تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الرعدمَدنـيّة وآيَاتها ثَلاثٌ وأربَعُونَ القول فـي تفسير السورة التـي يذكر فـيها الرعد بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ ١{الَمَر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ الْحَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }. قال أبو جعفر: قد بـينا القول فـي تأويـل قوله (الر) و (الـمر) ونظائرهما من حروف الـمعجم التـي افتتـح بها أوائل بعض سور القرآن فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادتها، غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصّا به كلّ سورة افتُتِـح أوّلها بشيء منها. فمـما جاء من الرواية فـي ذلك فـي هذه السورة عن ابن عبـاس من نقل أبـي الضحى مسلـم بن صبـيح وسعيد بن جبـير عنه، التفريق بـين معنى ما ابتدىء به أوّلها مع زيادة الـميـم التـي فـيها علـى سائر سور ذوات الراء، ومعنى ما ابتدىء به أخواتها، مع نقصان ذلك منها عنها. ذكر الرواية بذلك عنه: ١٥٢٨٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن هشيـم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : الـمر قال: أنا اللّه أرى. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبـي الضحى، عن ابن عبـاس : قوله: الـمر قال: أنا اللّه أرى. ١٥٢٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن مـجاهد: الـمر: فواتـح يفتتـح بها كلامه. وقوله: تِلْكَ آياتُ الكِتاب يقول تعالـى ذكره: تلك التـي قصصت علـيك خبرها آياتُ الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك إلـى من أنزلته إلـيه من رسلـي قبلك. وقـيـل: عنى بذلك: التوراة والإنـجيـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الـمر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الكتب التـي كانت قبل القرآن. ١٥٢٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن مـجاهد: تِلْكَ آياتُ الكتاب قال: التوراة والإنـجيـل. وقوله: والّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ (وهو القرآن) فـاعمل بـما فـيه واعتصم به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن مـجاهد: والّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ قال: القرآن. ١٥٢٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والّذِي أُنْزِل إلَـيْكَ مِنْ رَبّكَ الـحَقّ: أي هذا القرآن. وفـي قوله: وَالّذِي أُنْزِلَ إلَـيْكَ وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع علـى أنه كلام مبتدأ، فـيكون مرفوعا ب (الـحق) و (الـحق به) . وعلـى هذا الوجه تأويـل مـجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما. والاَخر: الـخفض علـى العطف به علـى الكتاب، فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: تلك آيات التوراة والإنـجيـل والقرآن، ثم يبتدىء الـحقّ بـمعنى ذلك الـحقّ، فـيكون رفعه بـمضمر من الكلام قد استغنـي بدلالة الظاهر علـيه منه. ولو قـيـل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إلـيك من ربك الـحقّ، وإنـما أدخـلت الواو فـي (والذي) ، وهو نعت للكتاب، كما أدخـلها الشاعر فـي قوله: إلـى الـمَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامولَـيْثِ الكَتِـيبَةِ فـي الـمُزْدَحَمْ فعطف بـالواو، وذلك كله من صفة واحد، كان مذهبـا من التأويـل ولكن ذلك إذا تؤوّل كذلك فـالصواب من القراءة فـي (الـحقّ الـخفض) علـى أنه نعت ل (الذي) . وقوله: وَلكِنّ أكْثَرَ النّاس من مشركي قومك لا يصدقون بـالـحقّ الذي أنزل إلـيك من ربك، ولا يقرّون بهذا القرآن وما فـيه من مـحكم آيِه. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ ...}. يقول تعالـى ذكره: اللّه يا مـحمد هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها، فجعلها للأرض سقـفـا مسموكا. والعمد جمع عمود، وهي السواري، وما يُعْمد به البناء، كما قال النابغة: وخَيّسُ الـجِنّ إنّـي قدْ أذِنْتُ لهُمْيَبْنُونَ تَدْمُرَ بـالصّفّـاح والعَمَدِ وجمع العمود: عَمَد، كما جمع الأديـم: أَدَم، ولو جمع بـالضم فقـيـل: عُمُد جاز، كما يجمع الرسول: رُسُل، والشّكُور: شُكُر. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فقال بعضهم: تأويـل ذلك: اللّه الذي رفع السموات بعمَد لا ترونها. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٩١ـ حدثنا أحمد بن هشام، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: قلت لابن عبـاس : إن فلانا يقول: إنها علـى عَمَد، يعني السماء؟ قال: فقال: اقرأها (بغيرِ عَمَدٍ تَرَونها) : أي لا ترونها. حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حُدَير، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، مثله. ١٥٢٩٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، قوله: بغَيُرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: بعمد لا ترونها. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوَنْهَا قال: هي لا ترونها. ١٥٢٩٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بغير عمد يقول: عمد. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٢٩٤ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الـحسن وقتادة، قوله: اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال قتادة: قال ابن عبـاس : بعَمَد ولكن لا ترونها. ١٥٢٩٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ما يدريك لعلها بعمد لا ترونها؟ ومن تأوّل ذلك كذلك، قصد مذهب تقديـم العرب الـجحد من آخر الكلام إلـى أوّله، كقول الشاعر: ولا أرَاها تَزَالُ ظالِـمَةًتُـحْدِثُ لـي نَكْبَةً وتَنْكَؤُها يريد: أراها لا تزال ظالـمة، فقدم الـجحد عن موضعه من تزال، وكما قال الاَخر: إذَا أعْجَبَتْكَ الدّهْر حالٌ منِ امْرِىءٍفَدَعْهِ وَوَاكِلْ حالَهُ واللّـيالِـيا يَجِئْنَ علـى ما كانَ مِنْ صَالِـحٍ بِهِوإنْ كانَ فِـيـما لا تَرَى النّاسُ آلِـيا يعني : وإن كان فـيـما يرى الناس لا يألو. وقال آخرون: بل هي مرفوعة بغير عمد. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـيّ، قال: أخبرنا آدم، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن إياس بن معاوية، فـي قوله: رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: السماء مقببة علـى الأرض مثل القبة. ١٥٢٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: رفعها بغير عمد. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال كما قال اللّه تعالـى: اللّه الّذِي رَفَعَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا جلّ ثناؤه. ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسلـيـم لها بقول سواه. وأما قوله: ثُمّ اسْتَوَى علـى العَرْشِ فإنه يعني : علا علـيه. وقد بـيّنا معنى الاستواء واختلاف الـمختلفـين فـيه والصحيح من القول فـيـما قالوا فـيه بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقوله: وسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ يقول: وأجرى الشمس والقمر فـي السماء، فسخرهما فـيها لـمصالـح خـلقه، وذللهما لـمنافعهم، لـيعلـموا بجريهما فـيها عدد السنـين والـحساب، ويفصلوا به بـين اللـيـل والنهار. وقوله: كُلّ يَجْرِي لأَجَل مسَمّى يقول جلّ ثناؤه: كل ذلك يجري فـي السماء لأجل مسمى: أي لوقت معلوم، وذلك إلـى فناء الدنـيا وقـيام القـيامة التـي عندها تكوّر الشمس، ويُخسف القمر وتنكدر النـجوم وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه، وأنّ (كلّ) لا بدّ لها من إضافة إلـى ما تـحيط به. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله لأَجَل مُسَمّى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لأَجَل مُسَمّى قال: الدنـيا. وقوله: يُدَبّرُ الأمْرَ يقول تعالـى ذكره: يقضي اللّه الذي رفع السموات بغير عمد ترونها أمور الدنـيا والاَخرة كلها، ويدبر ذلك كله وحده، بغير شريك ولا ظهير ولا معين سبحانه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٢٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يُدَبّرُ الأمْرَ يقضيه وحده. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه. وقوله: يُفَصّلُ الاَياتِ يقول: يفصل لكم ربكم آيات كتابه، فـيبـينها لكم احتـجاجا بها علـيكم أيها الناس، لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ يقول: لتوقنوا بلقاء اللّه ، والـمعاد إلـيه، فتصدّقوا بوعده ووعيده، وتنزجروا عن عبـادة الاَلهة والأوثان، وتـخـلصوا له العبـادة إذا تـيقنتـم ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لَعَلّكُمْ بِلِقاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ وأن اللّه تبـارك وتعالـى إنـما أنزل كتابه، وأرسل رسله لنؤمن بوعده، ونستـيقن بلقائه. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً ...}. يقول تعالـى ذكره: واللّه الذي مدّ الأرض، فبسطها طولاً وعرضا. وقوله: وَجَعَلَ فِـيها رَوَاسِيَ يقول جلّ ثناؤه: وجعل فـي الأرض جبـالاً ثابتة والرواسي: جمع راسية، وهي الثابتة، يقال منه: أرسيت الوتد فـي الأرض: إذا أثبته، كما قال الشاعر: بِهِ خالِدَاتٌ ما يَرِمْنَ وهامِدٌوأشْعَثُ أرْسَتْهُ الوَلِـيدَةُ بـالفِهْرِ يعني : أثبتته. وقوله: وأنهارا يقول: وجعل فـي الأرض أنهارا من ماء. وقوله: وَمِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِـيهَا زَوْجيْنِ اثْنَـينِ ف (مِنْ) فـي قوله وَمِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِـيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَـيْنِ من صلة (جعل) الثانـي لا الأول. ومعنى الكلام: وجعل فـيها زوجين اثنـين من كلّ الثمرات. وعنى بزوجين اثنـين: من كل ذَكَرٍ اثنان، ومن كل أنثى اثنان، فذلك أربعة من الذكور اثنان ومن الإناث اثنان فـي قول بعضهم. وقد بـيّنا فـيـما مضى أن العرب تسمي الاثنـين زوجين، والواحد من الذكور زوجا لأنثاه، وكذلك الأنثى الواحدة زوجا وزوجة لذكرها، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ويزيد ذلك إيضاحا قول اللّه عزّ وجلّ: وأنّهُ خَـلَقَ الزّوْجَيْن الذّكَرَ والأُنْثَى فسمى الاثنـين الذكر والأنثى زوجين. وإنـما عنى ب قوله: مِنْ كُلّ زَوْجَيْن اثْنَـيْن: نوعين وضربـين.) وقوله: يُغْشى اللّـيْـلَ النّهارَ يقول: يجلل اللـيـل النهار فـيـلبسه ظلـمته، والنهار اللـيـل بضيائه. كما: ١٥٣٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يُغْشِي اللّـيْـلَ النّهارَ: أي يـلبس اللـيـلَ النهار. وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما وصفت وذكرت من عجائب خـلق اللّه وعظيـم قدرته التـي خـلق بها هذه الأشياء، لدلالات وحججا وعظات، لقوم يتفكرون فـيها فـيستدلون ويعتبرون بها، فـيعلـمون أن العبـادة لا تصلـح ولا تـجوز إلاّ لـمن خـلقها ودبّرها دون غيره من الاَلهة والأصنام التـي لا تقدر علـى ضرّ ولا نفع ولا لشيء غيرها، إلاّ لـمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبـارك وتعالـى، وأن القدرة التـي أبدع بها ذلك هي القدرة التـي لا يتعذّر علـيه إحياء من هلك من خـلقه وإعادة ما فنـي منه وابتداع ما شاء ابتداعه بها. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ ...}. يقول تعالـى ذكره: وفـي الأرْض قطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ: وفـي الأرض قطع منها متقاربـات متدانـيات يقرب بعضها من بعض بـالـجوار، وتـختلف بـالتفـاضل مع تـجاورها وقرب بعضها من بعض، فمنها قطعة سَبِخة لا تنبت شيئا فـي جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٠٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: وفـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: السّبِخة والعَذِيَة، والـمالـح والطيب. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: سبـاخ وعُذُوبة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله. ١٥٣٠٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، عن أبـي سنان، عن ابن عبـاس فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاورَاتٌ قال: العَذِية والسّبِخة. ١٥٣٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ يعني : الأرض السّبِخة، والأرض العَذِية، يكونان جميعا متـجاورات، نفضل بعضها علـى بعض فـي الأُكل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ العَذِية والسّبِخة متـجاورات جميعا، تنبت هذه، وهذه إلـى جنبها لا تنبت. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ طيبها: عَذِيّهَا، وخبـيثها: السبـاخ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٣٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قرى قربت متـجاورات بعضها من بعض. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: قُرًى متـجاورات. ١٥٣٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي إسحاق الكوفـيّ، عن الضحاك ، فـي قوله: قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: الأرض السّبِخة تلـيها الأرض العَذِية. حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ يعني الأرض السّبِخة والأرضِ العَذِية، متـجاورات بعضها عند بعض. حدثنا الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: الأرض تنبت حلُوا، والأرض تنبت حامضا، وهي متـجاورة تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: يكون هذا حلُوا وهذا حامضا، وهو يُسْقـى بـماء واحد، وهنّ متـجاورات. ١٥٣٠٧ـ حدثنـي عبد الـجبـار بن يحيى الرملـيّ، قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة، عن ابن شوذب فـي قوله: وفِـي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَـجاوِرَاتٌ قال: عذية ومالـحة. وقوله: وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابِ وَزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ يُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ ونُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ يقول تعالـى ذكره: وفـي الأرض مع القطع الـمختلفـات الـمعانـي منها، بـالـملوحة والعذوبة، والـخبـيث والطيب، مع تـجاورها وتقارب بعضها من بعض، بساتـينُ من أعناب وزرع ونـخيـل أيضا، متقاربة فـي الـخِـلقة مختلفة فـي الطعوم والألوان، مع اجتـماع جميعها علـى شِرب واحد، فمِنْ طيّبٍ طعمُه منها حَسَنٍ منظره طيبة رائحته، ومِن حامض طعمه ولا رائحة له. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَجَنّاتٌ مِنْ أعْنابٍ وَرَرْعٌ ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٍ وغير صْنَوان قال: مـجتـمع وغير مـجتـمع. يُسْقَـى بِـمَاءٍ واحِد ونُفَصّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الأرض الواحدة يكون فـيها الـخَوْخ والكمثري والعنب الأبـيض والأسود، وبعضها أكثر حملاً من بعض، وبعضه حلو، وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض. ١٥٣٠٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَجَنّاتٌ قال: وما معها. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قال الـمثنى، وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة: (وَزَرْعٍ ونَـخِيـلٍ) بـالـخفض عطفـا بذلك علـى (الأعناب) ، بـمعنى: وفـي الأرض قطع متـجاورات، وجنّات من أعناب ومن زرع ونـخيـل. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة: وزَرْعٌ ونَـخِيـلٌ بـالرفع عطفـا بذلك علـى (الـجنات) ، بـمعنى: وفـي الأرض قطع متـجاورات وجنات من أعناب، وفـيها أيضا زرع ونـخيـل. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، وقرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء مشهورون، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن الزرع والنـخـل إذا كانا فـي البساتـين فهما فـي الأرض، وإذا كانا فـي الأرض فـالأرض التـي هما فـيها جنة، فسواءٌ وصفـا بأنهما فـي بستان أو فـي أرض. وأما قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ فإن الصنوان: جمع صنو، وهي النـخَلات يجمعهن أصل واحد، لا يفرّق فـيه بـين جميعه واثْنـيه إلاّ بـالإعراب فـي النون، وذلك أن تكون نونه فـي اثنـيه مكسورة بكل حال، وفـي جميعه متصرّفة فـي وجوه الإعراب، ونظيره القِنْوان: واحدها قِنْو. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣١٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن البراء: صِنْوَانٌ قال: الـمـجتـمع، وغيرُ صِنْوَانٍ: الـمتفرّق. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن أبـي إسحاق، عن البراء، قال: صِنْوَانٌ: هي النـخـلة التـي إلـى جنبها نـخلات إلـى أصلها، وغيرُ صِنْوَانٍ: النـخـلة وحدها. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن البراء بن عازب: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلتان أصلهما واحد، وغيرُ صِنْوَانٍ النـخـلة والنـخـلتان الـمتفرّقتان. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت البرَاء يقول فـي هذه الآية، قال: النـخـلة يكون لها النـخلات، وغيرُ صِنْوَانٍ النـخـل الـمتفرّق. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، ويحيى بن عبـاد وعفـان، واللفظ لفظ أبـي قَطَن، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن البراء، فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلة التـي جنبها النـخَلات، وغيرُ صنْوَانٍ: الـمتفرّق. حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن البراء فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صَنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهنّ واحد، وغير صنوان: الـمتفرّق. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان وشريك، عن أبـي إسحاق، عن البراء فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: النـخـلتان يكون أصلهما واحد، وغير صنوان: الـمتفرّق. ١٥٣١١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: صِنْوَانٌ يقول: مـجتـمع. ١٥٣١٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانِ يعني بـالصنوان: النـخـلة يخرج من أصلها النـخَلات، فَـيحمِل بعضه ولا يحمل بعضه، فـيكون أصله واحدا ورؤوسه متفرّقة. ١٥٣١٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: صِنْوَانٌ وغيرٌ صِنْوَانٍ النـخيـل فـي أصل واحد، وغير صنوانٍ: النـخيـل الـمتفرّق. ١٥٣١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير: ونَـخيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: مـجتـمع، وغير مـجتـمع. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا النفـيـلـي، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن البرَاء، قال: الصنوان: ما كان أصله واحدا وهو متفرّق، وغير صنوان: الذي نبت وحده. ١٥٣١٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: صِنْوَانٌ النـخـلتان وأكثر فـي أصل واحد، وَغيرُ صِنْوَانٍ وحدها. حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: صِنْوَانٌ: النـخـلتان أو أكثر فـي أصل واحد، وغيرُ صِنْوَانٍ واحدة. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٣١٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك : صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: الـمـجتـمع أصله واحد، وغير صنوان: الـمتفرّق أصله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: الـمـجتـمع الذي أصله واحد، وغير صنوان: الـمتفرّق. ١٥٣١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوانٍ أما الصنوان: فـالنـخـلتان والثلاث أصولهنّ واحدة وفروعهنّ شتـى، وغير صنوان: النـخـلة الواحدة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: صنوان: النـخـلة التـي يكون فـي أصلها نـخـلتان وثلاث أصلهنّ واحد. ١٥٣١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد قوله: ونَـخِيـلٌ صِنْوَانٌ وغيرُ صِنْوَانٍ قال: الصنوان: النـخـلتان أو الثلاث يكنّ فـي أصل واحد، فذلك يعدّه الناس صنوانا. ١٥٣١٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: حدثنـي رجل أنه كان بـين عمر بن الـخطاب وبـين العبـاس قول، فأسرع إلـيه العبـاس، فجاء عمر إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه ، ألـم تر عبـاسا فعل بـي وفعل، فأردت أن أجيبه، فذكرت مكانه منك فكففت فقال: (يَرْحَمُكَ اللّه إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ) . ١٥٣٢٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: صِنْوَانٌ: النـخـلة التـي يكون فـي أصلها نـخـلتان وثلاث أصلهنّ واحد قال: فكان بـين عمر بن الـخطاب وبـين العبـاس رضي اللّه عنهما قول، فأسرع إلـيه العبـاس، فجاء عمر إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا نبـيّ اللّه ألـم تر عبـاسا فعل بـي وفعل؟ فأردت أن أجيبه، فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك، فقال: (يَرْحَمُكَ اللّه إنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ) . ١٥٣٢١ـ قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن داود بن شابور، عن مـجاهد، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: (لا تُؤْذُونِـي فِـي العَبّـاسِ فإنّهُ بَقِـيّةُ آبـائِي، وإنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ) . ١٥٣٢٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، وابن أبـي ملـيكة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر: (يا عُمَرُ أما عَلِـمْتَ أنّ عَمّ الرّجُلِ صِنْوُ أبِـيهِ؟) . ١٥٣٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد: صِنْوَانٌ قال: فـي أصل ثلاث نَـخَلات، كمثل ثلاثة بنـي أمّ وأب يتفـاضلون فـي العمل، كما يتفـاضل ثمر هذه النـخلات الثلاث فـي أصل واحد. قال ابن جريج: قال مـجاهد: كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي إبراهيـم بن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن مـجاهد، نـحوه. ١٥٣٢٤ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن الـحسن، قال: هذا مثل ضربه اللّه لقلوب بنـي آدم كان الأرض فـي يد الرحمن طينة واحدة، فسَطَحها وبطَحَها، فصارت الأرض قطعا متـجاورات، فـينزل علـيها الـماء من السماء، فتـخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتـخرج نبـاتها وتـحيـي مواتها، وتـخرج هذه سَبَخها ومِلْـحها وخَبثها، وكلتاهما تُسقـى بـماء واحد، فلو كان الـماء مالـحا، قـيـل: إنـما استسبخت هذه من قبل الـماء، كذلك الناس خـلقوا من آدم، فـينزل علـيهم من السماء تذكرة، فترقّ قلوب فتـخشع وتـخضع، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتـجفو. قال الـحسن: واللّه ما جالس القرآنَ أحدٌ إلاّ قام بزيادة أو نقصان، قال اللّه : ونُنَزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِـمِينَ إلاّ خَسارًا. وقوله: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) اختلفت القرّاء فـي قوله (تُسْقَـى) ، فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الـمدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة: (تُسْقَـى) بـالتاء، بـمعنى: تسقـى الـجنات والزرع والنـخيـل. وقد كان بعضهم يقول: إنـما قـيـل: (تُسقـى) بـالتاء لتأنـيث الأعناب. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين والكوفـيـين: يُسْقَـى بـالـياء. وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه تذكيره إذا قرىء كذلك، وإنـما ذلك خبر عن الـجنات والأعناب والنـخيـل والزرع أنها تسقـى بـماء واحد، فقال بعض نـحويّـي البصرة: إذا قرىء ذلك بـالتاء، فذلك علـى الأعناب كما ذكّر الأنعام فـي قوله: ما فِـي بُطُونِهِ وأنّث بعدُ فقال: وَعَلَـيْها وَعلـى الفُلْكِ تُـحْمَلُونَ فمن قال: يُسْقَـى بـالـياء جعل الأعناب مـما تذكر وتؤنث، مثل الأنعام. وقال: بعض نـحويـي الكوفة: من قال (تُسْقَـى) ذهب إلـى تأنـيث الزرع والـجنات والنـخيـل، ومن ذكّر ذهب إلـى أن ذلك كله يسقـى بـماء واحد، وأكله مختلف حامض وحلو، ففـي هذا آية. وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها، قراءة من قرأ ذلك بـالتاء: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) علـى أن معناه: تسقـى الـجنات والنـخـل والزرع بـماء واحد لـمـجيء (تسقـى) بعد ما قد جرى ذكرها، وهي جماع من غير بنـي آدم، ولـيس الوجه الاَخر بـمـمتنع علـى معنى يسقـى ذلك بـماء واحد: أي جميع ذلك يسقـى بـماء واحد عذب دون الـمالـح. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٢٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) ماء السماء كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد. ١٥٣٢٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) قال: ماء السماء. حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله. ١٥٣٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي إسحاق الكوفـي، عن الضحاك : (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) قال: ماء الـمطر. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قرأه ابن جريج، عن مـجاهد: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) قال: ماء السماء، كمثل صالـح بنـي آدم وخبـيثهم أبوهم واحد. قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٥٣٢٨ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيى الرملـي، قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة، عن ابن شوذب: (تُسْقَـى بِـمَاءٍ وَاحِدٍ) قال: بـماء السماء. وقوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه عامة قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين والبصريـين وبعض الكوفـيـين: ونُفَضّلُ بـالنون بـمعنى: ونفضل نـحن بعضها علـى بعض فـي الأكل. وقرأته عامُة قرّاء الكوفـيـين: (ويفضل) بـالـياء، ردا علـى قوله: يُغْشِي اللّـيْـلَ النّهارَ ويفضل بعضها علـى بعض. وهما قراءتان مستفـيضتان بـمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن الـياء أعجبهما إلـيّ فـي القراءة، لأنه فـي سياق كلام ابتداؤه (اللّه الذي رفع السموات) فقراءته بـالـياء إذ كان كذلك أولـى. ومعنى الكلام: أن الـجنات من الأعناب والزرع والنـخيـل، الصنوان وغير الصنوان، تسقـى بـماء واحد عذب لا ملـح، ويخالف اللّه بـين طعوم ذلك، فـيفضل بعضها علـى بعض فـي الطعم، فهذا حلو وهذا حامض. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٢٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الفـارسي والدّقَل والـحلو والـحامض. ١٥٣٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: الأرض الواحدة يكون فـيها الـخوخ والكمثري والعنب الأبـيض والأسود، وبعضها أكثر حملاً من بعض، وبعضه حلو وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض. ١٥٣٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: برنـيّ وكذا وكذا، وهذا بعضه أفضل من بعض. ١٥٣٣٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: هذا حامض، وهذا حلو، وهذا مزّ. ١٥٣٣٣ـ حدثنـي مـحمود بن خداش، قال: حدثنا سيف بن مـحمد بن أحمد، عن سفـيان الثوري، قال: حدثنا الأعمش عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها عَلـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: (الدّقَلُ والفَـارِسيّ والـحُلْوُ والـحَامِضُ) . حدثنا أحمد بن الـحسن الترمذي، قال: حدثنا سلـيـمان بن عبد اللّه الرقـي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن عمر الرقـي، عن زيد بن أبـي أنـيسة، عن الأعمش، عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـي قوله: وَنُفَضّلُ بَعْضَها علـى بَعْضٍ فِـي الأُكُلِ قال: (الدّقَلُ والفَـارِسِيّ والـحُلْوُ والـحَامِضُ) . وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي مخالفة اللّه عزّ وجلّ بـين هذا القطع من الأرض الـمتـجاورات وثمار جناتها وزروعها علـى ما وصفنا وبـينا لدلـيلاً واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك، أن الذي خالف بـينه علـى هذا النـحو الذي خالف بـينه، هو الـمخالف بـين خـلقه فـيـما قسم لهم من هداية وضلال وتوفـيق وخذلان، فوفق هذا وخذل هذا، وهدى ذا وأضلّ ذا، ولو شاء لسوّى بـين جميعهم، كما لو شاء سوّى بـين جميع أُكل ثماء الـجنة التـي تشرب شربـا واحدا، وتسقـى سقـيا (واحدا) ، وهي متفـاضلة فـي الأكل. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ...}. يقول تعالـى ذكره: وإن تعجب يا مـحمد من هؤلاء الـمشركين الـمتـخذين ما لا يضرّ ولا ينفع آلهة يعبدونها من دونـي، فعجب قولهم أئِذَا كُنّا تُرَابـا وبلـينا فعدمنا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ أإنا لـمـجدّد إنشاؤنا وإعادتنا خـلقا جديدا كما كنا قبل وفـاتنا؟ تكذيبـا منهم بقدرة اللّه ، وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الـمـمات. كما: ١٥٣٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ إن عجبت يا مـحمد فعجب قَوْلُهُمْ أئِذَاكُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ عجب الرحمن تبـارك وتعالـى من تكذيبهم بـالبعث بعد الـموت. ١٥٣٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ قال: إن تعجب من تكذيبهم، وهم قد رأوا من قدرة اللّه وأمره وما ضرب لهم من الأمثال، فأراهم من حياة الـموتـى فـي الأرض الـميتة، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم: أئِذَا كُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ أو لا يرون أنا خـلقناهم من نطفة، فـالـخـلق من نطفة أشدّ أم الـخـلق من تراب وعظام؟. واختلف فـي وجه تكرير الاستفهام فـي قوله: أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ بعد الاستفهام الأوّل فـي قوله: أئِذَا كُنّا تُرَابـا أهلُ العربـية، فقال بعض نـحويـي البصرة: الأوّل ظرف، والاَخر هو الذي وقع علـيه الاستفهام كما تقول: أيوم الـجمعة زيد منطلق؟ قال: ومن أوقع استفهاما آخر علـى قوله: أئذا متنا وكنا ترابـا؟ جعله ظرفـا لشيء مذكور قبله، كأنهم قـيـل لهم: تبعثون، فقالوا: أئذا كنا ترابـا؟ ثم جعل هذا استفهاما آخر. قال: وهذا بعيد. قال: وإن شئت لـم تـجعل فـي قولك: (أئذا) استفهاما، وجعلت الاستفهام فـي اللفظ علـى (أئِنا) ، كأنك قلت: أيوم الـجمعة أعبد اللّه منطلق؟ وأضمر نفـيه، فهذا موضع قد ابتدأت فـيه أئذا، ولـيس بكبـير فـي الكلام لو قتل الـيوم: أإن عبد اللّه منطلق لـم يحسُن، وهو جائز، وقد قالت العرب ما علـمت أنه لصالـح، تريد: إنه لصالـح ما علـمت. وقال غيره: أئذا جزاء ولـيست بوقت، وما بعدها جواب لها إذا لـم يكن فـي الثانـي استفهام والـمعنى له، لأنه هو الـمطلوب، وقال: ألا ترى أنك تقول: إن تقم يقوم زيد ويقم من جزم، فلأنه وقع موقع جواب الـجزاء، ومن رفع فلأن الاستفهام له. واستشهد بقول الشاعر: حَلَفْتُ لهُ إنْ تُدْلِـجِ اللّـيْـلَ لاَ يَزَلْأمامَكَ بَـيْتٌ مِنْ بُـيُوتِـيَ سائِرُ فجزم جواب الـيـمين، لأنه وقع موقع جواب الـجزاء، والوجه الرفع. قال: فهكذا هذه الآية. قال: ومن أدخـل الاستفهام ثانـية، فلأنه الـمعتـمد علـيه، وترك الـجزء الأوّل. وقوله: أُولَئِكَ الّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب، وَقالُوا أئِذَا كُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذّبوا رسوله، وهم الذين فـي أعناقهم الأغلال يوم القـيامة فـي نار جهنـم. فأولئك أصحاب النار: يقول: هم سكان النار يوم القـيامة، هُمْ فـيها خَالِدُونَ يقول: هم فـيها ماكثون أبدا، لا يـموتون فـيها، ولا يخرجون منها. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسّيّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ ...}. يقول تعالـى ذكره: ويستعجلونك يا مـحمد مشركو قومك بـالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافـية، فـيقولون: اللّه مّ إنْ كانَ هذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجَارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ وهم يعلـمون ما حلّ بـمن خلا قبلهم من الأمـم التـي عصت ربها وكذّبت رسلها من عقوبـات اللّه وعظيـم بلائه، فمن بـين أمة مُسِخت قِرَدة وأخرى خنازير، ومن بـين أمة أهلكت بـالرجْفَة، وأخرى بـالـخسف، وذلك هو الـمُثلات التـي قال اللّه جلّ ثناؤه: وَقَدْ خَـلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الـمَثُلاتُ والـمَثُلات: العقوبـات الـمنكّلات، والواحدة منها: مَثُلة بفتـح الـميـم وضمّ الثاء، ثم تـجمع مَثُلات كما واحدة الصّدُقات صَدُقَة، ثم تـجمع صَدُقات. وذكر أن تـميـما من بـين العرب تضم الـميـم والثاء جميعا من الـمَثُلات، فـالواحدة علـى لغتهم منها مُثْلة، ثم تـجمع علـى مُثُلات، مثل غُرْفة وغُرُفـات، والفعل منه: مثلتَ به أمثُل مَثْلاً بفتـح الـميـم وتسكين الثاء، فإذا أردت أنك أقصصته من غيره، قلت: أمَثْلته من صاحبه أُمْثِله إمثالاً، وذلك إذا أقصصته منه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقَدْ خَـلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الـمَثُلاتُ: وقائع اللّه فـي الأمـم فـيـمن خلا قبلكم. وقوله: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بـالسّيّئَةِ قَبْلَ الـحَسَنَةِ وهم مشركو العرب استعجلوا بـالشرّ قبل الـخير، وقالوا: اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجَارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِـيـمٍ. ١٥٣٣٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بـالسّيِئَةِ قَبْلَ الـحَسَنَةٍ قال: بـالعقوبة قبل العافـية. وَقَدْ خَـلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الـمَثُلاتُ قال: العقوبـات. ١٥٣٣٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: الـمَثُلات قال: الأمثال. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. وحدثنـي الـمُثنَىّ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٣٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقَدْ خَـلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الـمَثُلاتُ قال: الـمَثُلات: الذي مَثّل اللّه فـي الأمـم من العذاب الذي عذّبهم تولّت الـمَثُلات من العذاب، قد خَـلَت من قبلهم، وعرفوا ذلك، وانتهى إلـيهم ما مَثّل اللّه بهم حين عصَوه وعصَوا رسله. ١٥٣٤٠ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سلـيـم، قال: سمعت الشعبـيّ يقول فـي قوله: وَقَدْ خَـلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الـمَثُلاثُ قال: القِردَة والـخنازير هي الـمثلات. وقوله: وَإنّ رَبّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للنّاسِ علـى ظُلْـمِهِمْ يقول تعالـى ذكره: وإن ربك يا مـحمد لذو ستر علـى ذنوب من تاب من ذنوبه من الناس، فتارك فضيحَته بها فـي موقـف القـيامة، وصافحٌ له عن عقابه علـيها عاجلاً وآجلاً علـى ظلـمهم. يقول: علـى فعلهم ما فعلوا من ذلك بغير إذن لهم بفعله. وَإنّ رَبّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ لـمن هلك مُصرّا علـى معاصيه فـي القـيامة إن لـم يُعَجّلِ له ذلك فـي الدنـيا، أو يجمعهما له فـي الدنـيا والاَخرة. وهذا الكلام وإن كان ظاهُره ظاهرَ خير، فإنه وعيد من اللّه وتهديد للـمشركين من قوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إن هم لـم ينـيبوا ويتوبوا من كفرهم قبل حلول نقمة اللّه بهم. ١٥٣٤١ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَإنّ رَبّكَ لَذُو ومَغْفِرَةٍ للنّاسِ يقول: ولكن ربك. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ }. يقول تعالـى ذكره: وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا يا مـحمد من قومك، لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبّهِ هلا أنزل علـى مـحمد آية من ربه يعنون: علامة وحُجة له علـى نبوّته، وذلك قولهم: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يقول اللّه له: يا مـحمد إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ لهم، تنذرهم بأس اللّه أن يحلّ بهم علـى شركهم. وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ: يقول ولكلّ قوم إمام يأتـمون به وهاد يتقدّمهم، فـيهديهم إما إلـى خير وإما إلـى شرّ. وأصله من هادي الفَرَس، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي الـمغنـيّ بـالهادي فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَـيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبّهِ هذا قول مشركي العرب، قال اللّه :إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ لكلّ قوم داعٍ يدعوهم إلـى اللّه . ١٥٣٤٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن السّديّ، عن عكرمة ومنصور، عن أبـي الضحى: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قالا: مـحمد هو الـمنذر وهو الهاد. ١٥٣٤٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن عكرمة، مثله. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن عكرمة، مثله. وقال آخرون: عُنى بـالهادي فـي هذا الـموضع: اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٥٣٤٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: مـحمد الـمنذر، واللّه الهادي. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلٍ قَوْمٍ هادٍ قال مـحمد الـمنذر، واللّه الهادي. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعيّ، عن سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ قال: أنت يا مـحمد منذر، واللّه الهادي. ١٥٣٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد فـي قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: الـمنذر: النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: اللّه هادي كلّ قوم. ١٥٣٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ يقول: أنت يا مـحمد منذر وأنا هادي كل قوم. ١٥٣٤٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ الـمنذر: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، والهادي: اللّه عزّ وجل. وقال آخرون: الهادي فـي هذا الـموضع معناه نبـيّ. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٤٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: الـمنذر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد فـي قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ. قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، مثله. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط بن مـحمد، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمِ هادٍ قال: لكلّ قوم نبـيّ، والـمنذر: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. قال: حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنـي عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ. قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ يعني : لكلّ قوم نبـيّ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ. ١٥٣٥٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: نبـيّ يدعوهم إلـى اللّه . ١٥٣٥١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: لكلّ قوم نبـيّ، الهادي: النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، والـمنذر أيضا: النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. وقرأ: وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ. وقال: نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولـى قال: نبـيّ من الأنبـياء. وقال آخرون: بل عُنـي به: ولكلّ قوم قائد. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: إنـما أنت يا مـحمد منذر، ولكلّ قوم قادة. قال: حدثنا الأشجعيّ، قال: ثنـي إسماعيـل أو سفـيان، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: لكلّ قوم قادة. ١٥٣٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: الهادي: القائد، والقائد: الإمام، والإمام: العمل. ١٥٣٥٤ـ حدثنـي الـحسن، قال: حدثنا مـحمد، وهو ابن يزيد، عن إسماعيـل، عن يحيى بن رافع، فـي قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: قائد. وقال آخرون: هو علـيّ بن أبـي طالب رضي اللّه عنه. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٥٥ـ حدثنا أحمد بن يحيى الصوفـيّ، قال: حدثنا الـحسن بن الـحسين الأنصاري، قال: حدثنا معاذ بن مسلـم، حدثنا الهروي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: لـما نزلت إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَومٍ هادٍ وضع صلى اللّه عليه وسلم يده علـى صدره، فقال: (أنَا الـمُنْذِرُ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ) ، وأومأ بـيده إلـى منكب علـيّ، فقال: (أنْتَ الهادِي يا عَلـيّ، بك يَهْتَدِي الـمُهْتَدُون بَعْدِي) . وقال آخرون: معناه: لكلّ قوم داع. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال: داع. وقد بـيّنت معنى الهداية، وأنه الإمام الـمتبع الذي يقدمُ القوم. فإذا كان ذلك كذلك، فجائز أن يكون ذلك هو اللّه الذي يهدي خـلقه وَيَتْبِعُ خـلقه هداه ويأتـمون بأمره ونهيه، وجائز أن يكون نبـيّ اللّه الذي تأتـمّ به أمته، وجائز أن يكون إماما من الأئمة يؤتـمّ به ويتبع مِنهاجَه وطريقته أصحابه، وجائز أن يكون داعيا من الدّعاة إلـى خير أو شرّ. وإذا كان ذلك كذلك، فلا قول أولـى فـي ذلك بـالصواب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: إن مـحمدا هو الـمنذر مَن أُرْسِل إلـيه بـالإنذار، وإن لكلّ قوم هاديا يهديهم فـيتبعونه ويأتـمون به. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }. يقول تعالـى ذكره: وَإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلهُمْ أئِذَا كُنّا تُرَابـا أئِنّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ منكرين قدرة اللّه علـى إعادتهم خَـلقا جديدا بعد فنائهم وبلائهم، ولا ينكرون قدرته علـى ابتدائهم وتصويرهم فـي الأرحام وتدبـيرهم وتصريفهم فـيها حالاً بعد حال. فـابتدأ الـخبر عن ذلك ابتداء، والـمعنى فـيه ما وصفت، فقال جلّ ثناؤه: اللّه يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ يقول: وما تنقص الأرحام من حملها فـي الأشهر التسعة بإرسالها دم الـحيض، وما تزداد فـي حملها علـى الأشهر التسعة لتـمام ما نقص من الـحمل فـي الأشهر التسعة بـارسالها دم الـحيض. وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِـمِقْدَارٍ لا يجاوز شيء من قَدَره عن تقديره، ولا يقصر أمر أراده فدبره عن تدبـيره، كما لا يزداد حمل أنثى علـى ما قدر له من الـحمل، ولا يقصر عما حدّ له من القَدْر والـمِقدار، مفعال من القدر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٥٧ـ حدثنـي يعقوب بن ماهانَ، قال: حدثنا القاسم بن مالك، عن داود بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: ما رأت الـمرأة من يوم دما علـى حملها زاد فـي الـحمل يوما. ١٥٣٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: اللّه يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ يعني السّقط. وَما تَزْدَادُ يقول: ما زادت الرحم فـي الـحمل علـى ما غاضت حتـى ولدته تـماما وذلك أن من النساء من تـحمل عشرة أشهر ومنهنّ من تـحمل تسعة أشهر، ومنهنّ من تزيد فـي الـحمل ومنهنّ من تنقص، فذلك الغيَض والزيادة التـي ذكر اللّه ، وكلّ ذلك بعلـمه. ١٥٣٥٩ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثنا عبد السلام، قال: حدثنا خَصِيف، عن مـجاهد أو سعيد بن جبـير فـي قول اللّه :وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: غيضها دون التسعة، والزيادة فوق التسعة. ١٥٣٦٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مـجاهد، أنه قال: الغيض: ما رأت الـحامل من الدم فـي حملها، فهو نقصان من الولد، والزيادة: ما زاد علـى التسعة أشهر، فهو تـمام للنقصان وهو زيادة. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَماتَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: ما ترى من الدم، وما تزداد علـى تسعة أشهر. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، أنه قال: يَعْلَـمُ وما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: ما زاد علـى التسعة الأشهر وما تغيض الأرحام: قال: الدم تراه الـمرأة فـي حملها. حدثنـي الـمثنى، حدثنا عمرو بن عون والـحجاج بن الـمنهال، قالا: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: الغيض: الـحامل ترى الدم فـي حملها فهو الغيض، وهو نقصان من الولد، وما زاد علـى تسعة أشهر فهو تـمام لذلك النقصان، وهي الزيادة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مـجاهد: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: إذا رأت دون التسعة زاد علـى التسعة مثل أيام الـحيض. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: خروج الدم. وَما تَزْدَادُ قال: استـمساك الدم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ إراقة الـمرأة حتـى يَخس الولد. وَما تَزْدَادُ قال: إن لـم تهرق الـمرأة تـمّ الولد وعظُم. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا شعبة، عن جعفر، عن مـجاهد، فـي قوله: وقوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: الـمرأة ترى الدم وتـحمل أكثر من تسعة أشهر. ١٥٣٦١ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: هي الـمرأة ترى الدم فـي حملها. قال: حدثنا شبـابة، حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَما تَغِيضُ الأرحامُ وَما تَزْدَادُ إهراق الدم حتـى يخس الولد، وتزداد إن لـم تهرق الـمرأة تـمّ الولد وعظم. ١٥٣٦٢ـ قال: حدثنا الـحكم بن موسى، قال: حدثنا هقل، عن عثمان بن الأسود، قال: قلت لـمـجاهد: امرأتـي رأت دما، وأرجو أن تكون حاملاً قال أبو جعفر: هكذا هو فـي الكتاب فقال مـجاهد: ذاك غيض الأرحام يَعْلَـمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدادُ وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِـمِقْدارٍ. الولد لا يزال يقع فـي النقصان ما رأت الدم، فإذا انقطع الدم وقع فـي الزيادة، فلا يزال حتـى يتـم، فذلك قوله: وَمَا تَغِيضُ الأرْحامُ وَمَا تَزْدَادُ، وَكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِـمِقْدَارٍ. قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: الغَيْض: الـحامل ترى الدم فـي حملها، وهو الغَيض، وهو نقصان من الولد، فما زادت علـى التسعة الأشهر، فهي الزيادة، وهو تـمام للولادة. ١٥٣٦٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عكرمة فـي هذه الآية: اللّه يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: كلـما غاضت بـالدم زاد ذلك فـي الـحمل. قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة نـحوه. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن عاصم، عن عكرمة: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: غيض الرحم: الدم علـى الـحمل كلـما غاض الرحم من الدم يوما زاد فـي الـحمل يوما حتـى تستكمل وهي طاهرة. ١٥٣٦٤ـ قال: حدثنا عبـاد، عن سعيد، عن يَعْلـى بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، مثله. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا الولـيد بن صالـح، قال: حدثنا أبو يزيد، عن عاصم، عن عكرمة فـي هذه الآية: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: هو الـحيض علـى الـحمل. وَما تَزْدَادُ قال: فلها بكلّ يوم حاضت علـى حملها يوم تزداده فـي طهرها حتـى تستكمل تسعة أشهر طاهرا. قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عمران بن حدير، عن عكرمة، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: ما رأت الدم فـي حملها زاد فـي حملها. ١٥٣٦٥ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ ما تغيض: أقلّ من تسعة، وما تزداد: أكثر من تسعة. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن الـحسن بن يحيى، قال: سمعت الضحاك يقول: قد يُولد الـمولود لسنتـين، قد كان الضحاك ولد لسنتـين، والغيض: ما دون التسعة، وما تزداد: فوق تسعة أشهر. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن جويبر، عن الضحاك : وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدادُ قال: دون التسعة، وما تزداد: قال: فوق التسعة. ١٥٣٦٦ـ قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: ولدت لسنتـين. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا الضحاك : أن أمه حملته سنتـين، قال: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: ما تنقص من التسعة وَما تَزْدَادُ قال: ما فوق التسعة. ١٥٣٦٧ـ قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: اللّه يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: كلّ أنثى من خـلق اللّه . ١٥٣٦٨ـ قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، ومنصور عن الـحسن، قالا: الغَيْض ما دون التسعة الأشهر. ١٥٣٦٩ـ قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن جميـلة بنت سعد، عن عائشة قالت: لا يكون الـحمل أكثر من سنتـين، قدر ما يتـحولّ ظلّ مغزل. ١٥٣٧٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: هو الـحمل لتسعة أشهر وما دون التسعة. وَما تَزْدَادُ قال: علـى التسعة. ١٥٣٧١ـ قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: حيض الـمرأة علـى ولدها. ١٥٣٧٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمَا تَغِيضُ الأرْحامٌ وَما تَزْدَادُ. قال: الغيض: السّقْط وما تزداد: فوق التسعة الأشهر. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن جبـير: إذا رأت الـمرأة الدم علـى الـحمل، فهو الغيض للولد. يقول: نقصان فـي غذاء الولد، وهو زيادة فـي الـحمل. ١٥٣٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اللّه يَعْلَـمُ ما تَـحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ قال: كان الـحسن يقول: الغيضوضة أن تضع الـمرأة لستة أشهر أو لسبعة أشهر، أو لـما دون الـحدّ. قال قتادة: وأما الزيادة، فما زاد علـى تسعة أشهر. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: غيض الرحم: أن ترى الدم علـى حملها، فكلّ شيء رأت فـيه الدم علـى حملها ازدادت علـى حملها مثل ذلك. قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد، قال: إذا رأت الـحاملُ الدم كان أعظم للولد. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ وَما تَزْدَادُ الغيض: النقصان من الأجل، والزيادة: ما زاد علـى الأجل وذلك أن النساء لا يـلدن لعدّة واحدة، يولد الـمولود لستة أشهر فـيعيش، ويولد لسنتـين فـيعيش، وفـيـما بـين ذلك. قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتـين، وقد نبتت ثناياي. ١٥٣٧٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما تَغِيضُ الأرْحامُ قال: غيض الأرحام: الإهراقة التـي تأخذ النساء علـى الـحمل، وإذا جاءت تلك الإهراقة لـم يعتدّ بها من الـحمل ونقص ذلك حملها حتـى يرتفع ذلك وإذا ارتفع استقبلت عِدة مستقبلة تسعة أشهر وأما ما دامت ترى الدم فإن الأرحام تغيض وتنقص والولد يرقّ، فإذا ارتفع ذلك الدم ربـا الولد واعتَدّت حين يرتفع عنها ذلك الدم، عِدّة الـحمل تسعة أشهر، وما كان قبله فلا تعتدّ به هو هِراقة يُبْطل ذلك أجمع أكتع. وقوله: وكُلّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِـمِقْدَارٍ. ١٥٣٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وكُل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِـمِقْدَارٍ إي والله، لقد حفظ علـيهم رزقهم وآجالهم، وجعل لهم أجلاً معلوما. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }. يقول تعالـى ذكره: واللّه عالـم ما غاب عنكم وعن أبصاركم فلـم تَرَوْه وما شاهدتـموه، فعاينتـم بأبصاركم، لا يخفـى علـيه شيء، لأنهم خـلقه، وتدبـيره الكبـير الذي كلّ شيء دونه، الـمتعال الـمستعلـي علـى كلّ شيء بقدرته، وهو الـمتفـاعل من العلوّ مثل الـمتقارب من القرب والـمتدانـي من الدنوّ. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَوَآءٌ مّنْكُمْ مّنْ أَسَرّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنّهَارِ }. يقول تعالـى ذكره: معتدلٌ عند اللّه منكم أيها الناس الذي أسر القول، والذي جهر به، والذي هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ فـي ظلـمته بـمعصية اللّه وَسارِبٌ بـالنهارِ يقول: وظاهر بـالنهار فـي ضوئه، لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، سواء عنده سرّ خـلقه وعلانـيتهم، لأنه لا يستسرّ عنده شيء ولا يخفـى يقال منه: سَرَب يَسْرُبُ سُروبـا إذا ظهر، كما قال قـيس بن الـخطيـم: أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سَرُوبِوتَقُرّبُ الأحْلامِـم غيرُ قَرِيبِ يقول: كيف سربت بـاللـيـل علـى بعد هذا الطريق ولـم تكونـي تبرزين وتظهرين. وكان بعضهم يقول: هو السالك فـي سِرْبه: أي فـي مذهبه ومكانه. واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي السرب، فقال بعضهم: هو آمن فـي سَربه، بفتـح السين، وقال بعضهم: هو آمن فـي سِربه بكسر السين. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَر القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ يقول: هو صاحب رِيبة مستـخف بـاللـيـل، وإذا خرج بـالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم. ١٥٣٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَسارِبٌ بـالنّهارِ: ظاهر. ١٥٣٧٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن أب رجاء، فـي قوله: سَوَاءٌ مِنكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ قال: إن اللّه أعلـم بهم، سواء من أسرّ القول ومن جهر به، ومن هو مستـخف بـاللـيـل وسارب بـالنهار. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن عوف، عن أبـي رجاء: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ قال: من هو مستـخف فـي بـيته، وساربٌ بـالنهار: ذاهب علـى وجهه علـمُه فـيهم واحد. ١٥٣٧٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ يقول: السرّ والـجهر عنده سواء. وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ أما الـمستـخفـي ففـي بـيته، وأما السارب: الـخارج بـالنهار حيثما كان الـمستـخفـي غيبه الذي يغيب فـيه والـخارج عنده سواء. ١٥٣٨٠ـ قال: حدثنا الـحِمّانِـيّ، قال: حدثنا شريك، عن خَصِيف، فـي قوله: مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ قال: راكب رأسه فـي الـمعاصي. وَسارِبٌ بـالنّهارِ قال: ظاهر بـالنهار. ١٥٣٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ كلّ ذلك عنده تبـارك وتعالـى سواء السرّ عنده علانـية. قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ: أي فـي ظلـمه اللـيـل، وسارب: أي ظاهر بـالنهار. ١٥٣٨٢ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن خَصِيف، عن مـجاهد وعكرمة: وَسارِبٌ بـالنّهارِ قال: ظاهر بـالنهار. و(من) فـي قوله: مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيـلِ رفع الأولـى منهنّ بقوله سواء، والثانـية معطوفة علـى الأولـى والثالثة علـى الثانـية. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه ...}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لله تعالـى ذكره مُعَقبّـات، قالوا: الهاء فـي قوله (له) من ذكر اسم اللّه ، والـمعقّبـات التـي تتعقّب علـى العبد وذلك أن ملائكة اللـيـل إذا صَعِدت بـالنهار أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة اللـيـل، وقالوا: قـيـل معقبّـات، والـملائكة: جمع مَلَك مذكر غير مؤنث، وواحد الـملائكة معقب، وجماعتها مُعقّبة، ثم جمع جمعه، أعنـي جمع معقب بعد ما جمع معقبة. وقـيـل: معقبـات، كما قـيـل: أبناوات سعد، ورجالات بنـي فلان جمع رجال. وقوله: مِنْ بـينَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يعني ب قوله: مِنْ بـينَ يَدَيْهِ من قدّام هذا الـمستـخفـي بـاللـيـل والسارب بـالنهار، وَمَنْ خَـلْفِهِ: من وراء ظهره. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٨٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، يعني ابن زاذان، عن الـحسن فـي هذه الآية: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بَـينَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: الـملائكة. ١٥٣٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إبراهيـم بن عبد السلام بن صالـح القُشَيريّ، قال: حدثنا علـيّ بن جرير، عن حماد بن سلـمة، عن عبد الـحميد بن جعفر، عن كنانة العدويّ، قال: دخـل عثمان بن عفّـان علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ، أخبرنـي عن العبد كم معه من ملَك؟ قال: (مَلَكٌ علـى يَـمِينِكَ علـى حَسَناتِكَ، وَهُوَ أمِيرٌ علـى الّذِي علـى الشّمالِ، فإذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرا، وَإذَا عَمِلْتَ سَيّئَةً قالَ الّذِي علـى الشّمالِ للّذِي علـى الـيَـمِينِ: اكْتُبْ قالَ: لا لَعَلّهُ يَسْتَغْفِرُ اللّه وَيَتُوبُ، فإذَا قالَ ثَلاثا، قالَ: نَعَمْ اكْتُبْ أرَاحَنا اللّه مِنْهُ، فَبِئْسَ القَرِينُ، ما أقَلّ مُرَاقَبَتَهُ لِلّهِ، وأقَلّ اسْتِـحْياءَهُ مِنّا يَقُولُ اللّه : ما يَـلْفِظَ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِـيبٌ عَتِـيدٌ. وَمَلَكانِ مِنْ بـينِ يَدَيْكِ وَمِنْ خَـلْفكَ، يَقُولُ اللّه : لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه وَمَلَكٌ قابِضٌ علـى ناصِيَتَكَ، فإذَا تَوَاضَعْتَ لِلّهِ رَفَعَكَ، وإذَا تَـجَبّرْتَ علـى اللّه قَصَمَك. ومَلَكانِ علـى شَفَتَـيْكَ لَـيْس يَحْفَظانِ عَلَـيْكَ إلاّ الصّلاةَ علـى مُـحَمّد وَمَلَكٌ قائمٌ علـى فِـيكَ لا يَدَعُ الـحَيّةَ تَدْخُـلُ فِـي فِـيكَ وَمَلَكانِ علـى عَيْنَـيْكَ. فَهُؤلاءِ عَشْرَةُ أمْلاكٍ علـى كُلّ آدَميّ، يَنْزِلُونَ مَلائِكَةُ اللّـيْـلِ علـى مَلاَئِكَةِ النّهارِ، (لأن ملائكة اللـيـل سوى ملأئكة النهار) فَهَؤُلاءِ عِشْرُونَ مَلَكا علـى كُلّ آدَمِيّ، وَإبْلِـيسُ بـالنّهارِ وَوَلَدُهُ بـاللّـيْـلِ) . ١٥٣٨٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ الـملائكة يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه . حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ قال: مع كلّ إنسان حفظة يحفظونه من أمر اللّه . ١٥٣٨٦ـ قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَديْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه فـالـمعقبـات هنّ من أمر اللّه ، وهي الـملائكة. ١٥٣٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: ملائكة يحفظونه من بـين يديه ومن خـلفه، فإذا جاء قدره خَـلّوا عنه. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه فإذا جاء القدر خَـلّوا عنه. ١٥٣٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم فـي هذه الآية، قال: الـحَفَظة. ١٥٣٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: لَهُ مُعَقبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: ملائكة. ١٥٣٩٠ـ حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا يَعْلـى، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ قال: ملائكة اللـيـل يَعقُبون ملائكة النهار. ١٥٣٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ هذه ملائكة اللـيـل يتعاقبون فـيكم بـاللـيـل والنهار، وذُكر لنا أنهم يجتـمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح. وفـي قراءة أبـيّ بن كعب: (له معقّبـات من بـين يديه ورقـيب من خـلفه يحفظونه من أمر اللّه ) . ١٥٣٩٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: لَهُ مَعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ قال: ملائكة يتعاقبونه. ١٥٣٩٣ـ حدثنا القاسم، قال حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: الـملائكة. قال ابن جريج: معقّبـات: قال: الـملائكة تَعَاقبُ اللـيـل والنهار. وبلغَنَا أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (يجتـمعون فـيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح) وقوله: مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَه قال ابن جريج: مثل قوله: عَنِ الـيَـمينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال: الـحسنات من بـين يديه والسيئات من خـلفه، الذي عن يـمينه يكتب الـحسناتِ والذي عن شماله يكتب السيئات. ١٥٣٩٤ـ حدثنا سَوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت لـيثا يحدّث عن مـجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملَك مُوَكّلٌ يِحفِظه فـي نونه ويقظته من الـجنّ والإنس والهوامّ، فما منها شيء يأتـيه يريده إلا قال: وراءَك، إلا شيئا يأذن اللّه فـيه فـيصيبه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بَـيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: يعني الـملائكة. وقال آخرون: بل عنـي بـالـمعقّبـات فـي هذا الـموضع: الـحرس الذي يتعاقب علـى الأمير. ذكر من قال ذلك: ١٥٣٩٥ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعيّ، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا سفـيان عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمنْ خَـلْفهِ قال: ذلك مَلِك من ملوك الدنـيا له حرس من دونه حرس. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يعني : ولـيّ السلطان يكون علـيه الـحرس. ١٥٣٩٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن شَرْقـيّ أنه سمع عكرمة يقول فـي هذه الآية: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: هؤلاء الأمراء. ١٥٣٩٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عمرو بن نافع، قال: سمعت عكرمة يقول: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: الـمواكب من بـين يديه ومن خـلفه. ١٥٣٩٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بَـيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: هو السلطان الـمـحروس من أمر اللّه ، وهم أهل الشرك. وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: الهاء فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ من ذكر (من) التـي فـي قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وأن الـمعقبـات من بـين يديه ومن خـلفه، هي حَرَسه وجَلاَوِزته كما قال ذلك مَن ذكرنا قوله. وإنـما قلنا: ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب لأن قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ أقرب إلـى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ منه إلـى عالـم الغيب، فهي لقربها منه أولـى بأن تكون من ذكره، وأن يكون الـمعنىّ بذلك هذا، مع دلالة قول اللّه :وَإذَا أرَادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوءا فَلا مَرَدّ لَهُ علـى أنهم الـمعِنـيّون بذلك. وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قوما أهل معصية له وأهل ريبة، يستـخفون بـاللـيـل ويظهرون بـالنهار، ويـمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومَنَعَة تـمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بـينهم وبـين ما يأتون من معصية اللّه ، ثم أخبر أن اللّه تعالـى ذكره إذا أراد بهم سوءا لـم ينفعهم حرسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم. وقوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل هذا الـحرف علـى نـحو اختلافهم فـي تأويـل قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ فمن قال: الـمعقبـات هي الـملائكة، قال: الذين يحفظونه من أمر اللّه هم أيضا الـملائكة ومن قال: الـمعقبـات هي الـحرس والـجلاوزة من بنـي آدم، قال: الذين يحفظونه من أمر اللّه هم أولئك الـحرس. واختلفوا أيضا فـي معنى قوله: مِنْ أمْرِ اللّه فقال بعضهم: حِفْظهم إياه من أمره. وقال بعضهم: يحفظونه من أمر اللّه بأمر اللّه . ذكر من قال: الذين يحفظونه هم الـملائكة، ووَجّهَ قوله: بأمر اللّه إلـى معنى أن حفظها إياه من أمر اللّه : ١٥٣٩٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه يقول: بإذن اللّه ، فـالـمعقبـات: هي من أمر اللّه ، وهي الـملائكة. ١٥٤٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـملائكة: الـحَفَظَة، وحِفْظُهم إياه من أمر اللّه . ١٥٤٠١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنـي عبد الـملك، عن ابن عبـيد اللّه ، عن مـجاهد، فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـحَفَظَة هم من أمر اللّه . ١٥٤٠٢ـ قال: حدثنا علـيّ، يعني ابن عبد اللّه بن جعفر، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، عن ابن عبـاس : لَه مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ رُقبـاء وَمِنْ خَـلْفِهِ منْ أمْر اللّه يَحْفَظُونَهُ. قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الـجارود، عن ابن عبـاس : لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ رقـيب وَمِنْ خَـلْفِهِ. ١٥٤٠٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيـل، عن خَصِيف، عن مـجاهد: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـملائكة من أمر اللّه . ١٥٤٠٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـملائكة من أمر اللّه . ١٥٤٠٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـحَفَظة. ذكر من قال: عنى بذلك يحفظونه بأمر اللّه : ١٥٤٠٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه : أي بأمر اللّه . حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه ، وفـي بعض القراءات: (بأمر اللّه ) . ١٥٤٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَـلْفِهِ قال: مع كلّ إنسان حفظة يحفظونه من أمر اللّه . ذكر من قال: تـحفظه الـحرس من بنـي آدم من أمر اللّه : ١٥٤٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه يعني : ولـيّ السلطان يكون علـيه الـحرس، يحفظونه من بـين يديه ومن خـلفه. يقول اللّه عزّ وجلّ: يحفظونه من أمري، فإنـي إذا أردت بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من والٍ. ١٥٤٠٩ـ حدثنـي أبو هريرة الضبعيّ، قال: حدثنا أبو قتـيبة، قال: حدثنا سعيد، عن شَرْقـيّ، عن عكرمة: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: الـجلاوزة. وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه من أمر اللّه ، وأمر اللّه الـجنّ، ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مـجيء قضاء اللّه ، فإذا جاء قضاؤه خَـلّوا بـينه وبـينه. ذكر من قال ذلك: ١٥٤١٠ـ حدثنـي أبو هريرة الضّبَعيّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا ورقاء، عن منصور، عن طلـحة، عن إبراهيـم: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه قال: من الـجنّ. ١٥٤١١ـ حدثنا سَوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت لـيثا يحدّث عن مـجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملَك موكل يحفظه فـي نومه ويقظته من الـجنّ والإنس والهوامّ، فما منهم شيء يأتـيه يريده إلا قال: وراءَك، إلا شيئا يأذن اللّه فـيصيبه. ١٥٤١٢ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا إسماعيـل بن عياش، عن مـحمد بن زياد الألهانـيّ، عن يزيد بن شُرَيح عن كعب الأحبـار، قال: لو تـجّلـى لابن آدم كلّ سهل وحَزْن، لرأى علـى كلّ شيء من ذلك شياطين، لولا أن اللّه وَكل بكم ملائكة يذُبّون عنكم فـي مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذنْ لتُـخُطّفتـم. ١٥٤١٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا عمارة بن أبـي حفصة، عن أبـي مُـجَلّز، قال: جاء رجل من مُراد إلـى علـيّ رضي اللّه عنه، وهو يصّلـي، فقال: احترس، فإن ناسا من مُراد يريدون قتلك فقال: إن مع كل رجل مَلَكين يحفظانه مـما لـم يقدّر، فإذا جاء القدر خَـلـيّا بـينه وبـينه، وإن الأجل جنة حصينة. ١٥٤١٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن الـحسن بن ذَكوان، عن أبـي غالب، عن أبـي أُمامة قال: ما من آدميّ إلا ومعه مَلَك موكّل يذود عنه حتـى يُسْلِـمه للذي قُدّر له. وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه علـيه من اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٥٤١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْر اللّه قال: يحفظون علـيه من اللّه . قال أبو جعفر: يعني ابن جريج ب قوله: يحفظون علـيه الـملائكة الـموكّلة بـابن آدم، بحفظ حسناته وسيئاته، وهي الـمعّقبـات عندنا، تـحفظ علـى ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر اللّه . وعلـى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله: مِنْ أمْر اللّه أن الـحفظة من أمر اللّه ، أو تـحفظ بأمر اللّه ، ويجب أن تكون الهاء التـي فـي قوله: يَحْفَظُونَهُ وحدت وذكرت، وهي مراد بها الـحسنات والسيئات، لأنها كناية عن ذكر من الذي هو مستـخف بـاللـيـل وسارب بـالنهار، وأن يكون الـمستـخفـي بـاللـيـل أقـيـم ذكره مقام الـخبر عن سيئاته وحسناته، كما قـيـل: وَاسْئَل القَرْيَة التـي كُنّا فِـيها والعِيرَ التـي أقْبَلْنا فِـيها. وكان عبد الرحمن بن زيد يقول فـي ذلك خلاف هذه الأقوال كلها: ١٥٤١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ وَسارِبٌ بـالنّهارِ قال: أتـى عامرُ بن الطفـيـل، وأربد بن ربـيعة إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال عامر: ما تـجعل لـي إن أنا اتبعتك؟ قال: (أنْتَ فـارِسٌ أُعْطِيكَ أعِنّة الـخَيْـلِ) قال: لا. قال: (فَمَا تَبِغِي؟) قال: لـي الشرقُ ولك الغرب. قال: (لا) . قال: فلـي الوَبَر ولك الـمدَر. قال: (لا) قال: لأملأنها علـيك إذا خيلاً ورجالاً، قال: (يَـمْنَعُكَ اللّه ذَاكَ وَأبْناء قِـيْـلة) يريد الأوس والـخزرج. قال: فخرجا، فقال عامر لأربد: إنْ كان الرجل لنا لـمـمكنا لو قتلناه ما انتطحت فـيه عنزان ولرضُوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلـم وكرهوا الـحرب إذا رأوا أمرا قد وقع. فقال الاَخر: إن شئت فتشاورا، وقال: ارجع وأنا أشغله عنك بـالـمـجادلة، وكن وراءه فـاضربه بـالسيف ضربة واحدة فكانا كذلك، واحد وراء النبـي صلى اللّه عليه وسلم، والاَخر قال: اقصص علـينا قصصك، قال: ما يقول قرآنك؟ فجعل يجادله ويستبطئه حتـى قال: مالك أحْشمت؟ قال: وضعت يدي علـى قائم سيفـي فـيبست، فما قدرت علـى أن أُحْلـي وَلا أُمِرّ ولا أحرّكها. قال: فخرجا فلـما كانا بـالـحرّة سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، فخرجا إلـيهما، علـى كل واحد منهما لأمته وَرُمـحه بـيده وهو متقلد سيفه، فقالا لعامر بن الطفـيـل: يا أعور يا خبـيث يا أملـخ، أنت الذي تشترط علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ لولا أنك فـي أمان من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما رُمت الـمنزل حتـى ضربت عنقك، ولكن لا تستبقـينّ وكان أشدّ الرجلـين علـيه أسيد بن الـحُضَير، (فقال: من هذا؟ فقالوا: أسيد بن حضير) ، فقال: لو كان أبوه حيّا لـم يفعل بـي هذا. ثم قال لأربد: اخرج أنت يا أربد إلـى ناحية عَذبة، وأخرج أنا إلـى نـجد، فنـجمع الرجال فنلتقـي علـيه. فخرج أربد حتـى إذا كان بـالرقم بعث اللّه سحابة من الصيف فـيها صاعقة فأحرقته. قال: وخرج عامر، حتـى إذا كان بواد يقال له الـجرير، أرسل اللّه علـيه الطاعون، فجعل يصيح: يا آل عامر، أغدة كغدة البكر تقتلنـي، يا آل عامر أغدة كغدة البكر تقتلنـي، وموتٌ أيضا فـي بـيت سَلُولـية وهي امرأة من قـيس، فذلك قول اللّه :سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أسَرّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ فقرأ حتـى بلغ: يَحْفَظُونَهُ تلك الـمعقبـات من أمر اللّه ، هذا مقدّم ومؤخر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معقبـات يحفظونه من بـين يديه ومن خـلفه تلك الـمعقبـات من أمر اللّه . وقال لهذين: إنّ اللّه لا يُغَيّرُ ما بِقَومٍ حتـى يُغَيّروا ما بأنْفُسِهِمْ فقرأ حتـى بلغ: وَيُرْسِلُ الصّوَاعِق فَـيُصيبُ بها مَنْ يَشاءُ... الآية، فقرأ حتـى بلغ: وَما دُعاءُ الكافرينَ إلاّ فِـي ضَلالٍ. قال وقال لبـيد فـي أخيه أربد، وهو يبكيه: أخْشَى علـى أرْبَدَ الـحُتُوفَ ولاأرْهَبُ نَوْءَ السّماك والأسَدِ فَجّعَنـي الرّعْدُ والصّوَاعقُ بـالفـارسِ يومَ الكَرِيَهةِ النّـجُدِ قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد فـي تأويـل هذه الآية قول بعيد من تأويـل الآية مع خلافه أقوال من ذكرنا قوله من أهل التأويـل، وذلك أنه جعل الهاء فـي قوله: لَهُ مُعَقّبـاتٌ من ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولـم يجر له فـي الآية التـي قبلها ولا فـي التـي قبل الأخرى ذكر، إلا أن يكون أراد أن يردّها علـى قوله: إنّـمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلكُلّ قَوْمٍ هادٍ لَهُ مُعَقّبـاتٌ فإن كان أراد ذلك، فذلك بعيد لـما بـينهما من الاَيات بغير ذكر الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وإذا كان كذلك، فكونها عائدة علـى (مَن) التـي فـي قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـلِ أقرب، لأنه قبلها والـخبر بعدها عنه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: سواء منكم أيها الناس من أسرّ القول ومن جهر به عند ربكم، ومن هو مستـخف بفسقه وريبته فـي ظلـمة اللـيـل، وسارب: يذهب ويجيء فـي ضوء النهار مـمتنعا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة اللّه أن يحولوا بـينه وبـين ما يأتـي من ذلك، وأن يقـيـموا حدّ اللّه علـيه، وذلك قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه . وقوله: إنّ اللّه لا يُغَيّرُ ما بِقَوْمٍ حتـى يُغَيّرُوا ما بأنْفُسِهِمْ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه لا يغير ما بقوم من عافـية ونعمة فـيزيـل ذلك عنهم ويهلكهم حتـى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلـم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم علـى بعض، فتـحلّ بهم حينئذٍ عقوبته وتغيـيره. وقوله: وَإذَا أرَادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوءا فَلا مَرَدّ لَهُ يقول: وإذا أراد اللّه بهؤلاء الذين يستـخفون بـاللـيـل ويسربون بـالنهار، لهم جند ومنعة من بـين أيديهم ومن خـلفهم، يحفظونهم من أمر اللّه هلاكا وخزيا فـي عاجل الدنـيا فلا مَرَدّ لَهُ يقول: فلا يقدر علـى ردّ ذلك عنهم أحد غير اللّه . يقول تعالـى ذكره: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِه مِنْ وَالٍ يقول: وما لهؤلاء القوم، والهاء والـميـم فـي (لهم) من ذكر القوم الذين فـي قوله: وَإذَا أرَادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوءا. مِنْ دُونِ اللّه مِنْ وَالٍ يعني : من وال يـلـيهم ويـلـي أمرهم وعقوبهم. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: السوء: الهلكة، و يقول: كلّ جذام وبرص وعمى وبلاء عظيـم فهو سُوء مضموم الأوّل، وإذا فتـح أوله فهو مصدر سؤت، ومنه قولهم: رجل سوء. واختلف أهل العربـية فـي معنى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللّـيْـل وَساربٌ بـالنّهار فقال بعض نـحويـي أهل البصرة: معنى قوله: وَمَنْ هُوَ مُسْتَـخْفٍ بـاللـيْـل ومن هو ظاهر بـاللـيـل، من قولهم: خَفَـيْت الشيء: إذا أظهرته، وكما قال امرؤ القـيس: فإنْ تَكْتُـمُوا الدّاءَ لا نَـخْفِهِوإنْ تَبْعَثُوا الـحَرْبَ لا نَقْعُدِ وقال: وقد قرىء أكادُ أخْفِـيها بـمعنى: أظهرها. وقال فـي قوله: وَساربٌ بـالنهار السارب: هو الـمتواري، كأنه وجّهه إلـى أنه صار فـي السّرَب بـالنهار مستـخفـيا. وقال بعض نـحويـي البصرة والكوفة: إنـما معنى ذلك: ومن هو مستـخف: أي مستتر بـاللـيـل من الاستـخفـاء، وسارب بـالنهار: وذاهب بـالنهار، من قولهم: سربت الإبل إلـى الـمراعي، وذلك ذهابها إلـى الـمراعي وخروجها إلـيها. وقـيـل: إن السروب بـالعشيّ والسروح بـالغداة. واختلفوا أيضا فـي تأنـيث معقبـات، وهي صفة لغير الإناث، فقال بعض نـحويـي البصرة: إنـما أنثت لكثرة ذلك منها، نـحو: نسابة وعلامة، ثم ذكّر لأن الـمعنى مذكر، فقال: يحفظونه. وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما هي ملائكة معقبة، ثم جمعت مقبـات، فهو جمع جمع، ثم قـيـل: يحفظونه، لأنه للـملائكة. وقد تقدّم قولنا فـي معنى الـمستـخفـي بـاللـيـل والسارب بـالنهار. وأما الذي ذكرناه عن نـحويـي البصريـين فـي ذلك فقول وإن كان له فـي كلام العرب وجه خلافٌ لقول أهل التأويـل، وحسبه من الدلالة علـى فساده خروجه عن قول جميعهم. وأما الـمعقبـات، فإن التعقـيب فـي كلام العرب العود بعد البدء والرجوع إلـى الشيء بعد الانصراف عنه، من قول اللّه تعالـى: وَلّـى مُدْبِرا ولَـمْ يُعَقّبْ: أي لـم يرجع، وكما قال سلامة بن جندل: وكَرّنا الـخَيْـلَ فـي آثارهم رُجُعاكُسّ السّنابِك مِنْ بدْءٍ وتَعقِـيب يعني : فـي غزو ثان عقبوا وكما قال طرفة: وَلَقَدْ كُنْتُ عَلَـيْكَمْ عاتِبـافَعَقَبْتُـمْ بِذَنُوبٍ غَيْر مُرّ يعني ب قوله: عقبتـم: رجعتـم، وأتاها التأنـيث عندنا، وهي من صفة الـحرس الذي يحرسون الـمستـخفـي بـاللـيـل والسارب بـالنهار، لأنه عُنـي بها حرس معقبة، ثم جمعت الـمعقبة، فقـيـل: معقبـات، فذلك جمع جمع الـمعقب، والـمعقب: واحد الـمعقبة، كما قال لبـيد: حتـى تهَجّرَ فـي الرّواح وَهاجَهاطَلَبَ الـمُعَقّبِ حَقّهُ الـمَظْلُومُ والـمعقبـات جمعها، ثم قال: يحفظونه، فردّ الـخبر إلـى تذكير الـحرس والـجند. وأما قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه فإن أهل العربـية اختلفوا فـي معناه، فقال بعض نـحويـي الكوفة معناه: له معقبـات من أمر اللّه يحفظونه، ولـيس من أمره إنـما هو تقديـم وتأخير. قال: ويكون يحفظونه ذلك الـحفظ من أمر اللّه وبإذنه، كما تقول للرجل: أجبتك من دعائك إياي، وبدعائك إياي. وقال بعض نـحويـي البصريـين: معنى ذلك: يحفظونه عن أمر اللّه ، كما قالوا: أطعمنـي من جوع وعن جوع، وكسانـي عن عُرْي ومن عُرْي. وقد دللنا فـيـما مضى علـى أن أولـى القول بتأويـل ذلك أن يكون قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمْرِ اللّه من صفة حرس هذا الـمستـخفـي بـاللـيـل وهي تـحرسه ظنّا منها أنها تدفع عنه أمر اللّه ، فأخبر تعالـى ذكره أن حرسه ذلك لا يغنـي عنه شيئا إذا جاء أمره، فقال: وَإذَا أرَادَ اللّه بَقَوْمٍ سُوءا فَلا مَرَدّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ }. يقول تعالـى ذكره: هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ يعني أن الربّ هو الذي يرى عبـاده البرق. وقوله: هُوَ كناية اسمه جلّ ثناؤه، وقد بـيّنا معنى البرق فـيـما مضى وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـيه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقوله خَوْفـا يقول: خوفـا للـمسافر من أذاه. وذلك أن البرق الـماء فـي هذا الـموضع، كما: ١٥٤١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالـم أبو جهضم، مولـى ابن عبـاس ، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق: الـماء. وقوله وَطَمَعا يقول: وطمعا للـمقـيـم أن يـمطر فـينتفع. كما: ١٥٤١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عنقتادة، قوله: هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفـا وَطَمَعا يقول: خوفـا للـمسافر فـي أسفـاره، يخاف أذاه ومشقته، وطمعا للـمقـيـم يرجو بركته ومنفعته ويطمع فـي رزق اللّه . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: خَوْفـا وطَمَعا خوفـا للـمسافر، وطمعا للـمقـيـم. وقوله: وَيُنْشِىءُ السّحابَ الثّقالَ: ويثـير السحاب الثقال بـالـمطر، ويبدئه، يقال منه: أنشأ اللّه السحاب: إذا أبدأه، ونشأ السحاب: إذا بدأ ينشأ نشأً. والسحاب فـي هذا الـموضع وإن كان فـي لفظ واحد فإنها جمع واحدتها سحابة، ولذلك قال: (الثقال) ، فنعتها بنعت الـجمع، ولو كان جاء: السحاب الثقـيـل كان جائزا، وكان توحيدا للفظ السحاب، كما قـيـل: جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشّجَرِ الأخْضَرِ نارا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤١٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَيُنْشِىءُ السّحابَ الثّقالَ قال: الذي فـيه الـماء. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَيُنْشِىءُ السّحابَ الثّقالَ قال: الذي فـيه الـماء. ١٣وقوله: وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ قال أبو جعفر: وقد بـيّنا معنى الرعد فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وذُكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد، قال كما: ١٥٤٢٠ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا كثـير بن هشام، قال: حدثنا جعفر، قال: بلغنا أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد الشديد، قال: (اللّه مّ لا تَقْتُلْنا بِغَضَبكَ، وَلا تُهْلِكْنا بِعَذَابِكَ، وَعافِنا قَبْلَ ذلكَ) . ١٥٤٢١ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـيه، عن رجل، عن أبـي هريرة رفع الـحديث: أنه كان إذا سمع الرعد قال: (سُبْحانَ مَنْ يُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ) . ١٥٤٢٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مسعدة بن الـيسع البـاهلـي، عن جعفر بن مـحمد، عن أبـيه، عن علـيّ رضي اللّه عنه، كان إذا سمع صوت الرعد، قال: (سبحان من سبحتَ له) . ١٥٤٢٣ـ قال: حدثنا إسماعيـل بن علـية، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أنه كان إذا سمع الرعد، قال: (سبحان الذي سبحت له) . ١٥٤٢٤ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا يعلـى بن الـحارث، قال: سمعت أبـا صخرة يحدّث عن الأسود بن يزيد، أنه كان إذا سمع الرعد، قال: (سبحان من سبحت له) ، أو (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والـملائكة من خيفته) . ١٥٤٢٥ـ قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن طاوس، عن أبـيه، وعبد الكريـم، عن طاوس أنه كان إذا سمع الرعد، قال: (سبحان من سبحت له) . ١٥٤٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ميسرة، عن الأوزاعي، قال: كان ابن أبـي زكريا يقول: من قال حين يسمع الرعد: (سبحان اللّه وبحمده) ، لـم تصبه صاعقة. ومعنى قوله: وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ ويعظم اللّه الرعدُ ويـمـجده، فـيثنى علـيه بصفـاته، وينزّهه مـما أضاف إلـيه أهل الشرك به ومـما وصفوه به من اتـخاذ الصاحبة والولد، تعالـى ربنا وتقدّس. وقوله: مِنْ خِيفَتِهِ يقول: وتسبح الـملائكة من خيفة اللّه ورهبته. وأما قوله: وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَـيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فقد بـيّنا معنى الصاعقة فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته بـما فـيه الكفـاية من الشواهد، وذكرنا ما فـيها من الرواية. وقد اختلف فـيـمن أنزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت فـي كافر من الكفـار ذَكَرَ اللّه تعالـى وتقدس بغير ما ينبغي ذكره، فأرسل علـيه صاعقة أهلكته. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٢٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـانُ، قال: حدثنا أبـانُ بن يزيد، قال: حدثنا أبو عمران الـجونـيّ، عن عبد الرحمن بن صحُار العبديّ، أنه بلغه أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلـى جبّـار يدعوه، فقال: (أرأيتـم ربكم، أذهبٌ هو أم فضة هو أم لؤلؤ هو؟) قال: فبـينـما هو يجادلهم، إذ بعث اللّه سحابة فرعدت، فأرسل اللّه علـيه صاعقة فذهبت بقَحْف رأسه فأنزل اللّه هذه الآية: وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَـيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ. ١٥٤٢٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، عن أبـي بكر بن عياش، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: جاء يهودي إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال: أخبرنـي عن ربك من أيّ شيء هو، من لؤلؤ أو من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته، فأنزل اللّه : وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَـيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمّانـي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله. ١٥٤٢٩ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: حدثنا سيف، عن أبـي رَوق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ، قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا مـحمد حدثنـي مَنْ هذا الذي تدعو إلـيه، أياقوت هو، أذهب هو، أم ما هو؟ قال: فنزلت علـى السائل الصاعقة فأحرقته، فأنزل اللّه : وَيُرسِلُ الصّوَاعِقَ... الآية. ١٥٤٣٠ـ حدثنا مـحمد بن مرزوق، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبد الوهاب، قال: ثنـي علـيّ بن أبـي سارة الشيبـانـيّ، قال: حدثنا ثابت البُنَانـي، عن أنس بن مالك، قال: بَعَث النبـيّ صلى اللّه عليه وسلممرّة رجلاً إلـى رجل من فراعنة العرب، أن ادعه لـي، فقال: يا رسول اللّه ، إنه أعتـى من ذلك، قال: (اذْهَبْ إلـيه فـادْعُهُ) قال: فأتاه، فقال: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوك، فقال: من رسول اللّه ، وما اللّه ؟ أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من نـحاس؟ قال: فأتـى الرجل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال: (ارْجِعْ إلَـيْهِ فـادْعُهُ) قال: فأتاه فأعاد علـيه وردّ علـيه مثل الـجواب الأوّل، فأتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال: (ارْجِعْ إلَـيْهِ فـادْعُهُ) قال: فرجع إلـيه. فبـينـما هما يتراجعان الكلام بـينهما، إذ بعث اللّه سحابة بحِيال رأسه فرعدت، فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحْف رأسه، فأنزل اللّه : وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَـيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ. وقال آخرون: نزلت فـي رجل من الكفـار أنكر القرآن وكذّب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٣١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن رجلاً أنكر القرآن وكذّب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فأرسل اللّه علـيه صاعقة فأهلكته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـيه: وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه ، وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ. وقال آخرون: نزلت فـي أربَدَ أخي لَبـيد بن ربـيعة، وكان همّ بقتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو وعامر بن الطفـيـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: نزلت، يعني قوله: وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَـيُصِيبُ بها مَنْ يَشاءُ فـي أربدَ أخي لبـيد بن ربـيعة، لأنه قَدم أربد وعامر بن الطفـيـل بن مالك بن جعفر علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال عامر: يا مـحمد أأُسِلـم وأكون الـخـلـيفة من بعدك؟ قال: (لا) قال: فأكون علـى أهل الوبَر وأنت علـى أهل الـمدر؟ قال: (لا) ، قال: فما ذاك؟ قال: (أُعْطِيكَ أعِنّةَ الـخَيْـلِ تُقَاتِلُ عَلَـيْها، فإنّكَ رَجُلٌ فَـارِسٌ) قال: أو لـيست أعنة الـخَيـلِ بـيدي؟ أما واللّه لأملأنها علـيك خيلاً ورجالاً من بنـي عامر وقال لأربد: إما أن تكفـينـيه وأضربه بـالسيف، وإما أن أكفـيكه وتضربه بـالسيف. قال أربد: أكَفـيكه واضربه فقال عامر بن الطفـيـل: يا مـحمد إن لـي إلـيك حاجة، قال: (ادْنُ) ، فلـم يزل يدنو، ويقول النبـي صلى اللّه عليه وسلم، (ادْنُ) حتـى وضع يديه علـى ركبتـيه وحنى علـيه، واستلّ أربد السيف، فـاستلّ منه قلـيلاً فلـما رأى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بريقه، تعوّذ بآية كان يتعوّذ بها، فـيبست يد أربد علـى السيف، فبعث اللّه علـيه صاعقة فأحرقته، فذلك قول أخيه: أخْشَى علـى أرْبَدَ الـحُتُوفَ ولاأرْهَبُ نَوْءَ السّماك والأسَدِ فَجّعَنِـي البَرْقُ والصّوَاعقُ بـالْفـارِسِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ النّـجُدِ وقد ذكرت قبلُ خبر عبد الرحمن بن زيد بنـحو هذه القصة. وقوله: وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه يقول: وهؤلاء الذين أصابهم اللّه بـالصواعق أصابهم فـي حال خصومتهم فـي اللّه عزّ وجلّ لرسوله صلى اللّه عليه وسلم. وقوله: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ يقول تعالـى ذكره واللّه شديدة مـما حلته فـي عقوبة من طغى علـيه وعَتَا وتـمادى فـي كفره. والـمِـحال: مصدر من قول القائل: ما حَلتُ فلانا فأنا أما حله مـما حلة ومـحالاً، وفَعَلْتُ منه: مَـحَلت أَمْـحَل مَـحْلاً: إذا عَرّض رجل رجلاً لـما يهلكه ومنه قوله: (وما حِلٌ مُصَدّق) ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة: فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزّ فِـي غُصُنِ الـمَـجْدِ غزيرُ النّدَى شَدِيدُ الـمِـحالِ هكذا كان يُنشده معمر بن الـمثنى فـيـما حُدثت عن علـيّ بن الـمغيرة عنه. وأما الرواة بعدُ فإنهم ينشدونه: فَرْعُ فَرْعٍ يَهْتَزّ فِـي غُصُنِ الـمَـجْدِ كثـيرُ النّدَى عَظِيـمُ الـمِـحالِ وفسّر ذلك معمر بن الـمثنى، وزعم أنه عنى به العقوبة والـمكر والنكال ومنه قول الاَخر: وَلَبّسَ بـينَ أقْوَامٍ فُكُلّأعدّ له الشّغازِبَ والـمِـحالا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٣٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: حدثنا سيف، عن أبـي رَوْق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ رضي اللّه عنه: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ قال: شديد الأخذ. ١٥٤٣٤ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ قال: شديد القوّة. ١٥٤٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ أي القوّة والـحيـلة. ١٥٤٣٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحسن: شَدِيدُ الـمِـحالِ يعني : الهلاك، قال: إذا مـحل فهو شديد. وقال قتادة: شديد الـحِيـلة. ١٥٤٣٧ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا رجل، عن عكرمة: وَهُمْ يُجادِلُونَ فِـي اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ قال: الـمـحال: جدال أربَدَ، وهو شَدِيدُ الـمِـحَالِ قال: ما أصاب أربدَ من الصاعقة. ١٥٤٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحال قال: قال ابن عبـاس : شديد الـحَوْل. ١٥٤٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الـمِـحالِ قال: شديد القوّة. الـمـحال: القوّة. والقول الذي ذكرناه عن قتادةفـي تأويـل الـمـحال أنه الـحيـلة، والقول الذي ذكره ابن جريج عن ابن عبـاس يدلان علـى أنهما كانا يقرآن: (وَهُوَ شَدِيدُ الـمَـحَال) بفتـح الـميـم، لأن الـحيـلة لا يأتـي مصدرها مِـحَالاً بكسر الـميـم، ولكن قد يأتـي علـى تقدير الـمَفْعلة منها، فـيكون مَـحَالة، ومن ذلك قولهم: (الـمرء يعجز لا مَـحالة) ، والـمـحالة فـي هذا الـموضع: الـمفعلة من الـحيـلة. فأما بكسر الـميـم، فلا تكون إلا مصدرا، من ما حلت فلانا أما حلهِ مـحالاً، والـمـماحلة بعيدة الـمعنى من الـحيـلة، ولا أعلـم أحدا قرأه بفتـح الـميـم. فإذا كان ذلك كذلك، فـالذي هو أولـى بتأويـل ذلك ما قلنا من القول. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: لله من خـلقه الدعوة الـحق، والدعوة هي الـحقّ كما أضيفت الدار إلـى الاَخرة فـي قوله: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى. وإنـما عنى بـالدعوة الـحقّ: توحيد اللّه ، وشهادة أن لا إله إلاّ اللّه . وبنـحو الذي قلنا أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٤٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : دَعْوَةُ الـحَقّ قال: لا إله إلاّ اللّه . حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لَه دَعْوَةُ الـحَقّ قال: شهادة لا إله إلاّ اللّه . ١٥٤٤١ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: حدثنا سيف، عن أبـي رَوْق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ رضي اللّه عنه: لَه دَعْوَةُ الـحَقّ قال: التوحيد. ١٥٤٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَهُ دَعْوَةُ الـحَقّ قال: لا إله إلاّ اللّه . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، فـي قوله: لَه دَعْوَةُ الـحَقّ قال: لا إله إلاّ اللّه . ١٥٤٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَهُ دَعْوَةُ الـحَقّ: لا إله إلاّ اللّه لـيست تنبغي لأحد غيره، لا ينبغي أن يقال: فلان إله بنـي فلان. وقوله: والّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يقول تعالـى ذكره: والاَلهة التـي يدعوها الـمشركون أربـابـا وآلهة. وقوله مِنْ دُونِهِ يقول: من دون اللّه وإنـما عنى ب قوله: مِنْ دُونِهِ الاَلهة أنها مقصرة عنه، وأنها لا تكون إلها، ولا يجوز أن يكون إلها إلاّ اللّه الواحد القهار ومنه قول الشاعر: أتُوعِدُنِـي وَرَاءَ بَنِـي رِياحٍكَذَبْتَ لَتَقُصُرّنَ يَداكَ دُونِـي يعني : لتقصرن يداك عنـي. وقوله: لا يَسْتَـجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ يقول: لا تـجيب هذه الاَلهة التـي يدعوها هؤلاء الـمشركون آلهة بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضرّ. إلاّ كبـاسطِ كَفّـيْهِ إلـى الـماءِ يقول: لا ينفع داعي الاَلهة دعاؤه إياها إلاّ كما ينفع بـاسطَ كفـيه إلـى الـماء، بسطُه إياهما إلـيه من غير أن يرفعه إلـيه فـي إناء، ولكن لـيرتفع إلـيه بدعائه إياه وإشارته إلـيه وقبضه علـيه. والعرب تضرب لـمن سعى فـيـما لا يدركه مثلاً بـالقابض علـى الـماء. قال بعضهم: فإنّـي وَإيّاكُمْ وَشَوْقا إلَـيْكُمُكقابِضِ ماءٍ لَـمْ تَسِقْه أنامِلُهْ يعني بذلك: أنه لـيس فـي يده من ذلك إلاّ كما فـي يد القابض علـى الـماء، لأن القابض علـى الـماء لا شيء فـي يده. وقال آخر: فأصْبَحْتُ مـمّا كانَ بَـيْنِـي وبَـيْنَهامِنَ الوُدّ مِثْلَ القابِضِ الـمَاءَ بـالـيَدِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا سيف، عن أبـي روق، عن أبـي أيوب، عن علـيّ رضي اللّه عنه، فـي قوله: إلاّ كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لِـيَبْلُغَ فـاهُ وَما هُوَ بِبـالِغِهِ قال: كالرجل العطشان يـمدّ يده إلـى البئر لـيرتفع الـماء إلـيه وما هو ببـالغه. ١٥٤٤٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـماءِ يدعو الـماء بلسانه ويشير إلـيه بـيده، ولا يأتـيه أبدا. قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي الأعرج، عن مـجاهد: لِـيَبْلُغَ فـاهُ يدعوه لـيأتـيه وما هو بآتـيه، كذلك لا يستـجيب من هو دونه. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ يدعو الـماء بلسانه ويشير إلـيه بـيده، فلا يأتـيه أبدا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل حديث الـحسن، عن حجاج، قال ابن جريج: وقال الأعرج عن مـجاهد: لِـيَبْلُغَ فـاهُ قال: يدعوه لأن يأتـيه وما هو بآتـيه، فكذلك لا يستـجيب من هو دونه. ١٥٤٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِه لا يَسْتَـجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لِـيَبْلُغَ فـاهُ وَما هُوَ بِبـالِغِهِ ولـيس ببـالغه حتـى يتـمزّع عنقه ويهلك عطشا، قال اللّه تعالـى: وَما دُعاءُ الكافرِينَ إلاّ فِـي ضَلالٍ هذا مَثَلٌ ضربه اللّه أي هذا الذي يدعو من دون اللّه هذا الوثن وهذا الـحجر لا يستـجيب له بشيء أبدا ولا يسوق إلـيه خيرا ولا يدفع عنه سوءا حتـى يأتـيه الـموت، كمثل هذا الذي بسط ذارعيه إلـى الـماء لـيبلغ فـاه ولا يبلغ فـاه ولا يصل إلـيه ذلك حتـى يـموت عطشا. وقال آخرون: معنى ذلك: والذين يدعون من دونه لا يستـجيبون لهم بشيء إلاّ كبـاسط كفـيه إلـى الـماء لـيتناول خياله فـيه، وما هو ببـالغ ذلك. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لـيَبْلُغَ فـاهُ فقال: هذا مثل الـمشرك مع اللّه غيره، فمثَله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلـى خياله فـي الـماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله ولا يقدر علـيه. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٥٤٤٨ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَـجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ... إلـى: وَما دُعاءُ الكافرِينَ إلاّ فِـي ضَلالٍ يقول: مثل الأوثان الذين يُعبدون من دون اللّه كمثل رجل قد بلغه العطش حتـى كربه الـموت وكفـاه فـي الـماء قد وضعهما لا يبلغان فـاه، يقول اللّه : لا تستـجيب الاَلهة ولا تنفع الذين يعبدونها حتـى يبلغ كَفّـا هذا فـاه، وما هما ببـالغتـين فـاه أبدا. ١٥٤٤٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَـجيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلاّ كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لِـيَبْلُغَ فـاهُ وَما هُوَ بِبـالغهِ قال: لا ينفعونهم بشيء إلاّ كما ينفع هذا بكفّـيه، يعني بسطهما إلـى ما لا ينال أبدا. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٥٤٥٠ـ حدثنا به مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلاّ كبَـاسِطِ كَفّـيْهِ إلـى الـمَاءِ لِـيَبْلُغَ فـاهُ ولـيس الـماء ببـالغ فـاه ما قام بـاسطا كفـيه لا يقبضهما وَما هُوَ بِبـالِغِهِ وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلاّ فِـي ضَلالٍ قال: هذا مثل ضربه اللّه لـمن اتـخذ من دون اللّه إلها أنه غير نافعه، ولا يدفع عنه سوءًا حتـى يـموت علـى ذلك. وقوله: وَما دُعاءُ الكافِرِينَ إلاّ فِـي ضَلالٍ يقول: وما دعاء من كفر بـاللّه ما يدعو من الأوثان والاَلهة إلاّ فـي ضلال: يقول: إلاّ فـي غير استقامة ولا هُدًى، لأنه يشرك بـالله. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ }. يقول تعالـى ذكره: فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون اللّه الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بـالعبـادة له، فللّه يسجد من فـي السموات من الـملائكة الكرام ومن فـي الأرض من الـمؤمنـين به طوعا، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْها حين يكرهون علـى السجود. كما: ١٥٤٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها فأما الـمؤمن فـيسجد طائعا، وأما الكافر فـيسجد كارها. ١٥٤٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، قال: كان ربـيع بن خيثم إذا تلا هذه الآية: ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال: بلـى يا ربـاه. ١٥٤٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال: من دخـل طائعا هذا طوعا، وكرها من لـم ير يدخـل إلاّ بـالسيف. وقوله: وَظِلالُهُمْ بـالغُدُوّ والاَصَالِ يقول: ويسجد أيضا ظلال كلّ من سجد لله طوعا وكرها بـالغدوات والعشايا، وذلك أن ظل كلّ شخص فإنه يفـىء بـالعشيّ كما قال جلّ ثناؤه: أوَ لـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّه مِنْ شَيْءٍ يَتَقَـيّأ ظِلالُهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشّمائِلِ سُجّدا لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَظِلالُهُمْ بـالغُدُوّ والاَصالِ يعني : حين يفـىء ظلّ أحدهم عن يـمينه أو شماله. ١٥٤٥٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان، قال فـي تفسير مـجاهد: ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بـالغُدُوّ والاَصَالِ قال: ظلّ الـمؤمن يسجد طوعا وهو طائع، وظلّ الكافر يسجد طوعا وهو كاره. ١٥٤٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَظِلالُهُمْ بـالغُدُوّ والاَصَالِ قال: ذكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له، وقرأ: سُجّدا لِلّهِ وهم دَاخِرُونَ قال: تلك الظلال تسجد لله. والاَصال: جمع أُصُل، والأصُلُ: جمع أصيـل، وا لأصيـل: هو العشيّ، وهو ما بـين العصر إلـى مغرب الشمس قال أبو ذؤَيب: لَعَمْرِيَ لأَنْتَ البَـيْتُ أُكْرِمُ أهْلَهُوأقْعُدُ فـي أفْـيائِهِ بـالأصَائِلِ ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ مَن رّبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللّه ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـاللّه مَنْ ربّ السموات والأرض ومدبرها، فإنهم سيقولون اللّه . وأمر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول اللّه ، فقال له: قل يا مـحمد: رَبّها الذي خـلقها وأنشأها، هو الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له، وهو اللّه . ثم قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفـاتـخذتـم من دون ربّ السموات والأرض أولـياء لا تـملك لأنفسها نفعا تـجلبه إلـى نفسها، ولا ضرّا تدفعه عنها، وهي إذ لـم تـملك ذلك لأنفسها، فمن ملكه لغيرها أبعد فعبدتـموها، وتركتـم عبـادة من بـيده النفع والضرّ والـحياة والـموت وتدبـير الأشياء كلها. ثم ضرب لهم جل ثناؤه مثلاً، فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوي الأعْمَى والبَصِيرُ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُـماتُ والنّورُ أم جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ فَتَشابَه الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ قُلِ اللّه خالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهّارُ) يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين الذين عبدوا من دون اللّه الذي بـيده نفعهم وضرّهم ما لا ينفع ولا يضرّ: هل يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ولا يهتدي لِـمَـحَجّة يسلكها إلاّ بأن يُهْدَى، والبصير الذي يَهدِي الأعمى لـمـحجة الطريق الذي لا يبصر؟ إنهما لا شكّ لَغَير مستويـين يقول: فكذلك لا يستوي الـمؤمن الذي يبصر الـحقّ فـيتبعه ويعرف الهدى فـيسلكه وأنتـم أيها الـمشركون الذين لا تعرفون حقّا ولا تبصرون رشدا. وقوله: أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُـماتُ والنّورُ يقول تعالـى ذكره: وهل تستوي الظلـمات التـي لا تُرَى فـيها الـمَـحَجّة فتُسْلك ولا يُرى فـيها السبـيـلُ فـيركب، والنور الذي يُبصَرُ به الأشياء ويجلو ضوءُه الظلام؟ يقول: إن هذين لا شكّ لَغير مستويـين، فكذلك الكفر بـالله، إنـما صاحبه منه فـي حَيْرة يضرب أبدا فـي عَمْرة لا يرجع منه إلـى حقـيقة، والإيـمان بـاللّه صاحبه منه فـي ضياء يعمل علـى علـم بربه ومعرفة منه بأن له مثـيبـا يثـيبه علـى إحسانه ومعاقبـا يعاقبه علـى إساءته ورازقا يرزقه ونافعا ينفعه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٥٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُـماتُ والنّورُ أما الأعمى والبصير فـالكافر والـمؤمن وأما الظلـمات والنور فـالهُدى والضلالة. وقوله: أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كَخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين: أخـلق أوثانكم التـي اتـخذتـموها أولـياء من دون اللّه كخـلق اللّه فـاشتبه علـيكم أمرها فـيـما خـلَقت وخـلق اللّه فجعلتـموها له شركاء من أجل ذلك، أم إنـما بكم الـجهل والذهاب عن الصواب؟ فإنه لا يشكل علـى ذي عقل أن عبـادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهل، وأن العبـادة إنـما تصلـح للذي يُرجَى نفعه ويخشى ضُرّه، كما أن ذلك غير مُشكل خطؤه وجهل فـاعله، كذلك لا يُشكل جهل من أشرك فـي عبـادة من يرزقه ويكفله ويَـمونُه من لا يقدر له علـى ضرر ولا نفع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ حملهم ذلك علـى أن شكوا فـي الأوثان. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: أمْ جَعَلُوا لِلّه شُرَكاءَ خَـلَقُوا كَخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ خَـلَقوا كخـلقه، فحملهم ذلك علـى أَن شكوا فـي الأوثان. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٤٥٩ـ قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثـير: سمعت مـجاهدا يقول: أمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَـلَقُوا كخَـلْقِهِ فَتَشابَهَ الـخَـلْقُ عَلَـيْهِمْ ضربت مثلاً. وقوله: قُلِ اللّه خالِقُ كُلّ شَيْءٍ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل لهؤلاء الـمشركين إذا أقرّوا لك أن أوثانهم التـي أشركوها فـي عبـادة اللّه لا تـخـلق شيئا، فـاللّه خالقكم وخالق أوثانكم وخـلق كلّ شيء، فما وجه إشراككم ما لا تـخـلق ولا تضرّ. وقوله: وَهُوَ الوَاحِدُ القَهّارُ يقول: وهو الفرد الذي لا ثانـي له، القهار الذي يستـحقّ الألوهة والعبـادة، لا الأصنام والأوثان التـي لا تضرّ ولا تنفع. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ...}. قال أبو جعفر: وهذا مثل ضربه اللّه للـحقّ والبـاطل والإيـمان به والكفر، يقول تعالـى ذكره: مثل الـحقّ فـي ثبـاته والبـاطل فـي اضمـحلاله مثل ماء أنزله اللّه من السماء إلـى الأرض فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بقَدَرِها يقول: فـاحتـملته الأودية بـملئها الكبـير بكبره والصغير بصغره، فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدًا رَابـيا يقول: فـاحتـمل السيـل الذي حدث عن ذلك الـماء الذي أنزله اللّه من السماء زَبدا عالـيا فوق السيـل. فهذا أحد مَثَلـى الـحقّ والبـاطل، فـالـحقّ هو الـماء البـاقـي الذي أنزله اللّه من السماء، والزّبَد الذي لا ينتفع به هو البـاطل. والـمثل الاَخر: وَمِـمّا يُوقدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ ابْتغاءَ حلْـيَةٍ يقول جلّ ثناؤه: ومثل آخر للـحقّ والبـاطل، مثل فضة أو ذهب يُوقد علـيها الناس فـي النار طلب حلـية يتـخذونها أو متاع، وذلك من النـحاس والرصاص والـحديد، يوقَد علـيه لـيتـخذ منه متاع ينتفع به زَبَدٌ مِثْلُهُ يقول تعالـى ذكره: ومـما يوقدون علـيه من هذه الأشياء زَبَد مثله، بـمعنى: مثل زَبَد السيـل لا ينتفع به ويذهب بـاطلاً، كما لا ينتفع بزبد السيـل ويذهب بـاطلاً. ورفع (الزبد) ب قوله: ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ ومعنى الكلام: ومـما يوقدون علـيه فـي النار زبد مثل زبد السيـل فـي بطول زبده، وبقاء خالص الذهب والفضة. يقول اللّه تعالـى: كذلكَ يَضْرِبُ اللّه الـحَقّ والبـاطلَ يقول: كما مثل اللّه الإيـمان والكفر فـي بطول الكفر وخيبة صاحبه عند مـجازاة اللّه بـالبـاقـي النافع من ماء السيـل وخالص الذهب والفضة، كذلك يـمثل اللّه الـحقّ والبـاطل. فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاءً يقول: فأما الزبد الذي علا السيـل، والذهب والفضة والنـحاس والرصاص عند الوقود علـيها، فـيذهب بدفع الرياح وقدف الـماء به وتعلقه بـالأشجار وجوانب الوادي. وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ من الـماء والذهب والفضة والرصاص والنـحاس، فـالـماء يـمكث فـي الأرض فتشربه، والذهب والفضة تـمكث للناس. كذلكَ يَضْرِبُ اللّه الأمْثالَ يقول: كما مثل هذا الـمثل للإيـمان والكفر، كذلك يـمثل الأمثال. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٦٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بقَدَرِها فهذا مثل ضربه اللّه احتـملت منه القلوب علـى قدر يقـينها وشكها، فأما الشكّ فلا ينفع معه العمل، وأما الـيقـين فـينفع اللّه به أهله، وهو قوله: فأمّا الزّبَدُ فَـيَدْهَبُ جُفـاءً وهو الشكّ، وأمّا ما ينفعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ وهو الـيقـين، كما يجعل الـحلـيّ فـي النار، فـيؤخذ خالصه ويترك خبثه فـي النار، فكذلك يقبل اللّه الـيقـين ويترك الشكّ. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ بِقَدَرِها فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدا رَابِـيا يقول: احتـمل السيـل ما فـي الوادي من عود ودمنة ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ فهو الذهب والفضة والـحلـية والـمتاع والنـحاس والـحديد، وللنـحاس والـحديد خبث، فجعل اللّه مثل خبثه كزبد الـماء فأمّا ما يَنْفَعُ النّاسُ فـالذهب والفضة، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الـماء فأنبتت. فجعل ذلك مثل العمل الصالـح يبقـى لأهله، والعمل السيىء يضمـحلّ عن أهله، كما يذهب هذا الزبد، فكذلك الهدى والـحقّ جاء من عند اللّه ، فمن عمل بـالـحقّ كان له وبقـي كما يبقـى ما ينفع الناس فـي الأرض، وكذلك الـحديد لا يستطاع أن يجعل منه سكين ولا سيف حتـى يدخـل فـي النار فتؤكل خبثه، فـيخرج جيده فـينتفع به، فكذلك يضمـحلّ البـاطل إذا كان يوم القـيامة وأقـيـم الناس، وعرضت الأعمال، فـيريغ البـاطل ويهلك، وينتفع أهل الـحقّ بـالـحقّ، ثم قال: ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النارِ ابْتِغاءَ حِلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثله. ١٥٤٦١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ... إلـى: أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ فقال: ابتغاء حلـية الذهب والفضة، أو متاع الصّفر والـحديد. قال: كما أوقد علـى الذهب والفضة والصفر والـحديد فخـلص خالصه، قال: كذلكَ يَضْرِبُ اللّه الـحَقّ والبـاطِلَ فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاء وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ كذلك بقاء الـحقّ لأهله فـانتفعوا. ١٥٤٦٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد الزعفرانـي، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير أنه سمع مـجاهدا يقول: أَنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها قال: ما أطاقت ملأها فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدا رَابِـيا قال: انقضَى الكلام، ثم استقبل فقال: (وَمِـمّا تُوقِدُونَ عَلَـيْه فِـي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) قال: الـمتاع: الـحديد والنـحاس والرصاص وأشبـاهه، زبد مثله، قال: خبث ذلك مثل زبد السيـل. قال: وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ فَأمّا الزبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاءً قال: فذلك مثل الـحقّ والبـاطل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، أنه سمعه يقول: فذكر نـحوه. وزاد فـيه: قال: قال ابن جريج: قوله: فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاءً قال: جُمودا فـي الأرض، وأمّا ما يَنْفَعُ النّاس فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ يعني الـماء وهما مَثَلان: مثل الـحقّ والبـاطل. حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: زَبَدًا رَابِـيا السيـل مثل خَبَث الـحديد والـحلـية، فَـيَذْهَبُ جُفـاءً جمودا فـي الأرض، ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ الـحديد والنـحاس والرّصاص وأشبـاهه. وقوله: وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ إنـما هما مثلان للـحقّ والبـاطل. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، يزيد أحدهما علـى صاحبه فـي قوله: فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها قال: بـملئها، فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدا رابـيا قال: الزبد: السيـل ابْتِغاءَ حلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مثْلُهُ قال: خبث الـحديد والـحلـية، فأَمّا الزّبَدُ فَـيَذْهُبُ جُفـاءً قال: جمودا فـي الأرض، وأمّا ما ينفع الناسُ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ قال: الـماء وهما مثلان للـحقّ والبـاطل. ١٥٤٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الصغير بصغره والكبـير بكبره، فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدا رابِـيا أي عالـيا، ومِـمّا يُوقدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ ابْتغاءَ حِلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مثْلُهُ كذلكَ يَضْرِبُ اللّه الـحَقّ والبـاطلَ فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهُب جُفـاءً والـجفـاء: ما يتعلق بـالشجر، وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ. هذه ثلاثة أمثال ضربها اللّه فـي مثل واحد، يقول: كما اضمـحلّ هذا الزبد فصار جفـاء لا ينتفع به ولا ترجى بركته، كذلك يضمـحلّ البـاطل عن أهله كما اضمـحلّ هذا الزبد، وكما مكث هذا الـماء فـي الأرض، فأمرعت هذه الأرض، وأخرجت نبـاتها، كذلك يبقـى الـحقّ لأهله كما بقـي هذا الـماء فـي الأرض، فأخرج اللّه به ما أخرج من النبـات. قوله: ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ... الآية، كما يبقـى خالص الذهب والفضة، حين أدخـل النار وذهب خَبَثه، كذلك يبقـى الـحقّ لأهله. قوله: أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ يقول: هذا الـحديد والصفر الذي ينتفع به، فـيه منافع: يقول: كما يبقـى خالص هذا الـحديد وهذا الصفر حين أدخـل النار وذهب خبثه، كذلك يبقـى الـحقّ لأهله كما بقـي خالصهما. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَسالَتْ أوْدِيَة بقَدَرِها الكبـير بقدره والصغير بقدره. زَبَدًا رَابـيا قال: ربـا فوق الـماء الزبد. ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ قال: هو الذهب إذا أدخـل النار بقـي صفوه ونفـى ما كان كدره وهذا مثل ضربه اللّه . للـحقّ والبـاطل، فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاءً يتعلق بـالشجر فلا يكون شيئا مثل البـاطل، وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فِـي الأرْضِ وهذا يخرج النبـات، وهو مثل الـحقّ أوْ مَتاعٍ زَبَدُ مِثْلُهُ قال: الـمتاع: الصّفْر والـحديد. ١٥٤٦٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا هَوْذة بن خـلـيفة، قال: حدثنا عوف، قال: بلغنـي فـي قوله: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها قال: إنـما هو مثل ضربه اللّه للـحقّ والبـاطل، فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الصغير علـى قدره، والكبـير علـى قدره، وما بـينهما علـى قدره. فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدًا رَابـيا يقول: عظيـما، وحيث استقرّ الـماء يذهب الزبد جُفـاء فتطير به الريح، فلا يكون شيئا، ويبقـى صريح الـماء الذي ينفع الناس منه شرابهم ونبـاتهم ومنفعتهم. أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ومثل الزبد كل شيء يوقد علـيه فـي النار الذهب والفضة والنـحاس والـحديد، فـيذهب خبثه ويبقـى ما ينفع فـي أيديهم، والـخَبَث والزّبَد مثل البـاطل، والذي ينفع الناس مـما تـحصّل فـي أيديهم مـما ينفعهم الـمال الذي فـي أيديهم. ١٥٤٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ومِـمّا يُوقِدُونَ عَلَـيْهِ فِـي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْـيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ قال: هذا مثل ضربه اللّه للـحقّ والبـاطل. فقرأ: أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فـاحْتَـمَلَ السّيْـلُ زَبَدًا رابِـياهذا الزبد لا ينفع، أو متاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ هذا لا ينفع أيضا، قال: وبقـي الـماء فـي الأرض فنفع الناس، وبقـي الـحلـيُ الذي صلـح من هذا، فـانتفع الناس به. فأمّا الزّبَدُ فَـيَذْهَبُ جُفـاءً وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَـيَـمْكُثُ فـي الأرْضِ كذلكَ يَضْرِبُ اللّه الأمْثالَ وقال: هذا مثل ضربه اللّه للـحقّ والبـاطل. ١٥٤٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها قال: الصغير بصغره، والكبـير بكبره. ١٥٤٦٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن عطاء: ضرب اللّه مثلاً للـحقّ والبـاطل، فضرب مثل الـحقّ كمثل السيـل الذي يـمكث فـي الأرض، وضرب مثل البـاطل كمثل الزّبَد الذي لا ينفع الناس. وعنى بقوله رَابِـيا: عالـيا منتفخا، من قولهم: ربـا الشيء يرْبُو رُبُوّا فهو راب، ومنه قـيـل للنشَز من الأرض كهيئة الأكمة: رابـية ومنه قول اللّه تعالـى: اهْتَزّتْ وَرَبَتْ. وقـيـل للنـحاس والرصاص والـحديد فـي هذا الـموضع: الـمتاع، لأنه يُستـمتع به، وكلّ ما يتـمتع به الناس فهو متاع كما قال الشاعر: تَـمَتّعْ يا مُشَعّثُ إنّ شَيْئاسَبَقْتَ بهِ الـمَـماتَ هُوَ الـمَتاعُ وأما الـجُفـاء فإنـي: ١٥٤٦٨ـ حُدثت عن أبـي عبـيدة مَعْمَرِ بن الـمُثَنّى، قال: قال أبو عمرو بن العلاء، يقال: قد أجفأتِ القِدرُ، وذلك إذا غَلَتْ فـانصبّ زَبَدُها، أو سكنت فلا يبقـى منه شيء. وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن معنى قوله: فَـيَذْهَبُ جُفـاءً تَنْشَفُه الأرض، وقال: يقال: جفـا الوادي وأجفـى فـي معنى نَشِف، وانـجفـى الوادي: إذا جاء بذلك الغثاء، وغثى الوادي فهو يَغْثَى غَثْـيا وغَثَـيانا. وذَكَر عن العرب أنها تقول: جَفَأْتُ القدَر أجْفَؤها: إذا أخرجت جُفـاءَها، وهو الزّبَد الذي يعلوها، وأجْفَأْتُها إجْفَـاءً لغة. قال: وقالوا: جَفَأتُ الرجل جَفْـا: صرعته. وقـيـل: فَـيَذْهَبُ جُفـاءً بـمعنى جَفْئا، لأنه مصدر من قول القائل: جَفَأَ الوادي غُثاءه، فخَرَجَ مَخرَج الاسم وهو مصدر، كذلك تفعل العرب فـي مصدر كلّ ما كان من فعل شيء اجتـمع بعضه إلـى بعض كالقُماش والدّقاق والـحُطام والغُثاء، تـخرجه علـى مذهب الاسم، كما فعلت ذلك فـي قولهم: أعطيته عطاء، بـمعنى الإعْطَاء، ولو أريد من القُماش الـمصدر علـى الصحة لقـيـل: قد قَمَشْته قَمْشا. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِلّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ الْحُسْنَىَ وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ ...}. يقول تعالـى ذكره: أما الذين استـجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلـى الإيـمان به وأطاعوه فـاتبعوا رسوله وصدّقوه فـيـما جاءهم به من عند اللّه ، فإن لهم الـحسنى، وهي الـجنة. كذلك: ١٥٤٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لِلّذِينَ اسْتَـجابُوا لِرَبّهمُ الـحُسْنَى وهي الـجنة. وقوله: وَالّذِينَ لَـمْ يَسْتَـجِيبُوا لَهُ لَوْ أنّ لَهُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ يقول تعالـى ذكره: وأما الذين لـم يستـجيبوا له حين دعاهم إلـى توحيده والإقرار بربوبـيته، ولـم يطيعوه فـيـما أمرهم به، ولـم يتبعوا رسوله فـيصدّقوه فـيـما جاءهم به من عند ربهم، فلو أنّ لهم ما فِـي الأرض جميعا من شيء ومثله معه ملكا لهم ثم مثل ذلك وقُبِل ذلك منهم بدلاً من العذاب الذي أعدّه اللّه لهم فـي نار جهنـم وعوضا لافتدوا به أنفسهم منه، يقول اللّه :أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الـحِسابِ يقول: هؤلاء الذين لـم يستـجيبوا لله لهم سوء الـحساب: يقول: لهم عند اللّه أن يأخذهم بذنوبهم كلها، فلا يغفر لهم منها شيئا، ولكن يعذّبهم علـى جميعها. كما: ١٥٤٧٠ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا يونس بن مـحمد، قال: حدثنا عون، عن فَرقدٍ السّبَخِيّ، قال: قال لنا شهر بن حَوُشب: سُوءُ الـحِسابِ أن لا يتـجاوز لهم عن شيء. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: ثنـي الـحجاج بن أبـي عثمان، قال: ثنـي فَرْقَدٍ السبَخِيّ، قال: قال إبراهيـم النـخعيّ: يا فرقد أتدري ما سوء الـحساب؟ قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يُغفر له منه شيء. وقوله: ومَأْوَاهُمْ جَهَنّـمُ يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القـيامة جهنـم. وَبِئْسَ الـمِهادُ يقول: وبئس الفِراش والوِطاء جهنـم، التـي هي مأواهم يوم القـيامة. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الْحَقّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ }. يقول تعالـى ذكره: أهذا الذي يعلـم أن الذي أنزله اللّه علـيك يا مـحمد حقّ، ويصدّق ويعمل بـما فـيه، كالذي هو أعمى فلا يعرف مَوْقع حجة اللّه علـيه به ولا يعلـم ما ألزمه اللّه من فرائضه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٧١ـ حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة فـي قوله: أفَمَنْ يَعْلَـمُ أنّـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ منْ رَبّكَ الـحَقّ قال: هؤلاء قوم انتفعوا بـما سمعوا من كتاب اللّه وعقلوه ووَعَوه، قال اللّه : كمَنْ هُوَ أعْمَى قال: عن الـخير فلا يبصره.
وقوله: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبـابِ يقول: إنـما يتعظ بآيات اللّه ، ويعتبر بها ذوو العقول، وهي الألبـاب، واحدها: لُبّ. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّه وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ } يقول تعالـى ذكره: إنـما يتعظ ويعتبر بآيات اللّه أولو الألبـاب الذين يوفون بوصية اللّه التـي أوصاهم. ولا ينقضُونَ الـميثاقَ ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا اللّه علـيه إلـى خلافه، فـيعملوا بغير ما أمرهم به ويخالفوا إلـى ما نهى عنه. وقد بـيّنا معنى العهد والـميثاق فـيـما مضى بشواهده، فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٧٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، قال: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبـابِ فبـين من هم، فقال: الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّه وَلا يَنْقُضُونَ الـمِيثاقَ فعلـيكم بوفـاء العهد، ولا تنقضوا هذا الـميثاق، فإن اللّه تعالـى قد نهى وقدّم فـيه أشدّ التقدمة، فذكره فـي بضع وعشرين موضعا، نصيحة لكم وتقدمة إلـيكم وحُجّة علـيكم، وإنـما يعظم الأمر بـما عظّمه اللّه به عند أهل الفهم والعقل، فعظّموا ما عظم اللّه قال قتادة: وذُكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول فـي خطبته: (لا إيـمَانَ لِـمَنْ لا أمانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِـمَنْ لا عَهْدَ لَهُ) . ٢١وقوله: وَالّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّه بِهِ أنْ يُوصَلَ يقول تعالـى ذكره: والذين يصلون الرحم التـي أمرهم اللّه بوصلها فلا يقطعونها، ويَخْشَوْنَ رَبّهُمْ يقول: ويخافون اللّه فـي قطعها أن يقطعوها، فـيعاقبهم علـى قطعها وعلـى خلافهم أمره فـيها. وقوله: ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ يقول: ويحذرون مناقشة اللّه إياهم فـي الـحساب، ثم لا يصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادّون فـي طاعته مـحافظون علـى حدوده. كما: ١٥٤٧٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، فـي قوله: الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ قال: الـمناقشة بـالأعمال. ١٥٤٧٤ـ قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، عن فرقد، عن إبراهيـم، قال: سوء الـحساب أن يحاسب من لا يغفر له. ١٥٤٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ قال: فقال: وما سوء الـحساب؟ قال: الذي لا جواز فـيه. ١٥٤٧٦ـ حدثنـي ابن سنان القزّاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن الـحجاج، عن فرقد، قال: قال لـي إبراهيـم: تدري ما سوء الـحساب؟ لا أدري، قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ... }. يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ صَبَرُوا علـى الوفـاء بعهد اللّه وترك نقض الـميثاق وصلة الرحم، ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ و يعني ب قوله: ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ طلب تعظيـم اللّه ، وتنزيها له أن يخالف فـي أمره أو يأتـي أمرا كره إتـيانه فـيعصيَه به. وأقامُوا الصّلاةَ يقول: وأدّوا الصلاة الـمفروضة بحدودها فـي أوقاتها. وأنْفقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِـيَةً يقول: وأدّوا من أموالهم زكاتها الـمفروضة، وأنفقوا منها فـي السبل التـي أمرهم اللّه بـالنفقة فـيها، سرّا فـي خفـاء وعلانـية فـي الظاهر. كما: ١٥٤٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وأقامُوا الصّلاةَ يعني الصلوات الـخمس، وأنْفَقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلاَنِـيَةً يقول الزكاة. ١٥٤٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد الصبر: الإقامة، قال: وقال الصبر فـي هاتـين، فصبر لله علـى ما أحبّ وإن ثقل علـى الأنفس والأبدان، وصبر عما يكره وإن نازعت إلـيه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين. وقرأ: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فَنعْمَ عُقْبَى الدّارِ. وقوله: وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةِ السّيّئَةَ يقول: ويدفعون إساءة من أساء إلـيهم من الناس، بـالإحسان إلـيهم. كما: ١٥٤٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةً السّيّئَةَ قال: يدفعون الشرّ بـالـخير، لا يكافئون الشرّ بـالشرّ ولكن يدفعونه بـالـخير. وقوله: أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدّارِ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم هم الذين لهم عُقبى الدار، يقول: هم الذين أعقبهم اللّه دار الـجنان من دارهم التـي لو لـم يكونوا مؤمنـين كانت لهم فـي النار، فأعقبهم اللّه من تلك هذه. وقد قـيـل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عَقِـيب طاعتهم ربهم فـي الدنـيا دار الـجنان.) ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ ...}. يقول تعالـى: جَنّاتُ عَدْنٍ ترجمة عن عقبى الدار، كما يقال: نعم الرجل عبد اللّه ، فعبد اللّه هو الرجل الـمقول له: نعم الرجل، وتأويـل الكلام: أولئك لهم عقـيب طاعتهم ربهم الدار التـي هي جنات عدن. وقد بـيّنا معنى قوله: (عدن) ، وأنه بـمعنى الإقامة التـي لا ظَعْن معها. وقوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ يقول تعالـى ذكره: جنات عدن يدخـلها هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم، وهم الذين يوفون بعهد اللّه ، والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الأفعال التـي ذكرها جل ثناؤه فـي هذه الاَيات الثلاث. وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائِهم وأزْوَاجِهِمْ وَهِيَ نِساؤُهُمْ وأهلوهم وذرّياتهم. وصلاحهم إيـمانهم بـاللّه واتبـاعهم أمره وأمر رسوله علـيه الصلاة والسلام. كما: ١٥٤٨٠ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ قال: من آمن فـي الدنـيا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٥٤٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ قال: من آمن من آبـائهم وأزواجهم وذرّياتهم. وقوله: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهم مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ يقول: تعالـى ذكره: وتدخـل الـملائكة علـى هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم فـي هذه الاَيات الثلاث فـي جنات عَدْن، من كلّ بـاب منها، يقولون لهم: سَلاَمٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ علـى طاعة ربكم فـي الدنـيا، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ. وذكر أن لـجنات عدن خمسة آلاف بـاب. ١٥٤٨٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا علـيّ بن جرير، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن يعلـى بن عطاء، عن نافع بن عاصم، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: إن فـي الـجنة قصرا يقال له عدن، حوله البروج والـمروج، فـيه خمسة آلاف بـاب، علـى كلّ بـاب خمسة آلاف حِبَرة، لا يدخـله إلاّ نبـيّ أو صدّيق أو شهيد. ١٥٤٨٣ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ قال: مدينة الـجنة، فـيها الرسل والأنبـياء والشهداء، وأئمة الهدى، والناس حولهم بعدد الـجنات حولها. وحذف من قوله: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهمْ مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ (يقولون) اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه، كما حذف ذلك من قوله: وَلَوْ تَرَى إذِ الـمُـجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا. ١٥٤٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن بقـية بن الولـيد، قال: ثنـي أرطأة بن الـمنذر، قال: سمعت رجلاً من مشيخة الـجند يقال له أبو الـحجاج، يقول: جلست إلـى أبـي أُمامة فقال: إن الـمؤمن لـيكون متكئا علـى أريكته إذا دخـل الـجنة، وعنده سِماطان من خدم، وعند طرف السّماطين سور، فـيُقبِل الـمَلَك يستأذن، فـيقول للذي يـلـيه: ملك يستأذن، ويقول الذي يـلـيه: ملك يستأذن، ويقول الذي يـلـيه للذي يـلـيه: ملك يستأذن، حتـى يبلغ الـمؤمن فـ يقول: ائذنوا فـ يقول: أقربهم إلـى الـمؤمن ائذنوا، ويقول الذي يـلـيه للذي يـلـيه: ائذنوا، فكذلك حتـى يبلغ أقصاهم الذي عند البـاب، فـيفتـح له، فـيدخـل فـيسلـم ثم ينصرف. ١٥٤٨٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن إبراهيـم بن مـحمد، عن سهل بن أبـي صالـح، عن مـحمد بن إبراهيـم، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يأتـي قبور الشهداء علـى رأس كلّ حول فـ يقول: (السّلامٌ عَلَـيكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ) ، وأبو بكر وعمر وعثمان. وأما قوله: سَلامٌ عَلَـيكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فإن أهل التأويـل قالوا فـي ذلك نـحو قولنا فـيه. ذكر من قال ذلك: ٢٤١٥٤٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزّاق، عن جفعر بن سلـيـمان، عن أبـي عمران الـجُوْنِـيّ أنه تلا هذه الآية: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ قال: علـى دينكم. ١٥٤٨٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ قال: حين صبروا لله بـما يحبه اللّه فقدّموه. وقرأ: وَجَزَاهُمْ بِـمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرا حتـى بلغ: وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا وصبروا عما كره اللّه وحرّم علـيهم، وصبروا علـى ما ثقل علـيهم وأحبه اللّه ، فسلـم علـيهم بذلك. وقرأ: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهِمْ مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ. وأما قوله: فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ فإن معناه إن شاء اللّه كما: ١٥٤٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر، عن أبـي عمران الـجوْنِـي فـي قولهم فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ قال: الـجنة من النار. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: وَ أما الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّه ، ونقضهم ذلك: خلافُهم أمر اللّه ، وعملهم بـمعصيته، مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ يقول: من بعد ما وثقوا علـى أنفسهم لله أن يعملوا بـما عهد إلـيهم، وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّه بِهِ أنْ يُوصَلَ يقول: ويقطعون الرحم التـي أمرهم اللّه بوصلها، وَيُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ فسادهم فـيها: عملهم بـمعاصي اللّه أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ يقول: فهؤلاء لهم اللعنة، وهي البُعد من رحمته والإقصاء من جنانه، وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ يقول: ولهم ما يسوءهم فـي الدار الاَخرة. ١٥٤٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: أكبر الكبـائر: الإشراك بـالله، لأن اللّه يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بـاللّه فَكأَنـمَا خَرّ مِنَ السّماءِ فَتَـخْطَفُهُ الطّيْرُ، ونقض العهد وقطيعة الرحم، لأن اللّه تعالـى يقول: أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ يعني : سوء العاقبة. ١٥٤٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، فـي قوله: وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّه بِهِ أنْ يُوصَلَ قال: بلغنا أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذَا لَـمْ تَـمْشِ إلـى ذِي رَحِمِك بِرِجْلِكَ وَلَـمْ تُعْطِهِ مِنْ مالِكَ فَقَدْ قَطَعْتَهُ) . ١٥٤٩١ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مصعب بن سعد، قال: سألت أبـي عن هذه الآية: قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعْمالاً الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا أهم الـحرورية؟ قال: لا، ولكن الـحرورية الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللّه مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّه بِهِ أنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ. فكان سعد يسميهم الفـاسقـين. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت مصعب بن سعد، قال: كنت أمسك علـى سعد الـمصحف، فأتـى علـى هذه الآية، ثم ذكر نـحو حديث مـحمد بن جعفر. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ }. يقول تعالـى ذكره: اللّه يوسع علـى من يشاء من خـلقه فـي رزقه، فـيبسط له منه، لأن منهم من لا يصلـحه إلا ذلك. وَيَقْدِرُ يقول: ويقتر علـى من يشاء منهم فـي رزقه وعيشه، فـيضيقه علـيه، لأنه لا يصلـحه إلا الإقتار. وَفَرِحُوا بـالـحَياةِ الدّنـيْا يقول تعالـى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بسط لهم فـي الدنـيا من الرزق علـى كفرهم بـاللّه ومعصيتهم إياه بـما بسط لهم فـيها، وجهلوا ما عند اللّه لأهل طاعته والإيـمان به فـي الاَخرة من الكرامة والنعيـم. ثم أخبر جل ثناؤه عن قدر ذلك فـي الدنـيا فـيـما لأهل الإيـمان به عنده فـي الاَخرة وأعلـم عبـاده قلته، فقال: وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَةِ إلاّ مَتاعٌ يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء فـي الدنـيا من السعة وبسط لهم فـيها من الرزق ورغد العيش فـيـما عند اللّه لأهل طاعته فـي الاَخرة إلا متاع قلـيـل وشيء حقـير ذاهب. كما: ١٥٤٩٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيج، عن مـجاهد، قوله: إلاّ مَتاعٌ قال: قلـيـل ذاهب. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد. قال: وثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَةِ إلاّ مَتاعٌ قال: قلـيـل ذاهب. ١٥٤٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن عبد الرحمن بن سابط فـي قوله: وَفَرِحُوا بـالـحَياةِ الدّنـيْا وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَة إلاّ مَتاعٌ قال: كزاد الراعي يزوّده أهله الكفّ من التـمر، أو الشيء من الدقـيق، أو الشيء يشرب علـيه اللبن. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّه يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }. يقول تعالـى ذكره: ويقول لك يا مـحمد مشركو قومك: هلا أنزل علـيك آية من ربك، إما ملَك يكون معك نذيرا، أو يـلقـى إلـيك كنز، فقل: إن اللّه يضلّ منكم من يشاء أيها القوم فـيخذله عن تصديقـي والإيـمان بـما جئته به من عند ربـي ولـيس ضلال من يضلّ منكم بأن لـم ينزل علـى آية من ربـي ولا هداية من يهتدى منكم بأنها أنزلت علـيّ، وإنـما ذلك بـيد اللّه ، يوفّق من يشاء منكم للإيـمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن. وقد بـيّنت معنى الإنابة فـي غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ١٥٤٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيهْدِي إلَـيهِ مَنْ أنابَ: أي من تاب وأقبل. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه أَلاَ بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ }. يقول تعالـى ذكره: وَيهْدِي إلَـيْهِ مَنْ أنَابَ بـالتوبة الذين آمنوا. والذين آمنوا فـي موضع نصب ردّ علـى مَن، لأن الذين آمنوا هم من أناب ترجم بها عنها. وقوله: وَتَطْمَئِنّ قَلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر اللّه . كما: ١٥٤٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه يقول: سكنت إلـى ذكر اللّه واستأنست به. وقوله: ألا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنّ القُلُوبُ يقول: ألا بذكر اللّه تسكن وتستأنس قلوب الـمؤمنـين. وقـيـل: إنه عنى بذلك قلوب الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٩٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: ألاَ بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنّ القُلُوبُ لـمـحمد وأصحابه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنا الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: ثناعبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ألا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنّ القُلُوبُ قال: لـمـحمد وأصحابه. ١٥٤٩٧ـ قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة فـي قوله: وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه قال: هم أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ٢٩وقوله: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ الصالـحات من الأعمال، وذلك العمل بـما أمرهم ربهم. طُوَبى لَهُمْ وطُوَبى فـي موضع رفع بلهم. وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول ذلك رفع، كما يقال فـي الكلام: وَيْـلٌ لعمرو، وإنـما أوثر الرفع فـي طُوبَى لـحسن الإضافة فـيه بغير لام، وذلك أنه يقال فـيه طوبـاك، كما يقال: ويْـلَك ووَيْبك، ولولا حسن الإضافة فـيه بغير لام لكان النصب فـيه أحسن وأفصح، كما النصب فـي قولهم: تَعْسا لزيد وبُعدا له وسحقا أحسن، إذ كانت الإضافة فـيها بغير لام لا تـحسن. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله طُوبَى لَهُمْ فقال بعضهم: معناه: نِعْمَ ما لَهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٩٨ـ حدثنـي جعفر بن مـحمد البروريّ من أهل الكوفة، قال: حدثنا أبو زكريا الكلبـيّ، عن عمر بن نافع، قال: سئل عكرمة عن (طوبى لهم) ، قال: نِعْمَ ما لَهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عمرو بن نافع، عن عكرمة، فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: نِعْم ما لَهم. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: ثنـي عمرو بن نافع، قال: سمعت عكرمة، فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: نِعْم ما لَهم. وقال آخرون: معناه: غبْطةٌ لهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٤٩٩ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك : طُوَبى لَهُمْ قال: غِبْطة لهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله. قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جُوَيبر، عن الضحاك ، مثله. وقال آخرون: معناه: فَرَح وقرّة عين. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٠ـ حدثنـي علـيّ بن داود الـمثنى بن إبراهيـم، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: طُوَبَى لَهُمْ يقول: فَرَح وقرّة عين. وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: طُوَبى لَهُمْ يقول: حُسْنَى لهم، وهي كلـمة من كلام العرب. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: طُوَبى لَهُمْ هذه كلـمة عربـية، يقول الرجل: طُوَبى لك: أي أصبتَ خيرا. وقال آخرون: معناه: خير لهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٢ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: خير لهم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم، فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: الـخير والكرامة التـي أعطاهم اللّه . وقال آخرون: طُوَبى لَهُمْ اسم من أسماء الـجنة، ومعنى الكلام: الـجنة لهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : طُوبَى لَهُمْ قال: اسم الـجنة بـالـحبشية. ١٥٥٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن مشجوع فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: (طوبى) : اسم الـجنة بـالهِندية. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبـي الـمُغيرة، عن سعيد بن مشجوع، قال: اسم الـجنة بـالهندية: طُوبَى. ١٥٥٠٥ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن عكرمة: طُوبَى لَهُمْ قال: الـجنة. ١٥٥٠٦ـ قال: حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: طُوبَى لَهُمْ قال: الـجنة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٥٥٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ قال: لـما خـلق اللّه الـجنة وفرغ منها قال: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ وذلك حين أعجبته. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد: طُوبَى لَهُمْ قال الـجنة. وقال آخرون: طُوَبى لَهُمْ: شجرة فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٠٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن موسى بن سالـم، قال: قال ابن عبـاس : طُوبَى لَهُمْ شجرة فـي الـجنة. ١٥٥٠٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الأشعث بن عبد اللّه ، عن شَهْر بن حَوْشب، عن أبـي هريرة: طُوبَى لَهُمْ: شجرة فـي الـجنة يقول لها: تفتقـي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الـخيـل بسروجها ولُـجُمها، وعن الإبل بأزمّتها، وعم شاء من الكسوة. ١٥٥١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب، قال: طوبى: شجرة فـي الـجنة، كلّ شجر الـجنة منها، أغصانها من وراء سُور الـجنة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن الأشعث، بن عبد اللّه ، عن شهر بن حوشب، عن أبـي هريرة قال: فـي الـجنة شجرة يقال لها طُوَبى، يقول اللّه لها: تفتقـي فذكر نـحو حديث ابن عبد الأعلـى، عن ابن ثور. ١٥٥١١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الـجبـار، قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء، عن شمّر بن عطية، فـي قوله: طُوبَى لَهُمْ قال: هي شجرة فـي الـجنة يقال لها طوبى. ١٥٥١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن منصور، عن حسان أبـي الأشرس، عن مُغيث بن سُمَيّ، قال: طُوَبى: شجرة فـي الـجنة، لـيس فـي الـجنة دار إلا فـيها غصن منها، فـيجيء الطائر فـيقع فـيدعوه، فـيأكل من أحد جنبـيه قَدِيدا ومن الاَخر شِواء، ثم يقول: طِرْ فـيطير. ١٥٥١٣ـ قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن بعض أهل الشام، قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها علـى راحتـيه، ثم دَمْلـجها بـين كفـيّه، ثم غرسها وسط أهل الـجنة، ثم قال لها: امتدّي حتـى تبلغي مرضاتـي ففعلت، فلـما استوت تفجّرت من أصولها أنهار الـجنة، وهي طُوَبى. ١٥٥١٤ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم الصنعانـي، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبـا يقول: إن فـي الـجنة شجرة يقال لها: طُوَبى، يسير الراكب فـي ظلها مئة عام لا يقطعها زهرها رياط، وورقها برود، وقضبـانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الـخمر واللبن والعسل، وهي مـجلس لأهل الـجنة. فبـينا هم فـي مـجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نُـجبُـا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالـمصابـيح من حسنها، وبرها كخزّ الـمِرْعِزّي من لـينه، علـيها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثـيابها من سندس وإستبرق، فـينـيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إلـيكم لتزوروه وتسلـموا علـيه. قال: فـيركبونها. قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفِراش نُـجُبـا من غير مَهَنة، يسير الرجل إلـى جنب أخيه وهو يكلـمه ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها، ولا بَرْك راحلة بَرْك صاحبتها، حتـى إن الشجرة لتتنـحّى عن طرقهم لئلا تفرّق بـين الرجل وأخيه. قال: فـيأتون إلـى الرحمن الرحيـم، فـيسفر لهم عن وجهه الكريـم حتـى ينظروا إلـيه، فإذا رأوه قالوا: اللهمّ أنت السلام ومنك السلام، وحقّ لك الـجلال والإكرام قال: فـيقول تبـارك وتعالـى عند ذلك: أنا السلام، ومنى السلام، وعلـيكم حَقّت رحمتـي ومـحبتـي، مرحبـا بعبـادي الذين خَشُونـي بغيب أطاعوا أمري قال: فـيقولون: ربنا إنا لـم نعبدك حقّ عبـادتك ولـم نقدّرك حقّ قدرك، فأذن لنا بـالسجود قدامك قال: فـيقول اللّه : إنها لـيست بدار نصَب ولا عبـادة، ولكنها دار مُلك ونعيـم، وإنـي قد رَفَعت عنكم نَصَب العبـادة، فسلونـي ما شئتـم، فإن لكلّ رجل منكم أمنـيته فـيسألونه حتـى إن أقصرهم أمنـية لـ يقول: ربّ تنافس أهل الدنـيا فـي دنـياهم فتضايقوا فـيها، ربّ فآتنـي كلّ شيء كانوا فـيه من يوم خـلقتها إلـى أن انتهت الدنـيا فـيقول اللّه : لقد قَصّرت بك الـيوم أمنـيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك منـي، وسأتـحفك بـمنزلتـي، لأنه لـيس فـي عطائي نَكَد ولا تَصْرِيد. قال: ثم يقول: اعرضوا علـى عبـادي ما لـم تبلغ أمانـيّهم ولـم يخطر لهم علـى بـال قال: فـيَعرضون علـيهم حتـى يقضوهم أمانـيهم التـي فـي أنفسهم، فـيكون فـيـما يعرضون علـيهم براذينُ مقرنة، علـى كلّ أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، علـى كلّ سرير منها قُبة من ذهب، مُفْرَغة، فـي كل قبة منها فرش من فُرُش الـجنة مظاهرة، فـي كل قبة منها جاريتان من الـحور العين، علـى كلّ جارية منهنّ ثوبـان من ثـياب الـجنة، لـيس فـي الـجنة لون إلا وهو فـيهما، ولا ريح طيّبة إلا قد عَبقتا به، ينَفُذ ضوء وجوههما غلَظَ القبة، حتـى يظن من يراهما أنهما من دون القبة، يرى مخهما من فوق سُوقهما كالسلك الأبـيض من ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل علـى صحابته كفضل الشمس علـى الـحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك. ثم يدخـل إلـيهما فـيحيـيانه ويقبلانه ويعانقانه، ويقولان له: واللّه ما ظننا أن اللّه يخـلق مثلك ثم يأمر اللّه الـملائكة فـيسيرون بهم صفـا فـي الـجنة حتـى ينتهي كلّ رجل منهم إلـى منزلته التـي أُعدت له. ١٥٥١٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا علـي بن جرير، عن حماد، قال: شجرة فـي الـجنة فـي دار كل مؤمن غصن منها. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن حسّان بن أبـي الأشرس، عن مُغيث بن سُمَيّ قال: طوبى: شجرة فـي الـجنة لو أن رجلاً ركب قلوصا جذعا أو جذعة، ثم دار بها لـم يبلغ الـمكان الذي ارتـحل منه حتـى يـموت هرما. وما من أهل الـجنة منزل إلا فـيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ علـيهم، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلـى إلـيهم فـيأكلون منه ما شاءوا، ويجيء الطير فـيأكلون منه قديدا وشواء ما شاءوا، ثم يطير. وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر بنـحو ما قال من قال هي شجرة. ذكر الرواية بذلك: ١٥٥١٦ـ حدثنـي سلـيـمان بن داود القُومسي، قال: حدثنا أبو توبة الربـيع بن نافع، قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد، أنه سمع أبـا سلام، قال: حدثنا عامر بن زيد البكالـي، أنه سمع عتبة بن عبد السلـمي يقول: جاء أعرابـيّ إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه ، إن فـي الـجنة فـاكهة؟ قال: (نَعَمْ، فِـيها شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى، هِيَ تُطَابِقُ الفِرْدَوْسَ) . قال: أيّ شجر أرضنا تُشْبه؟ قال: (لَـيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئا مِنْ شَجَرِ أرْضِكَ، وَلَكِنْ أتَـيْتَ الشّامَ؟) فقال: لا يا رسول اللّه ، فقال: (فإنّها تُشْبِهُ شَجَرَةً تُدْعَى الـجُوزَةَ، تَنْبُتُ علـى ساقٍ وَاحِدَةٍ ثُمّ يَنْتَشِرُ أعْلاها) قال: ما عظم أصلها؟ قال: (لَوِ ارْتَـحَلتْ جَذَعَةٌ مِنْ إبلِ أهْلِكَ ما أحاطَتْ بأصلها حتـى تَنْكَسِرَ تَرْقوَتاها هَرَما) . ١٥٥١٧ـ حدثنا الـحسن بن شبـيب، قال: حدثنا مـحمد بن زياد الـجريري، عن فرات بن أبـي الفرات، عن معاوية بن قُرة، عن أبـيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ: شَجَرَةٌ غَرَسَها اللّه بـيَدِهِ، وَنَفَخَ فِـيها مِنْ رَوْحِهِ بـالـحُلِـيّ والـحُلَلِ، وَإنّ أغْصَانَها لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الـجَنَةِ) . ١٥٥١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث، أن دراجا حدثه أن أبـا الهيثم حدثه، عن أبـي سعيد الـخدريّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول اللّه ما طوبى؟ قال: (شَجَرَةٌ فِـي الـجَنّةِ مَسِيَرةُ مِئَةٍ سَنَةٍ، ثِـيابُ أهْلِ الـجَنّةِ تَـخْرُجُ مِنْ أكمامِها) . فعلـى هذا التأويـل الذي ذكرنا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الرواية به، يجب أن يكون القول فـي رفع قوله: طُوبَى لَهُمْ خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربـية فـيه. وذلك أن الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن طُوبى اسم شجرة فـي الـجنة، فإذا كان كذلك فهو اسم لـمعرفة كزيد وعمرو. وإذا كان ذلك كذلك، لـم يكن فـي قوله: وَحُسْنُ مآبٍ إلا الرفع عطفـا به علـى (طوبى) . وأما قوله: وَحُسْنُ مآبٍ فإنه يقول: وحُسن منقلب كما: ١٥٥١٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك : وَحُسْنُ مآبٍ قال: حسن منقلب. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيَ أُمّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الّذِيَ ...}. يقول تعالـى ذكره: هكذا أرسلناك يا مـحمد فـي جماعة من الناس، يعني إلـى جماعة قد خـلت من قبلها جماعات علـى مثل الذي هم علـيه، فمضت لِتَتْلُوَ عَلَـيْهِمُ الّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ يقول: لتبلغهم ما أرسلتك به إلـيهم من وحيـي الذي أوحيته إلـيك. وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحْمَنِ يقول: وهم يجحدون وحدانـية اللّه ، ويكذّبون بها. قُلْ هُوَ رَبّـي يقول: إن كفر هؤلاء الذين أرسلتك إلـيهم يا مـحمد بـالرحمن، فقل: أنت اللّه ربـي لا إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَـيْهِ تَوَكّلْتُ وَإلَـيْهِ مَتابِ يقول: وإلـيه مرجعي وأوبتـي. وهو مصدر من قول القائل: تبت متابـا وتوبة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَهُمْ يَكُفُرُونَ بـالرّحْمَنِ ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم زمن الـحديبـية حين صالـح قريشا كتب: (هذا ما صالـح علـيه مـحمد رسول اللّه ) . فقال مشركو قريش: لئن كنتَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلـمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالـح علـيه مـحمد بن عبد اللّه . فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: دعنا يا رسول اللّه نقاتلهم فقال: (لا، ولكنْ اكْتُبُوا كما يُرِيدُونَ إنـيّ مـحَمّد بْنُ عَبْدِ اللّه ) فلـما كتب الكاتب: (بسم اللّه الرحمن الرحيـم) ، قالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل الـجاهلـية يكتبون: (بـاسمك اللهمّ) ، فقال أصحابه: يا رسول اللّه دعنا نقاتلهم قال: (لا ولكِنْ اكْتُبُوا كمَا يُرِيدُونَ) . ١٥٥٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: قوله: كذلكَ أرْسَلْناكَ فِـي أُمّةٍ قَدْ خَـلَتْ... الآية، قال: هذا لـما كاتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريشا فـي الـحديبـية كتب: (بسم اللّه الرحمن الرحيـم) ، قالوا: لا تكتب الرحمن، وما ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا بـاسمك اللهمّ قال اللّه : وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحمَنِ قُلْ هُوَ رَبـي لا إلَهَ إلاّ هُوَ... الآية. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّ قُرْآناً سُيّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلّمَ بِهِ الْمَوْتَىَ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وهم يكفرون بـالرحمن وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ: أي يكفرون بـاللّه ولو سير لهم الـجبـال بهذا القرآن. وقالوا: هو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم. وجعلوا جواب (لو) مقدّما قبلها، وذلك أن الكلام علـى معنى قـيـلهم: ولو أن هذا القرآن سيرت به الـجبـال أو قُطّعت به الأرض، لكفروا بـالرحمن. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى قال: هم الـمشركون من قريش، قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكة، وسيرت جبـالها، فـاحترثناها، وأحيـيت من مات منا، أو قطّع به الأرض، أو كلـم به الـموتـى فقال اللّه تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَميعا. ١٥٥٢٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى قول كفـار قريش لـمـحمد: سير جبـالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، أو قرّب لنا الشأم فإنا نتـجر إلـيها، أو أخرج لنا آبـاءنا من القبور نكلـمهم فقال اللّه تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، بنـحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٥٥٢٤ـ قال: ابن جريج، وقال عبد اللّه بن كثـير، قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال، أو كلـمت به الـموتـى، فنزل ذلك. قال ابن جريج، وقال ابن عبـاس : قالوا: سير بـالقرآن الـجبـال، قطع بـالقرآن الأرض، أخرج به موتانا. ١٥٥٢٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثـير: قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال، أو أجريت لنا الأنهار، أو أجريت لنا الأنهار، أو كلـمت به الـموتـى، فنزل ذلك. قال ابن جريج، وقال ابن عبـاس : قالوا: سير بـالقرآن الـجبـال، قطع بـالقرآن الأرض، أخرج به موتانا. ١٥٥٢٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن كثـير: قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال أو أجريت لنا الأنهار أو كلـمت به الـموتـى فنزل: أفَلَـمْ يَـيْأسِ الَذِينَ آمَنُوا. وقال آخرون: بل معناه: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ كلام مبتدأ منقطع عن قوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحْمَنِ. قال: وجواب (لو) مـحذوف استغنـي بـمعرفة السامعين الـمرادَ من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثـيرا، ومنه قول امرىء القـيس: فَلَوْ أنّها نَفْسٌ تَـمُوتُ سَرِيحَةًولكِنّها نَفْسٌ تَقَطّعُ أنْفُسَا وهو آخر بـيت فـي القصيدة، فترك الـجواب اكتفـاء بـمعرفة سامعه مراده، وكما قال الاَخر: فَأُقُسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلكِنْ لَـمْ نَـجِدْ لكَ مَدْفَعا ذكر من قال نـحو معنى ذلك: ١٥٥٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى ذكر لنا أن قُريشا قالوا: إن سرّك يا مـحمد اتبـاعك، أو أن نتبعك، فسير لنا جبـال تهامة، أو زد لنا فـي حرمنا، حتـى نتـخذ قطائع نـخترف فـيها، أو أَحْي لنا فلانا وفلانا ناسا ماتوا فـي الـجاهلـية. فأنزل اللّه تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى يقول: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن كفّـار قريش قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: أذهب عنا جبـال تهامة حتـى نتـخذها زرعا فتكون لنا أرضين، أو أحي لنا فلانا وفلانا يخبروننا حقّ ما تقول فقال اللّه : وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى بَلِ لِلّهِ الأمْرُ جَمِيعا يقول: لو كان فعل ذلك بشيء من الكتب فـيـما مضى كان ذلك. ١٥٥٢٨ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ الآية... قال: قال كفـار قريش لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: سير لنا الـجبـال كما سُخرت لداود، أو قطّع لنا الأرض كما قطّعت لسلـيـمان فـاغتدى بها شهرا وراح بها شهرا، أو كلـم لنا الـموتـى كما كان عيسى يكلـمهم يقول: لـم أُنزل بهذا كتابـا، ولكن كان شيئا أعطيته أنبـيائي ورسلـي. ١٥٥٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ... الآية. قال: قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إن كنت صادقا فسير عنا هذه الـجبـال واجعلها حروثا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان، أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا علـى الذي نـحن علـيه فقال اللّه تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى: لـم يصنع ذلك بقرآن قَطّ ولا كتاب، فـيصنع ذلك بهذا القرآن. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: (أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا أنْ لَوْ يَشاءُ اللّه لَهَدَى النّاسَ جَمِيعا) . اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألـم يعلـم ويتبـيّن ويستشهد لقـيـله ذلك ببـيت سحيـم بن وَثِـيـل الرياحيّ: أقُولُ لَهُمْ بـالشّعْبِ إذْ يأمِرُونَنِـيألَـمْ تَـيْأَسُوا أنّـي ابنُ فـارِسِ زَهْدِم ويُروى: (يـيسروننـي) ، فمن رواه: (يـيسروننـي) فإنه أراد: يقسموننـي من الـميسر، كما يقسم الـجَزور. ومن رواه: (يأسروننـي) ، فإنه أراد: الأسر. وقال: عنى ب قوله: ألـم تـيأسوا: ألـم تعلـموا. وأنشدوا أيضا فـي ذلك: ألَـمْ يَـيْأسِ الأقْوَامُ أنّـي أنا ابْنُهُوإنْ كُنتُ عَنْ أرْضِ العَشِيرَةِ نائِيا وفسروا قوله: (ألـم يـيأس) : ألـم يعلـم ويتبـين. وذُكر عن ابن الكلبـيّ أن ذلك لغة لـحيّ من النـخَع، يقال لهم: وَهْبـيـل، تقول: ألـم تـيأس، كذا بـمعنى: ألـم تعلـمه. وذُكر عن القاسم بن معن أنها لغة هوزان، وأنهم يقولون: يَئِست كذا: علـمت. وأما بعض الكوفـيـين فكان ينكر ذلك، ويزعم أنه لـم يسمع أحدا من العرب يقول: (يئست) بـمعنى: (علـمت) ، ويقول هو فـي الـمعنى وإن لـم يكن مسموعا: (يئست) بـمعنى: (علـمت) ، يتوجه إلـى ذلك أن اللّه قد أوقع إلـى الـمؤمنـين، أنه لو شاء لهدَى الناس جميعا، فقال: أفلـم يـيأسوا علـما، يقول: يؤيسهم العلـم، فكان فـيه العلـم مضمرا، كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلـح علـما، كأنه قـيـل: علـمته علـما، قال: وقول الشاعر: حتـى إذَا يَئِسَ الرّماةُ وأرْسَلُواغُضْفـا دَوَاجِنَ قافلاً أَعْصَامها معناه: حتـى إذا يئسوا من كلّ شيء مـما يـمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا، فهو فـي معنى: حتـى إذا علـموا أن لـيس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علـمهم، فكان ما سواه يأسا. وأما أهل التأويـل فإنهم تأوّلوا ذلك بـمعنى: أفلـم يعلـم ويتبـين. ذكر من قال ذلك منهم: ١٥٥٣٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي إسحاق الكوفـي، عن مولـى يخبر أن علـيّا رضي اللّه عنه كان يقرأ: (أفلـم يَتَبـيّن الذين آمَنُوا) . ١٥٥٣١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن حنظلة، عن شهر بن حوشب، عن ابن عبـاس : أفَلَـمْ يَـيْأَسِ يقول: أفلـم يتبـين. ١٥٥٣٢ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن جرير، بن حازم، عن الزبـير بن الـحارث، أو يعلـى بن حكيـم، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرؤها: (أفَلَـمْ يَتَبَـيّنِ الّذِينَ آمَنُوا) قال: كتب الكاتب الأخرى هو ناعس. ١٥٥٣٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، قال فـي القراءة الأولـى: زعم ابن كثـير وغيره: (أفلـم يتبـين) . حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا يقول: ألـم يتبـين. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا يقول: يعلـم. ١٥٥٣٤ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: أفلـم يتبـين. ١٥٥٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يتبـين الذين آمنوا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يعلـم الذين آمنوا. ١٥٥٣٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يعلـم الذين آمنوا. والصواب من القول فـي ذلك ما قاله أهل التأويـل: إن تأويـل ذلك: أفلـم يتبـين ويعلـم لإجماع أهل التأويـل علـى ذلك والأبـيات التـي أنشدناها فـيه. فتأويـل الكلام إذن: ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن كان سيرت به الـجبـال لسير بهذا القرآن، أو قطّعت به الأرض لقطّعت بهذا، أو كلّـم به الـموتـى لكلّـم بهذا، ولو يفعل بقرآن قبل هذا القرآن لفُعل بهذا. بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَمِيعا يقول: ذلك كله إلـيه وبـيده، يهدى من يشاء إلـى الإيـمان فـيوفقه له ويضلّ من يشاء فـيخذله، أفلـم يتبـين الذين آمنوا بـاللّه ورسوله إذ طمعوا فـي إجابتـي من سأل نبـيهم من تسيـير الـجبـال عنهم وتقريب أرض الشام علـيهم وإحياء موتاهم، أن لو يشاء اللّه لهدَى الناس جميعا إلـى الإيـمان به من غير إيجاد آية ولا إحداث شيء مـما سألوا إحداثه. يقول تعالـى ذكره: فما معنى مـحبتهم ذلك مع علـمهم بأن الهداية والإهلاك إلـيّ وبـيدي أنزلت آية أو لـم أنزلها أهدي من أشاء بغير إنزال آية، وأضلّ من أردت مع إنزالها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: (وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه إنّ اللّه لا يُخْـلِفُ الـميعادَ) . يقول تعالـى ذكره: ولا يزال يا مـحمد الذين كفروا من قومك تُصيبهم بـما صنعوا من كفرهم بـاللّه وتكذيبهم إياك وإخراجهم لك من بـين أظهرهم قارعة، وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنقم، بـالقتل أحيانا، وبـالـحروب أحيانا، والقحط أحيانا. أو تـحلّ أنت يا مـحمد، يقول: أو تنزل أنت قريبـا من دارهم بجيشك وأصحابك حتـى يأتـي وعد اللّه الذي وعدك فـيهم، وذلك ظهورك علـيهم وفتـحك أرضهم وقهرك إياهم بـالسيف. إنّ اللّه لا يُخْـلِفُ الـمِيعادَ يقول: إن اللّه منـجزك يا مـحمد ما وعدك من الظهور علـيهم، لأنه لا يخـلف وعده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٣٧ـ حدثنا أبو داود، قال: حدثنا الـمسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال مـحمد: حتـى يأتـي وعد اللّه ، قال: فتـح مكة. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس بنـحوه، غير أنه لـم يذكر سرية. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا الـمسعودي، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، أنه تلا هذه الآية: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: القارعة: السرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: هو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. حتـى يأتَـي وَعْدُ اللّه قال: فتـح مكة. ١٥٥٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زهير، أن خصيفـا حدثهم، عن عكرمة، فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: نزلت بـالـمدينة فـي سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو تـحلّ أنت يا مـحمد قريبـا من دارهم. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا منْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ يقول: عذاب من السماء ينزل علـيهم. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ يعني : نزول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بهم وقتاله إياهم. ١٥٥٣٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ: تصاب منهم سرية، أو تصاب منهم مصيبة، أو يحلّ مـحمد قريبـا من دارهم. وقوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه قال: الفتـح. ١٥٥٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد اللّه بن أبـي نـجيح: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ يعني النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحو حديث الـحسن، عن شبـابة. ١٥٥٤١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قـيس، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : قال: قارعة، قال: السرايا. قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الغفـار، عن منصور، عن مـجاهد: قارِعَةٌ: مصيبة من مـحمد. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد. حتـى يأْتِـيَ وَعْدُ اللّه قال: الفتـح. ١٥٥٤٢ـ قال: حدثنا إسرائيـل، عن خصيف، عن مـجاهد: قارِعَةٌ قال: كتـيبة. ١٥٥٤٣ـ قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد. ١٥٥٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنعُوا قارِعَةٌ: أي بأعمالهم أعمال السوء. وقوله: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ أنت يا مـحمد. حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه ووعد اللّه : فتـح مكة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: قارِعَةٌ قال: وقـيعة. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: يعني النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، يقول: أو تـحلّ أنت قريبـا من دارهم. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مـحمد بن طلـحة، عن طلـحة، عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: السرايا: كان يبعثهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دارِهِمْ أنت يا مـحمد. حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه قال: فتـح مكة. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن بعض أصحابه، عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: كتـيبة. ١٥٥٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا يَزالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: قارعة من العذاب. وقال آخرون: معنى قوله: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ تـحلّ القارعة قريبـا من دارهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٤٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الـحسن: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أو تـحلّ القارعة قريبـا من دارهم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أو تـحلّ القارعة. وقال آخرون فـي قوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه قال: يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: حدثنا إسماعيـل بن حكيـم، عن رجل قد سماه عن الـحسن، فـي قوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّه قال: يوم القـيامة. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلّذِينَ كَفَرُواْ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: يا مـحمد إن يستهزىء هؤلاء الـمشركون من قومك ويطلبوا منك الاَيات تكذيبـا منهم ما جئتهم به، فـاصبر علـى أذاهم لك وامض لأمر ربك فـي إعذارهم والإعذار إلـيهم، فلقد استهزأت أمـم من قبلك قد خـلَت فمضت برُسُلـي، فأطلت لهم فـي الـمَهَل ومددت لهم فـي الأجَل، ثم أحللت بهم عذابـي ونقمتـي حين تـمادوا فـي غيهم وضلالهم، فـانظر كيف كان عقابـي إياهم حين عاقبتهم، ألـم أذقهم ألـيـم العذاب وأجعلهم عبرة لأولـي الألبـاب. والإملاء فـي كلام العرب: الإطالة، يقال منه: أملـيت لفلان: إذا أطلت له فـي الـمهل، ومنه الـمُلاوة من الدهر، ومنه قولهم: تـملّـيت حينا، ولذلك قـيـل للـيـل والنهار: (الـملوان) لطولهما، كما قال ابن مقبل: ألا يا دِيارَالـحَيّ بـالسّبُعانِألَـحّ عَلَـيْها بـالبِلَـى الـمَلَوَانِ وقـيـل للـخرق الواسع من الأرض: (ملاً) ، كما قال الشاعر: فـاخْضَلّ منها كُلّ بـالٍ وعَيّنٍوجَفّ الرّوَايا بـالـمَلا الـمُتَبـاطِنِ لطول ما بـين طرفـيه وامتداده. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للّهِ شُرَكَآءَ ...}. يقول تعالـى ذكره: أفـالربّ الذي هو دائم لا يبـيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الـخـلق، متضمن لها، عالـم بهم وبـما يكسبونه من الأعمال، رقـيت علـيهم، لا يعزُب عنه شيء أينـما كانوا كمن هو هالك بـائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئا، ولا يَدْفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضرّا، ولا يجلب إلـيهما نفعا؟ كلاهما سواء. وحُذِف الـجواب فـي ذلك فلـم يَقُل وقد قـيـل أفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ ككذا وكذا، اكتفـاء بعلـم السامع بـما ذُكِر عما تُرِك ذكره. وذلك أنه لـمّا قال جلّ ثناؤه: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ عُلـم أن معنى الكلام كشركائهم التـي اتـخذوها آلهة، كما قال الشاعر: تَـخَيّرِي خُيّرْتِ أُمّ عالِبـينَ قَصِيرٍ شَبْرُهُ تِنْبـالِ أذَاكِ أمْ مُنْـخَرِقُ السّرْبَـالِوَلا يَزالُ آخِرَ اللّـيالـي مُتْلِفَ مالٍ ومُفِـيدَ مالِ ولـم يقل: وقد قال: (شَبْرُه تنبـال) ، وبـين كذا وكذا، اكتفـاء منه بقول: أَذَاكَ أمْ مُنْـخَرِق السّرْبـالِ، ودلالة الـخبر عن الـمنـخرق السربـال علـى مراده فـي ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٤٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ ذلكم ربكم تبـارك وتعالـى، قائم علـى بنـي آدم بأرزاقهم وآجالهم، وحفظ علـيهم واللّه أعمالهم. ١٥٥٤٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ. ١٥٥٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ يعني بذلك نفسه، يقول: هو معكم أينـما كنتـم، فلا يعمل عامل إلا وهو حاضر. ويقال: هم الـملائكة الذين وكلوا ببنـي آدم. ١٥٥٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبْتْ علـى رزقهم وعلـى طعامهم، فأنا علـى ذلك قائم وهم عبـيدي ثم جعلوا لـي شركاء. ١٥٥٥٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ فهو اللّه قائم علـى كل نفس بَرّ وفـاجر، يرزقهم ويكلؤهم، ثم يُشرك به منهم من أشرك. وقوله: وَجَعَلَوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول تعالـى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء الـمشركين، والـمدبر أمورهم، والـحافظ علـيهم أعمالهم، وجعلوا لـي شركاء من خـلقـي يعبدونها دونـي، قل لهم يا مـحمد: سَمّوا هؤلاء الذين أشركتـموهم فـي عبـادة اللّه ، فإنهم إن قالوا آلهة فقد كذبوا، لأنه لا إله إلا الواحد القهّار لا شريك له. أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ يقول: أتـخبرونه بأن فـي الأرض إلها، ولا إله غيره فـي الأرض ولا فـي السماء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٥٣ـ حدثنا عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمّوهُمْ ولو سموهم آلهة لكذبوا وقالوا فـي ذلك غير الـحق لأن اللّه واحد لـيس له شريك، قال اللّه : أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول: لا يعلـم اللّه فـي الأرض إلها غيره. ١٥٥٥٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ واللّه خـلقهم. ١٥٥٥٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ ولو سَمّوْهم كذبوا، وقالوا فـي ذلك ما لا يعلـم اللّه من إله غير اللّه فذلك قوله: أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ مسموع، وهو فـي الـحقـيقة بـاطل لا صحة له. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. غير أنهم قالوا: أم بظاهر، معناه: أم ببـاطل، فأتوا بـالـمعنى تدلّ علـيه الكلـمة دون البـيان عن حقـيقة تأويـلها. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٥٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ بظنّ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. ١٥٥٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن قتادة، قوله: أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ والظاهر من القول: هو البـاطل. ١٥٥٥٨ـ حْدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك فـي قوله: أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول: أم ببـاطل من القول وكذب، ولو قالوا، قالوا البـاطل والكذب. وقوله: بَلْ زُيّنَ للّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ يقول تعالـى ذكره: ما لله من شريك فـي السموات ولا فـي الأرض، ولك زُين للـمشركين الذي يدعون من دون إلها مكرُهم، وذلك افتراؤهم وكذبهم علـى اللّه . وكان مـجاهد يقول: معنى الـمكر ههنا: القولُ، كأنه قال: قولهم بـالشرك بـالله. ١٥٥٥٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: بَلْ زُيّنَ للّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قال: قولهم. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. وأما قوله: وَصَدّوا عَنِ السّبِـيـلِ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته، فقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: وَصَدّوا عَنِ السّبِـيـلِ بضمّ الصاد، بـمعنى: وصدّهم اللّه عن سبـيـله لكفرهم به، ثم جعلت الصاد مضمومة، إذ لـم يسمّ فـاعله. وأما عامّة قرّاء الـحجاز والبصرة، فقرءوه بفتـح الصاد، علـى معنى أن الـمشركين هي الذين صَدّوا الناس عن سبـيـل اللّه . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء، متقاربتا الـمعنى وذلك أن الـمشركين بـاللّه كانوا مصدودين عن الإيـمان به، وهم مع ذلك كانوا يَصُدّون غيرهم، كما وصفهم اللّه به ب قوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّه . وقوله: وَمَنْ يُضْلِل اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ يقول تعالـى ذكره: ومن أضله اللّه عن إصابة الـحقّ والهدى بخذلانه إياه، فما له أحد يَهْديه لإصابتهما لأن ذلك لا يُنال إلاّ بتوفـيق اللّه ومعونته، وذلك بـيد اللّه وإلـيه دون كلّ أحد سواه. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَشَقّ وَمَا لَهُم مّنَ اللّه مِن وَاقٍ }. يقول تعالـى ذكره: لهؤلاء الكفّـار الذي وصف صفتهم فـي هذه السورة عذاب فـي الـحياة الدنـيا بـالقتل والإسار والاَفـات التـي يصيبهم اللّه بها. وَلَعَذابُ الاَخِرَةِ أشَقّ يقول: ولَتعذيب اللّه إياهم فـي الدار الاَخرة أشدّ من تعذيبه إياهم فـي الدنـيا وأشقّ، إنـما هو (أفعل) من الـمشقة. وقوله: وَما لَهُمْ مِنَ اللّه مِنْ وَاقٍ يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الكفّـار من أحد يقـيهم من عذاب اللّه إذا عذّبهم، لا حميـم ولا ولـيّ ولا نصير، لأنه جلّ جلاله لا يعادّه أحد فـيقهره فـيخـلصه من عذابه بـالقهر، ولا يشفع عنده أحد إلاّ بإذنه ولـيس يأذن لأحد فـي الشفـاعة لـمن كفر به فمات علـى كفره قبل التوبة منه. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ الْمُتّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلّهَا تِلْكَ عُقْبَىَ الّذِينَ اتّقَواْ وّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النّارُ }. اختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي رافع (الـمثل) ، فقال بعض نـحويّى الكُوفـيـين الرافع للـمثل قوله: تَـجْرِي مِنْ تَـحْتها الأنْهارُ فـي الـمعنى، وقال: هو كما تقول حِلْـية فلان أسْمَرُ كذا وكذا، فلـيس الأسمر بـمرفوع بـالـحلـية، إنـما هو ابتداء أي هو أسمر هو كذا. قال: ولو دخـل أنّ فـي مثل هذا كان صوابـا. قال: ومثله فـي الكلام مثَلك أنك كذا وأنك كذا. وقوله: فَلْـيَنْظُرِ الإنْسانُ إلـى طَعامِهِ أنّا مَنْ وجّهَ: مَثَلُ الـجَنّةِ الّتِـي وُعِدَ الـمُتّقُونَ فِـيهَا ومن قال: أَنّا صَبَبْنا الـمَاءَ أظهر الاسم، لأنه مردود علـى الطعام بـالـخفض، ومستأنف، أي: طعامه أنا صببنا ثم فعلنا. وقال: معنى قوله: مَثَلُ الـجَنّةِ: صفـات الـجنة. وقال بعض نـحويّـي البصريـين: معنى ذلك: صفة الـجنة، قال: ومنه قول اللّه تعالـى: وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى معناه: ولله الصفة العُلـيا. قال: فمعنى الكلام فـي قوله: مَثَلُ الـجَنّةِ التـي وُعِدَ الـمُتّقُونَ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ أو فـيها أنهار، كأنه قال: وَصْف الـجنة صفة تـجري من تـحتها الأنهار، أو صفة فـيها أنهار واللّه أعلـم. قال: ووجه آخر كأنه إذا قـيـل: مثل الـجنة قـيـل: الـجنة التـي وعد الـمتقون. قال: وكذلك قوله: وَإنّهُ بسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ كأنه قال: بـاللّه الرحمن الرحيـم، واللّه أعلـم. قال: وقوله: عَلـى ما فَرّطْتُ فِـي جَنْبِ اللّه فـي ذات اللّه ، كأنه عندنا قـيـل: فـي اللّه . قال: وكذلك قوله: لَـيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إنـما الـمعنى: لـيس كشيء، ولـيس مثله شيء، لأنه لا مثل له. قال: ولـيس هذا كقولك للرجل: لـيس كمثلك أحد، لأنه يجوز أن يكون له مِثْل، واللّه لا يجوز ذلك علـيه. قال: ومثله قول لبـيد: إلـى الـحَوْلِ ثُمّ اسْمُ السّلامِ عَلَـيْكُما قال: وفسّر لنا أنه أراد: السلام علـيكما قال أوس بن حَجَر: وَقْتِلـي كِرَامٍ كمِثْلِ الـجُذُوعِتَغَشّاهُمْ سَبَلٌ مُنْهَمِرْ قال: والـمعنى عندنا: كالـجذوع، لأنه لـم يزد أن يجعل للـجذوع مثلاً ثم يُشبه القتلـى به. قال: ومثله قول أُميّة: زُحَلٌ وثَوْرٌ تَـحْتَ رِجْلِ يَـمِينِهِوالنّسْرُ للأُخْرَى وَلَـيْثٌ مُرْصَدُ قال: فقال تـحت رجل يـمينه، كأنه قال: تـحت رجله أو تـحت رجله الـيـمنى قال: وقول لبـيد: أضَلّ صِوَارَهُ وتَضَيّفَتْهُنَطوفٌ أمْرُها بِـيَده الشّمالِ كأنه قال: أمرها بـالشّمال وإلـى الشّمال وقول لبـيد أيضا: حتـى إذا ألْقَتْ يَدا فـي كافِرٍ فكأنه قال: حتـى وقعت فـي كافر. وقال آخر منهم: هو الـمكفوف عن خبره، قال: والعرب تفعل ذلك. قال: وله معنى آخر: للذينَ استـجابُوا لِربّهِمُ الـحُسنَى مَثَلُ الـجنة موصول صفة لها علـى الكلام الأوّل. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: أن يقال ذكر الـمثل، فقال مَثَل الـجنة، والـمراد الـجنة، ثم وصفت الـجنة بصفتها، وذلك أن مثلها إنـما هو صفتها ولـيست صفتها شيئا غيرها. وإذا كان ذلك كذلك، ثم ذكر الـمثل، فقـيـل: مثل الـجنة، ومثلها صفتها وصفة الـجنة، فكان وصفها كوصف الـمثل، وكان كأن الكلام جرى بذكر الـجنة، فقـيـل: الـجنة تـجري من تـحتها الأنهار، كما قال الشاعر: أرَى مَرّ السّنِـينَ أخَذْنَ مِنّـيكمَا أخَذَ السّرارُ مِنَ الهِلالِ فذكر الـمرّ، ورجع فـي الـخبر إلـى السنـين. وقوله: أُكُلُها دائمٌ وظِلّها يعني : ما يؤكل فـيها. يقول: هو دائم لأهلها، لا ينقطع عنهم، ولا يزول ولا يبـيد، ولكنه ثابت إلـى غير نهاية. وظلها: يقول: وظلها أيضا دائم، لأنه لا شمس فـيها. تِلكَ عُقْبَى الّذِينَ اتّقَوْا يقول: هذه الـجنة التـي وصف جل ثناؤه عاقبة الذين اتقوا اللّه ، فـاجتنبوا معاصيه وأدّوا فرائضه. وقوله: وَعُقْبَى الكافِرِينَ النّارُ يقول: وعاقبة الكافرين بـاللّه النار. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ ...}. يقول تعالـى ذكره: والذي أنزلنا إلـيهم الكتاب مـمن آمن بك واتبعك يا مـحمد يَفْرَحُونَ بِـما أُنْزِلَ إلَـيْكَ منه. وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ يقول: ومن أهل الـملل الـمتـحزّبـين علـيك، وهم أهل أديان شتـى، من يُنكر بعض ما أنزل إلـيك، فقل لهم: إنّـمَا أُمِرْتُ أيها القول أنْ أعْبُدَ اللّه وحده دون ما سواه وَلا أُشْرِكَ بِهِ فأجعل له شريكا فـي عبـادتـي، فأعبد معه الاَلهة والأصنام، بل أخـلص له الدين حنـيفـا مسلـما. إلَـيْهِ أدْعُو يقول: إلـى طاعته، وإخلاص العبـادة له أدعو الناس. وَإلَـيْهِ مآبِ يقول: وإلـيه مصيري، وهو مفعل من قول القائل: آب يَئُوب أَوْبـا وَمآبـا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ أولئك أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فرحوا بكتاب اللّه وبرسوله وصدّقوا به قوله: وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنُكِرُ بَعْضَهُ يعني الـيهود والنصارى. ١٥٥٦١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكرُ بَعْضَهُ قال: من أهل الكتاب. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله. ١٥٥٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسن، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وَالّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ يَفْرَحُونَ بِـما أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ من أهل الكتاب والأحزاب أهل الكُتب، تفريقهم لـحزبهم. قوله: وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ قال: لتـحزّبهم علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال ابن جريج، وقال عن مـجاهد: يُنْكِرُ بَعضَهُ قال: بعض القرآن. ١٥٥٦٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحميد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَإلَـيْهِ مآبِ: وإلـيه مصير كلّ عبد. ١٥٥٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَالّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ قال: هذا من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب فـيفرحون بذلك. وقرأ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ. وفـي قوله: وَمنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قال: الأحزاب: الأمـم الـيهود والنصارى والـمـجوس منهم من آمن به، ومنهم من أنكره. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّه مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ }. يقول تعالـى ذكره: وكما أنزلنا علـيك الكتاب يا مـحمد، فأنكره بعض الأحزاب، كذلك أيضا أنزلنا الـحكم والدين حكما عربـيا وجعل ذلك عربـيا، ووصفه به لأنه أنزل علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وهو عربـيّ، فنسب الدين إلـيه إذ كان علـيه أُنزل، فكذّب به الأحزاب. ثم نهاه جل ثناؤه عن ترك ما أنزل إلـيه واتبـاع الأحزاب، وتهدده علـى ذلك إن فعله، فقال: ولئن اتبعت يا مـحمد أهواءهم، أهواء هؤلاء الأحزاب ورضاهم ومـحبتهم، وانتقلت من دينك إلـى دينهم، ما لك من يقـيك من عذاب اللّه إن عذّبك علـى اتبـاعك أهواءهم، وما لك من ناصر ينصرك فـيستنقذك من اللّه إن هو عاقبك، يقول: فـاحذر أن تتبع أهواءهم. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرّيّةً ...}. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ أرْسَلْنا يا مـحمد رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ إلـى أمـم قد خـلَت من قبل أمتك فجعلناهم بشرا مثلك، لهم أزواج ينكحون، وذرّية أنسلوهم، ولـم نـجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، فنـجعل الرسول إلـى قومك من الـملائكة مثلهم، ولكن أرسلنا إلـيهم بشرا مثلهم، كما أرسلنا إلـى مَن قبلهم من سائر الأمـم بشرا مثلهم. وَما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِـيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّه : يقول تعالـى ذكره: وما يقدر رسول أرسله اللّه إلـى خـلقه أن يأتـي أمته بآية وعلامة من تسيـير الـجبـال ونقل بلدة من مكان إلـى مكان آخر وإحياء الـموتـى ونـحوها من الاَيات إلاّ بإذن اللّه ، يقول: إلاّ بأمر اللّه الـجبـال بـالسير والأرض بـالانتقال، والـميتَ بأن يحيا. لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول: لكلّ أجَل أَمْرٍ قضاه اللّه كتاب قد كتبه، فهو عنده. وقد قـيـل: معناه: لكل كتاب أنزله اللّه من السماء أجل. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول: لكلّ كتاب ينزل من السماء أجل، فـيـمـحو اللّه من ذلك ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب. قال أبو جعفر: وهذا علـى هذا القول نظير قول اللّه :وجاءَتْ سَكْرَةُ الـمَوْتِ بـالـحَقّ، وكان أبو بكر رضي اللّه عنه يقرأها: (وجاءت سكرة الـحقّ بـالـموت) ، وذلك أن سكرة الـموت تأتـي بـالـحقّ والـحقّ يأتـي بها، فكذلك الأجل به كتاب وللكتاب أجل. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَمْحُو اللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ }. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: يـمـحو اللّه ما يشاء من أمور عبـاده، فـيغيرّه، إلاّ الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٦٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا بحر بن عيسى، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: يدبر اللّه أمر العبـاد فـيـمـحو ما يشاء، إلاّ الشقاءَ والسعادة والـموت. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: كلّ شيء غير السعادة والشقاء، فإنهما قد فُرِغ منهما. حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا يزيد، وحدثنا أحمد، قال حدثنا أبو أحمد، عن سفـيان، عن ابن أبـي لـيـلـى عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس يقول:يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: إلاّ الشقاء والسعادة، والـموت والـحياة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين وقبـيصة قالا: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله. حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: قال ابن عبـاس : إلاّ الـحياة والـموت، والشقاء والسعادة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: يقدر اللّه أمر السنة فـي لـيـلة القدر، إلاّ الشقاء والسعادة والـموت والـحياة. ١٥٥٦٧ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: إلاّ الـحياة والـموت والسعادة والشقاوة فإنهما لا يتغيران. حدثنا عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا معاذ بن عقبة، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. ١٥٥٦٨ـ قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، قال: قلت لـمـجاهد: إن كنتَ كتبتنـي سعيدا فأثبتنـي، وإن كنتَ كتبتنـي شقـيّا فـامـحنـي قال: الشقاء والسعادة قد فُرغ منهما. ١٥٥٦٩ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد قال: حدثنا سعيد بن سلـيـمان، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: ينزل اللّه كلّ شيء فـي السنة فـي لـيـلة القدر، فـيـمـحو ما يشاء من الاَجال والأرزاق والـمقادير، إلاّ الشقاء والسعادة، فإنهما ثابتان. ١٥٥٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مـجاهدا فقلت أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهمّ إن كان اسمي فـي السعداء فأثبته فـيهم، وإن كان فـي الأشقـياء فـامـحُه واجعله فـي السعداء؟ فقال: حسن. ثم أتـيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن ذلك، فقال: إنّا أنْزَلْناهُ فِـي لَـيْـلَةٍ مُبـارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِـيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيـمٍ قال: يُقْضَى فـي لـيـلة القدر ما يكون فـي السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء. فأما كتاب الشقاء والسعادة فهو ثابت لا يغير. وقال آخرون: معنى ذلك: أن اللّه يـمـحو ما يشاء ويُثبت من كتاب سوى أمّ الكتاب الذي لا يغير منه شيء. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن سلـيـمان التـيـمي، عن عكرمة، عن ابن عبـاس أنه قال فـي هذه الآية: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: كتابـان: كتاب يـمـحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب. ١٥٥٧٢ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا سهل بن يوسف، قال: حدثنا سلـيـمان التـيـمي، عن عكرمة، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: الكتاب كتابـان، كتاب يـمـحو اللّه منه ما يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب. قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن سلـيـمان التـيـميّ، عن عكرمة، عن ابن عبـاس بـمثله. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن عكرمة، قال: الكتاب كتابـان يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يـمـحو كلّ ما يشاء، ويثبت كلّ ما أراد. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٧٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثّام، عن الأعمش، عن شقـيق أنه كان يقول: اللهمّ إن كنت كتبتنا أشقـياء، فـامـحنا واكتبنا سعداء، وإن كنتَ كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. ١٥٥٧٤ـ حدثنا عمرو، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن أبـي وائل، قال: كان مـما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلـمات: اللهمّ إن كنت كتبتنا أشقـياء فـامـحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب. ١٥٥٧٥ـ قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان النهديّ، أن عمر بن الـخطاب قال وهو يطوف بـالبـيت ويبكي: اللهمّ إن كنتَ كتبتَ علـيّ شِقوة أو ذنبـا فـامـحه، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت. وعندك أمّ الكتاب، فـاجعله سعادة ومغفرة. قال: حدثنا معتـمر، عن أبـيه، عن أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان، قال: وأحسبنـي قد سمعته من أبـي عثمان، مثله. قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عِصْمة أبـي حكيـمة، عن أبـي عثمان النهديّ، عن عمر رضي اللّه عنه، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا أبو حكيـمة، قال: سمعت أبـا عثمان النهدي، قال: سمعت عمر بن الـخطّاب رضي اللّه عنه يقول وهو يطوف بـالكعبة: اللهمّ إن كنتَ كتبتنـي فـي أهل السعادة فأثبتنـي فـيها، وإن كنت كتبت علـيّ الذنب والشقوة فـامـحنـي وأثبتنـي فـي أهل السعادة، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت، وعندك أمّ الكتاب. ١٥٥٧٦ـ قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن خالد الـحذّاء، عن أبـي قِلابة، عن ابن مسعود، أنه كان يقول: اللهمّ إن كنت كتبتنـي فـي أهل الشقاء فـامـحنـي وأثبتنـي فـي أهل السعادة. ١٥٥٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ يقول: وهو الرجل يعمل الزمان بطاعة اللّه ، ثم يعود لـمعصية اللّه فـيـموت علـى ضلاله، فهو الذي يـمـحو. والذي يثبت: الرجل يعمل بـمعصية اللّه ، وقد كان سبق له خير حتـى يـموت، وهو فـي طاعة اللّه ، فهو الذي يثبت. ١٥٥٧٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن هلال بن حميد، عن عبد اللّه بن عُكَيْـم، عن عبد اللّه ، أنه كان يقول: اللهمّ إن كنتَ كتبتنـي فـي السعداء فأثبتنـي فـي السعداء، فإنك تـمـحو ما تشاء وتثبت، وعندك أُم الكِتابِ. ١٥٥٧٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن أبـي حمزة، عن إبراهيـم، أن كعبـا قال لعمر رضي اللّه عنه: يا أمير الـمؤمنـين، لولا آية فـي كتاب اللّه لأنبأتك ما هو كائن إلـى يوم القـيامة، قال: وما هي؟ قال: قول اللّه :يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُم الكِتابِ. ١٥٥٨٠ـ حُدثت من الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لِكُلّ أجَلِ كِتاب... الآية، يقول: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ يقول: أنسخ ما شئتُ، وأصنع من الأفعال ما شئت، إن شئت زدت فـيها، وإن شئتُ نقصتُ. ١٥٥٨١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا الكلبـي، قال: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: يـمـحو من الرزق ويزيد فـيه، ويـمـحي من الأجل ويزيد فـيه. قلت: من حدّثك؟ قال: أبو صالـح، عن جابر بن عبد اللّه بن رئاب الأنصاري، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. فقدم الكلبـيّ بعد، فسئُل عن هذه الآية: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: يكتب القول كله، حتـى إذا كان يوم الـخميس طرح منه كلّ شيء لـيس فـيه ثواب ولا علـيه عقاب، مثل قولك: أكلت، شربت، دخـلت، خرجت، ونـحو ذلك من الكلام، وهو صادق، ويُثبت ما كان فـيه الثواب وعلـيه العقاب. ١٥٥٨٢ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت الكلبـي، عن أبـي صالـح نـحوه، ولـم يجاوز أبـا صالـح. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل معنى ذلك: أن اللّه ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ قال: من القرآن. يقول: يبدّل اللّه ما يشاء فـينسخه، ويُثبت ما يشاء فلا يبدّله. وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ يقول: وجملة ذلك عنده فـي أمّ الكتاب: الناسخ والـمنسوخ، وما يُبدل، وما يثبت، كل ذلك فـي كتاب. ١٥٥٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ ويُثْبِتُ هي مثل قوله: ما نَنْسَخْ منْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أوْ مِثْلِها، وقوله: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ: أي جملة الكتاب وأصله. ١٥٥٨٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ما يشاء، وهو الـحكيـم. وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ وأصله. ١٥٥٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ بـما ينزل علـى الأنبـياء، وَيُثْبِتُ ما يشاء مـما ينزل علـى الأنبـياء. قال: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ لا يغير ولا يبدّل. ١٥٥٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ قال: ينسخ. قال: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: الذكر. وقال آخرون: معنى ذلك أنه يـمـحو من قد حان أجله، ويثبت من لـم يجىءْ أجله إلـى أجله. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٨٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبِـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ يقول: يـمـحو من جاء أجله فذهب، والـمثبت الذي هو حيّ يجري إلـى أجله. حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عوف، قال: سمعت الـحسن: يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ قال: من جاء أجله. وَيُثْبتُ قال: من لـم يجىء أجله إلـى أجله. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، نـحو حديث ابن بشّار. قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله: لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ قال: آجال بنـي آدم فـي كتاب. يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ من أجله وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ. ١٥٥٨٩ـ قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قول اللّه :يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قالت قريش حين أُنزل: وَما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأتِـيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّه ما نراك يا مـحمد تـملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تـخويفـا ووعيدا لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونـحدث فـي كلّ رمضان، فنـمـحو ونُثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم، وما نعطيهم، وما نقسم لهم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. وقال آخرون: معنى ذلك: ويغفر ما يشاء من ذنوب عبـاده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، فـي قوله يَـمْـحُو اللّه ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: يثبت فـي البطن الشقاء والسعادة وكلّ شيء، فـيغفر منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء. وأولـى الأقوال التـي ذكرت فـي ذلك بتأويـل الآية، وأشبهها بـالصواب، القول الذي ذكرناه عن الـحسن ومـجاهد وذلك أن اللّه تعالـى ذكره توعد الـمشركين الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاَيات بـالعقوبة وتهدّدهم بها وقال لهم: وَما كانَ لرَسُولٍ أنْ يَأْتِـيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّه لكُلّ أجَلٍ كتابٌ يعلـمهم بذلك أن لقضائه فـيهم أجلاً مثبتا فـي كتاب هم مؤخرون إلـى وقت مـجيء ذلك الأجل، ثم قال لهم: فإذا جاء ذلك الأجل يجيء اللّه بـما شاء مـمن قد دنا أجله وانقطع رزقه أو حان هلاكه أو اتضاعه، من رفعة أو هلاك مال، فـيقضي ذلك فـي خـلقه، فذلك مـحوه. ويُثبت ما شاء مـمن بقـي أجله ورزقه وأُكْله، فـيتركه علـى ما هو علـيه فلا يـمـحوه. وبهذا الـمعنى جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذلك ما: ١٥٥٩١ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: حدثنا اللـيث بن سعد، عن زيادة بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبـيد، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه يَفْتَـحُ الذّكْرَ فِـي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقـينَ منَ اللّـيْـلِ، فِـي السّاعَةِ الأُولـى منْهُنّ يَنْظُرُ فِـي الكتابِ الّذِي لا يَنْظُرُ فـيهِ أحَدٌ غيرُهُ، فَـيَـمْـحُو ما يَشاءُ ويُثْبتُ) ثم ذكر ما فـي الساعتـين الاَخرتـين. حدثنا موسى بن سهل الرملـي، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا اللـيث، قال: حدثنا زيادة بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبـيد، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه يَنْزِلُ فِـي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقـيْنَ منَ اللّـيْـلِ، يَفْتَـحُ الذّكْرَ فِـي السّاعَةِ الأُولـى الّذِي لَـمْ يَرَهُ أحَدٌ غيرُهُ، يَـمْـحُو ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ما يَشاءُ) . ١٥٥٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: إن لله لوحا مـحفوظا مسيرة خمس مئة عام، من ذرّة بـيضاء لها دفتان من ياقوت، والدفتان لوحان لله، كل يوم ثلاث مئة وستون لـحظة، يـمـحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب. ١٥٥٩٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: ثنـي رجل، عن أبـيه، عن قـيس بن عبـاد، أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يـمـحو اللّه فـيه ما يشاء. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: (وَعِنْدَهُ أُمّ الكتابِ) . اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ فقال بعضهم: معناه: وعنده الـحلال والـحرام. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا مـحمد بن عقبة، قال: حدثنا مالك بن دينار، قال: سألت الـحسن: قلت: أُمّ الكِتابِ؟ قال: الـحلال والـحرام، قال: قلت: فما الـحمد لله رب العالـمين؟ قال: هذه أمّ القرآن. وقال آخرون: معناه: وعنده جملة الكتاب وأصله. ذكر من قال ذلك: ١٥٥٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: جملة الكتاب وأصله. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. ١٥٥٩٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: كتاب عند ربّ العالـمين. ١٥٥٩٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن جويبر، عن الضحاك : وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: جملة الكتاب وعلـمه يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت. ١٥٥٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ يقول: وجملة ذلك عنده فـي أمّ الكتاب: الناسخ والـمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت، كلّ ذلك فـي كتاب. وقال آخرون فـي ذلك، ما: ١٥٥٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن شيبـان، عن ابن عبـاس ، أنه سأل كعبـا عن أمّ الكتاب، قال: علـم اللّه ما هو خالق وما خـلقه عاملون، فقال لعلـمه: كن كتابـا فكان كتابـا. وقال آخرون: هو الذّكْرُ. ذكر من قال ذلك: ١٥٦٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج قال أبو جعفر: لا أدري فـيه ابن جريج أم لا قال: قال ابن عبـاس : وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ قال: الذكر. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته وذلك أنه تعالـى ذكره أخبر أنه يـمـحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك ب قوله: وَعِنْدَهُ أُمّ الكِتابِ فكان بـيّنا أن معناه: وعنده أصل الـمثبَت منه والـمـمـحو، وجملته فـي كتاب لديه. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَيُثْبِتُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة: (ويُثَبّتُ) بتشديد البـاء بـمعنى: ويتركه ويقره علـى حاله، فلا يـمـحوه. وقرأه بعض الـمكيـين وبعض البصريـين وبعض الكوفـيـين: ويُثْبِتُ بـالتـخفـيف، بـمعنى: يكتب، وقد بـيّنا قبل أن معنى ذلك عندنا: إقراره مكتوبـا وترك مـحوه علـى ما قد بـيّنا، فإذا كان ذلك كذلك فـالتثبـيت به أولـى، والتشديد أصوب من التـخفـيف، وإن كان التـخفـيف قد يحتـمل توجيهه فـي الـمعنى إلـى التشديد والتشديد إلـى التـخفـيف، لتقارب معنـيـيهما. وأما الـمـحْو، فإن للعرب فـيه لغتـين: فأما مضر فإنها تقول: مـحوت الكتاب أمـحوه مـحوا، وبه التنزيـل، ومـحوته أمـحاه مـحوا. وذُكر عن بعض قبـائل ربـيعة: أنها تقول: مـحيت أَمْـحَى. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفّيَنّكَ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وإما نرينك يا مـحمد فـي حياتك بعض الذي نعد هؤلاء الـمشركين بـاللّه من العقاب علـى كفرهم، أو نتوفـيّنك قبل أن نريك ذلك، فإنـما علـيك أن تنتهي إلـى طاعة ربك فـيـما أمرك به من تبلـيغهم رسالته، لا طلب صلاحهم ولا فسادهم، وعلـينا مـحاسبتهم فمـجازاتهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ. ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّه يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أو لـم ير هؤلاء الـمشركون من أهل مكة الذين يسألون مـحمدا الاَيات، أنا نأتـي الأرض فنفتـحها له أرضا بعد أرض حوالـي أرضهم، أفلا يخافون أن نفتـح له أرضهم كما فتـحنا له غيرها. ذكر من قال ذلك: ١٥٦٠١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها منْ أطْرَافها قال: أو لـم يروا أنا نفتـح لـمـحمد الأرض بعد الأرض. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها يعني بذلك: ما فتـح اللّه علـى مـحمد، يقول: فذلك نقصانها. ١٥٦٠٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك ، قال: ما تغلبت علـيه من أرض العدوّ. ١٥٦٠٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: أو لـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها فهو ظهور الـمسلـمين علـى الـمشركين. ١٥٦٠٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها يعني أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين، ينظرون إلـى ذلك فلا يعتبرون، قال اللّه فـي سورة الأنبـياء: نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها أفَهُمُ الغالِبُونَ بل نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه هم الغالبون. وقال آخرون: بل معناه: أو لـم يروا أنا نأتـي الأرض فنـخرّبها، أو لا يخافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونـخرب أرضهم. ذكر من قال ذلك: ١٥٦٠٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى القرية تـخرب حتـى يكون العمران فـي ناحية. ١٥٦٠٦ـ قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جريج، عن الأعرج، أنه سمع مـجاهدا يقول: نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: خرابها. ١٥٦٠٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الأعرج، عن مـجاهد، مثله. قال: وقال ابن جريج: خرابها وهلاك الناس. ١٥٦٠٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي جعفر الفراء، عن عكرمة، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: نـخرّب من أطرافها. وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بركتها وثمرتها وأهلها بـالـموت. ذكر من قال ذلك: ١٥٦٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: ننْقُصُها منْ أطْرَافها يقول: نقصان أهلها وبركتها. ١٥٦١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: نَنْقُصها منْ أطْرَافها قال: فـي الأنفس وفـي الثمرات، وفـي خراب الأرض. ١٥٦١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن طلـحة القناد، عمن سمع الشعبـي، قال: لو كانت الأرض تنقص لضاق علـيك حُشّك، ولكن تنقص الأنفس والثمرات. وقال آخرون: معناه: أنا نأتـي الأرض ننقصها من أهلها، فنتطرّفهم بأخذهم بـالـموت. ذكر من قال ذلك: ١٥٦١٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: نَنْقُصُها منْ أطْرافها قال: موت أهلها. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: ألَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: الـموت. ١٥٦١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا هارون النـحوي، قال: حدثنا الزبـير بن الـحرث عن عكرمة، فـي قوله: نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: هو الـموت. ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لـم نـجد مكانا نـجلس فـيه. ١٥٦١٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: كان عكرمة يقول: هو قبض الناس. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: سئل عكرمة عن نقص الأرض، قال: قبض الناس. ١٥٦١٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن يعلـى بن حكيـم، عن عكرمة، فـي قوله: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: لو كان كما يقولون لـما وجد أحدكم جبّـا يخرأ فـيه. ١٥٦١٦ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح، قال: حدثنا إسماعيـل بن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها قال: الـموت. وقال آخرون: ننقصها من أطرافها بذهاب فقهائها وخيارها. ذكر من قال ذلك: ١٥٦١٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: ذهاب علـمائها وفقهائها وخيار أهلها. قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مـجاهد، قال: موت العلـماء. وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب، قول من قال: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها بظهور الـمسلـمين من أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـيها وقهرهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك فـيخافون ظهورهم علـى أرضهم وقهرهم إياهم؟ وذلك أن اللّه توعد الذين سألوا رسوله الاَيات من مُشركي قومه ب قوله: وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِيَ نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفّـيَنّكَ فإنّـما عَلَـيْكَ البَلاغُ وَعَلَـيْنا الـحسابُ. ثم وبخهم تعالـى ذكره بسوء اعتبـارهم ما يعاينون من فعل اللّه بضربـائهم من الكفـار، وهم مع ذلك يسألون الاَيات، فقال: أو لَـمْ يَرَوْا أنّا نَأْتِـي الأرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أطْرَافِها بقهر أهلها، والغلبة علـيها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بـما يرون من ذلك. وأما قوله: واللّه يَحْكُمُ لا مُعَقّبَ لِـحُكْمِهِ يقول: واللّه هو الذي يحكم فـينفذ حكمه، ويقضي فـيـمضي قضاؤه، وإذا جاء هؤلاء الـمشركين بـاللّه من أهل مكة حكم اللّه وقضاؤه لـم يستطيعوا ردّه. و يعني ب قوله: لا مُعَقّبَ لِـحُكْمِهِ: لا رادّ لـحكمه، والـمعقّب فـي كلام العرب: هو الذي يَكُرّ علـى الشيء، وقوله: وَهُوَ سَرِيعُ الـحِسابِ يقول: واللّه سريع الـحساب يحصي أعمال هؤلاء الـمشركين لا يخفـي علـيه شيء ومن وراء جزائهم علـيها. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ }. يقول تعالـى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء الـمشركين من قريش من الأمـم التـي سلفت بأنبـياء اللّه ورسله فللّه الـمَكْرُ جَمِيعا يقول: فللّه أسبـاب الـمكر جميعا، وبـيده وإلـيه، لا يضرّ مكر من مكر منهم أحدا إلاّ من أراد ضرّه به، يقول: فلـم يضرّ الـماكرون بـمكرهم إلاّ من شاء اللّه أن يضرّه ذلك، وإنـما ضرّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك علـى أنفسهم حتـى أهلكهم، ونـجى رسله: يقول: فكذلك هؤلاء الـمشركون من قريش يـمكرون بك يا مـحمد، واللّه منـجيك من مكرهم، ومُلـحق ضرّ مكرهم بهم دونك. وقوله: يَعْلَـمُ ما تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ يقول: يعلـم ربك يا مـحمد ما يعمل هؤلاء الـمشركون من قومك وما يَسْعون فـيه من الـمكر بك، ويعلـم جميع أعمال الـخـلق كلهم، لا يخفـى علـيه شيء منها. وَسَيَعْلَـمُ الكُفّـارُ لـمَنْ عُقْبَى الدّارِ يقول: وسيعلـمون إذا قدموا علـى ربهم يوم القـيامة لـمن عاقبة الدار الاَخرة حين يدخـلون النار، ويدخـل الـمؤمنون بـاللّه ورسوله الـجنة. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الـمدينة وبعض أهل البصرة: (وَسَيَعْلَـمُ الكافِرُ) علـى التوحيد. وأما قرّاء الكوفة فإنهم قرءوه: وَسَيَعْلَـمُ الكُفّـارُ علـى الـجمع. والصواب من القراءة فـي ذلك القراءة علـى الـجمع: وسَيَعْلَـمُ الكُفّـارُ لأن الـخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعده الـخبر عنهم، وذلك قوله: وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفّـيَنّكَ وبعده قوله: وَيَقولُ الّذِينَ كَفَروا لَسْتَ مُرْسَلاً. وقد ذكر أنها فـي قراءة ابن مسعود: (وَسَيَعْلَـمَ الكافِرُون) ، وفـي قراءة أبـيّ: (وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ كَفَرُوا) وذلك كله دلـيـل علـى صحة ما اخترنا من القراءة فـي ذلك. ٤٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىَ بِاللّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }. يقول تعالـى ذكره وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا بـاللّه من قومك يا مـحمد لَسْتَ مُرْسَلاً تكذيبـا منهم لك، وجحودا لنبوّتك. فَقُلْ لهم إذا قالوا ذلك: كَفَـى بـاللّه يقول: قل حسبـي اللّه شَهِيدًا، يعني شاهدا، بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ علـيّ وعلـيكم بصدقـي وكذبكم، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـم الكِتابِ فمن إذا قرىء به كذلك فـي موضع خفض عطفـا به علـى اسم اللّه ، وكذلك قرأ قرأة الأمصار بـمعنى: والذين عندهم علـم الكتاب الكتب التـي نزلت قبل القرآن كالتوراة والإنـجيـل. وعلـى هذه القراءة فسّر ذلك الـمفسرون. ذكر الرواية بذلك:
١٥٦١٨ـ حدثنـي علـي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا أبو مـحياة يحيى بن يعلـى، عن عبد الـملك بن عمير، عن ابن أخي عبد اللّه بن سلام، قال: قال عبد اللّه بن سلام: نزلت فـيّ: كَفَـى بـاللّه شَهِيدًا بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ. حدثنا الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا شعيب بن صفوان، قال: حدثنا عبد الـملك بن عمير، أن مـحمد بن يوسف بن عبد اللّه بن سلام، قال: قال عبد اللّه بن سلام: أنزل فـيّ: قُلْ كَفَـى بـاللّه شَهِيدًا بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ. ١٥٦١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: قُلْ كَفَـى بـاللّه شَهِيدًا بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ فـالذين عندهم علـم الكتاب: هم أهل الكتاب من الـيهود والنصارى.
١٥٦٢٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ قال: هو عبد اللّه بن سلام. ١٥٦٢١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ قال: رجل من الإنس، ولـم يسمه. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ عبد اللّه بن سلام. ١٥٦٢٢ـ قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ. ١٥٦٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قال: قول مشركي قريش: قُلْ كَفَـى بـاللّه شَهِيدًا بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بـالـحقّ ويقرّون به، ويعلـمون أن مـحمدا رسول اللّه ، كما يحدّث أن منهم عبد اللّه بن سلام. ١٥٦٢٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن قتادة: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ قال: كان منهم عبد اللّه بن سلام، وسلـمان الفـارسيّ، وتـميـم الداريّ. ١٥٦٢٥ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ قال هو عبد اللّه بن سلام. وقد ذُكر عن جماعة من الـمتقدمين أنهم كانوا يقرءونه: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) بـمعنى: من عند اللّه علـم الكتاب. ذكر من ذُكر ذلك عنه: ١٥٦٢٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن هارون، عن جعفر بن أبـي وحشية، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) يقول: من عند اللّه عُلِـم الكتاب. ١٥٦٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه . قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه علـم الكتاب. ١٥٦٢٨ـ وقد حدثنا هذا الـحديث الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: هو اللّه ، هكذا قرأ الـحسن: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) . قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الـحسن، مثله. قال: حدثنا علـيّ، يعني ابن الـجعد، قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الـحسن: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: اللّه ، قال شعبة: فذكرت ذلك للـحكم، فقال: قال مـجاهد، مثله. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت منصور بن زاذان يحدّث عن الـحسن، أنه قال فـي هذه الآية: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه . قال: حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه علـم الكتاب. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحسن: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه علـم الكتاب، هكذا قال ابن عبد الأعلـى. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الـحسن يقرؤها: (قُلْ كَفَـى بـاللّه شَهِيدًا بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكتابُ) يقول: من عند اللّه علـم الكتاب، وجملته. هكذا حدثنا به بشر: علـم الكتاب، وأنا أحسبه وَهَم فـيه، وأنه: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) لأن قوله وجملته اسم لا يعطف بـاسم علـى فعل ماض. ١٥٦٢٩ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارُون: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) يقول: من عند اللّه علـم الكتاب. ١٥٦٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، قال: قلت لسعيد بن جبـير: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) أهو عبد اللّه بن سلام؟ قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبدَ اللّه بن سلام؟ قال: وكان يقرؤها: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) يقول: من عند اللّه . حدثنا الـحسن، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن قول اللّه :(وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) أهو عبد اللّه بن سلام؟ قال: فكيف وهذه السورة مكية. وكان سعيد يقرؤها: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) . ١٥٦٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عبـاد، عن عوف، عن الـحسن وجويبر، عن الضحاك بن مزاحم، قالا: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) قال: من عند اللّه . وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويـل، غير أن فـي إسناده نظرا، وذلك ما: ١٥٦٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عبـاد بن العوّام، عن هارون الأعور، عن الزهريّ، عن سالـم بن عبد اللّه ، عن أبـيه، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ: (وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِـمَ الكِتابُ) عند اللّه علـم الكتاب. وهذا خبر لـيس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهريّ. فإذا كان ذلك كذلك وكانت قرّاء الأمصار من أهل الـحجاز والشام والعراق علـى القراءة الأخرى، وهي: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْـمُ الكِتابِ كان التأويـل الذي علـى الـمعنى الذي علـيه قرّاء الأمصار أولـى بـالصواب مـمن خالفه، إذ كانت القراءة بـما هم علـيه مـجمعون أحقّ بـالصواب. |
﴿ ٠ ﴾