٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَسْتَحِبّونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا عَلَى الاَخِرَةِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }.

 يعني جل ثناؤه ب قوله: الّذِينَ يَسْتَـحِبّونَ الـحَياةَ الدّنْـيا علـى الاَخرَةِ الذين يختارون الـحياة الدنـيا ومتاعهم ومعاصيَ اللّه فـيها علـى طاعة اللّه وما يقربهم إلـى رضاه من الأعمال النافعة فـي الاَخرة. وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه

يقول: ويـمنعون من أراد الإيـمان بـاللّه واتبـاع رسوله علـى ما جاء به من عند اللّه من الإيـمان به واتبـاعه. وَيَبْغُونَها عِوَجا

يقول: ويـلتـمسون سبـيـل اللّه ، وهي دينه الذي ابتعث به رسوله. عوجا: تـحريفـا وتبديلاً بـالكذب والزور. (والعِوَج) بكسر العين وفتـح الواو فـي الدين والأرض وكلّ ما لـم يكن قائما، فأما فـي كل ما كان قائما كالـحائط والرمـح والسنّ فإنه يقال بفتـح العين والواو جميعا (عَوَج) يقول اللّه عزّ ذكره: أُولَئِكَ فِـي ضَلالٍ بَعِيدٍ يعني : هؤلاء الكافرين الذي يستـحبون الـحياة الدنـيا علـى الاَخرة،

يقول: هم فـي ذهاب عن الـحقّ بعيد، وأخذ علـى غير هدى، وجَوْر عن قصد السبـيـل.

وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (علـى) فـي قوله: علـى الاَخِرَةِ فكان بعض نـحويـيّ البصرة

يقول: أوصل الفَعَل ب (علـى) ، كما قـيـل: ضربوه فـي السيف، يريد بـالسيف، وذلك أن هذه الـحروف يوصل بها كلها وتـحذف، نـحو قول العرب: نزلت زيدا، ومررت زيدا، يريدون: مررت به، ونزلت علـيه. وقال بعضهم: إنـما أدخـل ذلك، لأن الفعل يؤدّي عن معناه من الأفعال، ففـي قوله: يَسْتَـحبّونَ الـحَياةَ الدّنـيْا علـى الاَخِرَةِ ولذلك أدخـلت (علـى) . وقد بـيّنت هذا ونظائره فـي غير موضع من الكتاب بـما أغنى عن الإعادة.

﴿ ٣