تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة إبراهيم

سُورَة إبْرَاهِيـم مَكِيّة وَآيَاتهَا ثْنتانِ وَخمُسونَ

بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }.

قال أبو جعفر الطبري: قد تقدم منا البـيان عن معنى قوله: الر فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وأما قوله: كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَـيْكَ فإن معناه: هذا كتاب أنزلناه إلـيك يا مـحمد يعني القرآن. لِتُـخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ

يقول: لتهديهم به من ظلـمات الضلالة والكفر إلـى نور الإيـمان وضيائه، وتبصّر به أهل الـجهل والعمّى سبل الرشاد والهُدى.

وقوله: بإذْنِ رَبّهِمْ يعني : بتوفـيق ربهم لهم بذلك ولطفه بهم. إلـى صراطِ العَزِيزِ الـحَمِيدِ يعني : إلـى طريق اللّه الـمستقـيـم، وهو دينه الذي ارتضاه وشرعه لـخـلقه. والـحميد: فعيـل، صُرف من مفعول إلـى فعيـل، ومعناه: الـمـحمود بآلائه، وأضاف تعالـى ذكره إخراج الناس من الظلـمات إلـى النور بإذن ربهم لهم بذلك إلـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم، وهو الهادي خـلقه والـموفّق من أحبّ منهم للإيـمان، إذ كان منه دعاؤهم إلـيه، وتعريفهم ما لهم فـيه وعلـيهم، فبـين بذلك صحة قول أهل الإثبـات الذين أضافوا أفعال العبـاد إلـيهم كسبـا، وإلـى اللّه جل ثناؤه إنشاءً وتدبـيرا، وفساد قول أهل القدر الذين أنكروا أن يكون لله فـي ذلك صنع.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: لِتُـخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ: أي من الضلالة إلـى الهُدى.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَوَيْلٌ لّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والشام: اللّه الّذِي لَهُ ما فِـي السّمَوَاتِ برفع اسم اللّه علـى الابتداء، وتصيـير قوله: الّذِي لَهُ ما فِـي السّمَوَاتِ خبره. وقرأته عامّة قرّاء أهل العراق والكوفة والبصرة: اللّه الّذِي بخفض اسم اللّه علـى إتبـاع ذلك العَزِيزِ الـحَمِيدِ وهما خفض.

وقد اختلف أهل العربـية فـي تأويـله إذا قرىء كذلك، فذكر عن أبـي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بـالـخفض و

يقول: معناه: بإذن ربهم إلـى صراط العزيز الـحميد، الذي له ما فـي السموات، و

يقول: هو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، ويـمثله بقول القائل: مررت بـالظريف عبد اللّه ، والكلام الذي يوضع مكان الاسم: النعت، ثم يجعل الاسم مكان النعت، فـيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم كما قال بعض الشعراء:

لَوْ كُنْتَ ذَا نَبْلٍ وذَا شَرِيبِما خِفْتَ شَدّاتِ الـخَبِـيثِ الذّيبِ

وأما الكسائيّ فإنه كان يقول فـيـما ذكر عنه من خفض أراد أن يجعله كلاما واحدا وأتبع الـخفض الـخفْضَ، وبـالـخفض كان يقرأه.

والصواب من القول فـي ذلك عندي، أنهم قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بـالرفع، أراد معنى من خفض فـي إتبـاع الكلام بعضه بعضا، ولكنه رفع لانفصاله من الاَية التـي قبله، كما قال جلّ ثناؤه: إنّ اللّه اشْتَرَى مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ أَنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ... إلـى آخر الاَية، ثم قال: التّائِبُونَ العابِدُونَ. ومعنى قوله: اللّه الّذِي لَهُ ما فِـي السّمَوَاتِ وَما فِـي الأرْضِ اللّه الذي يـملك جميع ما فـي السموات وما فـي الأرض يقول لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: أنزلنا إلـيك هذا الكتاب لتدعو عبـادي إلـى عبـادة من هذه صفته، ويدعوا عبـادة من لا يـملك لهم ولا لنفسه ضرّا ولا نفعا من الاَلهة والأوثان. ثم توعد جل ثناؤه من كفر به ولـم يستـجب لدعاء رسوله إلـى ما دعاه إلـيه من إخلاص التوحيد له، فقال: وَوَيْـلٌ للكافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

يقول: الوادي الذي يسيـل من صديد أهل جهنـم، لـمن جحد وحدانـيته وعبد معه غيره، من عذاب اللّه الشديد.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَسْتَحِبّونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الاَخِرَةِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }.

 يعني جل ثناؤه ب قوله: الّذِينَ يَسْتَـحِبّونَ الـحَياةَ الدّنْـيا علـى الاَخرَةِ الذين يختارون الـحياة الدنـيا ومتاعهم ومعاصيَ اللّه فـيها علـى طاعة اللّه وما يقربهم إلـى رضاه من الأعمال النافعة فـي الاَخرة. وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه

يقول: ويـمنعون من أراد الإيـمان بـاللّه واتبـاع رسوله علـى ما جاء به من عند اللّه من الإيـمان به واتبـاعه. وَيَبْغُونَها عِوَجا

يقول: ويـلتـمسون سبـيـل اللّه ، وهي دينه الذي ابتعث به رسوله. عوجا: تـحريفـا وتبديلاً بـالكذب والزور. (والعِوَج) بكسر العين وفتـح الواو فـي الدين والأرض وكلّ ما لـم يكن قائما، فأما فـي كل ما كان قائما كالـحائط والرمـح والسنّ فإنه يقال بفتـح العين والواو جميعا (عَوَج) يقول اللّه عزّ ذكره: أُولَئِكَ فِـي ضَلالٍ بَعِيدٍ يعني : هؤلاء الكافرين الذي يستـحبون الـحياة الدنـيا علـى الاَخرة،

يقول: هم فـي ذهاب عن الـحقّ بعيد، وأخذ علـى غير هدى، وجَوْر عن قصد السبـيـل.

وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (علـى) فـي قوله: علـى الاَخِرَةِ فكان بعض نـحويـيّ البصرة

يقول: أوصل الفَعَل ب (علـى) ، كما قـيـل: ضربوه فـي السيف، يريد بـالسيف، وذلك أن هذه الـحروف يوصل بها كلها وتـحذف، نـحو قول العرب: نزلت زيدا، ومررت زيدا، يريدون: مررت به، ونزلت علـيه. وقال بعضهم: إنـما أدخـل ذلك، لأن الفعل يؤدّي عن معناه من الأفعال، ففـي قوله: يَسْتَـحبّونَ الـحَياةَ الدّنـيْا علـى الاَخِرَةِ ولذلك أدخـلت (علـى) . وقد بـيّنت هذا ونظائره فـي غير موضع من الكتاب بـما أغنى عن الإعادة.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ فَيُضِلّ اللّه مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.

يقول تعالـى ذكره: وما أرسلنا إلـى أمة من الأمـم يا مـحمد من قبلك ومن قبل قومك رسولاً إلا بلسان الأمة التـي أرسلناه إلـيها ولغتهم، لـيُبَـيّنَ لهم

يقول: لـيفهمهم ما أرسله اللّه به إلـيهم من أمره ونهيه، لـيثبت حجة اللّه علـيهم، ثم التوفـيق والـخذلان بـيد اللّه ، فـيخذل عن قبول ما أتاه به رسوله من عنده من شاء منهم، ويوفّق لقبوله من شاء ولذلك رفع (فـيُضلّ) ، لأنه أريد به الابتداء لا العطف علـى ما قبله، كما قـيـل: لنُبَـيّنَ لَكُمْ ونُقِرّ فـي الأرْحَامِ ما نَشاءُ وهو العزيز الذي لا يـمتنع مـما أراده من ضلال أو هداية من أراد ذلك به، والـحكيـم فـي توفـيقه للإيـمان من وفقه له وهدايته له من هداه إلـيه، وفـي إضلاله من أضلّ عنه، وفـي غير ذلك من تدبـيره.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسان قَوْمِهِ: أي بلغة قومه ما كانت، قال اللّه عزّ وجلّ: لـيُبَـيّنَ لَهُمْ الذي أرسل إلـيهم لـيتـخذ بذلك الـحجة، قال اللّه عزّ وجلّ: فَـيُضِلّ اللّه مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحججنا من قبلك يا مـحمد، كما أرسلناك إلـى قومك بـمثلها من الأدلة والـحجج. كما:

١٥٦٣٥ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح (ح) وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن الأشيب، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد(ح) وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال: بـالبـينات.

١٥٦٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال: التسع الاَيات: الطوفـان وما معه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، : أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا قال: التسع البـينات.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقوله: أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ كما أنزلنا إلـيك يا مـحمد هذا الكتاب، لتـخرج الناس من الظلـمات إلـى النور بـاذْنِ رَبّهِمْ، و يعني ب قوله: أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ: أي ادعهم من الضلالة إلـى الهُدى، ومن الكفر إلـى الإيـمان. كما:

١٥٦٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسَى بآياتِنا أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُـماتِ إلـى النّورِ

يقول: من الضلالة إلـى الهُدى.

١٥٦٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، مثله.

وقوله: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه يقول عزّ وجلّ: وعظهم بـما سلف من نعمي علـيهم فـي الأيام التـي خـلت. فـاجتزىء بذكر الأيام من ذكر النعم التـي عناها، لأنها أيام كانت معلومة عندهم، أنعم اللّه علـيهم فـيها نعما جلـيـلة، أنقذهم فـيها من آل فرعون بعد ما كانوا فـيـما كانوا من العذاب الـمهين، وغرق عدوّهم فرعون وقومه، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. وكان بعض أهل العربـية

يقول: معناه: خوّفهم بـما نزل بعاد وثمود وأشبـاههم من العذاب، وبـالعفو عن الاَخرين. قال: وهو فـي الـمعنى كقولك: خذهم بـالشدّة واللـين. وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النعم بـالأيام شاهدا فـي كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:

وأيّامٍ لَنا غُرَ طِوَالٍعَصَيْنا الـمَلْكَ فِـيها أنْ نَدِينا

وقال: فقد يكون إنـما جعلها غرّا طوالاً لإنعامهم علـى الناس فـيها. وقال: فهذا شاهد لـمن قال: وَذَكّرْهمْ بأيّامِ اللّه بنعم اللّه . ثم قال: وقد يكون تسميتها غرّا، لعلوّهم علـى الـملك وامتناعهم منه، فأيامهم غرّ لهم وطوال علـى أعدائهم.

قال أبو جعفر: ولـيس للذي قال هذا القول، من أن فـي هذا البـيت دلـيلاً علـى أن الأيام معناها النعم وجهٌ، لأن عمرو بن كلثوم إنـما وصف ما وصف من الأيام بأنها غرّ، لعزّ عشيرته فـيها، وامتناعهم علـى الـملك من الإذعان له بـالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلان قطّ يوم أبـيض، يعنون بذلك: أنه لـم يكن له يوم مذكور بخير. وأما وصفه إياها بـالطول، فإنها لا توصف بـالطول إلا فـي حال شدّة، كما قال النابغة:

كِلِـينـي لِهَمَ يا أُمَيْـمَةَ ناصِبِولَـيْـلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ

فإنـما وصفها عمرو بـالطول لشدّة مكروهها علـى أعداء قومه، ولا وجه لذلك غير ما قلت.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٣٩ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: بأنعم اللّه .

حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد. قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن عبـيد الـمكّتب عن مـجاهد: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: بنعم اللّه .

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن عبـيد الـمكتب، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبثر، عن حصين، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى (ح) وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بأيّامِ اللّه قال: بنعم اللّه .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٦٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: بـالنعم التـي أنعم بها علـيهم: أنـجاهم من آل فرعون، وفلق لهم البحر، وظلّل علـيهم الغمام، وأنزل علـيهم الـمنّ والسلوى.

١٥٦٤١ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا حبـيب بن حسان، عن سعيد بن جبـير: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: بنعم اللّه .

١٥٦٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه

يقول: ذكرهم بنعم اللّه علـيهم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَذَكّرْهُمْ بأيامِ اللّه قال: بنعم اللّه .

١٥٦٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول اللّه :وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: أيامه التـي انتقم فـيها من أهل معاصيه من الأمـم خوْفهم بها، وحذّرهم إياها، وذكّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم.

١٥٦٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـي، قال: حدثنا مـحمد بن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن سعد بن جبـير، عن ابن عبـاس . عن أُبَـيّ، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: (نِعَم اللّه ) .

١٥٦٤٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبـيد اللّه أو غيره، عن مـجاهد: وَذَكّرْهُمْ بأيّامِ اللّه قال: بنعم اللّه . إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ

يقول: إن فـي الأيام التـي سلفت بنعمي علـيهم، يعني علـى قوم موسى لاَيات، يعني : لعبرا ومواعظَ لكل صبّـار شكور:

يقول: لكلّ ذي صبر علـى طاعة اللّه وشكر له علـى ما أنعم علـيه من نعمه.

١٥٦٤٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قول اللّه عز وجل: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ قال: نَعْم العبد، عبد إذا ابتلـى صبر وإذا أُعطى شكر.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: واذكر يا مـحمد إذ قال موسى بن عمران لقومه من بنـي إسرائيـل: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ التـي أنعم بها علـيكم إذْ أنـجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ

يقول: حين أنـجاكم من أهل دين فرعون وطاعته. يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ: أي يذيقونكم شديد العذاب. ويُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ وأدخـلت الواو فـي هذا الـموضع لأنه أريد ب قوله: وَيُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ الـخبر عن أنّ آل فرعون كانوا يعذّبون بنـي إسرائيـل بأنواع من العذاب غير التذبـيح وبـالتذبـيح. وأما فـي موضع آخر من القرآن، فآنه جاء بغير الواو: يَسُومُونُكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ فـي موضع وفـي موضع: يُقَتّلُونَ أبْناءَكُمْ، ولـم تدخـل الواو فـي الـمواضع التـي لـم تدخـل فـيها لأنه أريد ب قوله: يُذَبّحُونَ وب قوله: يُقَتلُونَ تبـيـينه صفـات العذاب الذي كانوا يسومونهم، وكذلك العمل فـي كل جملة أريد تفصيـلها فبغير الواو تفصيـلها، وإذا أريد العطف علـيها بغيرها وغير تفصيـلها فـالواو.

١٥٦٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، فـي قوله: وَإذْ قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ: أيادي اللّه عندكم وأيامه.

وقوله: وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ

يقول: ويبقون نساءكم فـيتركون قتلهنّ وذلك استـحياؤهم كان إياهنّ. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، ومعناه: يتركونهم، والـحياة: هي الترك. ومنه الـخبر الذي رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (اقْتُلُوا شُيُوخَ الـمُشْرِكِينَ وَاسْتَـحْيُوا شَرْخَهُمْ) بـمعنى: استبقوهم فلا تقتلوهم. وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ يقول تعالـى: وفـيـما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب بلاء لكم من ربكم عظيـم: أي ابتلاء واختبـار لكم من ربكم عظيـم. وقد يكون البلاء فـي هذا الـموضع نعماء، وقد يكون معناه: من البلاء الذي قد يصيب الناس فـي الشدائد وغيرها.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }.

 

يقول جلّ ثناؤه: واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم. وتأذّن: تفعّل من أذن، والعرب ربـما وضعت (تفعّل) موضع (أفعل) ، كما قالوا: أوعدته وتوعدته بـمعنى واحد، وآذن: أعلـم، كما قال الـحارث بن حِلّزة:

آذَنَتْنا بِبَـيْنِها أسمْاءُرُبّ ثاوٍ يُـمَلّ مِنْهُ الثّوَاءُ

 يعني ب قوله: آذنتنا: أعلـمتنا.

وذُكر عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنه كان يقرأ وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ (وإذ قال ربكم) .

١٥٦٤٨ـ حدثنـي بذلك الـحارث، قال: ثنـي عبد العزيز، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش عنه حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وبه، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ: وإذ قال ربكم ذلك التأذّن.

وقوله: لَئِنْ شَكَرْتُـمْ لأَزِيدَنّكُمْ

يقول: لئن شكرتـم ربكم بطاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم لأزيدنكم فـي أياديه عندكم ونعمه علـيكم علـى ما قد أعطاكم من النـجاة من آل فرعون والـخلاص من عذابهم. وقـيـل فـي ذلك قول غيره، وهو ما:

١٥٦٤٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا الـحسن بن الـحسن، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: سمعت علـيّ بن صالـح، يقول في قول اللّه عز وجل: لَئِنْ شَكَرْتُـمْ لأَزِيدَنّكم قال: أي من طاعتـي.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قال: سمعت علـيّ بن صالـح، فذكر نـحوه.

١٥٦٥٠ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان: لئنْ شَكَرْتُـمْ لأَزِيدَنّكُمْ قال: من طاعتـي.

١٥٦٥١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مالك بن مغول، عن أبـان بن أبـي عياش، عن الـحسن، فـي قوله: لَئِنْ شَكَرْتُـمْ لأَزيدَنّكُمْ قال: من طاعتـي.

ولا وجه لهذا القول يفهم، لأنه لـم يجر للطاعة فـي هذا الـموضع ذكر، فـيقال: إن شكرتـمونـي علـيها زدتكم منها، وإنـما جرى ذكر الـخبر عن إنعام اللّه علـى قوم موسى ب قوله: وَإذْ قالَ مُوسَى لقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَـيْكُمْ ثم أخبرهم أن اللّه أعلـمهم إن شكروه علـى هذه النعمة زادهم، فـالواجب فـي الـمفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه، لا مـما لـم يجر له ذكر من الطاعة، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتـم فأطعتـمونـي بـالشكر لأزيدنكم من أسبـاب الشكر ما يعينكم علـيه، فـيكون ذلك وجها.

وقوله: وَلَئِنْ كَفَرْتُـمْ إنّ عَذَابِـي لَشَدِيدٌ

يقول: ولئن كفرتـم أيها القوم نعمة اللّه ، فجحدتـموها، بترك شكره علـيها، وخلافه فـي أمره ونهيه وركوبكم معاصيَه إنّ عَذَابِـي لَشَدِيدٌ: أعذّبكم كما أعذّب من كفر بـي من خـلقـي. وكان بعض البصريـين يقول فـي معنى قوله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ وتأذّن ربكم. و

يقول: (إذ) من حروف الزوائد. وقد دللنا علـى فساد ذلك فـيـما مضى قبل.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ مُوسَىَ إِن تَكْفُرُوَاْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّه لَغَنِيّ حَمِيدٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وَقالَ مُوسَى لقومه: إنْ تَكْفُرُوا أيها القوم، فتـجحدوا نعمة اللّه التـي أنعمها علـيكم أنتـم، ويفعل فـي ذلك مثل فعلكم مَنْ فِـي الأرْضِ جَمِيعا فإنّ اللّه لَغَنِـيّ عنكم وعنهم من جميع خـلقه، لا حاجة به إلـى شكركم إياه علـى نعمه عند جميعكم، حَمِيدٌ ذو حمد إلـى خـلقه بـما أنعم به علـيهم. كما:

١٥٦٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن هاشم، قال: أخبرنا سيف، عن أبـي رَوق عن أبـي أيوب، عن علـيّ: فإنّ اللّه لَغَنِـيّ قال: غنـيّ عن خـلقه، حَمِيدٌ قال: مستـحمِد إلـيهم.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل موسى لقومه: يا قوم ألَـمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

يقول: خبر الذين من قبلكم من الأمـم التـي مضت قبلكم، قَوْمِ نُوحِ وعادٍ وَثُمودَ وقوم عاد فبـين بهم عن (الذين) ، وعاد معطوف بها علـى قوم نوح. وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني : من بعد قوم نوح وعاد وثمود. لا يَعْلَـمُهُمْ إلاّ اللّه

يقول: لا يحصي عددهم ولا يعلـم مبلغهم إلا اللّه . كما:

١٥٦٥٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ابن ميـمون: وَعادٍ وَثمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَـمُهُمْ إلاّ اللّه قال: كذب النسابون.

١٥٦٥٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن عبد اللّه بن مسعود بـمثل ذلك.

١٥٦٥٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، قال: حدثنا ابن مسعود، أنه كان يقرؤها: (وعادا وثَمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدَهِمْ لا يَعْلَـمُهُم إلاّ اللّه ) ثم

يقول: كذب النسابون.

حدثنـي ابن الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عيسى بن جعفر، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن عبد اللّه ، مثله.

وقوله: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بـالبَـيّناتِ

يقول: جاءت هؤلاء الأمـم رسلهم الذين أرسلهم اللّه إلـيهم بدعائهم إلـى إخلاص العبـادة له بـالبـينات، يعني بـالـحجج الواضحات والدلالات البـينات الظاهرات علـى حقـيقة ما دعوهم إلـيه من معجزات.

وقوله: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: فعضوا علـى أصابعهم تغيظا علـيهم فـي دعائهم إياهم ما دعوهم إلـيه. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٥٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار ومـحمد بن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فـي أفْوَاهِهِمْ قال: عضوا علـيها تغيظا.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، فـي قوله: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: غيظا هكذا. وعض يده.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: عضوها،

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن رجاء البصري، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه في قول اللّه عز وجل: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: عضوا علـى أصابعهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: عضوا علـى أطراف أصابعهم.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن هبـيرة عن عبد اللّه أنه قال فـي هذه الاَية: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: أن يجعل إصبعه فـي فـيه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن هبـيرة، عن عبد اللّه في قول اللّه عز وجل: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ ووضع شعبة أطراف أنامله الـيسرى علـى فـيه.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا يحيى بن عبّـاد، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن هبـيرة، قال: قال عبد اللّه : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: هكذا، وأدخـل أصابعه فـي فـيه.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا شعبة، قال أبو إسحاق: أنبأنا عن هبـيرة، عن عبد اللّه أنه قال فـي هذه الاَية: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْواهِهِمْ قال أبو علـيّ: وأرانا عفـان، وأدخـل أطراف أصابع كفه مبسوطة فـي فـيه، وذكر أن شعبة أراه كذلك.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: عضوا علـى أناملهم. وقال سفـيان: عضوا غيضا.

١٥٦٥٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فـي أفْوَاهِهِمْ فقرأ: عَضّوا عَلَـيْكُمْ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قال: ومعنى: رَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ فقرأ: عَضّوا عَلَـيْكُمْ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ قال: ومعنى: رَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: أدخـلوا أصابعهم فـي أفواههم، وقال: إذا اغتاظ الإنسان عضّ يده.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم لـما سمعوا كتاب اللّه عجبوا منه، ووضعوا أيديهم علـى أفواههم. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فَرَدّوا أيْدِيَهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: لـما سمعوا كتاب اللّه عجبوا ورجعوا بأيديهم إلـى أفواههم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم كذّبوهم بأفواههم. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد(ح) وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :فَرَدّوا أيْدِيِهُمْ فِـي أفْوَاهِهِمْ قال: ردّوا علـيهم قولهم وكذبوهم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٠

تأويل قولة تعالى {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّه شَكّ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قالت رسل الأمـم التـي أتتها رسلها: أفـي اللّه أنه الـمستـحقّ علـيكم أيها الناس الألوهة والعبـادة دون جميع خـلقه، شكّ؟

وقوله: فـاطِرِ السّمَوَاتِ والأرْضِ

يقول: خالق السموات والأرض. يَدْعُوكُمْ لِـيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ

يقول: يدعوكم إلـى توحيده وطاعته. لِـيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ

يقول: فـيستر علـيكم بعض ذنوبكم بـالعفو عنها، فلا يعاقبكم علـيها. وَيُؤَخّرَكُمْ

يقول: وينسىء فـي آجالكم، فلا يعاقبكم فـي العاجل فـيهلككم، ولكن يؤخركم إلـى الوقت الذي كتب فـي أمّ الكتاب أنه يقبضكم فـيه، وهو الأجل الذي سمى لكم. فقالت الأمـم لهم: إنْ أنْتُـمْ أيها القوم إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا فـي الصورة والهيئة، ولستـم ملائكة، وإنـما تريدون بقولكم هذا الذي تقولون لنا أنْ تَصُدُونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آبـاؤُنا

يقول: إنـما تريدون أن تصرفونا بقولك٤ع٠عبـادة ما ك.٤يذبده من الأو٥ن آبـاؤنا: فَأَتُونا بسُلْطانٍ مُبِـينٍ

يقول: فأتو.ا بح. ذءى ما تقولون تبـين لنا حقـيقته ثصحته، فنعلـم أنكم فـيـما تقولون مـحقّون.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نّحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ وَلَـَكِنّ اللّه يَمُنّ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ... }.

يقول تعالـى ذكره: قال الأمـم التـي أتتهم الرسل لرسلهم إنْ نَـحْنُ إلاّ بَشَرَ مِثْلُكُمْ صدقتـم فـي قولكم إنْ أنْتُـمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا فما نـحن إلا بشر من بنـي آدم إنس مثلكم، وَلكِنّ اللّه يَـمُنّ عَلـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ

يقول: ولكن اللّه يتفضّل علـى من يشاء من خـلقه، فـيهديه ويوفّقه للـحقّ، ويفضله علـى كثـير من خـلقه. وَما كانَ لَنا أنْ نَأْتِـيَكُمْ بِسُلْطانٍ

يقول: وما كان لنا أن نأتـيكم بحجة وبرهان علـى ما ندعوكم إلـيه إلاّ بإذْنِ اللّه

يقول: إلا بأمر اللّه لنا بذلك. وَعلـى اللّه فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُؤْمِنُونَ

يقول: وبـاللّه فلـيثق به من آمن به وأطاعه فإنا به نثق وعلـيه نتوكل.

١٥٦٦٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: السلطان الـمبـين: البرهان والبـينة.

وقوله: ما لَـمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطانا قال: بـينة وبرهانا.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَمَا لَنَآ أَلاّ نَتَوَكّلَ عَلَى اللّه وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّه فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الرسل لأمـمها: وَما لَنا أنْ لا نَتَوَكّلَ علـى اللّه فنثق به وبكفـايته ودفـاعه إياكم عنا، وَقَدْ هَدَانا سُبُلَنا

يقول: وقد بصرنا طريق النـجاة من عذابه، فبـين لنا. وَلَنَصْبِرَنّ علـى ما آذَيْتُـمُونا فـي اللّه وعلـى ما نلقـي منكم من الـمكروه فـيه بسبب دعائنا إلـيكم إلـى ما ندعوكم إلـيه من البراءة من الأوثان والأصنام وإخلاص العبـادة له. وَعَلَـى اللّه فَلْـيَتَوَكّلِ الـمُتَوَكّلُونَ

يقول: وعلـى اللّه فلـيتوكل من كان به واثقا من خـلقه، فأما من كان به كافرا فإن ولـيه الشيطان.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فَأَوْحَىَ إِلَيْهِمْ رَبّهُمْ لَنُهْلِكَنّ الظّالِمِينَ }.

( شا يقول عزّ ذكره: وقال الذين كفروا بـاللّه لرسلهم الذين أرسلوا إلـيهم حين دعوهم إلـى توحيد اللّه وإخلاص العبـادة له وفراق عبـادة الاَلهة والأوثان: لَنُـخْرِجَنّكُمْ مِنْ أرْضِنا يعنون: من بلادنا، فنطردكم عنها.

أوْ لَتَعُودُنّ فـي ملّتِنا يعنون: إلا أن تعودوا فـي ديننا الذي نـحن علـيه من عبـادة الأصنام. وأدخـلت فـي قوله:

لَتَعُودُنّ لام، وهو فـي معنى شرط، كأنه جواب للـيـمين.

وإنـما معنى الكلام: لنـحرجنّكم من أرضنا أو تعودنّ فـي ملتنا، ومعنى (أو) ههنا معنى (إلا) أو معنى (حتـى) كما يقال فـي الكلام: لأضربنك أو تقرّ لـي، فمن العرب من يجعل ما بعد (أو) فـي مثل هذا الـموضع عطفـا علـى ما قبله، إن كان ما قبله جزما جزموه، وإن كان نصبـا نصبوه، وإن كان فـيه لام جعلوا فـيه لاما، إذ كانت (أو) حرف نَسق. ومنهم من ينصب (ما) بعد (أو) بكل حال، لـيعلـم بنصبه أنه عن الأوّل منقطع عما قبله، كما قال امرؤ القـيس:

بَكَى صَاحِبـي لَـمّا رأى الدّرْبَ دُونَهُوأيْقَنَ أنّا لاحِقانِ بقَـيْصَرَا

فَقُلْتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّـمانـحاوِلُ مُلْكا أو نَـمُوتَ فَنُعْذَرَا

فنصب (نـموتَ فنعذرا) وقد رفع (نـحاولُ) ، لأنه أراد معنى: إلا أن نـموت، أو حتـى نـموت، ومنه قول الاَخر:

لا أسْتَطِيعُ نُزُوعا عَنْ مَوَدّتِهاأو يَصْنَعُ الـحُبّ بـي غيرَ الّذِي صَنَعا

وقوله: فَأَوحَى إلَـيْهِمْ رَبّهُمْ لَنُهْلِكَنّ الظّالِـمِينَ الذين ظلـموا أنفسهم، فأوجبوا لها عقاب اللّه بكُفرهم وقد يجوز أن يكون قـيـل لهم: الظالـمون لعبـادتهم، مَنْ لا تـجوز عبـادته من الأوثان والاَلهة، فـيكون بوضعهم العبـادة فـي غير موضعها إذ كان ظلـما سُموا بذلك ظالـمين.

١٤

وقوله: وَلَنُسْكِنَنّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا وعد من اللّه مَن وَعَد من أنبـيائه النصر علـى الكفرة به من قومه،

يقول: لـما تـمادت أمـم الرسل فـي الكفر، وتوعّدوا رسلهم بـالوقوع بهم، أوحى اللّه إلـيهم بإهلاك من كفر بهم من أمـمهم ووعدهم النصر. وكلّ ذلك كان من اللّه وعيدا وتهديدا لـمشركي قوم نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـى كفرهم به وجراءتهم علـى نبـيه، وتثبـيتا لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمرا له بـالصبر علـى ما لقـي من الـمكروه فـيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولـي العز من رسله، ومعرّفَهُ أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر علـيهم، سُنّةَ اللّه فـي الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلُ.

١٥٦٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَنُسْكنَنّكُمْ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ قال: وعدهم النصر فـي الدنـيا، والـجنة فـي الاَخرة.

وقوله: ذلكَ لِـمَنْ خافَ مَقامي وَخافَ وَعِيدِ

يقول جلّ ثناؤه: هكذا فِعْلـى لـمن خاف مقامه بـين يديّ، وخاف وعيدي فـاتقانـي بطاعته وتـجنب سخطي، أنصره علـى من أراد به سوءا وبغاه مكروها من أعدائي، أُهلك عدوّه وأخزيه وأورثه أرضه ودياره.

وقال: لِـمَنْ خافَ مَقامي ومعناه ما قلت من أنه لـمن خاف مقامه بـين يديّ بحيث أقـيـمه هنالك للـحساب، كمَا قال: وَتَـجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ معناه: وتـجعلون رزقـي إياكم أنكم تكذبون، وذلك أن العرب تضيف أفعالها إلـى أنفسها، وإلـى ما أوقعت علـيه، فتقول: قد سررت برؤيتك وبرؤيتـي إياك، فكذلك ذلك.)

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ }.

يقول تعالـى ذكره: واستفتـحت الرسل علـى قومها: أي استنصرت اللّه علـيها. وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنـيدٍ

يقول: هلك كل متكبر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد اللّه وإخلاص العبـادة له. والعنـيد والعاند والعنود بـمعنى واحد، ومن الـجبـار تقول: هو جبـار بـيّن الـجَبَرِية والـجَبَروتـية والـجَبْرُوّة والـجَبَرُوت.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَاسْتَفْتَـحُوا قال: الرسل كلها،

يقول: استنصروا علـى أعدائهم ومعانديهم: أي علـى من عاند عن اتبـاع الـحقّ وتـجنبه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، (ح) وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْتَـحُوا قال: الرسل كلها استنصروا. وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: معاند للـحقّ مـجانبه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال ابن جريج: استفتـحوا علـى قومهم.

١٥٦٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَاسْتَفْتَـحُوا وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: كانت الرسل والـمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويَقْهَرونهم، ويكذّبونهم، ويدعونهم إلـى أن يعودوا فـي ملّتِهم، فأبى اللّه عزّ وجلّ لرسله وللـمؤمنـين أن يعودوا فـي ملّة الكفر، وأمرهم أن يتوكّلوا علـى اللّه ، وأمرهم أن يستفتـحوا علـى الـجبـابرة، ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم، فأنـجز اللّه لهم ما وعدهم، واستفتـحوا كما أمرهم أن يستفتـحوا. وَخابَ كُلّ جَبـارٍ عَنِـيدٍ.

١٥٦٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: هو الناكب عن الـحقّ أي الـحائد عن اتبـاع طريق الـحقّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا مطرف، عن بشر، عن هشيـم، عن مغيرة، عن سماك، عن إبراهيـم: وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: الناكب عن الـحقّ.

١٥٦٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاسْتَفْتَـحُوا

يقول: استنصرت الرسل علـى قومها، قوله: وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ والـجبـار العنـيد: الذي أبى أن

يقول: لا إله إلا اللّه .

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاسْتَفْتَـحُوا قال: استنصرت الرسل علـى قومها. وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ

يقول: بعيد عن الـحقّ مُعرض عنه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله، وزاد فـيه: معرض عنه، أبى أن

يقول: لا إله إلا اللّه .

١٥٦٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: العنـيد عن الـحقّ الذي يعند عن الطريق، قال: والعرب تقول: شرّ الإبل العنـيد الذي يخرج عن الطريق.

١٥٦٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاسْتَفْتَـحُوا وَخابَ كُلّ جَبّـارٍ عَنِـيدٍ قال: الـجبـار: هو الـمتـجبر.

وكان ابن زيد يقول فـي معنى قوله: وَاسْتَفْتَـحُوا خلاف قول هؤلاء، و

يقول: إنـما استفتـحت الأمـم، فأجيبت.

١٥٦٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاسْتَفْتَـحُوا قال: استفتاحهم بـالبلاء، قالوا: اللهمّ إن كان هذا الذي أتـى به مـحمد هو الـحق من عندك فأمطر علـينا حجارة من السماء كما أمطرتها علـى قوم لوط، أو ائتنا بعذاب ألـيـم قال: كان استفتاحهم بـالبلاء كما استفتـح قوم هود. ائْتِنا بِـمَا تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ قال: فـالاستفتاح: العذاب. قال: قـيـل لهم: إن لهذا أجلاً، حين سألوا اللّه أن ينزل علـيهم، فقال: بل نؤخرهم لـيوم تشخص فـيه الأبصار، فقالوا: لا نريد أن نؤخر إلـى يوم القـيامة رَبّنا عَجّلْ لنَا قِطّنَا عذابنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسَابِ.

وقرأ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بـالعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّى لَـجاءَهُمُ العَذَابُ حتـى بلغ: وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{مّن وَرَآئِهِ جَهَنّمُ وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ }.

يقول عزّ ذكره: مِنْ وَرَائِهِ من أمام كلّ جبـار جَهَنّـمُ يردونها. ووراء فـي هذا الـموضع: يعني أمام، كما يقال: إن الـموت من ورائك: أي قدامك، وكما قال الشاعر:

أتُوعِدُنـي وَرَاءَ بَنِـي رِياحٍكَذَبْتَ لَتَقْصُرّنّ يَداكَ دُونِـي

 يعني وراء بنـي رياح: قدّام بنـي رياح وأمامهم.

وكان بعض نـحويـيّ أهل البصرة

يقول: إنـما يعني ب قوله: مِنْ وَرَائِهِ أي من أمامه، لأنه وراء ما هو فـيه، كما يقول لك: وكلّ هذا من ورائك: أي سيأتـي علـيك، وهو من وراء ما أنت فـيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه. وقال: وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلّ سَفِـينَةٍ غَصْبـا من هذا الـمعنى: أي كان وراءَ ما هم فـي أمامَهم. وكان بعض نـحويّـي أهل الكوفة

يقول: أكثر ما يجوز هذا فـي الأوقات، لأن الوقت يـمرّ علـيك فـيصير خـلفك إذا جُزته، وكذلك كان وراءهم ملك، لأنهم يجوزونه فـيصير وراءهم. وكان بعضهم

يقول: هو من حروف الأضداد، يعني وراء يكون قداما وخـلفـا.

وقوله: وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ

يقول: ويُسقـى من ماء، ثم بـين ذلك الـماء جل ثناؤه وما هو، فقال: هو صديد ولذلك ردّ الصديد فـي إعرابه علـى الـماء، لأنه بـيان عنه، والصديد: هو القـيح والدم. وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء (ح) وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: قـيح ودم.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

١٥٦٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ والصديد: ما يسيـل من دمه ولـحمه وجلده.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: ما يسيـل من بـين لـحمه وجلده.

١٥٦٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عمن ذكره، عن الضحاك : وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: يعني بـالصديد: ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القـيْحَ والدم.

١٧

وقوله: يَتَـجَرّعُهُ يتـحسّاه، وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ

يقول: ولا يكاد يزدرده من شدّة كراهته، وهو يسيغه من شدّة العطش. والعرب تـجعل (لا يكاد) فـيـما قد فُعِل، وفـيـما لـم يفعل. فأما ما قد فعل فمنه هذا، لأن اللّه جل ثناؤه جعل لهم ذلك شرابـا وأما ما لـم يُفْعل وقد دخـلت فـيه (كاد) ف قوله: حتـى إذَا أخرْجَ يَدَهُ لَـمْ يَكَدْ يَرَاها فهو لا يراها.

وبنـحو ما قلنا من أن معنى قوله: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وهو يسيغه، جاء الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك:

١٥٦٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا إبراهيـم أبو إسحاق الطالَقانـيّ، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن صفوان بن عمرو، عن عبـيد اللّه بن بسر، عن أبـي أمامة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي قوله: وَيُسْقَـى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَـجَرّعُهُ: (فإذَا شَرِبَهُ قَطّعَ أمْعاءَهُ حتـى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ) يقول اللّه عزّ وجلّ: وَسَقُوا ماءً حَمِيـما فَقَطّعَ أمْعاءَهُمْ، و

يقول: وَإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِـمَاءٍ كالـمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا معمر، عن ابن الـمبـارك، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، عن عبـيد اللّه بن بُسْر، عن أبـي أمامة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـي قوله: وَيُسْقَـى مِنْ ماءِ صَدِيدٍ فذكر مثله، إلا أنه قال سُقُوا ماءَ حَمِيـما.

حدثنـي مـحمد بن خـلف العَسْقلانـي، قال: حدثنا حَيْوة بن شُرَيْحِ الـحِمْصِيّ، قال: حدثنا بقـية، عن صفوان ابن عمرو، قال: ثنـي عبـيد اللّه بن بسر، عن أبـي أمامة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مثله سواء.

وقوله: وَيأْتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ وَما هُوَ بِـمَيّت

فإنه يقول: ويأتـيه الـموت من بـين يديه ومن خـلفه، وعن يـمينه وشماله، ومن كلّ موضع من أعضاء جسده. وَما هُوَ بِـمَيّتِ لأنه لا تـخرج نَفْسه فـيـموت فـيستريح، ولايحيا لتعلق نفسه بـالـحناجر، فلا ترجع إلـى مكانها. كما:

١٥٦٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن ماهد، فـي قوله: يَتَـجَرّعُهُ وَلا يَكادُ يُسيغُهُ وَيَأَتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ وَما هُوَ بِـمَيّتٍ قال: تعلق نفسه عند حنـجرته، فلا تـخرج من فـيه فـيـموت ولا ترجع إلـى مكانها من جوفه فـيجد لذلك راحة فتنفعه الـحياة.

١٥٦٧٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيـم التـيـميّ قوله: وَيأْتِـيهِ الـمَوْتُ مِنْ كُلّ مَكانٍ قال: من تـحت كلّ شعرة فـي جسده.

وقوله: وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلـيظٌ

يقول: ومن وراء ما هو فـيه من العذاب، يعني أمامَه وقدامَه عذاب غلـيظ.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{مّثَلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدّتْ بِهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ...}.

( شا اختلف أهل العربـية فـي رافع مَثَلُ، فقال بعض نـحويّـي البصرة: إنـما هو كأنه قال: ومـما نقصّ علـيك مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا، ثم أقبل يفسر كما قال: مَثَلُ الـجَنّة، وهذا كثـير. وقال بعض نـحوّيـي الكوفـيـين: إنـما الـمَثَل للأعمال، ولكن العرب تُقَدّم الأسماء لأنها أعرف، ثم تأتـي بـالـخبر الذي تـخبر عنه مع صاحبه. معنى الكلام: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرَماد، كما قـيـل: وَيَوْمَ القِـيامَةِ تَرى الّذِين كَذَبُوا علـى اللّه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدّةٌ ومعنى الكلام: ترى ويوم القـيامة وجوه الذين كذبوا علـى اللّه مسودّة. قال: ولو خفض الأعمال جاز، كما قال: يَسْألُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ... الاَية.

وقوله: مَثَلُ الـجَنّةِ التـي وُعِدَ الـمُتّقُونَ تَـجْرِفي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ قال: فتـجري هو فـي موضع الـخبر، كأنه قال: أن تـجريَ، وأن يكون كذا وكذا، فلو أدخـل (أن) جاز، قال: ومنه قول الشاعر:

ذَرِينـي إنّ أمْرَكِ لَنْ يُطاعاوَما ألْفَـيْتِنـي حِلْـمِي مُضَاعَا

قال: فـالـحلـم منصور ب (ألفـيت) علـى التكرير، قال: ولو رفعه كان صوابـا. قال: وهذا مثَل ضربه اللّه لأعمال الكفّـار، فقال: مثل أعمال الذين كفروا يوم القـيامة التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا يزعمون أنهم يريدون اللّه بها، مثل رماد عصفت الريح علـيه فـي يوم ريح عاصف، فنسفته وذهبت به، فكذلك أعمال أهل الكفر به يوم القـيامة، لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند اللّه فـينـجيهم من عذابه، لأنهم لـم يكونوا يعملونها لله خالصا، بل كانوا يشركون فـيها الأوثان والأصنام، يقول اللّه عزّ وجلّ: ذلكَ هُوَ الضّلالُ البَعِيدُ يعني أعمالهم التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا التـي يشركون فـيها مع اللّه شركاء، هي أعمال عُملت علـى غير هدى واستقامة، بل علـى جَوْر عن الهدى بعيد، وأخذ علـى غير استقامة شديد. وقـيـل: فِـي يَوْمٍ عاصِفٍ فوُصف بـالعُصوف، وهو من صفة الريح، لأن الريح تكون فـيه كما يقال: يوم بـارد، ويوم حارّ، لأن البرد والـحرارة يكونان فـيه وكما قال الشاعر:

ثديك سنة وجه غير مقرفةملساء لـيس بها خال ولا ندب

وقوله: ذلكَ هُوَ الضّلالُ البَعيدُ: أي الـخطأ البـين البعيد عن طريق الـحقّ.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحقّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }.

يقول عزّ ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد بعين قلبك، فتعلـم أن اللّه أنشأ السموات والأرض بـالـحقّ منفردا بـانشائها بغير ظهير ولا معين. إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيأْتِ بِخَـلْقٍ جَدِيدٍ

يقول: إن الذي تفرّد بخـلق ذلك وإنشائه من غير معين ولا شريك، إن هو شاء أن يُذْهَبكم فـيفنـيَكم أذهبكم وأفناكم، ويأت بخـلق آخر سواكم مكانكم، فـيجدّد خـلقهم.

٢٠

وَما ذلكَ علـى اللّه بِعَزِيزٍ يقول: وما إذهابكم وإفناؤهم وإنشاء خـلق آخر سواكم مكانكم علـى اللّه بـمـمتنع ولا متعذّر، لأنه القادر علـى ما يشاء.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: ألَـمْ تَرَ أنّ اللّه خَـلَقَ فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: (خَـلَق) علـى (فعَل) . وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة (خالق) علـى (فـاعل) ، وهما قراءتان مستفـيضتان قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرّاء متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبَرَزُواْ للّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضّعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْتَكْبَرُوَاْ ...}.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَبَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعا وظهر هؤلاء الذين كفروا به يوم القـيامة من قبورهم فصاروا بـالبزار من الأرض جميعا، يعني كلهم.

فَقالَ الضّعَفـاءُ للّذِينَ اسْتَكْبَرُوا

يقول: فقال التبـاع منهم للـمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون فـي الدنـيا عن إخلاص العبـادة لله واتبـاع الرسل الذين أرسلوا إلـيهم:

إنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعا فـي الدنـيا، والتّبَع: جمع تابع، كما الغَيَبُ جمع غائب. وإنـما عَنَوا بقوله م:

إنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعَا أنهم كانوا أتبـاعهم فـي الدنـيا يأتـمرون لـما يأمرونهم به من عبـادة الأوثان والكفر بـالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتبـاع رسل اللّه .

فَهَلْ أنْتُـمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذَابِ اللّه مِنْ شَيْءٍ يعنون: فهل أنتـم دافعون عنا الـيوم من عذاب اللّه من شيء. وكان ابن جريج يقول نـحو ذلك.

١٥٦٧٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَقالَ الضّعَفـاءُ قال: الأتبـاع للّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قال: للقادة.

وقوله: لَوْ هَدَانا اللّه لَهَدَيْناكُمْ يقول عزّ ذكره: قالت القادة علـى الكفر بـاللّه لتبـاعها: لَوْ هَدَانا اللّه يعنون: لو بـين لنا شيئا ندفع به عذابه عنا الـيوم،

لَهَدْينَاكُمْ لبـيّنا ذلك لكم حتـى تدفعوا العذاب عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا من العذاب فلـم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا علـيها.

سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ يعنون: ما لهم من مزاغ يزوغون عنه، يقال منه: حاص عن كذا إذا زاغ عنه يحِيص حَيْصا وحُيُوصا وحَيَصانا.

١٥٦٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـحكم، عن عمر بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرَظِيّ

يقول: بلغنـي أو ذُكر لـي أن أهل النار قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد تَرْون، فهلـمّ فلنصبر، فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنـيا علـى طاعة اللّه فنفعهم الصبر إذ صبروا قال: فـيجمعون رأيهم علـى الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ أي مَنْـجي.

١٥٦٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ قال: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالَوا، فإنـما أدرك أهل الـجنة الـجنَة ببكائهم وتضرّعهم إلـى اللّه ، فتعالَوا نبكي ونتضِرّع إلـى اللّه قال: فبكَوا، فلـما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فما أدرك أهل الـجنة الـجنَة إلا بـالصبر، تعالَوا نصبر فصَبروا صبرا لـم يُر مثله، فلـم ينفعهم ذلك فعند ذلك قالوا سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبرْنا ما لَنا مِنْ مَـحِيصٍ.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الشّيْطَانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إِنّ اللّه وَعَدَكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وقال إبلـيس لـما قُضِي الأمر، يعني لـما أدخـل أهل الـجنة الـجنة وأهل النار النار واستقرّ بكلّ فريق منهم قَرارهم: إن اللّه وعدكم أيها الأتبـاع النار، ووعدتكم النّصْرة فأخـلفتكم وعدي، ووفـى اللّه لكم بوعده. وَما كانَ لـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ

يقول: وما كان لـي علـيكم فـيـما وعدتكم من النصرة من حجة تثبت لـي علـيكم بصدق قولـي إلاّ أنْ دَعَوْتُكُمْ وهذا الاستثناء الـمنقطع عن الأوّل كما تقول: ما ضربته إلا أنه أحمق، ومعناه: ولكن دعوتكم فـاسْتَـجَبْتُـمْ لـي

يقول: إلا أن دعوتكم إلـى طاعتـي ومعصية اللّه ، فـاستـجبتـم لدعائي. فَلا تَلُومُونِـي علـى إجابتكم إياي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ علـيها. ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ

يقول: ما أنا بـمغيثكم وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ ولا أنتـم بـمغيثـيّ من عذاب اللّه فمنـجّي منه. إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ

يقول: إنـي جحدت أن أكون شريكا لله فـيـما أشركتـمونـي فـيه من عبـادتكم من قبلُ فـي الدنـيا. إنّ الظّالِـمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ

يقول: إنّ الكافرين بـاللّه لهم عذاب ألـيـم من اللّه مُوجع، يقال: أصرخت الرجل: إذا أغثته إصراخا، وقد صَرَخ الصارخ يَصْرُخ، ويَصْرَخ قلـيـلة وهو الصّريخ والصّراخ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر فـي هذه الاَية: ما أنا بـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمِصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ قال: خطيبـان يقومان يوم القـيامة: إبلـيس، وعيسى ابن مريـم فأما إبلـيس فـيقوم فـي حزبه فـيقول هذا القول وأما عيسى علـيه السلام فـ

يقول: ما قُلْتُ لَهُمْ إلاّ ما أمَرْتَنِـي بِهِ أن اعْبُدُوا اللّه رَبّـي وَرَبّكُمْ وكُنْتُ عَلَـيْهِمْ شَهِيدا ما دُمْتُ فِـيهِمْ، فَلَـمّا تَوَفّـيْتَنِـي كنْتَ أنْتَ الرّقِـيبَ عَلَـيْهِمْ وأنْتَ عَلـى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي، قال: يقوم خطيبـان يوم القـيامة: أحدهما عيسى، والاَخر إبلـيس فأما إبلـيس فـيقوم فـي حزبه فـ

يقول: إنّ اللّه وَعَدكُمْ وَعْدَ الـحَقّ فتلا داود حتـى بلغ: بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ فلا أدري أتـمّ الاَية أم لا؟ وأما عيسى علـيه السلام فـيقال له: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّـخِذُونِـي وأُمّيَ إلَهْينِ مِنْ دُونِ اللّه فتلا حتـى بلغ: إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكيـمُ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن داود بن أبـي هند، عن عامر، قال: يقول خطيبـان يوم القـيامة علـى رءوس الناس، يقول اللّه عزّ وجلّ: يا عيسى ابن مريـم أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّـخِذُونِـي وأُمّيَ إلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّه ... إلـى قوله: هَذّ يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِـينَ صِدْقُهُمْ قال: ويقوم إبلـيس فـ

يقول: وَما كانَ لـيَ عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكُم الـمثنى، فـاسْتَـجَبْتُـمْ لِـي، فَلا تَلُومُونـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ ما أنا بـمغيثكم وما أنتـم بـمغيثـيّ.

حدثنا الـحسين، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: ثنـي خالد، عن داود، عن الشعبـي، فـي قوله: ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ قال: خطيبـان يقومان يوم القـيامة فأما إبلـيس فـيقول هذا وما عيسى فـ

يقول: ما قُلْتُ لَهُمْ إلاّ ما أمَرْتَنِـي بِهِ.

١٥٦٧٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن رشدين بن سعد، قال: أخبرنـي عبد الرحمن بن زياد، عن دُخَين الـحَجْرِي، عن عقبة بن عامر، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ذكر الـحديث قال: (يقول عيسَى: ذلِكُمُ النّبِـيّ الأُمّيّ فَـيَأْتُونَنِـي، فَـيأْذَنُ اللّه لـي أنْ أقُومَ فَـيَثُورُ مِنْ مَـجْلِسِي مِنْ أطْيَبِ رِيحٍ شَمّها أحَدٌ حتـى آتِـىَ رَبّـي، فَـيُشَفعّنِـي، وَيَجْعَلَ لِـي نُورا إلـى نُورٍ مِنْ شَعْرِ رأسِي إلـى ظُفْرِ قَدَمي، ثُمّ يَقولُ الكافِرُونَ: قَدْ وَجَدَ الـمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ فَقُمْ أنْتَ فـاشْفَع لَنا، فإنّكَ أنْتَ أضْلَلْتَنا، فَـيَقُومُ فَـيَثُورُ مِنْ مَـجْلِسِهِ أنْتَنُ رِيحٍ شَمّها أحَدٌ، ثُمّ يَعْظُمُ نَـحِيبُهُمْ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذلكَ: إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فأخْـلَفْتُكمْ... الاَية) .

١٥٦٨٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن الـحسن، فـي قوله: وَما كانَ لـيَ عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ قال: إذا كان يوم القـيامة، قام إبلـيس خطيبـا علـى منبر من نار، فقال: إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فأخْـلَفْتُكُمْ... إلـى قوله: وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ قال: بناصريّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ قال: بطاعتكم إياي فـي الدنـيا.

١٥٦٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك عمن ذكره، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي، قال فـي قوله: وَقالَ الشّيْطانُ لَـمّا قُضِيَ الأمْرُ إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ قال: قام إبلـيس يخطبهم فقال: إنّ اللّه وَعْدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ... إلـى قوله: ما أنا بِـمْصْرِخِكُمْ

يقول: بـمغن عنكم شيئا، وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْركْتُـمُونَ مِنْ قَبْلُ قال: فلـما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: لَـمَقْتُ اللّه أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ... الاَية.

١٥٦٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ ما أنا بـمغيثكم وما أنتـم بـمغيثـيّ.

وقوله: إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ

يقول: عصيت اللّه قبلكم.

١٥٦٨٣ـ حدثنـي مـحمدبن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ قال: هذا قول إبلـيس يوم القـيامة،

يقول: ما أنتـم بنافعيّ وما أنا بنافعكم، إنـي كفرت بِـمَا أشركتـمونِ من قبل قال: شرِكته: عبـادته.

١٥٦٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: بِـمُصْرِخِيّ قال: بـمغيثـيّ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٦٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، قال: ما أنا بـمنـجيكم وما أنتـم بـمنـجيّ.

١٥٦٨٦ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: خطيب السوء إبلـيس الصادق، أفرأيتـم صادقا لـم ينفعه صدقه إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ وَوَعَدْتُكُمْ فأخْـلَفْتُكُمْ وَما كانَ لـيَ عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أقهركم به، إلاّ أنْ دَعَوْتُكُمْ فـاسْتَـجَبْتُـمْ لـي قال: اطعتـمونـي، فَلاَ تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ حين أطعتـمونـي، ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ ما أنا بناصركم ولا مغيثكم، وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ: وما أنتـم بناصريّ ولا مغيثـيّ لـما بـي، إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ إنّ الظّالِـمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.

١٥٦٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن الـحكم، عن عمرو بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظيّ

يقول: وَقالَ الشّيْطانُ لَـمّا قُضِيَ الأمْرُ قال: قام أبلـيس عند ذلك، يعني حين قال أهل جهنـم: سَوَاءٌ عَلَـيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا مالَنا مِنْ مَـحِيصٍ، فخطبـم فقال: إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعْدَ الـحَقّ، وَوَعَدْتُكُمْ فأخْـلَفْتُكُمْ... إلـى قوله: ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ

يقول: بـمغن عنكم شيئا، وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ قال: فلـما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: لَـمَقْتُ اللّه أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُدْخِلَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِمْ تَحِيّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }.

يقول عزّ ذكره: وأدخـل الذين صدقوا اللّه ورسوله فأقرّوا بوحدانـية اللّه وبرسالة رسله وأن ما جاءت به من عند اللّه حقّ، وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ

يقول: وعملوا بطاعة اللّه فـانتهوا إلـى أمر اللّه ونهيه، جَنّاتٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ بساتـين تـجري من تـحتها الأنهار، خالدِينَ فِـيها بـاذْنِ رَبّهِمْ

يقول: أدخـلوها بأمر اللّه لهم بـالدخول. تَـحِيّتُهُمْ فِـيها سَلامٌ وذلك إن شاء اللّه كما:

١٥٦٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله: تَـحَيّتُهُمْ فِـيها سَلامٌ قال: الـملائكة يسلـمون علـيهم فـي الـجنة.

٢٤

وقوله: ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه مَثَلاً كَلِـمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ألـم تر يا مـحمد بعين قلبك فتعلـم كيف مثّل اللّه مثلاً وشبّه شبها كلـمة طيبة، و يعني بـالطيبة: الإيـمان به جلّ ثناؤه: كشجرة طيبة الثمرة، وترك ذكر الثمرة استغناء بـمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة.

وقوله: أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِـي السّماءِ يقول عزّ ذكره: أصل هذه الشجرة ثابت فـي الأرض، وفرعها، وهو أعلاها فـي السماء:

يقول: مرتفع علوا نـحو السماء.

٢٥

وقوله: تُؤْتِـي أُكُلَها كُلّ حِينٍ بـاذْنِ رَبّها

يقول: تطعم ما يؤكل منها من ثمرها، كُلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّها

وَيَضْرِبُ الأمْثالَ للنّاسِ يقول: ويـمثّل اللّه الأمثال للناس ويشبه لهم الأشياء،

لَعَلّهُمْ يَتَذّكّرُونَ يقول: لـيتذكروا حجة اللّه علـيهم، فـيعتبروا بها ويتعظوا، فـينزجروا عما هم علـيه من الكفر به إلـى الإيـمان.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بـالكلـمة الطيبة،

فقال بعضهم: عُنـي بها: إيـمان الـمؤمن. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: كَلـمَةً طَيّبَةً شهادة أن لا إله إلا اللّه ، كَشَجَرَةٍ طَيّبَةٍ وهو الـمؤمن، أصْلُها ثابتٌ

يقول: لا إله إلا اللّه ثابت فـي قلب الـمؤمن، وَفَرْعُها فِـي السّماءِ

يقول: يرفع بها عمل الـمؤمن إلـى السماء.

١٥٦٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: كَلَـمَةً طَيّبَةً قال: هذا مثل الإيـمان، فـالإيـمان: الشجرة الطيبة، وأصله الثابت الذي لا يزول: الإخلاص لله، وفرعه فـي السماء، فرعه: خشية اللّه .

١٥٦٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه مَثَلاً كَلـمَةً طَيّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيّبَةٍ قال: كنـخـلة.

قال ابن جريج: وقال آخرون: الكلـمة الطيبة أصلها ثابت فـي ذات أصل فـي القلب وَفَرْعُها فِـي السّماءِ تعرج فلا تـحجب حتـى تنتهي إلـى اللّه .

وقال آخرون: بل عُنـي بها الـمؤمن نفسه. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعيد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: ألَـمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه مَثَلاً كَلِـمَةً طَيّبَةً كَشَجرَةٍ طَيّبَةٍ

أصْلُها ثابَتٌ وَفَرْعُها فِـي السّماءِ

تُؤْتِـي أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بـاذْنِ رَبّها، يعني بـالشجرة الطيبة: الـمؤمن، و يعني بـالأصل الثابت: فـي الأرض، وبـالفرع فـي السماء: يكون الـمؤمن يعمل فـي الأرض، ويتكلـم فـيبلغ عمله وقوله السماء وهو فـي الأرض.

١٥٦٩٣ـ حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا مـحمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان قوم من أهل مكة أسلـموا، وكانوا يستـخفون بـالإسلام، فأخرجهم الـمشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم وقُتل بعض، فقال الـمسلـمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلـمين وأُكرهوا فـاستغفروا لهم فنزلت: إنّ الّذِينَ تَوَفّـاهُمُ الـمَلائكَةُ ظالِـمي أنْفُسِهمْ... إلـى آخر الاَية قال: وكتب إلـى من بقـي بـمكة من الـمسلـمين هذه الاَية لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلـحقهم الـمشركون، فأعطوهم الفتنة، فنزلت هذه الاَية: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّه فإذَا أُوذِيَ فِـي اللّه جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّه ... إلـى آخر الاَية، فكتب الـمسلـمون إلـيهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كلّ خير، ثم نزلت فـيهم: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ فكتبوا إلـيهم بذلك: إن اللّه قد جعل لكم مخرجا. فخرجوا، فأدركهم الـمشركون فقاتلوهم، ثم نـجا من نـجا وقُتل من قُتل.

١٥٦٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: نزلت هذه الاَية فـي عمّار بن ياسر وعياش بن أبـي ربـيعة والولـيد بن الولـيد: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية فـي شأن ابن أبـي سرح. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٩٥ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة والـحسن البصري، قالا فـي سورة النـحل: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ ولكنْ مَنْ شَرَحَ بـالكُفْرِ صَدْرا فَعَلـيْهُمْ غَضَبٌ منَ اللّه ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ ثم نسخ واستثنى من ذلك، فقال: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ وهو عبد اللّه بن أبـي سرح الذي كان يكتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأزلّه الشيطان، فلـحق بـالكفـار، فأمر به النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أن يُقتل يوم فتـح مكة، فـاستـجار له أبو عمرو، فأجاره النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

اختلف أهل العربـية فـي رافع مَثَلُ، فقال بعض نـحويّـي البصرة: إنـما هو كأنه قال: ومـما نقصّ علـيك مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا، ثم أقبل يفسر كما قال: مَثَلُ الـجَنّة، وهذا كثـير. وقال بعض نـحوّيـي الكوفـيـين: إنـما الـمَثَل للأعمال، ولكن العرب تُقَدّم الأسماء لأنها أعرف، ثم تأتـي بـالـخبر الذي تـخبر عنه مع صاحبه. معنى الكلام: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرَماد، كما قـيـل: وَيَوْمَ القِـيامَةِ تَرى الّذِين كَذَبُوا علـى اللّه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدّةٌ ومعنى الكلام: ترى ويوم القـيامة وجوه الذين كذبوا علـى اللّه مسودّة. قال: ولو خفض الأعمال جاز، كما قال: يَسْألُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الـحَرَامِ قِتالٍ فِـيهِ... الاَية.

وقوله: مَثَلُ الـجَنّةِ التـي وُعِدَ الـمُتّقُونَ تَـجْرِفي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ قال: فتـجري هو فـي موضع الـخبر، كأنه قال: أن تـجريَ، وأن يكون كذا وكذا، فلو أدخـل (أن) جاز، قال: ومنه قول الشاعر:

ذَرِينـي إنّ أمْرَكِ لَنْ يُطاعاوَما ألْفَـيْتِنـي حِلْـمِي مُضَاعَا

قال: فـالـحلـم منصور ب (ألفـيت) علـى التكرير، قال: ولو رفعه كان صوابـا. قال: وهذا مثَل ضربه اللّه لأعمال الكفّـار، فقال: مثل أعمال الذين كفروا يوم القـيامة التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا يزعمون أنهم يريدون اللّه بها، مثل رماد عصفت الريح علـيه فـي يوم ريح عاصف، فنسفته وذهبت به، فكذلك أعمال أهل الكفر به يوم القـيامة، لا يجدون منها شيئا ينفعهم عند اللّه فـينـجيهم من عذابه، لأنهم لـم يكونوا يعملونها لله خالصا، بل كانوا يشركون فـيها الأوثان والأصنام،

يقول اللّه عزّ وجلّ: ذلكَ هُوَ الضّلالُ البَعِيدُ يعني أعمالهم التـي كانوا يعملونها فـي الدنـيا التـي يشركون فـيها مع اللّه شركاء، هي أعمال عُملت علـى غير هدى واستقامة، بل علـى جَوْر عن الهدى بعيد، وأخذ علـى غير استقامة شديد. وقـيـل: فِـي يَوْمٍ عاصِفٍ فوُصف بـالعُصوف، وهو من صفة الريح، لأن الريح تكون فـيه كما يقال: يوم بـارد، ويوم حارّ، لأن البرد والـحرارة يكونان فـيه وكما قال الشاعر:

ثديك سنة وجه غير مقرفةملساء لـيس بها خال ولا ندب

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ومثل الشرك بـالله، وهي الكلـمة الـخبـيثة، كشجرة خبـيثة.

اختلف أهل التأويـل فـيها أيّ شجرة هي؟ فقال أكثرهم: هي الـحنظل. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٩٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت أنس بن مالك، قال فـي هذا الـحرف: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرةٍ خَبِـيثَةٍ قال: الشريان فقلت: ما الشريان؟ قال رجل عنده: الـحنظل. فأقرّ به معاوية.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت أنس بن مالك

يقول: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ قال: الـحنظل.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عمرو بن الهيثم، قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، قال: الشريان: يعني الـحنظل.

حدثنا أحمد بن منصور، قال: حدثنا نعيـم بن حماد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن ابن جريج، عن الأعمش، عن حبـان بن شعبة، عن أنس بن مالك، فـي قوله: كَشَجَرَة خَبِـيثَةٍ قال: الشريان، قلت لأنس: ما الشريان؟ قال: الـحنظل.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا شعيب، قال: خرجت مع أبـي العالـية، نريد أنس بن مالك، فأتـيناه، فقال: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرةٍ خَبِـيثَةٍ تلكم الـحنظل.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، عن شعيب بن الـحَبْحاب، عن أنس، مثله.

حدثنا الـمثنى قال: حدثنا آدم العسقلانـيّ، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو إياس، عن أنس بن مالك، قال: الشجرة الـخبـيثة: الشريان، فقلت: وما الشريان؟ قال: الـحنظل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن شعيب، عن أنس، قال: تلكم الـحنظل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا مهدي بن ميـمون، عن شعيب، قال: قال أنس: وَمَثَلُ كَلَـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِثَةٍ... الاَية، قال: تلكم الـحنظل، ألـم تروا إلـى الرياح كيف تصفّقها يـمينا وشمالاً؟.

١٥٦٩٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ: الـحنظلة.

وقال آخرون: هذه الشجرة لـم تـخـلق علـى الأرض. ذكر من قال ذلك:

١٥٦٩٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد الزعفرانـي، قال: حدثنا أبو كدينة، قال: حدثنا قابوس، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَمَثَلُ كَلـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِثَةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرَارٍ قال: هذا مثل ضربه اللّه ، ولـم تُـخـلق هذه الشجرة علـى وجه الأرض.

وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتصحيح قول من قال: هي الـحنظلة خبرٌ، فإن صحّ فلا قول يجوز أن يقال غيره، وإلا فإنها شجرة بـالصفة التـي وصفها اللّه بها. ذكر الـخبر الذي ذكرناه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

١٥٦٩٩ـ حدثنا سوار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن شعيب بن الـحبحاب، عن أنس بن مالك، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرَارٍ هي الـحنظلة) . قال شعيب: وأخبرت بذلك أبـا العالـية، فقال: كذلك كانوا يقولون.

وقوله: اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ

يقول: استؤصلت، يقال منه: اجتثثت الشيء أجتثه اجتثاثا: إذا استأصلته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٠٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ قال: استؤصلت من فوق الأرض. ما لَهَا مِنْ قَرَارٍ

يقول: ما لهذه الشجرة من قرار ولا أصل فـي الأرض تنبت علـيه وتقوم.

وإنـما ضربت هذه الشجرة التـي وصفها اللّه بهذه الصفة لكفر الكافر وشركه به مثلاً،

يقول: لـيس لكفر الكافر وعمله الذي هو معصية اللّه فـي الأرض ثبـات، ولا له فـي السماء مصعد، لأنه لا يصعد إلـى اللّه منه شيء.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٠١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرَارٍ ضرب اللّه مثل الشجرة الـخبـيثة كمثل الكافر،

يقول: إن الشجرة الـخبـيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار:

يقول: الكافر لا يقبل عمله ولا يصعد إلـى اللّه ، فلـيس له أصل ثابت فـي الأرض ولا فرع فـي السماء،

يقول: لـيس له عمل صالـح فـي الدنـيا ولا فـي الاَخرة.

١٥٧٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرارٍ قال قتادة: إن رجلاً لقـي رجلاً من أهل العلـم، فقال: ما تقول فـي الكلـمة الـخبـيثة؟ فقال: ما أعلـم لها فـي الأرض مستقرّا ولا فـي السماء مصعدا إلا أن تلزم عنق صاحبها، حتـى يوافـي بها يوم القـيامة.

١٥٧٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبـي العالـية: أن رجلاً خالـجت الريح رداءه فلعنها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تَلْعَنْها فإنّها مَأْمُورَةٌ، وَإنّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئا لَـيْسَ لَهُ بأهْلٍ رَجَعَتِ اللّعْنَةُ علـى صَاحِبها) .

١٥٧٠٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ قال: هذا الكافر لـيس له عمل فـي الأرض وذكرٌ فـي السماء. اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرَارٍ قال: لا يصعد عمله إلـى السماء ولا يقوم علـى الأرض. فقـيـل: فأين تكون أعمالهم؟ قال: يحملون أوزارهم علـى ظهورهم.

١٥٧٠٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ قال: مثل الكافر لا يصعد له قول طيب ولا عمل صالـح.

١٥٧٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ وهي الشرك، كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ يعني الكافر. قال: اجْتُثّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ ما لَهَا مِنْ قَرارٍ

يقول: الشرك لـيس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل اللّه مع الشرك عملاً.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: وَمَثَلُ كَلِـمَةٍ خَبِـيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِـيثَةٍ قال: مثل الشجرة الـخبـيثة مثل الكافر، لـيس لقوله ولا لعمله أصل ولا فرع، ولا قوله ولا عمله يستقرّ علـى الأرض ولا يصعد إلـى السماء.

١٥٧٠٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك

يقول: ضرب اللّه مثل الكافر كشجرة خبـيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار،

يقول: لـيس لها أصل ولا فرع، ولـيست لها ثمرة، ولـيس فـيها منفعة، كذلك الكافر لـيس يعمل خيرا ولا يقوله، ولـم يجعل اللّه فـيه بركة ولا منفعة.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ وَيُضِلّ اللّه الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّه مَا يَشَآءُ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا يحقق اللّه أعمالهم وإيـمانهم بـالقَوْلِ الثّابِتِ

يقول: بـالقول الـحقّ، وهو فـيـما قـيـل: شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن مـحمدً رسول اللّه .

وأما قوله: فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه،

فقال بعضهم: عنـي بذلك أن اللّه يثبتهم فـي قبورهم قبل قـيام الساعة. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٠٨ـ حدثنـي أبو السائب سلـم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبـيدة، عن البراء بن عازب، فـي قوله: يُثَبّتُ اللّه الذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا قال: التثبـيت فـي الـحياة الدنـيا إذا أتاه الـملكان فـي القبر، فقالا له: من ربك؟ فقال: ربـي اللّه ، فقالا له: ما دينك؟ قال: دينـي الإسلام، فقالا له: من نبـيك؟ قال نبـيـي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. فذلك التثبـيت فـي الـحياة الدنـيا.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن الأعمش، عن سعد بن عبـيدة، عن البراء بن عازب، بنـحو منه فـي الـمعنى.

١٥٧٠٩ـ حدثنـي عبد اللّه بن إسحاق الناقد الواسطي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبـيدة، عن البراء، قال: ذكر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الـمؤمن والكافر، فقال: (إنّ الـمُؤْمِنَ إذا سُئِلَ فِـي قَبْرِهِ قال: رَبّـيَ اللّه ، فذلك قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وَفِـي الاَخِرَةِ) .

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا هشام بن عبد الـملك، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبـيدة، عن البراء بن عازب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ الـمُسْلِـمَ إِذَا سُئِلَ فِـي القَبْرِ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاّ اللّه ، وأنّ مُـحَمّدا رَسُولُ اللّه ) قال: (فذلك قَوْلُهُ يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وفِـي الاَخرَةِ) .

١٥٧١٠ـ حدثنـي الـحسن بن سلـمة بن أبـي كبشة، ومـحمد بن معمر البحرانـي، واللفظ لـحديث ابن أبـي كبشة، قالا: حدثنا أبو عامر عبد الـملك بن عمرو، قال: حدثنا عبـاد بن راشد، عن داود بن أبـي هند، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد، قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي جنازة، فقال: (يا أيّها النّاسُ إنّ هَذِهِ الأُمّةَ تُبْتَلَـى فِـي قُبُورِها، فإذَا الإنْسانُ دُفنَ وتَفَرّقَ عَنْهُ أصحَابُهُ، جاءَهُ مَلَكٌ بـيَدِهِ مِطْرَاقٌ فأَقْعَدَهُ، فَقالَ: ما تَقولُ فِـي هذَا الرّجُلِ؟ فإنْ كانَ مُؤمِنا قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأنّ مُـحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَـيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ فـيُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى النّارِ، فَـيُقالُ: هذَا مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبّكَ فَأمّا إذْ آمَنْتَ بِهِ، فإنّ اللّه أبْدَلَكَ بِهِ هَذَا. ثُمّ يُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى الـجَنّةِ، فَـيُرِيدُ أنْ يَنْهَضَ لَهُ، فَـيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ ثُمّ يُفْسَحُ لَهُ فِـي قَبْرِهِ. وأمّا الكافِرُ أوِ الـمُنافِقُ، فَـيُقالُ لَهُ ما تَقُولُ فِـي هذَا الرّجُلِ؟ فَـ

يَقُولُ: ما أدْرِي، فَـيُقالُ لَهُ: لادَرَيْتَ وَلا تَلَـيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ ثُمّ يُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى الـجَنّةِ، فَـيُقالُ لَهُ: هذَا كانَ مَنْزِلَكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبّكَ فأمّا إذْ كَفَرْتَ فإنّ اللّه أبْدَلَكَ هَذَا. ثُمّ يُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى النّارِ، ثُمّ يَقْمَعُهُ الـمَلَكُ بـالـمِطْرَاقِ قَمْعَةً يَسْمَعُهُ خَـلْقُ اللّه كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَـيْنِ) . قال بعض أصحابه: يا رسول اللّه ما منا أحد يقوم علـى رسه ملك بـيده مطراق إلا هيـل عند ذلك؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يُثَبّتُ اللّه الّذِيَنَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وَفِـي الاَخِرَةِ وَيُضِلّ اللّه الظّالِـمِينَ وَيَفْعَلُ اللّه ما يَشاءُ) .

١٥٧١١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال، وذكر قبض روح الـمؤمن: (فَتُعادُ رُوحُهُ فِـي جَسَدِهِ وَيَأْتِـيهِ مَلَكانِ فَـيُجْلِسانِهِ فِـي قَبْرِهِ، فَـيَقُولانِ مَنْ رَبّكَ؟ فَـ

يَقُولُ: رَبّـيَ اللّه ، فَـيَقُولانِ: ما دِينُكَ؟ فَـيَقُولُ دِينِـيَ الإسْلامُ، فَـيَقُولانِ لَهُ: ما هذَا الرّجُلُ الّذِي بُعِثَ فـيكُمْ؟ فَـ

يَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللّه ، فَـيَقُولانِ: ما يُدْرِيكَ؟ فَـ

يَقُولُ: قَرأتُ كتابَ اللّه فَآمَنْتُ بِهِ، وَصَدّقْتُ. فَـيُنادِي مُنادٍ مِنَ السّماءِ: أنْ صَدَقَ عَبْدِي) قال: (فذلكَ قَوْلُ اللّه عَزّ وَجَلّ يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وفِـي الاَخِرَةِ) .

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن الـمنهال، عن زاذان، عن البراء، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن زاذان، عن البراء، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا الـمنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن يونس بن خَبّـاب، عن الـمنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا مهدي بن ميـمون جميعا، عن يونس بن خبـاب، عن الـمنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذكر قبض روح الـمؤمن، قال: (فَـيَأْتِـيهِ آتٍ فِـي قَبْرِهِ فَـ

يَقُولُ: مَنْ رَبّكَ وَما دِينُكَ وَمَنْ نَبِـيّكَ؟ فَـ

يَقُولُ: رَبّـيَ اللّه وَدِينِـي الإسْلامُ وَنَبِـيّـي مُـحَمّدٌ صَلـى اللّه علـيهِ وسلّـمَ. فَـيَنْتهِرُهُ، فَـ

يَقُولُ: مَنْ رَبّكَ، وَما دِينُكَ؟ فَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ علـى الـمُؤْمِنِ، فذلكَ حِينَ يَقول اللّه عزّ وجلّ: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وفِـي الاَخِرَةِ، فَـ

يَقُولُ: رَبّـيَ اللّه ، وَدِينِـي الإسْلامُ، وَنَبِـيّـي مُـحَمّدٌ صَلـى اللّه علـيهِ وسلّـمَ. فَـيُقالُ لَهُ: صَدَقْتَ) . واللفظ لـحديث ابن عبد الأعلـى.

١٥٧١٢ـ حدثنا مـحمد بن خـلف العسقلانـي، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يُثَبّتُ الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيْا وفِـي الاَخِرَةِ قالَ: (ذَاكَ إذَا قِـيـلَ فِـي القَبْرِ: مَنْ رَبّكَ؟ وَما دِينُكَ؟ فَـ

يَقُولُ: رَبّـيَ اللّه ، وَدِينِـي الإسْلامُ، وَنَبِـيّـي مُـحَمّدٌ صَلـى اللّه عَلَـيهِ وسلّـمَ، جاءَ بـالبَـيّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللّه ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدّقْتُ فَـيُقالُ لَهُ: صَدَقْتَ علـى هَذَا عِشْتَ وَعَلَـيْهِ مِتّ، وَعَلَـيْهِ تُبْعَثُ) .

١٥٧١٣ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، والـحسن بن مـحمد، قالا: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: (إنّ الـمَيّتَ لَـيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ حِينَ يُوَلّونَ عَنهُ مُدْبِرِين فإذَا كانَ مُؤْمِنا، كانَتِ الصّلاةُ عنْدَ رأسهِ والزّكاةُ عَنْ يَـمِينـيهِ، وكانَ الصّيامُ عَنْ يَسارِهِ، وكانَ فعْلُ الـخَيْرَاتِ منَ الصّدَقَةِ والصّلَةِ والـمَعْرُوفِ والإحْسانِ إلـى النّاسِ عِنْدَ رِجْلَـيْهِ، فَـيُؤْتَـى مِنْ عِنْدِ رأسِهِ، فَتَقُولُ الصّلاةُ: ما قِبَلِـي مَدْخَـلٌ فَـيُؤْتَـى عَنْ يَـمِينِهِ، فَتَقُولُ الزّكاةُ: ما قِبَلِـي مَدْخَـلٌ فَـيُؤْتَـى عَنْ يَسارِهِ، فَـيَقُولُ الصّيامُ: ما قِبَلِـي مَدْخَـلٌ فَـيُؤْتَـى مِنْ عِنْدِ رِجْلَـيْهِ، فَـيَقُولُ فِعْلُ الـخَيْرَاتِ مِنَ الصّدَقَةِ والصّلَةِ والـمَعْرُوفِ والإحْسانِ إلـى النّاسِ: ما قِبَلِـي مَدْخَـلٌ فَـيُقالُ لَهُ: اجْلِسْ فَـيَجْلِسُ، قَدْ مُثّلِتْ لَهُ الشّمْسُ قَدْ دَنَتْ للغروبِ، فَـيُقالُ لَهُ: أخْبِرْنا عَما نَسْألُكَ فَـ

يَقُولُ: دَعُونِـي حتـى أُصلـيَ فَـ

يَقُولُ: إنّكَ سَتَفْعَلُ فَأخْبِرْنا عمّا نَسْألُكَ عَنْهُ. فَـ

يَقُولُ: وَعَمّ تَسألُونَ؟ فَـيُقالُ: أرأيْتَ هذَا الرّجُلَ الّذِي كانَ فِـيكُمْ؟ ماذَا تَقُولُ فِـيهِ وَماذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَـيْهِ؟ فَـ

يَقُولُ: أمـحَمّدٌ؟ فَـيُقالُ لَهُ: نَعَمْ. فَـ

يَقُولُ: أشْهَدُ أنّهُ رَسُولُ اللّه ، وأنّهُ جاءَ بـالبَـيّناتِ مِنْ عِنْدِ اللّه ، فَصَدّقْناهُ فَـيُقالُ لَهُ: علـى ذلكَ حَيِـيتَ وَعلـى ذلك مِتّ وَعلـى ذلكَ تُبْعَثُ إنْ شاءَ اللّه . ثُمّ يُفْسَحُ لَهُ فِـي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعا، وَيُنّوّرُ لَهُ فِـيهِ، ثُمّ يُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى الـجَنّةِ، فَـيُقالُ لَهُ: انْظُرْ إلَـى ما أعَدّ اللّه لَكَ فِـيها فَـيزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا. ثُمّ يُفْتَـحُ لَهُ بـابٌ إلـى النّارِ، فَـيُقالُ لَهُ: انْظُرْ ما صَرَفَ اللّه عَنْكَ لَوْ عَصَيْتَهُ فَـيزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورا. ثُمّ يَجْعَلُ نَسَمُهُ فِـي النّسَمِ الطّيّبِ، وَهِيَ طَيْرٌ خُضْرٌ تُعَلّقُ بِشَجَرِ الـجَنّةِ ويُعادُ جَسَدُهُ إلـى ما بُدِىءَ مِنْهُ مِنَ التّرَابِ، وَذلك قَوْلُ اللّه تَعالـى: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثابِتِ ف٢ الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ) .

١٥٧١٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا الـمسعودي، عن عبد اللّه بن مخارق، عن أبـيه عن عبد اللّه ، قال: إن الـمؤمن إذا مات أجلس فـي قبره، فـيقال له: من ربك، وما دينك، ومن نبـيك؟ فـيثبته اللّه ، فـ

يقول: ربـي اللّه ، ودينـي الإسلام، ونبـي مـحمد. قال: فقرأ عبد اللّه : يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ.

١٥٧١٥ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، عن سفـيان، عن أبـيه وحدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن خيثمة، عن البراء، فـي قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا قال: عذاب القبر.

١٥٧١٦ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبـيدة، عن البراء، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـي قول اللّه تعالـى: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثابتِ فِـي الـحَياةِ الدّنـيا وفِـي الاَخِرَةِ قال شعبة: شيئا لـم أحفظه، قال: (فـي القَبْرِ) .

١٥٧١٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ... إلـى قوله: وَيُضِلّ اللّه الظّالِـمِينَ قال: إن الـمؤمن إذا حضره الـموت شهدته الـملائكة فسلـموا علـيه وبشّروه بـالـجنة، فإذا مات مشوا فـي جنازته، ثم صَلّوا علـيه مع الناس، فإذا دفن فـي قبره، فـيقال له: من ربك؟ فـ

يقول: ربـي اللّه ، ويقال له: من رسولك؟ فـيقول مـحمد، فـيقال له: ما شهادتك؟ فـ

يقول: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن مـحمدا رسول اللّه . فـيوسع له فـي قبره مدّ بصره.

١٥٧١٨ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، سمعت ابن طاوس يخبر عن أبـيه، قال: لا أعلـمه إلاّ قال: هي فـي فتنة القبر فـي قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ.

١٥٧١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير عن العلاء بن الـمسيب، عن أبـيه، أنه كان يقول فـي هذه الاَية: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ: هي فـي صاحب القبر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن العوّام، عن الـمسيب بن رافع: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ قال: نزلت فـي صاحب القبر.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن العلاء بن الـمسيب، عن أبـيه الـمسيب بن رافع نـحوه.

١٥٧٢٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع، فـي قول اللّه تعالـى: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ قال: بلغنا أن هذه الأمة تُسْأل فـي قبورها، فـيثبّت اللّه الـمؤمن فـي قبره حين يُسْأل.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو ربـيعة فهد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذكر قبض روح الـمؤمن، قال: (فَترْجِعُ رُوحُهُ فِـي جَسَدِهِ، وَيَبْعَثُ اللّه إلَـيْهِ مَلَكَيْنِ شَدِيدَيِ الاِنْتِهارِ، فَـيُجْلِسانِهِ وَيَنْتَهِرَانِهِ، يَقُولانِ: مَنْ رَبّكَ؟ قال: فَـ

يَقُولُ: اللّه ، وَما دِينُكَ؟ قال: الإسْلامُ، قال: فَـيَقُولانِ لَهُ: ما هذَا الرّجُلُ أوِ النّبِـيّ الّذِي بُعِثَ فِـيكُمْ؟ فَـيَقُولُ مُـحَمّدٌ رَسُولُ اللّه ، قالَ: فَـيَقُولانِ لَهُ: وَما يُدْرِيكَ؟ قال: فَـ

يَقُولُ: قَرأتُ كتابَ اللّه فآمَنْتُ بِهِ وَصَدّقْتُ، فَذلكَ قَوْلُ اللّه يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ) .

١٥٧٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ قال: نزلت فـي الـميت الذي يُسئل فـي قبره عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم.

١٥٧٢٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فـي قول اللّه :يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وفِـي الاَخِرَةِ قال: بلغنا أن هذه الأمة تُسئل فـي قبورها، فـيثبت اللّه الـمؤمن حيث يُسئل.

١٥٧٢٣ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن إبراهيـم بن مهاجر، عن مـجاهد: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا قال: هذا فـي القبر مخاطبته وفِـي الاَخِرَةِ مثل ذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: يثبت اللّه الذين آمنوا بـالإيـمان فـي الـحياة الدنـيا، وهو القول الثابت، وفـي الاَخرة: الـمسألة فـي القبر. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٢٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا قال: لا إله إلاّ اللّه . وفِـي الاَخِرةِ الـمسألة فـي القبر.

١٥٧٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يُثَبّتُ اللّه الّذِينَ آمَنُوا بـالقَوْلِ الثّابِتِ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا أما الـحياة الدنـيا، فـيثبتهم بـالـخير والعمل الصالـح.

وقوله: فِـي الاَخِرَةِ أي فـي القبر.

والصواب من القول فـي ذلك ما ثبت به الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي ذلك، وهو أن معناه: يثبت اللّه الذين آمنوا بـالقول الثابت فـي الـحياة الدنـيا، وذلك تثبـيته إياهم فـي الـحياة الدنـيا بـالإيـمان بـاللّه وبرسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وفـي الاَخرة بـمثل الذِي ثبتهم به فـي الـحياة الدنـيا، وذلك فـي قبورهم حين يُسألون عن الذي هم علـيه من التوحيد والإيـمان برسوله صلى اللّه عليه وسلم.

وأما قوله: وَيُضِلّ اللّه الظّالِـمِينَ فإنه يعني أن اللّه لا يوفق الـمنافق والكافر فـي الـحياة الدنـيا وفـي الاَخرة عند الـمسألة فـي القبر لـما هدي له من الإيـمان الـمؤمن بـاللّه ورسوله صلى اللّه عليه وسلم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٢٦ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: أما الكافر فتنزل الـملائكة إذا حضره الـموت، فـيبسطون أيديهم والبسط: هو الضرب يضربون وجوههم وأدبـارهم عند الـموت. فإذا أدخـل قبره أقعد، ف

قـيـل له: من ربك؟ فلـم يرجع إلـيهم شيئا، وأنساه اللّه ذكر ذلك، وإذا

قـيـل له: من الرسول الذي بعث إلـيك؟ لـم يهتد له ولـم يرجع إلـيه شيئا.

يقول: وَيُضِلّ اللّه الظّالِـمِينَ.

١٥٧٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا فهد بن عوف أبو ربـيعة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذكر الكافر حين تُقبض روحه، قال: (فَتُعادُ رُوحُهُ فِـي جَسَدِهِ) ، قالَ: (فَـيَأْتِـيهِ مَلَكانِ شَدِيدَا الاِنْتِهارِ، فَـيُجْلِسانِهِ فَـيَنْتَهِرَانِهِ، فَـيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبّكَ؟ فَـ

يَقُولُ: لا أدْرِي، قالَ: فـيَقُولانِ لَهُ: ما دينك؟ فـ

يقول: لا أدري، قال: فـيقال له: ما هذَا النّبِـيّ الّذِي بُعِثَ فِـيكُمْ؟ قال: فَـ

يَقُولُ: سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ ذلكَ، لا أدْرِي، قال: فَـيَقُولانِ: لا دَرَيْتَ قالَ: وذلكَ قولُ اللّه وَيُضِلّ اللّه الظّالِـمِينَ، وَيَفْعَلُ اللّه ما يَشاءُ) .

وقوله: وَيَفْعَلُ اللّه ما يَشاءُ يعني تعالـى ذكره بذلك: وبـيد اللّه الهداية والإضلال، فلا تنكروا أيها الناس قُدرته ولا اهتداء من كان منكم ضالاّ ولا ضَلاَل من كان منكم مهتديا، فإن بـيده تصريف خـلقه وتقلـيب قلوبهم، يفعل فـيها ما يشاء.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُواْ نِعْمَةَ اللّه كُفْراً وَأَحَلّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ }

.

يقول تعالـى ذكره: ألـم تنظر يا مـحمد إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا

يقول: غيروا ما أنعم اللّه به علـيهم من نعمه، فجعلوها كُفرا به. وكان تبديـلهم نعمة اللّه كفرا فـي نبـيّ اللّه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، أنعم اللّه به علـى قريش، فأخرجه منهم وابتعثه فـيهم رسولاً، رحمة لهم ونعمة منه علـيهم، فكفروا به، وكذّبوه، فبدّلوا نعمة اللّه به كفرا.

وقوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ

يقول: وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار، وهي دار الهلاك، يقال منه: بـار الشيء يَبُورُ بَوْرا: إذا هلك وبطل ومنه قول ابن الزّبعري، وقد قـيـل إنه لأبـي سفـيان بن الـحرث بن عبد الـمطلب:

يا رَسُولَ الـمَلِـيكِ إنّ لِسانِـيرَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ

ثم ترجم عن دار البوار وما هي، فقـيـل: جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَهاوَبئْسَ القَرَارِ

يقول: وبئس الـمستقرّ هي جهنـم لـمن صلاها. وقـيـل: إن الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا: بنو أمية، وبنو مخزوم. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٢٨ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق، قالا: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن سعد، عن عمر بن الـخطاب، فـي قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وَأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّـمَ قال: هما الأفجران من قريش: بنو الـمغيرة، وبنو أمية فأما بنو الـمغيرة فكُفـيتُـمُوهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتّعوا إلـى حين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: أخبرنا حمزة الزيات، عن عمرو بن مرّة، قال: قال ابن عبـاس لعمر رضي اللّه عنهما: يا أمير الـمؤمنـين، هذه الاَية: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ؟ قال: هم الأفجران من قريش أخوالـي وأعمامك، فأما أخوالـي فـاستأصلهم اللّه يوم بدر، وأما أعمامك فأملـى اللّه لهم إلـى حين.

١٥٧٢٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ، عن علـيّ: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: الأفجران من قريش.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ، عن علـيّ، مثله.

١٥٧٣٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان وشريك، عن أبـي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ، عن علـيّ، قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: بنو الـمغيرة وبنو أمية فأما بنو الـمغيرة فقطع اللّه دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلـى حين.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت عمرا ذا مرّ، قال: سمعت علـيّا يقول فـي هذه الاَية: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: الأفجران من بنـي أسد وبنـي مخزوم.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن أبـي الطفـيـل، عن علـيّ، قال: هم كفـار قريش. يعني فـي قوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّـمَ.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن أبـي الطفـيـل أنه سمع علـيّ بن أبـي طالب، وسأله ابن الكوّاء عن هذه الاَية: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم كفـار قريش يوم بدر.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن القاسم بن أبـي بزّة، قال: سمعت أبـا الطفـيـل، قال: سمعت علـيّا، فذكر نـحوه.

حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيـل بن سميع، عن مسلـم البطين، عن أبـي أرطأة، عن علـيّ فـي قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: هم كفّـار قريش. هكذا قال أبو السائب مسلـم البطين عن أبـي أرطأة.

حدثنا الـحسن بن مـحمد الزعفرانـي، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا إسماعيـل بن سميع، عن مسلـم بن أرطأة، عن علـيّ، فـي قوله تعالـى: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: كفـار قريش.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبـي بزة، عن أبـي الطفـيـل، عن علـيّ، قال فـي قول اللّه :ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم كفـار قريش.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبـي بَزة، قال: سمعت أبـا الطفـيـل يحدّث، قال: سمعت علـيّا يقول فـي هذه الاَية: أَلَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: كفـار قريش يوم بدر.

١٥٧٣١ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا بسام الصّيرفـيّ، قال: حدثنا أبو الطفـيـل عامر بن واثلة، ذكر أن علـيّا قام علـى الـمنبر فقال: سلونـي قبل أن لا تسألونـي، ولن تسألوا بعدي مثلـي فقام ابن الكوّاء فقال: من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ؟ قال: منافقو قريش.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا بسام، عن رجل قد سماه الطنافسيّ، قال: جاء رجل إلـى علـيّ، فقال: يا أمير الـمؤمنـين: من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًاوأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ؟ قال: فـي قريش.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا بسام الصيرفـيّ، عن أبـي الطفـيـل، عن علـيّ أنه سئل عن هذه الاَية: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: منافقو قريش.

١٥٧٣٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا عمرو بن دينار، أن ابن عبـاس قال فـي قوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم الـمشركون من أهل بدر.

١٥٧٣٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الـجبـار، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو، قال: سمعت عطاء

يقول: سمعت ابن عبـاس

يقول: هم واللّه أهل مكة الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا صالـح بن عمر، عن مطرف بن طريف، عن أبـي إسحاق قال: سمعت عمرا ذا مرّ

يقول: سمعت علـيّا يقول علـى الـمنبر، وتلا هذه الاَية: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ. قال: هما الأفجران من قريش فأما أحدهما فقطع اللّه دابرهم يوم بدر وأما الاَخر فمُتّعوا إلـى حين.

١٥٧٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: كفـار قريش.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مـجاهد، قال: كفـار قريش.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا كفـار قريش.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، قال: سمعت ابن عبـاس

يقول: هم واللّه الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُم دَارَ البَوَارِ قريش. أو قال: أهل مكة.

١٥٧٣٥ـ حدثنا ابن وكيع وابن بشار، قالا: حدثنا غُنْدر، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: قتلـى يوم بدر.

١٥٧٣٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم كفـار قريش.

١٥٧٣٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار ومـحمد بن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن حُصَين، عن أبـي مالك وسعيد بن جبـير، قالا: هم قتلـى بدر من الـمشركين.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبـاس فـي: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم واللّه أهل مكة. قال: أبو كريب: قال سفـيان: يعني كفـارهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم الـمشركون من أهل بدر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي إسحاق، عن بعض أصحاب علـيّ، عن علـيّ، فـي قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: هم الأفجران من قريش من بنـي مخزوم وبنـي أمية أما بنو مخزوم فإن اللّه قطع دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلـى حين.

١٥٧٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معلـى بن أسد، قال: أخبرنا خالد، عن حصين، عن أبـي مالك، فـي قول اللّه :ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا قال: هم القادة من الـمشركين يوم بدر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك وسعيد بن جبـير، قالا: هم كفـار قريش من قُتل ببدر.

١٥٧٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هم كفـار قريش، من قُتل ببدر.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك ، يقول فـي قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا... الاَية، قال: هم مشركو أهل مكة.

١٥٧٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة بن الفضل، قال: أخبرنـي مـحمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هذه الاَية فـي الذين قُتلوا من قريش: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ... الاَية.

٢٩

١٥٧٤١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ كنا نـحدّث أنهم أهل مكة: أبو جهل وأصحابه الذين قتلهم اللّه يوم بدر، قال اللّه :

جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَها وَبئْس القَرَارُ.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هم قادة الـمشركين يوم بدر، أحلوا قومهم دار البوار جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَها.

١٥٧٤٢ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: هؤلاء الـمشركون من أهل بدر.

وقال آخرون فـي ذلك، بـما:

١٥٧٤٣ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن ابن عبـاس ، قوله: ألَـمْ تَرَ إلـى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّه كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَها فهو جبلة بن الأيهم، والذين اتبعوه من العرب فلـحقوا بـالروم.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: أحلوا من أطاعهم من قومهم.

١٥٧٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عبـاس : دَارَ البَوَارِ قال: الهلاك. قال ابن جريج، قال مـجاهد: وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال: أصحاب بدر.

١٥٧٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: دَارَ البَوَارِ النار. قال: وقد بَـيّن اللّه ذلك وأخبرك به، فقال: جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ القَرَارُ.

١٥٧٤٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: دَارَ البَوَارِ جَهَنّـمَ يَصْلَوْنَها هي دارهم فـي الاَخرة.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{وَجَعَلُواْ للّهِ أَندَاداً لّيُضِلّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتّعُواْ فَإِنّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ }.

يقول تعالـى ذكره: وجعل هؤلاء الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا لربهم أندادا، وهي جماع نِدّ، وقد بـيّنت معنى الندّ فـيـما مضى بشواهده بـما أغنى عن إعادته، وإنـما أراد أنهم جعلوا لله شركاء كما:

١٥٧٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قوله: وَجَعَلُوا لِلّهِ أنْدَادًا والأنداد: الشركاء.

وقوله: لِـيُضِلّوا عَنْ سَبِـيـلِهِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: لِـيُضِلّوا بـمعنى: كي يضلوا الناس عن سبـيـل اللّه بـما فعلوا من ذلك. وقرأته عامة قرّاء أهل البصرة: (لَـيَضِلّوا) بـمعنى: كي يضلّ جاعلو الأنداد لله عن سبـيـل اللّه .

وقوله: قُلْ تَـمَتّعُوا

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهم: تـمتعوا فـي الـحياة الدنـيا وعيدا من اللّه لهم لا إبـاحَة لهم التـمتع بها ولا أمرا علـى وجه العبـادة، ولكن توبـيخا وتهددا ووعيدا، وقد بَـيّن ذلك ب قوله: فإنّ مَصِيرَكُمْ إلـى النّارِ

يقول: استـمتعوا فـي الـحياة الدنـيا، فإنها سريعة الزوال عنكم، وإلـى النار تصيرون عن قريب، فتعلـمون هنالك غبّ تـمتعكم فـي الدنـيا بـمعاصي اللّه وكفركم فـيها به.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قُلْ يا مـحمد لِعبـادِيَ الّذِينَ آمَنُوا بك وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي يُقـيـمُوا الصّلاةَ

يقول: قل لهم: فلـيقـيـموا الصلوات الـخمس الـمفروضة علـيهم بحدودها، ولـينفقوا مـما رزقناهم فخوّلناهم من فضلنا سرّا وعلانـية، فلـيؤدّوا ما أوجبت علـيهم من الـحقوق فـيها سرّا وإعلانا. مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِـيَ يَوْمٌ لا بَـيْعٌ فِـيهِ

يقول: لا يقبل فـيه فدية وعوض من نفس وجب علـيها عقاب اللّه بـما كان منها من معصية ربها فـي الدنـيا، فـيقبل منها الفدية، وتترك فلا تعاقب. فسمى اللّه جل ثناؤه الفدية عوضا، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه.

وقوله: وَلا خِلالٌ

يقول: ولـيس هناك مُخالّة خـلـيـل، فـيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لـمخالته، بل هنالك العدل والقسط، فـالـخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلانا فأنا أخالّه مُخَالّة وخِلالاً ومنه قول امرىء القـيس:

صرفْتُ الهَوَى عَنْهُنّ مِنْ خَشْيَةِ الرّدَىوَلَسْتُ بِـمَقْلِـيّ الـخِلالِ ولا قالـي وجزم

 قوله: يُقِـيـمُوا الصّلاةَ بتأويـل الـجزاء ومعناه الأمر، يراد: قل لهم لـيقـيـموا الصلاة.

١٥٧٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : قُلْ لِعِبـادِيَ الّذِينَ أمَنُوا يُقِـيـمُوا الصّلاةَ يعني الصلوات الـخمس. وَيُنْفِقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِـيَةً:

يقول: زكاة أموالهم.

١٥٧٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِـيَ يَوْمٌ لا بَـيْعٌ فِـيهِ وَلا خِلالٌ قال قتادة: إن اللّه تبـارك وتعالـى قد علـم أن فـي الدنـيا بـيوعا وخلالاً يتـخالّون بها فـي الدنـيا، فـينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب، فإن كان لله فلـيداوم، وإن كان لغير اللّه فإنها ستنقطع.

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً ...}.

يقول تعالـى ذكره: اللّه الذي أنشأ السموات والأرض من غير شيء أيها الناس، وأنزل من السماء غيثا أحيا به الشجر والزرع، فأثمرت رزقا لكم تأكلونه، وسَخّرَ لَكُمُ الفُلْكَ وهي السفن لِتَـجْرِيَ فِـي البَحْرِ بأمْرِهِ لكم تركبونها، وتـحملون فـيها أمتعتكم من بلد إلـى بلد وسَخّرَ لَكُمُ الأنهَارَ ماؤُها شراب لكم،

يقول تعالـى ذكره: الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة وإخلاص الطاعة له، مَنْ هذه صفته، لا من لا يقدر علـى ضرّ ولا نفع لنفسه ولا لغيره من أوثانكم أيها الـمشركون وآلهتكم.

١٥٧٥١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، يعني الزعفرانـيّ، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَسَخّرَ لَكُمُ الأنهارَ قال: بكلّ بلدة.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَسَخّر لَكُمُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخّرَ لَكُمُ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ }.

يقول تعالـى ذكره: اللّه الذِي خـلقَ السموَاتِ وَالأرْضَ وفعل الأفعال التـي وصف. وَسَخّرَ لَكُمُ الشّمْسَ والقَمَرَ يتعاقبـان علـيكم أيها الناس بـاللـيـل والنهار لصلاح أنفسكم ومعاشكم. دَائِبَـيْنِ فـي اختلافهما علـيكم. وقـيـل: معناه: أنهما دائبـان فـي طاعة اللّه .

١٥٧٥٢ـ حدثنا خـلف بن واصل، عن رجل، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَسَخّرَ لَكُمُ الشّمْسَ والقَمَرَ دَائِبَـيْنِ قال: دؤُوبهما فـي طاعة اللّه .

وقوله: وَسَخّرَ لَكُمُ اللّـيْـلَ والنّهارَ يختلفـان علـيكم بـاعتقاب، إذا ذهب هذا جاء هذا بـمنافعكم وصلاح أسبـابكم، فهذا لكم لتصرّفكم فـيه لـمعاشكم، وهذا لكم للسكن تسكنون فـيه، ورحمة منه بكم.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّه لاَ تُحْصُوهَا إِنّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ }

يقول تعالـى ذكْره: وأعطاكم مع إنعامه علـيكم بـما أنعم به علـيكم من تسخير هذه الأشياء التـي سخرها لكم والرزق الذي رزقكم من نبـات الأرض وغروسها من كلّ شيء سألتـموه ورغبتـم إلـيه شيئا. وحذف الشيء الثانـي اكتفـاءً ب (ما) التـي أضيفت إلـيها (كلّ) وإنـما جاز حذفه، لأن (مِن) تُبعّض ما بعدها، فكفت بدلالتها علـى التبعيض من الـمفعول، فلذلك جاز حذفه، ومثله قوله تعالـى: وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يعني به: وأوتـيت من كلّ شيء فـي زمانها شيئا. وقد قـيـل: إن ذلك إنـما قـيـل علـى التكثـير، نـحو قول القائل: فلان يعلـم كلّ شيء، وأتاه كل الناس، وهو يعني بعضهم، وكذلك قوله: فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ. وقـيـل أيضا: إنه لـيس شيء إلاّ وقد سأله بعض الناس، فقـيـل: وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ أي قد آتـى بعضكم منه شيئا، وآتـى آخر شيئا مـما قد سأله. وهذا قول بعض نـحويّى أهل البصرة.

وكان بعض نـحويّـي أهل الكوفة

يقول: معناه: وأتاكم من كلّ ما سألتـموه لو سألتـموه، كأنه قـيـل: وآتاكم من كلّ سؤلكم وقال: ألا ترى أنك تقول للرجل لـم يسألك شيئا: واللّه لأعطينك سُؤْلك ما بلغت مسألتك وإن لـم يسأل؟

فأما أهل التأويـل، فإنهم اختلفوا فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معناه: وآتاكم من كلّ ما رغبتـم إلـيه فـيه. ذكر من قال ذلك: ١٥٧٥٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ ورغبتـم إلـيه فـيه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٧٥٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحسن: وآتاكُمْ مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوهُ قال: من كلّ الذي سألتـموه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وآتاكم من كل الذي سألتـموه والذي لـم تسألوه. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٥٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا خـلف، يعني ابن هشام، قال: حدثنا مـحبوب، عن داود بن أبـي هند، عن رُكانة بن هاشم: مِنْ كُلّ ما سألْتُـمُوه وقال: ما سألتـموه وما لـم تسألوه.

وقرأ ذلك آخرون: (وآتاكُمْ مِلْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ) بتنوين (كلّ) وترك إضافتها إلـى (ما) بـمعنى: وآتاكم من كلّ شيء لـم تسألوه ولـم تطلبوه منه. وذلك أن العبـاد لـم يسألوه الشمس والقمر واللـيـل والنهار، وخـلق ذلك لهم من غير أن يسألوه. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٥٦ـ حدثنـي أبو حُصَين، عبد اللّه بن أحمد بن يونُس، قال: حدثنا بَزِيع، عن الضحاك بن مُزاحم فـي هذه الاَية: (وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ) قال: ما لـم تسألوه.

١٥٧٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك أنه كان يقرأ: (مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ) ويفسره: أعطاكم أشياء ما سألتـموها ولـم تلتـمسوها، ولكن أعطيتكُم برحمتـي وسعتـي. قال الضحاك : فكم من شيء أعطانا اللّه ما سألنا ولا طلبناه.

 

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: (وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سَألْتُـمُوهُ)

يقول: أعطاكم أشياء ما طلبتـموها ولا سألتـموها، صدق اللّه كم من شيء أعطاناه اللّه ما سألناه إياه ولا خطر لنا علـى بـال.

١٥٧٥٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وآتاكُمْ مِنْ كُلَ ما سألْتُـمُوهُ) قال: لـم تسألوه من كلّ الذي آتاكم.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار، وذلك إضافة (كل) إلـى (ما) بـمعنى: وآتاكم من سؤلكم شيئا، علـى ما قد بـيّنا قبل، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها ورفضهم القراءة الأخرى.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُـحْصُوها إنّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّـارٌ.

يقول تعالـى ذكره: وإن تعدّوا أيها الناس نعمة اللّه التـي أنعمها علـيكم لا تطيقوا إحصاء عددها والقـيام بشكرها إلاّ بعون اللّه لكم علـيها. إنّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّـارٌ

يقول: إن الإنسان الذي بدّل نعمة اللّه كفرا لظَلُومٌ:

يقول: لشاكر غير من أنعم علـيه، فهو بذلك من فعله واضع الشكر فـي غير موضعه وذلك أن اللّه هو الذي أنعم علـيه بـما أنعم واستـحقّ علـيه إخلاص العبـادة له، فعبد غيره وجعل له أندادا لـيضلّ عن سبـيـله، وذلك هو ظلـمه.

وقوله: كَفّـارٌ

يقول: هو جحود نعمة اللّه التـي أنعم بها علـيه لصرفه العبـادة إلـى غير من أنعم علـيه، وتركه طاعة من أنعم علـيه.

١٥٧٥٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا مِسْعَر، عن سعد بن إبراهيـم، عن طلق بن حبـيب، قال: إن حقّ اللّه أثقل من أن تقوم به العبـاد، وإن نعم اللّه أكثر من أن تـحصيهَا العبـاد ولكن أصبِحوا تَوّابـين وأمسُوا توّابـين.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ }.

يقول تعالـى ذكره: و اذكر يا مـحمد إذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا يعني الـحَرم، بلدا آمنا أهله وسكانه. وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ يقال منه: جَنَبْته الشرّ فأنا أَجْنُبُه جَنْبـا وجَنّبته الشرّ، فأنا أُجَنّبُهُ تـجنـيبـا، وأجنبته ذلك فأنا أُجْنِبُه إجنابـا. ومِن (جَنَبْتُ) قول الشاعر:

وتَنْفُضُ مَهْدَهُ شفَقَا عَلَـيْهِوتَـجْنُبُهُ قَلائِصَنا الصّعابَـا

ومعنى ذلك: أبعدْنـي وبنـيّ من عبـادة الأصنام، والأصنام: جمع صنـم، والصنـم: هو التـمثال الـمصوّر، كما قال رُؤبة بن العجّاج فـي صفة امرأة:

وَهْنانَةٌ كالزّونِ يُجْلَـى صَنَـمُهْتَضْحَكُ عن أشْنَبَ عَذْبٍ مَلْثَمُهْ

وكذلك كان مـجاهد يقول:

١٥٧٦٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَإذْ قالَ إبْرَاهِيـمُ رَبّ اجْعَلَ هذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ قالَ: فـاستـجاب اللّه لإبراهيـم دعوته فـي ولده، قال: فلـم يعبد أحد من ولده صنـما بعد دعوته. والصنـم: التـمثال الـمصوّر، ما لـم يكن صنـما فهو وثَن. قال: واستـجاب اللّه له، وجعل هذا البلد آمنا، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إماما، وجعل من ذرّيته من يقـيـم الصلاةَ، وتقبّل دعاءه، فأراه مناسِكَة، وتاب علـيه.

١٥٧٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: كان إبراهيـم التـيـميّ يقصّ ويقول فـي قَصَصه: من يأمن من البلاء بعد خـلـيـل اللّه إبراهيـم، حين

يقول: ربّ اجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ؟

٣٦

وقوله: رَبّ إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ

يقول: يا ربّ إن الأصنام أضللن:

يقول: أزلن كثـيرا من الناس عن طريق الهُدى وسبـيـل الـحقّ حتـى عبدوهنّ، وكفروا بك.

١٥٧٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ يعني الأوثان.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ قال: الأصنام.

وقوله: فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنّـي

يقول: فمن تبعنـي علـى ما أنا علـيه من الإيـمان بك وإخلاص العبـادة لك وفراق عبـادة الأوثان، فإنه منـي:

يقول: فإنه مستنّ بسنّتِـي، وعامل بـمثل عملـي. وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ

يقول: ومن خالف أمري فلـم يقبل منـي ما دعوته إلـيه، وأشرك بك، فإنه غفور لذنوب الـمذنبـين الـخَطائين بفضلك، رحيـم بعبـادك تعفو عمن تشاء منهم. كما:

١٥٧٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنـي وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ اسمعوا إلـى قول خـلـيـل اللّه إبراهيـم، لا واللّه ما كانوا طَعّانـين ولا لَعّانـين وكان يقال: إنّ من أشرّ عبـاد اللّه كلّ طعان لعان، قال نبـيّ اللّه ابن مريـم علـيه السلام: إنْ تُعَذّبْهُمْ فَإنّهُمْ عِبـادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ.

١٥٧٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج، قال: أخبرنـي ابن وهب، قال: حدثنا عمرو بن الـحارث أن بكر بن سَوادة، حدّثه عن عبد الرحمن بن جُبـير، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلا قول إبراهيـم: رَبّ إنّهُنّ أضْلَلْنَ كَثِـيرًا مِنَ النّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِـي فإنّهُ مِنّـي وَمَنْ عَصَانِـي فإنّكَ غَفُورٌ رَحِيـمٌ، وقال عيسى: إنْ تُعَذّبْهُمْ فإنّهُمْ عِبـادُكَ وَإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ فرفع يديه ثم قال: اللّه مّ أُمّتِـي، اللّه مّ أُمّتِـي وبكى. فقال اللّه تعالـى: يا جبرئيـل اذهب إلـى مـحمد وربك أعلـم فـاسأله ما يُبكيه؟ فأتاه جبرئيـل فسأله، فأخبره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال. قال: فقال اللّه : يا جبرئيـل اذهب إلـى مـحمد وقل له: إنا سنرضيك فـي أمتك ولا نسوءُك.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ ...}.

وقال إبراهيـم خـلـيـل الرحمن هذا القول حين أسكن إسماعيـل وأمه هاجَرَ فـيـما ذُكِر مكة. كما:

١٥٧٦٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم والـحسن بن مـحمد قالا: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، عن أيوب، كما قال: نبئت عن سعيد بن جبـير، أنه حدث عن ابن عبـاس ، قال: إنّ أوّل من سَعى بـين الصّفـا والـمروة لأمّ إسماعيـل وإن أوّل ما أحدث نساء العرب جرّ الذيول لـمن أمّ إسماعيـل. قال: لـما فرّت من سارة، أَرْخَتْ من ذيـلها لتعفـي أثرها، فجاء بها إبراهيـم ومعها إسماعيـل حتـى انتهى بهما إلـى موضع البـيت، فوضعهما ثم رجع، فـاتبعته، فقالت: إلـى أيّ شيء تكلنا؟ إلـى طعام تكلنا؟ إلـى شراب تكلنا؟ فجعل لا يردّ علـيها شيئا، فقالت: اللّه أمرك بهدا؟ قال نعم، قالت: إذن لا يضيعنا. قال: فرجعت ومضى حتـى إذا استوى علـى ثنـية كَدَاء، أقبل علـى الوادي فدعا، فقال: رَبّ إنّـي أسْكَنْتُ منْ ذُريّتِـي بَوادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ رَبّنا لِـيُقِـيـمُوا الصّلاةَ فـاجْعَلْ أفْئِدَةً منَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهمْ وَارْزُقْهُمْ منَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ قال: ومع الإنسانة شَنّة فـيها ماء، فنفِد الـماء فعطشت وانقطع لبنها، فعطش الصبـيّ، فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض، فصعِدَت بـالصفـا، فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنـيسا فلـم تسمع، فـانـحدرت، فلـما أتت علـى الوادي سعت وما تريد السعي، كالإنسان الـمـجهود الذي يسعى وما يريد السعي، فنظرت أيّ الـجبـال أدنى من الأرض، فصَعِدت الـمروة فتسمعت هل تسمع صوتا، أو ترى أنـيسا فسمعت صوتا، فقالت كالإنسان الذي يكذّب سمعه: صه حتـى استـيقنت، فقالت: قد أسمعتنـي صوتك فأغثنـي، فقد هلكتُ وهلك من معي فجاء الـمَلك فجاء بها حتـى انتهى بها إلـى موضع زمزم، فضرب بقدمه ففـارت عينا، فعجلت الإنسانة فجعلت فـي شَنّتها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رَحِمَ اللّه أُمّ إسْماعيـلَ لَوْلا أنّها عَجِلَتْ لَكانَتْ زَمْزَمُ عَيْنا مَعِينا) . وقال لها الـملك: لا تـخافـي الظمأ علـى أهل هذا البلد، فإنـما هي عين لشرب ضِيفـان اللّه . وقال: إن أبـا هذا الغلام سيجيء، فـيبنـيان لله بـيتا هذا موضعه. قال: ومرّت رفقة من جُرهم تريد الشام، فرأوا الطير علـى الـجبل، فقالوا: إن هذا الطير لعائف علـى ماء، فهل علـمتـم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا: لا. فأشرفوا فإذا هم بـالإنسانة، فأتوها فطلبوا إلـيها أن ينزلوا معها، فأذنت لهم. قال: وأتـى علـيها ما يأتـي علـى هؤلاء الناس من الـموت، فماتت، وتزوّج إسماعيـل امرأة منهم، فجاء إبراهيـم فسأل عن منزل إسماعيـل حتـى دُلّ علـيه، فلـم يجده، ووجد امرأة له فظة غلـيظة، فقال لها: إذا جاء زوجك فقولـي له: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا، وإنه يقول لك: إنـي لا أرضى لك عتَبَة بـابك فحوّلها وانطلق فلـما جاء إسماعيـل أخبرته، فقال: ذاك أبـي وأنت عتبة بـابـي، فطلقَها وتزوّج امرأة أخرى منهم. وجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى منزل إسماعيـل، فلـم يجده، ووجد امرأة له سهلة طلـيقة، فقال لها: أين انطلق زوجك؟ فقالت: انطلق إلـى الصيد، قال: فما طعامكم؟ قالت: اللـحم والـماء، قال: اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم اللهمّ بـارك لهم فـي لـحمهم ومائهم ثلاثا. وقال لها: إذا جاء زوجك فأخبريه، قولـي: جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا، وإنه يقول لك: قد رضيت لك عتبة بـابك، فأثْبِتْها فلـما جاء إسماعيـل أخبرته. قال: ثم جاء الثالثة، فرفعا القواعد من البـيت.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنـي يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: جاء نبـيّ اللّه إبراهيـم بإسماعيـل وهاجر، فوضعهما بـمكة فـي موضع زمزم فلـما مضى نادته هاجر: يا إبراهيـم إنـما أسألك ثلاث مرات: من أمرك أن تضعنـي بأرض لـيس فـيها ضَرْع ولا زرع ولا أنـيس ولا زاد ولا ماء؟ قال: ربـي أمرنـي، قالت: فإنه لن يضيّعنا. قال: فلـما قـفـا إبراهيـم قال: رَبّنا إنّكَ تَعْلَـمُ ما نُـخْفِـي وَما نُعْلِنُ يعني من الـحزن وَما يَخْفَـى علـى اللّه مِنْ شَيْءٍ فِـي الأرْضِ وَلا فِـي السّماءِ. فلـما ظمىء إسماعيـل جعل يَدْحَض الأرض بعقبه، فذهبت هاجر حتـى علت الصفـا، والوادي يومئذٍ لاخ يعني عميق فصعدت الصفـا، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا فلـم تر شيئا، فـانـحدرت فبلغت الوادي، فسعت فـيه حتـى خرجت منه، فأتت الـمروة، فصعدت فـاستشرفت هل تر شيئا، فلـم تر شيئا. ففعلت ذلك سبع مرّات، ثم جاءت من الـمروة إلـى إسماعيـل، وهو يَدْحَض الأرض بقَعْبه، وقد نبعت العين وهي زمزم. فجعلت تفحص الأرض بـيدها عن الـماء، فكلـما اجتـمع ماء أخذته بقدحها، وأفرغته فـي سقائها. قال: فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (يَرْحَمُها اللّه لَوْ تَرَكَتْها لَكانَتْ عَيْنا سائِحَةً تَـجْرِي إلـى يَوْمِ القـيامَةِ) . قال: وكانت جُرهُمُ يومئذٍ بواد قريب من مكة قال: ولزمت الطير الوادي حين رأت الـماء فلـما رأت جرهم الطير لزمت الوادي، قالوا: ما لزِمته إلاّ وفـيه ماء، فجاءوا إلـى هاجَر، فقالوا: إن شئت كنا معك وآنسناك والـماء ماؤك، قالت: نعم. فكانوا معها حتـى شبّ إسماعيـل، وماتت هاجر فتزوّج إسماعيـل امرأة منهم قال: فـاستأذن إبراهيـم سارة أن يأتـي، هاجر، فأذنت له وشرطت علـيه أن لا ينزل، فقدم إبراهيـم وقد ماتت هاجر، فذهب إلـى بـيت إسماعيـل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: لـيس ههنا ذهب يتصيد، وكان إسماعيـل يخرج من الـحرم فـيتصيد ثم يرجع، فقال إبراهيـم: هل عندك ضيافة، هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: لـيس عندي، وما عندي أحد. فقال إبراهيـم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له: فلـيغير عتبة بـابه وذهب إبراهيـم، وجاء إسماعيـل، فوجد ريح أبـيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: جاءنـي شيخٌ كذا وكذا، كالـمستـخفة بشأنه، قال: فما قال لكِ؟ قالت: قال لـي: أقرئي زوجك السلام وقولـي له: فلـيغير عتبة بـابه، فطلقها وتزوّج أخرى. فلبث إبراهيـم ما شاء اللّه أن يـلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيـل، فأذنت له، وشرطت علـيه أن لا ينزل، فجاء إبراهيـم حتـى انتهى إلـى بـاب إسماعيـل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يصيد، وهو يجيء الاَن إن شاء اللّه ، فـانزل يرحمك اللّه قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم، قال: هل عندك خبز أو برّ أو تـمر أو شعير؟ قالت: لا. فجاءت بـاللبن واللـحم، فدعا لهما بـالبركة، فلو جاءت يومئذٍ بخبز أو برّ أو شعير أو تـمر لكانت أكثر أرض اللّه برّا وشعيرا وتـمرا، فقالت له: انزل حتـى أغسل رأسك فلـم ينزل، فجاءته بـالـمقام فوضعته عن شقه الأيـمن، فوضع قدمه علـيه، فبقـي أثر قدمه علـيه، فغسلت شقّ رأسه الأيـمن، ثم حوّلت الـمقام إلـى شقه الأيسر فغسلت شقه الأيسر، فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولـي له: قد استقامت عتبة بـابك فلـما جاء إسماعيـل وجد ريح أبـيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: نعم، شيخ أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا، فقال لـي كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، وغسلتُ رأسه، وهذا موضع قدمه علـى الـمقام. قال: وما قال لك؟ قالت: قال لـي: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولـي له: قد استقامت عتبة بـابك، قال: ذاك إبراهيـم، فلبث ما شاء اللّه أن يـلبث، وأمره اللّه ببناء البـيت، فبناه هو وإسماعيـل فلـما بنـياه قـيـل: أذّن فـي الناس بـالـحجّ فجعل لا يـمرّ بقوم إلاّ قال: أيها الناس إنه قد بنـي لكم بـيت فحجوه، فجعل لا يسمعه أحد، صخرة ولا شجرة ولا شيء، إلاّ قال: لبـيك اللهمّ لبـيك. قال: وكان بـين قوله: رَبّنَا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْد بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ وبـين قوله: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَهَبَ لـي علـى الكِبَرِ إسْماعِيـلَ وإسْحاقَ كذا وكذا عاما، لـم يحفظ عطاء.

١٥٧٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رَبّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِكَ الـمُـحَرّمِ وإنه بـيت طهّره اللّه من السّوء، وجعله قبلة، وجعله حَرَمه، اختاره نبـيّ اللّه إبراهيـم لولده.

١٥٧٦٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: مكة لـم يكن بها زرع يومئذٍ.

١٥٧٦٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن كثـير، قال القاسم فـي حديثه: قال: أخبرنـي عمرو بن كثـير (قال أبو جعفر) : فغيرته أنا فجعلته: قال أخبرنـي ابن كثـير، وأسقطت عمرا، لأنـي لا أعرف إنسانا يقال له عمرو بن كثـير حدّث عنه ابن جريج، وقد حدّث به معمر عن كثـير بن كثـير بن الـمطلب بن أبـي وداعة، وأخشى أن يكون حديث ابن جريج أيضا عن كثـير بن كثـير، قال: كنت أنا وعثمان بن أبـي سلـيـمان فـي أناس مع سعيد بن جبـير لـيلاً، فقال سعيد بن جبـير للقوم: سلونـي قبل ألاّ تسألونـي فسأله القوم فأكثروا، وكان فـيـما سُئل عنه أن

قـيـل له: أحقّ ما سمعنا فـي الـمقام؟ فقال سعيد: ماذا سمعتـم؟ قالوا: سمعنا أن إبراهيـم رسول اللّه حين جاء من الشام، كان حلف لامرأته أن لا ينزل مكة حتـى يرجع، فقرب له الـمقام، فنزل علـيه. فقال سعيد: لـيس كذاك: حدثنا ابن عبـاس ، ولكنه حدثنا حين كان بـين أمّ إسماعيـل وسارة ما كان أقبل بإسماعيـل، ثم ذكر مثل حديث أيوب غير أنه زاد فـي حديثه، قال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم: (وَلذلكَ طافَ النّاسُ بـينَ الصّفـا والـمَرْوَةِ) . ثم حدث وقال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه وسلم: (طَلَبُوا النّزُولَ مَعَها وَقَدْ أحَبّتْ أُمّ إسْماعيـلَ الأنْسَ، فنَزَلُوا وَبَعَثُوا إلـى أهْلِهمْ فَقَدِمُوا، وَطَعامُهُمُ الصّيْدُ، يَخْرُجُونَ منَ الـحَرَمِ ويَخْرُجُ إِسْماعيـلُ مَعَهُمْ يَتَصَيّدُ فَلَـمّا بَلَغَ أنْكَحُوهُ، وَقَدْ تُوُفّـيَتْ أُمّهُ قَبْلَ ذلكَ) . قالَ: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لَـمّا دَعا لَهُما أنْ يُبـارِكَ لَهُمْ فِـي اللّـحْمِ والـماءِ، قال لَهَا: هَلْ منْ حَبّ أوْ غيرِهِ منَ الطّعامِ؟ قالَتْ: لا، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمَئذٍ لَهَا حَبّـا لَدَعا لَهَا بـالبَرَكَةِ فـيهِ) . قال ابن عبـاس : ثم لبث ما شاء اللّه أن يـلبث، ثم جاء فوجد إسماعيـل قاعدا تـحت دَوْحة إلـى ناحية البئر يبرى نبلاً له، فسلـم علـيه ونزل إلـيه، فقعد معه وقال: يا إسماعيـل، إن اللّه قد أمرنـي بأمر. قال إسماعيـل: فأطع ربك فـيـما أمرك قال إبراهيـم: أمرنـي أن أبنـي له بـيتا. قال إسماعيـل: ابنِ قال ابن عبـاس : فأشار له إبراهيـم إلـى أكمة بـين يديه مرتفعة علـى ما حولها يأتـيها السيـل من نواحيها، ولا يركبها. قال: فقاما يحفران عن القواعد يرفعانها ويقولان: رَبّنا تَقَبّلْ مِنّا إنّكَ أنْتَ السّمِيعُ العَلِـيـمُ ربنا تقبل منا إنك سميع الدعاء. وإسماعيـل يحمل الـحجارة علـى رقبته، والشيخ إبراهيـم يبنـي. فلـما ارتفع البنـيان وشقّ علـى الشيخ تناوله، قرّب إلـيه إسماعيـل هذا الـحجَر، فجعل يقوم علـيه ويبنـي، ويحوله فـي نواحي البـيت حتـى انتهى. يقول ابن عبـاس : فذلك مقام إبراهيـم وقـيامه علـيه.

١٥٧٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : رَبّنا إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: أسكن إسماعيـل وأمه مكة.

١٥٧٧٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُريّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ قال: حين وضع إسماعيـل.

قال أبو جعفر: فتأويـل الكلام إذن: ربنا إنـي أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع. وفـي قوله صلى اللّه عليه وسلم دلـيـل علـى أنه لـم يكن هنالك يومئذٍ ماء، لأنه لو كان هنالك ماء لـم يصفه بأنه غير ذي زرع عند بـيتك الذي حرّمته علـى جميع خـلقك أن يستـحلوه.

وكان تـحريـمه إياه فـيـما ذُكر كما:

١٥٧٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي خطبته: إن هذا البـيت أوّل من ولـيه أناس مِن طسْم، فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته، واستـخفوا بحقه، فأهلكهم اللّه . ثم ولـيهم أناس من جُرهمَ فعصوا ربهم واستـحلوا حرمته واستـخفوا بحقه، فأهلكهم اللّه . ثم ولـيتـموه معاشر قريش، فلا تعصوا ربه، ولا تستـحلوا حرمته، ولا تستـخفوا بحقه فواللّه لصلاة فـيه أحبّ إلـيّ من مئة صلاة بغيره، واعلـموا أن الـمعاصي فـيه علـى نـحو من ذلك.

وقال: إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ ولـم يأت بـما وقع علـيه الفعل، وذلك أن حظّ الكلام أن يقال: إنـي أسكنت من ذريتـي جماعة، أو رجلاً، أو قوما، وذلك غير جائز مع (من) لدلالتها علـى الـمراد من الكلام، والعرب تفعل ذلك معها كثـيرا، فتقول: قتلنا من بنـي فلان، وطعمنا من الكلإ، وشربنا من الـماء ومنه قول اللّه تعالـى: أنْ أفِـيضُوا عَلَـيْنا منَ الـماءِ أوْ مِـما رَزَقَكُمُ اللّه .

فإن قال قائل: وكيف قال إبراهيـم حين أسكن ابنه مكة إنّـي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرّيّتِـي بِوَادٍ غيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَـيْتِك الـمُـحَرّمِ وقد رويتَ فـي الأخبـار التـي ذكرتها أن إبراهيـم بنى البـيت بعد ذلك بـمدة؟ قـيـل: قد قـيـل فـي ذلك أقوال قد ذكرتها فـي سورة البقرة، منها أن معناه: عند بـيتك الـمـحرّم الذي كان قبل أن ترفعه من الأرض حين رفعته أيام الطوفـان، ومنها: عند بـيتك الـمـحرّم الذي قد مضى فـي سابق علـمك أنه يحدث فـي هذا البلد. وقوله الـمُـحَرّمِ علـى ما قاله قتادة معناه: الـمـحرّم من استـحلال حرمات اللّه فـيه، والاستـخفـاف بحقه.

وقوله: رَبّنا لِـيُقِـيـمُوا الصلاةَ

يقول: فعلت ذلك يا ربنا كي تؤدّي فرائضك من الصلاة التـي أوجبتها علـيهم فـي بـيتك الـمـحرّم.

وقوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ يخبر بذلك تعالـى ذكره عن خـلـيـله إبراهيـم أنه سأله فـي دعائه أن يجعل قلوب بعض خـلقه تنزع إلـى مساكن ذريته الذين أسكنهم بواد غير ذي زرع عند بـيته الـمـحرّم. وذلك منه دعاء لهم بأن يرزقهم حجّ بـيته الـحرام كما:

١٥٧٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ ولو قال: (أفئدة الناس تهوي إلـيهم) لـحجت الـيهود والنصارى والـمـجوس، ولكنه قال: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فهم الـمسلـمون.

١٥٧٧٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: لو كانت (أفئدة الناس) لازدحمت علـيه فـارس والروم، ولكنه (أفئدة من الناس) .

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: لو قال: (أفئدة الناس تهوي إلـيهم) ، لازدحمت علـيهم فـارس والروم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ، يعني بن الـجعد، قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.

١٥٧٧٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: سألت عكرمة عن هذه الاَية: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فقال: قلوبهم تهوي إلـى البـيت.

١٥٧٧٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن الـحكم، عن عكرمة وعطاء وطاوس: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ البـيت تهوي إلـيه قلوبهم يأتونه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا سعيد، عن الـحكم، قال: سألت عطاء وطاوسا وعكرمة، عن قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قالوا: الـحجّ.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة وعلـيّ بن الـجعد، قالا: أخبرنا سعيد، عن الـحكم، عن عطاء وطاوس وعكرمة فـي قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: هواهم إلـى مكة أن يحجوا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: سألت طاوسا وعكرمة وعطاء ابن أبـي ربـاح، عن قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ فقالوا: اجعل هواهم الـحجّ.

١٥٧٧٦ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: لو كان إبراهيـم قال: (فـاجعل أفئدة الناس تهوي إلـيهم) لـحجه الـيهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال: أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ.

١٥٧٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: تنزع إلـيهم.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

وقال آخرون: إنـما دعا لهم أن يهووا السكنى بـمكة. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فـاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَـيْهِمْ قال: إن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن سأل اللّه أن يجعل أناسا من الناس يهوَوْن سكنى أو سَكْن مكة.

وقوله: وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثّمَرَاتِ

يقول تعالـى ذكره: وارزقهم من ثمرات النبـات والأشجار ما رزقت سكان الأرياف والقرى التـي هي ذوات الـمياه والأنهار، وإن كنت أسكنتهم واديا غير ذي زرع ولا ماء. فرزقهم جل ثناؤه ذلك، كما:

١٥٧٧٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، قال: قرأت علـى مـحمد بن مسلـم الطائفـي أن إبراهيـم لـما دعا للـحرم: وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثمرات نقل اللّه الطائف من فَلِسطين.

وقوله: لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ

يقول: لـيشكروك علـى ما رزقتهم وتنعم به علـيهم.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَآ إِنّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَىَ عَلَى اللّه مِن شَيْءٍ فَي الأرْضِ وَلاَ فِي السّمَآءِ }.

وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن استشهاد خـلـيـله إبراهيـم إياه علـى ما نوى وقصد بدعائه وقـيـله رَبّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنـي وَبَنـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامُ... الاَية، وأنه إنـما قصد بذلك رضا اللّه عنه فـي مـحبته أن يكون ولده من أهل الطاعة لله، وإخلاص العبـادة له علـى مثل الذي هو له، فقال: ربنا إنك تعلـم ما تـخفـي قلوبنا عند مسألتنا ما نسألك، وفـي غير ذلك من أحوالنا، وما نعلن من دعائنا، فنـجهر به وغير ذلك من أعمالنا، وما يخفـى علـيك يا ربنا من شيء يكون فـي الأرض ولا فـي السماء لأن ذلك كله ظاهر لك متـجلّ بـاد، لأنك مدبره وخالقه، فكيف يخفـى علـيك.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَمْدُ للّهِ الّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنّ رَبّي لَسَمِيعُ الدّعَآءِ }.

يقول: الـحمد لله الذي رزقنـي علـى كبر من السنّ ولدا إسماعيـل وإسحاق. إنّ رَبّـي لَسَمِيعُ الدّعاءِ

يقول: إن ربـي لسميع دعائي الذي أدعوه به، وقولـي: اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ وغير ذلك من دعائي ودعاء غيري، وجميع ما نطق به ناطق لا يخفـى علـيه منه شيء.

١٥٧٨٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار بن مرّة، قال: سمعت شيخا يحدّث سعيد بن جبـير، قال: بُشر إبراهيـم بعد سبع عشرة ومئة سنة.

٤٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{رَبّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصّلاَةِ وَمِن ذُرّيَتِي رَبّنَا وَتَقَبّلْ دُعَآءِ }.

يقول: ربّ اجعلنـي مؤدّيا ما ألزمتنـي من فريضتك التـي فرضتها علـيّ من الصلاة. وَمِنْ ذُرّيّتِـي

يقول: واجعل أيضا من ذريتـي مقـيـمي الصلاة لك. رَبّنا وتَقَبّلْ دُعاءِ

يقول: ربنا وتقبل عملـي الذي أعمله لك وعبـادتـي إياك. وهذا نظير الـخبر الذي رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (إنّ الدّعاءَ هُوَ العبـادَةُ) ثم قرأ: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبـادَتِـي سَيَدْخُـلُونَ جَهَنّـمَ دَاخِرِينَ.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }.

وهذا دعاء من إبراهيـم صلوات اللّه علـيه لوالديه بـالـمغفرة، واستغفـار منه لهما. وقد أخبر اللّه عزّ ذكره أنه لـم يكن اسْتِغْفـارُ إبْرَاهِيـمَ لأَبِـيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَـمّا تَبَـيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ اللّه تَبَرّأَ مِنْهُ إنّ إبْرَاهِيـمَ لأَوّاهٌ حَلِـيـمٌ.

وقد بـيّنا وقت تبرّئه منه فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته.

وقوله: وللْـمُؤْمِنِـينَ

يقول: وللـمؤمنـين بك مـمن تبعنـي علـى الدين الذي أنا علـيه، فأطاعك فـي أمرك ونهيك.

وقوله: يَوْمَ يَقُومُ الـحِسابُ يعني : يقوم الناس للـحساب فـاكتفـى بذكر الـحساب من ذكر الناس، إذ كان مفهوما معناه.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّه غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وَلاَ تَـحْسَبنّ اللّه يا مـحمد غَافِلاً ساهيا عَمّا يَعْمَلُ هؤلاء الـمشركون من قومك، بل هو عالـم بهم وبأعمالهم مـحصيها علـيهم، لـيجزيهم جزاءهم فـي الـحين الذي قد سبق فـي علـمه أنه يجزيهم فـيه.

١٥٧٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا علـيّ بن ثابت، عن جعفر بن برَقان، عن ميـمون بن مِهران فـي قوله: وَلا تَـحْسَبنّ اللّه غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِـمُونَ قال: هي وعيد للظالـم وتعزية للـمظلوم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّـمَا يُؤَخّرُهُمْ لِـيَوْمٍ تَشْخصُ فِـيهِ الأبصار مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ.

يقول تعالـى ذكره: إنـما يؤخر ربك يا مـحمد هؤلاء الظالـمين الذين يكذّبونك ويجحَدون نبوّتك، لـيوم تشخص فـيه الأبصار.

يقول: إنـما يؤخّر عقابَهم وإنزال العذاب بهم، إلـى يوم تشخَص فـيه أبصار الـخـلق وذلك يوم القـيامة، كما:

١٥٧٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِـيَوْم تَشْخَصُ فِـيهِ الأبْصَارُ شخصت فـيه واللّه أبصارهم، فلا ترتدّ إلـيهم.

٤٣

وأما قوله: مُهْطِعِينَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي معناه

فقال بعضهم: معناه: مسرعين. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٨٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد الـمؤدّب، عن سالـم، عن سعيد بن جبـير: مُهْطِعِينَ قال: النّسَلان، وهو الـخبب أو ما دون الـخبب، شكّ أبو سعيد يخبون وهم ينظرون.

١٥٧٨٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مُهْطِعِينَ قال: مسرعين.

١٥٧٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مُهْطِعِينَ

يقول: منطلقـين عامدين إلـى الداعي.

وقال آخرون: معنى ذلك: مديـمي النظر. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٨٦ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مُهْطِعِينَ يعني بـالإهطاع: النظر من غير أن يطرف.

١٥٧٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن سعيد بن مسروق، عن أبـي الضحى: مُهْطِعِينَ قال: الإهطاع: التـحميجالدائم الذي لا يَطْرِف.

١٥٧٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مغيرة، عن أبـي الـخير بن تـميـم بن حَذْلَـم، عن أبـيه، فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: الإهطاع: التـحميج.

١٥٧٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : مُهْطِعِينَ قال: شدّة النظر الذي لا يطرف.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو، قال: أخبرنا هُشَيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: شدة النظر فـي غير طَرْف.

حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مُهْطِعِينَ الإهطاع: شدة النظر فـي غير طَرْف.

١٥٧٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مُهْطِعِينَ قال: مُديـمي النظر.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مُهْطِعِينَ قال: الـمهطع الذي لا يرفع رأسه.

والإهطاع فـي كلام العرب بـمعنى الإسراع أشهر منه بـمعنى إدامة النظر، ومن الإهطاع بـمعنى الإسراع، قول الشاعر:

وبِـمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأنّ زِمامَهُفـي رأسِ جذْعٍ مِنْ أوَالَ مُشَذّبِ

وقول الاَخر:

بـمُسْتَهْطعٍ رَسْلٍ كأنّ جَدِيـلَهُبقَـيْدُومِ رَعْنٍ مِنْ صَوَامٍ مُـمَنّعِ

وقوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ يعني رافعي رءوسهم. وإقناع الرأس: رفعه ومنه قول الشماخ:

يُبـاكِرْنَ العِضَاهَ بـمُقْنَعاتٍنَوَاجِذُهُنّ كالـحَدَإِ الوَقـيعِ

 يعني : أنهنّ يبـاكرن العضاه برءوسهن مرفوعات إلـيها لتتناول منها، ومنه أيضا قول الراجز:

أنْغَضَ نـحْوِي رأسَهْ وأقْنَعاكأنـمَا أبْصَرَ شَيْئا أطْمَعا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٧٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ قال: الإقناع: رفع رءوسهم.

١٥٧٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، وقال الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ قال: رافعيها.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٧٩٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن أبـي سعد، قال: قال الـحسن: وجوه الناس يوم القـيامة إلـى السماء لا ينظر أحد إلـى أحد.

١٥٧٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عثمان بن الأسود، أنه سمع مـجاهدا يقول فـي قوله: مُهْطعينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافع رأسه هكذا، لاَ يَرْتَدّ إلَـيهمْ طَرْفُهُمْ.

١٥٧٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.

١٥٧٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الإقناعُ رفع رءوسهم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه شاخصا بصره لا يطرف.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعيها.

١٥٧٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: الـمقنع الذي يرفع رأسه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.

١٥٧٩٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد، عن سالـم، عن سعيد: مُقْنِعِي رُءُوسِهمْ قال: رافعي رءوسهم.

وقوله: لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ

يقول: لا ترجع إلـيهم لشدّة النظر أبصارهم. كما:

١٥٨٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لا يَرْتَدّ إلَـيْهمْ طَرْفُهُمْ وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: شاخصة أبصارهم.

وقوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معناه: متـخرّقة لا تعي من الـخير شيئا. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٠١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، فـي قوله: وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: متـخرقة لا تعي شيئا.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا مالك بن مغول، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، بـمثل ذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا مالك وإسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن مرّة: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: متـخرقة لا تعي شيئا من الـخير.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا مالك، يعني ابن مغول، قال: سمعت أبـا إسحاق، عن مرّة إلاّ أنه قال: لا تعي شيئا. ولـم يقل من الـخير.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مرّة، مثله.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مالك بن مغول، وإسرائيـل عن أبـي إسحاق، عن مرّة: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال أحدهما: خربة، وقال الاَخر: متـخرقة لا تعي شيئا.

١٥٨٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: لـيس فـيها شيء من الـخير فهي كالـخربة.

١٥٨٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: لـيس من الـخير شيء فـي أفئدتهم، كقولك للبـيت الذي لـيس فـيه شيء إنـما هو هواء.

١٥٨٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد فـي قوله: وأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: الأفئدة: القلوب هواء كما قال اللّه ، لـيس فـيها عقل ولا منفعة.

١٥٨٠٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبـي بكرة، عن أبـي صالـح: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: لـيس فـيها شيء من الـخير.

وقال آخرون: إنها لا تستقرّ فـي مكان تردّد فـي أجوافهم. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٠٦ـ حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن سالـم، عن سعيد: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: تـمور فـي أجوافهم، لـيس لها مكان تستقرّ فـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبـي سعيد، عن سالـم، عن سعيد بنـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنَشِبَت بـالـحلوق. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٠٧ـ حدثنا ابن وكيع وأحمد بن إسحاق، قالا: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، عن إسرائيـل، عن سعيد، عن مسروق عن أبـي الضحى: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: قد بلغت حناجرهم.

١٥٨٠٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ قال: هواء لـيس فـيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت فـي حلوقهم.

١٥٨٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ انتزعت حتـى صارت فـي حناجرهم لا تـخرج من أفواههم، ولا تعود إلـى أمكنتها.

وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب فـي تأويـل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالـية لـيس فـيها شيء من الـخير، ولا تعقل شيئا وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء ومنه قول حسّان بن ثابت:

ألا أبْلِغْ أبـا سُفْـيانَ عَنّـيفأنْتَ مُـجَوّفٌ نَـخِبٌ هَوَاءُ

ومنه قول الاَخر:

وَلا تَكُ مِنْ أخْدانِ كُلّ يَراعةٍهَوَاءٍ كَسَقْبِ البـانِ جُوفٍ مَكاسِرُهْ

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وأنذر يا مـحمد الناس الذين أرسلتك إلـيهم داعيا إلـى الإسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتـيهم عذاب اللّه فـي القـيامة. فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلَـمُوا

يقول: فـيقول الذين كفروا بربهم، فظلـموا بذلك أنفسهم: رَبّنا أخّرْنا: أي أخّر عنا عذابك، وأمهلنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ الـحقّ، فنؤمن بك، ولا نشرك بك شيئا وَنَتّبعِ الرّسُلَ يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم علـى ما دعوتنا إلـيه من طاعتك واتبـاع أمرك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨١٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِـيهِمُ العَذَابُ قال: يوم القـيامة فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلَـمُوا رَبّنا أخّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ قال: مدّة يعملون فـيها من الدنـيا.

١٥٨١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتـيهِمُ العَذابُ

يقول: أنذرهم فـي الدنـيا قبل أن يأتـيهم العذاب.

وقوله: فَـيَقُولُ الّذِينَ ظَلـمُوا رفع عطفـا علـى قوله: يَأَتـيهمُ فـي قوله: يأْتـيهمُ العَذَابُ ولـيس بجواب للأمر، ولو كان جوابـا ل قوله: وأنْذِرِ النّاسَ جاز فـيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر:

يا نَاقَ سيرِي عَنَقا فَسِيحَاإلـى سُلَـيْـمانَ فَنَسْتَرِيحا

والرفع علـى الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب فـي جواب الأمر بـالفـاء، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علّـم معاذا وأصحابه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ. وهذا تقريع من اللّه تعالـى ذكره للـمشركين من قريش بعد أن دخـلوا النار بإنكارهم فـي الدنـيا البعث بعد الـموت. يقول لهم إذ سألوه رفع العذاب عنهم وتأخيرهم لـينـيبوا ويتوبوا: أو لَـمْ تَكُونُوا فـي الدنـيا أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ

يقول: ما لكم من انتقال من الدنـيا إلـى الاَخرة، وأنكم إنـما تـموتون، ثم لا تبعثون؟ كما:

١٥٨١٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ منْ قَبْلُ ك قوله: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ بلـي. ثم قال: ما لَكُمْ منْ زَوَالٍ قال: الانتقال من الدنـيا إلـى الاَخرة.

١٥٨١٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا سلـمة وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ قال: لا تـموتون لقريش.

١٥٨١٤ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الـحكم، عن عمرو بن أبـي لـيـلـى أحد بنـي عامر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي

يقول: بلغنـي، أو ذُكر لـي، أن أهل النار ينادون: رَبّنا أخّرْنا إلـى أجَلٍ قَرِيبٍ نُـجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ فردّ علـيهم: أو لَـمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُـمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ... إلـى قوله: لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـَكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ }.

يقول تعالـى ذكره: وسكنتـم فـي الدنـيا فـي مساكن الذين كفروا بـالله، فظلـموا بذلك أنفسهم من الأمـم التـي كانت قبلكم. وتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ

يقول: وعلـمتـم كيف أهلكناهم حين عتوا علـى ربهم وتـمادوا فـي طغيانهم وكفرهم. وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ

يقول: ومثّلنا لكم فـيـما كنتـم علـيه من الشرك بـاللّه مقـيـمين الأشبـاه، فلـم تنـيبوا ولـم تتوبوا من كفركم، فـالاَن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم ما قد نزل بكم من العذاب، إن ذلك لغير كائن.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ

يقول: سكن الناس فـي مساكن قوم نوح وعاد وثمود، وقرون بـين ذلك كثـيرة مـمن هلك من الأمـم. وتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ قد واللّه بعث رسله، وأنزل كتبه، ضرب لكم الأمثال، فلا يصم فـيها إلاّ أصمّ، ولا يخيب فـيها إلاّ الـخائب، فـاعقلوا عن اللّه أمره.

١٥٨١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَسَكَنْتُـمْ فِـي مَساكنِ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنْفُسَهُمْ وَتَبَـيّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ قال: سكنوا فـي قراهم مدين والـحجر والقرى التـي عذّب اللّه أهلها، وتبـين لكم كيف فعل اللّه بهم، وضرب لهم الأمثال.

١٥٨١٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: الأمْثالَ قال: الأشبـاه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّه مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }.

يقول تعالـى ذكره: قد مكر هؤلاء الذين ظلـموا أنفسهم، فسكنتـم من بعدهم فـي مساكنهم، مَكْرَهم. وكان مكرهم الذي مكروا ما:

١٥٨١٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبـان قال: سمعت علـيّا يقرأ: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) قال: كان ملك فَرِه أخذ فروخ النسور، فعلفها اللـحم حتـى شبّت واستعلـجت واستغلظت، فقعد هو وصاحبه فـي التابوت وربطوا التابوت بأرجل النسور، وعلقوا اللـحم فوق التابوت، فكانت كلـما نظرت إلـى اللـحم صعدت وصعدت، فقال لصاحبه: ما ترى؟ قال: أرى الـجبـال مثل الدخان، قال: ما ترى؟ قال: ما أرى شيئا، قال: ويحك صوّب صوّب قال: فذلك قوله: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

١٥٨١٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن عبد الرحمن بن واصل، عن علـيّ بن أبـي طالب، مثل حديث يحيى بن سعيد، وزاد فـيه: وكان عبد اللّه بن مسعود يقرؤها: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، عن شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن واصل أن علـيّا قال فـي هذه الاَية: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) قال: أخذ ذلك الذي حاجّ إبراهيـم فـي ربه نسرين صغيرين فرّبـاهما، ثم استغلظا واستعلـجا وشبّـا قال: فأوثق رجل كلّ واحد منهما بوتد إلـى تابوت، وجوّعهما، وقعد هو ورجل آخر فـي التابوت، قال: ورفع فـي التابوت عصا علـى رأسه اللـحم، قال: فطارا، وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ قال: أرى كذا وكذا، حتـى قال: أرى الدنـيا كأنها ذبـاب، فقال: صوّب العصا فصوّبها فهبطا. قال: فهو قول اللّه تعالـى: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) قال أبو إسحاق: وكذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ) .

١٥٨٢٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) مكر فـارس. وزعم أن بختنصر خرج بنسور، وجعل له تابوتا يدخـله، وجعل رماحا فـي أطرافها واللـحم فوقها أراه قال: فعلت تذهب نـحو اللـحم حتـى انقطع بصره من الأرض وأهلها، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ ففرِق، ثم سمع الصوت فوقه، فصوّب الرماح، فتصوّبت النسور، ففزعت الـجبـال من هدّتها، وكادت الـجبـال أن تزول منه من حسّ ذلك، فذلك قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مـجاهد: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعنْدَ اللّه مَكْرُهُمْ وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ) كذا قرأها مـجاهد: (كادَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ) وقال: إن بعض من مضى جوّع نسورا، ثم جعل علـيها تابوتا فدخـله، ثم جعل رماحا فـي أطرافها لـحم، فجعلت ترى اللـحم فتذهب، حتـى انتهى بصره، فنودي: أيها الطاغية أين تريد؟ فصوّب الرّماح، فتصوّبت النسور، ففزعت الـجبـال، وظنّت أن الساعة قد قامت، فكادت أن تزول، فذلك قوله تعالـى: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

قال ابن جريج: أخبرنـي عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن عمر بن الـخطاب، أنه كان يقرأ: وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْه الـجِبـالُ.

١٥٨٢١ـ حدثنـي هذا الـحديث أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، أنه كان يقرأ علـى نـحو: (لَتَزُولُ) بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية.

١٥٨٢٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانـيـل قال: سمعت علـيّا

يقول: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانـيـل، قال: سمعت علـيّا

يقول: (وإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الـحِبـالُ) قال: ثم أنشأ علـيّ يحدّث فقال: نزلت فـي جبّـار من الـجبـابرة قال: لا أنتهي حتـى أعلـم ما فـي السماء، ثم اتـخذ نسورا فجعل يطعمها اللـحم حتـى غلظت واستعلـجت واشتدّت، وذكر مثل حديث شعبة.

١٥٨٢٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو داود الـحضرمي، عن يعقوب، عن حفص بن حميد أو جعفر، عن سعيد بن جبـير: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـحِبـالُ) قال: نـمرود صاحب النسور، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلاً، ثم أمر بـالنسور فـاحتـمل، فلـما صعد قال لصاحبه: أيّ شيء ترى؟ قال: أرى الـماء وجزيرة يعني الدنـيا ثم صعد فقال لصاحبه: أيّ شيء ترى؟ قال: ما نزداد من السماء إلاّ بُعدا، قال: اهبط وقال غيره: نودي أيها الطاغية أين تريد؟ قال: فسمعت الـجبـال حفـيف النسور، فكانت ترى أنها أمر من السماء، فكادت تزول، فهو قوله: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

١٥٨٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، أن أنسا كان يقرأ: (وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) .

وقال آخرون: كان مكرهم شركهم بـاللّه وافتراءهم علـيه. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٢٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ

يقول: شركهم، ك قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ.

١٥٨٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك : (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) قال: هو ك قوله: وَقالُوا اتّـخَذَ الرّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُـمْ شَيْئا إدّا تَكاد السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجبـالُ هَدّا.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ ثم ذكر مثله.

١٥٨٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، أن الـحسن كان

يقول: كان أهون علـى اللّه وأصغر من أن تزول منه الـجبـال، يصفهم بذلك. قال قتادة: وفـي مصحف عبد اللّه بن مسعود: (وإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) ، وكان قتادة يقول عند ذلك: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا: أي لكلامهم ذلك.

١٥٨٢٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، فـي قوله: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ) قال ذلك حين دعوا لله ولدا. وقال فـي آية أخرى: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا أنْ دَعَوْا للرّحْمَنِ وَلَدًا.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ فـي حرف ابن مسعود: (وإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) هو مثل قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقّ الأرْضُ وتَـخِرّ الـجِبـالُ هَدّا.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـحجاز والـمدينة والعراق ما خلا الكسائي: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ بكسر اللام الأولـى وفتـح الثانـية، بـمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال. وقرأه الكسائي: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية علـى تأويـل قراءة من قرأ ذلك: (وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجِبـالُ) من الـمتقدمين الذين ذكرت أقوالهم، بـمعنى: اشتدّ مكرهم حتـى زالت منه الـجبـال، أو كادت تزول منه. وكان الكسائيّ يحدّث عن حمزة، عن شبل عن مـجاهد، أنه كان يقرأ ذلك علـى مثل قراءته: (وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولُ مِنْهُ الـجبـالُ) برفع تزول.

١٥٨٢٩ـ حدثنـي بذلك الـحرث عن القاسم عنه.

والصواب من القراءة عندنا، قراءة من قرأه: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ بكسر اللام الأولـى وفتـح الثانـية، بـمعنى: وما كان مكرههم لتزول منه الـجبـال.

وإنـما قلنا ذلك هو الصواب، لأن اللام الأولـى إذا فُتـحت، فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الـجبـال، ولو كانت زالت لـم تكن ثابتة، وفـي ثبوتها علـى حالتها ما يبـين عن أنها لـم تزُل. وأخرى إجماع الـحجة من القرّاء علـى ذلك، وفـي ذلك كفـاية عن الاستشهاد علـى صحتها وفساد غيرها بغيره.

فإن ظنّ ظانّ أن ذلك لـيس بإجماع من الـحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك، فإن الأمر بخلاف ما ظنّ فـي ذلك، وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية قرءوا: (وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ) بـالدال، وهي إذا قرئت كذلك، فـالصحيح من القراءة مع: وَإنْ كادَ فتـح اللام الأولـى ورفع الثانـية علـى ما قرءوا، وغير جائز عندنا القراءة كذلك، لأن مصاحفنا بخلاف ذلك، وإنـما خطّ مصاحفنا وإن كان بـالنون لا بـالدال. وإذا كانت كذلك، فغير جائز لأحد تغيـير رسم مصاحف الـمسلـمين، وإذا لـم يجز ذلك لـم يكن الصحاح من القراءة إلاّ ما علـيه قرّاء الأمصار دون من شذّ بقراءته عنهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقَدْ مَكَرُوا مَكرهُم وَعِنْدَ اللّه مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ

يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.

١٥٨٣١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الـحسن، فـي قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن، قال: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.

حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن يونس وعمرو، عن الـحسن: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ منْهُ الـجِبـالُ قالا: وكان الـحسن

يقول: وإن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الـجبـال.

١٥٨٣٢ـ قال: قال هارون: وأخبرنـي يونس، عن الـحسن قال: أربع فـي القرآن: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ: ما كان مكرهم لتزول منه الـجبـال.

وقوله: لاتّـخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إنْ كُنّا فـاعِلِـينَ: ما كنا فـاعلـين.

وقوله: إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فأنا أوّلُ العابِدِينَ: ما كان للرحمن ولد.

وقوله: وَلَقَدْ مَكَنّاهُمْ فِـيـما إنْ مَكّنّاكُمْ: ما مكناكم فـيه.

١٥٨٣٣ـ قال: هارون: وحدثنـي بهنّ عمرو بن أسبـاط، عن الـحسن، وزاد فـيهنّ واحدة: فإنْ كُنْتَ فِـي شَكّ: ما كنت فـي شكّ مِـمّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ.

فـالأولـى من القول بـالصواب فـي تأويـل الاَية، إذ كانت القراءة التـي ذكرت هي الصواب لـما بـيّنا من الدلالة فـي قوله: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّه مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ وقد أشرك الذين ظلـموا أنفسهم بربهم وافتروا علـيه فريتهم علـيه، وعند اللّه علـم شركهم به وافترائهم علـيه، وهو معاقبهم علـى ذلك عقوبتهم التـي هم أهلها، وما كان شركهم وفريتهم علـى اللّه لتزول منه الـجبـال، بل ما ضرّوا بذلك إلاّ أنفسهم، ولا عادت بغية مكروهة إلاّ علـيهم.

١٥٨٣٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح، قال: حدثنا الأعمش، عن شِمر، عن علـيّ، قال: الغدر مكر، والـمكر كفر.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلاَ تَحْسَبَنّ اللّه مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنّ اللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فَلا تَـحْسَبنّ اللّه مُخْـلِفَ وَعْدِهِ الذي وعدهم من كذّبهم، وجحد ما أتَوْهم به من عنده. وإنـما قاله تعالـى ذكره لنبـيه تثبـيتا وتشديدا لعزيـمته، ومعرّفه أنه منزل من سخطه بـمن كذّبه وجحد نبوّته، وردّ علـيه ما أتاه به من عند اللّه ، مثال ما أنزل بـمن سلكوا سبـيـلهم من الأمـم الذين كانوا قبلهم علـى مثل منهاجهم من تكذيب رسلهم وجحود نبوّتهم وردّ ما جاءوهم به من عند اللّه علـيهم.

وقوله: إنّ اللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ يعني ب قوله: إنّ اللّه عَزِيزٌ: لا يـمانع منه شيء أراد عقوبته، قادر علـى كل من طلبه، لا يفوتُه بـالهَرَب منه. ذُو انْتِقامٍ مـمن كفر برسله وكذّبهم، وجحد نبوتهم، وأشرك به واتـخذ معه إلها غيره. وأضيف قوله: مُخْـلِفَ إلـى الوعد، وهو مصدر لأنه وقع موقع الاسم، ونصب قوله: رُسُلَهُ بـالـمعنى وذلك أن الـمعنى: فلا تـحسبنّ اللّه مخـلف رسله وعده. فـالوعد وإن كان مخفوضا بإضافة (مخـلف) إلـيه، ففـي معنى النصب، وذلك أن الإخلاف يقع علـى منصوبـين مختلفـين، كقول القائل: كسوت عبدَ اللّه ثوبـا، وأدخـلته دارا. وإذا كان الفعل كذلك يقع علـى منصوبـين مختلفـين، جاز تقديـم أيّهما قْدّم، وخفصُ ما وَلِـيَ الفعل الذي هو فـي صورة الأسماء ونصب الثانـي، فـيقال: أنا مدخـلُ عبدِ اللّه الدار، وأنا مدخـلُ الدّارِ عبدَ اللّه ، إن قدّمت الداء إلـى الـمُدْخـل وأخرت عبدَ اللّه خفضت الدار، إذ أضيف مُدْخـل إلـيها، ونُصِب عبد اللّه وإن قُدّم عبدُ اللّه إلـيه، وأخّرت الدار، خفض عبد اللّه بإضافة مُدْخـلٍ إلـيه، ونصب الدار وإنـما فعل ذلك كذلك، لأن الفعل أعنـي مدخـل يعمل فـي كلّ واحد منهما نصبـا نـحو عمله فـي الاَخر ومنه قول الشاعر:

تَرَى الثّوْرَ فـيها مُدْخِـلَ الظّلّ رأسَهُوسائرُهُ بـادٍ إلـى الشّمْسِ أجْمَعُ

أضاف مُدْخـل إلـى الظلّ، ونصب الرأس وإنـما معنى الكلام: مدخـل رأسَه الظلّ. ومنه قول الاَخر:

فَرِشْنـي بِخَيْرٍ لا أكُونَ وَمِدْحَتِـيكناحِتِ يَوْمٍ صَخْرَةً بعَسِيـلِ

والعسيـل: الريشة جُمع بها الطيب، وإنـما معنى الكلام: كناحِتِ صخرةٍ يوما بعسيـل، وكذلك قول الاَخر:

رُبّ ابْنِ عَمَ لِسُلَـيْـمَى مُشْمَعِلْطَبّـاخِ ساعاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِلْ

وإنـما معنى الكلام: طبـاخ زادِ الكَسل ساعاتِ الكَرَى.

فأما من قرأ ذلك: فَلا تَـحْسَبنّ اللّه مُخْـلِفَ وَعْدِهِ رُسلهُ فقد بـيّنا وجه بُعْدِه من الصحة فـي كلام العرب فـي سورة الأنعام، عند قوله: وكَذَلِكَ زَيّنَ لِكَثِـيرٍ مِنَ الـمُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شركاؤهم، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ }.

يقول تعالـى ذكره: إن اللّه ذو انتقام يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضِ والسّمَوَاتُ من مشركي قومك يا مـحمد من قريش، وسائر من كفر بـاللّه وجحده نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك. ف (يوم) من صلة (الانتقام) .

واختلف فـي معنى قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ

فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم تبدّل الأرض التـي علـيها الناس الـيوم فـي دار الدنـيا غير هذه الأرض، فتصير أرضا بـيضاء كالفضة. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٣٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميـمون يحدّث، عن عبد اللّه أنه قال فـي هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: أرض كالفضة نقـية لـم يَسِل فـيها دم، ولـم يُعْمَل فـيها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفُذُهم البصر، حُفـاة عُراة قـياما أحسب قال: كما خُـلِقوا، حتـى يـلـجمهم العرق قـياما وَحْدَه.

١٥٨٣٦ـ قال: شعبة: ثم سمعته

يقول: سمعت عمرو بن ميـمون، ولـم يذكر عبد اللّه ثم عاودته فـيه، قال: حدثنـيه هبـيرة، عن عبد اللّه .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميـمون وربـما قال: قال عبد اللّه : وربـما لـم يقل، فقلت له: عن عبد اللّه ؟ قال: سمعت عمرو بن ميـمون

يقول: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كالفضة بـيضاء نقـية، لـم يسل فـيها دم، ولـم يعمل فـيها خطيئة، فـينفُذُهم البصر، ويسمعهم الداعي، حفـاة عُراة كما خُـلِقوا. قال: أراه قال: قـياما حتـى يُـلـجمهم العرق.

١٥٨٣٧ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن ابن مسعود، قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: تبدّل أرضا بـيضاء نقـية كأنها فضة، لـم يسفك فـيها دم حرام، ولـم يُعمَل فـيها خطيئة.

 

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: أخبرنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون عن عبد اللّه ، فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض الـجنة بـيضاء نقـية، لـم يُعمل فـيها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفـاة عراة قـياما يـلـجمهم العرق.

١٥٨٣٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض بـيضاء كالفضة لـم يسفك فـيها دم حرام، ولـم يُعمل فـيها خطيئة.

١٥٨٣٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: أخبرنا عاصم بن بَهْدلة، عن زِرّ بن حُبـيش، عن عبد اللّه بن مسعود، أنه تلا هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ قال: يجاء بأرض بـيضاء كأنها سبـيكة فضة لـم يُسْفك فـيها دم، ولـم يُعمل علـيها خطيئة، قال: فأوّل ما يحكم بـين الناس فـيه فـي الدماء.

١٥٨٤٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سنان، عن جابر الـجُعفـيّ، عن أبـي جبـيرة، عن زيد، قال: أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـيهود، فقال: (هَلْ تَدْرُونَ لِـمَ أرْسَلْتُ إلَـيْهِمْ؟) قالوا: اللّه ورسوله أعمل. قال: (فإنّـي أرْسَلْتُ إلَـيْهِمْ أسألُهُمْ عَنْ قَوْلِ اللّه يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ إنّها تَكُونُ يَوْمَئذٍ بَـيْضَاءَ مثْلَ الفضّةِ) . فلـما جاءوا سألهم، فقالوا: تكون بـيضاء مثل النقـيّ.

١٥٨٤١ـ حدثنا أبو إسماعيـل الترمذي، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك، أنه تلا هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: يبدّلها اللّه يوم القـيامة بأرض من فضة لـم يُعمل علـيها الـخطايا، ينزلها الـجبّـار تبـارك تعالـى.

١٥٨٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كأنه الفضة. زاد الـحسن فـي حديثه عن شبـابة: والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرض كأنها الفضة، والسموات كذلك أيضا.

١٥٨٤٣ـ حدثنا ابن البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنـي أبو حازم، قال: سمعت سهل بن سعد

يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القـيامَةِ علـى أرْضٍ بَـيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النّقِـيّ) . قال سهل أو غيره: (لَـيْسَ فـيها مَعْلَـمٌ لغَيْرِهِ) .

وقال آخرون: تبدّل نارا. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٤٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن قـيس بن السّكْن، قال: قال عبد اللّه : الأرض كلها نار يوم القـيامة، والـجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها والذي نفس عبد اللّه بـيده، إن الرجل لـيفـيض عرقا حتـى يرشح فـي الأرض قدمه، ثم يرتفع حتـى يبلغ أنفه وما مسه الـحساب فقالوا: مـم ذاك يا أبـا عبد الرحمن؟ قال: مـما يرى الناس ويـلقون.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنَا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عبد اللّه : الأرض كلها يوم القـيامة نار، والـجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها، ويـلـجم الناس العرق، أو يبلغ منهم العرق، ولـم يبلغوا الـحساب.

وقال آخرون: بل تبدّل الأرض أرضا من فضة. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٤٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت الـمغيرة بن مالك يحدّث عن الـمـجاشع أو الـمـجاشعي، شكّ أبو موسى عمن سمع علـيّا يقول فـي هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: الأرض من فضة، والـجنة من ذهب.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن شعبة، عن الـمغيرة بن مالك، قال: ثنـي رجل من بنـي مـجاشع، يقال له عبد الكريـم أو ابن عبد الكريـم قال: ثنـي هذا الرجل أراه بسمرقند، أنه سمع علـيّ بن أبـي طالب قرأ هذه الاَية: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: الأرض من فضة، والـجنة من ذهب.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن مغيرة بن مالك، عن رجل من بنـي مـجاشع، يقال له عبد الكريـم أو يكنى أبـا عبد الكريـم قال: أقامنـي علـى رجل بخراسان، فقال: حدثنـي هذا أنه سمع علـيّ بن أبـي طالب، فذكر نـحوه.

١٥٨٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ... الاَية، فزعم أنها تكون فضة.

١٥٨٤٧ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك قال: يبدّلها اللّه يوم القـيامة بأرض من فضة.

وقال آخرون: يبدّلها خبزة.ذكر من قال ذلك:

١٥٨٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو سعيد بن دلّ من صغانـيان، قال: حدثنا الـجارود بن معاذ الترمِذِيّ، قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح، عن عمر بن بشر الهمدانـي، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: تبدّل خبزة بـيضاء يأكل الـمؤمن من تـحت قدميه.

١٥٨٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا وكيع، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القرظي، أو عن مـحمد بن قـيس: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: خبزة يأكل منها الـمؤمنون من تـحت أقدامهم.

وقال آخرون: تبدّل الأرض غير الأرض. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٥٠ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن كعب فـي قوله: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر النار. قال: وتبدّل الأرض غيرها.

١٥٨٥١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـيّ، عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـيّ، عن يزيد، عن رجل من الأنصار، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يُبَدّلُ اللّه الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ، فَـيَبْسُطُها ويَسْطَحُها ويَـمُدّها مَدّ الأدِيـمِ العُكاظِيّ، لا تَرَى فـيها عِوَجا وَلا أمْتا، ثُمّ يَزْجُرُ اللّه الـخَـلْقَ زَجْرَةً، فإذَا هُمْ فِـي هذِهِ الـمُبَدّلَةِ فِـي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولـى، ما كانَ فِـي بَطْنها فَفـي بَطْنِها وَما كانَ علـى ظَهْرِها كانَ علـى ظَهْرِها، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السموَاتِ كَطَيّ السّجلّ للْكِتابِ، ثُمّ يَدْحُو بهما، ثُمّ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ) .

١٥٨٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون الأودي، قال: يجمع الناس يوم القـيامة فـي أرض بـيضاء، لـم يُعمل فـيها خطيئة مقدار أربعين سنة يـلـجمهم العرق.

وقالت عائشة فـي ذلك، ما:

١٥٨٥٣ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع، قالوا: حدثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول اللّه ، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض، وبرزوا اللّه الواحد القهّار، أين الناس يومئذٍ؟ قال: (عَلـى الصّرَاطِ) .

حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن عائشة عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم نـحوه.

١٥٨٥٤ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد، عن داود، عن عامر، عن مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أمّ الـمؤمنـين أرأيتِ قول اللّه :يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِد القَهّارِ أين الناس يومئذٍ؟ فقالت: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك، فقال: (عَلـى الصّرَاطِ) .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا الـحسن بن عنبسة الورّاق، قال: حدثنا عبد الرحيـم، يعني ابن سلـيـمان الرازي عن داود بن أبـي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن قول اللّه :يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قلت: يا رسول اللّه ، إذا بُدّلت الأرض غير الأرض، أين يكون الناس؟ قال: (عَلـى الصّرَاطِ) .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عاصم بن علـيّ، قال: حدثنا إسماعيـل بن زكريا، عن داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة بنـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن عائشة أمّ الـمؤمنـين قالت: (أنا أوّل الناس سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه الاَية) ثم ذكر نـحوه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا ربعيّ بن إبراهيـم الأسدي أخو إسماعيـل بن إبراهيـم، عن داود بن أبـي هند، عن عامر، قال: قالت عائشة: يا رسول اللّه ، أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض، أين الناس يومئذٍ؟ قال: (عَلـى الصّراط) .

١٥٨٥٥ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا علـيّ بن الـجَعْد، قال: أخبرنـي القاسم، قال: سمعت الـحسن، قال: قالت عائشة: يا رسول اللّه يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فأين الناس يومئذٍ؟ قال: (إنّ هذَا الشّيْءَ ما سألَنِـي عَنْهُ أحَدٌ) ، قال: (عَلـى الصّرَاطِ يا عائِشَةُ) .

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيـم، قال: ثنـي الولـيد، عن سعيد، عن قتادة، عن حسان بن بلال الـمزنـيّ، عن عائشة: أنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن قول اللّه :يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال: قالت: يا رسول اللّه ، فأين الناس يومئذٍ؟ قال: (لَقَدْ سألْتِنـي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِـي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِـي، ذَاكَ إذَا النّاسُ علـى جَسْرِ جَهَنّـمَ) .

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ ذُكر لنا أن عائشة قالت: يا رسول اللّه : فأين الناس يومئذٍ؟ فقال: (لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِـي عَنْه أحَدٌ مِنْ أُمّتِـي قَبْلَكِ) . قال: (هُمْ يَوْمَئِذٍ علـى جِسْرِ جَهَنّـمَ) .

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن عائشة سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه، إلاّ أنه قال: (عَلـى الصّرَاطِ) .

١٥٨٥٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أسماء، عن ثوبـان، قال: سأل حبر من الـيهود رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال: (هُمْ فِـي الظّلْـمَةِ دُون الـجَسْرِ) .

حدثنـي مـحمد بن عون، قال: حدثنا أبو الـمغيرة، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: حدثنا سعيد بن ثوبـان الكلاعي، عن أبـي أيوب الأنصاريّ، قال: أتـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حبرٌ من الـيهود، وقال: أرأيت إذ يقول اللّه فـي كتابه: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ فأين الـخـلق عند ذلك؟ قال: (أضْيافُ اللّه فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ) .

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: معناه: يوم تبدّل الأرض التـي نـحن علـيها الـيوم يوم القـيامة غيرَها، وكذلك السموات الـيوم تبدّل غيرها، كما قال جلّ ثناؤه. وجائز أن تكون الـمبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر فـي ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسلـيـم له أيّ ذلك يكون، فلا قول فـي ذلك يصحّ إلاّ ما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل.

وبنـحو ما قلنا فـي معنى قوله: والسّمَوَاتُ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال: أرضا كأنها الفضة والسّمَوَاتُ كذلك أيضا.

وقوله: وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ

يقول: وظهروا لله الـمنفرد بـالربوبـية، الذي يقهر كلّ شيء فـيغلبه ويصرفه لـما يشاء كيف يشاء، فـيحيـي خـلقه إذا شاء، ويـميتهم إذا شاء، لا يغلبه شيء، ولا يقهره من قبورهم أحياء لـموقـف القـيامة.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ }.

يقول تعالـى ذكره: وتعاين الذين كفروا بـالله، فـاجترموا فـي الدنـيا الشرك يومئذٍ، يعني : يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات. مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ

يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلـى رقابهم بـالأصفـاد، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة، واحدها: صَفَد، يقال منه: صفدته فـي الصّفَد صَفْدا وصِفـادا، والصفـاد: القـيد، ومنه قول عمرو بن كلثوم.

فَآبُوا بـالنّهابِ وبـالسّبـاياوأُبْنا بـالـمُلُوكِ مُصَفّدِينا

ومن جعل الواحد من ذلك صِفـادا جمعه: صُفُدا لا أصفـادا. وأما من العطاء، فإنه يقال منه: أصفدتُهُ إصفـادا، كما قال الأعشى:

تَضَيّفْتُهُ يَوْما فأكْرَمَ مَـجْلِسِيوأصْفَدَنِـي عِنْدَ الزّمانَةِ قائِدَا

وقد قـيـل فـي العطاء أيضا: صَفَدَنـي صَفْدا، كما قال النابغة الذبـيانـيّ:

هَذَا الثّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِفَمَا عَرَضْتُ أبَـيْتَ اللّعْنَ بـالصّفَدِ

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ

يقول: فـي وثاق.

١٥٨٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عيسى الدامغانـي، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: الأصفـاد: السلاسل.

١٥٨٦٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال: مقرّنـين فـي القـيود والأغلال.

١٥٨٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا علـيّ بن هاشم بن البريد، قال: سمعت الأعمش،

يقول: الصفد: القـيد.

١٥٨٦٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مُقَرّنِـينَ فِـي الأصْفـادِ قال: صفدت فـيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم، والأصفـاد: الأغلال.

٥٠

وقوله: سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ

يقول: قمصهم التـي يـلبسونها، واحدها: سربـال، كما قال امرؤ القـيس:

لَعُوبٌ تُنَسّينِـي إذَا قُمْتُ سرْبـالـي

١٥٨٦٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ قال: السرابـيـل: القُمُص.

وقوله: مِنْ قَطِرَانٍ:

يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل، وفـيه لغات ثلاث: يقال: قِطْران وقَطْران بفتـح القاف وتسكين الطاء منه. وقـيـل: إن عيسى بن عمر كان يقرأ: مِنْ قِطْرَانٍ بكسر القاف وتسكين الطاء ومنه قول أبـي النـجم:

جَوْنٌ كأنّ العَرَقَ الـمَنْتُوحالَبّسَهُ القِطْرَانَ والـمُسُوحا

بكسر القاف، وقال أيضا:

كأنّ قِطْرَانا إذَا تَلاهَاتَرْمي بِهِ الرّيحُ إلـى مَـجْرَاها

بـالكسر.

وبنـحو ما قلناه فـي ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٦٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: مِنْ قَطِرانٍ يعني : الـخَضْخَاض هِناء الإبل.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحسن: مِنْ قَطِرَانٍ قال: قطران الإبل.

وقال بعضهم: القطران: النـحاس. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٦٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: قَطران: نـحاس، قال ابن جريج: قال ابن عبـاس : مِنْ قَطِرَانٍ: نـحاس.

١٥٨٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة: مِن قَطِران قال: هي نـحاس.

وبهذه القراءة: أعنـي بفتـح القاف وكسر الطاء وتصيـير ذلك كله كلـمة واحدة، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار، وبها نقرأ لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.

وقد رُوي عن بعض الـمتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ) بفتـح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيـير (آن) من نعِته، وتوجيه معنى (القَطر) إلـى أنه النـحاس ومعنى (الاَن) إلـى أنه الذي قد انتهى حرّه فـي الشدّة.

ومـمن كان يقرأ ذلك كذلك فـيـما ذُكر لنا عكرمة مولـى ابن عبـاس .

١٥٨٦٧ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حُصَين عنه. ذكر من تأوّل ذلك علـى هذه القراءة التأويـل الذي ذكرت فـيه:

١٥٨٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله: (سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: قطر، والاَن: الذي قد انتهى حرّه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا داود بن مِهران، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير نـحوه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، بنـحوه.

١٥٨٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير أنه كان يقرأ: (سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ) .

١٥٨٧٠ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا الـمبـارك بن فضالة، قال: سمعت الـحسن

يقول: كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه: قد أنى حرّ هذا، قد أوقدت علـيه جهنـم منذ خـلقت فأنى حرّها.

١٥٨٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع بن أنس فـي قوله: (سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: القطر: النـحاس، والاَن:

يقول: قد أنى حرّه، وذلك أنه

يقول: حميـمٌ آن.

١٥٨٧٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا ثابت بن يزيد، قال: حدثنا هلال بن خبـاب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي هذه الاَية: (سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: من نـحاس، قال: آنٍ أنى لهم أن يعذّبوا به.

١٥٨٧٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، عن عكرمة، فـي قوله: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: الاَنـي: الذي قد انتهى حرّه.

١٥٨٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: هو النـحاس الـمذاب.

١٥٨٧٥ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة: (مِنْ قَطُرٍ آنٍ) يعني : الصّفر الـمذاب.

١٥٨٧٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن قتادة: (سَرَابِـيـلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: من نـحاس.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا أبو حفص، عن هارون، عن قتادة أنه كان يقرأ: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ) قال: من صفر قد انتهى حرّه.

وكان الـحسن يقرؤها: (مِنْ قَطْرٍ آنٍ) .

وقوله: وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ

يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتـحرقها

٥١

لِـيَجْزِيَ اللّه كُلّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ

يقول: فعل اللّه ذلك بهم جزاء لهم بـما كسبوا من الاَثام فـي الدنـيا، كيـما يثـيب كلّ نفس بـما كسبت من خير وشرّ، فـيَجْزِي الـمـحسن بإحسانه، والـمسيء بإساءته.

إنّ اللّه سَرِيعُ الـحِسابِ

يقول: إن اللّه عالـم بعمل كلّ عامل، فلا يحتاج فـي إحصاء أعمالهم إلـى عقد كفّ ولا معاناة، وهو سريع حسابه لأعمالهم، قد أحاط بها علـما، لا يعزب عنه منها شيء، وهو مـجازيهم علـى جميع ذلك صغيره وكبـيره.

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هَـَذَا بَلاَغٌ لّلنّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُوَاْ أَنّمَا هُوَ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذّكّرَ أُوْلُواْ الألْبَابِ }.

يقول تعالـى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس، أبلغ اللّه به إلـيهم فـي الـحجة علـيهم، وأعذر إلـيهم بـما أنزل فـيه من مواعظه وعبره. وَلِـيُنْذَرُوا بِهِ

يقول: ولـينذروا عقاب اللّه ، ويحذروا به نقماته، أنزله إلـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم. وَلِـيَعْلَـمُوا أنّـمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ

يقول: ولـيعلـموا بـما احتـجّ به علـيهم من الـحجج فـيه أنـما هو إله واحد، لا آلهة شتـى، كما يقوله الـمشركون بـالله، وأن لا إله إلاّ هو الذي له ما فـي السموات وما فـي الأرض، الذي سخر لهم الشمس والقمر واللـيـل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، وسخر لهم الفُلك لتـجري فـي البحر بأمره وسخر لهم الأنهار. وَلِـيَذّكّرَ أُولُوا الألْبـابِ

يقول: ولـيتذكر فـيتعظ بـما احتـجّ اللّه به علـيه من حججه التـي فـي هذا القرآن، فـينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره، ويُشْرِك فـي عبـادته شيئا سواه أهلُ الـحجى والعقول، فإنهم أهل الاعتبـار والادّكار، دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام، فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبـيلاً.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:

هَذَا بَلاغٌ للنّاسِ قال: القرآن. وَلِـيُنْذَرُوا بِهِ: قال: بـالقرآن. وَلِـيَعْلَـمُوا أنّـمَا هُوَ إلهٌ واحدٌ وَلِـيَذَكّرَ أُولُوا الألْبـابِ.

﴿ ٠