تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الحجر

سورة الـحجر مكية وآياتها تسع وتسعون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مّبِينٍ }.

أما قوله جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه الر، فقد تقدم بـيانها فـيـما مضى قبل. وأما قوله: تِلْكَ آياتُ الكِتابِ فإنه يعني : هذه الاَيات، آيات الكتب التـي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنـجيـل. وقُرآنٍ

يقول: وآيات قرآن مُبِـينٍ

يقول: يُبِـين من تأمله وتدبّره رشدَه وهداه. كما:

١٥٨٧٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَقُرآنٍ مُبِـينٍ قال: تبـين واللّه هداه ورشده وخيره.

١٥٨٧٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن مـجاهد: الر فواتـح يفتتـح بها كلامه. تِلْكَ آياتُ الكِتابِ قال: التوراة والإنـجيـل.

١٥٨٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ قال: الكتُب التـي كانت قبل القرآن.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }.

اختلفت القراء فـي قراءة قوله رُبَـمَا فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين رُبَـمَا بتـخفـيف البـاء، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة بتشديدها.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بـمعنى واحد، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب.

واختلف أهل العربـية فـي معنى (ما) التـي مع (ربّ) ، فقال بعض نـحويـي البصرة: أدخـل مع (ربّ) (ما) لـيتكلـم بـالفعل بعدها، وإن شئت جعلت (ما) بـمنزلة شيء، فكأنك قلت: ربّ شيء، يودّ: أي ربّ ودّ يودّه الذين كفروا. وقد أنكر ذلك من قوله بعض نـحويّـي الكوفة، وقال: الـمصدر لا يحتاج إلـى عائد، والودّ قد وقع علـى (لو) ، ربـما يودون لو كانوا: أن يكونوا. قال: وإذا أضمر الهاء فـي (لو) فلـيس بـمفعول، وهو موضع الـمفعول، ولا ينبغي أن يترجم الـمصدر بشيء، وقد ترجمه بشيء، ثم جعله ودّا، ثم أعاد علـيه عائدا. فكان الكسائي والفرّاء يقولان: لا تكاد العرب توقع (ربّ) علـى مستقبل، وإنـما يوقعونها علـى الـماضي من الفعل كقولهم: ربـما فعلت كذا، وربـما جاءنـي أخوك. قالا: وجاء فـي القرآن مع الـمستقبل: ربـما يودّ، وإنـما جاز ذلك لأن ما كان فـي القرآن من وعد ووعيد وما فـيه، فهو حقّ كأنه عيان، فجرى الكلام فـيـما لـم يكن بعدُ مـجراه فـيـما كان، كما قـيـل: وَلَوْ تَرَى إذ الـمُـجْرمُونَ ناكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ

وقوله: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزعُوا فَلا فَوْتَ كأنه ماض وهو منتظر لصدقه فـي الـمعنى، وأنه لا مكذّب له، وأن القائل لا يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاه الـمأمور

يقول: أما واللّه لربّ ندامة لك تذكر قولـي فـيها لعلـمه بأنه سيندم، واللّه ووعده أصدق من قول الـمخـلوقـين. وقد يجوز أن يصحب (ربـما) الدائم وإن كان فـي لفظ يفعل، يقال: ربـما يـموت الرجل فلا يوجد له كفن، وإن أُولـيت الأسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبو دُؤاد:

رُبّـمَا الـجامِلُ الـمُؤَبّلُ فِـيهِمُوعَناجِيجُ بَـيْنَهُنّ الـمِهَارُ

فتأويـل الكلام: ربـما يودّ الذين كفروا بـاللّه فجحدوا وحدانـيته لو كانوا فـي دار الدنـيا مسلـمين. كما:

١٥٨٨١ـ حدثنا علـيّ بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: حدثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبـي بردة، عن أبـي بردة، عن أبـي موسى، قال: بلغنا أنه: (إذا كان يوم القـيامة، واجتـمع أهل النار فـي النار ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة، قال الكفـار لـمن فـي النار من أهل القبلة: ألستـم مسلـمين؟ قالوا: بلـى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتـم معنا فـي النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها. فسمع اللّه ما قالوا، فأمر بكلّ من كان من أهل القبلة فـي النار فأخرجوا، فقال من فـي النار من الكفـار: يا لـيتنا كنا مسلـمين) ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ وقُرآنٍ مُبِـينٍ رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قَطن القُطْعيّ، ورَوح القـيسيّ، وعفـان بن مسلـم واللفظ لأبـي قَطن قالوا: حدثنا القاسم بن الفضل بن عبد اللّه بن أبـي جَرْوة، قال: كان ابن عبـاس وأنس بن مالك يتأوّلان هذه الاَية: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قالا: ذلك يوم يجمع اللّه أهل الـخطايا من الـمسلـمين والـمشركين فـي النار وقال عفـان: حين يحبس أهل الـخطايا من الـمسلـمين والـمشركين فـيقول الـمشركون: ما أغنى عنكم ما كنتـم تعبدون زاد أبو قطن: قد جُمِعنا وإياكم وقال أبو قَطن وعفـان: فـيغضب اللّه لهم بفضل رحمته ولـم يقله روح بن عبـادة. وقالوا جميعا: فـيخرجهم اللّه ، وذلك حين

يقول: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٣ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: يدخـل الـجنة ويرحم حتـى يقول فـي آخر ذلك: من كان مسلـما فلـيدخـل الـجنة قال: فذلك قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ ذلك يوم القـيامة يتـمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين.

١٥٨٨٥ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان عن سلـمة بن كهيـل، عن أبـي الزعراء، عن عبد اللّه ، فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: هذا فـي الـجهنـميـين إذا رأوهم يخرجون من النار.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا ابن أبـي فروة العبدي أن ابن عبـاس وأنس بن مالك كانا يتأوّلان هذه الاَية: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ يتأوّلانها يوم يحبس اللّه أهل الـخطايا من الـمسلـمين مع الـمشركين فـي النار، قال: فـيقول لهم الـمشركون: ما أغنى عنكم ما كنتـم تعبدون فـي الدنـيا، قال: فـيغضب اللّه لهم بفضل رحمته، فـيخرجهم، فذلك حين

يقول: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: ما يزال اللّه يُدخـل الـجنة، ويرحم ويشفع حتـى

يقولَ: من كان من الـمسلـمين فلـيدخـل الـجنة فذلك قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن هشام الدّستوائي، قال: حدثنا حماد، قال: سألت إبراهيـم عن هذه الاَية: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: حُدّثت أن الـمشركين قالوا لـمن دخـل النار من الـمسلـمين: ما أغنى عنكم ما كنتـم تعبدون؟ قال: فـيغضب اللّه لهم، فـيقول للـملائكة والنبـيـين: اشفعوا فـيشفعون، فـيخرجون من النار، حتـى إن إبلـيس لـيتطاول رجاء أن يخرج معهم. قال: فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلـمين.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن إبراهيـم، أنه قال في قول اللّه عز وجل: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: يقول من فـي النار من الـمشركين للـمسلـمين: ما أغنت عنكم (لا إله إلا اللّه ) ؟ قال: فـيغضب اللّه لهم، فـ

يقول: من كان مسلـما فلـيخرج من النار قال: فعند ذلك: يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيـم فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: إن أهل النار يقولون: كنا أهل شرك وكفر، فما شأن هؤلاء الـموحدين ما أغنى عنهم عبـادتهم إياه؟ قال: فـيخرج من النار من كان فـيها من الـمسلـمين. قال: فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن حماد، عن إبراهيـم، عن خصيف، عن مـجاهد، قال: يقول أهل النار للـموحدين: ما أغنى عنكم إيـمانكم؟ قال: فإذا قالوا ذلك، قال: أَخْرِجُوا من كان فـي قلبه مثقال ذرّة فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم، قال: حدثنا هشام، عن حماد، قال: سألت إبراهيـم عن قول اللّه عزّ وجلّ: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: الكفـار يعيّرون أهل التوحيد: ما أغنى عنكم لا إله إلا اللّه ؟ فـيغضب اللّه لهم، فـيأمر النبـيـين والـملائكة فـيشفعون، فـيخرج أهل التوحيد، حتـى إن إبلـيس لـيتطاول رجاء أن يخرج، فذلك قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مـجاهد، قال: هذا فـي الـجهنـميـين، إذا رأوهم يخرجون من النار يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن مـجاهد، قال: إذا فرغ اللّه من القضاء بـين خـلقه، قال: من كان مسلـما فلـيدخـل الـجنة فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: يوم القـيامة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٨٩١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: فـيها وجهان اثنان، يقولون: إذا حضر الكافر الـموت ودّ لو كان مسلـما. ويقول آخرون: بل يعذّب اللّه ناسا من أهل التوحيد فـي النار بذنوبهم، فـيعرفهم الـمشركون فـيقولون: ما أغنت عنكم عبـادة ربكم وقد ألقاكم فـي النار؟ فـيغضب لهم فـيخرجهم، فـ

يقول: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

١٥٨٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ قال: نزلت فـي الذين يخرجون من النار.

١٥٨٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ وذلك واللّه يوم القـيامة، ودّوا لو كانوا فـي الدنـيا مسلـمين.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: ما يزال اللّه يدخـل الـجنة ويشفع حتـى

يقول: من كان من الـمسلـمين فلـيدخـل الـجنة فذلك حين

يقول: رُبَـمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِـمِينَ.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ذر يا مـحمد هؤلاء الـمشركين يأكلوا فـي هذه الدنـيا ما هم آكلوه، ويتـمتعوا من لذاتها وشهواتهم فـيها إلـى أجلهم الذي أجلت لهم، ويُـلْهِهم الأمل عن الأخذ بحظهم من طاعة اللّه فـيها وتزوّدهم لـمعادهم منها بـما يقربهم من ربهم، فسوف يعلـمون غدا إذا وردوا علـيه وقد هلكوا علـى كفرهم بـاللّه وشركهم حين يُعاينون عذاب اللّه أنهم كانوا من تـمتعهم بـما كانوا يتـمتعون فـيها من اللذّات والشهوات كانوا فـي خسار وتبـاب.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاّ وَلَهَا كِتَابٌ مّعْلُومٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وَما أهْلَكْنا يا مـحمد مِنْ أهل قَرْيَةٍ من أهل القرى التـي أهلكنا أهلها فـيـما مضى، إلاّ ولَهَا كِتابٌ مَعْلُومٌ

يقول: إلا ولها أجل مؤقّت ومدة معروفة لا نهلكهم حتـى يبلغوها، فإذا بلغوها أهلكناهم عند ذلك. فـيقول لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فكذلك أهل قريتك التـي أنت منها وهي مكة، لا نهلك مشركي أهلها إلا بعد بلوغ كتابهم أجله، لأن مِنْ قضائي أن لا أهلك أهل قرية إلا بعد بلوغ كتابهم أجله.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا تَسْبِقُ مِنْ أُمّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ما يتقدّم هلاك أمة قبل أجلها الذي جعله اللّه أجلاً لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الذي جعل لها أجلاً. كما:

١٥٨٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، فـي قوله: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمّةٍ أجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُون قال: نرى أنه إذا حضر أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدّم. وأما ما لـم يحضر أجله فإن اللّه يؤخر ما شاء ويقدّم ما شاء.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ يَأَيّهَا الّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ إِنّكَ لَمَجْنُونٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الـمشركون لك من قومك يا مـحمد: يا أيّها الّذِي نُزّلَ عَلَـيْهِ الذّكْرُ وهو القرآن الذي ذكر اللّه فـيه مواعظ خـلقه، إنّكَ لَـمَـجْنُونٌ فـي دعائك إيانا إلـى أن نتّبعك ونذر آلهتنا.

٧

لَوْما تَأْتـينا بـالـمَلائِكَةِ قالوا: هلا تأتـينا بـالـملائكة شاهدة لك علـى صدق ما تقول

إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ يعني : إن كنت صادقا فـي أن اللّه تعالـى بعثك إلـينا رسولاً وأنزل علـيك كتابـا، فإن الربّ الذي فعل ما تقول بك لا يتعذّر علـيه إرسال ملك من ملائكته معك حجة لك علـينا وآية لك علـى نبوّتك وصدق مقالتك. والعرب تضع موضع (لوما) (لولا) ، وموضع (لولا) (لوما) ، من ذلك قول ابن مقبل:

لَوْما الـحَياءُ وَلَوْما الدّينُ عِبْتُكماببَعْضِ ما فـيكُما إذْ عِبْتُـما عَوَرِي

يريد: لولا الـحياء.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : نُزّلَ عَلَـيْهِ الذّكْرُ قال: القرآن.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا نُنَزّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاّ بِالحَقّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مّنظَرِينَ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: ما نُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ فقرأ عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة: (ما تَنَزّلُ الـمَلائِكَةُ) بـالتاء تَنَزّلُ وفتـحها ورفع (الـملائكة) ، بـمعنى: ما تنزل الـملائكة، علـى أن الفعل للـملائكة. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: ما نُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالنون فـي ننزل وتشديد الزاي ونصب الـملائكة، بـمعنى: ما ننزلها نـحن، و (الـملائكة) حينئذ منصوب بوقوع (ننزل) علـيها. وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة: (ما تُنَزّلُ الـمَلائِكَةُ) برفع الـملائكة والتاء فـي (تنزل) وضمها، علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله.

قال أبو جعفر: وكلّ هذ القراءات الثلاث متقاربـات الـمعانـي وذلك أن الـملائكة إذا نزلها اللّه علـى رسول من رسله تنزلت إلـيه، وإذا تنزلت إلـيه فإنـما تنزل بإنزال اللّه إياها إلـيه. فبأيّ هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك، وإن كنت أحبّ لقارئه أن لا يعدو فـي قراءته إحدى القراءتـين اللتـين ذكرت من قراءة أهل الـمدينة والأخرى التـي علـيها جمهور قرّاء الكوفـيـين، لأن ذلك هو القراءة الـمعروفة فـي العامّة، والأخرى: أعنـي قراءة من قرأ ذلك: (ما تُنَزّلُ) بضم التاء من تنزّل ورفع الـملائكة شاذّة قلـيـل من قرأ بها.

فتأويـل الكلام: ما ننزل ملائكتنا إلا بـالـحقّ، يعني بـالرسالة إلـى رسلنا، أو بـالعذاب لـمن أردنا تعذيبه. ولو أرسلنا إلـى هؤلاء الـمشركين علـى ما يسألون إرسالهم معك آية فكفروا لـم يُنظروا فـيؤخروا بـالعذاب، بل عوجلوا به كما فعلنا ذلك بـمن قبلهم من الأمـم حين سألوا الاَيات فكفروا حين آتتهم الاَيات، فعاجلناهم بـالعقوبة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: ما نُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ إلاّ بـالـحَقّ قال: بـالرسالة والعذاب.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: إنّا نَـحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن، وإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ قال: وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مّا لـيس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه. والهاء فـي قوله: (لَهُ) من ذكر الذكر.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٨٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ قال: عندنا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٨٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّا نَـحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ قال فـي آية أخرى: لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ والبـاطل: إبلـيس، مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ فأنزله اللّه ثم حفظه، فلا يستطيع إبلـيس أن يزيد فـيه بـاطلاً ولا ينتقص منه حقّا، حفظه اللّه من ذلك.

١٥٨٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ قال: حفظه اللّه من أن يزيد فـيه الشيطان بـاطلاً أو ينقص منه حقّا.

وقـيـل: الهاء فـي قوله: وإنّا لَهُ لـحَافِظُونَ من ذكر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم بـمعنى: وإنا لـمـحمد حافظون مـمن أراده بسوء من أعدائه.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوّلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولقد أرسلنا يا مـحمد من قبلك فـي الأمـم الأوّلـين رسلاً. وترك ذكر الرسل اكتفـاء بدلالة قوله: وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ علـيه، وعَنَى بشيع الأوّلـين: أمـم الأوّلـين، واحدتها شيعة، ويقال أيضا لأولـياء الرجل: شيعته.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فـي شِيَعِ الأوّلِـينَ

يقول: أمـم الأوّلـين.

١٥٩٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِـي شِيَعِ الأوّلِـينَ قال: فـي الأمـم.

١١

وقوله: وَما يَأْتِـيهمْ مِنْ رِسُولٍ إلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ

يقول: وما يأتـي شيع الأوّلـين من رسول من اللّه يرسله إلـيهم بـالدعاء إلـى توحيده والإذعان بطاعته إلاّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ

يقول: إلا كانوا يَسْخَرون بـالرسول الذي يرسله اللّه إلـيهم عُتوّا منهم وتـمرّدا علـى ربهم.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

يقول تعالـى ذكره: كما سلكنا الكفر فـي قلوب شيع الأوّلـين. بـالاستهزاء بـالرسل، كذلك نفعل ذلك فـي قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بـالكفر بـاللّه

١٣

لا يُوءْمِنُونَ بِهِ

يقول: لا يصدّقون: بـالذكر الذي أنزل إلـيك. والهاء فـي قوله: نَسْلُكُهُ من ذكر الاستهزاء بـالرسل والتكذيب بهم كما:

١٥٩٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ قال: التكذيب.

١٥٩٠٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك اللّه فـي قلوبهم أن لا يؤمنوا به.

١٥٩٠٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الـحسن، فـي قوله: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ قال: الشرك.

١٥٩٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن حميد، قال: قرأت القرآن كله علـى الـحسن فـي بـيت أبـي خـلـيفة، ففسره أجمع علـى الإثبـات، فسألته عن قوله: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ قال: أعمال سيعملونها لـم يعملونها.

١٥٩٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك عن حماد بن سلـمة، عن حميد الطويـل، قال: قرأت القرآن كله علـى الـحسن، فما كان يفسره إلا علـى الإثبـات، قال: وقـفته علـى (نسلكه) ، قال: الشرك. قال: ابن الـمبـارك: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: نَسْلُكُهُ قال: نـجعله.

١٥٩٠٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ لا يُوءْمِنُونَ بِهِ قال: هم كما قال اللّه ، هو أضلهم ومنعهم الإيـمان.

يقال منه: سَلَكَه يَسْلُكُه سَلْكا وسُلُوكا، وأسلكه يُسْلِكه إسلاكا ومن السلوك قول عديّ بن زيد:

وكنْت لِزَازَ خَصْمِكَ لَـمْ أُعَرّدْوَقَدْ سَلَكوكَ فـي يَوْم عَصِيبِ

ومن الإسلاك قول الاَخر:

حتـى إذَا أسْلَكُوهُمْ فـي قُتائِدَةٍشَلاّ كمَا تُطْرَدُ الـجَمّالَةُ الشّرُدَا

وقوله: وَقَدْ خَـلَتْ سُنّةُ الأوّلِـينَ

يقول تعالـى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت فـي قلوبهم التكذيب، حتـى يَرَوُا العَذَابَ الألِـيـمَ أخذا منهم سنة أسلافهم من الـمشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربـائهم من الأمـم التـي كذّبت رسلها، فلـم تؤمن بـما جاءها من عند اللّه حتـى حلّ بها سخط اللّه فهلكت.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كذلكَ نَسْلُكُهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ لا يُوءْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَـلَتْ سُنّةُ الأوّلِـينَ وقائع اللّه فـيـمن خلا قبلكم من الأمـم.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيـين ب قوله: فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرُجُونَ

فقال بعضهم: معنى الكلام: ولو فتـحنا علـى هؤلاء القائلـين لك يا مـحمد لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ بـابـا من السماء فظلت الـملائكة تعرج فـيه وهم يرونهم عيانا، لقالُوا إنـمَا سُكّرَتْ أبصارُنا بَلْ نَـحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرِجُونَ

يقول: لو فتـحنا علـيهم بـابـا من السماء فظلت الـملائكة تعرج فـيه، لقال أهل الشرك: إنـما أخَذَ أبصارنا، وشَبّه علـينا، وإنـما سحرنا فذلك قولهم: لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ.

١٥٩١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عبـاس : فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرُجُونَ فظلت الـملائكة يعرجون فـيه يراهم بنو آدم عيانا لقالُوا إنـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَـحْنُ قَوْم مَسْحورُون.

١٥

١٥٩١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: يا أيّها الّذِي نُزّلَ عَلَـيْهِ الذّكْرُ إنّكَ لـمَـجْنُونٌ لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ، قال: ما بـين ذلك إلـى قوله: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرِجُونَ قال: رجع إلـى قوله: لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ ما بـين ذلك. قال ابن جريج: قال ابن عبـاس : فظلت الـملائكة تعرج فنظروا إلـيهم، لقالُوا إنّـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال: قريش تقوله.

١٥٩١٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرِجُونَ قال: قال ابن عبـاس : لو فتـح اللّه علـيهم من السماء بـابـا فظلت الـملائكة تعرج فـيه،

يقول: يختلفون فـيه جائين وذاهبـين لقالُوا إنّـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا.

١٥٩١٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرِجُونَ يعني الـملائكة

يقول: لو فتـحتُ علـى الـمشركين بـابـا من السماء، فنظروا إلـى الـملائكة تعرج بـين السماء والأرض، لقال الـمشركون: نَـحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ سُحرنا ولـيس هذا بـالـحقّ. ألا ترى أنهم قالوا قبل هذه الاَية: لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن عمر، عن نصر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرِجُونَ قال: لو أنـي فتـحت بـابـا من السماء تعرج فـيه الـملائكة بـين السماء والأرض، لقال الـمشركون: بَلْ نَـحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ إلا ترى أنهم قالوا: لَوْما تَأْتِـينا بـالـمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِـينَ.

وقال آخرون: إنـما عُنـي بذلك بنو آدم.

ومعنى الكلام عندهم: ولو فتـحنا علـى هؤلاء الـمشركون من قومك يا مـحمد بـابـا من السماء فظلوا هم فـيه يعرجون لقَالُوا إنّـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا. ذكر من قال ذلك:

١٥٩١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ فَتَـحْنا عَلَـيْهِمْ بـابـا مِنَ السّماءِ فَظَلّوا فِـيهِ يَعْرُجُونَ قال قتادة، كان الـحسن

يقول: لو فعل هذا ببنـي آدم فظلوا فـيه يعرجون أي يختلفون، لقالُوا إنّـما سُكّرَتْ أبْصَارُنا بَلْ نَـحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ.

وأما قوله: يَعْرُجُونَ فإن معناه: يرقَوْن فـيه ويَصْعَدون، يقال منه: عرج يَعْرُج عُروجا إذا رَقِـيَ وصَعَد، وواحدة الـمعارج: معرج ومعراج ومنه قول كثـير:

إلـى حَسَبٍ عَوْدٍ بنَا الـمرْءَ قَبْلَهُأبُوهُ لَهُ فِـيهِ معَارِجَ سُلّـمِ

وقد حُكي: عرِج يعرِج بكسر الراء فـي الاستقبـال.

وقوله: لقَالُوا إنّـما سُكّرَتْ أبْصَارُنا

يقول: لقال هؤلاء الـمشركون الذين وصف جل ثناؤه صفتهم: ما هذا بحقّ إنـما سكّرت أبصارنا.

واختلفت القراء فـي قراءة قوله: سُكّرَتْ فقرأ أهل الـمدينة والعراق: سُكّرَتْ بتشديد الكاف، بـمعنى: غُشّيت وغُطّيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فـيـما ذُكر لـي عنه. وذُكر عن مـجاهد أنه كان يقرأ: (لقَالُوا إنّـما سُكّرَتْ) .

١٥٩١٥ـ حدثنـي بذلك الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة، عن شبل، عن مـجاهد أنه قرأها: (سُكّرَتْ أبْصَارُنا) خفـيفة.

وذهب مـجاهد فـي قراءته ذلك كذلك إلـى: حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: إذا سكنت وركدت. وقد حُكي عن أبـي عمرو بن العلاء أنه كان

يقول: هو مأخوذ من سُكْر الشراب، وأن معناه: قد غشّى أبصارنا السكر.

وأما أهل التأويـل فإنهم اختلفوا فـي تأويـله،

فقال بعضهم: معنى سُكّرَتْ: سدّت. ذكر من قال ذلك:

١٥٩١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: سُكّرَتْ أبْصَارُنا قال: سدّت.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٩١٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج، يعني ابن مـحمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي ابن كثـير قال: سدّت.

١٥٩١٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: سُكّرَتْ أبْصَارُنا يعني : سدّت.

فكأن مـجاهدا ذهب فـي قوله وتأويـله ذلك بـمعنى: سدّت، إلـى أنه بـمعنى: منعت النظر، كما يُسكر الـماء فـيـمنع من الـجري بحبسه فـي مكان بـالسكر الذي يسّكر به.

وقال آخرون: معنى سُكرت: أُخذت. ذكر من قال ذلك:

١٥٩١٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن ابن عبـاس : لقَالُوا إنّـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا

يقول: أُخذت أبصارنا.

١٥٩٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : إنـما أخذ أبصارنا، وشبّه علـينا، وإنـما سحرنا.

١٥٩٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة: لقَالُوا إنّـما سُكّرَتْ أبْصَارُنا

يقول: سُحرت أبصارنا

يقول: أخذت أبصارنا.

١٥٩٢٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا شيبـان، عن قتادة، قال: من قرأ: سُكّرَتْ مشددة: يعني سدّت. ومن قرأ (سُكِرَتْ) مخففة، فإنه يعني سحرت.

وكأن هؤلاء وجّهوا معنى قوله سُكّرَتْ إلـى أن أبصارهم سُحرت، فشبه علـيهم ما يبصرون، فلا يـميزون بـين الصحيح مـما يرون وغيره من قول العرب: سُكّر علـى فلان رأيه: إذا اختلط علـيه رأيه فـيـما يريد فلـم يدر الصواب فـيه من غيره، فإذا عزم علـى الرأي قالوا: ذهب عنه التسكير.

وقال آخرون: هو مأخوذ من السكر، ومعناه: غشي علـى أبصارنا فلا نبصر، . كما يفعل السكر بصاحبه، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلـم يبصر. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: (إنّـمَا سُكّرَتْ أبْصَارُنا) قال: سكرت، السكران الذي لا يعقل.

وقال آخرون: معنى ذلك: عميت. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٢٤ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الكلبـي: سُكّرَتْ قال: عميت.

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: أخذت أبصارنا وسحرت، فلا تبصر الشيء علـى ما هو به، وذهب حدّ إبصارنا وانطفأ نوره كما يقال للشيء الـحارّ إذا ذهبت فورته وسكن حدّ حرّة: قد سكر يسكر. قال الـمثنى بن جندل الطّهوي:

جاءَ الشّتاءُ واجْثَأَلّ القُبّرُواستَـخْفَتِ الأفْعَى وكانت تَظْهَرُ

وجَعَلَتْ عينُ الـحَرُور تَسْكُرُ

أي تسكن وتذهب وتنطفـىء. وقال ذو الرّمّة:

قَبْلَ انْصِداعِ الفَجْرِ والتّهَجّرِوخَوْضُهُنّ اللّـيْـلَ حينَ يَسْكُرُ

 يعني : حين تسكن فورته. وذُكر عن قـيس أنها تقول: سكرت الريح تسكر سُكُورا، بـمعنى: سكنت. وإن كان ذلك عنها صحيحا، فإن معنى سُكِرَت وسُكّرَتْ بـالتـخفـيف والتشديد متقاربـان، غير أن القراءة التـي لا أستـجيز غيرها فـي القرآن: سُكّرَتْ بـالتشديد لإجماع الـحجة من القراءة علـيها، وغير جائز خلافها فـيـما جاءت به مـجمعة علـيه.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد جعلنا فـي السماء الدنـيا منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر. وَزَيّناها للنّاظِرِينَ

يقول: وزينا السماء بـالكواكب لـمن نظر إلـيها وأبصرنا.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِـي السّماءِ بُروجا قال: كواكب.

١٥٩٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِـي السّماءِ بُروجا وبروجها: نـجومها.

١٥٩٢٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: بُرُوجا قال: الكواكب.

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ}.

يقول تعالـى ذكره: وحفظنا السماء الدنـيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه اللّه ولعنه. إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ

يقول: لكن قد يسترق من الشياطين السمع مـما يحدث فـي السماء بعضها، فـيتبعه شهاب من النار مبـين يبـين أثره فـيه، إما بإخبـاله وإفساده أو بإحراقه.

وكان بعض نـحويـي أهل البصرة يقول فـي قوله:

١٨

إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو استثناء خارج، كما قال: ما أشتكي إلا خيرا، يريد: لكن أذكر خيرا. وكان ينكر ذلك من قـيـله بعضهم، و

يقول: إذا كانت (إلا) بـمعنى (لكن) عملت عمل (لكن) ، ولا يحتاج إلـى إضمار (أذكر) ، و

يقول: لو احتاج الأمر كذلك إلـى إضمار (أذكر) احتاج قول القائل: قام زيد لا عمرو إلـى إضمار (أذكر) .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٢٨ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع، قال: فـيفرد الـمارد منها فـيعلو، فـيرمى بـالشهاب فـيصيب جبهته أو حيث شاء اللّه منه فـيـلتهب، فـيأتـي أصحابه وهو يـلتهب، فـ

يقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا. قال: فـيذهب أولئك إلـى أخوانهم من الكهنة، فـيزيدون علـيه أضعافه من الكذب، فـيخبرونهم به، فإذا رأوا شيئا مـما قالوا قد كان صدّقوهم بـما جاءوهم به من الكذب.

١٥٩٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَحَفِظْناها مِنْ كُلّ شَيْطَانٍ رَجِيـمٍ إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال: أراد أن يخطف السمع، وهو ك قوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ.

١٥٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ وهو نـحو قوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ.

١٥٩٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال: خطف الـخطفة.

١٥٩٣٢ـ حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو ك قوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقبٌ كان ابن عبـاس

يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تـحرق وتـخبل وتـخرج من غير أن تقتل.

١٥٩٣٣ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: مِنْ كُلّ شَيْطانٍ رَجيـمٍ قال: الرجيـم: الـملعون. قال: وقال القاسم عن الكسائي إنه قال: الرجم فـي جميع القرآن: الشتـم.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَيْءٍ مّوْزُونٍ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: والأرْضَ مَدَدْناها والأرض دحوناها فبسطناها، وألْقَـيْنا فِـيها رَوَاسِيَ

يقول: وألقـينا فـي ظهورها رواسيَ، يعني جبـالاً ثابتة كما:

١٥٩٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والأرْضَ مَدَدْناها، وقال فـي آية أخرى: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها وذُكر لنا أن أمّ القرى مكة، منها دُحيت الأرض.

 قوله: وألقـينا فِـيها رَوَاسيَ رواسيها: جبـالها. وقد بـيّنا معنى الرسوّ فـيـما مضى بشواهده الـمغنـية عن إعادته.

وقوله: وأنْبَتْنَا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

يقول: وأنبتنا فـي الأرض من كلّ شيء

يقول: من كلّ شيء مقدّر، وبحدّ معلوم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٣٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وأنْبَتْنَا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

يقول: معلوم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

يقول: معلوم.

١٥٩٣٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، أو عن أبـي مالك، فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدر.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح أو عن أبـي مالك، مثله.

١٥٩٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ، يعني ابن الـجعد، قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: يقدْر.

١٥٩٣٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن حصين، عن سعيد بن جبـير: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: معلوم.

١٥٩٣٩ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا عبد اللّه بن يونس، قال: سمعت الـحكم بن عتـيبة وسأله أبو مخزوم عن قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: من كلّ شيء مقدور.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد اللّه بن يونس، قال: سمعت الـحكم، وسأله أبو عروة عن قول اللّه عزّ وجلّ: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: من كلّ شيء مقدور. هكذا قال الـحسن: وسأله أبو عروة.

١٥٩٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: مقدور بقدْر.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: مقدور بقدْر.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا علـيّ بن الهيثم، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: مقدور بقدْر.

١٥٩٤١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا علـيّ بن الهيثم، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: بقدْر.

١٥٩٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

يقول: معلوم.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

١٥٩٤٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ

يقول: معلوم.

وكان بعضهم

يقول: معنى ذلك وأنبتنا فـي الـجبـال من كلّ شيء موزون يعني من الذهب والفضة والنـحاس والرصاص ونـحو ذلك من الأشياء التـي توزن. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأنْبَتْنا فِـيهامِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قال: الأشياء التـي توزن.

وأولـى القولـين عندنا بـالصواب القول الأوّل لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـيه.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَجَعَلْنَا لَكُمْ أيها الناس فـي الأرض مَعَايِشَ، وهي جمع معيشة وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـي فـي قوله: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ فقال: بعضهم: عُنـي به الدوّاب والأنعام. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه جمعيا، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ الدوابّ والأنعام.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال آخرون: عُنـي بذلك الوحشُ خاصة. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور فـي هذه الاَية وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ قال: الوحش.

فتأويـل (مَنْ) فـي: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ علـى هذا التأويـل بـمعنى (ما) ، وذلك قلـيـل فـي كلام العرب.

وأولـى ذلك بـالصواب، وأحسن أن يقال: عُنـي ب قوله: وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ من العبـيد والإماء والدوابّ والأنعام. فمعنى ذلك: وجعلنا لكم فـيها معايشَ والعبـيدَ والإماء والدوابّ والأنعام. وإذا كان ذلك كذلك، حسن أن توضع حينئذ مكان العبـيد والإماء والدوابّ (من) ، وذلك أن العرب تفعل ذلك إذا أرادت الـخبر عن البهائم معها بنو آدم. وهذا التأويـل علـى ما قلناه وصرفنا إلـيه معنى الكلام إذا كانت (من) فـي موضع نصب عطفـا به علـى (معايش) بـمعنى: جعلنا لكم فـيها معايش، وجعلنا لكم فـيها من لستـم له برازقـين. وقـيـل: إنّ (من) فـي موضع خفض عطفـا به علـى الكاف والـميـم فـي قوله: وَجَعلْنَا لَكُمْ بـمعنى: وجعلنا لكم فـيها معايش وَمَنْ لَسْتُـمْ لَهُ بِرَازِقـينَ. وأحسب أن منصورا فـي قوله: هو الوحش، قصد هذا الـمعنى وإياه أراد وذلك وإن كان له وجه كلام العرب فبعيد قلـيـل، لأنها لا تكاد تظاهر علـى معنى فـي حال الـخفض، وربـما جاء فـي شعر بعضهم فـي حال الضرورة، كما قال بعضهم:

هَلاّ سألْتَ بذِي الـجمَاجِمِ عنهُمُوأبى نُعَيـمٍ ذي اللّوَاءِ الـمُخْرَقِ

فردّ أبـا نعيـم علـى الهاء والـميـم فـي (عنهم) . وقد بـيّنت قبح ذلك فـي كلامهم.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر، لكل أرض معلوم عندنا حدّه ومبلغه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٤٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد بن أبـي زياد، عن رجل، عن عبد اللّه ، قال: ما من أرض أمْطَرُ من أرض، ولكن اللّه يقدره فـي الأرض. ثم قرأ: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن يزيد بن أبـي زياد، عن أبـي جحيفة، عن عبد اللّه ، قال: ما من عام بأمطر من عام بأمطر من عام، ولكن اللّه يصرفه عمن يشاء. ثم قال: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا إبراهيـم بن مهدي الـمصيصي، قال: حدثنا علـيّ بن مسهر، عن يزيد بن أبـي زياد، عن أبـي جحيفة، عن عبد اللّه بن مسعود: ما من عام، ولكن اللّه يقسمه حيث شاء، عاما ههنا وعاما ههنا. ثم قرأ: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

١٥٩٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزَائِنُهُ وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال: الـمطر خاصة.

١٥٩٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم، عن الـحكم بن عتـيبة، فـي قوله: وَما نُنَزّلِهُ إلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ قال: ما من عام بأكثر مطرا من عام ولا أقلّ، ولكنه يـمطر قوم ويُحرم آخرون، وربـما كان فـي البحر. قال: وبلغنا أنه ينزل مع الـمطر من الـملائكة أكثر من عدد ولد إبلـيس وولد آدم يحصون كلّ قطرة حيث تقع وما تُنبت.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة القرّاء: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ، وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة: (وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ) فوحّد الريح وهي موصوفة بـالـجمع أعنى ب قوله: (لواقح) . وينبغي أن يكون معنى ذلك: أن الريح وإن كان لفظها واحدا، فمعناها الـجمع لأنه يقال: جاءت الريح من كلّ وجه، وهبّت من كلّ مكان، فقـيـل لواقح لذلك، فـيكون معنى جمعهم نعتها وهي فـي اللفظ واحدة معنى قولهم: أرض سبـاسب، وأرض أغفـال، وثوب أخلاق، كما قال الشاعر:

جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصي أخْلاقْشَرَاذِمٌ يَضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ

وكذلك تفعل العرب فـي كلّ شيء اتسع.

واختلف أهل العربـية فـي وجه وصف الرياح بـاللقح وإنـما هي ملقحة لا لاقحة، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر، وإنـما توصف بـاللقح الـملقوحة لا الـملقح، كما يقال: ناقة لاقح. وكان بعض نـحويـي البصرة

يقول: قـيـل: الرياح لواقح، فجعلها علـى لاقح، كأن الرياح لقحت، لأن فـيها خيرا فقد لقحت بخير. قال: وقال بعضهم: الرياح تلقح السحاب، فهذا يدلّ علـى ذلك الـمعنى لأنها إذا أنشأته وفـيها خير وصل ذلك إلـيه. وكان بعض نـحويـي الكوفة

يقول: فـي ذلك معنـيان: أحدهما أن يجعل الريح هي التـي تلقح بـمرورها علـى التراب والـماء فـيكون فـيها اللقاح، فـيقال: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح، قال: ويشهد علـى ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال: عَلَـيهِمُ الرّيحَ الْعَقِـيـمَ فجعلها عقـيـما إذا لـم تلقح. قال: والوجه الاَخر أن يكون وصفها بـاللقح وإن كانت تلقح، كما قـيـل: لـيـل نائم والنوم فـيه وسرّكاتـم، وكما قـيـل: الـمبروز والـمختوم، فجعل مبروزا ولـم يقل مبرزا بَنَاهُ علـى غير فعله، أي أن ذلك من صفـاته، فجاز مفعول لـمفعل كما جاز فـاعل لـمفعول إذا لـم يرد البناء علـى الفعل، كما قـيـل: ماء دافق.

والصواب من القول فـي ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جل ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها: حملها الـماء، وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فـيه، وذلك كما قال عبد اللّه بن مسعود.

١٥٩٥٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن قـيس بن سكن، عن عبد اللّه بن مسعود، فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: يرسل اللّه الرياح فتـحمل الـماء، فتـجري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة ثم تـمطر.

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن قـيس بن سكن، عن عبد اللّه : وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: يبعث اللّه الريح فتلقح السحاب، ثم تـمريه فتدر كما تدر اللقحة، ثم تـمطر.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أسبـاط بن مـحمد، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن قـيس بن السكن، عن عبد اللّه بن مسعود، فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: يرسل الرياح، فتـحمل الـماء من السحاب، ثم تـمري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة.

فقد بـين عبد اللّه ب قوله: يرسل الرياح فتـحمل الـماء، أنها هي اللاقحة بحملها الـماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر.

وأما جماعة أُخَر من أهل التأويـل، فإنهم وجّهوا وصف اللّه تعالـى ذكره إياها بأنها لواقح إلـى أنه بـمعنى ملقحة، وأن اللواقح وُضعت ملاقح، كما قال نهشل بن حريّ:

لِـيُبْكَ يَزِيدُ بـائِسٌ لِضَرَاعَةًوأشْعَثُ مـمّنْ طَوّحَتْهُ الطّوَائحُ

يريد الـمطاوح. وكما قال النابغة:

كلـينـي لِهَمَ يا أُمَيْـمَةَ ناصِبِولَـيْـلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكوَاكبِ

بـمعنى: مُنْصِب. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٥١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: تلقح السحاب.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبراهيـم، مثله.

١٥٩٥٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ قال: لواقح للشجر. قلت: أو للسحاب؟ قال: وللسحاب، تـمريه حتـى يـمطر.

١٥٩٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، عن أبـي سنان، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن عبـيد بن عمير، قال: يبعث اللّه الـمبشرة فَتَقُمّ الأرض قَمّا، ثم يبعث اللّه الـمثـيرة فتثـير السحاب، ثم يبعث اللّه الـمؤلّفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث اللّه اللواقح فتلقح الشجر. ثم تلا عبـيد: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ.

١٥٩٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ

يقول: لواقح للسحاب، وإن من الريح عذابـا وإن منها رحمة.

١٥٩٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لَوَاقِحَ قال: تلقح الـماء فـي السحاب.

١٥٩٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن ابن عبـاس : لَوَاقِحَ قال: تُلقح الشجر وتُـمري السحاب.

١٥٩٥٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ الرياح يبعثها اللّه علـى السحاب فتلقحه فـيـمتلـىء ماء.

١٥٩٥٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبـيس بن ميـمون، قال: حدثنا أبو الـمهزم، عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

يقول: (الرّيحُ الـجَنُوبُ مِنَ الـجَنّةِ، وَهِيَ الرّيحُ اللّوَاقِحُ، وَهِيَ التـي ذَكَرَ اللّه تَعَالـى فِـي كِتابِهِ وَفِـيها منَافِعٌ للنّاسِ) .

حدثنـي أبو الـجماهر الـحمصي أو الـحضرمي مـحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد العزيز بن موسى، قال: حدثنا عبـيس بن ميـمون أبو عبـيدة، عن أبـي الـمهزم، عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر مثله سواء.

وقوله: فأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً فأسْقَـيْنا كمُوهُ

يقول تعالـى ذكره: فأنزلنا من السماء مطرا فأسقـيناكم ذلك الـمطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقـيـل: فسقـينا كموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: (سقـيته) بغير ألف إذا كان لسقـيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: (أسقبته وأسقـيت أرضه وماشيته) ، وكذلك إذا استسقت له، قالوا (أسقـيته واستسقـيته) ، كما قال ذو الرّمّة:

وَقَـفْتُ علـى رَسْمٍ لِـمَيّةَ ناقَتِـيفَمَا زِلْتُ أبْكي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ

وأُسْقِـيهِ حتـى كادَ مِـمّا أبُثّهُتُكَلّـمُنـي أحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ

وكذلك إذا وَهَبْتَ لرجل إهابـا لـيجعله سقاء، قلت: أسقـيته إياه.

وقوله: وَما أنْتُـمْ لَهُ بِخازِنِـيَنَ

يقول: ولستـم بخازنـي الـماء الذي أنزلنا من السماء فأسقـينا كموه فتـمنعوه من أسقـيه لأن ذلك بـيدي وإلـيّ، أسقـيه من أشاء وأمنعه من أشاء. كما:

١٥٩٥٩ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: سفـيان: وَما أنْتـمْ لَهُ بِخازِنِـينَ قال: بـمانعين.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإنّا لَنَـحْنُ نُـحْيـي من كان ميتا إذا أردنا ونُـمِيتُ من كان حيّا إذا شئنا. وَنـحْنُ الوَارِثُونَ

يقول: ونـحن نرث الأرض ومن علـيها بأن نـميت جميعهم، فلا يبقـى حيّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل.

٢٤

وقوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: ولقد علـمنا من مضى من الأمـم فتقدّم هلاكهم، ومن قد خـلق وهو حيّ، ومن لـم يخـلق بعدُ مـمن سيخـلق. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٦٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن عكرمة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون: من قد خـلق ومن خلا من الأمـم والـمستأخرون: من لـم يخـلق.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: هم خـلق اللّه كلهم، قد علـم من خـلق منهم إلـى الـيوم، وقد علـم من هو خالقه بعد الـيوم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق. قال: أخبرنا ابن التـيـمي، عن أبـيه، عن عكرمة، قال: إن اللّه خـلق الـخـلق ففرغ منهم، فـالـمستقدمون: من خرج من الـخـلق، والـمستأخرون: من بقـي فـي أصلاب الرجال لـم يخرج.

١٥٩٦١ـ حدثنـي مـحمد بن أبـي معشر، قال: أخبرنـي أبو معشر، قال: سمعت عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود يذاكر مـحمد بن كعب فـي قول اللّه :وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ فقال عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود: خير صفوف الرجال الـمقدّم، وشرّ صفوف الرجال الـمؤخّر، وخير صفوف النساء الـمؤخّر، وشرّ صفوف النساء الـمقدّم. فقال مـحمد بن كعب: لـيس هكذا وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ: الـميت والـمقتول والـمُسْتَأْخرين: من يـلـحق بهم مِن بعدُ، وإن ربك هو يحشرهم، إنه حكيـم علـيـم. فقال عون بن عبد اللّه : وفقك اللّه وجزاك خيرا.

١٥٩٦٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، قال: قال قتادة: الـمستقدمين: من مضى، والـمستأخرين: من بقـي فـي أصلاب الرجال.

١٥٩٦٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو الأحوص، قال: حدثنا سعيد بن مسروق، عن عكرمة وخصيف، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: من مات ومن بقـي.

١٥٩٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ قال: كان ابن عبـاس

يقول: آدم صلى اللّه عليه وسلم ومن مضى من ذريته. وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ: من بقـى فـي أصلاب الرجال.

١٥٩٦٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون آدم ومن بعده، حتـى نزلت هذه الاَية. والـمستأخرون: قال: كلّ من كان من ذريّته.

قال أبو جعفر: أظنه أنا قال: ما لـم يُخـلق وما هو مخـلوق.

١٥٩٦٦ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن عكرمة، قال: الـمستقدمون: ما خرج من أصلاب الرجال. والـمستأخرون: ما لـم يخرج. ثم قرأ: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إنّهُ حَكِيـمٌ عَلِـيـم.

وقال آخرون: عنى بـالـمستقدمين: الذين قد هلكوا، والـمستأخرين: الأحياء الذين لـم يهلكوا. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٦٧ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ يعني بـالـمستقدمين: من مات. و يعني بـالـمستأخرين: من هو حيّ لـم يـمت.

١٥٩٦٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ يعني الأموات منكم. ولَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ بقـيتهم، وهم الأحياء.

يقول: علـمنا من مات ومن بقـي.

١٥٩٦٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون منكم: الذين مضوا فـي أوّل الأمـم، والـمستأخرون: البـاقون.

وقال آخرون: بل معناه: ولقد علـمنا الـمستقدمين فـي أوّل الـخـلق والـمستأخرين فـي آخرهم. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٧٠ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر فـي هذه الاَية: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال أوّل الـخـلق وآخره.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن الشعبـيّ، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ: ما استقدم فـي أوّل الـخـلق، وما استأخر فـي آخر الـخـلق.

١٥٩٧١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن داود بن أبـي هند، عن عامر، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ قال: فـي العُصُر، والـمستأخرين منكم فـي أصلاب الرجال، وأرحام النساء.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علـمنا الـمستقدمين من الأمـم، والـمستأخرين من أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: أخبرنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الـمستقدمين منكم، قال: القرون الأوَل، والـمستأخرين: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنـي عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمون: ما مضى من الأمـم، والـمستأخرون: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، بنـحوه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الـملك، عن مـجاهد بنـحوه، لـم يذكر قـيسا.

وقال آخرون: بل معناه: ولقد علـمنا الـمستقدمين منكم فـي الـخير والـمستأخرين عنه. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٧٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: كان الـحسن

يقول: الـمستقدمون فـي طاعة اللّه ، والـمستأخرون فـي معصية اللّه .

١٥٩٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن عبـاد بن راشد، عن الـحسن، قال: الـمستقدمين فـي الـخير، والـمستأخرين:

يقول: الـمبطئين عنه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد علـمنا الـمستقدمين منكم فـي الصفوف فـي الصلاة، والـمستأخرين فـيها بسبب النساء. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٧٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن رجل أخبرنا عن مروان بن الـحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون فـي الصفوف من أجل النساء قال: فأنزل اللّه : وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.

١٥٩٧٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان، قال: أخبرنـي عمرو بن مالك، قال سمعت أبـا الـجوزاء يقول فـي قول اللّه :وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ قال: الـمستقدمين منكم فـي الصفوف فـي الصلاة والـمستأخرين.

١٥٩٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي، قال: حدثنا نوح بن قـيس، قال: حدثنا عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، عن ابن عبـاس ، قال: كانت تصلـي خـلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمامرأة، قال ابن عبـاس : لا واللّه ما إن رأيت مثلها قط فكان بعض الـمسلـمين إذا صلوا وبعض يستأخرون، فإذا سجدوا نظروا إلـيها من تـحت أيديهم، فأنزل اللّه : وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا نوح بن قـيس وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا نوح بن قـيس، عن عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، عن ابن عبـاس قال: كانت تصلـي خـلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس، فكان بعض الناس يستقدم فـي الصفّ الأوّل لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتـى يكون فـي الصفّ الـمؤخر، فإذا ركع نظر من تـحت إبطيه فـي الصفّ، فأنزل اللّه فـي شأنها: وَلَقَدْ عَلِـمْنا الـمُسْتَقْدِمينَ منْكُمْ وَلَقَدْ عَلـمْنا الـمُسْتأخِرِينَ.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال عندي فـي ذلك بـالصحة قول من قال: معنى ذلك: ولقد علـمنا الأموات منكم يا بنـي آدم فتقدّم موته، ولقد علـمنا الـمستأخرين الذين استأخر موتهم مـمن هو حيّ ومن هو حادث منكم كم لـم يحدث بعدُ لدلالة ما قبله من الكلام، وهو قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ نُـحْيِـي ونُـمِيتُ وَنَـحْنُ الْوَارِثُونَ وما بعده وهو قوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ علـى أن ذلك كذلك، إذ كان بـين هذين الـخبرين، ولـم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدلّ علـى خلافه، ولا جاء بعد. وجائز أن تكون نزلت فـي شأن الـمستقدمين فـي الصفّ لشأن النساء والـمستأخرين فـيه لذلك، ثم يكون اللّه عزّ وجلّ عمّ بـالـمعنى الـمراد منه جميع الـخـلق، فقال جل ثناؤه لهم: قد علـمنا ما مضى من الـخـلق وأحصيناهم، وما كانوا يعملون، ومن هو حيّ منكم ومن هو حادث بعدكم أيها الناس، وأعمال جميعكم خيرها وشرّها، وأحصينا جميع ذلك ونـحن نـحشر جميعهم، فنـجازي كلاّ بأعماله، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. فـيكون ذلك تهديدا ووعيدا للـمستأخرين فـي الصفوف لشأن النساء ولكلّ من تعدّى حدّ اللّه وعمل بغير ما أذن له به، ووعدا لـمن تقدّم فـي الصفوف لسبب النساء وسارع إلـى مـحبة اللّه ورضوانه فـي أفعاله كلها.

٢٥

وقوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإن ربك يا مـحمد هو يجمع جميع الأوّلـين والاَخرين عنده يوم القـيامة، أهل الطاعة منهم والـمعصية، وكلّ أحد من خـلقه، الـمستقدمين منهم والـمستأخرين.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: أي الأول والاَخر.

١٥٩٧٩ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشيّ، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن عكرمة، فـي قوله: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: هذا من ها هنا، وهذا من ها هنا.

١٥٩٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُرَاسانـيّ، عن ابن عبـاس : وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: وكلهم ميت، ثم يحشرهم ربهم.

١٥٩٨١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن داود بن أبـي هند، عن عامر: وإنّ رَبّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ قال: يجمعهم اللّه يوم القـيامة جميعا.

وقال الـحسن: قال علـيّ: قال داود: سمعت عامرا يفسر قوله: إنّهُ حَكِيـمٌ عَلِـيـمٌ يقول أن ربك حكيـم فـي تدبـيره خـلقه فـي إحيائهم إذا أحياهم، وفـي إماتتهم إذا أماتهم، علـيـم بعددهم وأعمالهم وبـالـحيّ منهم والـميت، والـمستقدم منهم والـمستأخر. كما:

١٥٩٨٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كلّ أولئك قد علـمهم اللّه يعني الـمستقدمين والـمستأخرين.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد خـلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الصلصال

فقال بعضهم: هو الطين الـيابس لـم تصبه نار، فإذا نقرته صَلّ فسمعت له صلصلة. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٨٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهديّ، قالا: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: خـلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب. وأما اللازب: فـالـجيد، وأما الـحَمَأ: فـالـحمأة، وأما الصّلصال: فـالتراب الـمرقّق. وإنـما سمي إنسانا لأنه عهد إلـيه فنسي.

١٥٩٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ قال: والصلصال: التراب الـيابس الذي يسمع له صلصلة.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حمأٍ مَسْنُونٍ قال: الصلصال: الطين الـيابس يسمع له صلصلة.

١٥٩٨٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الـحسن بن صالـح، عن مسلـم، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : مِنْ صَلْصَالٍ قال: الصلصال: الـماء يقع علـى الأرض الطيبة ثم يحسِرُ عنها، فتشقق، ثم تصير مثل الـخَزَف الرقاق.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: خُـلق الإنسان من ثلاثة: من طين لازب، وصلصال، وحمأ مسنون. والطين اللازب: اللازق الـجيد، والصلصال: الـمرقق الذي يصنع منه الفخار، والـمسنون: الطين فـيه الـحَمْأة.

١٥٩٨٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: هو التراب الـيابس الذي يُبَلّ بعد يُبسه.

١٥٩٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن مسلـم، عن مـجاهد، قال: الصلصال: الذي يصلصل، مثل الـخَزَف من الطين الطيب.

١٥٩٨٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ،

يقول: الصلصال: طين صُلْب يخالطه الكثـيب.

١٥٩٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ صَلْصَالٍ قال: التراب الـيابس.

وقال آخرون: الصلصال: الـمُنْتِن. وكأنهم وجّهُوا ذلك إلـى أنه من قولهم: صَلّ اللـحم وأصلّ: إذا أنتن، يقال ذلك بـاللغتـين كلتـيهما: يَفْعَل وأَفْعَل. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ صَلْصَالٍ الصلصال: الـمنتن.

والذي هو أولـى بتأويـل الاَية أن يكون الصلصال فـي هذا الـموضع الذي له صوت من الصلصلة وذلك أن اللّه تعالـى وصفه فـي موضع آخر فقال: خَـلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ فشبهه تعالـى ذكره بأنه كان كالفخّار فـي يُبسه. ولو كان معناه فـي ذلك الـمُنتِن لـم يشبه بـالفخار، لأن الفخار لـيس بـمنتن فـيشبّه به فـي النتن غيره.

وأما قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإن الـحمأ: جمع حمأة، وهو الطين الـمتغَيّر إلـى السواد.

وقوله: مَسْنُونٍ يعني : الـمتغير.

واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى قوله: مَسْنُونٍ فكان بعض نـحويـيّ البصريـين

يقول: عُنـي به: حمأ مصوّر تامّ. وذُكر عن العرب أنهم قالوا: سُنّ علـى مثال سُنّة الوجه: أي صورته. قال: وكأن سُنة الشيء من ذلك: أي مثالَه الذي وُضع علـيه. قال: ولـيس من الاَسن الـمتغير، لأنه من سَنَن مضاعف.

وقال آخر منهم: هو الـحَمَأ الـمصبوب. قال: والـمصبوب: الـمسنون، وهو من قولهم: سَنَنْت الـماء علـى الوجه وغيره إذا صببته.

وكان بعض أهل الكوفة

يقول: هو الـمتغير، قال: كأنه أخذ من سَنَنْت الـحَجَر علـى الـحجر، وذلك أن يحكّ أحدهما بـالاَخر، يقال منه: سننته أَسْنّه سَنّا فهو مسنون. قال: ويقال للذي يخرج من بـينهما: سَنِـين، ويكون ذلك مُنْتنا. وقال: منه سُمّيَ الـمِسَنّ لأن الـحديد يُسَنّ علـيه.

وأما أهل التأويـل فإنهم قالوا فـي ذلك نـحو ما قلنا. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٩١ـ حدثنا عبـيد اللّه بن يوسف الـجبـيري، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، قال: حدثنا مسلـم، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الـحمأ: الـمنتنة.

حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الذي قد أنتن.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك عن ابن عبـاس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: منتن.

١٥٩٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: هو التراب الـمبتلّ الـمنتنُ، فجعل صَلصالاً كالفَخار.

١٥٩٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: منتن.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٥٩٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ والـحمأ الـمسنون: الذي قد تغير وأنتن.

١٥٩٩٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: قد أنتن، قال: منتنة.

١٥٩٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: من طين لازب، وهو اللازق من الكثـيب وهو الرمل.

١٥٩٩٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال: الـحمأ الـمنتن.

وقال آخرون منهم فـي ذلك: هو الطين الرّطْب. ذكر من قال ذلك:

١٥٩٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ

يقول: من طين رَطب.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْجَآنّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِ السّمُومِ }.

يقول تعالـى ذكره: والـجانّ وقد بـيّنا فـيـما مضى معنى الـجانّ ولـم قـيـل له جان. وعُنـي بـالـجانّ ههنا: إبلـيس أبـا الـجنّ.

يقول تعالـى ذكره: وإبلـيس خـلقناه من قبل الإنسان من نار السموم، كما:

١٥٩٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وهو إبلـيس خـلقُ قبل آدم. وإنـما خـلق آدم آخر الـخـلق، فحسده عدوّ اللّه إبلـيس علـى ما أعطاه اللّه من الكرامة، فقال: أنا ناريّ، وهذا طينـي، فكانت السجدة لاَدم والطاعة لله تعالـى ذكره، فقال: اخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى: نارِ السّمُومِ

فقال بعضهم: هي السموم الـحارّة التـي تقتل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٠٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس فـي قوله: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: السموم الـحارّة التـي تقتل.

١٦٠٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمّانـيّ، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق التـيـمي، عن ابن عبـاس : والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: هي السموم التـي تقتل فأصَابَها إعْصَارٌ فـيه نَارٌ فـاحْتَرَقَتْ قال: هي السموم التـي تقتل.

وقال آخرون: يعني بذلك من لهب النار. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٠٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: والـجانّ خَـلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال: من لهب من نار السموم.

١٦٠٠٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان، عن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك عن ابن عبـاس ، قال: كان إبلـيس من حيّ من أحياء الـملائكة يقال لهم الـجنّ، خُـلقوا من نار السموم من بـين الـملائكة. قال: وخُـلقت الـجنّ الذين ذُكروا فـي القرآن من مارج من نار.

١٦٠٠٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: دخـلت علـى عمرو بن الأصمّ أعوده، فقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد اللّه ؟ سمعت عبد اللّه

يقول: هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التـي خرج منها الـجانّ. قال: وتلا: والـجانّ خَـلَقْناهُ منْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ.

وكان بعض أهل العربـية

يقول: السموم بـاللـيـل والنهار. وقال بعضهم: الـحَرُور بـالنهار، والسموم بـاللـيـل، يقال: سَمّ يومُنا يَسَمّ سَمُوما.

١٦٠٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، وسئل عن الـجنّ ما هم، وهل يأكلون أو يشربون، أو يـموتون، أو يتناكحون؟ قال: هم أجناس، فأما خالص الـجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يـموتون ولا يتوالدون. ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويـموتون، وهي هذه التـي منها السعالِـي والغُول وأشبـاه ذلك.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي خَالِقٌ بَشَراً مّن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: و اذكر يا مـحمد إذْ قالَ رَبّكَ للْـمَلائِكَة إنّـي خالِقٌ بَشَرا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإذَا سَوّيْتُهُ

٢٩

يقول: فإذا صوّرته فعدّلت صورته وَنَفَخْتُ فِـيهِ مِنْ رُوحِي فصار بشرا حيّا فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ سجود تـحية وتكرمة لا سجود عبـادة. وقد:

١٦٠٠٦ـ حدثنـي جعفر بن مكرم، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا شبـيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عبـاس قال: لـما خـلق اللّه الـملائكة قال: إنـي خالق بشرا من طين، فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فقالوا: لا نفعل. فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. وخـلق ملائكة أخرى، فقال: إنـي خالق بشرا من طين، فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فأبَوا، قال: فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. ثم خـلق ملائكة أخرى، فقال: إنـي خالق بشرا من طين، فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فأبوا، فأرسل علـيهم نارا فأحرقتهم. ثم خـلق ملائكة، فقال: إنـي خالق بشرا من طين، فإذا أنا خـلقته فـاسجدوا له فقالوا: سمعنا وأطعنا. إلا إبلـيس كان من الكافرين الأوّلـين.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما خـلق اللّه ذلك البشر ونفخ فـيه الروح بعد أن سوّاه، سجد الـملائكة كلهم جميعا

٣١

إلا إبلـيس، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين فـي سجودهم لاَدم حين سجدوا، فلـم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا،

٣٢

فقال اللّه تعالـى ذكره: يا إبلـيسُ ما لكَ ألاّ تكونَ معَ السّاجِدينَ

يقول: ما منعك من أن تكون مع الساجدين؟ ف (أنْ) فـي قول بعض نـحويـي الكوفة خفض، وفـي قول بعض أهل البصرة نصب بفقد الـخافض.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قالَ إبلـيس: لَـمْ أكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَـلَقْتَهُ منْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ وهو من طين وأنا من نار، والنار تأكل الطين.

٣٤

وقوله: فـاخْرُجْ مِنْها يقول اللّه تعالـى ذكره لإبلـيس: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ.

والرجيـم الـمرجوم، صرف من مفعول إلـى فعيـل وهو الـمشتوم، كذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فإنّكَ رَجِيـمٌ والرجيـم: الـملعون.

١٦٠٠٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: فـاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيـمٌ قال: ملعون. والرجم فـي القرآن: الشتـم.

٣٥

وقوله: وإنّ عَلَـيْكَ اللّعْنَةَ إلـى يَوْمِ الدّينِ

يقول: وإن غضب اللّه علـيك بإخراجه إياك من السموات وطردك عنها إلـى يوم الـمـجازاة، وذلك يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى اللعنة فـي غير موضع بـما أغنى عن إعادته ههنا.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: ربّ فإذ أخرجتنـي من السموات ولعنتنـي، فأخرّنـي إلـى يوم تبعث خـلقك من قبورهم فتـحشرهم لـموقـف القـيامة.

٣٧

قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ

قال اللّه له: فإنك مـمن أُخّر هلاكه إلـى يوم الوقت الـمعلوم لهلاك جميع خـلقـي، وذلك حين لا يبقـى علـى الأرض من بنـي آدم دَيّارٌ.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لاُزَيّنَنّ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَلاُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إبلـيس: رَبّ بِـمَا أغْوَيْتَنـي بإغوائك لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ. وكأن قوله: بِـما أغْوَيْتَنـي خرج مخرج القسم، كما يقال: بـالله، أو بعزّة اللّه لأغوينهم. وعنى ب قوله: لأُزَيّنَنّ لَهُمْ فِـي الأرْضِ لأحسننّ لهم معاصيك، ولأحببنها إلـيهم فـي الأرض. ولأُغْوِيَنّهُمْ أجمَعِينَ

يقول: ولأضلّنهم عن سبـيـل الرشاد.

٤٠

إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يقول إلا من أخـلصته بتوفـيقك فهديته، فإن ذلك مـمن لا سلطان لـي علـيه ولا طاقة لـي به. وقد قرىء: (إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ) فمن قرأ ذلك كذلك، فإنه يعني به: إلا من أخـلص طاعتك، فإنه لا سبـيـل لـي علـيه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ يعني : الـمؤمنـين.

١٦٠١٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا عمرو، عن سعيد، عن قتادة: إلاّ عِبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ قال قتادة: هذه ثَنِـيّة اللّه تعالـى ذكره.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ فقرأه عامّة قراء الـحجاز والـمدينة والكوفة والبصرة: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ بـمعنى: هذا طريق إلـيّ مستقـيـم.

فكان معنى الكلام: هذا طريق مرجعه إلـيّ فأجازي كلاّ بأعمالهم كما قال اللّه تعالـى ذكره: إنّ رَبّكَ لَبـالـمرْصَاد. وذلك نظير قول القائل لـمن يتوعده ويتهدده: طريقك علـيّ، وأنا علـى طريقك فكذلك قوله: هَذَا صِرَاطٌ معناه: هذا طريق علـيّ وهذا طريق إلـيّ. وكذلك تأوّل من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:

١٦٠١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ قال: الـحقّ يرجع إلـى اللّه وعلـيه طريقه، لا يعرّج علـى شيء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه.

١٦٠١٢ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا مَرْوان بن شجاع، عن خَصِيف، عن زياد بن أبـي مريـم، وعبد اللّه بن كثـير أنهما قرآها: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ وقالا: (علـيّ) هي (إلـيّ) وبـمنزلتها.

١٦٠١٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن إسماعيـل بن مسلـم، عن الـحسن وسعيد عن قتادة، عن الـحسن: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ

يقول: إلـيّ مستقـيـم.

وقرأ ذلك قـيس بن عبـاد وابن سيرين وقتادة فـيـما ذُكر عنهم (هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ) برفع (علـيّ) علـى أنه نعت للصراط، بـمعنى رفـيع. ذكر من قال ذلك:

١٦٠١٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي حماد، قال: ثنـي جعفر البصري، عن ابن سيرين أنه كان يقرأ: (هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ) يعني : رفـيع.

١٦٠١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ) أي رفـيع مستقـيـم. قال بشر، قال يزيد، قال سعيد: هكذا نقرؤها نـحن وقتادة.

١٦٠١٦ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أبـي العوّام، عن قتادة، عن قـيس بن عبـاد: (هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ)

يقول: رفـيع.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: هَذَا صِرَاطٌ عَلـيّ مُسْتَقِـيـمٌ علـى التأويـل الذي ذكرناه عن مـجاهد والـحسن البصري ومن وافقهما علـيه، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها وشذوذ ما خالفها.

٤٢

وقوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ

يقول تعالـى ذكره: إن عبـادي لـيس لك علـيهم حجة، إلا من اتبعك علـى ما دعوته إلـيه من الضلالة مـمن غوى وهلك.

١٦٠١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن عبـيد اللّه بن موهب، قال حدثنا يزيد بن قسيط، قال: كانت الأنبـياء لهم مساجد خارجة من قُراهم، فإذا أراد النبـيّ أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلـى مسجده، فصلـى ما كتب اللّه له ثم سأل ما بدا له. فبـينـما نبـيّ فـي مسجده، إذا جاء عدوّ اللّه حتـى جلس بـينه وبـين القبلة، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أعُوذُ بـاللّه مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ) فقال عدوّ اللّه : أرأيت الذي تعوّذ منه فهو هو فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أعُوذُ بـاللّه مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ) فردّد ذلك ثلاث مرّات. فقال عدوّ اللّه : أخبرنـي بأيّ شيء تنـجو منـي؟ فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (بَل أخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ؟) مرّتـين. فأخذ كلّ واحد منهما علـى صاحبه، فقال النبـي صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه تَعَالـى ذِكْرُهُ يَقُولُ إنّ عِبَـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ إلاّ مِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ) قال عدوّ اللّه : قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (يقول اللّه تَعالـى ذِكْرُهُ: وإمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللّه إنّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ وإنّـي واللّه ما أحْسَسْتُ بِكَ قَطّ إلاّ اسْتَعَذْتُ بـاللّه مِنْكَ) . فقال عدوّ اللّه : صدقت بهذا تنـجو منـي فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فأخْبِرْنِـي بأيّ شَيْءٍ تَغْلُبُ ابْنَ آدَمَ؟) قال: آخذه عند الغضب، وعند الهوى.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ جَهَنّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ }.

يقول تعألـى ذكره لإبلـيس: وإن جهنـم لـموعد من تبعك أجمعين.

٤٤

لها سَبْعَةُ أبوابٍ

يقول: لـجهنـم سبعة أطبـاق، لكل طَبَق منهم: يعني من أتبـاع إبلـيس جزء، يعني : قسما ونصيبـا مقسوما.

وذُكر أن أبواب جهنـم طبقات بعضها فوق بعض. ذكر من قال ذلك:

١٦٠١٨ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبـا هارون الغنوي، قال: سمعت حِطان، قال: سمعت علـيّا وهو يخطب، قال: إن أبواب جهنـم هكذا. ووضع شُعبة إحدى يديه علـى الأخرى.

١٦٠١٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد اللّه ، قال: قال علـيّ: تدرون كيف أبواب النار؟ قلنا: نعم كنـحو هذه الأبواب. فقال: لا، ولكنها هكذا. فوصف أبو هارون أطبـاقا بعضها فوق بعض، وفعل ذلك أبو بشر.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، عن أبـي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد اللّه عن علـيّ، قال: هل تدرون كيف أبواب النار؟ قالوا: كنـحو هذه الأبواب، قال: لا، ولكن هكذا. ووصف بعضها فوق بعض.

١٦٠٢٠ـ حدثنا هارون بن إسحاق، قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام، قال: أخبرنا إسرائيـل، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن هبـيرة، عن علـيّ، قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض، فـيـمتلـىء الأوّل، ثم الثانـي، ثم الثالث، ثم تـمتلـىء كلها.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن هبـيرة، عن علـيّ قال: أبواب جهنـم سبعة بعضها فوق بعض وأشار بأصابعه علـى الأوّل، ثم الثانـي، ثم الثالث حتـى تـملأ كلها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق، عن أبـيه، عن هبـيرة ابن مريـم، قال: سمعت علـيّا

يقول: إن أبواب جهنـم بعضا فوق بعض، فـيـملأ الأوّل ثم الذي يـلـيه، إلـى آخرها.

١٦٠٢١ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد الواسطيّ، عن جَهْضَم، قال: سمعت عكرمة يقول فـي قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: لها سبعة أطبـاق.

١٦٠٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ قال: أوّلها جهنـم، ثم لظى، ثم الـحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الـجحيـم، ثم الهاوية. والـجحيـم فـيها أبو جهل.

١٦٠٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لها سَبْعَةُ أبوابٍ لِكُلّ بـابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ وهي واللّه منازل بأعمالهم.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ }.

يقول تعالـى ذكره: إن الذين اتقوا اللّه بطاعته وخافوه، فتـجنبوا معاصيه فـي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ

٤٦

يقال لهم: ادْخُـلُوها بِسَلامٍ آمِنِـينَ من عقاب اللّه ، أو أن تُسلبوا نعمة اللّه علـيكم وكرامة أكرمكم بها.

٤٧

 قوله: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ

يقول: وأخرجنا ما فـي صدور هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض.

واختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي ينزع اللّه ذلك من صدورهم،

فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الـجنة. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيـل، عن بشر البصري، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبـي أُمامة، قال: يدخـل أهل الـجنة الـجنة علـى ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من الشحناء والضغائن، حتـى إذا توافوا وتقابلوا نزع اللّه ما فـي صدورهم فـي الدنـيا من غلّ. ثم قرأ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ.

١٦٠٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو فضالة، عن لقمان، عن أبـي أمامة، قال: لا يدخـل مؤمن الـجنة حتـى ينزع اللّه ما فـي صدورهم من غلّ، ثم ينزع منه السبع الضاري.

١٦٠٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن إسرائيـل، عن أبـي موسى سمع الـحسن البصري

يقول: قال علـيّ: فـينا واللّه أهل بدر نزلت الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.

١٦٠٢٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: من عداوة.

١٦٠٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك : وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.

١٦٠٢٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل عن عطاء بن السائب، عن رجل، عن علـيّ: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال: العداوة.

١٦٠٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبـير يستأذن علـى علـيّ، فحجبه طويلاً، ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتـجفوهم قال علـيّ: بفـيك التراب إنـي لأرجو أن أكون أنا وطلـحة والزبـير مـمن قال اللّه : وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن جعفر، عن علـيّ نـحوه.

١٦٠٣١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـان بن عبد اللّه البجلـي، عن نعيـم بن أبـي هند، عن ربْعِيّ بن حِرَاش، بنـحوه، وزاد فـيه: قال: فقام إلـى علـيّ رجل من هَمْدان، فقال: اللّه أعدل من ذلك يا أمير الـمؤمنـين قال: فصاح علـيّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها، ثم قال: إذا لـم نكن نـحن فمن هم؟

١٦٠٣٢ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبـي حبـيبة مولـى لطلـحة، قال: دخـل عمران بن طلـحة علـى علـيّ بعد ما فرغ من أصحاب الـجمل، فرحّب به وقال إنـي لأرجو أن يجعلنـي اللّه وأبـاك من الذين قال اللّه : إخْوانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ ورجلان جالسان علـى ناحية البساط، فقالا: اللّه أعدل من ذلك، تقتلهم بـالأمس وتكونون إخوانا؟ فقال علـيّ: قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لـم أكن أنا وطلـحة؟ وذكر لنا أبو معاوية الـحديث بطوله.

١٦٠٣٣ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا أبو مالك، قال: حدثنا أبو حبـيبة، قال: قال علـيّ لابن طلـحة: إنـي لأرجو أن يجعلنـي اللّه وأبـاك من الذين نَزَعَ اللّه ما فـي صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا علـى سرر متقابلـين.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط، عن أبـي الـجويرية، قال: حدثنا معاوية بن إسحاق، عن عمران بن طلـحة، قال: لـما نظرنـي علـيّ قال: مرحبـا بـابن أخي فذكر نـحوه.

١٦٠٣٤ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا هشام، عن مـحمد، قال: استأذن الأشتر علـى علـيّ وعنده ابنٌ لطلـحة، فحبسه ثم أذن له، فلـما دخـل قال: إنـي لأراك إنـما حبستنـي لهذا قال: أجل. قال: إنـي لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لـحبستنـي قال: أجَل، إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال اللّه : وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، قال: أخبرنا عوف، عن سيرين، بنـحوه.

١٦٠٣٥ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضرمي، قال: حدثنا السكن بن الـمغيرة، قال: حدثنا معاوية ابن راشد، قال: قال علـيّ: إنـي لأرجو أن أكون أنا وعثمان مـمن قال اللّه : وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ.

١٦٠٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: حدثنا ابن الـمتوكل الناجي، أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَخْـلُصُ الـمُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَـيُحْبَسُونَ علـى قَنْطَرَة بـينَ الـجَنّةِ والنّارِ، فَـيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِـمَ كانَتْ بَـيْنَهُمْ فِـي الدّنْـيا حتـى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ فـي دُخُولِ الـجَنّة) قالَ: (فَوَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدٍ بـيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِـمَنْزِلِهِ فـي الـجَنّةِ مِنْهُ بِـمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِـي الدّنْـيا) وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.

١٦٠٣٧ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد بن أبـي عروبة فـي هذه الاَية: وَنَزَعْنا ما فِـي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ

إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: حدثنا قتادة أن أبـا الـمتوكل الناجي حدثهم أن أبـا سعيد الـخدريّ حدثهم، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكره نـحوه، إلـى قوله (وأذِنَ لَهُمْ فِـي دُخُولِ الـجَنّةِ) ثم جعل سائر الكلام عن قتادة. قال: وقال قتادة: فوالذي نفسي بـيده لأحدهم أهدى بـمنزله. ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث بشر غير أن الكلام إلـى آخره عن قتادة، سوى أنه قال فـي حديثه: قال قتادة وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل الـجمعة إذا انصرفوا من الـجمعة.

١٦٠٣٨ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا عمر بن زرعة، عن مـحمد بن إسماعيـل الزبـيدي، عن كثـير النواء، قال سمعته

يقول: دخـلت علـى أبـي جعفر مـحمد بن علـيّ، فقلت: ولـيـي ولـيكم، وسلـمي سِلْـمكم، وعدوّي عدوّكم، وحربـي حربكم إنـي أسألك بـالله، أتبرأ من أبـي بكر وعمر؟ فقال: قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من الـمهتدين، توّلهما يا كثـير، فما أدركك فهو فـي رقبتـي ثم تلا هذه الاَية: إخْوَانا علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ

يقول: إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض، لا يستدبره فـينظر فـي قـفـاه.

وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٣٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا حصين، عن مـجاهد، فـي قوله: علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ قال: لا ينظر أحدهم فـي قـفـا صاحبه.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل، قالوا: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

والسرر: جمع سرير، كما الـجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فـيها والراءان متـحرّكتان لـخفة الأسماء، ولا تفعل ذلك فـي الأفعال لثقل الأفعال، ولكنهم يُدْغمون فـي الفعل لـيسكن أحد الـحرفـين فـيخفف، فإذا دخـل علـى الفعل ما يسكن الثانـي أظهروا حينئذٍ التضعيف.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يَمَسّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: لا يَـمَسّ هؤلاء الـمتقـين الذين وصف صِفتهم فـي الـجنات نَصَب، يعني تَعَب.

وَما هُمْ مِنْها بِـمُخْرِجِينَ يقول: وما هم من الـجنة ونعيـمها وما أعطاهم اللّه فـيها بـمخرجين، بل ذلك دائم أبدا.

٤٩

وقوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: أخبر عبـادي يا مـحمد، أنـي أنا الذي أستر علـى ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم علـيها، الرحيـم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها علـيها.

٥٠

وأنّ عَذابِـي هُو العَذَابُ الألـيـمُ

يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابـي لـمن أصرّ علـى معاصيّ وأقام علـيها ولـم يتب منها، هو العذاب الـموجع الذي لا يشبهه عذاب. وهذا من اللّه تـحذير لـخـلقه التقدم علـى معاصيه، وأمر منه لهم بـالإنابة والتوبة.

١٦٠٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ قال: بلغنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لوْ يَعلـمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللّه ما تورّعَ من حرام، وَلَو يَعلـم قَدْر عَذابِهِ لَبخَع نفسَه) .

١٦٠٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن الـمكيّ، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا مصعب بن ثابت، قال: حدثنا عاصم بن عبد اللّه ، عن ابن أبـي ربـاح، عن رجل من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: طَلَع عَلْـيَنَا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من البـاب الذي يدخـل منه بنو شيبة، فقال: (ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ؟) ثم أدبر حتـى إذا كان عند الـحجر رجع رجع إلـينا القهقري، فقال: (إنّـي لـمّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيـلُ صلى اللّه عليه وسلم فَقالَ: يا مُـحَمّد إنّ اللّه

يَقُولُ: لِـمَ تُقَنّطُ عِبـادِي؟ نَبّىءْ عِبـادِي أنّـي أنا الغَفُورُ الرّحِيـمُ وأنّ عَذَابِـي هُو العَذَابُ الألِـيـمُ) .

٥١

انظر تفسير الآية:٥٢

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وأخبر عبـادي يا مـحمد عن ضيف إبراهيـم يعني الـملائكة الذين دخـلوا علـى إبراهيـم خـلـيـل الرحمن حين أرسلهم ربهم إلـى قوم لوط لـيهلكوهم. فَقالُوا سَلاما

يقول: فقال الضيف لإبراهيـم: سلاما. قال إنّا مِنْكُمْ وجِلُونَ

يقول: قال إبراهيـم: إنا منكم خائفون. وقد بـيّنا وجه النصب فـي قوله: سَلاما وسبب وجل إبراهيـم من ضيفه واختلاف الـمختلفـين، ودللنا علـى الصحيح من القول فـيه فـيـما مضى قبل بـما إغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وأما قوله: قالُوا سَلاما وهو يعني به الضيف، فجمع الـخبر عنهم وهم فـي لفظ واحد، فإن الضيف اسم للواحد والاثنـين والـجمع مثل الوزن والقطر والعدل، فلذلك جمع خبره وهو لفظ واحد.

٥٣

وقوله: قَالُوا لا تَوْجَلْ

يقول: قال الضيف لإبراهيـم: لا توجل لا تَـخَفْ إنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ عَلِـيـمٍ.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَبَشّرْتُمُونِي عَلَىَ أَن مّسّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشّرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للـملائكة الذين بشّروه بغلام علـيـم: أبَشّرْتُـمُونِـي علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ فَبِـمَ تُبَشّرُونَ

يقول: فبأيّ شيء تبشرون.

وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:

١٦٠٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: قالَ أبَشّرْتُـمُونِـي علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ فَبِـمَ تُبَشّرُونَ قال: عجب من كبره وكبر امرأته.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

وقال علـى أنْ مَسّنِـيَ الكِبَرُ ومعناه: لأن مسنـي الكبر وبأن مسنـي الكبر، وهو نـحو قوله: حَقِـيقٌ علـى أنْ لا أقُولَ علـى اللّه إلاّ الـحَق بـمعنى: بأن لا أقول، ويـمثله فـي الكلام: أتـيتك أنك تعطي، فلـم أجدك تعطي.

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ بَشّرْنَاكَ بِالْحَقّ فَلاَ تَكُن مّنَ الْقَانِطِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال ضيف إبراهيـم له: بشرناك بحقّ يقـين، وعلـم منّا بأن اللّه قد وهب لك غلاما علـيـما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل اللّه فـيـيأسون منه، ولكن أبشر بـما بشرناك به وأقبل البُشرى.

واختلفت القرّاء قوله: مِنَ القانِطِينَ فقرأته عامّة قراء الأمصار: مِنَ القانِطِينَ بـالألف. وذكر عن يحيى بن وثاب أنه كان يقرأ ذلك: (القَنِطِينَ) .

والصواب من القراءة فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة علـى ذلك وشذوذ ما خالفه.

٥٦

وقوله: قال وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبّهِ إلاّ الضّالّونَ

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للضيف ومن يـيأس من رحمة اللّه إلا القوم الذين قد أخطئوا سبـيـل الصواب وتركوا قصد السبـيـل فـي تركهم رجاء اللّه ، ولا يخيب من رجاه، فضلّوا بذلك عن دين اللّه .

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَمَنْ يَقْنَطُ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة والكوفة: وَمَنْ يَقْنَطُ بفتـح النون إلا الأعمش والكسائي فإنهما كسر النون من (يَقْنَطُ) . فأما الذين فتـحوا النون منه مـمن ذكرنا فإنهم قرءوا: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا بفتـح القاف والنون. وأما الأعمش فكان يقرأ ذلك: (من بعد ما قَنِطُوا) بكسر النون. وكان الكسائي يقرؤه بفتـح النون. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الـحرفـين جميعا علـى النـحو الذي ذكرنا من قراءة الكسائي.

وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطوا بفتـح النون، (وَمَنْ يَقْنَطُ) بكسر النون، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى فتـحها فـي قوله: مِنْ بعْدِ ما قَنَطُوا فكسرها فـي (وَمَنْ يَقْنَطُ) أولـى إذا كان مـجمعا علـى فتـحها فـي (قَنَطَ) ، لأن فَعَل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحة ولـم تكن من الـحروف الستة التـي هي حروف الـحلق، فإنها تكون فـي (يَفْعِل) مكسورة أو مضمومة فأما الفتـح فلا يُعرف ذلك فـي كلام العرب.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم للـملائكة: فما شأنكم؟ ما أمَرُكم أيّها الـمرسلون؟

٥٨

قالت الـملائكة له: إنّا أُرْسِلْنا إلـى قَوْمٍ مُـجْرِمِينَ

يقول: إلـى قوم قد اكتسبوا الكفر بـالله.

٥٩

إلا آلَ لُوطٍ

يقول: إلا أتبـاع لوط علـى ما هو علـيه من الدّين، فإنا لن نهلكهم بل ننـجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط،

٦٠

إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ

سوى امرأة لوط قَدّرْنا إنها مِنَ الغَابِرِينَ

يقول: قضى اللّه فـيها إنها لـمن البـاقـين ثم هي مهلكة بعد. وقد بـيّنا الغابر فـيـما مضى بشواهده.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى رسلُ اللّه آل لوط، أنكرهم لوط فلـم يعرفهم

٦٢

وقال لهم: إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ: أي نُنْكركم لا نعرفكم. فقالت له الرسل: بل نـحن رسل اللّه جئناك بـما كان فـيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب اللّه علـى كفرهم به.

١٦٠٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قال: أنكرهم لوط.

٦٣

قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ

وقوله: بِـمَا كانُوا فِـيهِ يَـمْتَرُونَ قال: بعذاب قوم لوط.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقّ وَإِنّا لَصَادِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت الرسل للوط: وجئناك بـالـحقّ الـيقـين من عند اللّه ، وذلك الـحقّ هو العذاب الذي عذّب اللّه به قوم لوط. وقد ذكرت خبرهم وقصصهم فـي سورة هود وغيرها حين بعث اللّه رسله لـيعذّبهم به، وقولهم:

وإنّا لَصَادِقُونَ يقولون: إنا لصادقون فـيـما أخبرناك به يا لوط من أن اللّه مُهْلِك قومك.

٦٥

فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللـيْـلِ

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط: فأسر بأهلك ببقـية من اللـيـل، واتبع يا لوط أدبـار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم، وسر خـلفهم وهم أمامك، ولا يـلتفت منكم وراءه أحد، وامضوا حيث يأمركم اللّه .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلا يـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ لا يـلتفت وراءه أحد، ولا يَعَرّج.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَلا يـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ: لا ينظر وراءه أحد.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٦٠٤٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاتّبِعْ أدْبـارَهُمْ قال: أُمر أن يكون خـلف أهله، يتبع أدبـارهم فـي آخرهم إذا مشوا.

١٦٠٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللـيْـلِ قال: بعض اللـيـل. وَاتّبِعْ أدْبـارَهُمْ: أدبـار أهله.

٦٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مّصْبِحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وفرغنا إلـى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين

يقول: إن آخر قومك وأوّلهم مـجذوذ مستأصل صبـاح لـيـلتهم. (وأنّ) من قوله: أنّ دابرَ فـي موضع نصب ردّا علـى الأمر بوقوع القضاء علـيها. وقد يجوز أن تكون فـي موضع نصب بفقد الـخافض، ويكون معناه: وقضينا إلـيه ذلك الأمر بأن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين) . وعُنِـي ب قوله: مُصْبِحِينَ إذا أصبحوا، أو حين يصبحون.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، قوله: أنّ دَابِرَ هَولاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ يعني : استئصال هلاكهم مصبحين.

١٦٠٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقَضَيْنا إلَـيْهِ ذلكَ الأمْرَ قال: أوحينا إلـيه.

٦٧

وقوله: وجاءَ أهْلُ الـمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ

يقول: وجاء أهل مدينة سَدُوم وهم قوم لوط لـما سمعوا أن ضيفـا قد ضاف لوطا مستبشرين بنزولهم مدينتهم طمعا منهم فـي ركوب الفـاحشة. كما:

١٦٠٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجاءَ أهْلُ الـمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ استبشروا بأضياف نبـي اللّه صلى اللّه عليه وسلم لوط حين نزلوا لـما أرادوا أن يأتوا إلـيهم من الـمنكر.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه: إن هؤلاء الذين جئتـموهم تريدون منهم الفـاحشة ضيفـي، وحقّ علـى الرجل إكرام ضيفه، فلا تفضحون أيها القوم فـي ضيفـي، وأكرمونـي فـي ترككم التعرّض لهم بـالـمكروه.

٦٩

وقوله: واتّقُوا اللّه

يقول: وخافوا اللّه فـيّ وفـي أنفسكم أن يحلّ بكم عقابه. وَلا تُـخْزُونِ

يقول: ولا تذلونـي ولا تهينونـي فـيهم بـالتعرضّ لهم بـالـمكروه.

٧٠

قالُوا أوَ لـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: قال للوط قومه: أو لـم ننهك أن تضيف أحدا من العالـمين؟ كما:

١٦٠٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أوَلـمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالـمِينَ قال: ألـم ننهك أن تضيف أحدا؟

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه: تزوّجوا النساء فأتوهنّ، ولا تفعلوا ما قد حرم اللّه علـيكم من إتـيان الرجال، إن كنتـم فـاعلـين ما آمركم به ومنهين إلـى أمري كما:

١٦٠٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قالَ هَولاءِ بنَاتِـي إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ: أمرهم نبـيّ اللّه لوط أن يتزوّجوا النساء، وأراد أن يَقِـيَ أضيافه ببناته.

٧٢

وقوله: لَعَمْرُكَ يقول تعالـى لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وحياتك يا مـحمد، إن قومك من قريش لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ

يقول: لفـي ضلالتهم وجهلهم يتردّدون.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا سعيد بن زيد، قال: حدثنا عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوّزاء، عن ابن عبـاس ، قال: ما خـلق اللّه وما ذرأ وما نفسا أكرم علـى اللّه من مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وما سمعت اللّه أقسم بحياة أحد غيره، قال اللّه تعالـى ذكره: لَعَمْرُكَ إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضْرمي، قال: حدثنا الـحسين بن أبـي جعفر، قال: حدثنا عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، عن ابن عبـاس ، فـي قول اللّه :لَعَمْرُكَ إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: ما حلف اللّه تعالـى بحياة أحد إلا بحياة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، قال: وحياتك يا مـحمد وعمرك وبقائك فـي الدنـيا إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ.

١٦٠٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لَعَمْرُكَ إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ وهي كلـمة من كلام العرب لفـي سكرتهم: أي فـي ضلالتهم، يعمهون: أي يـلعبون.

١٦٠٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله: لَعَمْرُكَ إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: لفـي غفلتهم يتردّدون.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فِـي سَكْرَتِهِمْ قال: فـي ضلالتهم. يَعْمَهُونَ قال: يـلعبون.

١٦٠٥٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مـجاهد: يَعْمَهُونَ قال: يتردّدون.

١٦٠٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: لَعَمْرُكَ

يقول: لعيْشُك. إنّهُمْ لَفِـي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: يتـمادَوْنَ.

١٦٠٥٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه ك قوله: وَحَيَاتِـي.

٧٣

وقوله: فَأَخَذَتْهُمْ الصّيْحَةُ مُشْرِقِـينَ

يقول تعالـى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقـين:

يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس. ونصب (مشرقـين) و (مصبحين) علـى الـحال بـمعنى: إذ أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صِيح بهم، إذا أهلكوا.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٥٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: فَأخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ مُشْرِقِـينَ قال: حين أشرقت الشمس ذلك مشرقـين.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فجعلنا عالـي أرضهم سافلَها، وأمطرنا علـيهم حِجارة من سجّيـل. كما:

١٦٠٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة: وَأمْطَرْنا عَلَـيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ أي من طين.

٧٥

وقوله: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ

يقول: إن فـي الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم وأحللنا بهم من العذاب لَعَلامات ودلالات للـمتفرّسين الـمعتبرين بعلامات اللّه ، وعبره علـى عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به. وإنـما يعني تعالـى ذكره بذلك قوم نبـي اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قريش

يقول: فلِقومك يا مـحمد فـي قوم لوط، وما حلّ بهم من عذاب اللّه حين كذّبوا رسولهم وتـمادوا فـي غيهم وضلالهم، مُعْتَبَرٌ.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: للْـمُتَوَسّمِينَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٦٠ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد، قال: حدثنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ قال: للـمتفرّسين.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عبد الـملك وحدثنا الـحسن الزعفرانـي، قال: ثنـي مـحمد بن عبـيد، قال: ثنـي عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ قال للـمتفرّسين.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الـمتوسمين: الـمتفرسين. قال: توسّمت فـيك الـخير نافلة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن قـيس، عن مـجاهد: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ قال: الـمتفرّسين.

١٦٠٦١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ

يقول: للناظرين.

١٦٠٦٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك : للْـمُتَوَسّمِينَ قال للناظرين.

١٦٠٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ: أي للـمعتبرين.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: للـمُتَوَسّمينَ قال: للـمعتبرين.

١٦٠٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عُمارة، قال: ثنـي حسن بن مالك، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، عن عمرو بن قـيس، عن عطية، عن أبـي سعيد، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اتّقُوا فِرَاسَةَ الـمُومِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّه ) . ثم قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ) .

حدثنا أحمد بن مـحمد الطّوسى، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير مولـى بنـي هاشم، قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـمَلاَئي، عن عطية، عن أبـي سعيد، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بـمثله.

١٦٠٦٥ـ حدثنـي أحمد بن مـحمدالطوسى، قال: حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا الفُرات بن السائب، قال: حدثنا ميـمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (اتّقُوا فِرَاسَةَ الـمُوءْمِنِ فإنّ الـمُوءْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّه ) .

١٦٠٦٦ـ حدثنا عبد الأعلـى بن واصل، قال: ثنـي سعيد بن مـحمد الـجَرْميّ، قال: حدثنا عبد الواحد بن واصل، قال: حدثنا أبو بشر الـمزلق، عن ثابت البُنَانـيّ، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ لله عِبـادا يَعْرفُونَ النّاسَ بـالتّوَسّمِ) .

١٦٠٦٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُتَوَسّمِينَ قال: الـمتفكرون والـمعتبرون الذين يتوسمون الأشياء، ويتفكرون فـيها ويعتبرون..

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: للْـمُتَوَسّمِينَ

يقول: للناظرين.

١٦٠٦٨ـ حدثنـي أبو شرحبـيـل الـحِمْصِيّ، قال: حدثنا سلـيـمان بن سلـمة، قال: حدثنا الـمؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبـيّ، قال: حدثنا أبو الـمعلّـى أسد بن وداعة الطائي، قال: حدثنا وهب بن منبه، عن طاوس بن كيسان، عن ثوبـان، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (احْذَرُوا فِرَاسَةَ الـمُوءْمِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّه وَيَنْطِقُ بِتَوْفِـيقِ اللّه ) .

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّهَا لَبِسَبِيلٍ مّقِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن هذه الـمدينة، مدينة سَدُوم، لبطريق واضح مقـيـم يراها الـمـجتاز بها لا خفـاء بها، ولا يبرح مكانها، فـيجهل ذو لبّ أمرها، وغبّ معصية اللّه ، والكفر به.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

 ١٦٠٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، وحدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَإنّها لَبِسَبِـيـلِ مُقِـيـمٍ قال: لبطريق معلـم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٦٠٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَإنّها لَبِسَبِـيـلِ مُقِـيـمٍ

يقول: بطريق واضح.

١٦٠٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإنّها لَبِسَبِـيـلِ مُقِـيـمٍ قال: طريق السبـيـل: الطريق.

١٦٠٧٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَبِسَبِـيـلِ مُقِـيـمٍ

يقول: بطريق معلـم.

٧٧

وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً للْـمُوءْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: إن فـي صنـيعنا بقوم لوط ما صنعنا بهم، لعلامة ودلالة بـينة لـمن آمن بـاللّه علـى انتقامه من أهل الكفر به، وإنقاذه من عذابه، إذا نزل بقوم أهل الإيـمان به منهم. كما:

١٦٠٧٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً قال: هو كالرجل يقول لأهله: علامة ما بـينـي وبـينكم أن أرسل إلـيكم خاتـمي، أو آية كذا وكذا.

١٦٠٧٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن سماك، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً قال: أما ترى الرجل يرسل بخاتـمه إلـى أهله فـ

يقول: هاتوا كذا وكذا، فإذا رأوه علـموا أنه حقّ.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وقد كان أصحاب الغَيْضة ظالـمين،

يقول: كانوا بـاللّه كافرين. والأيكة: الشجر الـملتفّ الـمـجتـمع، كما قال أمية:

كَبُكا الـحَمامِ عَلـى فَرُوعِ الأيْكِ فـي الغُصْنِ الـجَوَانِـحْ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٧٥ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، قال، قوله: أصحَابُ الأيْكَةِ قال: الشجر، وكانوا يأكلون فـي الصيف الفـاكهة الرطبة، وفـي الشتاء الـيابسة.

١٦٠٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ كانَ أصحَابُ الأَيْكَةِ لَظالِـمِينَ ذكر لنا أنهم كانوا أهل غيضة. وكان عامّة شجرهم هذا الدّوْم. وكان رسولهم فـيـما بلغنا شُعَيب صلى اللّه عليه وسلم، أرسل إلـيهم وإلـى أهل مدين، أرسل إلـى أمتـين من الناس، وعُذّبتا بعذابـين شتـى. أما أهل مدين، فأخذتهم الصيحة وأما أصحاب الأيكة، فكانوا أهل شجر متكاوس ذُكر لنا أنه سلّط علـيهم الـحرّ سبعة أيام، لا يظلهم منه ظلّ ولا يـمنعهم منه شيء، فبعث اللّه علـيهم سحابة، فحَلّوا تـحتها يـلتـمسون الرّوْح فـيها، فجعلها اللّه علـيهم عذابـا، بعث علـيهم نارا فـاضطرمت علـيهم فأكلتهم. فذلك عذاب يوم الظلّة، إنه كان عذاب يوم عظيـم.

١٦٠٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبـيه عن سعيد بن جبـير، قال: أصحاب الأيكة: أصحاب غَيْضَة.

١٦٠٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله: وَإنْ كانَ أصحَابُ الأَيْكَةِ لَظالِـمِينَ قال: قوم شعيب. قال ابن عبـاس : الأيكة ذات آجام وشجر كانوا فـيها.

١٦٠٧٩ـ حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك

يقول: فـي قوله: أصحَابُ الأَيْكَةِ قال: هم قوم شعيب، والأيكة: الغيضة.

١٦٠٨٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الـحارث، عن سعيد بن أبـي هلال، عن عمرو بن عبد اللّه ، عن قتادة، أنه قال: إن أصحاب الأيكة، والأيكة: الشجر الـملتفّ.

٧٩

وقوله: فـانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ

يقول: تعالـى ذكره: فـانتقمنا من ظلـمة أصحاب الأيكة.

وقوله: وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ

يقول: وإن مدينة أصحاب الأيكة ومدينة قوم لوط. والهاء والـميـم فـي قوله: وإنّهما من ذكر الـمدينتـين. لَبِإمامٍ

يقول: لبطريق يأتـمون به فـي سفرهم ويهتدون به. مُبِـينٍ

يقول: يبـين لـمن ائتـمّ به استقامته. وإنـما جعل الطريق إماما لأنه يوءَم ويُتّبع.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس ، قوله: وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ

يقول: علـى الطريق.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فـانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ

يقول: طريق ظاهر.

١٦٠٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، وحدثنـي الـمثنى. قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ قال: بطريق معلـم.

١٦٠٨٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ قال: طريق واضح.

حُدثت عن الـحسين قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَبِإمامٍ مُبِـينٍ بطريق مستبـين.

٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ كَذّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد كذب سكان الـحجر، وجعلوا لسكناهم فـيها ومقامهم بها أصحابها، كما قال تعالـى ذكره: وَنادَى أصحَابُ الـجَنّةِ أصحَابَ النّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فجعلهم أصحابها لسُكناهم فـيها ومقامهم بها. والـحجر: مدينة ثمود.

وكان قتادة يقول فـي معنى الـحجر، ما:

١٦٠٨٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر عن قتادة: أصحاب الـحجر: قال: أصحاب الوادي.

١٦٠٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، وهو يذكر الـحِجْر مساكن ثمود قال: قال سالـم بن عبد اللّه : إن عبد اللّه بن عمر قال: مررنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الـحجر، فقال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تَدْخُـلُوا مَساكِنَ الّذِينَ ظَلَـمُوا أنفسَهُمْ إلاّ أَنْ تَكُونُوا بـاكِينَ حَذَرا أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصَابَهُمْ) ثم زجر فأسرع حتـى خـلّفها.

١٦٠٨٦ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصريّ، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن أبـي عبـاد الـمكيّ، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن ابن سابط، عن جابر بن عبد اللّه : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال وهو بـالـحجر: (هَولاءِ قَوْمُ صَالِـحٍ أهْلَكَهُمْ اللّه إلاّ رَجُلاً كانَ فِـي حَرَمِ اللّه مَنَعَهُ حَرَمُ اللّه مِنْ عَذَابِ اللّه ) قـيـل: يا رسول اللّه من هو؟ قال: (أبُو رِغالٍ) .

٨١

وقوله: وآتَـيْنَاهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ

يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا علـى حقـيقة ما بعثنا به إلـيهم رسولنا صالـحا، فكانوا عن آياتنا التـي آتـيناهم معرضين لا يعتبرون بها ولا يتعظون.

٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وكان أصحاب الـحجر، وهم ثمود قوم صالـح، ينـحِتون مِنَ الـجبـالِ بُـيُوتا آمِنِـينَ من عذاب اللّه ، وقـيـل: آمنـين من الـخراب أن تـخرب بـيوتهم التـي نـحتوها من الـجبـال، وقـيـل: آمنـين من الـموت.

٨٣

وقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ مُصْبِحِينَ

يقول: فأخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا من الـيوم الرابع من الـيوم الذي وُعدوا العذاب، وقـيـل لهم: تَـمتّعوا فـي داركم ثلاثة أيام.

٨٤

وقوله: فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ

يقول: فما دفع عنهم عذاب اللّه ما كانوا يجترحون من الأعمال الـخبـيثة قبل ذلك.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَإِنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما خـلقنا الـخلائق كلها، سماءها وأرضَها، ما فـيهما وما بَـيْنَهُما يعني ب قوله: وَما بَـيْنَهُما مـما فـي أطبـاق ذلك. إلاّ بـالـحَقّ

يقول: إلا بـالعدل والإنصاف، لا بـالظلـم والـجَور. وإنـما يعني تعالـى ذكره بذلك أنه لـم يظلـم أحدا من الأمـم التـي اقتصّ قَصَصَها فـي هذه السورة وقصص إهلاكه إياها بـما فعل به من تعجيـل النقمة له علـى كفره به، فـيعذّبه ويهلكه بغير استـحقاق لأنه لـم يخـلق السموات والأرض وما بـينهما بـالظلـم والـجور، ولكنه خالق ذلك بـالـحقّ والعدل.

٨٦

وقوله: وإنّ السّاعَةَ لاَتِـيَةٌ فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وإن الساعة، وهي الساعة التـي تقوم فـيها القـيامة لـجائية، فـارض بها لـمشركي قومك الذين كذّبوك وردّوا علـيك ما جئتهم به من الـحقّ. فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ

يقول: فأعرض عنهم إعراضا جميلاً، واعف عنهم عفوا حسنا.

وقوله: إنّ رَبّكَ هُوَ الـخَلاّقُ العَلِـيـمُ

يقول تعالـى ذكره: إن ربك هو الذي خـلقهم وخـلق كلّ شيء، وهو عالـم بهم وبتدبـيرهم وما يأتون من الأفعال. وكان جماعة من أهل التأويـل تقول: هذه الاَية منسوخة. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ ثم نسخ ذلك بعد، فأمره اللّه تعالـى ذكره بقتالهم حتـى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن مـحمدا عبده ورسوله، لا يقبل منهم غيره.

١٦٠٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ فـاصفَحْ عَنْهُمُ، وقُلْ سَلامٌ، فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ و قُلْ للذين آمنوا يغفروا للّذِينَ لاَ يَرجُونَ أيّامَ اللّه وهذا النـحوُ كله فـي القرآن أمر اللّه به نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون ذلك منه، حتـى أمره بـالقتال، فنسخ ذلك كله فقال: خُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ.

١٦٠٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن مـجاهد: فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ قال: هذا قبل القتال.

١٦٠٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن سفـيان بن عيـينة، فـي قوله: فـاصْفَحِ الصّفْحِ الـجَمِيـلَ.

وقوله: وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ قال: كان هذا قبل أن ينزل الـجهاد، فلـما أمر بـالـجهاد قاتلهم فقال: (أنا نَبِـيّ الرّحْمَةِ ونَبِـيّ الـمَلْـحَمَةِ، وبُعِثْتُ بـالـحَصَادِ ولَـمْ أُبْعَثْ بـالزّرَاعَةِ) .

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي معنى السبع الذي أتـى اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم من الـمثانـي فقال بعضهم عنـي بـالسبع: السبع السور من أوّل القرآن اللواتـي يُعْرفن بـالطول. وقائلو هذه الـمقالة مختلفون فـي الـمثانـي، فكان بعضهم

يقول: الـمثانـي هذه السبع، وإنـما سمين بذلك لأنهن ثُنّـيَ فـيهنّ الأمثالُ والـخبرُ والعِبَر. ذكر من قال ذلك:

١٦٠٩١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: السبع الطّولَ.

١٦٠٩٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن سعيد الـجريريّ، عن رجل، عن ابن عمر قال: السبع الطّوَل.

١٦٠٩٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمَان، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: السبع الطّوَل.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٦٠٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن الـحجاج، عن الولـيد بن العيزار، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: هنّ السبع الطّوَل، ولـم يُعطَهن أحد إلا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وأُعطيَ موسى منهنّ اثنتـين.

١٦٠٩٥ـ حدثنا ابن وكيع، وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البَطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: أوتـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم سبعا من الـمثانـي الطّوَل، وأوتـي موسى ستّا، فلـما ألقـى الألواح رُفعت اثنتان وبقـيت أربع.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عبد اللّه بن جعفر، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٦٠٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف. قال إسرائيـل: وذكر السابعة فنسيتها.

١٦٠٩٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: هي الطّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ قال: البقرة، وآل عمران، والنساء والـمائدة والأنعام، والأعراف، ويونس، فـيهنّ الفرائض والـحدود.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه.

١٦٠٩٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: السبع الطّوَل.

١٦٠٩٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال أبو بشر: أخبرنا عن سعيد بن جبـير، قال: هنّ السبع الطّوَل. قال: وقال مـجاهد: هن السبع الطّول. قال: ويقال: هنّ القرآن العظيـم.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا سعيد، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، تُثْنى فـيها الأحكام والفرائض.

حدثنا الـحسن بن مـحمد بن الصبـاح، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: هن السبع الطّوَل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، يونس. قال: قلت: ما الـمثانـي؟ قال: يثنى فـيهنّ القضاء والقَصص.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: السبع الطّوَل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا أبو خالد، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله.

١٦١٠٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا، عن مـجاهد، قال: هي السبع الطّوَل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد بن عبـيد اللّه ، قال: حدثنا عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: هي السبع الطّوَل.

١٦١٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ قال: من القرآن السبع الطّوَل السبع الأُوَل.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا شبـابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل وابن نـمير، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد، قال: هنّ السبع الطّوَل.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: السبع الطّوَل.

١٦١٠٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن نـمير، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خُثَـيـم، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: هي الأمثال وَالـخَبر والعِبَر.

١٦١٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نـمير، عن إسماعيـل، عن خوّات، عن سعيد بن جبـير، قال: هي السبع الطّوَل، أعطِيَ موسى ستّا، وأُعطِيَ مـحمد صلى اللّه عليه وسلم سبعا.

١٦١٠٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ،

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي يعني السبع الطّوَل.

وقال آخرون: عنـي بذلك: سبع آيات وقالوا: هن آيات فـاتـحة الكتاب، لأنهنّ سبع إيات. وهم أيضا مختلفون فـي معنى الـمثانـي،

فقال بعضهم: إنـما سمين مثانـي لأنهن يثنـين فـي كلّ ركعة من الصلاة. ذكر من قال ذلك:

١٦١٠٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: أخبرنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن أبـي نضرة، قال: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت إلـى عمر حاجة فـي خلافته، فقدمت، الـمدينة لـيلاً، فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد منزلاً. فأرقت نشوا من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يصلـي يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو عُمر، فكانت فـي نفسي، فغدوت علـيه فقلت: يا أمير الـمؤمنـين حاجة مع حاجة قال: هات حاجتك قلت إنـي قدِمت لـيلاً فمثلت بـين أن أتـخذ منزلاً وبـين الـمسجد، فـاخترت الـمسجد، فأرقت نَشْوا من آخر اللـيـل، فإذا إلـى جنبـي رجل يقرأ بأمّ الكتاب ثم يسبح قدر السورة ثم يركع ولا يقرأ، فلـم أعرفه حتـى جَهَر، فإذا هو أنت، ولـيس كذلك نفعل قِبَلَنا. قال: وكيف تفعلون؟ قال: يقرأ أحدنا أمّ الكتاب، ثم يفتتـح السورة فـيقرؤها. قال: ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون لا يعمَلُون؟ ما لهم يعلَـمُون ولا يعمَلُون؟ وما تبغي عن السبع الـمثانـي وعن التسبـيح صلاة الـخـلق.

حدثنـي طُلَـيق بن مـحمد الواسطيّ، قال: أخبرنا يزيد، عن الـجريري، عن أبـي نضرة، عن جابر أو جويبر، عن عُمَر بنـحوه، إلا أنه قال: فقال يقرأ القرآن ما تـيسر أحيانا، ويسبح أحيانا، ما لهم رغبة عن فـاتـحة الكتاب، وما يبتغي بعد الـمثانـي وصلاة الـخـلق التسبـيح.

١٦١٠٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، قال: السبع الـمثانـي: فـاتـحة الكتاب.

حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: حدثنا حفص بن عمر، عن الـحسن بن صالـح وسفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد جميعا، عن سفـيان، عن السديّ، عن عبد خير، عن علـيّ، مثله.

١٦١٠٧ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا هشام، عن ابن سيرين، قال: سئل ابن مسعود عن سبع من الـمثانـي، قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وقال ابن سيرين عن ابن مسعود: هي فـاتـحة الكتاب.

١٦١٠٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب.

١٦١٠٩ـ حدثنـي سعيد بن يحيى الأُمَويّ، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبـي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، أنه قال فـي قول اللّه تعالـى: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: هي فـاتـحة الكتاب. فقرأها علـيّ ستّا، ثم قال: بسم اللّه الرحمن الرحيـم الاَية السابعة. قال سعيد: وقرأها ابن عبـاس علـيّ كما قرأها علـيك، ثم قال الاَية السابعة: بسم اللّه الرحمن الرحيـم، فقال ابن عبـاس : قد أخرجها اللّه لكم وما أخرجها لأحد قبلكم.

١٦١١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، أن أبـاه حدّثه، عن سعيد بن جبـير، قال: قال لـي ابن عبـاس : فـاستفتـح ببسم اللّه الرحمن الرحيـم ثم قرأ فـاتـحة الكتاب، ثم قال: تدري ما هذا؟ وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي.

١٦١١١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي

يقول: السبع: الـحمد لله رب العالـمين، والقرآن العظيـم. ويقال: هنّ السبع الطول، وهن الـمئون.

١٦١١٢ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: فـاتـحة الكتاب.

١٦١١٣ـ حدثنـي عمران بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا إسحاق، بن سويد، عن يحيى بن يعمر وعن أبـي فـاختة فـي هذه الاَية: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ قالا: هي أمّ الكتاب.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن السدي عمن سمع علـيّا

يقول: الـحمد لله ربّ العالـمين، هي السبع الـمثانـي.

١٦١١٤ـ حدثنا أبو الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن، يحدّث عن أبـيه، عن أبـيّ بن كعب، أنه قال: السبع الـمثانـي: الـحمد لله رب العالـمين.

١٦١١٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قول اللّه تعالـى: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب سبع آيات. قلت للربـيع: إنهم يقولون: السبع الطول. فقال: لقد أنزلت هذه وما أنزل من الطّول شيء.

١٦١١٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وإنـما سميت الـمثانـي لأنه يثنى بها كلـما قرأ القرآن قرأها. فقـيـل لأبـي العالـية: إن الضحاك بن مزاحم

يقول: هي السبع الطّوَل. فقال: لقد نزلت هذه السورة سبعا من الـمثانـي وما أنزل شيء من الطّوَل.

١٦١١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، قال: فـاتـحة الكتاب.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي جميعا، عن سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد اللّه ، عن إبراهيـم، قال: فـاتـحة الكتاب.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد اللّه ، عن إبراهيـم مثله.

١٦١١٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد جميعا، عن هارون بن أبـي إبراهيـم البربري، عن عبد اللّه بن عبـيد بن عمير، قال: السبع من الـمثانـي: فـاتـحة الكتاب.

١٦١١٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن ابن جريج، عن أبـي ملـيكة: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب. قال: وذكر فـاتـحة الكتاب لنبـيكم صلى اللّه عليه وسلم لـم تذكر لنبـيّ قبله.

١٦١٢٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن شهر بن حوشب، فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب.

١٦١٢١ـ حدثنـي مـحمد بن أبـي خداش، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا هارون البربري، عن عبد اللّه بن عبـيد بن عمير اللـيثـي فـي قول اللّه تعالـى: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: هي الـحمد لله ربّ العالـمين.

١٦١٢٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سألت الـحسن، عن قوله تعالـى: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظيـمَ قال: هي فـاتـحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع، فقرأها: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى أتـى علـى آخرها، فقال: تثنى فـي كلّ قراءة.

١٦١٢٣ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: فـاتـحة الكتاب.

١٦١٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآن العَظِيـمَ ذكر لنا أنهنّ فـاتـحة الكتاب، وأنهن يثنـين فـي كلّ قراءة.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب تُثْنَى فـي كلّ ركعة مكتوبة وتطوّع.

١٦١٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حماد بن زيد وحجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي أبـي عن سعيد بن جبـير، أنه أخبره أنه سأل ابن عبـاس عن السبع الـمثانـي، فقال: أمّ القرآن. قال: سعيد: ثم قرأها، وقرأ منها: بسم اللّه الرحمن الرحيـم. قال: أبـي: قرأها سعيد كما قرأها ابن عبـاس ، وقرأ فـيها بسم اللّه الرحمن الرحيـم. قال سعيد: قلت لابن عبـاس : فما الـمثانـي؟ قال: هي أم القرآن، استثناها اللّه لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فرفعها فـي أمّ الكتاب، فذخرها لهم حتـى خرجها لهم، ولـم يعطها لأحد قبله. قال: قلت: لأبـي: أخبرك سعيد أن ابن عبـاس قال له: (بسم اللّه الرحمن الرحيـم) آية من القرآن؟ قال: نعم. قال ابن جريج: قال عطاء: فـاتـحة الكتاب، وهي سبع بسم اللّه الرحمن الرحيـم، والـمثانـي: القرآن.

١٦١٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، أنه قال: السبع الـمثانـي: أمّ القرآن.

١٦١٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبد اللّه العتكي، عن خالد الـحنفـي قاضي مرو فـي قوله: وَلَقَد آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: فـاتـحة الكتاب.

وقال آخرون: عُنـي بـالسبع الـمثانـي معانـي القرآن. ذكر من قال ذلك:

١٦١٢٨ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب الشهيد الشهيديّ، قال: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن زياد بن أبـي مريـم، فـي قوله: سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مُرْ، وانْهَ، وبَشّرْ، وانذِرْ، واضرب الأمثال، واعدُدِ النعم، وآتـيتك نبأ القرآن.

وقال آخرون من الذين قالوا عُنِـي بـالسبع الـمثانـي فـاتـحة الكتاب: الـمثانـي هو القرآن العظيـم. ذكر من قال ذلك:

١٦١٢٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كله مثانـي.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن كُلّه مثانـي.

١٦١٣٠ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبـيد أبو زيد، عن حصين، عن أبـي مالك، قال: القرآن مثانـي. وعدّ البقرة، وآل عمران، والنساء، والـمائدة، والأنعام، والأعراف، وبراءة.

١٦١٣١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن جريج، عن مـجاهد، وعن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: القرآن كله يُثْنَى.

١٦١٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: الـمثانـي: ما ثنى من القرآن، ألـم تسمع لقول اللّه تعالـى ذكره: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها مَثانـي؟.

١٦١٣٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك

يقول: الـمثانـي: القرآن، يذكر اللّه القصة الواحدة مرارا، وهو قوله: نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها مَثانِـيَ.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عُنـي بـالسبع الـمثانـي السبع اللواتـي هنّ آيات أم الكتاب، لصحة الـخبر بذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي:

١٦١٣٤ـ حدّثنـيه يزيد بن مخـلد بن خِدَاش الواسطي، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أمّ القُرآنِ السّبْعُ الـمَثانِـي الّتِـي أُعْطِيتُها) .

١٦١٣٥ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام العجلـي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأُبـيّ: (إنّـي أُحِبّ أنْ أعُلّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فِـي التّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها) . قال: نعم يا رسول اللّه ، قال: (إنّى لاَءَرْجُو أنْ لا تـخْرُج مِنْ هَذَا البـابِ حتـى تَعْلَـمَها) . ثم أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـيدي يحدثنـي، فجعلت أتبـاطأ مخافة أن يبلغ البـابَ قبل أن ينقضي الـحديث فلـما دنوت قلت: يا رسول اللّه ما السورة التـي وعدتنـي؟ قال: (ما تَقرأُ فـي الصّلاةِ؟) فقرأت علـيه أمّ القرآن، فقال: (والّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِل فـي التّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها، إنّها السّبْعُ مِن الـمَثانـي والقُرآنِ العَظِيـمِ الّذِي أُعْطِيتُهُ) .

١٦١٣٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا زيد بن حبـاب العكلـي، قال: حدثنا مالك بن أنـيس، قال: أخبرنـي العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولـى لعروة، عن أبـي سعيد مولـى عامر بن فلان، أو ابن فلان، عن أبـيّ بن كعب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له: (إذا افْتَتَـحْت الصّلاةَ بِـم تَفْتَتِـحُ؟) قال: الـحمد لله ربّ العالـمين، حتـى ختـمها. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هِي السّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ الّذِي أُعْطِيتُ) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عبد الـحميد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن أبـيّ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ألا أُعَلّـمُك سُورةً ما أُنْزِل فـي التّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ وَلاَ فـي الزّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟) قلت: بلـى. قال: (إنّى لاَءَرْجُو أنْ لا تَـخْرُجَ مِنْ ذَلِكَ البـابِ حتـى تَعْلَـمُها) . فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقمت معه، فجعل يحدثنـي ويده فـي يدي، فجعلت أتبـاطأ كراهية أن يخرج قبل أن يخبرنـي بها فلـما قرب من البـاب قلت: يا رسول اللّه السورة التـي وعدتنـي قال: (كَيْفَ تَقْرأُ إذَا افْتَتَـحْتَ الصّلاةَ؟) قال: فقرأ فـاتـحة الكتاب. قال: (هِيَ هِيَ، وَهِيَ السّبْعُ الـمَثانِـي الّتِـي قالَ اللّه تَعالـى: وَلَقَدْ آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ الّذِي أُوتِـيتُ) .

١٦١٣٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن إبراهيـم بن الفضل الـمدنـيّ، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (الرّكْعَتانِ اللّتانِ لا يُقْرأُ فِـيهِما كالـخِدَاجِ لَـمْ يَتِـمّا) . قال رجل: أرأيت إن لـم يكن معي إلاّ أمّ القرآن؟ قال: (هي حسبك هِيَ أُمّ القُرآنِ، هِيَ السّبْعُ الـمَثانِـي) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن نـمير، عن إبراهيـم بن الفضل، عن الـمقبري، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الرّكْعةُ الّتِـي لا يُقْرأُ فِـيها كالـخِدَاجِ) قلت لأبـي هريرة: فإن لـم يكن معي إلاّ أمّ القرآن؟ قال: هي حسبك، هي أمّ الكتاب، وأمّ القرآن، والسبع الـمثانـي.

١٦١٣٨ـ حدثنـي أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، عن مـحمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، ما أنْزَلَ اللّه فِـي التّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلَها) يعني أمّ القرآن (وإنّها لَهِيَ السّبْعُ الـمَثانِـي الّتِـي آتانِـي اللّه تَعالـى) .

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن أبـي ذئب، عن سعيد الـمقبري، عن أبـي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: (هِيَ أُمّ القُرآنِ، وهِي فـاتـحَةُ الكِتابِ، وهِي السّبْعُ الـمَثانـي) .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون وشبـابة، قالا: أخبرنا ابن أبـي ذئب، عن الـمقبريّ، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي فـاتـحة الكتاب قال: (هِي فـاتِـحَةُ الكِتابِ وهِي السّبْعُ الـمَثانـي والقُرآنُ العَظِيـمُ) .

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيـم، قال: حدثنا العلاء، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى أبـيّ بن كعب فقال: (أتُـحِبّ أنْ أُعَلّـمَكَ سُورةً لَـمْ يَنْزِلْ فـي التّوْراةِ ولا فـي الإنْـجِيـلِ ولا فـي الزّبُورِ ولا فـي الفُرْقانِ مِثْلُها؟) قلت: نعم يا رسول اللّه ، قال: (فَكَيْف تَقْرأُ فـي الصّلاةِ؟) فقرأت علـيه أمّ الكتاب، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (والّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما أُنْزِلَتْ سُورةٌ فِـي التّوْرَاةِ وَلا فِـي الإنْـجِيـلِ وَلا فِـي الزّبُورِ وَلا فِـي الفُرْقانِ مِثْلُها، وإنّها السّبْعُ الـمَثانِـي والقُرآنُ العَظِيـمُ) .

١٦١٣٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا سعيد بن حبـيب، عن حفص بن عاصم، عن أبـي سعيد بن الـمعلـى، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم دعاه وهو يصلـي، فصلـى، ثم أتاه فقال: (ما مَنَعَكَ أنْ تُـجِيبَنِـي؟) قال: إنـي كنت أصلـي، قال: (ألَـمْ يَقُلِ اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اسْتَـجِيبُوا لِلّهِ وللرّسُولِ إذَا دَعاكُمْ لِـمَا يُحْيِـيكُمْ؟) قال: ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لاَعَلّـمَنّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ فِـي القُرآنِ) فكأنه بـينها أو نسي. فقلت: يا رسول اللّه الذي قلت؟ قال: (الـحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَـمِينَ هِيَ السّبْعُ الـمَثانِـي والقرآنُ العَظِيـمُ الّذِي أُوتِـيتُهُ) .

فإذ كان الصحيح من التأويـل فـي ذلك ما قلنا للذي به استشهدنا، فـالواجب أن تكون الـمثانـي مرادا بها القرآن كله، فـيكون معنى الكلام: ولقد آتـيناك سبع آيات مـما يَثْنـيِ بعض آيه بعضا. وإذا كان ذلك كذلك كانت الـمثانـي: جمع مَثْناة، وتكون آي القرآن موصوفة بذلك، لأن بعضها يَثْنِـي بعضا وبعضها يتلو بعضا بفصول تفصل بـينها، فـيعرف انقضاء الاَية وابتداء التـي تلـيها كما وصفها به تعالـى ذكره فقال: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتَابـا مُتَشابِها مَثانِـيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْن رَبّهُمْ. وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عبـاس والضحاك ومن قال ذلك إن القرآن إنـما قـيـل له مَثَانى لأن القصص والأخبـار كرّرت فـيه مرّة بعد أخرى. وقد ذكرنا قول الـحسن البصريّ أنها إنـما سميت مَثانى لأنها تُثْنَى فـي كلّ قراءة، وقول ابن عبـاس إنها إنـما سميت مثانى، لأن اللّه تعالـى ذكره استثناها لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم دون سائر الأنبـياء غيره فـادّخرها له.

وكان بعض أهل العربـية يزعم أنها سمت مَثَانِـيَ لأن فـيها الرحمن الرحيـم مرّتـين، وأنها تُثْنَى فـي كلّ سورة، يعني : بسم اللّه الرحمن الرحيـم.

وأما القول الذي اخترناه فـي تأويـل ذلك، فهو أحد أقوال ابن عبـاس ، وهو قول طاوس ومـجاهد وأبـي مالك، وقد ذكرنا ذلك قبل.

وأما قوله: والقُرآنَ العَظِيـمَ فإن القرآن معطوف علـى السبع، بـمعنى: ولقد آتـيناك سبع آيات من القرآن وغير ذلك من سائر القرآن. كما:

١٦١٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: والقُرآنَ العَظِيـمَ قال: سائره: يعني سائر القرآن مع السبع من الـمثانـي.

١٦١٤١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: والقُرآنَ العَظِيـمَ يعني : الكتاب كله.

٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى{لاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لا تتـمنـينّ يا مـحمد ما جعلنا من زينة هذه الدنـيا متاعا للأغنـياء من قومك الذين لا يؤمنون بـاللّه والـيوم الاَخر، يتـمتعون فـيها، فإن مِنْ ورائهم عذابـا غلـيظا. وَلا تَـحْزَنْ عَلَـيْهِمْ

يقول: ولا تـحزن علـى ما مُتّعوا به فعجّل لهم، فإن لك فـي الاَخرة ما هو خير منه، مع الذي قد عَجّلنا لك فـي الدنـيا من الكرامة بإعطائنا السبع الـمثانـي والقرآن العظيـم يقال منه: مَدّ فلانٌ عينه إلـى مال فلان: إذا اشتهاه وتـمناه وأراده.

وذُكر عن ابن عيـينة أنه كان يتأوّل هذه الاَية قولَ النبـيّصلى اللّه عليه وسلم: (لَـيْسَ مِنّا مَنْ لَـمْ يَتَغَنّ بـالقُرآنِ) : أي من لـم يستغن به، و

يقول: ألا تَرَاهُ

يَقُولُ: وَلَقَدْ آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمَ لا تَـمُدّنّ عَيْنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ؟ فأمره بـالاستغناء بـالقرآن عن الـمال. قال: ومنه قول الاَخر: من أوتـي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مـما أعطي فقد عظّم صغيرا وصغّر عظيـما.

وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: أزْوَاجا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦١٤٢ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لا تَـمُدّنّ عَيْنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ: الأغنـياء، الأمثال، الأشبـاه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

١٦١٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لا تَـمُدّنّ عَيْنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ قال: نُهِيَ الرجل أن يتـمنى مال صاحبه.

وقوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ للْـمُؤْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وألِن لـمن أمن بك واتبعك واتبع كلامك، وقرّبهم منك، ولا تَـجْفُ بهم، ولا تَغْلُظ علـيهم. يأمره تعالـى ذكره بـالرفق بـالـمؤمنـين. والـجناحان من بنـي آدم: جنبـاه، والـجناحان: الناحيتان، ومنه قول اللّه تعالـى ذكره: وَاضْمُـمْ يَدَكَ إلـى جنَاحِكَ قـيـل: معناه: إلـى ناحيتك وجنبك.

٨٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَقُلْ إِنّيَ أَنَا النّذِيرُ الْمُبِينُ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وقل يا مـحمد للـمشركين إنـي أنا النذير الذي قد أبـان إنذاره لكم من البلاء والعقاب أن ينزل بكم من اللّه علـى تـماديكم فـي غيكم

٩٠

كما أَنْزَلْنَا علـى الـمُقْتَسِمِينَ

يقول: مثل الذي أنزل اللّه تعالـى من البلاء والعقاب علـى الذين اقتسموا القرآن، فجعلوه عِضِين.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنُوا ب قوله: الـمُقْتَسِمِينَ،

فقال بعضهم: عنـي به. الـيهود والنصارى، وقال: كان اقتسامهم أنهم اقتسموا القرآن وعضّوه، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. ذكر من قال ذلك:

١٦١٤٤ـ حدثنـي عيسى بن عثمان الرملـي، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن أبـي ظَبْـيان، عن ابن عبـاس ، فـي قوله اللّه : كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: هم الـيهود والنصارى، آمنوا ببعض وكفروا ببعض.

حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: هم أهل الكتاب، جزّءوه فجعلوه أعضاء أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: الذين آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس ، قال: الـمُقْتَسِمِينَ أهل الكتاب. الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: يؤمنون ببعض، ويكفرون ببعض.

١٦١٤٥ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضّبّـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، أنه قال فـي قوله: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ قال: هم أهل الكتاب.

١٦١٤٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير أنه قال فـي هذه الاَية: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: هم أهل الكتاب، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: هم أهل الكتاب جزّءوه فجعلوه أعضاء، فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.

١٦١٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، قال: جزّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الـجزور.

١٦١٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: هم أهل الكتاب.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ قال: هم الـيهود والنصارى من أهل الكتاب، قسموا الكتاب فجعلوه أعضاء،

يقول: أحزابـا، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض.

١٦١٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : الـمُقْتَسِمِينَ آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، وفرقوا الكتاب.

وقال آخرون: الـمُقْتَسِمِينَ أهل الكتاب، ولكنهم سموا الـمقتسمين، لأن بعضهم قال استهزاء بـالقرآن: هذه السورة لـي، وقال بعضهم: هذه لـي. ذكر من قال ذلك:

١٦١٥٠ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال فـي هذه الاَية: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: كانوا يستهزءون، يقول هذا: لـي سورة البقرة، ويقول هذا: لـي سورة آل عمران.

وقال آخرون: هم أهل الكتاب، ولكنهم قـيـل لهم: الـمقتسمون لاقتسامهم كتبهم وتفريقهم ذلك بإيـمان بعضهم ببعضها وكفره ببعض، وكفر آخرين بـما آمن به غيرهم وإيـمانهم بـما كفر به الاَخرون. ذكر من قال ذلك:

١٦١٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد الـملك، عن قـيس، عن مـجاهد: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: هم الـيهود والنصارى، قسموا كتابهم ففرّقوه وجعلوه أعضاء.

١٦١٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنـي الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ قال: أهل الكتاب فرقوه وبدّلوه.

١٦١٥٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ قال: أهل الكتاب.

وقال آخرون: عُنِـي بذلك رهط من كفـار قريش بأعيانهم.

١٦١٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كمَا أنْزَلْنا عَلَـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ رهط خمسة من قريش، عَضّهُوا كتاب اللّه .

وقال آخرون: عُنِـيَ بذلك رهط من قوم صالـح الذين تقاسموا علـى تبـيـيت صالـح وأهله. ذكر من قال ذلك:

١٦١٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ قال: الذين تقاسموا بصالـح. وقرأ قول اللّه تعالـى: وكانَ فِـي الـمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ وَلا يُصْلِـحُونَ قال: تقاسموا بـاللّه حتـى بلغ الاَية.

وقال بعضهم: هم قوم اقتسموا طرق مكة أيام قدوم الـحاجّ علـيهم، كان أهلها بعثوهم فـي عقابها، وتقدموا إلـى بعضهم أن يشيع فـي الناحية التـي توجه إلـيها لـمن سأله عن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من القادمين علـيهم، أن

يقول: هو مـجنون، وإلـى آخر: إنه شاعر، وإلـى بعضهم: إنه ساحر.

والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن اللّه تعالـى أمر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يُعلـم قومه الذين عضّوا القرآن ففرقوه، أنه نذير لهم من سخط اللّه تعالـى وعقوبته أن يَحُلّ بهم علـى كفرهم ربهم وتكذيبهم نبـيهم ما حلّ بـالـمقتسمين من قبلهم ومنهم. وجائز أن يكون عنـي بـالـمقتسمين: أهل الكتابـين التوراة والإنـجيـل، لأنهم اقتسموا كتاب اللّه ، فأقرّت الـيهود ببعض التوراة وكذبت ببعضها وكذبت بـالإنـجيـل والفرقان، وأقرّت النصارى ببعض الإنـجيـل وكذّبت ببعضه وبـالفرقان. وجائز أن يكون عُنِـي بذلك: الـمشركون من قريش، لأنهم اقتسموا القرآن، فسماه بعضهم شعرا وبعض كهانة وبعض أساطير الأوّلـين. وجائز أن يكون عُنِـي به الفريقان. ومـمكن أن يكون عُنِـيَ به الـمقتسمون علـى صالـح من قومه.

فإذ لـم يكن فـي التنزيـل دلالة علـى أنه عُنـي به أحد الفرق الثلاثة دون الاَخرين، ولا فـي خبر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ولا فـي فطرة عقل، وكان ظاهر الاَية مـحتـملاً ما وصفت، وجب أن يكون مقتضيّا بأن كلّ من اقتسم كتابـا لله بتكذيب بعض وتصديق بعض، واقتسم علـى معصية اللّه مـمن حلّ به عاجل نقمة اللّه فـي الدار الدنـيا قبل نزول هذه الاَية، فداخـل فـي ذلك لأنهم لأشكالهم من أهل الكفر بـاللّه كانوا عبرة وللـمتعظين بهم منهم عظَة.

٩١

واختلفت أهل التأويـل فـي معنى قوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ

فقال بعضهم: معناه: الذين جعلوا القرآن فِرَقا مفترقة. ذكر من قال ذلك:

١٦١٥٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: فرقا.

١٦١٥٧ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم، قالا: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: جزّءوه فجعلوه أعضاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، قال: جزّءوه فجعلوه أعضاء كأعضاء الـجزور.

١٦١٥٨ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا طلـحة، عن عطاء: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنِ عِضِينَ قال: الـمشركون من قريش، عَضّوُا القرآن فجعلوه أجزاء،

فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: مـجنون فذلك العِضُون.

١٦١٥٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ

يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك

يقول: فـي قوله: جَعَلُوا القُرآنَ عَضِينَ: جعلوا كتابهم أعضاء كأعضاء الـجزور، وذلك أنهم تقطعوه زبرا، كل حزب بـما لديهم فرحون، وهو قوله: فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا.

١٦١٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ عضهوا كتاب اللّه زعم بعضهم أنه سِحْر، وزعم بعضهم أنه شِعْر، وزعم بعضهم أنه كاهن قال أبو جعفر: هكذا قال كاهن، وإنـما هو كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلـين.

 

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس : الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرآنَ عِضِينَ قال: آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.

١٦١٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنـي ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: جعلوه أعضاء كما تُعَضّى الشاة. قال بعضهم: كهَانة، وقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم أساطِيرُ الأوّلِـينَ اكْتَتَبَها... الاَية. جعلوه أعضاء كما تُعَضّى الشاة.

فوجه قائلو هذه الـمقالة قوله: عِضِينَ إلـى أن واحدها: عُضْو، وأن عِضِينَ جمعه، وأنه مأخوذ من قولهم عَضّيت الشيء تعضية: إذا فرقته، كما قال رُؤْبة:

(ولـيس دينُ اللّه بـالـمُعَضّى )

 يعني بـالـمفرّق. وكما قال الاَخر:

وعَضّى بَنِـي عَوْفٍ فأمّا عَدُوّهُمْ فأرْضَى وأمّا الْعِزّ منهُمُ فغَيّرَا

 يعني ب قوله: (وعَضّى) : سَبّـاهُمْ، وقَطّعاهُمْ بألسنتهما.

وقال آخرون: بل هي جمع عِضَة، جمعت عِضِين كما جمعت البُرَة بُرِين، والعِزِة عِزِين. فإذَا وُجّه ذلك إلـى هذا التأويـل كان أصل الكلام عِضَهَة، ذهبت هاؤها الأصلـية، كما نقصوا الهاء من الشّفَة وأصلها شَفَهَة، ومن الشاة وأصلها شاهة. يدلّ علـى أن ذلك الأصل تصغيرهم الشفة: شُفَـيْهة، والشاة: شُوَيْهة، فـيردّون الهاءَ التـي تسقط فـي غير حال التصغير إلـيها فـي حال التصغير، يقال منه: عَضَهْتُ الرجل أعضَهُه عَضْها: إذا بَهَتّه وقذفته ببُهتان. وكأن تأويـل من تأويـل ذلك كذلك: الذين عَضَهوا القرآن، فقالوا: هو سحْر، أو هو شعر، نـحو القول الذي ذكرناه عن قتادة.

وقد قال جماعة من أهل التأويـل: إنه إنـما عَنَى بـالعَضْه فـي هذا الـموضع، نسبتهم إياه إلـى أنه سِحْر خاصة دون غيره من معانـي الذمّ، كما قال الشاعر:

للـماءِ مِنْ عِضَاتهنّ زَمْزَمهْ

 يعني : من سِحْرهنّ. ذكر من قال ذلك:

١٦١٦٢ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: سحرا.

١٦١٦٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: عِضِينَ قال: عَضَهوه وبَهَتُوه.

١٦١٦٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كان عكرمة

يقول: العَضْه: السحر بلسان قريش، تقول للساحرة: إنها العاضهة.

١٦١٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قال: سِحْرا أعضاء الكتب كلها وقريش، فرقوا القرآن قالوا: هو سحر.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أمر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يُعْلِـم قوما عَضَهُوا القرآن أنه لهم نذير من عقوبة تنزل بهم بِعْضِهِهمْ إياه مثل ما أنزل بـالـمقتسمين، وكان عَضْهُهُم إياه: قذفهموه بـالبـاطل، وقـيـلهم إنه شعر وسحر، وما أشبه ذلك.

وإنـما قلنا إن ذلك أولـى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده، وذلك قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ علـى صحة ما قلنا، وإنه إنـما عُنِـيَ بقوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ مشركي قومه. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لـم يكن فـي مشركي قومه من يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، بل إنـما كان قومه فـي أمره علـى أحد معنـيـين: إما مؤمن بجميعه، وإما كافر بجميعه. وإذ كان ذلك كذلك، فـالصحيح من القول فـي معنى قوله: الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ قول الذين زعموا أنهم عَضَهوه،

فقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو كهانة وأما أشبه ذلك من القول، أو عَضّوْه ففرقوه، بنـحو ذلك من القول. وإذا كان ذلك معناه احتـمل قوله (عِضِين) ، أن يكون جمع: عِضة، واحتـمل أن يكون جمع عُضْو، لأن معنى التعضية: التفريق، كما تُعَضى الـجَزُرزِ والشاة، فتفرق أعضاء. والعَضْه: البَهْت ورميه بـالبـاطل من القول فهما متقاربـان فـي الـمعنى.

٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى{فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فوربك يا مـحمد لنسألنّ هؤلاء الذين جعلوا القرآن فـي الدنـيا عضين فـي الاَخرة عما كانوا يعملون فـي الدنـيا، فـيـما أمرناهم به وفـيـما بعثناك به إلـيهم من آي كتابـي الذي أنزلته إلـيهم وفـيـما دعوناهم إلـيه من الإقرار به ومن توحيدي والبراءة من الأنداد والأوثان.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦١٦٦ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا، عن بشير، عن أنس، فـي قوله: فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال: عن شهادة أن لا إله إلاّ اللّه .

١٦١٦٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن بشير بن نهيك، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ قال: (عَنْ لا إله إلاّ اللّه ) .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن بشير، عن أنس، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم نـحوه.

٩٣

١٦١٦٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قولفَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال: عن لا إله إلاّ اللّه .

١٦١٦٩ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن هلال، عن عبد اللّه بن عُكَيْـم، قال: قال عبد اللّه : والذي لا إله غيره، ما منكم أحد إلاّ سيخـلو اللّه به يوم القـيامة كما يخـلو أحدكم بـالقمر لـيـلة البدر، فـ

يقول: ابن آدم ماذا غرّك منـي بـي ابن آدم؟ ماذا عملت فـيـما علـمت ابن آدم؟ ماذا أجبت الـمرسلـين؟

١٦١٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال: يُسأل العبـاد كلهم عن خَـلّتـين يوم القـيامة: عما كانوا يعبدون، وعما أجابوا الـمرسلـين.

١٦١٧١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا الـحسين الـجعفـي، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي عن ابن عمر: لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال: عن لا إله إلاّ اللّه .

١٦١٧٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنّهُمْ أجمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ. ثم قال: فَـيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: لا يسألهم هل عملتـم كذا وكذا؟ لأنه أعلـم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لِـمَ عملتـم كذا وكذا؟

٩٤

١٦١٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، مولـى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أنزل اللّه تعالـى ذكره: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ فإنه أمر من اللّه تعالـى ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بتبلـيغ رسالته قومه وجميع من أرسل إلـيه.

و يعني ب قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ: فأمض وافرُق، كما قال أبو ذُؤَيب:

وكأنّهُنّ رِبـابَةٌ وكأنّهُيَسَرٌ يُفـيضُ علـى القِداح ويَصْدَعُ

 يعني ب قوله: (يَصْدَع) يُفَرّق بـالقداح.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦١٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ

يقول: فـامْضِهْ.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ

يقول: افعل ما تؤمر.

١٦١٧٥ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: بـالقرآن.

حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيـم، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: هو القرآن.

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: بـالقرآن.

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: الـجهر بـالقرآن فـي الصلاة.

حدثنا أحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: بـالقرآن فـي الصلاة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: اجهر بـالقرآن فـي الصلاة.

١٦١٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا موسى بن عبـيدة، عن أخيه عبد اللّه بن عبـيدة قال: ما زال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مستـخفـيا حتـى نزلت: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَر وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ فخرج هو وأصحابه.

١٦١٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ قال: بـالقرآن الذي يوحى إلـيه أن يبلغهم إياه.

وقال تعالـى ذكره: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ ولـم يقل: بـما تؤمر به، والأمر يقتضي البـاء لأن معنى الكلام: فـاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلـى ما بعثناك به من الدين خَـلقـي وأذنّا لك فـي إظهاره.

ومعنى (ما) التـي فـي قوله بِـمَا تُؤْمَرُ معنى الـمصدر، كما قال تعالـى ذكره يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ معناه: افعل الأمر الذي تؤمر به. وكان بعض نـحويّـي أهل الكوفة يقول فـي ذلك: حذفت البـاء التـي يوصل بها تؤمر من قوله: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ علـى لغة الذين يقولون: أمرتك أمرا. وكان

يقول: للعرب فـي ذلك لغتان: إحداهما أمرتك أمرا، والأخرى أمرتك بأمر، فكان

يقول: إدخال البـاء فـي ذلك وإسقاطها سواء. واستشهد لقولك ذلك بقول حصين بن الـمنذر الرقاشي لـيزيد بن الـمهلّب:

أمَرْتُكَ أمْرا جازِما فَعَصَيْتَنِـيفأصْبَحْتَ مَسلُوبَ الإمارَةِ نادِما

فقال: أمرتك أمرا، ولـم يقل: أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالـى ذكره: ألا إنّ عادا كَفَرُوا رَبّهُمْ.

ولـم يقل: بربهم، وكما قالوا: مددت الزمام، ومددت بـالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام.

وأما قوله: وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ و

يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب الـمشركين بـاللّه وقتالهم. وذلك قـيـل أن يفرض علـيه جهادهم، ثم نَسَخَ ذلك ب قوله: فَـاقْتُلُو الـمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُـمُوهُمْ، كما:

١٦١٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ وهو من الـمنسوخ.

١٦١٧٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: اخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكِينَ قُلْ للّذِينَ آمَنُوا يَغْفروا للّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّه وهذا النـحو كله فـي القرآن أمر اللّه تعالـى ذكره نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون ذلك منه، ثم أمره بـالقتال، فنَسَخَ ذلك كله، فقال: خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ... الاَية.

٩٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِنّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: إنا كفـيناك الـمستهزئين يا مـحمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فـاصدع بأمر اللّه ، ولا تَـخَفْ شيئا سوى اللّه ، فإن اللّه كافـيك من ناصبك وآذاك كما كفـاك الـمستهزئين. وكان رؤساء الـمستهزئين قوما من قريش معروفـين. ذكر أسمائهم:

١٦١٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد، ، قال: كان عظماء الـمستهزئين كما حدثنـي يزيد بن رومان عن عُروة بن الزّبـير خمسة نَفَر من قومِه، وكانوا ذوي أسنان وشرف فـي قومهم من بنـي أسد بن عبد العُزّي بن قُصَيّ: الأسود بن الـمطلب أبو زَمْعة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما بلغنـي قد دعا علـيه لـما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: (اللهمّ أعم بصره، وأثْكِلْهُ وَلَدَهُ) . ومن بنـي زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة. ومن بنـي مخزوم: الولـيدُ بن الـمغيرة بن عبد اللّه بن مخزوم. ومن بنـي سهم بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤيّ: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سَهْم. ومن خُزاعة: الـحارث بن الطّلاطلة بن عمرو بن الـحارث بن عمرو بن مَلْكان. فلـما تـمادَوْا فـي الشرّ وأكثروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاستهزاء، أنزل اللّه تعالـى ذكره: فـاصْدَعْ بِـمَا تُؤْمَرُ وأعْرِضْ عَنِ الـمُشْرِكينَ إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ... إلـى قوله: فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ. قال مـحمد بن إسحاق: فحدثنـي يزيد بن رومان، عن عُروة بن الزبـير أو غيره من العلـماء: أن جبرئيـل أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم يطوفون بـالبـيت فقام وقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى جنبه، فمرّ به الأسود بن الـمطلب، فرمى فـي وجهه بورقة خضراء، فعَمِي. ومرّ به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلـى بطنه فـاسْتَسْقَـى بطنه فمات منه حبنا. ومرّ به الولـيد بن الـمُغيرة، فأشار إلـى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتـين، وهو يجرّ سَبَلَهُ، يعني إزاره وذلك أنه مرّ برجل من خزاعة يَريش نبلاً له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الـخدش ولـيس بشيء، فـانتقَضَ به فقتله. ومرّ به العاص بن وائل السّهمِيّ، فأشار إلـى أخمص رجله، فخرج علـى حمار له يريد الطائف فوُقِصَ علـى شِبْرِقة، فدخـل فـي أخمص رجله منها شوكة، فقتلته قال أبو جعفر: الشّبرقة: الـمعروف بـالـحَسَك، منه حَبَنا، والـحَبَن: الـماء الأصفر ومرّ به الـحارث بن الطّلاطلة، فأشار إلـى رأسه، فـامتـخض قـيحا فقتله.

١٦١٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد القرشيّ، عن رجل، عن ابن عبـاس ، قال: كان رأسهم الولـيد بن الـمُغيرة، وهو الذي جمعهم.

١٦١٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: كان الـمستهزؤون: الولـيد بن الـمغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث، والـحارث بن عيطلة. فأتاه جبرئيـل، فأومأ بأصبعه إلـى رأس الولـيد، فقال: (ما صَنَعْتَ شيئا) ، قال: كُفِـيت. وأومأ بـيده إلـى أخمص العاص، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ما صَنَعْتَ شَيْئا) . فقال: كُفِـيت. وأومأ بـيده إلـى عين أبـي زمعة، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: ما صَنَعْتَ شَيْئا، قال: كُفِـيت.وأومأ بأصبعه إلـى رأس الأسود، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (دَعْ لـي خالـي) فقال: كُفِـيت. وأومأ بأصبعه إلـى بطن الـحارث، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ما صَنَعْتَ شَيْئا) فقال كُفِـيت. قال: فمرّ الولـيد علـى قـين لـخزاعة وهو يجرّ ثـيابه، فتعلقت بثوبه بروة أو شررة، وبـين يديه نساء، فجعل يستـحي أن يطأ من ينتزعها، وجعلت تضرب ساقه فخدشته، فلـم يزل مريضا حتـى مات. وركب العاص بن وائل بغلة له بـيضاء إلـى حاجة له بأسفل مكة، فذهب ينزل، فوضع أخمص قدمه علـى شبرقة فحكت رجله، فلـم يزل يحكها حتـى مات. وعمي أبو زمعة وأخذت الأكلة فـي رأس الأسود وأخذ الـحارث الـماء فـي بطنه.

١٦١٨٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: هم خمسة رهط من قريش: الولـيدُ بن الـمغيرة، والعاصُ بن وائل، وأبو زمعة، والـحارث بن عيطلة، والأسود بن قـيس.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: الولـيد بن الـمغيرة، والعاص بن وائل السّهْمِيّ، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن الـمطلب، والـحارث بن عيطلة.

١٦١٨٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، فـي قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: هم خمسة كلهم هلك قبل بَدْر: العاص بن وائل، والولـيد بن الـمغيرة، وأبو زمعة بن عبد الأسود، والـحارث بن قـيس، والأسود بن عبد يغوث.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة عن عمرو، عن عكرمة: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: الولـيد بن الـمغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والـحارث بن عيطلة.

١٦١٨٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي بكر الهذلـي، قال: قلت للزّهريّ: إن سعيد بن جبـير وعكرمة اختلفـا فـي رجل من الـمستهزئين، فقال سعيد: هو الـحارث بن عيطلة، وقال عكرمة: هو الـحارث بن قـيس؟ فقال: صدقا، كانت أمه تسمى عيطلة وأبوه قـيس.

١٦١٨٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حصين، عن الشعبـيّ، قال: الـمستهزئين سبعة. وسَمّى منهم أربعة.

١٦١٨٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: كانوا من قريش خمسة نفر: العاص بن وائل السهمي، كُفِـي بصُداع أخذه فـي رأسه، فسال دماغه حتـى كان يتكلـم من أنفه. والولـيد بن الـمغيرة الـمخزومي، كفـي برجل من خزاعة أصلـح سهما له، فندرت منه شظية، فوطىء علـيها فمات. وهبـار بن الأسود، وعبد يغوث بن وهب، والـحارث بن عيطلة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن جابر، عن عامر: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال: كلهم من قريش: العاص بن وائل، فكفـي بأنه أصابه صداع فـي رأسه، فسال دماغه حتـى لا يتكلـم إلاّ من تـحت أنفه. والـحارث بن عيطلة بصفر فـي بطنه وابن الأسود فكفـي بـالـجدري والولـيد بأن رجلاً ذهب لـيصلـح سهما له، فوقعت شظية فوطىء علـيها وعبد يغوث فكفـي بـالعمي، ذهب بصره.

١٦١٨٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، وعن مقْسم: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ قال هم الولـيد بن الـمغيرة، والعاص بن وائل، وعديّ بن قـيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن الـمطلب، مرّوا رجلاً رجلاً علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومعه جبرئيـل، فإذا مرّ به رجل منهم قال جبرئيـل: كيف تـجد هذا؟ فـ

يقول: (بئس عدوّ اللّه ) فـيقول جبرئيـل: كفـاكه.

فأما الولـيد بن الـمغيرة فتردّى، فتعلق سهم بردائه، فذهب يجلس فقطع أكحله فنُزِف فمات. وأما الأسود بن عبد يغوث، فأُتِـي بغصن فـيه شوك، فضرب به وجهه، فسالت حدقتاه علـى وجهه، فكان

يقول: دعوت علـى مـحمد دعوة، ودعا علـيّ دعوة، فـاستـجيب لـي، واستـجيب له دعا علـيّ أن أعمَى فعميت، ودعون علـيه أن يكون وحيدا فريدا فـي أهل يثرب فكان كذلك. وأما العاص بن وائل، فوطىء علـى شوكة فتساقط لـحمه عن عظامه حتـى هلك. وأما الأسود بن الـمطلب وعديّ بن قـيس، فإن أحدهما قام من اللـيـل وهو ظمآن، فشرب ماء من جَرّة، فلـم يزل يشرب حتـى انفتق بطنه فمات وأما الاَخر فلدغته حية فمات.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وعثمان، عن مِقْسم مولـى ابن عبـاس ، فـي قوله: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ ثم ذكر نـحو حديث ابن عبد الأعلـى، عن ابن ثور.

١٦١٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: كمَا أنْزَلْنا علـى الـمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ هم رهط خمسة من قريش عضهوا القرآن، زعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه شعر وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلـين. أما أحدهم: فـالأسود بن عبد يغوث، أتـى علـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو عند البـيت، فقال له الـملَك: كيف تـجد هذا؟ قال: (بِئْسَ عَبْدُ اللّه علـى أنّهُ خالـي) قال: كفـيناك. ثم أتـى علـيه الولـيد بن الغيرة، فقال له الـملَك: كيف تـجد هذا؟ قال: (بِئْسَ عَبْدُ اللّه ) قال: كفـيناك. ثم أتـى علـيه عديّ بن قـيس أخو بنـي سهم، فقال الـملك: كيف تـجد هذا؟ قال: (بِئْسَ عَبْدُ اللّه ) قال: كَفـيناك. ثم أتـى علـيه الأسود بن الـمطلب، فقال له الـملك: كيف تـجد هذا؟ قال: (بِئْسَ عَبْدُ اللّه ) قال: كفـيناك. ثم أتـى علـيه العاص بن وائل، فقال له الـملك: كيف تـجد هذا؟ قال: (بِئْسَ عَبْدُ اللّه ) قال: كفـيناك. فأما الأسود بن عبد يغوث، فأتـي بغصن من شوك فضرب به وجهه حتـى سالت حدقتاه علـى وجهه، فكان بعد ذلك

يقول: دعا علـيّ مـحمد بدعوة ودعوت علـيه بأخرى، فـاستـجاب اللّه له فـيّ واستـجاب اللّه لـي فـيه دعا علـيّ أن أثكل وأن أعمى، فكان كذلك ودعوت علـيه أن يصير شريدا طريدا، فطردناه مع يهود يثرب وسرّاق الـحجيج، وكان كذلك. وأما الولـيد بن الـمغيرة، فذهب يرتدي، فتعلق بردائه سهم غرب، فأصاب أكحله أو أبجله، فأتـي فـي كلّ ذلك، فمات. وأما العاص بن وائل، فوطىء علـى شوكة، فأتـي فـي ذلك، جعل يتساقط لـحمه عضوا عضوا فمات وهو كذلك. وأما الأسود بن الـمطلب وعديّ بن قـيس، فلا أدري ما أصابهما. ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر، نهى أصحابه عن قتل أبـي البختري، وقال: (خُذُوهُ أخْذا، فإنه قد كَانَ له بَلاء) فقال له أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: يا أبـا البختري إنا قد نهينا عن قتلك فهلـمّ إلـى الأمنة والأمان فقال أبو البختري: وابن أخي معي؟ فقالوا: لـم نؤمر إلاّ بك. فراودوه ثلاث مرّات، فأبى إلا وابن أخيه معه، قال: فأغلظ للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الكلام، فحمل علـيه رجل من القوم فطعنه فقتله، فجاء قاتله وكأنـما علـى ظهره جبل أوثقه مخافة أن يـلومه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فلـما أخبر ب قوله: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أبْعَدَهُ اللّه وأسْحَقَهُ) وهم الـمستهزِئُونَ الّذِينَ قال اللّه : إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ وهم الـخمسة الذين قـيـل فـيهم: إنّا كَفَـيْناكَ الـمُسْتَهْزِئِينَ استهزءوا بكتاب اللّه ، ونبـيه صلى اللّه عليه وسلم.

١٦١٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنّا كَفَـيْناك الـمُسْتَهْزِئِينَ هم من قريش.

١٦١٩١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، وزعم ابن أبـي بَزّة أنهم العاص بن وائل السهمي والولـيد بن الـمغيرة الوحيد، والـحارث بن عديّ بن سهم بن العيطلة، والأسود بن الـمطلب بن أسد بن عبد العُزّى بن قُصّي، وهو أبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث وهو ابن خال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

١٦١٩٢ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عمرو بن دينار، عن ابن عبـاس ، نـحو حديث مـحمد بن عبد الأعلـى، عن مـحمد بن ثور، غير أنه قال: كانوا ثمانـية. ثم عدّهم وقال: كلهم مات قبل بدر.

٩٦

وقوله: الّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّه آلَها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ وعيد من اللّه تعالـى ذكره، وتهديد للـمستهزئين الذين أخبر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أنه قد كفـاه أمرهم بقوله تعالـى ذكره: إنا كفـيناك يا مـحمد الساخرين منك، الـجاعلـين مع اللّه شريكا فـي عبـادته، فسوف يعلـمون ما يـلقون من عذاب اللّه عند مصيرهم إلـيه فـي القـيامة، وما يَحُلّ بهم من البلاء.

٩٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ولقد نعلـم يا مـحمد أنك يضيق صدرك بـما يقول هؤلاء الـمشركون من قومك من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبـما جئتهم به، وأن ذلك يُحْرِجك.

٩٨

فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

يقول: فـافزع فـيـما نابك من أمر تكرهه منهم إلـى الشكر للّه والثناء علـيه والصلاة، يكفك اللّه من ذلك ما أهمّك. وهذا نـحو الـخبر الذي رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أنه كان إذا حزَبَه أمر فَزِع إلـى الصلاة) .

٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاعْبُدْ رَبّكَ حَتّىَ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: واعبد ربك حتـى يأتـيك الـموت، الذي هو مُوقَن به. وقـيـل: يقـين، وهو موقَن به، كما قـيـل: خمر عتـيق، وهي معتّقَة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٦١٩٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعد، عن سفـيان، قال: ثنـي طارق بن عبد الرحمن، عن سالـم بن عبد اللّه : واعْبُدْ رَبّكَ حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت.

١٦١٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، حميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي عبـاس بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج، قال: ابن جريج: أخبرنـي ابن كثـير أنه سمع مـجاهدا

يقول: حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت.

١٦١٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: واعْبُدْ رَبّكَ حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: يعني الـموت.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـيقـين: الـموت.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.

١٦١٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، فـي قوله: حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن طارق، عن سالـم، مثله.

١٦١٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: واعْبُدْ رَبّكَ حتـى يَأْتِـيكَ الـيَقِـينُ قال: الـموت إذا جاءه الـموت جاءه تصديق ما قال اللّه له وحدّثه من أمر الاَخرة.

١٦١٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أمّ العلاء امرأة من الأنصار قد بـايعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبرته أنهم اقتسموا الـمهاجرين قُرْعة، قالت: وطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه فـي أبـياتنا، فوَجع وجعه الذي مات فـيه. فلـما تُوفّـي وغَسّل وكُفّن فـي أثوابه، دخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: يا عثمان بن مظعون رحمة اللّه علـيك أبـا السائب، فشهادتـي علـيك لقد أكرمك اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ومَا يُدْرِيكَ أنّ اللّه أكْرَمَهُ؟) قالت يا رسول اللّه فَمَهْ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أمّا هُوَ فَقَدْ جاءَه الـيَقِـينُ، وَوَاللّه إنّـي لأَرْجُو لَهُ الـخَيْرَ) .

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا إبراهيـم بن سعد، قال: حدثنا ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، عن أمّ العلاء امرأة عن نسائهم، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا إبراهيـم بن إسماعيـل، عن مـحمد بن شهاب، أن خارجة بن زيد، حدثه عن أمّ العلاء امرأة منهم، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه، إلا أنه قال فـي حديثه: فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أمّا هُوَ فَقَدْ عايَنَ الـيَقِـينَ) .

﴿ ٠