٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ

يقول: اذكرنـي عند سيدك، وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم. كما:

١٤٨١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال، يعني لنبو: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ: أي اذكر للـملك الأعظم مظلـمتـي وحبسي فـي غير شيء. قال: أفعل.

١٤٨١٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه :اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال للذي نـجا من صاحبـي السجن، يوسف

يقول: اذكرنـي عند الـملك.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

١٤٨١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن أسبـاط: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: عند ملك الأرض.

١٤٨١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ يعني بذلك الـملك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ الذي نـجا من صاحبـي السجن للـملك، يقول يوسف: اذكرنـي.

١٤٨١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم التّـيـمي: أنه لـما انتهى به إلـى بـاب السجن قال له صاحب له. حاجَتَك أوصنـي بحاجتك قال: حاجتـي أن تذكرنـي عند ربك. ينوي الربّ ملك يوسف.

وكان قتادة يوجه معنى الظنّ فـي هذا الـموضع إلـى الظنّ الذي هو خلاف الـيقـين.

١٤٨٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ وإنـما عبـارة الرؤيا بـالظنّ، فـيُحقّ اللّه ما يشاء ويبطل ما يشاء.

وهذا الذي قاله قتادة من أن عِبـارة الرؤيا ظنّ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبـياء. فأما الأنبـياء فغير جائز منها أن تـخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها علـى حقـيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لأن ذلك لو جاز علـيها فـي أخبـارها لـم يؤمن مثل ذلك فـي كلّ أخبـارها، وإذا لـم يؤمن ذلك فـي أخبـارها سقطت حجتها علـى من أرسلت إلـيه. فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز علـيها أن تـخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق. فمعلوم إذ كان الأمر علـى ما وصفت أن يوسف لـم يقطع الشهادة علـى ما أخبر الفتـيـين اللذين استعبراه أنه كائن، فـيقول لأحدهما: أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فـيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ ثم يؤكد ذلك ب قوله: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ عند قولهما: لـم نر شيئا، إلا وهو علـى يقـين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا مـحالة لا شكّ فـيه، ولـيقـينه بكون ذلك قال للناجي منهما: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. فبّـينٌ إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة فـي معنى قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما،

وقوله: فَأنْساهُ الشّيْطانُ ذِكْرَ رَبّهِ وهذا خبر من اللّه جل ثناؤه عن غفلة عرضت لـيوسف من قِبَل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بـما هو فـيه خلاصة، ولكنه زلّ بها، فأطال من أجلها فـي السجن حَبسه وأوجع لها عقوبته. كما:

١٤٨٢١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان الضّبَعِيّ، عن بِسطام بن مسلـم، عن مالك بن دينار، قال: لـما قال يوسف للساقـي: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: قـيـل: يا يوسف اتـخذتَ من دونـي وكيلاً؟ لأطيـلنّ حبسك فبكى يوسف وقال: يا ربّ أَنْسَى قلبـي كثرةُ البلوى، فقلت كلـمةً، فويـلٌ لإخوتـي.

١٤٨٢٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْلا أنّهُ) يعني يوسف (قالَ الكَلِـمَةَ التـي قالَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

١٤٨٢٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن، قال: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رَحِمَ اللّه يُوسُفَ لَوْلا كَلِـمَتُهُ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) ، يعني قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. قال: ثم يبكي الـحسن فـ

يقول: نـحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلـى الناس.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْلا كَلِـمَةُ يُوسُفَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

١٤٨٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن مـحمد، عن إبراهيـم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ لَـمْ يَقُلْ يُوسُفُ) يعني الكلـمة التـي قال (ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ) يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير اللّه .

١٤٨٢٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَوْ لَـمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ) .

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان

يقول: (لَوْلا أنّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ، وَلكِنْ إنّـمَا عُوقِبَ بـاسْتِشْفـاعِهِ علـى رَبّهِ) .

١٤٨٢٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: قال له: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: فلـم يذكره حتـى رأى الـملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه، وأمره بذكر الـملك وابتغاء الفرج من عنده. فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ ب قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه، غير أنه قال: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ عقوبة ل قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.

قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل حديث الـمثنى، عن أبـي حذيفة.

وكان مـحمد بن إسحاق

يقول: إنـما أنسى الشيطان الساقـي ذكر أمر يوسف لـملكهم.

١٤٨٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما خرج، يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما، ردّ علـى ما كان علـيه، ورضي عنه صاحبه. فأنساه الشيطان ذكر ذلك للـملك الذي أمره يوسف أن يذكره، فلبث يوسف بعد ذلك فـي السجن بضع سنـين.

يقول جلّ ثناؤه: فلبث يوسف فـي السجن لقـيـله للناجي من صاحبـي السجن من القـيـل: اذكرنـي عند سيدك بضع سنـين، عقوبة له من اللّه بذلك.

واختلف أهل التأويـل فـي قدر البِضْع الذي لبث يوسف فـي السجن،

فقال بعضهم: هو سبع سنـين. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٢٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد أبو عَثْمة، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لبث يوسف فـي السجن سبع سنـين.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنِـينَ قال: سبع سنـين.

١٤٨٢٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمران أبو الهذيـل الصّنْعانـي، قال: سمعت وهْبـا

يقول: أصاب أيوب البلاء سبع سنـين، وترك فـي السجن يوسف سبع سنـين، وعذب بختنصر يجول فـي السبـاع سبع سنـين.

١٤٨٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: زعموا أنها، يعني البضع: سبع سنـين، كما لبث يوسف.

وقال آخرون: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: سمعت قتادة

يقول: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع.

١٤٨٣٢ـ حدثنا وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن منصور، عن مـجاهد: بِضْعَ سِنِـينَ قال: ما بـين الثلاث إلـى التسع.

وقال آخرون: بل هو ما دون العشر. ذكر من قال ذلك:

١٤٨٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : بِضْعَ سنـينَ دون العشرة.

وزعم الفرّاء أن البِضْع لا يذكر إلا مع عشر، ومع العشرين إلـى التسعين، وهو نـيف ما بـين الثلاثة إلـى التسعة. وقال: كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة، ولا بضع وألف، وإذا كانت للذكران قـيـل: بضع.

والصواب فـي البضع من الثلاث إلـى التسع إلـى العشر، ولا يكون دون الثلاث، وكذلك ما زاد علـى العقد إلـى الـمئة، وما زاد علـى الـمئة فلا يكون فـيه بضع.

﴿ ٤٢