اللّه وأعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ لـما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لفظهم له: لـم أشك ذلك إلـيكم، وأعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ.

١٥٠٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الـحسن: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي وحُزْنِـي إلـى اللّه قال: حاجتـي وحزنـي إلـى اللّه .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا هوذة بن خـلـيفة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، مثله.

وقـيـل: إن البثّ أشدّ الـحزن، وهو عندي من بَثّ الـحديث، وإنـما يراد منه: إنـما أشكو خبري الذي أنا فـيه من الهمّ، وأبثّ حديثـي وحزنـي إلـى اللّه .

١٥٠٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الـحسن: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي قال: حزنـي.

١٥٠٨٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الـحسن: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي وَحُزُنِـي قال: حاجتـي.

وأما قوله: وأعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ فإن ابن عبـاس كان يقول فـي ذلك فـيـما ذكر عنه ما:

١٥٠٨٧ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وأعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ

يقول: أعلـم أن رؤيا يوسف صادقة وأنـي سأسجد له.

١٥٠٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: قالَ إنّـمَا أشْكُو بثِـيّ وحُزْنِـي إلـى اللّه وأعْلَـمُ منَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ قال: لـما أخبروه بدعاء الـملك أحست نفس يعقوب، وقال: ما يكون فـي الأرض صدّيق إلاّ نبـيّ فطمع، قال: لعله يوسف.

١٥٠٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ إنّـمَا أشْكُو بَثّـي وَحُزْنِـي إلـى اللّه الآية، ذكر لنا أن نبـيّ اللّه يعقوب لـم ينزل به بلاء قطّ إلاّ أتـى حسن ظنه بـاللّه من ورائه.

١٥٠٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الـحسن، قال: قـيـل: ما بلغ وَجْدُ يعقوب علـى ابنه؟ قال: وَجْد سبعين ثكلـى. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيد. قال: وما ساء ظنه بـاللّه ساعة من لـيـل ولا نهار.

١٥٠٩١ـ حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال: حدثنا حكام، عن أبـي معاذ، عن يونس، عن الـحسن، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، مثله.

١٥٠٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن الـمبـارك بن مـجاهد، عن رجل من الأزد، عن طلـحة بن مصرّف الإيامي، قال: ثلاثة لا تذكرهن واجتنب ذكرهن: لا تشك مرضك، ولا تشك مصيبتك، ولا تزك نفسك. قال: وأنبئت أن يعقوب بن إسحاق دخـل علـيه جار له، فقال له: يا يعقوب ما لـي أراك قد انهشمت وفنـيت ولـم تبلغ من السنّ ما بلغ أبوك؟ قال: هشمنـي وأفنانـي ما ابتلانـي اللّه به من همّ يوسف وذكره. فأوحى اللّه إلـيه: يا يعقوب أتشكونـي إلـى خـلقـي؟ فقال: يا ربّ خطيئة أخطأتها، فـاغفرها لـي قال: فإنـي قد غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل، قال: إنّـمَا أشْكُو بَثّـي وحُزْنِـي إلـى اللّه وأعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ.

١٥٠٩٣ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنـي مؤمل بن إسماعيـل، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب بن أبـي ثابت، قال: بلغنـي أن يعقوب كبر حتـى سقط حاجبـاه علـى وجنتـيه، فكان يرفعهما بخرقة، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى اللّه إلـيه: يا يعقوب تشكونـي؟ قال: خطيئة فـاغفرها.

١٥٠٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا ثور بن يزيد، قال: دخـل يعقوب علـى فرعون وقد سقط حاجبـاه علـى عينـيه، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيـم؟ فقالوا: إنه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فقال اللّه : يا يعقوب أتشكونـي؟ فقال: يا ربّ خطيئة أخطأتها، فـاغفرها لـي.

١٥٠٩٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا هشام، عن لـيث بن أبـي سلـيـم، قال: دخـل جبرئيـل علـى يوسف السجن، فعرفه فقال: أيها الـملك الـحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريـم عل ربه، ألا تـخبرنـي عن يعقوب أحيّ هو؟ قال: نعم. قال: أيها الـملك الـحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريـم علـى ربه، فما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: أيها الـملك الـحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريـم علـى ربه، فهل فـي ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة شهيد.

١٥٠٩٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن لـيث بن أبـي سلـيـم، عن مـجاهد، قال: حُدثت أن جبرئيـل أتـى يوسف صلّـى اللّه علـيهما وسلـم وهو بـمصر فـي صورة رجل فلـما رآه يوسف عرفه، فقام إلـيه، فقال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، هل لك بـيعقوب من علـم؟ قال: نعم. قال: أيها الـملك الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، فكيف هو؟ قال: ذهب بصره. قال: أيها الـملك الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، وما الذي أذهب بصره؟ قال: الـحزن علـيك. قال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، فما أعْطِيَ علـى ذلك؟ قال: أجر سبعين شهيدا.

١٥٠٩٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت من يحدّث أن يوسف سأل جبرئيـل: ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حُزْنَ سبعين ثَكْلَـى. قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر سبعين شهيدا.

١٥٠٩٨ـ قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي نافع بن زيد، عن عبـيد اللّه بن أبـي جعفر، قال: دخـل جبرئيـل علـى يوسف فـي البئر أو فـي السجن، فقال له يوسف: يا جبرئيـل، ما بلغ حزن أبـي؟ قال: حزن سبعين ثكلـى. قال: فما بلغ أجره من اللّه ؟ قال: أجر مئة شهيد.

١٥٠٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه

يقول: أتـى جبرئيـل يوسف بـالبشرى وهو فـي السجن، فقال: هل تعرفنـي أيها الصّدّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة وروحا طيبة لا تشبه أرواح الـخاطئين. قال: فإنـي رسول ربّ العالـمين، وأنا الروح الأمين. قال: فما الذي أدخـلك علـيّ مُدْخَـل الـمذنبـين، وأنت أطيب الطيبـين، ورأس الـمقرّبـين، وأمين ربّ العالـمين؟ قال: ألـم تعلـم يا يوسف أنّ اللّه يطهر البـيوت بطهر النبـيـين، وأن الأرض التـي يدخـلونها هي أطهر الأرضين، وأن اللّه قد طهر بك السجن وما حوله يا طهر الطاهرين وابن الـمطهرين؟ إنـما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبـائك الصالـحين الـمخـلصين. قال: كيف لـي بـاسم الصدّيقـين، وتعدنـي من الـمخـلصين، وقد أدخـلت مدخـل الـمذنبـين، وسميت بـالضالـين الـمفسدين؟ قال: لـم يفتتن قلبك، ولـم تطع سيدتك فـي معصية ربك، ولذلك سماك اللّه فـي الصدّيقـين، وعدّك من الـمخـلصين، وألـحقك بآبـائك الصالـحين. قال: لك علـم بـيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم، وهبه اللّه الصبر الـجميـل، وابتلاه بـالـحزن علـيك، فهو كظيـم. قال: فما قدر حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلـى. قال: فماذا له من الأجر يا جبرائيـل؟ قال: قدر مئة شهيد.

١٥١٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن ثابت البنانـي، قال: دخـل جبرئيـل علـى يوسف فـي السجن، فعرفه يوسف، قال: فأتاه فسلـم علـيه، فقال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، هل لك من علـم بـيعقوب؟ قال: نعم. قال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، هل تدري ما فعل؟ قال: ابـيضت عيناه. قال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، مـمّ ذاك؟ قال: من الـحزن علـيك، قال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: أيها الـملك الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، الكريـم علـى ربه، هل له علـى ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيد.

١٥١٠١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: أتـى جبرئيـل يوسف وهو فـي السجن فسلـم علـيه، وجاء فـي صورة رجل حسن الوجه طيب الريح نقـيّ الثـياب، فقال له يوسف: أيها الـملك الـحسن وجهه، الكريـم علـى ربه، الطيب ريحه، حدّثنـي كيف يعقوب؟ قال: حَزِن علـيك حزنا شديدا. قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكَلة. قال: فما بلغ من أجره؟ قال: أجر سبعين أو مئة شهيد. قال يوسف: فإلـى من أَوَى بعدي؟ قال: إلـى أخيك بنـيامين. قال: فترانـي ألقاه أبدا؟ قال: نعم. فبكى يوسف لِـما لَقِـيَ أبوه بعده، ثم قال: ما أبـالـي ما لقـيت إنِ اللّه أرانـيه.

١٥١٠٢ـ قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن إبراهيـم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: أتـى جبرئيـل يوسف وهو فـي السجن، فسلـم علـيه، فقال له يوسف: أيها الـملك الكريـم علـى ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، هل من علـم بـيعقوب؟ قال: نعم ما أشدّ حزنه قال: أيها الـملك الكريـم علـى ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثـيابه، ماذا له من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدا. قال: أفترانـي لاقـيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف.

١٥١٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن سعيد بن جبـير، قال: لـما دخـل يعقوب علـى الـملك وحاجبـاه قد سقطا علـى عينـيه، قال الـملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان أو الهموم والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لـم تشكونـي إلـى خـلقـي، ألـم أفعل بك وأفعل؟.

١٥١٠٤ـ حدثنا حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن علـى الـملك وحاجبـاه قد سقطا علـى عينـيه، قال الـملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان أو الهموم والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لـم تشكونـي إلـى خـلقـي، ألـم أفعل بك وأفعل؟.

١٥١٠٥ـ حدثنا حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عنل: كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلـى يوم رجع ثمانون سنة، لـم يفـارق الـحزنُ قلبه، يبكي حتـى ذهب بصره. قال الـحسن: واللّه ما علـى الأرض يومئذٍ خـلـيقة أكرم علـى اللّه من يعقوب صلى اللّه عليه وسلم.

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبَنِيّ اذْهَبُواْ فَتَحَسّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ اللّه إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رّوْحِ اللّه إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: حين طمع يعقوب فـي يوسف، قال لبنـيه: يا بنـيّ اذهبوا إلـى الـموضع الذي جئتـم منه، وخَـلّفتـم أخويكم به فَتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ

يقول: التـمسوا يوسف وتعرّفوا من خبره. وأصل التـحسس: التفعل من الـحسّ. وأخِيهِ يعني بنـيامين، وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه

يقول: ولا تقنطوا من أن يروّح اللّه عنا ما نـحن فـيه من الـحزن علـى يوسف وأخيه بفَرَج من عنده فـيرينـيهما. إنّهُ لا يَـيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه

يقول: لا يقْنَط من فَرَجه ورحمته ويقطع رجاءه منه، إلاّ القَوْمُ الكافِرُونَ يعني : القوم الذين يجحدون قدرته علـى ما شاء تكوينه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥١٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: يا بَنِـيّ اذْهَبُوا فَتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخِيهِ بـمصر. وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه قال: من فرَج اللّه أن يردّ يوسف.

١٥١٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه : أي من رحمة اللّه .

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة نـحوه.

١٥١٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم إن يعقوب قال لبنـيه، وهو علـى حسن ظنه بربه مع الذي هو فـيه من الـحزن: يا بنـيّ اذهبوا إلـى البلاد التـي منها جئتـم فتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخِيهِ وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه : أي من فرجه، إنّهُ لا يَـيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إلاّ القَوْمُ الكافِرُونَ.

١٥١٠٩ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّه

يقول: من رحمة اللّه .

١٥١١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللْهِ قال: من فرج اللّه ، يفرُج عنكم الغمّ الذي أنتـم فـيه.

٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَأَيّهَا الْعَزِيزُ مَسّنَا وَأَهْلَنَا الضّرّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدّقْ عَلَيْنَآ إِنّ اللّه يَجْزِي الْمُتَصَدّقِينَ }.

وفـي الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلـى مصر حتـى صاروا إلـيها، فدخـلوا علـى يوسف فَلَـمّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ أي الشدّة من الـجدب والقحط، وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ. كما:

١٥١١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وخرجوا إلـى مصر راجعين إلـيها ببضاعة مُزْجاة: أي قلـيـلة، لا تبلغ ما كانوا يتبـايعون به، إلاّ أن يُتَـجاوز لهم فـيها، وقد رأوا ما نزل بأبـيهم، وتتابع البلاء علـيه فـي ولده وبصره، حتـى قدموا علـى يوسف. فَلَـمّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ رجاء أن يرحمهم فـي شأن أخيهم، مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ. وعَنَى ب قوله: وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ بدراهم أو ثمن لا يجوز فـي ثمن الطعام إلاّ لـمن يتـجاوز فـيها. وأصل الإزجاء: السّوْق بـالدفع، كما قال النابغة الذبـيانـي:

وَهَبّتِ الرّيحُ مِنْ تِلْقاءِ ذي أُرُلٍتُزْجِي معَ اللّـيـلِ مِن صُرّادها صِرَما

 يعني تسوق وتدفع ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:

الوَاهِبُ الـمِئَةَ الهِجانَ وعَبْدَهاعُوذًا تُزْجّي خَـلْفَها أطْفـالَهَا

وقول حاتـم:

لـيَبْك علـى مِلْـحانَ ضَيْفٌ مُدَفّعٌوأرْمَلَةٌ تُزْجِي معَ اللّـيـلِ أرْمَلا

 يعني أنها تسوقه بـين يديها علـى ضعف منه عن الـمشي وعجز ولذلك قـيـل: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ لأنها غير نافقة، وإنـما تـجوز تـجويزا علـى نفع من آخذيها. وقد اختلف أهل التأويـل فـي البـيان عن تأويـل ذلك، وإن كانت معانـي بـيانهم متقاربة. ذكر أقوال أهل التأويـل فـي ذلك:

١٥١١٢ـحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: ردية زيوف لا تنفَق حتـى يوضع منها.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الردية التـي لا تنفَق حتـى يُوضَع منها.

١٥١١٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس : وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: خَـلَقٍ، الغِرارة والـحبل والشيء.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سمعت ابن عبـاس ، وسئل عن قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: رثّة الـمتاع: الـحبل والغِرارة والشيء.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٥١١٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: البضاعة: الدراهم، والـمزجاة: غير طائل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن ابن أبـي زياد، عمن حدثه، عن ابن عبـاس ، قال: كاسدة غير طائل.

١٥١١٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال سعيد: ناقصة. وقال عكرمة: دراهم فُسُول.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة، مثله.

١٥١١٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير وعكرمة: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال أحدهما: ناقصة. وقال الاَخر: ردية.

١٥١١٧ـ وبه قال: حدثنا أبـي عن سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد اللّه بن الـحارث، قال: كان سمنا وصوفـا.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن يزيد بن أبـي زياد قال: سأل رجل عبد اللّه بن الـحارث وأنا عنده، عن قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة، متاع الأعراب: الصوف والسمن.

١٥١١٨ـ حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق البلـخيّ، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذريّ، عن أبـي إسماعيـل، عن أبـي صالـح، فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الصنوبر والـحبة الـخضراء.

 

١٥١١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الولـيد، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة، ألا تسمع إلـى قوله: (فأوقر ركابنا) ، وهم يقرؤون كذلك.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، أنه قال: ما أراها إلاّ القلـيـلة، لأنها فـي مصحف عبد اللّه : (وأوقر ركابنا) ، يعني قوله: مزجاة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيـم، قال: قلـيـلة، ألـم تسمع إلـى قوله: (وأوقر ركابنا) .

١٥١٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن أبـي بكر الهذلـي، عن سعيد بن جبـير والـحسن: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال سعيد: الردية. وقال الـحسن: القلـيـلة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد اللّه بن الـحارث، قال: متاع الأعراب سمن وصوف.

١٥١٢١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية، قال: دراهم لـيست بطائل.

١٥١٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن عبد اللّه بن الـحارث: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: شيء من صوف، وشيء من سمن.

١٥١٢٣ـ قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: قلـيـلة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبـي حصين، عن عكرمة، قال: ناقصة. وقال سعيد بن جبـير: فُسول.

١٥١٢٤ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير: وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: ردية.

١٥١٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، ظن الضحاك ، قال: كاسدة لا تنفَق.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كاسدة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كاسدة غير طائل.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ

يقول: كاسدة غير نافقة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الناقصة، وقال عكرمة: فـيها تـجوّز.

١٥١٢٦ـ قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: الدراهم الردية التـي لا تـجوز إلاّ بنقصان.

١٥١٢٧ـ قال: حدثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الدراهم الرّذَال التـي لا تـجوز إلاّ بنقصان.

١٥١٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: دراهم فـيها جواز.

١٥١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ: أي يسيرة.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

١٥١٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الـمزجاة: القلـيـلة.

١٥١٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: وَجئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ: أي قلـيـلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلاّ أن تتـجاوز لنا فـيها.

وقوله: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ بها، وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبلُ بـالثمن الـجيد والدراهم الـجائزة الوافـية التـي لا تردّ. كما:

١٥١٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ: أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل، فإن بضاعتنا مزجاة.

١٥١٣٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ قال: كما كنت تعطينا بـالدراهم الـجياد.

وقوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا

يقول تعالـى ذكره: قالوا: وتفضل علـينا بـما بـين سعر الـجياد والردية، فلا تنقصنا من سعر طعامك لرديّ بضاعتنا. إنّ اللّه يَجْزِي الـمُتَصَدّقّـينَ

يقول: إن اللّه يثـيب الـمتفضلـين علـى أهل الـحاجة بأموالهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥١٣٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا قال: تفضل بـما بـين الـجياد والردية.

١٥١٣٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّق عَلَـيْنا لا تنقصنا من السعر من أجل ردّي دراهمنا.

واختلفوا فـي الصدقة، هل كانت حلالاً للأنبـياء قبل نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، أو كانت حراما؟

فقال بعضهم: لـم تكن حلالاً لأحد من الأنبـياء علـيهم السلام. ذكر من قال ذلك:

١٥١٣٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن سعيد بن جبـير، قال: ما سأل نبـيّ قط الصدقة، (و) لكنهم قالوا جِئْنا بِبضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا لا تنقصنا من السعر.

ورُوي عن ابن عيـينة ما:

١٥١٣٧ـ حدثنـي به الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: يحكى عن سفـيان بن عيـينة أنه سئل: هل حرّمت الصدقة علـى أحد الأنبـياء قبل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: ألـم تسمع قوله: فَأَوْف لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا إنّ اللّه يَجْزِي الـمُتَصَدّقِـينَ.

قال الـحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيـينة إلـى أنهم لـم يقولوا ذلك إلاّ والصدقة لهم حلال، وهم أنبـياء، فإن الصدقة إنـما حرمت علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، لا علـيهم.

وقال آخرون: إنـما عنى ب قوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا وتصدّق علـينا بردّ أخينا إلـينا. ذكر من قال ذلك:

١٥١٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا قال: ردّ إلـينا أخانا.

وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان قولاً له وجه، فلـيس بـالقول الـمختار فـي تأويـل قوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا لأن الصدقة فـي الـمتعارف: إنـما هي إعطاء الرجل ذا الـحاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب اللّه علـيه، وإن كان كل معروف صدقة، فتوجيه تأويـل كلام اللّه إلـى الأغلب من معناه فـي كلام من نزل القرآن بلسانه أولـى وأحرى.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال مـجاهد.

١٥١٣٩ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت مـجاهدا، وسئل: هل يكره أن يقول الرجل فـي دعائه: اللهمّ تصدّق علـيّ؟ فقال: نعم، إنـما الصدقة لـمن يبغي الثواب.

٨٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ }.

ذُكِر أن يوسف صلوات اللّه وسلامه علـيه لـما قال له إخوته: يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا إنّ اللّه يَجْزِي الـمُتَصَدّقِـينَ أدركته الرقة وبـاح لهم بـما كان يكتـمهم من شأنه. كما:

١٥١٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لـي أنهم لـما كلـموه بهذا الكلام غلبته نفسه، فـارفضّ دمعه بـاكيا، ثم بـاح لهم بـالذي يكتـم منهم، فقال: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفَ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ؟ ولـم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فـيه حين أخذه، ولكن للتفريق بـينه وبـين أخيه، إذ صنعوا بـيوسف ما صنعوا.

١٥١٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا دَخَـلوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ... الآية، قال: فرحمهم عند ذلك، فقال لهم: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفَ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ؟

فتأويـل الكلام: هل تذكرون ما فعلتـم بـيوسف وأخيه، إذ فرّقتـم بـينهما وصنعتـم ما صنعتـم إذ أنتـم جاهلون، يعني فـي حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بـيوسف، وما إلـيه صائر أمره وأمركم؟

٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَإِنّكَ لأنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـَذَا أَخِي قَدْ مَنّ اللّه عَلَيْنَآ إِنّهُ مَن يَتّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنّ اللّه لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: إنّكَ لأَنْتَ يُوسُفَ، فقال: نعم أنا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي قَدْ مَنّ اللّه عَلَـيْنا بأن جمع بـيننا بعد ما فرّقتـم بـيننا. إنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ

يقول: إنه من يتق اللّه فـيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ويصبر،

يقول: ويكفّ نفسه، فـيحبسها عما حرم اللّه علـيه من قول أو عمل عند مصيبة نزلت به من اللّه فإنّ اللّه لا يُضِيعُ أجْرَ الـمُـحْسِنـينَ

يقول: فإن اللّه لا يبطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إياه فـيـما أمره ونهاه.

وقد اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: أَإنكَ لأَنْتَ يُوسُفُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: أإنّكَ علـى الاستفهام. وذُكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: (أوَ أنْتَ يُوسُفُ) . ورُوي عن ابن مـحيصن أنه قرأ: (إنّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ) علـى الـخبر، لا علـى الاستفهام.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا، قراءة من قرأة بـالاستفهام، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.

١٥١٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قال لهم ذلك، يعني قوله: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفُ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ كَشَف الغطاء فعرفوه، فقالوا: أإنّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ... الآية.

١٥١٤٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي من سمع عبد اللّه بن إدريس يذكر، عن لـيث، عن مـجاهد، قوله: إنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ

يقول: من يتق معصية اللّه ويصبر علـى السجن.

٩١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّه لَقَدْ آثَرَكَ اللّه عَلَيْنَا وَإِن كُنّا لَخَاطِئِينَ }.

 

يقول جلّ ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تاللّه لقد فضلك اللّه علـينا وآثرك بـالعلـم والـحلـم والفضل، وَإنْ كُنّا لـخاطِئِينَ

يقول: وما كنا فـي فعلنا الذي فعلنا بك فـي تفريقنا بـينك وبـين أبـيك وأخيك وغير ذلك من صنـيعنا الذي صنعنا بك، إلاّ خاطئين: يعنون مُخْطئين، يقال منه: خَطِىء فلان يَخْطَأ خَطأً وخِطْأً، وأخطأ يخطىء إخطاءً ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:

وإنّ مُهاجِرَيْنِ تَكَنّفـاهُلعَمْرُ اللّه قَدْ خَطِئا وَحابـا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥١٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما قال لهم يوسف: أنا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي اعتذَروا إلـيه، وقالوا: تاللّه لَقَدْ آثَرَكَ اللّه عَلَـيْنا وَإنْ كُنّا لَـخاطِئِينَ فـيـما كنا صنعنا بك.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تاللّه لَقَدْ آثَرَكَ اللّه عَلَـيْنا وذلك بعد ما عرّفهم أنفسهم،

يقول: جعلك اللّه رجلاً حلـيـما.

٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّه لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ

يقول: لا تغيـير علـيكم ولا إفساد لـما بـينـي وبـينكم من الـحُرْمة وحقّ الأخوّة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥١٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُم لـم يثرّب علـيهم أعمالهم.

١٥١٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزّبـير، قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ قال: قال سفـيان: لا تغيـير علـيكم.

١٥١٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ: أي لا تأنـيب علـيكم الـيوم عندي فـيـما صنعتـم.

١٥١٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: اعتذروا إلـى يوسف، فقال: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ

يقول: لا أذكر لكم ذنبكم.

و قوله: يَغْفِرُ اللّه لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر اللّه لهم ذنبهم فـيـما أتوا إلـيه وركبوا منه من الظلـم،

يقول: عفـا اللّه لكم عن ذنبكم وظلـمكم، فستره علـيكم وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ

يقول: واللّه أرحم الراحيـم لـمن تاب من ذنبه وأناب إلـى طاعته بـالتوبة من معصيته. كما:

١٥١٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: يَغْفُر اللّه لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمينَ حيث اعترفوا بذنبهم.

٩٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىَ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }.

قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلى اللّه عليه وسلم لـما عرّف نفسه إخوته، سألهم عن أبـيهم، فقالوا: ذهب بصره من الـحزن. فعند ذلك أعطاهم قميصه وقال لهم: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا. ذكر من قال ذلك:

١٥١٥٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبـي بعدي؟ قالوا: لـما فـاته بنـيامين عمي من الـحزن. قالَ: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فَألْقُوهُ علـى وَجْهِ أبِـي يَأْتِ بَصِيرا وأْتُونِـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ.

وقوله: يَأْتِ بَصِيرا

يقول: يعد بصيرا. وأْتُونـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ

يقول: وجيئونـي بجميع أهلكم.

٩٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: ولـما فصلت عير بنـي يعقوب من عند يوسف متوجهة إلـى يعقوب، قال أبوهم يعقوب: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ذكر أن الريح استأذنت ربها فـي أن تأتـي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتـيه البشير، فأذن لها، فأتته بها. ذكر من قال ذلك:

١٥١٥١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي أبو شريح، عن أبـي أيوب الهوزنـي، حدثه، قال: استأذنت الريح أن تأتـي يعقوب بريح يوسف حين بعث بـالقميص إلـى أبـيه قبل أن يأتـيه البشير، ففعل، قال يعقوب: إنّـي لأجِدُ ريحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.

١٥١٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قالَ أبُوهُمْ إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان لـيال، فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس : وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال: هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال.

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار، عن ابن أبـي الهذيـل، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: وجد يعقوب ريح يوسف، وهو منه علـى مسيرة ثمان لـيال.

حدثنا ابن وكيع والـحسن بن مـحمد، قالا: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، قال: كنت إلـى جنب ابن عبـاس ، فسئل: مِن كم وجدَ يعقوب ريح القميص؟ قال: من مسيرة سبع لـيال أو ثمان لـيال.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن أبـي سنان، عن أبـي الهذيـل، قال: قال لـي أصحابـي: إنك تأتـي ابن عبـاس ، فسله لنا، قال: فقلت: ما أسأله عن شيء، ولكن أجلس خـلف السرير فـيأتـيه الكوفـيون فـيسألون عن حاجتهم وحاجتـي، فسمعته

يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال، قال ابن أبـي الهذيـل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن ضرار بن مرّة، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال. قال: فقلت فـي نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال. قال: قلت له: ذاك كما بـين البصرة إلـى الكوفة. واللفظ لـحديث أبـي كريب.

حدثنا الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا عاصم وعلـي، قالا: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنـي أبو سنان، قال: سمعت عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس فـي هذه الآية: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريحه من مسيرة ما بـين البصرة إلـى الكوفة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم العسقلانـي، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو سنان، قال: سمعت عبد اللّه بن أبـي الهذيـل يحدث عن ابن عبـاس ، مثله.

قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، قال: كنا عند ابن عبـاس فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان لـيال.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: وَلـما فَصَلَتِ العِيرُ قال: لـما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف، فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان لـيال.

١٥١٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: ذكر لنا أنه كان بـينهما يومئذٍ ثمانون فرسخا، يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان، وقد أتـى لذلك زمان طويـل.

١٥١٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: بلغنا أنه كان بـينهم يومئذٍ ثمانون فرسخا، وقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ وكان قد فـارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل عن ابن عبـاس ، فـي قوله: إنّـي لأَجِدُ رَيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميص من مسيرة ثمانـية أيام.

قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال: فلـما خرجت العير هبّت ريح، فذهبت بريح قميص يوسف إلـى يعقوب، فقال: إنّـي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانـية أيام.

١٥١٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قال: لـما فصلت العير من مصر استروح يعقوب ريح يوسف، فقال لـمن عنده من ولده: إنّـي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.

وأما قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ فإنه يعني : لولا أن تُعَنّفُونـي، وتُعَجّزونـي، وتلُومونـي، وتكذّبونـي ومنه قول الشاعر:

يا صاحِبَـيّ دَعا لَوْمي وتَفْنِـيدِيفلَـيْس ما فـاتَ من أمْرِي بـمرْدودِ

ويقال: أفند فلانا الدهر، وذلك إذا أفسده ومنه قول ابن مقبل:

دَع الدّهرَ يفْعَلْ ما أرَاد فإنّهإذا كُلّفَ الإفْنادَ بـالنّاس أفْنَدا

واختلف أهل التأويـل فـي معناه،

فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهونـي. ذكر من قال ذلك:

١٥١٥٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي سنان عن ابن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٥١٥٧ـ وبه قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خَصيف، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون.

١٥١٥٨ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ

يقول: تـجهلون.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، عن ابن عبـاس : لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تسفهون.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قالا: جميعا، حدثنا سفـيان، عن خَصِيف، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تسفهون.

١٥١٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي سنان، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، وسالـم عن سعيد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونْ قال أحدهما: تسفهون، وقال الاَخر: تكذّبون.

١٥١٦٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تكذّبون، لولا أن تسفهون.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد الـملك، عن عطاء، قال: تسفهون.

١٥١٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ

يقول: لولا أن تسفهون.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لَوْلا أنْ تُفَنّدونِ

يقول: لولا أن تسفهون.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن أبـي الهذيـل، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ

يقول: تسفهون.

١٥١٦٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: ذهب عقله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: قد ذهب عقله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: قد ذهب عقله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال لولا أن تقولوا: ذهب عقلك.

١٥١٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ

يقول: لولا أن تضعفونـي.

١٥١٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: الذي لـيس له عقل ذلك الـمفند، يقولون لا يعقل.

وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذّبون. ذكر من قال ذلك:

١٥١٦٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبـي، عن شريك، عن سالـم: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تكذبون.

١٥١٦٦ـ قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لولا أن تهرّمون وتكذّبون.

١٥١٦٧ـ قال: حدثنا مـحمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغنـي عن مـجاهد، قال: تكذّبون.

١٥١٦٨ـ قال: حدثنا عبدة وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: لولا أن تكذّبون.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَوْلا تُفَنّدُونِ تكذّبون.

١٥١٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن عطاء، فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون أو تكذّبون.

١٥١٧٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ

يقول: تكذّبون.

وقال آخرون: معناه تهرّمون. ذكر من قال ذلك:

١٥١٧١ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تهرّمون.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد، مثله.

١٥١٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: تُهرّمون.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو الأشهب، عن الـحسن: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تهرمون.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي الأشهب وغيره، عن الـحسن، مثله.

وقد بـيّنا أن أصل التفنـيد: الإفساد. وإذا كان ذلك كذلك فـالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معانـي الإفساد تدخـل فـي التفنـيد، لأن أصل ذلك كله الفساد، والفساد فـي الـجسم: الهرم وذهاب العقل والضعف، وفـي الفعل الكذب واللوم بـالبـاطل، ولذلك قال جرير بن عطية:

يا عاذلـيّ دَعا الـمَلام وأقْصِرَاطالَ الهَوَى وأطلْتُـما التّفْنِـيدا

 يعني الـملامة. فقد تبـين إذ كان الأمر علـى ما وصفنا أن الأقوال التـي قالها مَن ذكرنا قوله فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ علـى اختلاف عبـاراتهم عن تأويـله، متقاربة الـمعانـي، مـحتـمل جميعها ظاهر التنزيـل، إذ لـم يكن فـي الآية دلـيـل علـى أنه معنـيّ به بعض ذلك دون بعض.

٩٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّه إِنّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }.

يقول تعالـى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إنّـي لأَجِدَ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ تاللّه أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف وذكره، لفـي خطئك وزللك القديـم لا تنساه، ولا تتسلّـى عنه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥١٧٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ

يقول: خطئك القديـم.

١٥١٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالُوا تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَديـمِ أي من حبّ يوسف لا تنساه ولا تسلاه، قالوا لوالدهم كلـمة غلـيظة لـم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٥١٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: قالُوا تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: فـي شأن يوسف.

١٥١٧٦ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال قال سفـيان: تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: من حبك لـيوسف.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن سفـيان، نـحوه.

١٥١٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: قالُوا تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: فـي حبك القديـم.

١٥١٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: قالُوا تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـم أي إنك لـمن ذكر يوسف فـي البـاطل الذي أنت علـيه.

١٥١٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: تاللّه إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـم قال: يعنون: حزنه القديـم علـى يوسف، وفـي ضلالك القديـم: لفـي خطئك القديـم.

٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىَ وَجْهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف، وهو الـمبشر برسالة يوسف، وذلك بريد فـيـما ذكر كان يوسف يردّه إلـيه، وكان البريد فـيـما ذكر والبشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لأبـيه. ذكر من قال ذلك:

١٥١٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألْقاهُ علـى وَجْهِهِ

يقول: البشير: البريد.

١٥١٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك : فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك : فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.

١٥١٨٢ـ قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: يهوذا بن يعقوب.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: هو يهوذا بن يعقوب.

١٥١٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: يهوذا بن يعقوب كان البشير.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: هو يهوذا بن يعقوب.

قال سفـيان: وكان ابن مسعود يقرأ: وجاء البشير من بـين يدي العير.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد هو يهوذا بن يعقوب.

١٥١٨٤ـ قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: قال يوسف: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فألْقُوهُ علـى وَجْهِ أبـي يَأْتِ بَصِيرا وأْتُونِـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ قال يهوذا: أنا ذهبت بـالقميص ملطخا بـالدم إلـى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب الـيوم بـالقميص وأخبره أنه حيّ فأفرّحه كما أحزنته. فهو كان البشير.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك : فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال: البريد.

وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة

يقول: (أن) فـي قوله: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ وسقوطها بـمعنى واحد، وكان يقول هذا فـي (لـما) و (حتـى) خاصة، ويذكر أن العرب تدخـلها فـيهما أحيانا وتسقطها أحيانا، كما قال جلّ ثناؤه: ولَـمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا، وقال فـي موضع آخر: ولَـمّا جاءَتْ رُسُلُنا وقال: هي صلة لا موضع لها فـي هذين الـموضعين، يقال: حتـى كان كذا وكذا، وحتـى أن كان كذا وكذا.

وقوله: ألْقاهُ علـى وَجْههِ

يقول: ألقـى البشير قميص يوسف علـى وجه يعقوب. كما:

١٥١٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألقـى القميص علـى وجهه.

وقوله: فـارْدَتدّ بَصِيرا

يقول: رجع وعاد مبصرا بعينـيه بعد ما قد عمي. قالَ أَلـمْ أقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ مِنَ اللّه ما لا تَعْلَـمُونَ يقول عزّ وجلّ: قال يعقوب لـمن كان بحضرته حينئذٍ من ولده: ألـم أقل لكم يا بنـيّ إنى أعلـم من اللّه أنه سيردّ علـيّ يوسف، ويجمع بـينـي وبـينه، وكنتـم لا تعلـمون أنتـم من ذلك ما كنت أعلـمه، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان اللّه قد قضى أن أخِرّ أنا وأنتـم له سجودا، فكنت موقنا بقضائه.

٩٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال ولد يعقوب الذين كانوا فرّقوا بـينه وبـين يوسف: يا أبـانا سل لنا ربك يعف عنا ويستر علـينا ذنوبنا التـي أذنبناها فـيك وفـي يوسف فلا يعاقبنا بها فـي القـيامة إنّا كُنّا خاطِئِينَ فـيـما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا.

٩٨

قال: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربـي أن يعفو عنكم ذنوبكم التـي أذنبتـموها فـيّ وفـى يوسف.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الوقت الذي أخر الدعاء إلـيه يعقوب لولده بـالاستغفـار لهم من ذنبهم،

فقال بعضهم: أخر ذلك إلـى السحر. ذكر من قال ذلك:

١٥١٨٦ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الرحمن بن إسحاق، يذكر، عن مـحارب ابن دثار، قال: كان عمّ لـي يأتـي الـمسجد، فسمع إنسانا

يقول: اللهمّ دعوتنـي فأجبت وأمرتنـي فأطعت، وهذا سَحَرٌ، فـاغفر لـي قال: فـاستـمع الصوت فإذا هو من دار عبد اللّه بن مسعود، فسأل عبد اللّه عن ذلك، فقال: إن يعقوب أخّر بنـيه إلـى السحر ب قوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي.

١٥١٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن مـحارب بن دثار، عن عبد اللّه بن مسعود: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرهم إلـى السحر.

١٥١٨٨ـ قال: حدثنا أبو سفـيان الـحميريّ، عن العوام، عن إبراهيـم التـيـميّ فـي قول يعقوب لبنـيه: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرهم إلـى السّحر.

١٥١٨٩ـ قال: حدثنا عمرو، عن خلاد الصّفّـار، عن عمرو بن قـيس: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: فـي صلاة اللـيـل.

١٥١٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: أخرّ ذلك إلـى السّحرَ.

وقال آخرون: أخّر ذلك إلـى لـيـلة الـجمعة. ذكر من قال ذلك:

١٥١٩١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقـي، قال: حدثنا الولـيد، قال: أخبرنا ابن جُريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عبـاس ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي

يقول: (حَتّـى تَأُتِـيَ لَـيْـلَةُ الـجُمُعَةِ. وهو قَوْلُ أخي يَعْقُوبَ لبَنِـيهِ) .

حدثنا أحمد بن الـحسن الترمذي، قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد الرحمن الدمشقـيّ، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ قالَ أخِي يَعْقُوبُ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي،

يَقُولُ: حتـى تَأْتـيَ لَـيْـلَةُ الـجُمُعَة) .

وقوله: إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيـمُ

يقول: إن ربّـي هو الساتر علـى ذنوب التائبـين إلـيه من ذنوبهم الرحيـم بهم أن يعذّبهم بعد توبتهم منها.

٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّه آمِنِينَ }.

 

يقول جلّ ثناؤه: فلـما دخـل يعقوبُ وولده وأهلوهم علـى يوسف آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ

يقول: ضمّ إلـيه أبويه، فقال لهم: ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّه آمِنِـينَ.

فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: ادْخُـلُوا مِصْر إنْ شاءَ اللّه آمِنِـينَ بعد ما دخـلوها، وقد أخبر اللّه عزّ وجلّ عنهم أنهم لـما دخولها علـى يوسف وضمّ إلـيه أبويه قال لهم هذا القول؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك

فقال بعضهم: إن يعقوب إنـما دخـل علـى يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إلـيه قبل دخول مصر، قالوا: وذلك أن يوسف تلقـى أبـاه تكرمة له قبل أن يدخـل مصر، فآواه إلـيه، ثم قال له ولـمن معه: ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّه آمِنِـينَ بها قبل الدخول. ذكر من قال ذلك:

١٥١٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فحملوا إلـيه أهلهم وعيالهم، فلـما بلغوا مصر كلـم يوسف الـملك الذي فوقه، فخرج هو والـملوك يتلقونهم، فلـما بلغوا مصر قال ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّه آمِنِـينَ فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ.

١٥١٩٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن فرقد السبخيّ، قال: لـما ألقـي القميص علـى وجهه ارتدّ بصيرا، وقال: ائتونـي بأهلكم أجميعن فحُمل يعقوب وإخوة يوسف فلـما دنا أُخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال: وركب معه أهل مصر، وكانوا يعظمونه فلـما دنا أحدهما من صاحبه، وكان يعقوب يـمشي وهو يتوكأ علـى رَجل من ولده يقال له يهوذا، قال: فنظر يعقوب إلـى الـخيـل والناس، فقال: يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك. قال: فلـما دنا كل واحد منهما من صاحبه، فذهب يوسف يبدؤه بـالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحقّ بذلك منه وأفضل، فقال: السلام علـيك يا ذاهب الأحزان عنـي، هكذا قال: (يا ذاهب الأحزان عنـي) .

١٥١٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: قال حجاج: بلغنـي أن يوسف والـملك خرجا فـي أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنـيه.

قال: وحدثنـي من سمع جعفر بن سلـيـمان يحكي، عن فرقد السبخيّ، قال: خرج يوسف يتلقـى يعقوب وركب أهل مصر مع يوسف، ثم ذكر بقـية الـحديث، نـحو حديث الـحارث، عن عبد العزيز.

وقال آخرون: بل قوله: إنْ شاءَ اللّه استثناء من قول يعقوب لبنـيه أسْتَغفِرُ لَكُمْ رَبّـي قال: وهو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، قالوا: وإنـما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربـي إن شاء اللّه إنه هو الغفور الرحيـم. فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ وقالَ ادْخـلوا مصْر ورفع أبويه. ذكر من قال ذلك:

١٥١٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي إن شاء اللّه آمنـين. وبـين ذلك ما بـينه من تقديـم القرآن.

 يعني ابن جريج: (وبـين ذلك ما بـينه من تقديـم القرآن) أنه قد دخـل بـين قوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي وبـين قوله: إنْ شاءَ اللّه من الكلام ما قد دخـل، وموضعه عنده أن يكون عقـيب قوله: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّـي.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله السّديّ، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهالـيهم قبل دخولهم مصر حين تلقاهم، لأن ذلك فـي ظاهر التنزيـل كذلك، فلا دلالة تدلّ علـى صحة ما قال ابن جريج، ولا وجه لتقديـم شيء من كتاب اللّه عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة.

وقـيـل: عُنِـي ب قوله: آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ: أبوه وخالته. وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أمّ يوسف قد ماتت قبلُ. وإنـما كانت عند يعقوب يومئذٍ خالته أخت أمه، كان نكحها بعد أمه. ذكر من قال ذلك:

١٥١٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ قال: أبوه وخالته.

وقال آخرون: بل كان أبـاه وأمه. ذكر من قال ذلك:

١٥١٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: فَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أبَوَيْهِ قال: أبـاه وأمه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ما قاله ابن إسحاق لأن ذلك هو الأغلب فـي استعمال الناس والـمتعارف بـينهم فـي (أبوين) ، إلا أن يصحّ ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسلـيـم لها، فـيسلّـم حينئذٍ لها.

وقوله: وَقالَ ادْخُـلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللّه آمِنِـينَ مـما كنتـم فـيه فـي بـاديتكم من الـجدب والقحط.

١٠٠

وقوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ يعني : علـى السرير. كما:

١٥١٩٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: السرير.

١٥١٩٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطيّ، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: العرش: السرير.

١٥٢٠٠ـ قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: السرير.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد، وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٢٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: سريره.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: عَلـى العَرْشِ قال: علـى السرير.

١٥٢٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ

يقول: رفع أبويه علـى السرير.

١٥٢٠٣ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: قال سفـيان: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: علـى السرير.

١٥٢٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ قال: مـجلسه.

١٥٢٠٥ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـيّ، قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة، قال: سألت زيد بن أسلـم، عن قول اللّه تعالـى: وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علـى العَرْشِ فقلت: أبلغك أنها خالته، قال: قال ذلك بعض أهل العلـم، يقولون: إن أمه ماتت قبل ذلك وإن هذه خالته.

وقوله: وخَرّوا لَهُ سُجّدا

يقول: وخرّ يعقوبُ وولده وأمه لـيوسف سجدا.

١٥٢٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وخَرّوا لَهُ سُجّدا

يقول: رفع أبويه علـى السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته.

١٥٢٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: تَـحَمّلَ يعني يعقوب بأهله حتـى قدموا علـى يوسف فلـما اجتـمع إلـى يعقوب بنوه دخـلوا علـى يوسف فلـما رأوه وقعوا له سجودا، وكانت تلك تـحية الـملوك فـي ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته.

١٥٢٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا وكانت تـحية من قبلكم، كان بها يحيـيّ بعضهم بعضا، فأعطى اللّه هذه الأمة السلام، تـحية أهل الـجنة، كرامة من اللّه تبـارك وتعالـى عَجّلَها لهم ونعمة منه.

١٥٢٠٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: وكانت تـحية الناس يومئذٍ أن يسجد بعضهم لبعض.

١٥٢١٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: قال سفـيان: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: كانت تـحية فـيهم.

١٥٢١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا أبواه وإخوته، كانت تلك تـحيتهم كما تصنع ناس الـيوم.

١٥٢١٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن جويبر، عن الضحاك : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: تـحية بـينهم.

١٥٢١٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال: قال ذلك السجود تشرفه، كما سجدت الـملائكة لاَدم تشرفة لـيس بسجود عبـادة.

وإنـما عنى من ذكر ب قوله: إن السجود كان تـحية بـينهم، أن ذلك كان منهم علـى الـخُـلُق لا علـى وجه العبـادة من بعضهم لبعض. ومـما يدلّ علـى أن ذلك لـم يزل من أخلاق الناس قديـما علـى غير وجه العبـادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بنـي ثعلبة:

فَلَـمّا أتانا بُعَيْدَ الكَرَىسَجَدْنا لَهُ وَرَفَعْنا العَمَارَا

وقوله: يا أبَتِ هَذَا تَأْوِيـلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا

يقول جلّ ثناؤه: قال يوسف لأبـيه: يا أبت هذا السجود الذي سجدت أنت وأمي وإخوتـي لـي تَأْوِيـلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ

يقول: ما آلت إلـيه رؤياي التـي كنت رأيتها. وهي رؤياه التـي كان رآها قبل صنـيع إخوته ما صنعوا، أن أحد عشر كوكبـا والشمس والقمر له ساجدون. قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا

يقول: قد حققها ربـي لـمـجيء تأويـلها علـى الصحة.

وقد اختلف أهل العلـم فـي قدر الـمدّة التـي كانت بـين رؤيا يوسف وبـين تأويـلها

فقال بعضهم: كانت مدة ذلك أربعين سنة. ذكر من قال ذلك:

١٥٢١٤ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن سلـمان الفـارسيّ، قال: كان بـين رؤيا يوسف إلـى أن رأى تأويـلها أربعون سنة.

١٥٢١٥ـ حدثنـي يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا ابن عُلـيَة، قال: حدثنا سلـيـمان التـيـميّ، عن أبـي عثمان النهديّ، قال: قال عثمان: كانت بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـله، قال: فذكر أربعين سنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن التـيـميّ، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: كان بـين رؤيا يوسف وتأويـلها أربعون سنة.

١٥٢١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: رأى تأويـل رؤياه بعد أربعين عاما.

قال: حدثنا سفـيان، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، مثله.

١٥٢١٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار، عن عبد اللّه بن شداد أنه سمع قوما يتنازعون فـي رؤيا رآها بعضهم وهو يصلـي، فلـما انصرف سألهم عنها، فكتـموه فقال: أما إنه جاء تأويـل رؤيا يوسف بعد أربعين عاما.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن ضرار بن مرّة أبـي سنان، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: كان بـين رؤيا يوسف وتأويـلها أربعون سنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل وجرير، عن أبـي سنان، قال: سمعت عبد اللّه بن شدّاد قوما يتنازعون فـي رؤيا، فذكر نـحو حديث أبـي السائب، عن ابن فُضَيـل.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: رأى تأويـل رؤياه بعد أربعين عاما.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن شداد، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإلـيها تنتهي أقصى الرؤيا.

قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا سلـيـمان التـيـميّ، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـلها أربعون سنة.

قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سلـيـمان التـيـميّ، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين عبـارتها أربعون سنة.

قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان، قال: حدثنا هشيـم، عن سلـيـمان التـيـميّ، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين أن رأى تأويـلها أربعون سنة.

قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزيّ، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي سنان، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: كان بـين رؤيا يوسف وبـين تعبـيرها أربعون سنة.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانـين سنة. ذكر من قال ذلك:

١٥٢١٨ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: حدثنا هشام، عن الـحسن، قال: كان منذ فـارق يوسف يعقوب إلـى أن التقـيا ثمانون سنة لـم يفـارق الـحزن قلبه، ودموعه تـجري علـى خدّيه، وما علـى وجه الأرض يومئذٍ عبد أحبّ إلـى اللّه من يعقوب.

١٥٢١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن أبـي جعفر جسر بن فَرْقَد، قال: كان بـين أن فقد يعقوب يوسف إلـى يومَ رُدّ علـيه ثمانون سنة.

١٥٢٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسن بن علـيّ، عن فضيـل بن عياض، قال: سمعت أنه كان بـين فراق يوسف حجر يعقوب إلـى أن التقـيا ثمانون سنة.

١٥٢٢١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الـحسن، قال: أُلقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بـين ذلك وبـين لقائه يعقوب ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومئة سنة.

قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان، قال: حدثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن، نـحوه، غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة.

قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن يونس، عن الـحسن، قال: ألقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان فـي العبودية وفـي السجن وفـي الـملك ثمانـين سنة، ثم جمع اللّه عزّ وجلّ شمله وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، قال: أُلقـي يوسف فـي الـجبّ وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبـيه ثمانـين سنة، ثم عاش بعدما جمع اللّه له شمله، ورأى تأويـل رؤياه ثلاثا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومئة سنة.

حدثنا مـجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيـم، عن الـحسن، قال: غاب يوسف عن أبـيه فـي الـجبّ وفـي السجن حتـى التقـيا ثمانـين عاما، فما جفت عينا يعقوب، وما علـى الأرض أحد أكرم علـى اللّه من يعقوب.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٢٢ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لـي واللّه أعلـم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة، قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نـحوها، وأن يعقوب بقـي مع يوسف بعد أن قدم علـيه مصر سبع عشرة سنة، ثم قبضه اللّه إلـيه.

وقوله: وَقَدْ أحْسَنَ بِـي إذْ أخْرَجَنِـي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ يقول جل ثناؤه مخبرا عن قـيـل يوسف: وقد أحسن اللّه بـي فـي إخراجه إياي من السجن الذي كنت فـيه مـحبوسا، وفـي مـجيئه بكم من البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده فـيـما ذُكر كان ببـادية فِلَسْطين كذلك.

١٥٢٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان منزل يعقوب وولده فـيـما ذَكر لـي بعض أهل العلـم بـالعَرَبـات من أرض فلسطين ثغور الشام، وبعض يقول بـالأولاج من ناحية الشعب، وكان صاحبَ بـادية له إبل وشاء.

١٥٢٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببـادية فلسطين.

١٥٢٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَقَدْ أحْسَنَ بِـي إذْ أخْرَجَنِـي مِنَ السّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ وكان يعقوب وبنوه أرض كنعان أهل مواش وبرية.

١٥٢٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَجاء بِكُمْ مِنَ البَدوِ وقال: كانوا أهل بـادية وماشية.

والبدو مصدر من قول القائل: بدا فلان: إذا صار بـالبـادية يبدو بدوا. وذُكر أن يعقوب دخـل مصر هو ومن معه من أولاده وأهالـيهم وأبنائهم يوم دخـلوها وهم أقلّ من مئة، وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة علـى ستّ مئة ألف. ذكر الرواية بذلك:

١٥٢٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب وعمرو بن مـحمد، عن موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: اجتـمع آل يعقوب إلـى يوسف بـمصر وهم ستة وثمانون إنسانا، صغيرهم وكبـيرهم وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ستّ مئة ألف ونـيف.

١٥٢٢٨ـ قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه ، قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ستّ مئة ألف وسبعون ألفـا، فقال فرعون: إن هؤلاء لشرذمة قلـيـلون.

١٥٢٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن إسرائيـل والـمسعودي، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، عن ابن مسعود، قال: دخـل بنو إسرائيـل مصر وهم ثلاث وستون إنسانا، وخرجوا منها وهم ستّ مئة ألف. قال إسرائيـل فـي حديثه. ستّ مئة ألف وسبعون ألفـا.

١٥٢٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسروق، قال: دخـل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مئة وتسعون من بـين رجل وامرأة.

وقوله: مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشّيْطانُ بَـيْنِـي وبـينَ إخْوَتـي يعني : من بعد أن أفسد ما بـينـي وبـينهم وجهل بعضنا علـى بعض، يقال منه: نَزَغَ الشيطان بـين فلان وفلان، يَنْزَغُ نَزْغا ونُزُوغا.

وقوله: إنّ رَبّـي لَطِيفٌ لَـما يَشاءُ

يقول: إن ربـي ذو لطف وصنع لـما يشاء، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجنـي من السجن وجاء بأهلـي من البدو بعد الذي كان بـينـي وبـينهم من بُعد الدار وبعد ما كنت فـيه من العبودة والرقّ والإسار. كالذي:

١٥٢٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ رَبّـي لَطِيفٌ لِـمَا يَشاءُ لطف بـيوسف وصنع له حتـى أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتـحريشه علـى إخوته.

وقوله: إنّهُ هُوَ العَلِـيـمُ بـمصالـح خـلقه، وغير ذلك لا يخفـى علـيه مبـادي الأمور وعواقبها. الـحَكيـمُ فـي تدبـيره.

١٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع اللّه له أبويه وإخوته، وبسط علـيه من الدنـيا ما بسط من الكرامة، ومكنه فـي الأرض، متشوّقا إلـى لقاء آبـائه الصالـحين: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ يعني : من ملك مصر، وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ يعني من عبـارة الرؤيا، تعديدا لنعم اللّه وشكرا له علـيها. فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ

يقول: يا فـاطر السموات والأرض، يا خالقها وبـارئها، أنْتَ وَلِـيّـي فـي الدّنْـيَا والاَخِرَةِ

يقول: أنت ولـيـي فـي دنـياي علـى من عادانـي وأرادنـي بسوء بنصرك، وتغذونـي فـيها بنعمتك، وتلـينـي فـي الاَخرة بفضلك ورحمتك. تَوَفّنِـي مُسْلِـما

يقول: اقبضنـي إلـيك مسلـما. وألْـحِقْنِـي بـالصّالْـحِينَ

يقول: وألـحقنـي بصالـح آبـائي إبراهيـم وإسحاق ومن قبلهم من أنبـيائك ورسلك.

وقـيـل: إنه لـم يتـمنّ أحد من الأنبـياء الـموت قبل يوسف. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٣٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْك وعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ... الآية، كان ابن عبـاس :

يقول: أوّل نبـيّ سأل اللّه الـموت يوسف.

١٥٢٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، قوله: ربّ قَد آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ... الآية، قال: اشتاق إلـى لقاء ربه، وأحبّ أن يـلـحق به وبآبـائه، فدعا اللّه أن يتوفـاه ويـلـحقه بهم، ولـم يسأل نبـيّ قط الـموت غير يوسف، فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأوِيـلِ الأحادِيث... الآية. قال ابن جريج: فـي بعض القرآن من الأنبـياء من قال: توفنـي.

١٥٢٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألـحقِنْـي بـالصالِـحِينَ لـما جمع شمله، وأقرّ عينه، وهو يومئذٍ مغموس فـي نعيـم الدنـيا وملكها وغضارتها، فـاشتاق إلـى الصالـحين قبله. وكان ابن عبـاس

يقول: ما تـمنى نبـيّ قط الـموت قبل يوسف.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، عن ابن أبـي عروبة، عن قتادة، قال: لـما جمع لـيوسف شمله، وتكاملت علـيه النعم سأل لقاء ربه فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فِـي الدّنْـيا وَالاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ قال قتادة: ولـم يتـمنّ الـموت أحد قط نبـيّ ولا غيره إلا يوسف.

١٥٢٣٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: ثنـي غير واحد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أن يوسف النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـما جمع بـينه وبـين أبـيه وإخوته، وهو يومئذٍ ملك مصر، اشتاق إلـى اللّه وإلـى آبـائه الصالـحين إبراهيـم وإسحاق، قال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فِـي الدّنـيْا والاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ.

١٥٢٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مسلـم بن خالد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: العبـارة.

١٥٢٣٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ

يقول: توفنـي علـى طاعتك، واغفر لـي إذا توفـيتنـي.

١٥٢٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة اللّه وفضله علـيه وعلـى أهل بـيته حين جمع اللّه له شمله، وردّه علـى والده، وجمع بـينه وبـينه فـيـما هو فـيه من الـملك والبهجة: يا أبَتِ هَذَا تَأوِيـلُ رُؤْياىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّـي حَقّا... إلـى قوله: إنّهُ هُوَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ. ثم ارعوى يوسف، وذكر أن ما هو فـيه من الدنـيا بـائد وذاهب، فقال: رَبّ قَدْ آتَـيْتَنِـي مِنَ الـمُلْكِ وعَلّـمْتَنِـي مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ فـاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِـيّـي فـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ تَوَفّنِـي مُسْلِـما وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ.

وذكر أن بنـي يعقوب الذين فعلوا بـيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب اللّه علـيهم وعفـا عنهم وغفر لهم ذنبهم. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن صالـح الـمري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن اللّه تبـارك وتعالـى بـما جمع لـيعقوب شمله، وأقرّ عينه، خلا وُلدُه نـجيّا، فقال بعضهم لبعض: ألستـم قد علـمتـم ما صنعتـم وما لقـي منكم الشيخ وما لقـي منكم يوسف؟ قالوا: بلـى. قال: فـيغركم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فـاستقام أمرهم علـى أن أتوا الشيخ فجلسوا بـين يديه، ويوسف إلـى جنب أبـيه قاعد، قالوا: يا أبـانا أتـيناك فـي أمر لـم نأتك فـي أمر مثله قط ونزل بنا أمر لـم ينزل بنا مثله حتـى حركوه، والأنبـياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بنـيّ؟ قالوا: ألست قد علـمت ما كان منا إلـيك وما كان منا إلـى أخينا يوسف؟ قال: بلـى. قالوا: أفلستـما قد عفوتـما؟ قالا: بلـى. قالوا: فإن عفوكما لا يغنـي عنا شيئا إن كان اللّه لـم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بنـيّ؟ قالوا: نريد أن تدعو اللّه لنا، فإذا جاءك الوحي من عند اللّه بأنه قد عفـا عما صنعنا قرّت أعيننا واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّة عين فـي الدنـيا لنا أبدا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خـلف أبـيه، وقاموا خـلفهما أذلة خاشيعن. قال: فدعا وأمن يوسف، فلـم يجب فـيهم عشرين سنة قال صالـح الـمري: يخيفهم قال: حتـى إذا كان رأس العشرين، نزل جبرئيـل صلى اللّه عليه وسلم علـى يعقوب علـيه السلام، فقال: إن اللّه تبـارك وتعالـى بعثنـي إلـيك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك فـي ولدك، وأنه قد عفـا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثـيقهم من بعدك علـى النبوّة.

١٥٢٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحرث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن أبـي عمران الـجَونـيّ، قال: واللّه لو كان قتل يوسف مضى لأدخـلهم اللّه النار كلهم، ولكن اللّه جل ثناؤه أمسك نفس يوسف لـيبلغ فـيه أمره ورحمة لهم. ثم

يقول: واللّه ما قصّ اللّه نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبـياء من أهل الـجنة، ولكنّ اللّه قصّ علـينا نبأهم لئلا يقنط عبده.

وذُكر أن يعقوب توفـي قبل يوسف، وأوصى إلـى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبـيه إسحاق. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما حضر الـموت يعقوب، أوصى إلـى يوسف أن يدفنه عند إبراهيـم وإسحاق، فلـما مات نفخ فـيه الـمر وحمله إلـى الشام، قال: فلـما بلغوا إلـى ذلك الـمكان أقبل عيص أخو يعقوب، فقال: غلبنـي علـى الدعوة، فواللّه لا يغلبنـي علـى القبر فأبى أن يتركهم أن يدفنوه. فلـما احتبسوا قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشام أصمّ لبعض إخوته: ما لـجدّي لا يدفن؟ قالوا: هذا عمك يـمنعه. قال: أرونـيه أين هو فلـما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأة سقطت عيناه علـى فخذ يعقوب، فدفنا فـي قبر واحد.

١٠٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوَاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هذا الـخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما فـي هذه السورة مِنْ أنْبـاءِ الغَيْبِ

يقول: من أخبـار الغيب الذي لـم تشاهده، ولـم تعاينه، ولكنا نُوحِيهِ إلَـيْكَ ونعرّفكه، لنثبت به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر علـى ما نالك من الأذى من قومك فـي ذات اللّه ، وتعلـم أن من قبلك من رسل اللّه إذ صبروا علـى ما نالهم فـيه، وأخذوا بـالعفو، وأمروا بـالعرف، وأعرضوا عن الـجاهلـين، فـازوا بـالظفر، وأيدوا بـالنصر، ومكنوا فـي البلاد، وغلبوا من قصدوا من أعدائهم وأعداء دين اللّه . يقول اللّه تبـارك وتعالـى لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فـيهم يا مـحمد فتأسّ، وآثارهم فقصّ. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ يَـمْكُرُونَ

يقول: وما كنت حاضرا عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم وصحّت عزائمهم علـى أن يُـلقوا يوسف فـي غيابة الـجبّ، وذلك كان مكرهم الذي قال اللّه عزّ وجلّ وهم يـمكرون. كما:

١٥٢٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعي، عن قتادة، قوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ يعني مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم،

يقول: ما كنت لديهم وهم يـلقونه فـي غيابة الـجبّ وهم يـمكرون: أبـي بـيوسف.

١٥٢٤٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس : وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ يَـمْكُرُونَ... الآية، قال: هم بنو يعقوب.

١٠٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }.

يقول جلّ ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك يا مـحمد، ولو حرصت علـى أن يؤمنوا بك فـيصدّقوك، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك بـمصدّقـيك ولا متبعيك.

١٠٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وما تسأل يا مـحمد هؤلاء ينكرون نبوّتك ويـمتنعون من تصديقك والإقرار بـما جئتهم به من عند ربك علـى ما تدعوهم إلـيه من إخلاص العبـادة لربك وهجر عبـادة الأوثان وطاعة الرحمن مِنْ أَجْرٍ يعني من ثواب وجزاء منهم، بل إنـما ثوابك وأجر عملك علـى اللّه ،

يقول: ما تسألهم علـى ذلك ثوابـا، فـيقولوا لك: إنـما تريد بدعائك إيانا إلـى اتبـاعك لننزل لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك، وإذ كنت لا تسألهم ذلك فقد كان حقا علـيهم أن يعلـموا أنك إنـما تدعوهم إلـى ما تدعوهم إلـيه اتبـاعا منك لأمر ربك ونصيحة منك لهم، وأن لا يستغشوك.

وقوله: إن هُوَ إلاّ ذِكْرٌ للعالَـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا مـحمد من النبوّة والرسالة إلا ذكر،

يقول: إلا عظة وتذكير للعالـمين، لـيتعظوا ويتذكروا به.

١٠٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }.

يقول جلّ وعزّ: وكم من آية فـي السموات والأرض لله، وعبرة وحجة، وذلك كالشمس والقمر والنـجوم ونـحو ذلك من آيات السموات وكالـجبـال والبحار والنبـات والأشجار، وغير ذلك من آيات الأرض يَـمُرّونَ عَلَـيْها

يقول: يعاينونها فـيـمرّون بها معرضين عنها لا يعتبرون بها ولا يفكرون فـيها وفـيـما دلت علـيه من توحيد ربها، وأن الأولوهة لا تبتغي إلا للواحد القهار الذي خـلقها وخـلق كلّ شيء فدبرها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يَـمُرّونَ عَلَـيْها وهي فـي مصحف عبد اللّه : (يـمشون علـيها) السماء والأرض آيتان عظيـمتان.

١٠٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه إِلاّ وَهُمْ مّشْرِكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما يقر أكثر هؤلاء الذين وصف عزّ وجلّ صفتهم ب قوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَواتِ والأرْضِ يَـمْرّونَ عَلَـيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ بـالله، أنه خالقه ورازقه وخالق كلّ شيء، إلا وهم به مشركون فـي عبـادتهم الأوثان والأصنام، واتـخاذهم من دونه أربـابـا، وزعمهم أنه له ولدا، تعالـى اللّه عما يقولون.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه ... الآية، قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم من خـلق السماء، ومن خـلق الأرض، ومن خـلق الـجبـال؟ قالوا: اللّه . وهم مشركون.

١٥٢٤٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سمالك، عن عكرمة، فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: تسألهم من خـلقهم ومن خـلق السموات والأرض، فـيقولون: اللّه . فذلك إيـمانهم بـالله، وهم يعبدون غيره.

١٥٢٤٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر وعكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه ... الآية، قالا: يعلـمون أنه ربهم، وأنه خـلقهم، وهم مشركون به.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر وعكرمة بنـحوه.

قال: حدثنا ابن نـمير، عن نصر، عن عكرمة: وَما يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: من إيـمانهم إذا قـيـل لهم: من خـلق السموات؟ قالوا: اللّه وإذا سئلوا: من خـلقهم؟ قالوا: اللّه وهم يشركون به بعد.

قال: حدثنا أبو نعيـم، عن الفضل بن يزيد الثمالـي، عن عكرمة، قال: هو قول اللّه :وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَـيَقُولُنّ اللّه فإذا سئلوا عن اللّه وعن صفته، وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به.

١٥٢٤٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أكْثُرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: اللّه خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: اللّه خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ إيـمانهم قولهم: اللّه خالقنا ويرزقنا ويـميتنا، فهذا إيـمان مع شرك عبـادتهم غيره.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: إيـمانهم قولهم: اللّه خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هانىء بن سعيد وأبو معاوية، عن حجاج، عن القاسم، عن مـجاهد، قال: يقولون: اللّه ربنا، وهو يرزقنا وهم يشركون به بعد.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: إيـمانهم قولهم: اللّه خالقنا ويرزقنا ويـميتنا.

١٥٢٤٩ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو تـميـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومـجاهد وعامر، أنهم قالوا فـي هذه الآية: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: لـيس أحد إلا وهو يعلـم أن اللّه خـلقه وخـلق السموات والأرض، فهذا إيـمانهم، ويكفرون بـما سوى ذلك.

١٥٢٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ فـي إيـمانهم هذا، إنك لست تلقـى أحدا منهم إلا أنبأك أن اللّه ربه وهو الذي خـلقه ورزقه، وهو مشترك فـي عبـادته.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وما يُؤْمِنُ أكْثَرهُمْ بـاللّه ... الآية، قال: لا تسأل أحدا من الـمشركين من ربك إلا قال: ربـي اللّه ، وهو يشرك فـي ذلك.

١٥٢٥١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ يعني النصارى.

يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأَرْضَ لَـيَقُولُنّ اللّه وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَـلَقُهُمْ لَـيَقُولُنّ اللّه ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟ لـيقولنّ اللّه . وهم من ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون للأنداد دونه.

١٥٢٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كانوا يشركون به فـي تلبـيتهم.

١٥٢٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن عبد الـملك، عن عطاء: وَما يُؤْمِنُ أكْثرُهُمْ بـاللّه ... الآية، قال: يعلـمون أن اللّه ربهم، وهم يشركون به بعد.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن عطاء، فـي قوله: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه إلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: يعلـمون أن اللّه خالقهم ورازقهم، وهم يشركون به.

١٥٢٥٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن زيد

يقول: وَما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بـاللّه ... الآية، قال: لـيس أحد يعبد مع اللّه غيره إلا وهو مؤمن بـالله، ويعرف أن اللّه ربه، وأن اللّه خالقه ورازقه، وهو يشرك به ألا ترى كيف قال إبراهيـم: أفَرأيْتُـمْ ما كُنْتُـمْ تَعْبُدُونَ أنْتُـمْ وآبـاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فإنّهُمْ عَدُوّ لـي إلاّ رَبّ العَالَـمِينَ قد عرف أنهم يعبدون ربّ العالـمين مع ما يعبدون. قال: فلـيس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به، ألا ترى كيف كانت العرب تلبـي، تقول: لبـيك اللهم لبـيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تـملكه وما ملك؟ الـمشركون كانوا يقولون هذا.

١٠٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَأَمِنُوَاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مّنْ عَذَابِ اللّه أَوْ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

يقول جلّ ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرّون بأن اللّه ربهم إلا وهم مشركون فـي عبـادتهم إياه غيره، أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّه تغشاهم من عقوبة اللّه وعذابه، علـى شركهم بـالله، أو تأتـيهم القـيامة فجأة وهم مقـيـمون علـى شركهم وكفرهم بربهم، فـيخـلدهم اللّه عزّ وجلّ فـي ناره وهم لا يدرون بـمـجيئها وقـيامها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّه قال: تغشاهم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّه قال: تغشاهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٢٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَاب اللّه : أي عقوبة من عذاب اللّه .

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: غاشيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّه قال: غاشية واقعة تغشاهم من عذاب اللّه .

١٠٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّه عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّه وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد هَذِهِ الدعوة التـي أدعو إلـيها، والطريقة التـي أنا علـيها من الدعاء إلـى توحيد اللّه وإخلاص العبـادة له دون الاَلهة والأوثان والانتهاء إلـى طاعته وترك معصيته، سَبِـيـلِـي وطريقتـي ودعوتـي أدْعُو إلـى اللّه وحده لا شريك له علـى بَصِيرَةٍ بذلك، ويقـين علـم منـي به، أنَا وَ يدعو إلـيه علـى بصيرة أيضا مَن اتّبَعَنِـي وصدّقنـي وآمن بـي. وَسُبْحانَ اللّه يقول له تعالـى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيـما له من أن يكون له شريك فـي ملكه أو معبود سواه فـي سلطانه، وَما أنا مِنَ الـمُشْرِكِينَ

يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به، لست منهم ولا هم منـي.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٥٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُو إلـى اللّه علـى بَصِيرَةٍ

يقول: هذه دعوتـي.

١٥٢٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي أدْعُوا إلـى اللّه علـى بَصِيرَةٍ قال: هذه سبـيـلـي، هذا أمري وسنتـي ومنهاجي. أدْعُو إلـى اللّه علـى بَصِيرَةٍ أنا وَمَن اتّبَعَنـي قال: وحقّ اللّه وعلـى من اتبعه أن يدعو إلـى ما دعا إلـيه، ويذكر بـالقرآن والـموعظة، وينهي عن معاصي اللّه .

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، قوله: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي: هذه دعوتـي.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبـي جعفر، عن الربـيع: قُلْ هَذِهِ سَبِـيـلـي قال: هذه دعوتـي.

١٠٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ الْقُرَىَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وَمَا أرْسَلْنا يا مـحمد مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً لا نساء ولا ملائكة، نُوحِي إلَـيْهِمْ آياتنا بـالدعاء إلـى طاعتنا وإفراد العبـادة لنا مِنْ أهْل القُرَى يعني من أهل الأمصار، دون أهل البوادي. كما:

١٥٢٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهمْ مِنْ أهْل القُرَى لأنهم كانوا أحلـم وأحلـم من أهل العمود.

وقوله: أفَلَـمْ يَسِيروا فـي الأرْضِ

يقول تعالـى ذكره: أفل يسر هؤلاء الـمشركون الذين يكذبونك يا مـحمد، ويجحدون نبوّتك، ويُنكرون ما جئتهم به من توحيد اللّه وإخلاص الطاعة والعبـادة له فـي الأرض، فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إذ كذّبوا رسلنا، ألـم نُـحِلّ بهم عقوبتنا، فنهلكَهم بها، وننـج منها رسلنا وأتبـاعنا، فـيتفكروا فـي ذلك ويعتبروا؟ ذكر من قال ذلك:

١٥٢٦٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ قال: إنهم قالوا: ما أَنْزَلَ اللّه علـى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قال:

وقوله: وَما أكْثَرُ النّاس وَلَوْ حَرَصْتَ بِـمُؤْمِنِـينَ وَما تسْأَلُهُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ،

وقوله: وكأيّنْ مِنْ آيَةٍ فِـي السّمَوَاتِ والأرْض يَـمُرّونَ عَلَـيْها،

وقوله: أفأَمِنُوا أنْ تَأْتِـيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّه ،

وقوله: أفَلَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلـم يسيروا فـي الأرض فـينظروا فـي آثارهم فـيعتبروا ويتفكروا.

وقوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ

يقول تعالـى ذكره: هذا فِعْلنا فـي الدنـيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، إن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا أنـجيناهم منها، وما فـي الدار الاَخرة لهم خير. وترك ذكر ما ذكرنا اكتفـاء بدلالة قوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ للّذِينَ اتّقَوْا علـيه، وأضيفت الدار إلـى الاَخرة، وهي الاَخرة، لاختلاف لفظهما، كما قـيـل: إنّ هذَا لَهُوَ حَقّ الـيَقِـينِ وكما قـيـل: أتـيتك عامَ الأوّلِ، وبـارحة الأولـى، ولـيـلةَ الأولـى، ويومَ الـخميس، وكما قال الشاعر:

أتَـمْدحُ فَقُعَسا وتَذُمّ عَبَساألا لِلّهِ أُمّكَ مِنْ هَجِينِ

ولوْ أقْوَتْ عَلَـيْكَ دِيارُ عَبْسٍعَرَفتَ الذّلّ عِرْفـانَ الـيَقِـينِ

 يعني عرفـانا به يقـينا.

فتأويـل الكلام: وللدار الاَخرة خير للذين اتقوا اللّه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.

وقوله: أفَلا تَعْقِلُونَ

يقول: أفلا يعقل هؤلاء الـمشركون بـاللّه حقـيقة ما نقول لهم ونـخبرهم به من سوء عاقبة الكفر، وغبّ ما يصير إلـيه حال أهله مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مـما حلّ بـمن قبلهم من الأمـم الكافرة الـمكذّبة رسل بها.

١١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّيَ مَن نّشَآءُ وَلاَ يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يوحي إلـيهم من أهل القُرى، فدعوا من أرسلنا إلـيهم، فكذّبوهم، وردّوا ما أتوا به من عند اللّه ، حتـى إذا استـيأس الرسل الذين أرسلناهم إلـيهم منهم أن يؤمنوا بـالله، ويصدّقوهم فـيـما أتوهم به من عند اللّه ، وظنّ الذين أرسلناهم إلـيهم من الأمـم الـمكذّبة أن الرسل الذين أرسلناهم، قدكذبوهم فـيـما كانوا أخبروهم عن اللّه من وعده إياهم نصرهم علـيهم، جاءهم نصرنا. وذلك قول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٦١ـ حدثنا أبو السائب سلـم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلـم، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: لـما أيست الرسل أن يستـجيب لهم قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم، جاءهم النصر علـى ذلك، فننـجي من نشاء.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلـم، عن ابن عبـاس بنـحوه، غير أنه قال فـي حديثه، قال: أيست الرسل، ولـم يقل: لـما أيست.

١٥٢٦٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يسلـم قومهم، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذَبوا جاءهم نصرنا.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا، جاءَهُمْ نَصْرُنا.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حصين، عن عمران السلـمي، عن ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أيس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.

حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن عمرا بن الـحرث السلـمي، عن عبد اللّه بن عبـاس، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَد كُذِبُوا قال: ظنّ قومهم أنهم جاءوهم بـالكذب.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينا، عن عمران بن الـحرث، عن ابن عبـاس : حَتَـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُلُ من أن يستـجيب لهم قومهم، وظنّ قومهم أن قد كذبوهم، جاءَهُمْ نَصْرُنا.

حدثنـي أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن عمران بن الـحارث، عن ابن عبـاس ، فـي هذه الآية: حَتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم فـيـما وعدوا وكذبوا، جاءَهُمْ نَصْرُنا.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن حصين، عن عمران بن الـحرث، عن ابن عبـاس ، قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من نصر قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ظنّ قومهم أنهم قد كذبوهم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الـحرث، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم أن يؤمنوا بهم، وأن يستـجيبوا لهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا يعني الرسل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، عن عمران بن الـحرث، عن ابن عبـاس بـمثله سواء.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاببن عطاء، عن هارون، عن عبـاد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن عبـاس : وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة، وتأويـلها عنده، وظنّ القوم أن الرسل قد كَذَبوا.

حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلـم، عن ابن عبـاس ، قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ قومهم أن قد كذبتهم رسلهم، جاءَهُمْ نَصْرُنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا يعني : أيس الرسل من أن يتبعهم قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، فـينصر اللّه الرسل، ويبعث العذاب.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظنّ قومهم أن رسلهم كذبوهم جاءهم نصرنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن حصين، عن عمران بن الـحرث، عن ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: فما أبطأ علـيهم لا من ظنّ أنهم قد كذَبوا.

قال: حدثنا آدم العسقلانـي، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الـحرث قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. وقال ابن عبـاس : ظنّ القوم أن الرسل قد كذبوهم خفـيفة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: حتـى إذَا استْـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.

قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن خصيف، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن قوله: حتـى إذا استْـيَأَس الرّسُلُ من قومهم، وظنّ الكفـار أنهم هم كُذِبوا.

حدثنـي يعقوب والـحسن بن مـحمد، قالا: حدثنا إسماعيـل بن علـية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد ابن جبـير، قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من قومهم أن يؤمنوا، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبتهم.

١٥٢٦٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا شعيب، قال: ثنـي إبراهيـم بن أبـي حرّة الـجزري، قال: سأل فتـى من قريش سعيد بن جبـير، فقال له: يا أبـا عبد اللّه كيف تقرأ هذا الـحرف فإنـي إذا أتـيت علـيه تـمنـيت أن لا أقرأ هذه السورة حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؟ قال: نعم، حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يصدّقوهم، وظنّ الـمرسل إلـيهم أن الرسل كذبوا. قال: فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كالـيوم قط رجلاً يدعى إلـى علـم فـيتلكأ، لو رحلت فـي هذه إلـى الـيـمن كان قلـيلاً.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: ثنـي أبـي، أن مسلـم بن يسار، سأل سعيد بن جبـير فقال: يا أبـا عبد اللّه ، آية بلغت منـي كل مبلغ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهمْ قَدْ كُذِبُوا فهذا الـموتُ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا، أو نظنّ أنهم قد كَذَبوا مخففة؟ قال: فقال سعيد بن جبـير: يا أبـا عبد الرحمن، حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يستـجيبوا لهم، وظنّ قومهم أن الرسل كذبتهم جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ، وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ. قال: فقال مسلـم إلـى سعيد، فـاعتنقه وقال: فرّج اللّه عنك كما فرّجت عنـي.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أبو الـمعلـى العطار، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلغونهم.

١٥٢٦٤ـ قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوا، جاء الرسل نصرنا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى. قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، فـي هذه الآية: حتـى إذَا استْـيَأَسَ الرّسُلُ من قومهم. وظن قومهم أن الرسل قد كذبت.

قال: حدثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لـي سعيد بن جبـير: سألنـي سعيد من ساداتكم عن هذه الآية. فقلت: استـيأس الرسل من قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبت.

١٥٢٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: استـيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظنّ قومهم الـمشركون أن الرسل قد كُذِبوا ما وعدهم اللّه من نصره إياهم علـيهم وأُخـلِفوا. وقرأ: جاءَهُمْ نَصْرُنا قال: جاء الرسل النصر حينئذٍ، قال: وكان أبّـي يقرؤها: (كُذِبُوا) .

١٥٢٦٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن أبـي الـمتوكل، عن أيوب ابن أبـي صفوان، عن عبد اللّه بن الـحرث، أنه قال: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا وظن القوم أنهم قد كذبوهم فـيـما جاءوهم به.

١٥٢٦٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: ظنّ قومهم أن رسلهم قد كذبوهم فـيـما وعدوهم به.

١٥٢٦٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن جحش بن زياد الضبـي، عن تـميـم ابن حذلـم، قال: سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول فـي هذه الآية: (حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا) قال: استـيأس الرسل من إيـمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظنّ قومهم حين أبطأ الأمر أنه قد كَذَبُوا بـالتـخفـيف.

حدثنا أبو الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي الـمعلـى، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيأَسَ الرّسُل قال: استـيأس الرسل من نصر قومهم، وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقوهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.

قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ أن يصدّقهم قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ

يقول: استـيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا بهم، وظنوا:

يقول: وظنّ قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الـموعد.

والقراءة علـى هذا التأويـل الذي ذكرنا فـي قوله: كُذِبُوا بضم الكاف وتـخفـيف الذال، وذلك أيضا قراءة بعض قرّاء أهل الـمدينة وعامّة قرّاء أهل الكوفة.

وإنـما اخترنا هذا التأويـل وهذه القراءة، لأن ذلك عقـيب قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ مِنْ أهْل القُرَى أفَلَـم يَسِيرُوا فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فكان ذلك دلـيلاً علـى أن إياس الرسل كان من إيـمان قومهم الذين أهلكوا، وأن الـمضمر فـي قوله: وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إنـما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمـم الهالكة، وزاد ذلك وضوحا أيضا إتبـاع اللّه فـي سياق الـخبر عن الرسل وأمـمهم قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتـم، فكَذّبُوهم ظنّا منهم أنهم قد كَذَبُوهم.

وقد ذهب قوم مـمن قرأ هذه القراءة إلـى غير التأويـل الذي اخترنا، ووجهوا معناه إلـى: حتـى إذا استـيأس الرسل من إيـمان قومهم، وظنت الرسل أنهم قد كذبوا فـيـما وعدوا من النصر. ذكر من قال ذلك:

١٥٢٦٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: قرأ ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا.

١٥٢٧٠ـ قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس ، قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة. قال ابن جريج: أقول كما

يقول: أخـلفوا. قال عبد اللّه : قال لـي ابن عبـاس : كانوا بشرا، وتلا ابن عبـاس : حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّه ألا إنّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: ذهب بها إلـى أنهم ضعفوا فظنوا أنهم أخـلفوا.

١٥٢٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، عن مسروق عن عبد اللّه ، أنه قرأ: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مخففة، قال عبد اللّه : هو الذي تكره.

قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـيـمان، عن أبـي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد اللّه بن مسعود: حَتـى إذا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: هو الذي تكره، مخففة.

١٥٢٧٢ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، أنه قال فـي هذه الآية: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قلت: كُذِبُوا؟ قال: نعم ألـم يكونوا بشرا.

١٥٢٧٣ـ حدثنا الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: كانوا بشرا قد ظنوا.

وهذا تأويـلٌ وقولٌ، غيره من أهل التأويـل أولـى عندي بـالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفـات الأنبـياء والرسل، إن جاز أن يرتابوا بوعد اللّه إياهم ويشكوا فـي حقـيقة خبره مع معاينتهم من حجج اللّه وأدلته ما لا يعاينه الـمرسَل إلـيهم، فـيعذروا فـي ذلك أن الـمرسل إلـيهم لأولـى فـي ذلك منهم بـالعذر، وذلك قول إن قاله قائل لا يخفـى أمره. وقد ذكر هذا التأويـل الذي ذكرناه أخيرا عن ابن عبـاس لعائشة، فأنكرته أشدّ النكرة فـيـما ذُكر لنا. ذكر الرواية بذلك عنها رضوان اللّه علـيها:

١٥٢٧٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: قرأ ابن عبـاس : حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فقال: كانوا بشرا ضعفوا ويئسوا، قال ابن أبـي ملـيكة: فذكرت ذلك لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ اللّه ، ما حدّث اللّه رسوله شيئا قطّ إلا علـم أنه سيكون قبل أن يـموت، ولكن لـم يزل البلاء بـالرسل، حتـى ظنّ الأنبـياء أن من تبعهم قد كذبوهم. فكانت تقرؤها: (قد كُذّبوا) تثقلها.

قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن أبـي ملـيكة، أن ابن عبـاس قرأ: وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفـيفة قال عبد اللّه : ثم قال لـي ابن عبـاس : كانوا بشرا. وتلا ابن عبـاس : حتـى يَقُولَ الرّسُولُ والّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتـى نَصْرُ اللّه ألا إنّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: يذهب بها إلـى أنهم ضعفوا، فظنوا أنهم أخـلفوا. قال ابن جريج: قال ابن أبـي ملـيكة: وأخبرنـي عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد اللّه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم من شيء إلا وقد علـم أنه سيكون حتـى مات، ولكنه لـم يزل البلاء بـالرسل حتـى ظنوا أن من معهم من الـمؤمنـين قد كَذّبوهم. قال ابن أبـي ملـيكة فـي حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها: (وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا) مثّقله، للتكذيب.

١٥٢٧٥ـ قال: حدثنا سلـيـمان بن داود الهاشمي، قال: حدثنا إبراهيـم بن سعد، قال: ثنـي صالـح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قال: قلت لها قوله: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: قالت عائشة: لقد استـيقنوا أنهم قد كذّبوا. قلت: كُذبُوا؟ قالت: معاذ اللّه ، لـم تكن الرسل تُظنّ يوما، إنـما هم أتبـاع الرسل لـمّا استأخر عنهم الوحي واشتدّ علـيهم البلاء ظنّت الرسل أن أتبـاعهم قد كذّبوهم جاءَهُمْ نَصْرُنا.

١٥٢٧٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتـى إذا استـيأس الرجل مـمن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنت الرسل أن من قد آمن من قومهم قد كذبوهم، جاءهم نصر اللّه عند ذلك.

فهذا رُوي فـي ذلك عن عائشة، غير أنها كانت تقرأ: (كُذّبوا) بـالتشديد وضمّ الكاف، بـمعنى ما ذكرنا عنها، من أن الرسل ظنت بأتبـاعها الذين قد آمنوا بهم أنهم قد كذبوهم، فـارتدّوا عن دينهم، استبطاءً منهم للنصر.

وقد بـيّنا أن الذي نـختار من القراءة فـي ذلك والتأويـل غيره فـي هذا الـحرف خاصة.

وقال آخرون مـمن قرأ قوله: (كُذّبُوا) بضم الكاف وتشديد الذال، معنى ذلك: حتـى إذا استـيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدّقوهم، وظنت الرسل: بـمعنى واستـيقنت أنهم قد كذّبهم أمـمُهم جاءت الرسلَ نُصْرَتُنا وقالوا: الظنّ فـي هذا بـمعنى العلـم، من قول الشاعر:

فَظُنّوا بألْفَـيْ فـارِسٍ مُتَلَبّبسَرَاتُهُم فـي الفـارِسِيّ الـمُسَرّدِ

١٥٢٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، وهو قول قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ من إيـمان قومهم، (وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا) : أي استـيقنوا أنه لا خير عند قومهم، ولا إيـمان، جاءهم نصرنا.

١٥٢٧٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: حتـى إذَا اسْتَـيْأَسَ الرّسُلُ قال: من قومهم (وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كُذّبُوا) قال: وعلـموا قد كُذّبوا، جاءَهُمْ نَصْرُنا.

وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرّاء الـمدينة والبصرة والشام، أعنـي بتشديد الذال من (كذبوا) وضمّ كافها. وهذا التأويـل الذي ذهب إلـيه الـحسن وقتادة فـي ذلك إذا قرىء بتشديد الذال وضمّ الكاف خلاف لـما ذكرنا من أقوال جميع من حكينا قوله من الصحابة، لأنه لـم يوجّه الظنّ فـي هذا الـموضع منهم أحد إلـى معنى العلـم والـيقـين، مع أن الظنّ إنـما استعمله العرب فـي موضع العلـم فـيـما كان من علـم أدرك من جهة الـخبر أو من غير وجه الـمشاهدة والـمعاينة، فأما ما كان من علـم أدرك من وجه الـمشاهدة والـمعاينة فإنها لا تستعمل فـيه الظنّ، لا تكاد تقول: أظننـي حيّا وأظننـي إنسانا، بـمعنى: أعلـمنـي إنسانا وأعلـمنـي حيّا. والرسل الذين كذّبتهم أمـمهم، لا شكّ أنها كانت لأمـمها شاهدة ولتكذيبها إياها منها سامعة، فـيقال فـيها: ظنّت بأمـمها أنها كذبتها.

ورُوي عن مـجاهد فـي ذلك قول هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال الـماضين الذين سمينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم وتأويـل خلاف تأويـلهم وقراءة غير قراءة جميعهم، وهو أنه فـيـما ذكر عنه كان يقرأ: (وظَنّوا أنّهُمْ قَدْ كَذَبُوا) بفتـح الكاف والذال وتـخفـيف الذال. ذكر الرواية عنه بذلك:

١٥٢٧٩ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبـيد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، أنه قرأها: (كَذَبُوا) بفتـح الكاف بـالتـخفـيف. وكان يتأوّله كما:

١٥٢٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: استـيأس الرجل أن تَعذّبَ قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذَبوا، جاءهم نصرنا، قال: جاء الرسل نصرُنا. قال مـجاهد: قال فـي الـمؤمن: فَلَـمّا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بـالبَـيّناتِ فَرِحُوا بِـمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْـمَ قال: قولهم نـحن أعلـم منهم، ولن نعذّب.

وقوله: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الـحقّ.

وهذه القراءة لا أستـجيز القراءة بها لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـى خلافها، ولو جازت القراءة بذلك لاحتـمل وجها من التأويـل وهو أحسن مـما تأوّله مـجاهد، وهو: حَتـى إذَا استَـيأس الرسُلُ من عذاب اللّه قومَها الـمكذّبة بها، وظنت الرسلُ أن قومها قد كَذّبوا وافتروا علـى اللّه بكفرهم بها. ويكون الظنّ موجها حينئذٍ إلـى معنى العلـم، علـى ما تأوّله الـحسن وقتادة.

وأما قوله: فَنُـجّيَ مَنْ نَشاءُ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته، فقرأه عامة قرّاء أهل الـمدينة ومكة والعراق: (فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ) بنونـين، بـمعنى: فننـجي نـحن من نشاء من رسلنا والـمؤمنـين بنا، دون الكافرين الذين كذّبوا رسلنا إذا جاء الرسلَ نصرُنا. واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك أنه إنـما كُتب فـي الـمصحف بنون واحدة، وحكمه أن يكون بنونـين، لأن إحدى النونـين حرف من أصل الكلـمة، من أنـجى يُنـجي، والأخرى النون التـي تأتـي لـمعنى الدلالة علـى الاستقبـال، من فعل جماعة مخبرة عن أنفسها، لأنهما حرفـان أعنـي النونـين من جنس واحد يخفـي الثانـي منهما عن الإظهار فـي الكلام، فحذفت من الـخط واجتزىء بـالـمثبتة من الـمـحذوفة، كما يفعل ذلك فـي الـحرفـين اللّذين يدغم أحدهما فـي صاحبه. وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين علـى هذا الـمعنى، غير أنه أدغم النون الثانـية وشدّد الـجيـم. وقرأه آخر منهم بتشديد الـجيـم ونصب الـياء علـى معنى فعل ذلك به من نـجيته أنـجيه. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين: (فَنَـجا مَنْ نَشاءُ) بفتـح النون والتـخفـيف، من نـجا من عذاب اللّه من نشاء ينـجو.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: (فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ) بنونـين، لأن ذلك هو القراءة التـي علـيها القِرَاءة فـي الأمصار، وما خالفه مـمن قرأ ذلك ببعض الوجوه التـي ذكرناها فمنفرد بقراءته عما علـيه الـحجة مـجمعة من القرّاء، وغير جائز خلاف ما كان مستفـيضا بـالقراءة فـي قِرَاءة الأمصار. وتأويـل الكلام: فننـجي الرسل ومن نشاء من عبـادنا الـمؤمنـين إذا جاء نصرنا كما:

١٥٢٨١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال ثنـي عمي: قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : (فَنُنَـجّي مَنْ نَشاءُ) فننـجّي الرسل ومن نشاء، وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَنِ القَوم الـمُـجْرِمِينَ وذلك أن اللّه تبـارك وتعالـى بعث الرسل، قدعَوا قومهم. وأخبروهم أنه من أطاع نـجا ومن عصاه عُذّب وغَوَى.

وقوله وَلا يُرَدّ بأْسُنا عَن القَوْمِ الـمُـجْرِمِينَ

يقول: ولا تردّ عقوبتنا وبطشنا بـمن بطشنا به من أهل الكفر بنا عن القوم الذين أجرموا، فكفروا بـاللّه وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.

١١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُوْلِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: لقد كان فـي قصص يوسف وإخوته عِبرة لأهل الـحِجا والعقول، يعتبرون بها وموعظة يتعظون بها وذلك أن اللّه جل ثناؤه بعد أن ألقـي يوسف فـي الـجبّ لـيهلك، ثم بِـيع بـيع العبـيد بـالـخسيس من الثمن، وبعد الإسار والـحبس الطويـل ملّكه مصر ومكّن له فـي الأرض وأعلاه علـى من بغاه سوءا من إخوته، وجمع بـينه وبـين والديه وإخوته بقدرته بعد الـمدّة الطويـلة، وجاء بهم إلـيه من الشّقّة النائية البعيدة. فقال جل ثناؤه للـمشركين من قريش من قوم نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لقد كان لكم أيّها القوم فـي قَصَصهم عبرة لو اعتبرتـم به، أن الذي فعل ذلك بـيوسف وإخوته لا يتعذّر علـيه أن يفعل مثله بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فـيخرجه من بـين أظهركم ثم يظهره علـيكم ويـمكن له فـي البلاد ويؤيده بـالـجند والرجال من الأتبـاع والأصحاب، وإن مرّت به شدائد وأتت دونه الأيام واللـيالـي والدهور والأزمان.

وكان مـجاهد

يقول: معنى ذلك: لقد كان فـي قصصهم عبرة لـيوسف وإخوته. ذكر الرواية بذلك:

١٥٢٨٢ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: لَقَدْ كانَ فـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لـيوسف وإخوته.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: عبرة لـيوسف وإخوته.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: لَقَدْ كانَ فِـي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولـى الألْبـاب قال: يوسف وإخوته.

وهذا القول الذي قاله مـجاهد وإن كان له وجه يحتـمله التأويـل، فإن الذي قلنا فـي ذلك أولـى به لأن ذلك عقـيب الـخبر عن نبـينا صلى اللّه عليه وسلم وعن قومه من الـمشركين، وعقـيب تهديدهم ووعيدهم علـى الكفر بـاللّه وبرسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك أنه خبر عامّ عن جميع ذوي الألبـاب، أن قصصهم لهم عبرة، وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر علـى ما وصفت فـي ذلك، فهو بأن يكون خبرا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه، والرواية التـي ذكرناها عن مـجاهد من رواية ابن جريج أشبه به أن تكون من قوله لأن ذلك موافق القول الذي قلناه فـي ذلك.

وقوله: ما كانَ حَديثا يُفْتَرَى

يقول تعالـى ذكره: ما كان هذا القول حديثا يُختلَق ويُتَكَذّب ويتـخرّص. كما:

١٥٢٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ما كانَ حَدِيثا يُفْتَرَى والفِرية: الكذب.

ولكِنْ تَصْدِيقَ الّذِي بـينَ يَدَيْه

يقول: ولكنه تصديق الذي بـين يديه من كتب اللّه التـي أنزلها قبله علـى أنبـيائه، كالتوراة والإنـجيـل والزبور، ويصدّق ذلك كله ويشهد علـيه أن جميعه حقّ من عند اللّه . كما:

١٥٢٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بـينَ يَدَيْهِ والفرقان تصديق الكتب التـي قبله، ويشهد علـيها.

وقوله: وَتَفْصِيـلَ كُلّ شَيْءٍ

يقول تعالـى ذكره: وهو أيضا تفصيـل كلّ ما بـالعبـاد إلـيه حاجة من بـيان أمر اللّه ونهيه وحلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.

وقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

يقول تعالـى ذكره: وهو بـيان أمره، ورشاد من جَهِلَ سبـيـل الـحقّ فعمِي عنه إذا تبعه فـاهتدى به من ضلالته ورحمة لـمن آمن به وعمل بـما فـيه، ينقذه من سخط اللّه وألـيـم عذابه، ويورثه فـي الاَخرة جنانه والـخـلود فـي النعيـم الـمقـيـم.

لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: لقوم يصدّقون بـالقرآن وبـما فـيه من وعد اللّه ووعيده وأمره ونهيه، فـيعملون بـما فـيه من أمره وينتهون عما فـيه من نهيه.

﴿ ٠