تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة النحلسورة النـحل مكية وآياتها ثمان وعشرون ومائة بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَتَىَ أَمْرُ اللّه فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ }. يقول تعالـى ذكره: أتـى أمر اللّه فقرُب منكم أيها الناس ودنا، فلا تستعجلوا وقوعه. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الأمر الذي أعلـم اللّه عبـاده مـجيئه وقُربه منهم ما هو، وأيّ شيء هو؟ فقال بعضهم: هو فرائضه وأحكامه. ذكر من قال ذلك: ١٦١٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: أتَـى أمْرُ اللّه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال: الأحكام والـحدود والفرائض. وقال آخرون: بل ذلك وعيد من اللّه لأهل الشرك به، أخبرهم أن الساعة قد قَرُبت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: لـما نزلت هذه الاَية، يعني : أتَـى أمْرُ اللّه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال رجال من الـمنافقـين بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن أمر اللّه أتـى، فأمسِكوا عن بعض ما كنتـم تعملون حتـى تنظروا ما هو كائن فلـما رأوا أنه لا ينزل شيء، قالوا: ما نراه نزل شيء فنزلت: اقْتَرَبَ للنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فـي غَفْلَة مُعْرِضُون فقالوا: إن هذا يزعم مثلها أيضا. فلـما رأوا أنه لا ينزل شيء، قالوا: ما نراه نزل شيء فنزلت: وَلَئِنْ أخّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلـى أُمّة مَعْدُودَةٍ لَـيَقُولُنّ ما يَحْبَسُهُ ألا يَوْمَ يأتِـيهِمْ لَـيْسَ مَصْرُوفـا عَنْهُمْ وَحاقَ بِهمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. ١٦٢٠١ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل، عن أبـي بكر بن حفص، قال: لـما نزلت: أتَـى أمْرُ اللّه رفعوا رءوسهم، فنزلت: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ. ١٦٢٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو بكر بن شعيب، قال: سمعت صادق أبـا يقرأ: (يا عِبـادَي أتَـى أمْرُ اللّه فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) . وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: هو تهديد من أهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقّب ذلك بقوله سبحانه وتعالـى: عَمّا يُشْرِكُونَ فدلّ بذلك علـى تقريعه الـمشركين ووعيده لهم. وبعد، فإنه لـم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تُفرض علـيهم فـيقال لهم من أجل ذلك: قد جاءتكم فرائض اللّه فلا تستعجلوها. وأما مستعجلو العذاب من الـمشركين، فقد كانوا كثـيرا. وقوله سبحانه وتعالـى: عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره: تنزيها لله وعلوّا له عن الشرك الذي كانت قريش ومن كان من العرب علـى مثل ما هم علـيه يَدين به. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله تعالـى: عَمّا يُشْرِكُونَ فقرأ ذلك أهل الـمدينة وبعض البصريـين والكوفـيـين: عَمّا يُشْرِكُونَ بـالـياء علـى الـخبر عن أهل الكفر بـاللّه وتوجيه للـخطاب بـالاستعجال إلـى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكذلك قرءوا الثانـية بـالـياء. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة بـالتاء علـى توجيه الـخطاب ب قوله: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ إلـى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبقوله تعالـى: (عَمّا تُشْرِكُونَ) إلـى الـمشركين. والقراءة بـالتاء فـي الـحرفـين جميعا علـى وجه الـخطاب للـمشركين أولـى بـالصواب لـما بـيّنت من التأويـل أن ذلك إنـما هو وعيد من اللّه للـمشركين ابتدأ أوّل الاَية بتهديدهم وختـم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم علـى وجه الـخطاب لهم. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُنَزّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوَاْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاتّقُونِ }. اختلفت القراء فـي قراءة قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة والكوفة: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالـياء وتشديد الزاي ونصب الـملائكة، بـمعنى يُنَزّل اللّه الـملائكة بـالروح. وقرأ ذلك بعض البصريـين وبعض الـمكيـين: (يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ) بـالـياء وتـخفـيف الزاي ونصب الـملائكة. وحُكي عن بعض الكوفـيـين أنه كان يقرؤه: (تَنَزّلُ الـمَلائِكَةَ) بـالتاء وتشديد الزاي والـملائكة بـالرفع، علـى اختلاف عنه فـي ذلك. وقد رُوي عنه موافقة سائر قرّاء بلده. وأولـى القراءات بـالصواب فـي ذلك عندي قراءة من قرأ: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـمعنى: ينزّل اللّه ملائكة. وإنـما اخترت ذلك، لأن اللّه هو الـمنزّل ملائكته بوحيه إلـى رسله، فإضافة فعل ذلك إلـيه أولـى وأحقّ واخترت (ينزّل) بـالتشديد علـى التـخفـيف، لأنه تعالـى ذكره كان ينزّل من الوحي علـى من نزّله شيئا بعد شيء، والتشديد به إذ كان ذلك معناه أولـى من التـخفـيف. فتأويـل الكلام: ينزّل اللّه ملائكته بـما يحيا به الـحقّ ويضمـحلّ به البـاطل من أمره علـى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَـادِهِ يعني علـى من يشاء من رسله أنْ أنْذِرُوا ف (أنْ) الأولـى فـي موضع خفض، ردّا علـى (الروح) ، والثانـية فـي موضع نصب ب (أنْذِرُوا) . ومعنى الكلام: ينزل الـملائكة بـالروح من أمره علـى من يشاء من عبـاده، بأن أنذروا عبـادي سطوتـي علـى كُفرهم بـي وإشراكهم فـي اتـخاذهم معي الاَلهة والأوثان، فإنه لا إله إلاّ أنا يقول: لا تنبغي الأولوهة إلا لـي، ولا يصلـح أن يُبعد شيء سواي، فـاتّقُونِ يقول: فـاحذرونـي بأداء فرائضي وإفراد العبـادة وإخلاص الربوبـية لـي، فإن ذلك نـجاتكم من الهلكة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٠٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ يقول: بـالوحي. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ يقول: ينزل الـملائكة.... ١٦٢٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ إنه لا ينزل ملَك إلا ومعه روح. ١٦٢٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مـجاهد: قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ قال: لا ينزل ملك إلا معه روح يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ قال بـالنبوّة. قال ابن جريج: وسمعت أن الروح خـلق من الـملائكة نزل به الروح وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحِ مِنْ أمْرِ رَبّـي. ١٦٢٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ أنْ أنْذِرُوا أنّهُ لا إلَهَ إلاّ أنَا فـاتّقُونِ قال: كل كَلِـم تكلـم به ربنا فهو روح منه، وكذلكَ أوْحَيْنا إلَـيْكَ رُوحا منْ أمْرِنا... إلـى قوله: ألا إلـى اللّه تَصِيرُ الأمُورُ. ١٦٢٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ يقول: ينزّل بـالرحمة والوحي من أمره، علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبَـادِهِ فـيصطفـي منهم رسلاً. ١٦٢٠٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ قال: بـالوحي والرحمة. وأما قوله: أنْ انْذِرُوا أنّهُ لا إلهَ إلاّ أنا فـاتّقُونِ فقد بـيّنا معناه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٠٥حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أنْ أنْذِرُوا أنّهُ لا إلهَ إلاّ أنا فـاتّقُونِ إنـما بعث اللّه الـمرسلـين أن يوحّدَ اللّه وحده، ويُطاع أمره، ويجتنب سخطه. ( ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ }. يقول تعالـى ذكره معرّفـا خـلقه حجته علـيهم فـي توحيده، وأنه لا تصلـح الألوهة إلا له: خـلق ربكم أيها الناس السموات والأرض بـالعدل وهو الـحقّ منفردا بخـلقها لـم يشركه فـي إنشائها وإحداثها شريك ولـم يعنه علـيه معين، فأنّى يكون له شريك. تَعالـى عَمّا يُشْرِكُونَ يقول جلّ ثناؤه: علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه، فـارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير، لأنه لا يكون إلها إلا من يخـلق وينشىء بقدرته مثل السموات والأرض ويبتدع الأجسام فـيحدثها من غير شيء، ولـيس ذلك فـي قُدرة أحد سوى اللّه الواحد القهّار الذي لا تنبغي العبـادة إلا له ولا تصلـح الألوهة لشيء سواه. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ }. يقول تعالـى ذكره: ومن حججه علـيكم أيضا الناس، أنه خـلق الإنسان من نطفة، فأحدث من ماء مهين خـلقا عجيبـا، قلبه تاراتٍ خـلقا بعد خـلق فـي ظلـمات ثلاث، ثم أخرجه إلـى ضياء الدنـيا بعد ما تـمّ خـلقه ونفخ فـيه الروح، فغذّاه ورزقه القوت ونـماه، حتـى إذا استوى علـى سوقه كفر بنعمة ربه وجحد مدبره وعبد من لا يضرّ ولا ينفع وخاصم إلهه فقال مَنْ يُحْيِـي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيـمٌ ونسي الذي خـلقه فسوّاه خـلقا سويّا من ماء مهين. و يعني بـالـمبـين: أنه يبـين عن خصومته بـمنطقه ويجادل بلسانه، فذلك إبـانته. وعنى بـالإنسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد وهو فـي معنى الـجميع. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن حججه علـيكم أيها الناس ما خـلق لكم من الأنعام، فسخّرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبـارها وأشعارها ملابس تدفئون بها ومنافع من ألبـانها وظهورها تركبونها. وَمِنْها تَأْكُلُونَ يقول: ومن الأنعام ما تأكلون لـحمه كالإبل والبقر والغنـم وسائر ما يؤكل لـحمه. وحذفت (ما) من الكلام لدلالة من علـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قال: الـمثنى أخبرنا، وقال ابن داود: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ يقول: الثـياب. ١٦٢١٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ يعني بـالدفء: الثـياب، والـمنافع: ما ينتفعون به من الأطعمة والأشربة. ١٦٢١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ قال: لبـاس ينسج، ومنا مركب ولبن ولـحم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لَكُمْ فِـيهَا دفْءٌ لبـاس ينسج ومنافع، مركب ولـحم ولبن. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٢١٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قوله: لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافعُ قال: نسل كلّ دابة. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل بإسناده، عن ابن عبـاس ، مثله. ١٦٢١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافعُ يقول: لكم فـيها لبـاس ومنفعة وبلغة، ١٦٢١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، قال: قال ابن عبـاس : والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافعُ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ قال: هو منافع ومآكل. ١٦٢١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافعُ قال: دفء اللـحف التـي جعلها اللّه منها. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغنـي، عن مـجاهد: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ قال: نتاجها وركوبها وألبـانها ولـحومها. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولكم فـي هذه الأنعام والـمواشي التـي خـلقها لكم جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ يعني : تردّونها بـالعشيّ من مسارحها إلـى مراحها ومنازلها التـي تأوي إلـيها ولذلك سمي الـمكان الـمراح، لأنها تراح إلـيه عشيّا فتأوي إلـيه، يقال منه: أراح فلان ماشيته فهو يريحها إراحة. وقوله: وَحِينَ تَسْرَحُونَ يقول: وفـي وقت إخراجكموها غدوة من مُراحها إلـى مسارحها، يقال منه: سَرّح فلان ماشيته يُسَرّحُها تسريحا، إذا أخرجها للرعي غدوة، وسرَحَتِ الـماشيةُ: إذا خرجت للـمرعى تَسْرَحُ سَرْحا وسُرُوحا، فـالسرح بـالغداة والإراحة بـالعشي، ومنه قوله الشاعر: كأنّ بَقايا الأُتْنِ فَوْقَ مُتُونِهِمدَبّ الدّبَى فَوْقَ النّقا وَهْوَ سارِحُ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢١٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالاً أسنـمتها، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلَكُمْ فِـيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ قال: إذا راحت كأعظم ما تكون أسنـمة، وأحسن ما تكون ضروعا. ٧وقوله: وَتـحْمِلُ أثقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُس يقول: وتـحمل هذه الأنعام أثقالكم إلـى بلد آخر لـم تكونوا بـالغِيهِ إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيـمة. كما: ١٦٢١٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة: وَتَـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ قال: لو تكلفونه لـم تبلغوه إلا بجهد شديد. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ قال: لو كلفتـموه لـم تبلغوه إلا بشقّ الأنفس. ١٦٢١٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحِمانـي، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة: إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونوا بـالِغِيهِ إلاّ بِشقّ الأنْفُسِ قال: البلد: مكة. ١٦٢١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه :إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ قال: مشقة علـيكم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٢٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَتـحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلـى بَلَدٍ لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ يقول: بجهد الأنفس. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار بكسر الشين: إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ سوى أبـي جعفر القارىء، فإن: ١٦٢٢١ـ الـمثنى حدثنـي، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: ثنـي أبو سعيد الرازي، عن أبـي جعفر قارىء الـمدينة، أنه كان يقرأ: (لَـمْ تَكُونُوا بـالِغيهِ إلاّ بِشَقّ الأنْفُسِ) بفتـح الشين، وكان يقول: إنـما الشقّ: شقّ النفس. وقال ابن أبـي حماد: وكان معاذ الهرّاء يقول: هي لغة، تقول العرب بشقّ وبشِقّ، وبرَق وبرِق. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه وشذوذ ما خالفه. وقد يُنشد هذا البـيت بكسر الشين وفتـحها، وذلك قول الشاعر: وذِي إبِلِ يَسْعَى وَيحْسِبُها لَهُأخِي نَصَبٍ مِنْ شَقّها ودُءُوبِ و (من شِقّـيها) أيضا بـالكسر والفتـح وكذلك قول العجاج: (أصبحَ مَسْحُولٌ يُوَازِي شَقّا ) و (شِقّا) بـالفتـح والكسر. و يعني ب قوله: (يوازي شَقّا) : يقاسي مشقة. وكان بعض أهل العربـية يذهب بـالفتـح إلـى الـمصدر من شققت علـيه أشقّ شقّا، وبـالكسر إلـى الاسم. وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بـالكسر أرادوا إلا بنقص من القوّة وذهاب شيء منها حتـى لا يبلغه إلا بعد نقصها، فـيكون معناه عند ذلك: لـم تكونوا بـالغيه إلا بشقّ قوى أنفسكم وذهاب شقها الاَخر. ويحكى عن العرب: خذ هذا الشّقّ: لشقة الشاة بـالكسر، فأما فـي شقت علـيك شَقّا فلـم يحك فـيه إلا نصب. وقوله: إنّ رَبّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيـمٌ يقول تعالـى ذكره: إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ورحمة من رحمته بكم، خـلق لكم الأنعام لـمنافعكم ومصالـحكم، وخـلق السموات والأرض أدلة لكم علـى وحدانـية ربكم ومعرفة إلهكم، لتشكروه علـى نعمة علـيكم، فـيزيدكم من فضله. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وخـلق الـخيـل والبغال والـحمير لكم أيضا لتَرْكَبُوهَا وزِينَةً يقول: وجعلها لكم زينةً تتزينون بها مع الـمنافع التـي فـيها لكم، للركوب وغير ذلك. ونصب الـخيـل والبغال عطفـا علـى الهاء والألف فـي قوله: خَـلَقَها. ونصب الزينة بفعل مضمر علـى ما بـيّنت، ولو لـم يكن معها واو وكان الكلام: (لتركبوها زينةً) كانت منصوبة بـالفعل الذي قبلها الذي هي به متصلة، ولكن دخول الواو آذنت بأن معها ضمير فعل وبـانقطاعها عن الفعل الذي قبلها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٢٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لتَرْكَبُوها وَزِينَةً قال: جعلها لتركبوها، وجعلها زينة لكم. وكان بعض أهل العلـم يرى أن فـي هذه الاَية دلالة علـى تـحريـم أكل لـحوم الـخيـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو ضمرة، عن أبـي إسحاق، عن رجل، عن ابن عبـاس ، قوله: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها قال: هذه للركوب. والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ قال: هذه للأكل. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا هشام الدستوائي، قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير، عن مولـى نافع بن علقمة: أن ابن عبـاس كان يكره لـحوم الـخيـل والبغال والـحمير، وكان يقول: قال اللّه والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فهذه للأكل، والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها فهذه للركوب. ١٦٢٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال، عن سعيد، عن ابن عبـاس : أنه سئل عن لـحوم الـخيـل، فكرهها وتلا هذه الاَية: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها... الاَية. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن ابن أبـي لـيـلـى عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس : أنه سئل عن لـحوم الـخيـل، فقال: اقرأ التـي قبلها: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ ومنَافِعُ ومَنْها تَأْكُلُونَ والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها وَزِينَةً فجعل هذه للأكل، وهذه للركوب. ١٦٢٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن عبد الـملك بن أبـي غنـية، عن أبـيه، عن الـحكم: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فجعل منه الأكل. ثم قرأ حتـى بلغ: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها قال: لـم يجعل لكم فـيها أكلاً. قال: وكان الـحكم يقول: والـخيـل والبغال والـحمير حرام فـي كتاب اللّه . ١٦٢٢٦ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن أبـي غنـية، عن الـحكم، قال: لـحوم الـخيـل حرام فـي كتاب اللّه . ثم قرأ: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ... إلـى قوله: لتَرْكَبُوها. وكان جماعة غيرهم من أهل العلـم يخالفونهم فـي هذا التأويـل، ويرون أن ذلك غير دالّ علـى تـحريـم شيء، وأن اللّه جل ثناؤه إنـما عرّف عبـاده بهذه الاَية وسائر ما فـي أوائل هذه السورة نعمة علـيهم ونبههم به علـى حججه علـيهم وأدلته علـى وحدانـيته وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك. ذكر بعض من كان لا يرى بأسا بأكل لـحم الفرس: ١٦٢٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، عن الأسود: أنه أكل لـحم الفرس. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن الـحكم، عن إبراهيـم، عن الأسود بنـحوه. ١٦٢٢٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم قال: نـحر أصحابنا فرسا فـي النـجع وأكلوا منه، ولـم يروا به بأسا. والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله أهل القول الثانـي، وذلك أنه لو كان فـي قوله تعالـى ذكره: لِتَرْكَبُوها دلالة علـى أنها لا تصلـح إذ كانت للركوب للأكل لكان فـي قوله: فِـيها دِفْءٌ ومنَافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ دلالة علـى أنها لا تصلـح إذ كانت للأكل والدفء للركوب. وفـي إجماع الـجميع علـى أن ركوب ما قال تعالـى ذكره وَمِنْها تَأْكُلُونَ جائز حلال غير حرام، دلـيـل واضح علـى أن أكل ما قال: لِتَرْكَبُوها جائز حلال غير حرام، إلا بـما نصّ علـى تـحريـمه أو وضع علـى تـحريـمه دلالة من كتاب أو وحي إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأما بهذ الاَية فلا يحرم أكل شيء. وقد وضع الدلالة علـى تـحريـم لـحوم الـحمُر الأهلـية بوحيه إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعلـى البغال بـما قد بـيّنا فـي كتابنا كتاب الأطعمة بـما أغنى غعن إعادته فـي هذا الـموضع، إذا لـم يكن هذا الـموضع من مواضع البـيان عن تـحريـم ذلك، وإنـما ذكرنا ما ذكرنا لـيدلّ علـى أنه لا وجه لقول من استدلّ بهذه الاَية علـى تـحريـم لـحم الفرس. ١٦٢٢٩ـ حدثنا أحمد، حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عبد الكريـم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نأكل لـحم الـخيـل علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قلت: فـالبغال؟ قال: أما البغال فلا. وقوله: وَيَخْـلُقُ ما لا تَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ويخـلق ربكم مع خـلقه هذه الأشياء التـي ذكرها لكم ما لا تعلـمون مـما أعدّ فـي الـجنة لأهلها وفـي النار لأهلها مـما لـم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر علـى قلب بشر. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَلَىَ اللّه قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }. يقول تعالـى ذكره: وعلـى اللّه أيها الناس بـيان طريق الـحقّ لكم، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنـما يضلّ علـيها. والسبـيـل: هي الطريق، والقصد من الطريق: الـمستقـيـم الذي لا اعوجاج فـيه، كما قال الراجز: فصَدّ عَنْ نَهْجِ الطّرِيقِ القاصِدِ وقوله: وَمِنْها جائِرٌ يعني تعالـى ذكره: ومن السبـيـل جائر عن الاستقامة معوّج، فـالقاصد من السبل: الإسلام، والـجائر منها: الـيهودية والنصرانـية وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبـيـل وقصدها، سوى الـحنـيفـية الـمسلـمة. وقـيـل: ومنها جائر، لأن السبـيـل يؤنث ويذكر، فأنثت فـي هذا الـموضع. وقد كان بعضهم يقول: وإنـما قـيـل: (ومنها) لأن السبـيـل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الـجمع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: البـيان. ١٦٢٣١ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى اللّه البـيان، أن يبـين الهدى والضلالة. ١٦٢٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن. قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ قال: طريق الـحقّ علـى اللّه . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل. ١٦٢٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى اللّه البـيان، بـيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. ١٦٢٣٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ قال: السبـيـل: طريق الهدى. ١٦٢٣٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ قال إنارتها. ١٦٢٣٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَعلـى اللّه قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى اللّه البـيان، يبـين الهدى من الضلالة، ويبـين السبـيـل التـي تفرّقت عن سبله، ومنها جائر. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَمِنْها جائِرٌ: أي من السبل، سبل الشيطان. وفـي قراءة عبد اللّه بن مسعود: (وَمِنْكُمْ جائِرٌ وَلَوْ شَاءَ اللّه لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ) . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمِنْها جائِرٌ قال: فـي حرف ابن مسعود: (وَمِنْكُمْ جائِرٌ) . ١٦٢٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يعني السبل الـمتفرّقة. ١٦٢٣٨ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يقول: الأهواء الـمختلفة. ١٦٢٣٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يعني السبل التـي تفرّقت عن سبـيـله. ١٦٢٤٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَمِنْها جائِرٌ السبل الـمتفرقة عن سبـيـله. ١٦٢٤١ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:وَمِنْها جائِرٌ قال: من السبل جائر عن الـحقّ قال: قال اللّه : وَلا تَتّبِعُوا السّبْلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِـيـلِهِ. وقوله: وَلَوْ شاءَ لَهَدَاكُمْ أجْمَعِينَ يقول: ولو شاء اللّه للطف بجميعكم أيها الناس بتوفـيقه، فكنتـم تهتدون وتلزمون قصد السبـيـل ولا تـجورون عنه فتتفرّقون فـي سبل عن الـحقّ جائرة. كما: ١٦٢٤٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْ شَاءَ لَهَداكُمْ أجْمَعِينَ قال: لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبـيـل الذي هو الـحقّ. وقرأ: وَلَوْ شاءَ رَبّكَ لاَمَنَ مَنْ فِـي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعا... الاَية، وقرأ: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَـيْنا كُلّ نَفْسٍ هُدَاها... الاَية. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَآءً لّكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: والذي أنعم علـيكم هذه النعم وخـلق لكم الأنعام والـخيـل وسائر البهائم لـمنافعكم ومصالـحكم، هو الربّ الذي أنزل من السماء ماء، يعني : مطرا لكم من ذلك الـماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونبـاتها. فِـيهِ تُسِيـمُونَ يقول: فـي الشجر الذي ينبت من الـماء الذي أنزل من السماء تسيـمون، يعني ترعون، يقال منه: أسام فلان إبله يسيـمها إسامة إذا أرعاها، وسوّمها أيضا يسوّمها، وسامت هي إذا رعت، فهي تسوم، وهي إبل سائمة ومن ذلك قـيـل للـمواشي الـمطلقة فـي الفلاة وغيرها للرعي سائمة. وقد وجّه بعضهم معنى السوم فـي البـيع إلـى أنه من هذا، وأنه ذهاب كلّ واحد من الـمتبـايعين فـيـما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه، كما تذهب سوائم الـمواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الأعشى: وَمَشَى القَوْمُ بـالعمادِ إلـى الـمَرْعَى وأعْيا الـمُسِيـمَ أيْنَ الـمَساقُ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٤٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن النضْر بن عربـي، عن عكرمة: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون. حدثنا أحمد بن سهيـل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة، فـي قوله: فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون. ١٦٢٤٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: ترعون. حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، مثله. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ يقول: يرعون فـيه أنعامهم وشَاءَهُمْ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون. ١٦٢٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك : فـيه ترعون. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، عن الضحاك ، فـي قوله: تُسيـمُونَ يقول: ترعون أنعامكم. ١٦٢٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن طلـحة بن أبـي طلـحة القناد، قال: سمعت عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبزي، قال: فـيه ترعون. ١٦٢٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ يقول: ترعون. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ترعون. حدثنا مـحمد بن سنان، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة فـي قول اللّه :شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: تَرْعون. ١٦٢٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: تَرْعون. قال: الإسامة: الرّعية. وقال الشاعر: لَ ابنِ بَزْعَةَ أو كآخَرَ مِثْلِهِ أوْلـى لَكَ ابنَ مُسِيـمةِ الأجْمالِ قال: يا ابن راعية الأجمال. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: يُنبت لكم ربكم بـالـماء الذي أنزل لكم من السماء زرعَكم وزيتونَكم ونـخيـلكم وأعنابكم ومِنْ كُلّ الثّمراتِ يعني من كلّ الفواكه غير ذلك أرزاقا لكم وأقواتا وإداما وفـاكهة، نعمة منه علـيكم بذلك وتفضّلاً، وحُجة علـى من كفر به منكم. إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً يقول جلّ ثناؤه: إن فـي إخراج اللّه بـما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لاَيةً يقول: لدلالة واضحة وعلامة بـينة، لقومٍ يَتَفَكّرُونَ يقول: لقوم يعتبرون مواعظ اللّه ويتفكّرون فـي حججه، فـيتذكرون وينـيبون. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن نِعَمه علـيكم أيها الناس مع التـي ذكرها قبل أن سخر لكم اللـيـل والنهار يتعاقبـان علـيكم، هذا لتصرفكم فـي معاشكم وهذا لسكنكم فـيه والشّمْسَ والقَمَرَ لـمعرفة أوقات أزمنتكم وشهوركم وسنـينكم وصلاح معايشكم. والنّـجُومُ مُسَخّراتٌ لكم بأمر اللّه تـجري فـي فلكها لتهتدوا بها فـي ظلـمات البرّ والبحر. إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقَلُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي تسخير اللّه ذلك علـى ما سخره لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج اللّه ويفهمون عنه تنبـيهه إياهم. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَذّكّرُونَ }. يعني جل ثناؤه ب قوله: ومَا ذَرأَ لَكُمْ وسخر لكم ما ذرأ: أي ما خـلق لكم فـي الأرض مختلفـا ألوانه من الدواب والثمار. كما: ١٦٢٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومَا ذَرأَ لَكُمْ فِـي الأرْضِ يقول: وما خـلق لكم مختلفـا ألوانه من الدوابّ ومن الشجر والثمار، نِعَم من اللّه متظاهرة فـاشكروها لله. ١٦٢٥٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: من الدوابّ والأشجار والثمار. ونصب قوله: (مختلفـا) لأن قوله: (وَما) فـي موضع نصب بـالـمعنى الذي وصفت. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون (مختلفـا ألوانه) حالاً من (ما) ، والـخبر دونه تامّ، ولو لـم تكن (ما) فـي موضع نصب، وكان الكلام مبتدأ من قوله: وَما ذَرأَ لَكُمْ لـم يكن فـي مختلف إلا الرفع، لأنه كان يصير مرافع (ما) حينئذ. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ ...}. يقول تعالـى ذكره: والذي فعل هذه الأفعال بكم وأنعم علـيكم أيها الناس هذه النعم، الذي سخر لكم البحر، وهو كلّ نهر ملـحا ماؤه أو عذبـا. لتَأْكُلُوا منْهُ لَـحْما طرِيّا وهو السمك الذي يصطاد منه. وتَسْتَـخْرِجُوا منْهُ حلْـيَةً تَلْبَسُونَها وهو اللؤلؤ والـمرجان. كما: ١٦٢٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَهُوَ الّذِي سَخّرَ البَحْرَ لتَأْكُلُوا منْهُ لَـحْما طَرِيّا قال: منهما جميعا. وتَسْتَـخْرِجُوا مِنْهُ حلْـيَةً تَلْبَسُونَهَا قال: هذا اللؤلؤ. ١٦٢٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَـحْما طَرِيّا يعني حيتان البحر. ١٦٢٥٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا حماد، عن يحيى، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الـملك، قال: جاء رجل إلـى أبـي جعفر، فقال: هل فـي حلـيّ النساء صدقة؟ قال: لا، هي كما قال اللّه تعالـى: حِلْـيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ يعني السفن، مَوَاخرَ فِـيهِ وهي جمع ماخرة. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مَوَاخرَ فقال بعضهم: الـمواخر: الـمواقر. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٥٤ـ حدثنا عمرو بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: الـمواقر. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٦٢٥٥ـ حدثنا به عبد الرحمن بن الأسود، قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة، عن أبـي بكر الأصمّ، عن عكرمة، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: ما أخذ عن يـمين السفـينة وعن يسارها من الـماء، فهو الـمواخر. ١٦٢٥٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي مكين، عن عكرمة، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: هي السفـينة تقول بـالـماء هكذا، يعني تشقه. وقال آخرون فـيه، ما: ١٦٢٥٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: تـجري فـيه متعرضّة. وقال آخرون فـيه، بـما: ١٦٢٥٨ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: تـمخر السفـينة الرياح، ولا تـمخر الريحَ من السفن إلا الفلك العظامُ. حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد نـحوه، غير أن الـحرث قال فـي حديثه: ولا تـمخر الرياح من السفن. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٦٢٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَوَاخرَ قال: تـمخر الريح. وقال آخرون فـيه، ما: ١٦٢٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ تـجري بريح واحدة، مُقبلة ومُدبرة. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تـجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة. ١٦٢٦١ـ حدثنا الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن إبراهيـم، قال: سمعت الـحسن: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: مقبلة ومدبرة بريح واحدة. والـمخْر فـي كلام العرب: صوت هبوب الريح إذا اشتدّ هبوبها، وهو فـي هذا الـموضع: صوت جري السفـينة بـالريح إذا عصفت وشقها الـماء حينئذ بصدرها، يقال منه: مخرت السفـينة تـمخر مخرا ومخورا، وهي ماخرة، ويقال: امتـخرت الريح وتـمخرتها: إذا نظرتَ من أين هبوبها وتسمّعت صوت هبوبها. ومنه قول واصل مولـى ابن عيـينة: كان يقال: إذا أراد أحدكم البول فلـيتـمخر الريح، يريد بذلك: لـينظر من أين مـجراها وهبوبها لـيستدبرها فلا ترجع علـيه البول وتردّه علـيه. وقوله: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالـى ذكره: ولتتصرّفوا فـي طلب معايشكم بـالتـجارة سخر لكم. كما: ١٦٢٦٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ قال: تـجارة البرّ والبحر. وقوله: وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: ولتشكروا ربكم علـى ما أنعم به علـيكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التـي عدّدها فـي هذه الاَيات. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن نِعمه علـيكم أيها الناس أيضا، أن ألقـى فـي الأرض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت فـي الأرض من الـجبـال. وقوله: أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ يعني : أن لا تـميد بكم، وذلك ك قوله: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا، والـمعنى: أن لا تضلوا. وذلك أنه جل ثناؤه أرسى الأرض بـالـجبـال لئلا يـميد خـلقه الذي علـى ظهرها، بل وقد كانت مائدة قبل أن تُرْسى بها. كما: ١٦٢٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، عن قـيس بن عبـاد: أن اللّه تبـارك وتعالـى لـما خـلق الأرض جعلت تـمور، قالت الـملائكة: ما هذه بـمقرّة علـى ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفـيها رواسيها. ١٦٢٦٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد اللّه بن حبـيب، عن علـيّ بن أبـي طالب، قال: لـما خـلق اللّه الأرض قَمَصَت، وقالت: أي ربّ أتـجعل علـيّ بنـي آدم يعملون علـيّ الـخطايا ويجعلون علـيّ الـخبث؟ قال: فأرسى اللّه علـيها من الـجبـال ما ترون وما لا ترون، فكان قرارها كاللـحم يترجرج. والـميد: هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفـينة تـميد ميدا: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الـميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ: أن تكفأ بكم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٢٦٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله: وألْقَـى فِـي الأرْضِ روَاسِيَ أنْ تَـمِيدُ بِكُمْ قال: الـجبـال أن تـميد بكم. قال: قتادة: سمعت الـحسن يقول: لـما خـلقت الأرض كادت تـميد، فقالوا: ما هذه بـمقرّة علـى ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خُـلقت الـجبـال، فلـم تدر الـملائكة مـم خُـلقت الـجبـال. وقوله: وأنهَارا يقول: وجعل فـيها أنهارا، فعطف بـالأنهار علـى الرواسي، وأعمل فـيها ما أعمل فـي الرواسي، إذ كان مفهوما معنى الكلام والـمراد منه وذلك نظير قول الراجز: تَسْمَعُ فـي أجْوَافِهِنّ صَوْرَاوفـي الـيَدَيْنِ حَشّةً وبَوْرَا والـحشة: الـيُبس، فعطف بـالـحشة علـى الصوت، والـحشة لا تسمع، إذ كان مفهوما الـمراد منه وأن معناه وترى فـي الـيدين حَشّةً. وقوله: وَسُبُلاً وهي جمع سبـيـل، كما الطرق جمع طريق. ومعنى الكلام: وجعل لكم أيها الناس فـي الأرض سُبلاً وفجاجا تسلكونها وتسيرون فـيها فـي حوائجكم وطلب معايشكم رحمة بكم ونعمة منه بذلك علـيكم ولو عماها لهلكتـم ضلالاً وحيرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سُبُلاً: أي طرقا. ١٦٢٦٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سُبُلاً قال: طرقا. وقوله لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ يقول: لكي تهتدوا بهذه السبل التـي جعلها لكم فـي الأرض إلـى الأماكن التـي تقصدون والـمواضع التـي تريدون، فلا تضلوا وتتـحيروا. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }. اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى بـالعلامات، فقال بعضهم: عُنـي بها معالـم الطرق بـالنهار. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يعني بـالعلامات: معالـم الطرق بـالنهار، وبـالنـجم هم يهتدون بـاللـيـل. وقال آخرون: عُنـي بها النـجوم. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٧٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به. ١٦٢٧١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدي به. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله. قال: الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق خالف قبـيصة وكيعا فـي الإسناد. ١٦٢٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ والعلامات: النـجوم، وإن اللّه تبـارك وتعالـى إنـما خـلق هذه النـجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدي بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فـيها غير ذلك، فَقَدَ رَأْيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علـم له به. ١٦٢٧٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتاد: وَعَلاماتٍ قال النـجوم. وقال آخرون: عُنـي بها الـجبـال. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٧٤ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي: وَعَلاماتٍ قال: الـجبـال. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره عدّد علـى عبـاده من نعمه، إنعامَهُ علـيهم بـما جعل لهم من العلامات التـي يهتدون بها فـي مسالكهم وطرقهم التـي يسيرونها، ولـم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس علـى طرقهم وفجاج سُبلهم فداخـل فـي قوله: وَعَلاماتٍ. والطرق الـمسبولة: الـموطوءة، علامة للناحية الـمقصودة، والـجبـال علامات يهتدي بهنّ إلـى قصد السبـيـل، وكذلك النـجوم بـاللـيـل. غير أن الذي هو أولـى بتأويـل الاَية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان اللّه قد فصل منها أدلة اللـيـل ب قوله: وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. وإذا كان ذلك أشبه وأولـى بتأويـل الاَية، فـالواجب أن يكون القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالـم الطرق وأماراتها التـي يهتدى بها إلـى الـمستقـيـم منها نهارا، وأن يكون النـجم الذي يهتدى به لـيلاً هو الـجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النـجوم. فتأويـل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا علـى طرقكم فـي أسفـاركم. ونـجوما تهتدون بها لـيلاً فـي سُبلكم. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخـلق هذه الـخلائق العجيبة التـي عددناها علـيكم وينعم علـيكم هذه النعم العظيـمة، كمن لا يخـلق شيئا ولا ينعم علـيكم نعمة صغيرة ولا كبـيرة؟ يقول: أتشركون هذا فـي عبـادة هذا؟ يعرّفهم بذلك عظم جهلهم وسوء نظرهم لأنفسهم وقلّة شكرهم لـمن أنعم علـيهم بـالنعم التـي عدّدها علـيهم التـي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جل ثناؤه موبخهم: أفَلا تَذَكّرُونَ أيها الناس يقول: أفلا تذكرون نعم اللّه علـيكم وعظيـم سُلطانه وقُدرته علـى ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تـجلب إلـى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتـم علـيه مقـيـمون من عبـادتكموها وإقراركم لها بـالألوهة؟ كما: ١٦٢٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفَمَنْ يَخْـلُقُ كَمَنْ لاَ يخْـلُقُ أفَلا تَذَكّرُونَ واللّه هو الـخالق الرازق، وهذه الأوثان التـي تعبد من دون اللّه تُـخْـلق ولا تَـخْـلُق شيئا، ولا تـملك لأهلها ضرّا ولا نفعا، قال اللّه : أفلا تذكّرون. وقـيـل: كَمَنْ لاَ يَخْـلُقُ هو الوثن والصنـم، و (من) لذوي التـميـيز خاصة، فجعل فـي هذا الـموضع لغيرهم للتـميـيز، إذ وقع تفصيلاً بـين من يُخْـلق ومن لا يَخْـلُق. ومـحكّى عن العرب: اشتبه علـيّ الراكب وجمله، فما أدري مَنْ ذا ومَنْ ذا، حيث جمعا وأحدهما إنسان حسنت (مَنْ) فـيهما جميعا ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى رِجْلَـيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى أرْبَعٍ. ١٨وقوله: وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُـحْصُوها لا تطيقوا أداء شكرها. إنّ اللّه لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول جلّ ثناؤه: إن اللّه لغفور لـما كان منكم من تقصير فـي شكر بعض ذلك إذا تبتـم وأنبتـم إلـى طاعته واتبـاع مرضاته، رحيـم بكم أن يعذّبكم علـيه بعد الإنابة إلـيه والتوبة. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه يَعْلَمُ مَا تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }. يقول تعالـى ذكره: واللّه الذي هو إلهكم أيها الناس، يعلـم ما تسرّون فـي أنفسكم من ضمائركم فتـخفونه عن غيركم، فما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وما تعلنونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو مـحص ذلك كله علـيكم، حتـى يجازيكم به يوم القـيامة، الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء منكم بإساءته، ومُسائلكم عما كان منكم من الشكر فـي الدنـيا علـى نعمة التـي أنعمها علـيكم فما التـي أحصيتـم والتـي لـم تـحصوا. ٢٠وقوله: والّذِين تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه لا يَخْـلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْـلَقُونَ يقول تعالـى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون اللّه أيها الناس آلهة لا تَـخْـلُق شيئا وهي تُـخْـلَقَ، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدّبرا لا تـملك لأنفسها نفعا ولا ضرّا؟ ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ }. يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين من قريش: والذين تدعون من دون اللّه أيها الناس أمْوَاتٌ غيرُ أحْياءٍ. وجعلها جل ثناؤه أمواتا غير أحياء، إذ كانت لا أرواح فـيها. كما: ١٦٢٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أمْوَاتٌ غيرُ أحْياءٍ ومَا يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ وهي هذه الأوثان التـي تُعبد من دون اللّه أموات لا أرواح فـيها، ولا تـملك لأهلها ضرّا ولا نفعا. وفـي رفع الأموات وجهان: أحدهما أن يكون خبرا للذين، والاَخر علـى الاستئناف. وقوله: ومَا يَشْعُرُونَ يقول: وما تدري أصنامكم التـي تدعون من دون اللّه متـى تبعث. وقـيـل: إنـما عنى بذلك الكفـار، أنهم لا يدرون متـى يبعثون. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ قُلُوبُهُم مّنكِرَةٌ وَهُم مّسْتَكْبِرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: معبودكم الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء معبود واحد، لأنه لا تصلـح العبـادة إلا له، فأفردوا له الطاعة وأخـلصوا له العبـادة ولا تـجعلوا معه شريكا سواه. فـالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالـى ذكره: فـالذين لا يصدّقون بوعد اللّه ووعيده ولا يقرّون بـالـمعاد إلـيه بعد الـمـمات قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالـى ذكره: مستنكرة لـما نقص علـيهم من قدرة اللّه وعظمته وجميـل نعمة علـيهم، وأن العبـادة لا تصلـح إلا له والألوهة لـيست لشيء غيره يقول: وهم مستكبرون عن إفراد اللّه بـالألوهة والإقرار له بـالوحدانـية، اتبـاعا منهم لـما مضى علـيه من الشرك بـاللّه أسلافهم. كما: ١٦٢٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لهذا الـحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ جَرَمَ أَنّ اللّه يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: لا جرم حقّا أن اللّه يعلـم ما يسرّ هؤلاء الـمشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنبـاء فـي هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد، واستكبـارهم علـى اللّه ، وما يعلنون من كفرهم بـاللّه وفريتهم علـيه. إنّهُ لا يُحِبّ الـمُسْتَكْبِرينَ يقول: إن اللّه لا يحبّ الـمستكبرين علـيه أن يوحدوه ويخـلعوا ما دونه من الاَلهة والأنداد. كما: ١٦٢٧٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا مِسْعر، عن رجل: أن الـحسن بن علـيّ كان يجلس إلـى الـمساكين، ثم يقول: إنّهُ لا يُحِبّ الـمُسْتَكْبِرينَ. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مّاذَآ أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة من الـمشركين: ماذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ أيّ شيء أنزل ربكم؟ قالوا: الذي أنزل ما سطّره الأوّلون من قبلنا من الأبـاطيـل. وكان ذلك كما: ١٦٢٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ماذَا أنْزَلَ رَبّكُمْ قالُوا أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: أحاديث الأوّلـين وبـاطلهم، قال ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا مرّ بهم أحد من الـمؤمنـين يريد نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قالوا لهم: أساطير الأوّلـين، يريد: أحاديث الأوّلـين وبـاطلهم. ١٦٢٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: أحاديث الأوّلـين. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: يقول هؤلاء الـمشركون لـمن سألهم ماذا أنزل ربكم: الذي أنزل ربنا فـيـما يزعم مـحمد علـيه أساطير الأوّلـين، لتكون لهم ذنوبهم التـي هم علـيها مقـيـمون من تكذيبهم اللّه ، وكفرهم بـما أنزل علـى رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ومن ذنوب الذين يصدّونهم عن الإيـمان بـاللّه يضلون يفتنون منهم بغير علـم. وقوله: ألا ساءَ ما يَزِرُونَ يقول: ألا ساء الإثم الذي يأثمون والثقل الذي يتـحملون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٨١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن نـجيح، عن مـجاهد، قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ ومن أوزار من أضلوا احتـمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا. حدثنا الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه، إلا أنه قال: ومن أوزار الذين يضلونهم حملهم ذنوب أنفسهم، وسائر الـحديث مثله. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٦٢٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علـم، ألا ساءَ ما يَزِرُونَ. ١٦٢٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْـمٍ يقول: يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله: وأثْقالاً مَعَ أثْقالِهِمْ يقول: يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يُضِلُونهم بغير علـم. ١٦٢٨٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْـمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أيّـمَا دَاعِ دَعا إلـى ضَلالَةٍ فـاتّبِعَ، فإنّ عَلَـيْهِ مِثْلَ أوْزَارِ مَنِ اتّبَعَهُ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. وأيّـمَا دَاعِ دَعا إلـى هُدًى فـاتّبِعَ، فَلَهُ مِثْلُ أجُورِهِمْ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أجوْرِهِمْ شَيْءٌ) . ١٦٢٨٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن رجل، قال: قال زيد بن أسلـم: إنه بلغه أنه يتـمثل للكافر عمله فـي صورة أقبح ما خـلق اللّه وجها وأنتنه ريحا، فـيجلس إلـى جنبه، كلـما أفزعه شيء زاده فزعا وكلـما تـخوّف شيئا زاده خوفـا، فـ يقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فـ يقول: وما تعرفنـي؟ فـ يقول: لا، فـ يقول: أنا عملك كان قبـيحا فلذلك ترانـي قبـيحا، وكان منتنا فلذلك ترانـي منتنا، طأطىء إلـيّ أركبك فطالـما ركبتنـي فـي الدنـيا فـيركبه، وهو قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّه بُنْيَانَهُمْ مّنَ الْقَوَاعِدِ ...}. يقول تعالـى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء الـمشركين الذين يصدّون عن سبـيـل اللّه من أراد اتبـاع دين اللّه ، فراموا مغالبة اللّه ببناءٍ بَنَوه، يريدون بزعمهم الارتفـاع إلـى السماء لـحرب من فـيها. وكان الذي رام ذلك فـيـما ذُكر لنا جبـار من جبـابرة النّبَط فقال بعضهم: هو نـمرو بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبـارهما فـي سورة إبراهيـم. وقـيـل: إن الذي ذُكر فـي هذا الـموضع هو الذي ذكره اللّه فـي سورة إبراهيـم. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٨٦ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أمر الذين حاجّ إبراهيـم فـي ربه بإبراهيـم فأُخُرِجَ، يعني من مدينته، قال: فلقـي لوطا علـى بـاب الـمدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إنـي مهاجر إلـى ربـي. وحلف نـمرود أن يطلب إله إبراهيـم، فأخذ أربعة أفراخ من فِراخ النسور، فربـاهنّ بـاللـحم والـخبز حتـى كبرن وغلظن واستعجلن، فربطهنّ فـي تابوت، وقعد فـي ذلك التابوت ثم رفع لهنّ رِجلاً من لـحم، فطرن، حتـى إذا ذهبن فـي السماء أشرف ينظر إلـى الأرض، فرأى الـجبـال تدبّ كدبـيب النـمل. ثم رفع لهنّ اللـحم، ثم نظر فرأى الأرض مـحيطا بها بحر كأنها فلكة فـي ماء. ثم رفع طويلاً فوقع فـي ظلـمة، فلـم ير ما فوقه وما تـحته، ففزع، فألقـى اللـحم، فـاتّبعته منقضّات. فلـما نظرت الـجبـال إلـيهنّ، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفـيفهنّ، فزعت الـجبـال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولـم يفعلن وذلك قول اللّه تعالـى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّه مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ، وهي فـي قراءة ابن مسعود: (وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ) . فكان طَيْرُورتهن به من بـيت الـمقدس ووقوعهن به فـي جبل الدخان. فلـما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ فـي بنـيان الصرح، فبنى حتـى إذا شيده إلـى السماء ارتقـى فوقه ينظر، يزعم إلـى إله إبراهيـم، فأحدث، ولـم يكن يُحدث وأخذ اللّه بنـيانه من القواعد فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وأتاهُمْ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصرح، فتنقّض بهم فسقط. فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع، فتكلـموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت بـابل. وإنـما كان لسان الناس من قبل ذلك بـالسريانـية. ١٦٢٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأتَـى اللّه بُنـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ قال: هو نـمرود حين بنى الصرح. ١٦٢٨٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا قال: عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلـم: إن أوّل جبـار كان فـي الأرض نـمرود، فبعث اللّه علـيه بعوضة فدخـلت فـي منـخره، فمكث أربع مئة سنة يُضرب رأسُه بـالـمطارق، أرحم الناس به من جمع يديه، فضرب رأسه بهما، وكان جبـارا أربع مئة سنة، فعذّبه اللّه أربع مئة سنة كمُلكه، ثم أماته اللّه . وهو الذي كان بنى صَرْحا إلـى السماء، وهو الذي قال اللّه : فَأَتـى اللّه بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ. وأما قوله: فأَتَـى اللّه بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فإن معناه: هدم اللّه بنـيانهم من أصله. والقواعد: جمع قاعدة، وهي الأساس. وكان بعضهم يقول: هذا مثل للاستئصال وإنـما معناه: إن اللّه استأصلهم. وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشيء. وقوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخرّ علـيهم السقـف من فوقهم أعالـي بـيوتهم من فوقهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأَتَـى اللّه بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ إي والله، لأتاها أمر اللّه من أصلها فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ والسقـف: أعالـي البـيوت، فـائتفكت بهم بـيوتهم فأهلكهم اللّه ودمرهم، وأتاهُمُ العَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. ١٦٢٩٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ قال: أتـى اللّه بنـيانهم من أصوله، فخرّ علـيهم السقـف. ١٦٢٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فأَتَـى اللّه بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ قال: مكر نـمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيـم فـي ربه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: عنى ب قوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أن العذاب أتاهم من السماء. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ يقول: عذاب من السماء لَـما رأوه استسلـموا وذلوا. وأولـى القولـين بتأويـل الاَية، قول من قال: معنى ذلك: تساقطت علـيهم سقوف بـيوتهم، إذ أتـى أصولها وقواعدها أمر اللّه ، فـائتفكت بهم منازلهم لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من قواعد البنـيان وخرّ السقـف، وتوجيه معانـي كلام اللّه إلـى الأشهر الأعرف منها، أولـى من توجيهها إلـى غير ذلك ما وُجِد إلـيه سبـيـل. وأتاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ يقول تعالـى ذكره: وأتـى هؤلاء الذين مكروا من قَبْل مشركي قريش، عذاب اللّه من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ... }. يقول تعالـى ذكره: فعل اللّه بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف اللّه جل ثناؤه أمرهم ما فعل بهم فـي الدنـيا من تعجيـل العذاب لهم والانتقام بكفرهم وجحودهم وحدانـيته، ثم هو مع ذلك يوم القـيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب ألـيـم وقائل لهم عند ورودهم علـيه: أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُـمْ تُشاقّونَ فِـيهم؟ أصله: من شاققت فلانا فهو يشاقّنـي، وذلك إذا فعل كلّ واحد منهما بصاحبه ما يشقّ علـيه. يقول تعالـى ذكره يوم القـيامة تقريعا للـمشركين بعبـادتهم الأصنام: أين شركائي؟ يقول: أين الذين كنتـم تزعمون فـي الدنـيا أنهم شركائي الـيوم؟ ما لهم لا يحضرونكم فـيدفعوا عنكم ما أنا مـحلّ بكم من العذاب، فقد كنتـم تعبدونهم فـي الدنـيا وتتولونهم والولـيّ ينصر ولـيه؟ وكانت مشاقتهم اللّه فـي أوثانهم مخالفتهم إياه فـي عبـادتهم، كما: ١٦٢٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله: أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُـمْ تُشاقّونَ فِـيهم يقول: تـخالفونـي. وقوله: قالَ الّذِينَ أُتُوا العلْـمَ إنّ الـخِزْي الـيَوْمَ والسّوءَ علـى الكافرِينَ يعني : الذلة والهوان، والسّوءَ يعني : عذاب اللّه علـى الكافرين. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السّلَمَ مَا كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوَءٍ بَلَىَ إِنّ اللّه عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: قال الذين أوتوا العلـم: إن الـخزي الـيوم والسوء علـى من كفر بـاللّه فجحد وحدانـيته، الّذِينَ تَتَوَفّـاهُمُ الـمَلائِكَةُ يقول: الذين تقبض أرواحهم الـملائكة، ظالِـمِي أنْفُسِهمْ يعني : وهم علـى كفرهم وشركهم بـالله. وقـيـل: إنه عنى بذلك من قتل من قريش ببدر وقد أخرج إلـيها كرها. ١٦٢٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن مـحمد الزهري، قال: ثنـي سفـيان بن عيـينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: كان ناس بـمكة أقرّوا بـالإسلام ولـم يهاجروا، فأخرج بهم كرها إلـى بدر، فقتل بعضهم، فأنزل اللّه فـيهم: الّذِينَ تَتَوَفّـاهُمُ الـمَلائكَةُ ظالِـمِي أنْفُسِهمْ. وقوله: فَألْقُوا السّلَـمَ يقول: فـاستسلـموا لأمره، وانقادوا له حين عاينوا الـموت قد نزل بهم. ما كُنّا نَعْمَلُ منْ سُوءٍ وفـي الكلام مـحذوف استعنـي بفهم سامعيه ما دلّ علـيه الكلام عن ذكره، وهو: قالوا ما كنا نعمل من سوء. يخبر عنهم بذلك أنهم كذّبوا وقالوا: ما كنا نعصِي اللّه اعتصاما منهم بـالبـاطل رجاء أن ينـجوا بذلك، ، فكذّبهم اللّه فقال: بل كنتـم تعملون السوء وتصدّون عن سبـيـل اللّه . إنّ اللّه عَلِـيـمٌ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول: إن اللّه ذو علـم بـما كنتـم تعملون فـي الدنـيا من معاصيه وتأتون فـيها ما يسخطه. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَادْخُلُوَاْ أَبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ }. يقول تعالـى ذكره، يقول لهؤلاء الظلـمة أنفسهم حين يقولون لربهم: ما كنا نعمل من سوء: ادخـلوا أبواب جهنـم، يعني : طبقات جهنـم، خالدِينَ فـيها يعني : ماكثـين فـيها، فَلَبِئْسَ مَثْوَى الـمُتَكَبّرِين يقول: فلبئس منزل من تكبر علـى اللّه ولـم يقرّ بربوبـيته ويصدّق بوحدانـيته جهنـم. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ ... }. يقول تعالـى ذكره: وقـيـل للفريق الاَخر الذين هم أهل إيـمان وتقوى لله: ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ قالُوا خَيْرا يقول: قالوا: أنزل خيرا. وكان بعض أهل العربـية من الكوفـيـين يقول: إنـما اختلف الأعراب فـي قوله: قالُوا أساطِيرُ الأوّلِـينَ، وقوله: خَيْرا، والـمسئلة قبل الـجوابـين كلـيهما واحدة، وهي قوله: ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ لأن الكفـار جحدوا التنزيـل، فقالوا حين سمعوه: أساطير الأوّلـين، أي هذا الذي جئت به أساطير الأوّلـين ولـم ينزل اللّه منه شيئا. وأما الـمؤمنون فصدّقوا التنزيـل، فقالوا خيرا بـمعنى أنه أنزل خيرا، فـانتصب بوقوع الفعل من اللّه علـى الـخير، فلهذا افترقا ثم ابتدأ الـخبر فقال: لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةٌ. وقد بـيّنا القول فـي ذلك فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته. وقوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةٌ يقول تعالـى ذكره: للذين آمنوا بـاللّه فـي هذه الدنـيا ورسوله وأطاعوه فـيها ودعوا عبـاد اللّه إلـى الإيـمان والعمل بـما أمر اللّه به حَسَنَةٌ يقول: كرامة من اللّه ، وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ يقول: ولدار الاَخرة خير لَهُمْ مِنْ دَارِ الدّنْـيا، وكرامة اللّه التـي أعدّها لهم فـيها أعظم من كرامته التـي عجلها لهم فـي الدنـيا وَلَنِعْمَ دَارُ الـمُتّقـينَ يقول: ولنعم دار الذين خافوا اللّه فـي الدنـيا فـاتقوا عقابه بأداء فرائضه وتـجنب معاصيه دار الاَخرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقِـيـلَ لِلّذِينَ اتّقُوا ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ قالُوا خَيْرا لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةٌ وهؤلاء مؤمنون، فـيقال لهم: ماذَا أنْزَل رَبّكُمْ فـيقولون خَيْرا لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةٌ: أي آمنوا بـاللّه وأمروا بطاعة اللّه ، وحثوا أهل طاعة اللّه علـى الـخير ودعوهم إلـيه. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّه الْمُتّقِينَ }. يعني تعالـى ذكر ب قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ بساتـين للـمقام، وقد بـيّنا اختلاف أهل التأويـل فـي معنى عدن فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. يَدْخُـلُونَها يقول: يدخـلون جنات عدن. وفـي رفع (جناتٌ) أوجه ثلاث: أحدها: أن يكون مرفوعا علـى الابتداء، والاَخر: بـالعائد من الذكر فـي قوله: (يَدْخُـلُونَها) ، والثالث: علـى أن يكون خبر النعم، فـيكون الـمعنى إذا جعلت خبر النعم: ولنعم دار الـمتقـين جنات عدن، ويكون (يَدْخُـلُونَها) فـي موضع حال، كما يقال: نعم الدار دار تسكنها أنت. وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التأويـل (يدخـلونها) من صلة (جنات عدن) . وقوله: تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ يقول: تـجري من تـحت أشجارها الأنهار. لَهُمْ فِـيها ما يشاءُونَ يقول: للذين أحسنوا فـي هذه الدنـيا فـي جنات عدن ما يشاءون مـما تشتهي أنفسهم وتلذّ أعينهم. كَذلكَ يَجْزِي اللّه الـمُتّقِـينَ يقول: كما يجزي اللّه هؤلاء الذين أحسنوا فـي هذه الدنـيا بـما وصف لكم أيها الناس أنه جزاهم به فـي الدنـيا والاَخرة، كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: كذلك يجزي اللّه الـمتقـين الذين تَقْبِض أرواحَهم ملائكةُ اللّه ، وهم طيبون بتطيبب اللّه إياهم بنظافة الإيـمان، وطهر الإسلام فـي حال حياتهم وحال مـماتهم. كما: ١٦٢٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: الّذِينَ تَتَوَفّـاهُمُ الـمَلائِكَةُ طَيّبِـينَ قال: أحياء وأمواتا، قدّر اللّه ذلك لهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وقوله: يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ يعني جل ثناؤه أن الـملائكة تقبض أرواح هؤلاء الـمتقـين، وهي تقول لهم: سلام علـيكم صيروا إلـى الـجنة بشارة من اللّه تبشرهم بها الـملائكة. كما: ١٦٢٩٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، أنه سمع مـحمد بن كعب القُرَظيّ يقول: إذا استنقعت نفس العبد الـمؤمن جاءه ملك فقال: السلام علـيك ولـيّ اللّه ، اللّه يقرأ علـيك السلام. ثم نزع بهذه الاَية: الّذِينَ تَتَوَفّـاهُمُ الـمَلائِكَةُ طَيّبِـينَ... إلـى آخر الاَية. ١٦٢٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ الـيَـمِينِ قال: الـملائكة يأتونه بـالسلام من قِبَل اللّه ، وتـخبره أنه من أصحاب الـيـمين. ١٦٢٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا الأشبّ أبو علـيّ، عن أبـي رجاء، عن مـحمد بن مالك، عن البراء، قال: قوله: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ ربّ رَحِيـمٍ قال: يسلـم علـيه عند الـموت. وقوله: بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول: بـما كنتـم تصيبون فـي الدنـيا أيام حياتكم فـيها طاعة اللّه طلب مرضاته. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ ... }. يقول تعالـى ذكره: هل ينتظر هؤلاء الـمشركون إلا أن تأتـيهم الـملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتـي أمر ربك بحشرهم لـموقـف القـيامة. كَذلكَ فَعَلَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول جلّ ثناؤه: كما يفعل هؤلاء من انتظارهم ملائكة اللّه لقبض أرواحهم أو إتـيان أمر اللّه فعل أسلافهم من الكفرة بـاللّه لأن ذلك فـي كلّ مشرك بـالله. وَما ظَلَـمَهُمُ اللّه يقول جلّ ثناؤه: وما ظلـمهم اللّه بإحلال سُخْطه، ولكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ بـمعصيتهم ربهم وكفرهم به، حتـى استـحقوا عقابه، فعجّل لهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أنْ تَأْتِـيهُمُ الـمَلائِكَةُ قال: بـالـموت، وقال فـي آية أخرى: وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفّـى الّذِينَ كَفَرُوا الـمَلائِكَةُ وهو ملك الـموت وله رسل، قال اللّه تعالـى: أوْ يَأْتِـيَ أمْرُ رَبّكَ ذاكم يوم القـيامة. ١٦٣٠١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أنْ تَأْتِـيَهُمُ الـمَلائِكَةُ يقول: عند الـموت حين تتوفـاهم، أو يأتـي أمر ربك ذلك يوم القـيامة. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }. يقول تعالـى ذكره: فأصاب هؤلاء الذين فعلوا من الأمـم الـماضية فعل هؤلاء الـمشركين من قريش سيئات ما عملوا يعني عقوبـات ذنوبهم ونقم معاصيه التـي اكتسبوها. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ يقول: وحلّ بهم من عذاب اللّه ما كانوا يستهزئون منه ويسخرون عند إنذارهم ذلك رُسل اللّه ، ونزل ذلك بهم دون غيرهم من أهل الإيـمان بـالله. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّه مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نّحْنُ ...}. يقول تعالـى ذكره: وقال الذين أشركوا بـاللّه فعبدوا الأوثان والأصنام من دون اللّه : ما نعبد هذه الأصنام إلا لأن اللّه قد رضي عبـادتنا هؤلاء، ولا نـحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب إلا أن اللّه شاء منا ومن آبـائنا تـحريـمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوبـاته أو بهدايته إيانا إلـى غيره من الأفعال. يقول تعالـى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الأمـم الـمشركة الذين استنّ هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، وسلكوا سبـيـلهم فـي تكذيب رسل اللّه واتبـاع أفعال آبـائهم الضلال. وقوله: فَهَلْ علـى الرّسُلِ إلاّ البَلاغُ الـمُبِـينُ يقول جلّ ثناؤه: فهل أيها القائلون لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آبـاؤنا علـى رسلنا الذين نرسلهم بـانذاركم عقوبتنا علـى كفركم، إلا البلاغ الـمبـين يقول: إلا أن تبلغكم ما أرسلنا إلـيكم من الرسالة. و يعني بقوله الـمُبِـينُ: الذي يبـين عن معناه لـمن أبلغه، ويفهمه من أرسل إلـيه. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّه وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ ...}. يقول تعالـى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس فـي كلّ أمة سلفت قبلكم رسولاً كما بعثنا فـيكم بأن اعبدوا اللّه وحده لا شريك له وأفردوا له الطاعة وأخـلصوا له العبـادة، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ويصدّكم عن سبـيـل اللّه فتضلوا. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّه يقول: فمـمن بعثنا فـيهم رسلنا من هدى اللّه ، فوفّقه لتصديق رسله والقبول منها والإيـمان بـاللّه والعمل بطاعته، ففـاز وأفلـح ونـجا من عذاب اللّه وَمِنْهُمْ مَنْ حَقّتْ عَلَـيْهِ الضّلالَةُ يقول: ومـمن بعثنا رسلنا إلـيه من الأمـم آخرون حقّت علـيهم الضلالة، فجاروا عن قصد السبـيـل، فكفروا بـاللّه وكذّبوا رسله واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم اللّه بعقابه وأنزل علـيهم بأسه الذي لا يردّ عن القوم الـمـجرمين. فَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فـانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُكَذّبِـينَ يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش: إن كنتـم أيها الناس غير مصدّقـي رسولنا فـيـما يخبركم به عن هؤلاء الأمـم الذين حلّ بهم ما حلّ من بأسنا بكفرهم بـاللّه وتكذيبهم رسوله، فسيروا فـي الأرض التـي كانوا يسكنونها والبلاد التـي كانوا يعمرونها فـانظروا إلـى آثار اللّه فـيهم وآثار سخطه النازل بهم، كيف أعقبهم تكذيبهم رسل اللّه ما أعقبهم، فإنكم ترون حقـيقة ذلك وتعلـمون به صحة الـخبر الذي يخبركم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَحْرِصْ عَلَىَ هُدَاهُمْ فَإِنّ اللّه لاَ يَهْدِي مَن يُضِلّ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: إن تـحرص يا مـحمد علـى هدى هؤلاء الـمشركين إلـى الإيـمان بـاللّه واتبـاع الـحقّ فإنّ اللّه لا يَهْدِي مَنْ يُضِلّ. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: فإنّ اللّه لا يَهْدِي مَنْ يَضِلّ بفتـح الـياء من (يهدي) ، وضمها من (يضلّ) . وقد اختلف فـي معنى ذلك قارئوه كذلك، فكان بعض نـحويـي الكوفة يزعم أن معناه: فإن اللّه من أضله لا يهتدي، وقال: العرب تقول: قد هُدي الرجل يريدون قد اهتدى، وهُدي واهتدى بـمعنى واحد. وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن اللّه لا يهدي من أضله، بـمعنى: أن من أضله اللّه فإن اللّه لا يهديه. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة والشام والبصرة: (فإنّ اللّه لاَ يُهْدَى) بضم الـياء من (يُهدى) ومن (يُضل) وفتـح الدال من (يُهدَى) بـمعنى: من أضله اللّه فلا هادي له. وهذه القراءة أولـى القراءتـين عندي بـالصواب، لأن يَهْدي بـمعنى يهتدى قلـيـل فـي كلام العرب غير مستفـيض، وأنه لا فـائدة فـي قول قائل: من أضله اللّه فلا يهديه، لأن ذلك مـما لا يجهله أحد. وإذ كان ذلك كذلك، فـالقراءة بـما كان مستفـيضا فـي كلام العرب من اللغة بـما فـيه الفـائدة العظيـمة أولـى وأحرى. فتأويـل الكلام لو كان الأمر علـى ما وصفنا: إن تـحرص يا مـحمد علـى هداهم، فإن من أضله اللّه فلا هادي له، فلا تـجهد نفسك فـي أمره وبلغه ما أرسلت به لتتـمّ علـيه الـحجة. وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من اللّه إذا أراد عقوبتهم، فـيحول بـين اللّه وبـين ما أراد من عقوبتهم. وفـي قوله: إنْ تَـحْرِصْ لغتان: فمن العرب من يقول: حَرَصَ يَحْرِصُ بفتـح الراء فـي فعَل وكسرها فـي يفعل. وحَرِصَ يَحْرَصُ بكسر الراء فـي فعِل وفتـحها فـي يفعَل. والقراءة علـى الفتـح فـي الـماضي والكسر فـي الـمستقبل، وهي لغة أهل الـحجاز. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَأَقْسَمُواْ بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّه مَن يَمُوتُ بَلَىَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـَكِنّ أَكْثَرَ الْنّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وحلف هؤلاء الـمشركون من قريش بـاللّه جَهْد أيْـمانِهِمْ حلفهم، لا يبعث اللّه من يـموت بعد مـماته، وكذبوا وأبطلوا فـي أيـمانهم التـي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه اللّه بعد مـماته، وعدا علـيه أن يبعثهم وعد عبـاده، واللّه لا يخـلف الـميعاد. ولَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلـمون وعد اللّه عبـاده أنه بـاعثهم يوم القـيامة بعد مـماتهم أحياء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٠٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ تكذيبـا بأمر اللّه أو بأمرنا، فإن الناس صاروا فـي البعث فريقـين: مكذّب ومصدّق. ذُكر لنا أن رجلاً قال لابن عبـاس : إن ناسا بهذا العراق يزعمون أن علـيّا مبعوث قبل يوم القـيامة، ويتأوّلون هذه الاَية فقال ابن عبـاس : كذب أولئك، إنـما هذه الاَية للناس عامّة، ولعمري لو كان علـيّ مبعوثا قبل يوم القـيامة ما أنكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه ١٦٣٠٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عبـاس : إن رجالاً يقولون: إن علـيّا مبعوث قبل يوم القـيامة، ويتأوّلون: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ قال: لو كنا نعلـم أن علـيّا مبعوث، ما تزوّجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، ولكن هذه للناس عامة. ١٦٣٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ قال: حلف رجل من أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عند رجل من الـمكذّبـين، فقال: والذي يرسل الروح من بعد الـموت فقال: وإنك لتزعم أنك مبعوث من بعد الـموت؟ وأقسم بـاللّه جهد يـمينه لا يبعث اللّه من يـموت. ١٦٣٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: كان لرجل من الـمسلـمين علـى رجل من الـمشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فـيـما تكلـم به: والذي أرجوه بعد الـموت إنه لكذا فقال الـمشرك: إنك تزعم أنك تُبعث بعد الـموت؟ فأقسم بـاللّه جهد يـمينه لا يبعث اللّه من يـموت فأنزل اللّه : وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ. ١٦٣٠٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن عطاء بن أبـي ربـاح أنه أخبره أنه سمع أبـا هريرة يقول: (قال اللّه : سبنـي ابن آدم، ولـم يكن ينبغي له أن يسبنـي، وكذّبنـي ولـم يكن ينبغي له أن يكذّبنـي فأما تكذيبه إياي فقال: وأقْسَمُوا بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّه مَنْ يَـمُوتُ قال: قلت: بَلـى وَعْدا عَلَـيْهِ حَقّا. وأما سَبّه إياي فقال: إنّ اللّه ثالثُ ثَلاثَةٍ، وقلت: قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ اللّه الصّمَدُ لَـمْ يَـلِدْ ولَـمْ يُولَدْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ) . ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى{لِيُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ }. يقول تعالـى ذكره: بل لَـيبعثنّ اللّه من يـموت وعدا علـيه حقّا، لـيبـين لهؤلاء الذين يزعمون أن اللّه لا يبعث من يـموت ولغيرهم الذي يختلفون فـيه من إحياء اللّه خـلقه بعد فنائهم، ولـيعلـم الذين جحدوا صحة ذلك وأنكروا حقـيقته أنهم كانوا كاذبـين فـي قـيـلهم لا يبعث اللّه من يـموت. كما: ١٦٣٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لِـيُبَـيّنَ لَهُمُ الّذِي يَخْتَلِفُونَ فِـيهِ قال: للناس عامّة. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِنّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. يقول تعالـى ذكره: إنا إذا أردنا أن نبعث من يـموت فلا تعب علـينا ولا نصب فـي إحيائناهم، ولا فـي غير ذلك مـما نـخـلق ونكوّن ونـحدث لأنا إذا أردنا خـلقه وإنشاءه فإنـما نقول له كن فـيكون، لا معاناة فـيه ولا كُلفة علـينا. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: (يكون) فقرأه أكثر قرّاء الـحجاز والعراق علـى الابتداء، وعلـى أن قوله: إنّـمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ كلام تامّ مكتف بنفسه عما بعده، ثم يبتدأ فـيقال: (فـيكونُ) ، كما قال الشاعر: (يُريدُ أنْ يُعْرِبَهُ فـيعجِمُهْ ) وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشام وبعض الـمتأخرين من قرّاء الكوفـيـين: (فَـيَكُونَ) نصبـا، عطفـا علـى قوله: أنْ نَقُولَ لَهُ. وكأن معنى الكلام علـى مذهبهم: ما قولنا لشيء إذا أردناه إلاّ أن نقول له: كن، فـيكون. وقد حُكي عن العرب سماعا: أريد أن آتـيك فـيَـمْنَعَنـي الـمطر، عطفـا ب (يَـمْنَعَنـي) علـى (آتـيك) . ٤١وقوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فـي اللّه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً يقول تعالـى ذكره: والذين فـارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم عداوة لهم فـي اللّه علـى كفرهم إلـى آخرين غيرهم. مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا يقول: من بعد ما نـيـل منهم فـي أنفسهم بـالـمكاره فـي ذات اللّه . لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً يقول: لنسكننهم فـي الدنـيا مسكنا يرضونه صالـحا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ قال: هؤلاء أصحاب مـحمد ظلـمهم أهل مكة، فأخرجوهم من ديارهم حتـى لـحق طوائف منهم بـالـحبشة، ثم بوأهم اللّه الـمدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من الـمؤمنـين. ١٦٣٠٩ـ حُدثت عن القاسم بن سلام، قال: حدثنا هشيـم، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: الـمدينة. ١٦٣١٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَالّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً قال: هم قوم هاجروا إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلـمهم، وظَلَـمَهُم الـمشركون. وقال آخرون: عنى ب قوله: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً لنرزقنهم فـي الدنـيا رزقا حسنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٣١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدلَنُبَوّئَنّهُمْ لنرزقنهم فـي الدنـيا رزقا حسنا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٣١٢ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن العوامّ، عمن حدثه أن عمر بن الـخطاب كان إذا أعطى الرجل من الـمهاجرين عطاءه يقول: خذ بـارك اللّه لك فـيه، هذا ما وعدك اللّه فـي الدنـيا، وما ذخره لك فـي الاَخرة أفضل. ثم تلا هذه الاَية: لَنُبَوّئَنّهُمْ فِـي الدّنْـيا حَسَنَةً ولأَجْرُ الاَخرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى لَنُبَوّئَنّهُمْ: لنـحلنهم ولنسكننهم، لأن التبوأ فـي كلام العرب الـحلول بـالـمكان والنزول به. ومنه قول اللّه تعالـى: وَلَقَدْ بَوّأْنا بَنـي إسْرَائيـلَ مُبَوّأَ صدْق. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت فـي أبـي جندل بن سهيـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن داود بن أبـي هند، قال: نزلت والّذِينَ هاجَرُوا فِـي اللّه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا... إلـى قوله: وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ فـي أبـي جندل بن سهيـل. وقوله: وَلأَجْرُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ يقول: ولثواب اللّه إياهم علـى هجرتهم فـيه فـي الاَخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هنالك الـجنة التـي يدوم نعيـمها ولا يبـيد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال اللّه : وَلأَجْرُ الاَخرَةِ أكْبَرُ أي واللّه لـما يثـيبهم اللّه علـيه من جنته أكبر لَوْ كانُوا يَعْلَـمُونَ. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى{الّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم، وآتـيناهم الثواب الذي ذكرناه، الذين صبروا فـي اللّه علـى ما نابهم فـي الدنـيا. وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: وبـاللّه يثقون فـي أمورهم، وإلـيه يستندون فـي نوائب الأمور التـي تنوبهم. ٤٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وما أرسلنا من قبلك يا مـحمد إلـى أمة من الأمـم، للدعاء إلـى توحيدنا والانتهاء إلـى أمرنا ونهينا، إلاّ رجالاً من بنـي آدم نوحي إلـيهم وحينا لا ملائكة، يقول: فلـم نرسل إلـى قومك إلاّ مثل الذي كنا نرسل إلـى من قَبلهم من الأمـم من جنسهم وعلـى منهاجهم. فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ يقول لـمشركي قريش: وإن كنتـم لا تعلـمون أن الذين كنا نرسل إلـى من قبلكم من الأمـم رجال من بنـي آدم مثل مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وقلتـم هم ملائكة أي ظننتـم أن اللّه كلـمهم قبلاً، فـاسْئَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ وهم الذين قد قرءوا الكتب من قبلهم: التوراة والإنـجيـل، وغير ذلك من كتب اللّه التـي أنزلها علـى عبـاده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣١٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن مـجاهد: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ قال: أهل التوراة. ١٦٣١٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن سفـيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ قال: سمعنا أنه من أسلـم من أهل التوراة والإنـجيـل. ١٦٣١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: هم أهل الكتاب. ١٦٣١٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس : فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: قال لـمشركي قريش: إن مـحمدا فـي التوراة والإنـجيـل. ١٦٣١٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك عن ابن عبـاس ، قال: لـما بعث اللّه مـحمدا رسولاً، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل مـحمد. قال: فأنزل اللّه : أكانَ للنّاسِ عَجَبـا أنْ أوْحَيْنا إلـى رَجُلٍ مِنْهُمْ وقال: وَما أرْسلنَا مِنْ قبلكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيهِمْ فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ بـالبـيّناتِ والزّبُرِ فـاسئلوا أهل الذكر: يعني أهل الكتب الـماضية، أبشرا كانت الرسل التـي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتـم، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون مـحمد رسولاً. قال: ثم قال: وما أرْسَلْنَا منْ قَبْلك إلاّ رِجَالاً نُوحي إلـيهم مِنْ أهْلِ القُرَى أي لـيسوا من أهل السماء كما قلتـم. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٦٣٢٠ـ حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: نـحن أهل الذكر. ١٦٣٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ قال: الذكر: القرآن. وقرأ: إنّا نَـحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وإنّا لَهُ لَـحافظُونَ، وقرأ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بـالذّكْرِ لَـمّا جاءَهُمْ... الاَية. ٤٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: أرسلنا بـالبـينات والزّبُر رجالاً نوحي إلـيهم. فإن قال قائل: وكيف قـيـل بـالبـينات والزّبُر؟ وما الـجالب لهذه البـاء فـي قوله بـالبَـيّناتِ فإن قلت: جالبها قوله أرْسَلْنَا وَهي من صلته، فهل يجوز أن تكون صلة (ما) قبل (إلاّ) بَعدها؟ وإن قلت: جالبها غير ذلك، فما هو؟ وأين الفعل الذي جلبها؟ قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعضهم: البـاء التـي فـي قوله: (بـالبَـيّناتِ) من صلة (أرسلنا) ، وقال: (إلاّ) فـي هذا الـموضع، ومع الـجحد والاستفهام فـي كلّ موضع بـمعنى (غير) . وقال: معنى الكلام: وما أرسلنا من قبلك بـالبـينات والزبر غير رجال نوحي إلـيهم، ويقول علـى ذلك: ما ضرب إلاّ أخوك زيدا، وهل كلـم إلاّ أخوك عمرا، بـمعنى: ما ضرب زيدا غير أخيك، وهل كلـم عمرا إلاّ أخوك؟ ويحتـجّ فـي ذلك بقول أوْس بن حَجَر: أبَنِـي لُبَـيْنَى لَسْتُـمُ بِـيَدٍإلا يَدٍ لَـيْسَتْ لَهَا عَضُدُ و يقول: لو كانت (إلا) بغير معنى لفسد الكلام، لأن الذي خفض البـاء قبل (إلا) لا يقدر علـى إعادته بعد (إلا) لـخفض الـيد الثانـية، ولكن معنى (إلا) معنى (غير) . ويستشهد أيضا بقول اللّه عزّ وجلّ: لَوْ كانَ فِـيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّه و يقول: (إلا) بـمعنى (غير) فـي هذا الـموضع. وكان غيره يقول: إنـما هذا علـى كلامين، يريد: وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً أرسلنا بـالبـينات والزبر. قال: وكذلك قول القائل: ما ضرب إلا أخوك زيدا معناه: ما ضرب إلا أخوك، ثم يبتدىء ضرب زيدا، وكذلك ما مَرّ إلا أخوك بزيد ما مرّ إلا أخوك، ثم يقول: مرّ بزيد ويستشهد علـى ذلك ببـيت الأعشى: ولَـيْسَ مُـجِيرا إنْ أتَـى الـحَيّ خائِفٌوَلا قائِلاً إلاّ هُوَ الـمُتَعَيّبـا و يقول: لو كان ذلك علـى كلـمة لكان خطأ، لأن (الـمُتَعَيّبـا) من صلة القائل، ولكن جاز ذلك علـى كلامين. وكذلك قول الاَخر: نُبّئْتُهُمْ عَذّبُوا بـالنّارِ جارَهُمُوَهَلْ يُعَذّبُ إلاّ اللّه بـالنّارِ فتأويـل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إلـيهم أرسلناهم بـالبـينات والزبر، وأنزلنا إلـيك الذكر. والبـينات: هي الأدلة والـحجج التـي أعطاها اللّه رسله أدلة علـى نبوّتهم شاهدة لهم علـى حقـيقة ما أتوا به إلـيهم من عند اللّه . والزّبُر: هي الكتب، وهي جمع زَبُور، من زَبَرْت الكتاب وذَبَرته: إذا كتبته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : بـالبَـيّناتِ والزّبُرِ قال: الزبر: الكتب. ١٦٣٢٣ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بـالبَـيّناتِ والزّبُرِ قال: الاَيات. والزبر: الكتب. ١٦٣٢٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الزّبُر: الكُتُب. ١٦٣٢٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالزّبُرِ يعني : بـالكتب. وقوله: وأنْزَلْنا إلَـيْكَ الذّكْرَ يقول: وأنزلنا إلـيك يا مـحمد هذا القرآن تذكيرا للناس وعظة لهم. لِتُبَـيّنَ للنّاسِ يقول: لتعرفهم ما أنزل إلـيهم من ذلك. وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ يقول: ولـيتذكروا فـيه ويعتبروا به أي بـما أنزلنا إلـيك. وقد: ١٦٣٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا الثوري، قال: قال مـجاهد: وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ قال: يطيعون. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{أَفَأَمِنَ الّذِينَ مَكَرُواْ السّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّه بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: أفأمن الذين ظلـموا الـمؤمنـين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فراموا أن يفتنوهم عن دينهم من مشركي قريش الذين قالوا إذ قـيـل لهم ماذا أنزل ربكم: أساطير الأوّلـين، صدّا منهم لـمن أراد الإيـمان بـاللّه عن قصد السبـيـل، أن يخسف اللّه بهم الأرض علـى كفرهم وشركهم، أو يأتـيهم عذاب اللّه من مكان لا يشعر به ولا يدري من أين يأتـيه؟ وكان مـجاهد يقول: عنى بذلك نـمرود بن كنعان. ١٦٣٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: أفَأمِنَ الّذِينَ مَكَرُوا السّيّئاتِ أنْ يَخْسِفَ اللّه بِهِمُ الأرْضَ... إلـى قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ قال: هو نـمرود بن كنعان وقومه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وإنـما اخترنا القول الذي قلناه فـي تأويـل ذلك، لأن ذلك تهديد من اللّه أهل الشرك به، وهو عقـيب قوله: وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَـيْهِمْ فَـاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ إنْ كُنْتُـمْ لا تَعلَـمونَ فكان تهديد من لـم يقرّ بحجة اللّه الذي جرى الكلام بخطابه قبل ذلك أحرى من الـخبر عمن انقطع ذكره عنه. وكان قتادة يقول فـي معنى السيئات فـي هذا الـموضع، ما: ١٦٣٢٨ـ حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفَأمنَ الّذِينَ مَكَرُوا السّيّئاتِ: أي الشرك. ٤٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ أو يهلكهم فـي تصرّفهم فـي البلاد وتردّدهم فـي أسفـارهم. فمَا هُمْ بِـمعجِزِين يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون اللّه من ذلك إن أراد أخذهم كذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٢٩ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ يقول: فـي اختلافهم. ١٦٣٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ قال: إنْ شئت أخذته فـي سفر. ١٦٣٣١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فـي أسفـارهم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقال ابن جريج فـي ذلك ما: ١٦٣٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ قال: التقلب: أن يأخذهم بـاللـيـل والنهار. ٤٧وأما قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فإنه يعني : أو يهلكهم بتـخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتـى يهلك جميعهم، يقال منه: تـخوّف مال فلان الإنفـاق: إذا انتقصه، ونـحو تـخوّفه من التـخوّف بـمعنى التنقص، وقول الشاعر: تَـخَوّفَ السّيْرُ مِنْها تامِكا قَرِداكما تَـخَوّفَ عُودَ النّبْعَةِ السّفَنُ يعني ب قوله: تـخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عديّ أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم ومنه قول الاَخر: تَـخَوّفَ عَدْوُهُمْ مالـي وأهْدَىسَلاسِل فـي الـحُلُوقِ لَهَا صَلِـيـلُ وكان الفرّاء يقول: العرب تقول: تـحوّفته: أي تنقصته، تـحوّفـا: أي أخذته من حافـاته وأطرافه، قال: فهذا الذي سمعته، وقد أتـى التفسير بـالـحاء وهما بـمعنى. قال: ومثله ما قرىء بوجهين قوله: إن لكَ فـي النّهارِ سَبْحا و (سَبْخا) . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٣٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الـمسعودي، عن إبراهيـم بن عامر بن مسعود، عن رجل، عن عُمَر أنه سألهم عن هذه الاَية: أوْ يَأْخُذَهُمْ فِـي تَقَلّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِـمُعْجِزِينَ أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فقالوا: ما نرى إلاّ أنه عند تنقص ما يردّده من الاَيات، فقال عمر: ما أرى إلاّ أنه علـى ما تنتقصون من معاصي اللّه . قال: فخرج رجل مـمن كان عند عمر، فلقـى أعرابـيّا، فقال: يا فلان ما فعل ربك؟ قال: قد تَـخَيفته، يعني تنقصته. قال: فرجع إلـى عمر فأخبره، فقال: قدّر اللّه ذلك. ١٦٣٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخُوّفٍ يقول: إن شئت أخذته علـى أثر موت صاحبه وتـخوّف بذلك. ١٦٣٣٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس : علـى تَـخَوّفٍ قال: التنقص والتفزيع. ١٦٣٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ علـى تنقص. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: علـى تَـخَوّفٍ قال: تنقص. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٦٣٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أو يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ فـيعاقب أو يتـجاوز. ١٦٣٣٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ قال: كان يقال: التـخوّف: التنقّص، ينتقصهم من البلدان من الأطراف. ١٦٣٣٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ يَأْخُذَهُمْ علـى تَـخَوّفٍ يعني : يأخذ العذاب طائفة ويترك أخرى، ويعذّب القرية ويهلكها، ويترك أخرى إلـى جنبها. وقوله: فإنّ رَبّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيـمٌ يقول: فإن ربكم إن لـم يأخذ هؤلاء الذين مكروا السيئات بعذاب معجّل لهم، وأخذهم بـموت وتنقص بعضهم فـي أثر بعض، لرءوف بخـلقه، رحيـم بهم، ومن رأفته ورحمته بهم لـم يخسف بهم الأرض، ولـم يعجّل لهم العذاب، ولكن يخوّفهم وينقّصهم بـموت. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىَ مَا خَلَقَ اللّه مِن شَيْءٍ يَتَفَيّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشّمَآئِلِ سُجّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }. اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة: أو لَـمْ يَرَوْا بـالـياء علـى الـخبر عن الذين مكروا السيئات. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفـيـين: (أو لَـمْ تَرَوا) بـالتاء علـى الـخطاب. وأولـى القراءتـين عندي الصواب قراءة من قرأ بـالـياء علـى وجه الـخبر عن الذين مكروا السيئات لأن ذلك فـي سياق قَصَصِهم والـخبر عنهم، ثم عقب ذلك الـخبر عن ذهابهم عن حجة اللّه علـيهم وتركهم النظر فـي أدلته والاعتبـار بها. فتأويـل الكلام إذن: أو لـم ير هؤلاء الذين مكروا السيئات إلـى ما خـلق اللّه من جسم قائم شجر أو جبل أو غير ذلك يَتَفَـيّأُ ظِلالَهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشّمَائِلِ يقول: يرجع من موضع إلـى موضع، فهو فـي أوّل النهار علـى حال، ثم يتقلّص، ثم يعود إلـى حال أخرى فـي آخر النهار. وكان جماعة من أهل التأويـل يقولون فـي الـيـمين والشمائل ما: ١٦٣٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّه مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ عَنِ الـيَـمِينِ والشمائِلِ سُجّدا لِلّهِ أما الـيـمين: فأوّل النهار وأما الشمال: فآخر النهار. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنـحوه. ١٦٣٤١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: يَتَفَـيّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشّمائِلِ قال: الغدوّ والاَصال، إذا فـاءت الظّلال ظلال كلّ شيء بـالغدوّ سجدت لله، وإذا فـاءت بـالعشيّ سجدت لله. ١٦٣٤٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَتَفَـيّأُ ظِلالُه عَنِ الـيَـمِينِ والشّمائِلِ يعني : بـالغدوّ والاَصال، تسجد الظلال لله غدوة إلـى أن يفـىء الظلّ، ثم تسجد لله إلـى اللـيـل، يعني : ظلّ كلّ شيء. وكان ابن عبـاس يقول فـي قوله يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ ما: ١٦٣٤٣ـ حدثنا الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ يقول: تتـميـل. واختلف فـي معنى قوله: سُجّدا لِلّهِ فقال بعضهم: ظلّ كلّ شيء سجوده. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: ظلّ كلّ شيء سجوده. ١٦٣٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق الرازيّ، عن أبـي سنان، عن ثابت عن الضحاك : يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: سجد ظلّ الـمؤمن طوعا، وظلّ الكافر كَرْها. وقال آخرون: بل عنى بقوله يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ كلاّ عن الـيـمين والشمائل فـي حال سجودها، قالوا: وسجود الأشياء غير ظلالها. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٤٦ـ حدثنا ابن حميد وحدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوديّ، قالا: حدثنا حَكّام، عن أبـي سنان، عن ثابت عن الضحاك ، فـي قول اللّه : أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّه مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: إذا فـاء الفـيء توجه كلّ شيء ساجدا قبَل القبلة من نبت أو شجر، قال: فكانوا يستـحبون الصلاة عند ذلك. ١٦٣٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحِمّانـيّ، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد فـي قول اللّه :يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ قال: إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عزّ وجلّ. وقال آخرون: بل الذي وصف اللّه بـالسجود فـي هذه الاَية ظلال الأشياء، فإنـما يسجد ظلالها دون التـي لها الظلال. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّه مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيأُ ظِلالُهُ قال: هو سجود الظلال، ظلال كلّ شيء ما فـي السموات وما فـي الأرض من دابة، قال: سجود ظلال الدوابّ، وظلال كلّ شيء. ١٦٣٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أو لَـمْ يَرَوْا إلـى ما خَـلَقَ اللّه مِنْ شَيْءٍ يَتَفَـيّأُ ظِلالُهُ ما خـلق من كلّ شيء عن يـمينه وشمائله، فلفظ ما لفظ عن الـيـمين والشمائل، قال: ألـم تر أنك إذا صلـيت الفجر كان ما بـين مطلع الشمس إل مغربها ظلاّ؟ ثم بعث اللّه علـيه الشمس دلـيلاً، وقبض اللّه الظلّ. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه أخبر فـي هذه الاَية أن ظلال الأشياء هي التـي تسجد، وسجودها: مَيَلانها ودورانها من جانب إلـى جانب وناحية إلـى ناحية، كما قال ابن عبـاس يقال من ذلك: سجدت النـخـلة إذا مالت، وسجد البعير وأسجد: إذا أميـل للركوب. وقد بـيّنا معنى السجود فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته. وقوله: وَهُمْ دَاخرُونَ يعني : وهم صاغرون، يقال منه: دخر فلان لله يدخر دخرا ودخورا: إذا ذلّ له وخضع ومنه قول ذي الرّمّة: فَلَـمْ يَبْقَ إلاّ داخِرٌ فِـي مُخَيّسٍومُنْـجَحِرٌ فِـي غيرِ أرْضِكَ فـي جُحْرِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَهُمْ دَاخِرُونَ: صاغرون. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٣٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَهُمْ دَاخِرُونَ: أي صاغرون. ١٦٣٥٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة مثله. وأما توحيد الـيـمين فـي قوله: عَنِ الـيَـمِينِ و (الشّمائِلِ) فجمعها، فإن ذلك إنـما جاء كذلك، لأن معنى الكلام: أو لـم يروا إلـى ما خـلق اللّه من شيء يتفـيأ ظلال ما خـلق من شيء عن يـمينه: أي ما خـلق، وشمائله. فلفظ (ما) لفظ واحد، ومعناه معنى الـجمع، فقال: (عن الـيـمين) بـمعنى: عن يـمين ما خـلق، ثم رجع إلـى معناه فـي الشمائل. وكان بعض أهل العربـية يقول: إنـما تفعل العرب ذلك، لأن أكثر الكلام مواجهة الواحد الواحد، فـيقال للرجل: خذ عن يـمينك، قال: فكأنه إذا وحد ذهب إلـى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مساءلة فـيه واستشهد لفعل العرب ذلك بقول الشاعر: بِفـي الشّامِتِـينَ الصّخْرُ إنْ كانَ هَدّنِـيرَزِيّةُ شِبْلَـيْ مُخْدِرٍ فـي الضّراغمِ فقال: (بِفـي الشامتـين) ، ولـم يقل: بأفواه وقول الاَخر: الوَارِدُونَ وتَـيْـمٌ فِـي ذَرَا سَبإٍقد عَضّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الـجَوَامِيسِ ولـم يقل: جلود. ٤٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولله يخضع ويستسلـم لأمره ما فـي السموات وما فـي الأرض من دابّة يدبّ علـيها، والـملائكة التـي فـي السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بـالطاعة. وَالّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ قُلُوبهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وظلالهم تتفـيأ عن الـيـمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون. وكان بعض نـحويّـي البصرة يقول: اجتزىء بذكر الواحد من الدوابّ عن ذكر الـجميع. وإنـما معنى الكلام: ولله يسجد ما فـي السموات وما فـي الأرض من الدوابّ والـملائكة، كما يقال: ما أتانـي من رجل، بـمعنى: ما أتانـي من الرجال. وكان بعض نـحويّـي الكوفة يقول: إنـما قـيـل: من دابة، لأن (ما) وإن كانت قد تكون علـى مذهب الذي، فإنها غير مؤقتة، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الـجزاء، والـجزاء يدخـل من فـيـما جاء من اسم بعده من النكرة، فـيقال: من ضربه من رجل فـاضربوه، ولا تسقط (مِن) مِن هذا الـموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالاً ل (من) و (ما) ، فجعلوه بـمن لـيدلّ علـى أنه تفسير لـما ومن لأنهما غير موقتتـين، فكان دخول من فـيـما بعدهما تفسيرا لـمعناهما، وكان دخول من أدلّ علـى ما لـم يوقت من من وما، فلذلك لـم تلغيا. ٥٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى{يَخَافُونَ رَبّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: يخاف هؤلاء الـملائكة التـي فـي السموات وما فـي الأرض من دابة، ربّهم من فوقهم، أن بعذّبهم إن عَصَوا أمره. ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يقول: ويفعلون ما أمرهم اللّه به، فـيؤدّون حقوقه ويجتنبون سُخْطه. ٥١القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَقَالَ اللّه لاَ تَتّخِذُواْ إِلـَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنّمَا هُوَ إِلـَهٌ وَاحِدٌ فَإيّايَ فَارْهَبُونِ }. يقول تعالـى ذكره: وقال اللّه لعبـاده: لا تتـخذوا لـي شريكا أيها الناس، ولا تعبدوا معبودَين، فإنكم إذا عبدتـم معنـي غيري جعلتـم لـي شريكا، ولا شريك لـي، إنـما هو إله واحد ومعبود واحد، وأنا ذلك. فإيّايَ فـارْهَبُونِ يقول: فإياي فـاتقوا وخافوا عقابـي بـمعصيتكم إياي إن عصيتـمونـي وعبدتـم غيري، أو أشركتـم فـي عبـادتكم لـي شريكا. ٥٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلَهُ مَا فِي الْسّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّه تَتّقُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولله ملك ما فـي السموات والأرض من شيء، لا شريك له فـي شيء من ذلك، هو الذي خـلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبـيده حياتهم وموتهم. وقوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا يقول جلّ ثناؤه: وله الطاعة والإخلاص دائما ثابتا واجبـا، يقال منه: وَصَبَ الدّينُ يَصِبُ وُصُوبـا ووَصْبـا كما قال الدّيِـلـيّ: لا أبْتَغِي الـحَمْدَ القَلِـيـلَ بَقاؤُهُيَوْما بِذَمّ الدّهْرِ أجمَعَ وَاصِبـا ومنه قول اللّه :ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ وقول حسان: غَيّرَتْهُ الرّيحُ تَسْفِـي بِهِوهَزِيـمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ فأما من الألـم، فإنـما يقال: وصب الرجل يُوصَبُ وَصَبـا، وذلك إذا أعيا وملّ ومنه قول الشاعر: لا يغْمِزُ السّاقَ مِنْ أيْنٍ ولا وَصَبٍولا يعَضّ علـى شُرْسُوفِهِ الصّفَرُ وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن الأغرّ بن الصبـاح، عن خـلـيفة بن حصين عن أبـي نضرة، عن ابن عبـاس : وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما. ١٦٣٥٤ـ حدثنـي إسماعيـل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبـي حصين، عن عكرمة، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن يعلـى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائما. ١٦٣٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال أخبرنا: إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما. حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: ولَه الدّين وَاصبـا قال: دائما. ١٦٣٥٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هُشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله. ١٦٣٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا: أي دائما، فإن اللّه تبـارك وتعالـى لـم يدع شيئا من خـلقه إلاّ عبده طائعا أو كارها. ١٦٣٥٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَاصِبـا قال: دائما، ألا ترى أنه يقول: عَذَابٌ وَاصِبٌ: أي دائم؟ ١٦٣٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: دائما، والواصب: الدائم. وقال آخرون: الواصب فـي هذا الـموضع: الواجب. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٦٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، عن قـيس، عن يَعْلَـى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: واجبـا. وكان مـجاهد يقول: معنى الدين فـي هذا الـموضع: الإخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته. ١٦٣٦١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـا قال: الإخلاص. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الدّينُ: الإخلاص. وقوله: أفَغَيْرَ اللّه تَتّقُونَ يقول تعالـى ذكره: أفغير اللّه أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتـحذرون أن يسلبكم نعمة اللّه علـيكم بإخلاصكم العبـادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه. ٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللّه ثُمّ إِذَا مَسّكُمُ الضّرّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }. اختلف أهل العربـية فـي وجه دخول الفـاء فـي قوله: فَمِنَ اللّه فقال بعض البصريـين: دخـلت الفـاء، لأن (ما) بـمنزلة (من) فجعل الـخبر بـالفـاء. وقال بعض الكوفـيـين: (ما) فـي معنى جزاء، ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن اللّه ، لأن الـجزاء لا بدّ له من فعل مـجزوم، إن ظهر فهو جزم، وإن لـم يظهر فهو مضمر كما قال الشاعر: إن العَقْلُ فـي أموَالِنا لا نَضِقْ بِهِذِرَاعا وَإنْ صَبْرا فنَعْرِفُ للصّبْرِ وقال: أراد: إن يكن العقل فأضمره. قال: وإن جعلت (ما بكم) فـي معنى (الذي) جاز، وجعلت صلته (بكم) و (ما) فـي موضع رفع ب قوله: فَمِنَ اللّه وأدخـل الفـاء كما قال: إنّ الـمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فإنّه مُلاقِـيكُمْ وكل اسم وصل مثل (من) و (ما) و (الذي) ، فقد يجوز دخول الفـاء فـي خبره لأنه مضارع للـجزاء والـجزاء قد يجاب بـالفـاء، ولا يجوز أخوك فهو قائم، لأنه اسم غير موصول، وكذلك تقول: مالك لـي، فإن قلت: مالك، جاز أن تقول: مالك فهو لـي، وإن ألقـيت الفـاء فصواب. وتأويـل الكلام: ما يكن بكم فـي أبدانكم أيها الناس من عافـية وصحة وسلامة وفـي أموالكم من نـماء، فـاللّه الـمنعم علـيكم بذلك لا غيره، لأن ذلك إلـيه وبـيده. ثُمّ إذَا مَسّكُمُ الضّرّ يقول: إذا أصابكم فـي أبدانكم سَقَم ومرض وعلة عارضة وشدّة من عيش، فإلَـيْهِ تَـجْأَرُونَ يقول: فإلـى اللّه تصرخون بـالدعاء وتستغيثون به، لـيكشف ذلك عنكم. وأصله: من جؤار الثور، يقال منه: جأر الثور يجأر جُؤارا، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ومنه قول الأعشى: وَما أيْبُلِـيّ عَلـى هَيْكَلٍبَناهُ وَصَلّبَ فِـيهِ وصَارَا يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الـمَلِـيكِ طَوْرا سُجُودا وَطَوْرا جُؤَارا يعني بـالـجؤار: الصياح، إما بـالدعاء وإما بـالقراءة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: فإلَـيْهِ تَـجأَرُونَ قال: تضرعون دعاء. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٣٦٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، رضي اللّه عنهما، قال: الضّرّ: السّقْم. ٥٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{ثُمّ إِذَا كَشَفَ الضّرّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافـية، ورفع عنكم ما أصابكم من الـمرض فـي أبدانكم ومن الشدّة فـي معاشكم، وفرّج البلاء عنكم إذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ يقول: إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا فـي عبـادتهم، فـيعبدون الأوثان ويذبحون لها الذبـائح شكرا لغير من أنعم علـيهم بـالفرج مـما كانوا فـيه من الضرّ. ٥٥لـيَكْفُرُوا بِـمَا آتَـيْناهُمْ يقول: لـيجحدوا اللّه نعمته فـيـما آتاهم من كشف الضرّ عنهم. فَتَـمَتّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ، وهذا من اللّه وعيد لهؤلاء الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات وتهديد لهم، يقول لهم جلّ ثناؤه: تـمتعوا فـي هذه الـحياة الدنـيا إلـى أن توافـيكم آجالكم، وتبلغوا الـميقات الذي وقته لـحياتكم وتـمتعكم فـيها، فإنكم من ذلك ستصيرون إلـى ربكم، فتعلـمون بلقائه وبـال ما كسبت أيديكم، وتعرفون سوء مغبة أمركم، وتندمون حين لا ينفعكم الندم. ٥٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّه لَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ويجعل هؤلاء الـمشركون من عَبَدة الأوثان، لـما لا يعلـمون منه ضرّا ولا نفعا نَصِيبـا يقول: حظّا وجزاء مـما رزقناهم من الأموال، إشراكا منهم له الذي يعلـمون أنه خـلقهم، وهو الذي ينفعهم ويضرّهم دون غيره. كالذي: ١٦٣٦٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رزَقْناهُمْ قال: يعلـمون أن اللّه خـلقهم ويضرّهم وينفعهم، ثم يجعلون لـما لا يعلـمون أنه يضرّهم ولا ينفعهم نصيبـا مـما رزقناهم. ١٦٣٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رَزَقْناهُمْ وهم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم نصيبـا مـما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم. ١٦٣٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رزَقْناهُمْ قال: جعلوا لاَلهتهم التـي لـيس لها نصيب ولا شيء، جعلوا لها نصيبـا مـما قال اللّه من الـحرث والأنعام، يسمون علـيها أسماءها ويذبحون لها. وقوله: تاللّه لَتُسْئَلُنّ عَمّا كُنْتُـمْ تَفْتَرُونَ يقول تعالـى ذكره: واللّه أيها الـمشركون الـجاعلون الاَلهة والأنداد نصيبـا فـيـما رزقناكم شركا بـاللّه وكفرا، لـيسألنكم اللّه يوم القـيامة عما كنتـم فـي الدنـيا تفترون، يعني : تـختلقون من البـاطل والإفك علـى اللّه بدعواكم له شريكا، وتصيـيركم لأوثانكم فـيـما رزقكم نصيبـا، ثم لـيعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نعمه وافترائكم علـيه. ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مّا يَشْتَهُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن جهل هؤلاء الـمشركين وخُبث فعلهم وقبح فِرْيتهم علـى ربهم، أنهم يجعلون لـمن خـلقهم ودبّرهم وأنعم علـيهم، فـاستوجب بنعمه علـيهم الشكر، واستـحقّ علـيهم الـحمد البَنَاتِ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه، نزّه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إلـيه ونسبوه من البنات، فلـم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إلـيه ما لا ينبغي إضافته إلـيه. ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إلـيه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها، ولكنهم أضافوا إلـيه ما يكرهونه لأنفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم. وفـي (ما) التـي فـي قوله: ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ وجهان من العربـية: النصب عطفـا لها علـى (البنات) ، فـيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك: ويجعلون لله البنات ولهم البنـين الذين يشتهون، فتكون (ما) للبنـين، والرفع علـى أن الكلام مبتدأ من قوله: ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فـيكون معنى الكلام: ويجعلون لله البنات ولهم البنون. ٥٨وقوله: وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا يقول: وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إلـيه من ذلك له، ظلّ وجهه مسودّا من كراهته له وَهُوَ كَظِيـمٌ يقول قد كَظَم الـحزنَ، وامتلأ غمّا بولادته له، فهو لا يظهر ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ، ثم قال: وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ... إلـى آخر الاَية، يقول: يجعلون لله البنات ترضونهنّ لـي ولا ترضونهنّ لأنفسكم وذلك أنهم كانوا فـي الـجاهلـية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها علـى هون، أو دسها فـي التراب وهي حية. ١٦٣٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا بُشّرَ أحَدهُمْ بـالأُنْثى ظَلّ وَجْهَهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ وهذا صنـيع مشركي العرب، أخبرهم اللّه تعالـى ذكره بخبث صنـيعهم فأما الـمؤمن فهو حقـيق أن يرضى بـما قسم اللّه له، وقضاء اللّه خير من قضاء الـمرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام. وإنـما أخبركم اللّه بصنـيعهم لتـجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته. ١٦٣٦٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَهُوَ كَظِيـمٌ قال: حزين. ١٦٣٧٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، فـي قوله: وَهُوَ كَظِيـمٌ قال: الكظيـم: الكميد. وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع. ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَتَوَارَىَ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوَءِ مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىَ هُونٍ أَمْ يَدُسّهُ فِي التّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: يتوارى هذا الـمبشّر بولادة الأنثى من الولد له من القوم، فـيغيب عن أبصارهم مِنْ سُوءِ ما بُشّرَ بِهِ يعني : من مساءته إياه مـميلاً بـين أن يـمسكه علـى هُون: أي علـى هوان، وكذلك ذلك لغة قريش فـيـما ذكر لـي، يقولون للهوان: الهُون ومنه قول الـحطيئة: فلّـما خَشِيتُ الهُونَ والعَيْرُ مُـمْسِكٌعلـى رَغْمِهِ ما أثبتَ الـحبلَ حافِرُهْ وبعض بنـي تـميـم جعل الهُونَ مصدرا للشيء الهين. ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون: إن كنت لقلـيـل هون الـمؤنة منذ الـيوم قال: وسمعت: الهوان فـي مثل هذا الـمعنى، سمعت منهم قائلاً يقول لبعير له: ما به بأس غير هوانه، يعني خفـيف الثمن، فإذا قالوا: هو يـمشي علـى هَوْنه، لـم يقولوه إلا بفتـح الهاء، كما قال تعالـى: وَعبـادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَـمْشُونَ علـى الأرْضِ هَوْنا. أمْ يَدسّهُ فِـي التّرَابِ يقول: يدفنه حيّا فـي التراب فـيئده. كما: ١٦٣٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أيُـمْسكُهُ علـى هُونٍ أمْ يَدُسّهُ فـي التّرَابِ يئد ابنته. وقوله: ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ يقول: ألا ساء الـحكم الذي يحكم هؤلاء الـمشركون وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم، وجعلوا لـما لا ينفعهم ولا يضرّهم شركا فـيـما رزقهم اللّه ، وعبدوا من خـلقهم وأنعم علـيهم. ٦٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. وهذا خبر من اللّه جل ثناؤه أن قوله: وَإذَا بُشّرَ أحدَهُمْ بـالأنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ، والاَية التـي بعدها مثل ضربه اللّه لهؤلاء الـمشركين الذين جعلوا لله البنات، فبـين ب قوله: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ أنه مثل، وعنى بقوله جلّ ثناؤه: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ للذين لا يصدّقون بـالـمعاد والثواب والعقاب من الـمشركين مَثَلُ السّوْءِ وهو القبـيح من الـمثل، وما يسوء من ضرب له ذلك الـمثل. ولِلّهِ الـمَثَلُ الأعْلـى يقول: ولله الـمثل الأعلـى، وهو الأفضل والأطيب، والأحسن، والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٧٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلِلّهِ الـمَثَلُ الأعْلَـى قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه . ١٦٣٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سيعد، عن قتادة، قوله: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ الـمَثَلْ الأعْلَـى الإخلاص والتوحيد. وقوله: وَهُوَ العَزِيرُ الـحَكِيـمُ يقول تعالـى ذكره: واللّه ذو العزّة التـي لا يـمتنع علـيه معها عقوبة هؤلاء الـمشركين الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته علـى معصيته إياه، ولا يتعذّر علـيه شيء أراده وشاءه لأن الـخـلق خـلقه والأمر أمره، الـحكيـم فـي تدبـيره، فلا يدخـل تدبـيره خَـلَل ولا خطأ. ٦١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ ...}. يقول تعالـى ذكره: وَلَوْ يُوءَاخِذُ اللّه عصاة بنـي آدم بـمعاصيهم، ما تَرَكَ عَلَـيْها يعني علـى الأرض مِنْ دَابّةٍ تدبّ علـيها. ولَكِنْ يُوءَخّرُهُمْ يقول: ولكن بحلـمه يؤخر هؤلاء الظلـمة فلا يُعاجلهم بـالعقوبة، إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: إلـى وقتهم الذي وُقّت لهم. فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ يقول: فإذا جاء الوقت الذي وُقّت لهلاكهم، لا يَسْتَأْخِرُونَ عن الهلاك ساعة فـيـمهلون، وَلا يَسْتَقْدِمُونَ له حتـى يستوفُوا آجالهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٧٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، قال: كاد الـجُعَل أن يعذّب بذنب بنـي آدم. وقرأ: لَوْ يُوءَاخِذُ اللّه النّاسَ بِظُلْـمهِمْ ما تَرَكَ عَلَـيْها مِنْ دَابّةٍ. ١٦٣٧٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا إسماعيـل بن حكيـم الـخزاعيّ، قال: حدثنا مـحمد بن جابر الـجعفـي، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، قال: سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول: إن الظالـم لا يضرّ إلا نفسه، قال: فـالتفت إلـيه فقال: بلـى، واللّه إن الـحبـاري لتـموت فـي وكرها هزالاً بظلـم الظالـم ١٦٣٧٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا أبو عبـيدة الـحداد، قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسي، عن الزبـير بن عديّ، قال: قال ابن مسعود: خطيئة ابن آدم قتلت الـجُعَل. حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، قال: قال عبد اللّه : كاد الـجُعَل أن يهلك فـي حُجْرَهِ بخطيئة ابن آدم. ١٦٣٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال اللّه : فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ قال: نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ولا يقدّم ما لـم يحضر أجله، فإن اللّه يؤخّر ما شاء ويُقدّم ما شاءَ. ٦٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنّ لَهُمُ الْحُسْنَىَ لاَ جَرَمَ أَنّ لَهُمُ الْنّارَ وَأَنّهُمْ مّفْرَطُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ويجعل هؤلاء الـمشركون لله ما يكرهونه لأنفسهم. وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه أنّ لهم الـحُسْنَى فأن فـي موضع نصب، لأنها ترجمة عن الكذب. وتأويـل الكلام: ويجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم، ويزعمون أن لهم الـحسنى الذي يكرهونه لأنفسهم، البنات يجعلونهن لله تعالـى، وزعموا أن الـملائكة بنات اللّه . وأما الـحُسنى التـي جعلوها لأنفسهم: فـالذكور من الأولاد وذلك أنهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم ويستبقون الذكور منهم، ويقولون: لنا الذكور ولله البنات. وهو نـحو قوله: ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ وَلهُمْ ما يَشْتَهونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنّ لَهُمُ الـحُسْنَى قال: قول قريش: لنا البنون ولله البنات. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: قول كفّـار قُريش. ١٦٣٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ ألْسِنَتِهُمُ الكَذِبَ: أي يتكلـمون بأن لهم الـحُسنى أي الغلـمان. ١٦٣٨٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أنّ لَهُمُ الـحُسْنَى قال: الغلـمان. وقوله: لا جَرَمَ أن لَهُمُ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ يقول تعالـى ذكره: حقّا واجبـا أن لهؤلاء القائلـين لله البنات الـجاعلـين له ما يكرهونه لأنفسهم ولأنفسهم الـحسنى عند اللّه يوم القـيامة النار. وقد بـيّنا تأويـل قول اللّه :لا جَرَمَ فـي غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ورُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك، ما: ١٦٣٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لا جَرَمَ يقول: بلـى. وقوله: لا جَرَمَ كان بعض أهل العربـية يقول: لـم تُنْصَب جَرَمَ ب (لا) كما نصبت الـميـم من قول: لا غلام لك قال: ولكنها نُصِبَت لأنها فعل ماض، مثل قول القائل: قَعَدَ فلان وجلس، والكلام: لا ردّ لكلامهم أي لـيس الأمر هكذا، جَرَم: كَسَبَ، مثل قوله: لا أقسم، ونـحو ذلك. وكان بعضهم يقول: نصب (جَرَمَ) ب (لا) ، وإنـما بـمعنى: لا بدّ، ولا مـحالة ولكنها كثرت فـي الكلام حتـى صارت بـمنزلة (حقّا) . وقوله: وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ يقول تعالـى ذكره: وأنهم مُخَـلّفون متروكون فـي النار، منسيّون فـيها. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال أكثرهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٨٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: لا جَرَمَ أنّ لهُمُ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ قال: منسيّون مُضَيّعون. حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، قال: أخبرنا سعيد، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا بهز بن أسد، عن شعبة، قال: أخبرنـي أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، مثله. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: لا جَرَمَ أنّ لَهُمْ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ قال: متروكون فـي النار، منسيّون فـيها. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حصين، أخبرنا، عن سعيد بن جبـير، بـمثله. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن سعيد بن جبـير بـمثله. ١٦٣٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: منسيّون. حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٦٣٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة وأبو معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك : وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: متروكون فـي النار. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن القاسم، عن مـجاهد: مُفْرَطُونَ قال: مَنْسيّون. ١٦٣٨٥ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، عن الـحسين، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ يقول: مُضَاعُون. ١٦٣٨٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا بدل، قال: حدثنا عبـاد بن راشد، قال: سمعت داود بن أبـي هند، فـي قول اللّه :وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: منسيون فـي النار. وقال آخرون: معنى ذلك مُعْجَلُون إلـى النار مقدّمون إلـيها. وذهبوا فـي ذلك إلـى قول العرب: أفرطنا فلانا فـي طلب الـماء، إذا قدّموه لإصلاح الدّلاء والأرشية وتسوية ما يحتاجون إلـيه عند ورودهم علـيه فهو مُفْرَط. فأما الـمتقدّم نفسه فهو فـارط، يقال: قد فَرَط فلان أصحابَه يَفْرُطهم فُرْطا وفُروطا: إذا تقدمهم. وجمع فـارط: فَرّاط ومنه قول القُطامِيّ: واسْتَعْجَلُونا وكانُوا مِنْ صَحَابَتِناكمَا تَعَجّلَ فُرّاطٌ لِوُرّادِ ومن قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أنا فَرَطُكُمْ علـى الـحَوْضِ) : أي متقدمكم إلـيه وسابقكم (حتـى تَردُوه) . ذكر من قال ذلك: ١٦٣٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ يقول: مُعْجَلُون إلـى النار. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: قد أُفْرِطوا فـي النار أي مُعْجَلُون. وقال آخرون: معنى ذلك: مُبْعَدُون فـي النار. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أشعث السّمان، عن الربـيع، عن أبـي بشر، عن سعيد: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: مُخْسَئون مُبْعَدون. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الإفراط الذي هو بـمعنى التقديـم، إنـما يقال فـيـمن قدَم مقدمَا لإصلاح ما يقدم إلـيه إلـى وقت ورود من قدّمه علـيه، ولـيس بـمُقَدّم من قُدّم إلـى النار من أهلها لإصلاح شيء فـيها لوارد يرد علـيها فـيها فـيوافقه مصلـحا، وإنـما تَقَدّم مَن قُدّم إلـيها لعذاب يُعجّل له. فإذا كان معنى ذلك الإفراط الذي هو تأويـل التعجيـل ففسد أن يكون له وجه فـي الصحة، صحّ الـمعنى الاَخر وهو الإفراط الذي بـمعنى التـخـلـيف والترك وذلك أن يُحْكَى عن العرب: ما أفْرَطت ورائي أحدا: أي ما خَـلّفته وما فرطته: أي لـم أخـلفه. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمِصرَينِ الكوفة والبصرة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ بتـخفـيف الراء وفتـحها، علـى معنى ما لـم يُسَمّ فـاعله من أُفرِط فهو مُفْرَط. وقد بـيّنت اختلاف قراءة ذلك كذلك فـي التأويـل. وقرأه أبو جعفر القارىء: (وأنّهُم مُفْرَطُونَ) بكسر الراء وتشديدها، بتأويـل: أنهم مفرّطون فـي أداء الواجب الذي كان لله علـيهم فـي الدنـيا، من طاعته وحقوقه، مضيعو ذلك، من قول اللّه تعالـى: يا حَسْرتَا علـى ما فَرّطْتُ فـي جَنْبِ اللّه . وقرأ نافع بن أبـي نعيـم: (وأنّهُم مُفْرَطُونَ) بكسر الراء وتـخفـيفها. ١٦٣٨٩ـ حدثنـي بذلك يونس، عن وَرْش عنه. بتأويـل: أنهم مُفْرِطون فـي الذنوب والـمعاصي، مُسْرِفون علـى أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أفرط فلان فـي القول: إذا تـجاوز حَدّه، وأسرف فـيه. والذي هو أولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب قراءة الذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لـموافقتها تأويـل أهل التأويـل الذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الأخرى عن تأويـلهم. ٦٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَاللّه لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره مقسما بنفسه عزّ وجلّ لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: واللّه يا مـحمد لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلـى أمـمها بـمثل ما أرسلناك إلـى أمتك من الدعاء إلـى التوحيد لله وإخلاص العبـادة له والإذعان له بـالطاعة وخـلع الأنداد والاَلهة. فَزَيّنَ لَهُمُ الشَيْطانُ أعْمَالَهُمْ يقول: فحسّن لهم الشيطان ما كانوا علـيه من الكفر بـاللّه وعبـادة الأوثان مقـيـمين، حتـى كذّبوا رسلهم، وردّوا علـيهم ما جاءوهم به من عند ربهم. فَهُوَ وَلِـيّهُمْ الـيَوْمَ يقول: فـالشيطان ناصرهم الـيوم فـي الدنـيا، وبئس الناصر. وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ فـي الاَخرة عند ورودهم علـى ربهم، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان، ولا هي نفعتهم فـي الدنـيا بل ضرّتهم فـيها وهي لهم فـي الاَخرة أضرّ. ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: وما أنزلنا يا مـحمد علـيك كتابنا وبعثناك رسولاً إلـى خـلقنا إلا لتبـين لهم ما اختلفوا فـيه من دين اللّه ، فتعرفّهم الصواب منه والـحقّ من البـاطل، وتقـيـم علـيهم بـالصواب منه حجة اللّه الذي بعثك بها. وقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُوءْمِنُونَ يقول: وهدى بـيانا من الضلالة، يعني بذلك الكتاب، ورَحْمَةً لقَوْمٍ يُوءْمِنُونَ به، فـيصدّقون بـما فـيه، ويقرّون بـما تضمن من أمر اللّه ونهيه، ويعملون به. وعطف بـالهدى علـى موضع (لـيبـين) ، لأن موضعها نصب. وإنـما معنى الكلام: وما أنزلنا علـيك الكتاب إلا بـيانا للناس فـيـما اختلفوا فـيه هدى ورحمة. ٦٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه أَنْزَلَ مِنَ الْسّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }. يقول تعالـى ذكره منبه خَـلقِه علـى حججه علـيهم فـي توحيده، وأنه لا تنبغي الألوهة إلا له، ولا تصلـح العبـادة لشيء سواه: أيها الناس معبودكم الذي له العبـادة دون كلّ شيء، أنْزَلَ مِنَ السّماء ماءً يعني : مطرا، يقول: فأنبت بـما أنزل من ذلك الـماء من السماء الأرض الـميتة التـي لا زرع بها ولا عُشْبَ ولا نبت بَعْدَ مَوْتِها بعد ما هي ميتة لا شيء فـيها إن فـي ذلكَ لاَيةً يقول تعالـى ذكره: إن فـي إحيائنا الأرض بعد موتها بـما أنزلنا من السماء من ماء لدلـيلاً واضحا وحجة قاطعة عذر من فكر فـيه لَقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يقول: لقوم يسمعون هذا القول فـيتدبرونه ويعقلونه ويطيعون اللّه بـما دلهم علـيه. ٦٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشّارِبِينَ }. يقول تعالـى ذكره: وإن لكم أيها الناس لعظة فـي الأنعام التـي نُسْقـيكم مـما فـي بطونه. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: نُسْقِـيكُمْ فقرأته عامة أهل مكة والعراق والكوفة والبصرة، سوى عاصم، ومن أهل الـمدينة أبو جعفر: نُسْقِـيكُمْ بضم النون. بـمعنى: أنه أسقاهم شرابـا دائما. وكان الكسائي يقول: العرب تقول: أسقـيناهم نَهْرا وأسقـيناهم لبنا: إذا جعلته شِرْبـا دائما، فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة قالوا: سقـيناهم فنـحن نَسْقِـيهم بغير ألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر، ومن أهل العراق عاصم: (نَسْقِـيكم) بفتـح النون من سقَاه اللّه فهو يَسْقـيه. والعرب قد تدخـل الألف فـيـما كان من السقـي غير دائم وتنزعها فـيـما كان دائما، وإن كان أشهر الكلامين عندها ما قال الكسائي، يدلّ علـى ما قلنا من ذلك، قول لَبـيد فـي صفة سحاب: سَقَـى قَوْمي بَنِـي مَـجْدٍ وأسْقَـىنُـمَيْرا والقَبـائِلَ مِنْ هِلالِ فجمع اللغتـين كلتـيهما فـي معنى واحد. فإذا كان ذلك كذلك، فبأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب، غير أن أعجب القراءتـين إلـيّ قراءة ضمّ النون لـما ذكرت من أن الكلامين عند العرب فـيـما كان دائما من السقـي أسقـى بـالألف فهو يُسْقِـي، وما أسقـى اللّه عبـاده من بطون الأنعام فدائم له غير منقطع عنهم. وأما قوله: مـمّا فِـي بُطُونِهِ وقد ذكر الأنعام قبل ذلك، وهي جمع والهاء فـي البطون موحدة، فإن لأهل العربـية فـي ذلك أقوالاً، فكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: النّعم والأنعام شيء واحد، لأنهما جميعا جمعان، فردّ الكلام فـي قوله: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ إلـى التذكير مرادا به معنى النّعم، إذ كان يؤدي عن الأنعام ويستشهد لقوله ذلك برجز بعض الأعراب: إذا رأيْتَ أنْـجُما منَ الأسَدْجَبْهَتهُ أوِ الـخَرَاةِ والكَتَدْ بـال سُهَيْـلٌفـي الفَضِيخِ فَفَسَدْوطابَ ألْبـانُ اللّقاحِ فَبَردْ و يقول: رجع ب قوله: (فبرد) إلـى معنى اللبن، لأن اللبن والألبـان تكون فـي معنى واحد. وفـي تذكير النعم قول الاَخر: أكُلّ عامٍ نَعَمٌ تَـحُوونَهْيُـلْقحُهُ قَوْمٌ وتَنْتِـجُونَهْ فذكرّ النعم. وكان غيره منهم يقول: إنـما قال: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ لأنه أراد: مـما فـي بطون ما ذكرنا وينشد فـي ذلك رَجزا لبعضهم: (مِثْلُ الفِراخِ نُتّفَتْ حَوَاصِلُهْ ) وقول الأسود بن يَعْفُر: إنّ الـمَنِـيّةَ والـحُتُوفَ كلاهُمايُوفـي الـمخَارِمَ يَرْقُبـانِ سَوَادِي فقال: (كلاهما) ، ولـم يقل: (كلتاهما) وقول الصّلتان العَبْديّ: إنّ السّماحَةَ والـمُرُوءَة ضُمّناقَبْرا بـمَرْوَ علـى الطّرِيقِ الوَاضِحِ وقول الاَخر: وعَفْرَاءُ أدْنَى النّاس مِنّـي مَوَدّةًوعَفْرَاءُ عَنّـي الـمُعْرِضُ الـمُتَوَانِـي ولـم يقل: الـمعرضة الـمتوانـية وقول الاَخرة: إذا النّاسُ ناسٌ والبِلادُ بِغبْطَةٍوَإذْ أُمّ عَمّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ و يقول: كل ذلك علـى معنى هذا الشيء وهذا الشخص والسواد، وما أشبه ذلك. و يقول: من ذلك قول اللّه تعالـى ذكره: فَلَـمّا رأى الشّمْسَ بـازِغَةً قالَ هذَا رَبّـي بـمعنى: هذا الشيء الطالع، وقوله: إنّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ولـم يقل ذكرها، لأن معناه: فمن شاء ذكر هذا الشيء، وقوله: وَإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ فَلَـمّا جاءَ سُلْـيـمانَ، ولـم يقل (جاءت) . وكان بعض البصريـين يقول: قـيـل: مِـمّا فِـي بُطُونِهِ لأن الـمعنى: نسقـيكم من أيّ الأنعام كان فـي بطونه. و يقول: فـيه اللبن مضمر، يعني أنه يسقـي من أيها كان ذا لبن، وذلك أنه لـيس لكلها لبن، وإنـما يُسقـى من ذوات اللبن. والقولان الأوّلان أصحّ مخرجا علـى كلام العرب من هذا القول الثالث. وقوله: مِنْ بـينِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنا خالِصا يقول: نسقـيكم لبنا، نـخرجه لكم من بـين فرث ودم خالصا يقول: خـلص من مخالطة الدم والفرث فلـم يختلطا به. سائِغا للشّارِبِـينَ يقول: يسوغ لـمن شربه فلا يَغَصّ به كما يَغَصّ الغاصّ ببعض ما يأكله من الأطعمة. وقـيـل: إنه لـم يَغَصّ أحد بـاللبن قَطّ. ٦٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولكم أيضا أيها الناسُ عِبرةٌ فـيـما نسقـيكم من ثمرات النـخيـل والأعناب ما تَتّـخِذُونَ منه سَكَرا ورِزْقا حَسَنا مع ما نسقـيكم من بطون الأنعام من اللبن الـخارج من بـين الفرث والدم. وحذف من قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ النّـخِيـلِ والأعنابِ الاسم، والـمعنى ما وصفت، وهو: ومن ثمرات النـخيـل والأعناب ما تتـخذون منه لدلالة (من) علـيه، لأن (من) تدخـل فـي الكلام مُبَعّضة، فـاستغنـي بدلالتها ومعرفة السامعين بـما يقتضي من ذكر الاسم معها. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول فـي معنى الكلام: ومن ثمرات النـخيـل والأعناب شيء تتـخذون منه سَكَرا، و يقول: إنـما ذكرت الهاء فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ لأنه أريد بها الشيء، وهو عندنا عائد علـى الـمتروك، وهو (ما) ، وقوله: تَتّـخِذُونَ من صفة (ما) الـمتروكة. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا فقال بعضهم: عنـي بـالسّكَر: الـخمرُ، وبـالرزق الـحسن: التـمرُ والزبـيبُ، وقال: أنـما نزلت هذه الاَية قبل تـحريـم الـخمر ثم حُرّمت بعد. ذكر من قال ذلك: ١٦٣٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أيوب بن جابر السّحَيْـمي، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس ، قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السّكَر: ما حُرّم من شرابه، والرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرته. حدثنا ابن وكيع وسعيد بن الربـيع الرازي، قالا: حدثنا ابن عيـينة، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس : تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: الرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرتها، والسكَر: ما حرّم من ثمرتها. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس مثله. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس ، بنـحوه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس بنـحوه. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الأسود بن قـيس، قال: سمعت رجلاً يحدّث عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: ما حرّم من ثمرتـيهما، والرزق الـحسن: ما أحلّ من ثمرتـيهما. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا الـحسن بن صالـح، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس ، بنـحوه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا الأسود بن قـيس، قال: ثنـي عمرو بن سفـيان، قال: سمعت ابن عبـاس يقول، وذكرت عنده هذه الاَية: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: ما حرّم منهما، والرزق الـحسن: ما أحلّ منهما. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا سفـيان، عن الأسود بن قـيس، عن عمرو بن سفـيان البصري، قال: قال ابن عبـاس ، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: فأما الرزق الـحسن: فما أحلّ من ثمرتهما، وأما السكر: فما حرّم من ثمرتهما. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحِمّانـي، قال: حدثنا شريك، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان البصريّ، عن ابن عبـاس : تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكر: حرامه، والرزق الـحسن: حلاله. حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا العبـاس بن أبـي طالب، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأسود، عن عمرو بن سفـيان، عن ابن عبـاس قال: السّكَر: ما حرّم من ثمرتهما، والرزق الـحسن: ما حلّ من ثمرتهما. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسّكَر: الـحرام. ١٦٣٩١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ما حرم من ثمرتهما، وما أحلّ من ثمرتهما. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: السكر خمر، والرزق الـحسن الـحلال. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مسعر وسفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسّكَر: الـحرام. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: السكَر: الـحرام، والرزق الـحسن: الـحلال. ١٦٣٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبـي رزين: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: نزل هذا وهم يشربون الـخمر، فكان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر. ١٦٣٩٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، قال: حدثنا شعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي وأبـي رزين، قالوا: هي منسوخة فـي هذه الاَية: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا. حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا أبو قطن، عن سعيد، عن الـمُغيرة، عن إبراهيـم والشعبـيّ، وأبـي رزين بـمثله. ١٦٣٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: هي منسوخة نسخها تـحريـم الـخمر. ١٦٣٩٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ذكر اللّه نعمته فـي السكر قبل تـحريـم الـخمر، ١٦٣٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور وعوف، عن الـحسن، قال السكر: ما حرّم اللّه منه، والرزق: ما أحلّ اللّه منه. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن الـحسن، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسكَر: الـحرام. ١٦٣٩٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة، عن الضحاك ، قال: الرزق الـحسن: الـحلال، والسكَر: الـحرام. ١٦٣٩٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبـي كدينة يحيى بن الـمهلب، عن لـيث، عن مـجاهد قال: السكر: الـخمر، والرزق الـحسن، الرّطَب والأعناب. ١٦٣٩٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا قال: هي الـخمر قبل أن تـحرّم. ١٦٤٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا قال: الـخمر قبل تـحريـمها، وَرِزْقا حَسَنا قال: طعاما. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد بنـحوه. ١٦٤٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ النّـخِيـلِ والأعنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا أما السّكَر: فخمور هذه الأعاجم، وأما الرزق الـحسن: فما تنتبذون، وما تُـخَـلّلون، وما تأكلون. ونزلت هذه الاَية ولـم تـحرّم الـخمر يومئذ، وإنـما جاء تـحريـمها بعد ذلك فـي سورة الـمائدة. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، قال: قرأت علـى ابن أبـي عُذرة، قال: هكذا سمعت قتادة: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا ثم ذكر نـحو حديث بشر. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سَكَرا قال: هي خمور الأعاجم، ونُسخت فـي سورة الـمائدة. والرزق الـحسن قال: ما تنتبذون وتـخـلّلون وتأكلون، ١٦٤٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا وذلك أن الناس كانوا يسمّون الـخمر سكرا، وكانوا يشربونها، قال ابن عبـاس : مرّ رجال بوادي السكران الذي كانت قريش تـجتـمع فـيه، إذا تَلَقّوا مسافريهم إذا جاءوا من الشام، وانطلقوا معهم يشيعونهم حتـى يبلغوا وادي السكران ثم يرجعوا منه، ثم سماها اللّه بعد ذلك الـخمر حين حرمت. وقد كان ابن عبـاس يزعم أنها الـخمر، وكان يزعم أن الـحبشة يسمون الـخـلّ السكر. قوله: وَرِزْقا حَسَنا يعني بذلك: الـحلال التـمر والزبـيب، وما كان حلالاً لا يسكر. وقال آخرون: السّكَر بـمنزلة الـخمر فـي التـحريـم ولـيس بخمر، وقالوا: هي نقـيع التـمر والزبـيب إذا اشتدّ وصار يسكر شاربه. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، فـي قوله: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النّـخِيـلِ والأعْنابِ تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال ابن عبـاس : كان هذا قبل أن ينزل تـحريـم الـخمر والسكر حرام مثل الـخمر وأما الـحلال منه فـالزبـيب والتـمر والـخـل ونـحوه. ١٦٤٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـي بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا فحرّم اللّه بعد ذلك، يعني بعد ما أنزل فـي سورة البقرة من ذكر الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام، السّكَر مع تـحريـم الـخمر لأنه منه، قال: وَرِزْقا حَسَنا فهو الـحلال من الـخـلّ والنبـيذ وأشبـاه ذلك، فأقرّه اللّه وجعله حلالاً للـمسلـمين. ١٦٤٠٥ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن موسى، قال: سألت مرّة عن السّكَر، فقال: قال عبد اللّه : هو خمر. ١٦٤٠٦ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي فروة، عن أبـي عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، قال: السكر: خمر. ١٦٤٠٧ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي الهيثم، عن إبراهيـم، قال: السكر: خمر. ١٦٤٠٨ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا حسن بن صالـح، عن مغيرة، عن إبراهيـم وأبـي رزين، قالا: السكر: خمر. ١٦٤٠٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا يعني : ما أسكر من العنب والتـمر وَرِزْقا حَسَنا يعني : ثمرتها. ١٦٤١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: الـحلال ما كان علـى وجه الـحلال حتـى غيروها فجعلوا منها سَكَرا. وقال آخرون: السّكَرَ: هو كلّ ما كان حلالاً شربه، كالنبـيذ الـحلال والـخـلّ والرطَب. والرزق الـحسن: التـمر والزبـيب. ذكر من قال ذلك: ١٦٤١١ـ حدثنـي داود الواسطيّ، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: أبو رَوْق: ثنـي قال: قلت للشعبـيّ: أرأيت قوله تعالـى: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا أهو هذا السّكَر الذي تصنعه النّبَط؟ قال: لا، هذا خمر، إنـما السكر الذي قال اللّه تعالـى ذكره: النبـيذ والـخـلّ والرزق الـحسن: التـمر والزبـيب. حدثنـي يحيى بن داود، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: وذكر مـجالد، عن عامر، نـحوه. ١٦٤١٢ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن لـيث، عن مـجاهد: تَتّـخِذُونَ مِنْهُ سَكَرا وَرِزْقا حَسَنا قال: ما كانوا يتـخذون من النـخـل النّبـيذ، والرزق الـحسن: ما كانوا يصنعون من الزبـيب والتـمر. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن أبـي رَوْق، عن الشعبـيّ، قال: قلت له: ما تتـخذون منه سَكَرا؟ قال: كانوا يصنعون من النبـيذ والـخـلّ قلت: والرزق الـحسن؟ قال: كانوا يصنعون من التـمر والزبـيب. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة وأحمد بن بشير، عن مـجالد، عن الشعبـيّ، قال: السّكَر: النبـيذ والرزق الـحسن: التـمر الذي كان يؤكل. وعلـى هذا التأويـل، الاَية غير منسوخة، بل حكمها ثابت. وهذا التأويـل عندي هو أولـى الأقوال بتأويـل هذه الاَية، وذلك أن السكر فـي كلام العرب علـى أحد أوجه أربعة: أحدها: ما أسكر من الشراب. والثانـي: ما طُعِم من الطعام، كما قال الشاعر: عَلْتُ عَيْبَ الأكْرَمِينَ سَكَرَا أي طعما. والثالث: السّكُون، من قول الشاعر: عَلَتْ عينْ الـحَرُورِ تَسْكُرُ وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى. والرابع: الـمصدر من قولهم: سَكِرَ فلان يَسْكَرُ سُكْرا وسَكْرا وسَكَرا. فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يُسْكِر من الشراب حراما بـما قد دللنا علـيه فـي كتابنا الـمسمى: (لطيف القول فـي أحكام شرائع الإسلام) وكان غير جائز لنا أن نقول: هو منسوخ، إذ كان الـمنسوخ هو ما نَفَـى حكمه الناسخ وما لا يجوز اجتـماع الـحكم به وناسخه، ولـم يكن فـي حكم اللّه تعالـى ذكره بتـحريـم الـخمر دلـيـل علـى أن السّكَر الذي هو غير الـخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام إذ كان السكر أحد معانـيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كلّ ما طعم، ولـم يكن مع ذلك، إذ لـم يكن فـي نفس التنزيـل دلـيـل علـى أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت علـيه الأمة، فوجب القول بـما قلنا من أن معنى السّكَرَ فـي هذا الـموضع: هو كلّ ما حلّ شربه مـما يتـخذ من ثمر النـخـل والكرم، وفسد أن يكون معناه الـخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السّكَر نفسه، إذ كان السّكَر لـيس مـما يتـخذ من النّـخْـل والكَرْم، ومن أن يكون بـمعنى السكون. وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول: فـيـما إن وصفنا لكم من نعمنا التـي آتـيناكم أيها الناس من الأنعام والنـخـل والكرم، لدلالة واضحة وآية بـينة لقوم يعقلون عن اللّه حججه ويفهمون عنه مواعظه فـيتعظون بها. ٦٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْحَىَ رَبّكَ إِلَىَ النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وألهم ربك يا مـحمد النـحل إيحاء إلـيها أنِ أتّـخِذِي مِنَ الـجبِـالِ بُـيُوتا وَمِنَ الشّجَرِ ومـمّا يَعْرِشُونَ يعني : مـما يبنون من السقوف، فرفعوها بـالبناء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤١٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا مروان، عن إسحاق التـميـمي، وهو ابن أبـي الصبـاح، عن رجل، عن مـجاهد: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: ألهمها إلهاما. ١٦٤١٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: بلغنـي، فـي قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: قذف فـي أنفسها. ١٦٤١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن أصحابه، قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ قال: قذف فـي أنفسها أن اتـخذي من الـجبـال بـيوتا. ١٦٤١٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله: وأوْحَى رَبّكَ إلـى النّـحْلِ.... الاَية، قال: أمرها أن تأكل من الثمرات، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذُلُلاً. وقد بـيّنا معنى الإيحاء واختلاف الـمختلفـين فـيه فـيـما مضى بشواهده، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، وكذلك معنى قوله: يَعْرِشُونَ. وكان ابن زيد يقول فـي معنى يعرشون، ما: ١٦٤١٧ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يَعْرِشُونَ قال: الكَرْم. ٦٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ...}. يقول تعالـى ذكره: ثم كلـي أيتها النـحل من الثمرات، فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ يقول: فـاسلكي طرق ربك ذُلُلاً يقول: مُذَلّلَةً لك، والذّلُل: جمع ذَلُول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤١٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: لا يتوعّر علـيها مكان سلكته. ١٦٤١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: طُرُقا ذُلُلا، قال: لا يتوعّر علـيها مكان سلكته. وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله مـجاهد، الذلل من نعت السبل. والتأويـل علـى قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً الذّلُل لك: لا يتوعر علـيكِ سبـيـل سلكتـيه، ثم أسقطت الألف واللام فنصب علـى الـحال. وقال آخرون فـي ذلك بـما: ١٦٤٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً: أي مطيعة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ذُلُلاً قال: مطيعة. ١٦٤٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً قال: الذلول: الذي يُقاد ويُذهب به حيث أراد صاحبه، قال: فهم يخرجون بـالنـحل ينتـجعون بها ويذهبون وهي تتبعهم. وقرأ: أوَلـمْ يَرَوْا أنّا خَـلَقْنا لَهُمْ مِـمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعاما فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ وَذلّلْناها لَهُمْ.... الاَية. فعلـى هذا القول، الذّلُل من نعت النـحل، وكلا القولـين غير بعيد من الصواب فـي الصحة وجهان مخرجان، غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسّبل لأنها إلـيها أقرب. وقوله: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ يقول تعالـى ذكره: يخرج من بطون النـحل شراب، وهو العسل، مختلف ألوانه، لأن فـيها أبـيض وأحمر وأسحر وغير ذلك من الألوان. قال أبو جعفر: (أسحر) : ألوان مختلفة مثل أبـيض يضرب إلـى الـحمرة. وقوله: فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ اختلف أهل التأويـل فـيـما عادت علـيه الهاء التـي فـي قوله: فِـيهِ، فقال بعضهم: عادت علـى القرآن، وهو الـمراد بها. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٢٢ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن لـيث، عن مـجاهد: فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ قال: فـي القرآن شفـاء. وقال آخرون: بل أريد بها العسل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ ففـيه شفـاء كما قال اللّه تعالـى من الأدواء، وقد كان ينهي عن تفريق النـحل وعن قتلها. ١٦٤٢٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً) ثم جاءه فقال: ما زاده إلا شدة، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (اذْهَبْ فـاسْقِ أخاكَ عَسَلاً، فَقَدْ صَدَقَ اللّه وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ) فسقاه، فكأنـما نُشِط من عِقال. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ قال: جاء رجل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه. ١٦٤٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: شفـاءان: العسل شفـاء من كلّ داء، والقرآن شفـاء لـما فـي الصدور. ١٦٤٢٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : فِـيهِ شِفـاءٌ للنّاسِ العسل. وهذا القول، أعنـي قول قتادة، أولـى بتأويـل الاَية لأن قوله: فِـيهِ فـي سياق الـخبر عن العسل، فأن تكون الهاء من ذكر العسل، إذ كانت فـي سياق الـخبر عنه أولـى من غيره. وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي إخراج اللّه من بطون هذه النـحل: الشراب الـمختلف، الذي هو شفـاء للناس، لدلالة وحجة واضحة علـى من سخّر النـحل وهداها لأكل الثمرات التـي تأكل، واتـخاذها البـيوت التـي تنـحت من الـجبـال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفـاء للناس، أنه الواحد الذي لـيس كمثله شيء، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ولا تصحّ الألوهة إلا له. ٧٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه خَلَقَكُمْ ثُمّ يَتَوَفّاكُمْ وَمِنكُم مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنّ اللّه عَلِيمٌ قَدِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: واللّه خـلقكم أيها الناس وأوجدكم ولـم تكونوا شيئا، لا الاَلهةُ التـي تعبدون من دونه، فـاعبدوا الذي خـلقكم دون غيره. ثُمّ يَتَوَفّـاكُمْ يقول: ثم يقبضكم. وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إلـى أرْذَلِ العُمُرِ يقول: ومنكم من يَهْرَم فـيصير إلـى أرذل العمر، وهو أردؤه، يقال منه: رذل الرجل وفسل، يرذل رذالة ورذولة ورذلته أنا. وقـيـل: إنه يصير كذلك فـي خمس وسبعين سنة. ١٦٤٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الفزاريّ، قال: أخبرنا مـحمد بن سَوار، قال: حدثنا أسد بن عمران، عن سعد بن طريق، عن الأصبغ بن نَبـاتة، عن علـيّ، فـي قوله: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدّ إلـى أرْذَلِ العُمُرِ قال: خمسٌ وسبعون سنة. وقوله: لِكَيْ لا يَعْلَـمَ بَعْدَ عِلْـمٍ شَيْئا يقول: إنـما نردّه إلـى أرذل العمر لـيعود جاهلاً كما كان فـي حال طفولته وصبـاه. بَعْدَ عِلْـمٍ شَيْئا يقول: لئلا يعلـم شيئا بعد علـم كان يعلـمه فـي شبـابه، فذهب ذلك بـالكبر ونسي، فلا يعلـم منه شيئا، وانسلـخ من عقله، فصار من بعد عقل كان له لا يعقل شيئا. إنّ اللّه عَلِـيـمٌ قَدِيرٌ يقول: إن اللّه لا ينسى ولا يتغير علـمه، علـيـم بكلّ ما كان ويكون، قدير علـى ما شاء، لا يجهل شيئا ولا يُعجزه شيءٌ أراده. ٧١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ فَمَا الّذِينَ ...}. يقول تعالـى ذكره: واللّه أيها الناس فضّل بعضكم علـى بعض فـي الرزق الذي رزقكم فـي الدنـيا، فما الذين فضّلهم اللّه علـى غيرهم بـما رزقهم بِرَادّي رِزْقهِمْ علـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ يقول: بـمشركي مـمالـيكِهم فـيـما رزقهم من الأموال والأزواج. فَهُمْ فِـيهِ سَوَاءٌ يقول: حتـى يستووا هم فـي ذلك وعبـيدهم، يقول تعالـى ذكره: فهم لا يرضَون بأن يكونوا هم ومـمالـيكهم فـيـما رزقتهم سواء، وقد جعلوا عبـيدي شركائي فـي ملكي وسلطانـي. وهذا مَثَل ضربه اللّه تعالـى ذكره للـمشركين بـالله. وقـيـل: إنـما عَنَى بذلك الذين قالوا: إن الـمسيح ابن اللّه من النصارى. وقوله: أفَبِنِعْمَةِ اللّه يَجْحَدُونَ يقول تعالـى ذكره: أفبنعمة اللّه التـي أنعمها علـى هؤلاء الـمشركين من الرزق الذي رزقهم فـي الدنـيا يجحدون بإشراكهم غير اللّه من خـلقه فـي سلطانه ومُلكه؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَاللّه فَضّلَ بَعْضَكُمْ علـى بَعْضٍ فِـي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ يقول: لـم يكونوا يشركون عبـيدهم فـي أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبـيدي معي فـي سلطانـي؟ فذلك قوله: أفَبِنِعْمَةِ اللّه يَجْحَدُونَ. ١٦٤٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : هذه الاَية فـي شأن عيسى ابن مريـم، يعني بذلك نفسه، إنـما عيسى عبد، فـيقول اللّه : واللّه ما تشركون عبـيدكم فـي الذي لكم فتكونوا أنتـم وهم سواء، فكيف ترضَون لـي بـما لا ترضون لأنفسكم؟ ١٦٤٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ قال: مثل آلهة البـاطل مع اللّه تعالـى ذكره. ١٦٤٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَاللّه فَضّلَ بَعْضَكُمْ علـى بَعْضٍ فِـي الرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ عَلـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ فَهُمْ فِـيهِ سَوَاءٌ أفَبِنَعْمَةِ اللّه يَجْحَدُونَ وهذا مثل ضربه اللّه ، فهل منكم من أحد شارك مـملوكه فـي زوجته وفـي فراشه فتعدلون بـاللّه خـلقه وعبـاده؟ فإن لـم ترض لنفسك هذا، فـاللّه أحقّ أن ينزّه منه من نفسك، ولا تعدل بـاللّه أحدا من عبـاده وخـلقه. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَمَا الّذِينَ فُضّلُوا بِرَادّي رِزْقِهِمْ علـى ما مَلَكَتْ أيـمَانُهُمْ قال: هذا الذي فضل فـي الـمال والولد، لا يشرك عبده فـي ماله وزوجته. يقول: قد رضيت بذلك لله ولـم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكا فـي ملكه وخـلقه. ٧٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ...}. يقول تعالـى ذكره: وَاللّه الذي جَعَلَ لَكُمْ أيها الناس مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا يعني أنه خـلق آدم زوجته حوّاء، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزواجكم بنـين وحَفَدةً، كما: ١٦٤٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا: أي واللّه خـلق آدم، ثم خـلق زوجته منه ثم جعل لكم بنـين وحفدة. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيـين بـالـحفدة، فقال بعضهم: هم الأختان، أختان الرجل علـى بناته. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٣٣ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبـان بن تغلب، عن الـمنهال بن عمرو، عن ابن حبـيش، عن عبد اللّه : بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الأَخْتان. ١٦٤٣٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن عاصم، عن ورقاء سألت عبد اللّه : ما تقول فـي الـحَفَدَة؟ هم حَشَم الرجل يا أبـا عبد الرحمن؟ قال: لا، ولكنهم الأختان. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قالا جميعا: حدثنا سفـيان، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن زِرّ بن حُبَـيش، عن عبد اللّه ، قال: الـحَفَدة: الأختان. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان بإسناده عن عبد اللّه ، مثله. ١٦٤٣٥ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن الولـيد القرشي وابن وكيع وسوار بن عبد اللّه العنبريّ ومـحمد بن خـلف بن خِراش والـحسن بن خـلف الواسطيّ، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، قال: الـحَفَدة: الأختان. ١٦٤٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: الـحَفَدة: الأختان. ١٦٤٣٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحَفَدة: الأختان. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: الـحَفَدَة: الـخَتْن. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد اللّه ، قال: الأختان. ١٦٤٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: الأختان. ١٦٤٣٩ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ عن ابن عبـاس ، قوله: وحَفَدَةً قال: الأصهار. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زرّ، عن ابن مسعود، قال: الـحَفَدة: الأختان. ١٦٤٤٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عاصم بن أبـي النـجود، عن زرّ بن حبـيش، قال: قال لـي عبد اللّه بن مسعود: ما الـحفَدة يا زِرّ؟ قال: قلت: هم أحفـاد الرجل من ولده وولد ولده. قال: لا، هم الأصهار. وقال آخرون: هم أعوان الرجل وخدمه. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٤١ـ حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش، قال: ثنـي سلـيـم بن قتـيبة، عن وهب بن حبـيب الأَسَدي، عن أبـي حمزة، عن ابن عبـاس سئل عن قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: من أعانك فقد حَفَدك، أما سمعت قوله الشاعر: حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلُهنّ وأُسْلِـمَتْبأكُفّهِنّ أزِمّةُ الأجْمالِ ١٦٤٤٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفدة: الـخُدّام. حدثنـي مـحمد بن خالد بن خداش، قال: ثنـي سَلْـم بن قتـيبة، عن حازم بن إبراهيـم البَجَلـي، عن سماك، عن عكرمة، قال: قال: الـحَفَدة: الـخُدّام. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، عن حصين، عن عكرمة، قال: هم الذين يُعينون الرجل من ولده وخدمه. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الـحكَم بن أبـان، عن عكرمة: وَحَفَدَةً قال: الـحَفدة: من خدمك مِنْ ولدك. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سلام بن سلـيـم، وقـيس عن سمِاك، عن عكرمة، قال: هم الـخدم. حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سلام أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، مثله. ١٦٤٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن خالد، قال: ثنـي سلـمة، عن أبـي هلال، عن الـحسن، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: البنـين وبنـي البنـين، مَن أعانك من أهل وخادم فقد حفدك. ١٦٤٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن منصور، عن الـحسن، قال: هم الـخَدَم. ١٦٤٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن خالد وابن وكيع، ويعقوب بن إبراهيـم، قالوا: حدثنا إسماعيـل بن عُلَـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: الـحَفَدة: الـخَدَم. ١٦٤٤٦ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، جميعا عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: ابنه وخادمه. ١٦٤٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: أنصارا وأعوانا وخدّاما. ١٦٤٤٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زمعة، عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: الـحفدة: الـخدم. ١٦٤٤٩ـ حدثنا ابن بشار مرّة أخرى، قال: ابنه وخادمه. ١٦٤٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً مَهَنة يَـمْهنونك ويخدمونك من ولدك، كرامة أكرمكم اللّه بها. ١٦٤٥١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السّديّ، عن أبـي مالك: الـحَفَدة، قال: الأعوان. ١٦٤٥٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حصين، عن عكرمة، قال: الذين يعينونه. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن الـحكَم بن أبـان، عن عكرمة، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفدة: من خدمك من ولدك وولد ولدك. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التـيـميّ، عن أبـيه، عن الـحسن، قال: الـحَفَدة: الـخَدَم. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن حصين، عن عكرمة: بَنِـينَ وَحَفَدَةًقال: ولده الذين يعينونه. وقال آخرون: هم ولد الرجل وولد ولده. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٥٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَحَفَدَةً قال: هم الولد وولد الولد. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد وسعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي هذه الاَية: بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحَفَدة: البنون. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غُنْدَر، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، مثله. ١٦٤٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك، قال حميد: حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَهُنّ وأُسْلِـمَتْبِأَكُفّهِنّ أزِمّةَ الأجمْالِ ١٦٤٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً قال: الـحفَدة: الـخدم من ولد الرجل هم ولده، وهم يخدمونه. قال: ولـيس تكون العبـيد من الأزواج، كيف يكون من زوجي عبد؟ إنـما الـحفدة: ولد الرجل وخدمه. ١٦٤٥٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفَرَج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: بَنِـينَ وَحَفَدَةً يعني : ولد الرجل يحفِدونه ويخدُمونه، وكانت العرب إنـما تـخدمهم أولادهم الذكور. وقال آخرون: هم بنو امرأة الرجل من غيره. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً يقول: بنو امرأة الرجل لـيسوا منه. ويقال: الـحَفَدة: الرجل يعمل بـين يدي الرجل، يقول: فلان يحفد لنا، ويزعم رجال أن الـحفَدة أخْتان الرجل. والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن اللّه تعالـى أخبر عبـاده معرفَهم نعمه علـيهم، فـيـما جعل لهم من الأزواج والبنـين، فقال تعالـى: وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ بَنِـينَ وَحَفَدَةً فأعلـمهم أنه جعل لهم من أزواجهم بنـين وحَفدة، والـحفَدة فـي كلام العرب: جمع حافد، كما الكذبة: جمع كاذب، والفسَقة: جمع فـاسق. والـحافد فـي كلامهم: هو الـمتـخفّف فـي الـخدمة والعمل، والـحَفْد: خفة العمل يقال: مرّ البعير يحَفِدُ حفَدَانا: إذا مرّ يُسرع فـي سيره. ومنه قولهم: (إلـيك نسعى ونَـحْفِدُ) : أي نسرع إلـى العمل بطاعتك. يقال منه: حَفَدَ له يَحْفِدُ حَفْدا وحُفُودا وحَفَدَانا ومنه قول الراعي: كَلّفْتُ مَـجْهُوَلَها نُوقا يَـمَانـيَةًإذا الـحُدَاةُ علـى أكْسائها حَفَدُوا وإذ كان معنى الـحفدة ما ذكرنا من أنهم الـمسرعون فـي خدمة الرجل الـمتـخففون فـيها، وكان اللّه تعالـى ذكره أخبرنا أن مـما أنعم به علـينا أن جعل لنا حفدة تـحفد لنا، وكان أولادنا وأزواجنا الذين يصلـحون للـخدمة منا ومن غيرنا وأختاننا الذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا وخدمنا من مـمالـيكنا إذا كانوا يحفدوننا فـيستـحقون اسم حفدة، ولـم يكن اللّه تعالـى دلّ بظاهر تنزيـله ولا علـى لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم ولا بحجة عقل، علـى أنه عنى بذلك نوعا من الـحفدة دون نوع منهم، وكان قد أنعم بكلّ ذلك علـينا، لـم يكن لنا أن نوجه ذلك إلـى خاصّ من الـحفدة دون عام، إلا ما اجتـمعت الأمة علـيه أنه غير داخـل فـيهم. وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا وجه فـي الصحة ومَخْرج فـي التأويـل وإن كان أولـى بـالصواب من القول ما اخترنا لـما بـيّنا من الدلـيـل. وقوله: وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: ورزقكم من حلال الـمعاش والأرزاق والأقوات. أفَبـالبـاطِلِ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: يحرّم علـيهم أولـياء الشيطان من البحائر والسوائب والوصائل، فـيصدّق هؤلاء الـمشركون بـالله. وَبِنِعْمَةِ اللّه هُمْ يَكْفُرُونَ يقول: وبـما أحلّ اللّه لهم من ذلك وأنعم علـيهم بإحلاله، يَكْفُرُونَ يقول: ينكرون تـحلـيـله، ويجحدون أن يكون اللّه أحلّه. ٧٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مّنَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ويعبد هؤلاء الـمشركون بـاللّه من دونه أوثانا لا تـملك لهم رزقا من السموات، لأنها لا تقدر علـى إنزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين. والأَرْضِ يقول: ولا تـملك لهم أيضا رزقا من الأرض لأنها لا تقدر علـى إخراج شيء من نبـاتها وثمارها لهم ولا شيئا مـما عدّد تعالـى فـي هذه الاَية أنه أنعم بها علـيهم. وَلا يَسْتَطِيعُونَ يقول: ولا تـملك أوثانهم شيئا من السموات والأرض، بل هي وجميع ما فـي السموات والأرض لله ملك، ولا يَسْتَطِيعُونَ يقول: ولا تقدر علـى شيء. وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ يقول: فلا تـمثلوا لله الأمثال، ولا تشبّهوا له الأشبـاه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأمثال الأشبـاه. ١٦٤٥٩ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ يعني اتـخاذهم الأصنام، يقول: لا تـجعلوا معي إلها غيري، فإنه لا إله غيري. ١٦٤٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه ما لا يَـمْلِكُ لَهُمْ رِزْقا مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ شَيْئا وَلا يَسْتَطِيعُونَ قال: هذه الأوثان التـي تُعْبد من دون اللّه لا تـملك لـمن يعبدها رزقا ولا ضرّا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا. ٧٤وقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثالَ فإنه أحَد صَمَد لـم يَـلِد ولـم يُولَد ولـم يكن له كُفُوا أحد. إنّ اللّه يَعْلَـمُ وأنْتُـمْ لا تَعْلَـمونَ يقول: واللّه أيها الناس يعلـم خطأ ما تـمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتـم لا تعلـمون صواب ذلك من خطئه. واختلف أهل العربـية فـي الناصب قوله: (شَيْئا) فقال بعض البصريـين: هو منصوب علـى البدل من الرزق، وهو فـي معنى: لا يـملكون رزقا قلـيلاً ولا كثـيرا. وقال بعض الكوفـيـين: نصب (شيئا) بوقوع الرزق علـيه، كما قال تعالـى ذكره: ألَـمْ نَـجْعَلِ الأرْضَ كِفـاتا أحْياءً وأمْوَاتا. أي تكفت الأحياء والأموات، ومثله قوله تعالـى ذكره: أوْ إطْعامٌ فِـي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِـيـما ذا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ. قال: ولو كان الرزق مع الشيء لـجاز خفضه، لا يـملك لكم رزق شيء من السموات، ومثله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ. ٧٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلاً عَبْداً مّمْلُوكاً لاّ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ ...}. يقول تعالـى ذكره: وشَبّه لكم شَبها أيها الناس للكافر من عبـيده، والـمؤمن به منهم. فأما مثَل الكافر: فإنه لا يعمل بطاعة اللّه ، ولا يأتـي خيرا، ولا ينفق فـي شيء من سبـيـل اللّه ماله لغلبة خذلان اللّه علـيه، كالعبد الـمـملوك الذي لا يقدر علـى شيء فـينفقه. وأما الـمؤمن بـاللّه فإنه يعمل بطاعة اللّه وينفق فـي سبـيـله ماله كالـحرّ الذي آتاه اللّه مالاً فهو ينفق منه سرّا وجهرا، يقول: بعلـم من الناس وغير علـم. هَلْ يَسْتَوُونَ يقول هل يستوي العبد الذي لا يـملك شيئا ولا يقدر علـيه، وهذا الـحرّ الذي قد رزقه اللّه رزقا حسنا فهو ينفق كما وَصَف؟ فكذلك لا يستوي الكافر العامل بـمعاصي اللّه الـمخالف أمره والـمؤمن العامل بطاعته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان بعض أهل العلـم يقول. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ علـى شَيْءٍ هذا مثل ضربه اللّه للكافر، رزقه مالاً فلـم يقدّم فـيه خيرا ولـم يعمل فـيه بطاعة اللّه ، قال اللّه تعالـى ذكره: وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا فهذا الـمؤمن أعطاه اللّه مالاً، فعمل فـيه بطاعة اللّه وأخذ بـالشكر ومعرفة حقّ اللّه ، فأثابه اللّه علـى ما رزقه الرزق الـمقـيـم الدائم لأهله فـي الـجنة، قال اللّه تعالـى ذكره: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً، واللّه ما يستويان: الـحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ. ١٦٤٦٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ قال: هو الكافر لا يعمل بطاعة اللّه ولا ينفق خيرا وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا قال: الـمؤمن يطيع اللّه فـي نفسه وماله. ١٦٤٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ يعني : الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة فـي سبـيـل اللّه وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّا وَجَهْرا يعني الـمؤمن، وهذا الـمثل فـي النفقة. وقوله: الـحَمْدُ لِلّهِ يقول: الـحمد الكامل لله خالصا دون ما تَدْعُون أيها القوم من دونه من الأوثان فإياه فـاحمدوا دونها. وقوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ما الأمر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، ما للأوثان عندهم من يد ولا معروف فتُـحْمد علـيه، إنـما الـحمد لله ولكن أكثر هؤلاء الكفرة الذين يعبدونها لا يعلـمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلهم بـما يأتون ويَذَرون يجعلونها لله شركاء فـي العبـادة والـحمد. وكان مـجاهد يقول: ضرب اللّه هذا الـمثل، والـمثل الاَخر بعده لنفسه، والاَلهة التـي تعبد من دونه. ٧٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً رّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ ...}. وهذا مثل ضربه اللّه تعالـى لنفسه والاَلهة التـي تُعبد من دونه، فقال تعالـى ذكره: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجْلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ يعني بذلك الصنـم أنه لا يسمع شيئا ولا ينطق، لأنه إما خشب منـحوت وإما نـحاس مصنوع لا يقدر علـى نفع لـمن خدمه ولا دفع ضرّ عنه. وهُوَ كَلّ علـى مَوْلاَهُ يقول: وهو عيال علـى ابن عمه وحلفـائه وأهل ولايته، فكذلك الصنـم كَلّ علـى من يعبده، يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر علـى شيء، فهو كلّ علـى أولـيائه من بنـي أعمامه وغيرهم. أيْنَـما يُوجّهْهُ لا يَأْتِ بخَيْرٍ يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ما يُقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم ولا يُفْهَم عنه، فكذلك الصنـم لا يعقل ما يقال له فـيأتـمر لأمر من أمره، ولا ينطق فـيأمر وينهي يقول اللّه تعالـى: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ يعني : هل يستوي هذا الأبكم الكلّ علـى مولاه الذي لا يأتـي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلـم يأمر بـالـحقّ ويدعو إلـيه وهو اللّه الواحد القهار الذي يدعو عبـاده إلـى توحيده وطاعته؟ يقول: لا يستوي هو تعالـى ذكره، والصنـم الذي صفته ما وصف. وقوله: وَهُوَ علـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ يقول: وهو مع أمره بـالعدل، علـى طريق من الـحقّ فـي دعائه إلـى العدل وأمره به مستقـيـم، لا يَعْوَجّ عن الـحقّ ولا يزول عنه. وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمضروب له هذا الـمثل، فقال بعضهم فـي ذلك بنـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٦٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ قال: هو الوثن. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ قال: اللّه يأمر بـالعدل. وَهُوَ عَلـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ وكذلك كان مـجاهد يقول إلا أنه كان يقول: الـمثل الأوّل أيضا ضربه اللّه لنفسه وللوثَن. ١٦٤٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى ذكره: عَبْدا مَـمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقا حَسَنا ورَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ وَمَنْ يَأْمُرُ بِـالعَدْلِ قال: كل هذا مثل إله الـحقّ، وما يُدعي من دونه من البـاطل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٤٦٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجْلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ قال: إنـما هذا مثل ضربه اللّه . وقال آخرون: بل كلا الـمثلـين للـمؤمن والكافر. وذلك قول يُروَى عن ابن عبـاس ، وقد ذكرنا الرواية عنه فـي الـمثل الأوّل فـي موضعه. وأما فـي الـمثل الاَخر: ١٦٤٦٧ـ فحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَضَرَب اللّه مْثَلاً رَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلـى شَيْءٍ وَهُوَ كَلّ عَلـى مَوْلاهُ... إلـى آخر الاَية، يعني بـالأبكم: الذي هو كَلّ علـى مولاه الكافر، وب قوله: وَمَنْ يَأْمُرُ بـالعَدْلِ الـمؤمن، وهذا الـمثل فـي الأعمال. ١٦٤٦٨ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق السيـلـحينـي، قال: حدثنا حماد، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن إبراهيـم، عن عكرمة، عن يَعْلـىَ بن أمية، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً عَبْدا مَـمْلُوكا قال: نزلت فـي رجل من قريش وعبده. وفـي قوله: مَثَلاً رَجُلَـيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ علـى شَيْءٍ... إلـى قوله: وَهُوَ عَلـى صِرَاطٍ مُسْتَقِـيـمٍ قال: هو عثمان بن عفـان. قال: والأبكم الذي أينـما يُوَجّهُ لا يأت بخير، ذاك مولـى عثمان بن عفّـان، كان عثمان ينفق علـيه ويكفله ويكفـيه الـمئونة، وكان الاَخر يكره الإسلام ويأبـاه وينهاه عن الصدقة والـمعروف، فنزلت فـيهما. وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي الـمثل الأوّل لأنه تعالـى ذكره مثّل مثَل الكافر بـالعبد الذي وصف صفته، ومَثّل مثل الـمؤمن بـالذي رزقه رزقا حسنا فهو ينفق مـما رزقه سرّا وجهرا، فلـم يجز أن يكون ذلك لله مثلاً، إذ كان اللّه إنـما مثّل الكافر الذي لا يقدر علـى شيء بأنه لـم يرزقه رزقا ينفق منه سرّا ومثّل الـمؤمن الذي وفّقه اللّه لطاعته فهداه لرشده فهو يعمل بـما يرضاه اللّه ، كالـحرّ الذي بسط له فـي الرزق فهو ينفق منه سرّا وجهرا، واللّه تعالـى ذكره هو الرازق غير الـمرزوق، فغير جائز أن يـمثل إفضاله وجوده بإنفـاق الـمرزوق الرزق الـحسن. وأما الـمثل الثانـي، فإنه تـمثـيـل منه تعالـى ذكره مَنْ مثله الأبكم الذي لا يقدر علـى شيء والكفـار لا شكّ أن منهم من له الأموال الكثـيرة، ومن يضرّ أحيانا الضرّ العظيـم بفساده، فغير كائن ما لا يقدر علـى شيء، كما قال تعالـى ذكره مثلاً، لـمن يقدر علـى أشياء كثـيرة. فإذا كان ذلك كذلك كان أولـى الـمعانـي به تـمثـيـل ما لا يقدر علـى شيء كما قال تعالـى ذكره بـمثله ما لا يقدر علـى شيء، وذلك الوثن الذي لا يقدر علـى شيء، بـالأبكم الكَلّ علـى مولاه الذي لا يقدر علـى شيء كما قال ووصف. ٧٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّه عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: ولله أيها الناس مِلك ما غاب عن أبصاركم فـي السموات والأرض دون آلهتكم التـي تدعون من دونه، ودون كلّ ما سواه، لا يـملك ذلك أحد سواه. وَما أمْرُ السّاعَةِ إلاّ كَلَـمْـحِ البَصَرِ يقول: وما أمر قـيام القـيامة والساعة التـي تنشر فـيها الـخـلق للوقوف فـي موقـف القـيامة، إلا كنظرة من البصر، لأن ذلك إنـما هو أن يقال له كن فـيكون. كما: ١٦٤٦٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: إلاّ كَلَـمْـحٍ البَصَرِ أوْ هُوَ أقْرَبُ والساعة: كلـمـح البصر، أو أقرب. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وَما أمْرُ السّاعَةِ إلاّ كَلَـمْـحِ البَصَرِ قال: هو أن يقول: كن، فهو كلـمـح البصر فأمر الساعة كلـمـح البصر أو أقرب يعني يقول: أو هو أقرب من لـمـح البصر. وقوله: إنّ اللّه عَلـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: إن اللّه علـى إقامة الساعة فـي أقرب من لـمـح البصر قادر، وعلـى ما يشاء من الأشياء كلها، لا يـمتنع علـيه شيء أراده. ٧٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: واللّه تعالـى أعلـمكم ما لـم تكونوا تعلـمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلـمون، فرزقكم عقولاً تفقهون بها وتـميزون بها الـخير من الشرّ وبصرّكم بها ما لـم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فـيفقه بعضكم عن بعض ما تتـحاورون به بـينكم والأبصار التـي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتـميزون بها بعضا من بعض. والأفْئِدَةَ يقول: والقلوب التـي تعرفون بها الأشياء فتـحفظونها وتفكرون فتفقهون بها. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: فعلنا ذلك بكم، فـاشكروا اللّه علـى ما أنعم به علـيكم من ذلك، دون الاَلهة والأنداد، فجعلتـم له شركاء فـي الشكر، ولـم يكن له فـيـما أنعم به علـيكم من نعمه شريك. وقوله: وَاللّه أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمّهاتِكُمْ لا تَعْلَـمُونَ شَيْئا كلام متناه، ثم ابتدىء الـخبر، فقـيـل: وجعل اللّه لكم السمع والأبصار والأفئدة. وإنـما قلنا ذلك كذلك، لأن اللّه تعالـى ذكره جعل العبـادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنـما أعطاهم العلـم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم. ٧٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىَ الطّيْرِ مُسَخّرَاتٍ فِي جَوّ السّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنّ إِلاّ اللّه إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين: ألـم تَرَوا أَيّها الـمشركون بـاللّه إلـى الطير مسخرات فـي جوّ السماء، يعني : فـي هواء السماء بـينها وبـين الأرض، كما قال إبراهيـم بن عمران الأنصاريّ: وَيْـلُـمّها مِنْ هَوَاءِ الـجَوّ طالِبَةًوَلا كَهذا الّذِي فـي الأرْضِ مَطْلُوبُ يعني : فـي هواء السماء. ما يُـمْسِكُهُنّ إلاّ اللّه يقول: ما طيرانها فـي الـجوّ إلا بـاللّه وبتَسْخِيره إياها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لـم تقدر علـى النهوض ارتفـاعا. وقوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: إن فـي تسخير اللّه الطير وتـمكينه لها الطيران فـي جوّ السماء، لعلامات ودلالات علـى أن لا إله إلا اللّه وحدَه لا شريك له، وأنه لاحظ للأصنام والأوثان فـي الألوهة. لَقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني : لقوم يقرّون بوجدان ما تعاينه أبصارهم وتـحسه حواسّهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مُسَخّرَاتٍ فِـي جَوّ السّماءِ: أي فـي كبد السماء. ٨٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً ...}. يقول تعالـى ذكره: وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ أيها الناس، مِنْ بُـيُوتِكُمْ التـي هي من الـحجر والـمدر، سَكَنا تسكنون أيام مقامكم فـي دوركم وبلادكم. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ جُلُودِ الأَنْعامِ بُـيُوتا وهي البـيوت من الأنطاع والفساطيط من الشعر والصوف والوبر. تَسْتَـخِفّوَنها يقول: تستـخفون حملها ونقلها، يَوْمَ ظَعْنِكُمْ من بلادكم وأمصاركم لأسفـاركم، وَيَوْمَ إقامَتِكُمْ فـي بلادكم وأمصاركم. وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى السكن قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٧١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: مِنْ بُـيُوتِكُمْ سَكَنا قال: تسكنون فـيه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وأما الأشعار فجمع شَعْر تثقل عينه وتـخفف، وواحد الشّعْر شَعْرة. وأما الأثاث فإنه متاع البـيت لـم يسمع له بواحد، وهو فـي أنه لا واحد له مثل الـمتاع. وقد حكي عن بعض النـحويـين أنه كان يقول: واحد الأثاث أثاثة ولـم أر أهل العلـم بكلام العرب يعرفون ذلك. ومن الدلـيـل علـى أن الأثاث هو الـمتاع، قول الشاعر: أهاجَتْكَ الظّعائِنُ يَوْمَ بـانُوابِذِي الرّئْيِ الـجَمِيـلِ مِنَ الأثاثِ ويروى: (بذي الزيّ) . وأنا أرى أصل الأثاث اجتـماع بعض الـمتاع إلـى بعض حتـى يكثر كالشعر الأثـيث وهو الكثـير الـملتفّ، يقال منه، أثّ شعر فلان يئِثّ أثّا: إذا كثر والتفّ واجتـمع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أثاثا يعني بـالأثاث: الـمال. ١٦٤٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: أثاثا قال: متاعا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٤٧٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: أثاثا قال: هو الـمال. ١٦٤٧٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن حرب الرازي، قال: أخبرنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن حميد بن عبد الرحمن، فـي قوله: أثاثا قال: الثـياب. وقوله: وَمَتاعا إلـى حِينٍ فإنه يعني : أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلّغون ويكتفون به إلـى حين آجالهم للـموت. كما: ١٦٤٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ومَتاعا إلـى حِينٍ فإنه يعني : زينة، يقول: ينتفعون به إلـى حين. ١٦٤٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَمَتاعا إلـى حِينٍ قال: إلـى الـموت. ١٦٤٧٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمَتاعا إلـى حِينٍ إلـى أجل وبُلْغة. ٨١القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مّمّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً ...}.
يقول تعالـى ذكره: ومن نعمة اللّه علـيكم أيها الناس أن جعل لكم مـما خـلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الـحرّ، وهي جمع ظلّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، عن قتادة، فـي قوله: مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً قال: الشجر. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً إي والله، من الشجر ومن غيرها.
وقوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا يقول: وجعل لكم من الـجبـال مواضع تسكنون فـيها، وهي جمع كِنّ كما: ١٦٤٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا يقول: غيرانا من الـجبـال يسكن فـيها. وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ يعني ثـياب القطن والكتان والصوف وقمصها. كما: ١٦٤٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ من القطن والكتان والصوف. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُم الـحَرّ قال: القطن والكتان.
وقوله: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ يقول: ودروعا تقـيكم بأسكم، والبأس: هو الـحرب، والـمعنى: تقـيكم فـي بأسكم السلاح أن يصل إلـيكم. كما: ١٦٤٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ من هذا الـحديد. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَسَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمْ بَأْسَكُمْ قال: هي سرابـيـل من حديد.
وقوله: كذلكَ يُتِـمّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِـمُونَ يقول تعالـى ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التـي وصفها فـي هذه الاَيات نعمة منه بذلك علـيكم، فكذا يتُـمّ نعمته علـيكم لعلكم تسلـمون. يقول: لتـخضعوا لله بـالطاعة، وتذلّ منكم بتوحيده النفوس، وتـخـلصوا له العبـادة. وقد رُوِيعن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: (لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ) بفتـح التاء. ١٦٤٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن حنظلة، عن شهر بن حَوْشب، قال: كان ابن عبـاس يقول: (لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ) قال: يعني من الـجراح. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن حنظلة السّدوسيّ، عن شهر بن حَوْشب، عن ابن عبـاس ، أنه قرأها: (لَعَلّكُمْ تَسْلَـمُونَ) من الـجرَاحات، قال أحمد بن يوسف: قال أبو عبـيدة: يعني بفتـح التاء واللام. فتأويـل الكلام علـى قراءة ابن عبـاس هذه: كذلك يتـمّ نعمته علـيكم بـما جعل لكم من السرابـيـل التـي تقـيكم بأسكم، لتسلـموا من السلاح فـي حروبكم. والقراءة التـي أستـجيز القراءة بخلافها بضم التاء من قوله: لَعَلّكُمْ تُسْلِـمُونَ وكسر اللام من أسلـمت تُسْلِـم يا هذا، لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيها. فإن قال لنا قائل: وكيف جعل لكم سرابـيـل تقـيكم الـحرّ، فخصّ بـالذكر الـحرّ دون البرد، وهي تقـي الـحرّ والبرد؟ أم كيف قـيـل: وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا وترك ذكر ما جعل لهم من السهل؟ قـيـل له: قد اختُلف فـي السبب الذي من أجله جاء التنزيـل كذلك، وسنذكر ما قـيـل فـي ذلك ثم ندلّ علـى أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب. فرُوِي عن عطاء الـخراسانـي فـي ذلك ما: ١٦٤٨٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، عن عثمان بن عطاء، عن أبـيه، قال: إنـما نزل القرآن علـى قدر معرفتهم، ألا ترى إلـى قول اللّه تعالـى ذكره: وَاللّه جَعَلَ لَكُمْ مِـمّا خَـلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الـجِبـالِ أكْنانا وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبـال، ألا ترى إلـى قوله: وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبـارِها وأشْعارِها أثاثا وَمَتاعا إلـى حِينٍ؟ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وَبَر وشَعَر ألا ترى إلـى قوله: ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ منْ جِبَـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ يعجّبهم من ذلك؟ وما أنزل من الثلـج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفون به، ألا ترى إلـى قوله: سَرَابِـيـلَ تَقِـيكُمُ الـحَرّ وما تقـي من البرد أكثر وأعظم؟ ولكنهم كانوا أصحاب حرّ. فـالسبب الذي من أجله خصّ اللّه تعالـى ذكرهُ السرابـيـل بأنها تقـي الـحرّ دون البرد علـى هذا القول، هو أن الـمخاطبـين بذلك كانوا أصحاب حرّ، فذكر اللّه تعالـى ذكره نعمته علـيهم بـما يقـيهم مكروه ما به عرفوا مكروهه دون ما لـم يعرفوا مبلغ مكروهه، وكذلك ذلك فـي سائر الأحرف الأُخَر. وقال آخرون: ذكر ذلك خاصة اكتفـاء بذكر أحدهما من ذكر الاَخر، إذ كان معلوما عند الـمخاطبـين به معناه، وأن السرابـيـل التـي تقـي الـحرّ تقـي أيضا البرد وقالوا: ذلك موجود فـي كلام العرب مستعمل، واستشهدوا لقولهم بقول الشاعر: وَما أدْرِي إذا يَـمّـمْتُ وَجْهاأُريدُ الـخَيْرَ أيّهُما يَـلِـيِنـي فقال: أيهما يـلـينـي: يريد الـخير أو الشرّ، وإنـما ذكر الـخير لأنه إذا أراد الـخير فهو يتقـي الشرّ. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: إن القوم خوطبوا علـى قدر معرفتهم، وإن كان فـي ذكر بعض ذلك دلالة علـى ما ترك ذكره لـمن عرف الـمذكور والـمتروك وذلك أن اللّه تعالـى ذكره إنـما عدّد نعمه التـي أنعمها علـى الذين قُصدوا بـالذكر فـي هذه السورة دون غيرهم، فذكر أياديه عندهم. ٨٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى{فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: فإن أدبر هؤلاء الـمشركون يا مـحمد عما أرسلتك به إلـيهم من الـحقّ، فلـم يستـجيبوا لك وأعرضوا عنه، فما علـيك من لوم ولا عذل لأنك قد أدّيت ما علـيك فـي ذلك، إنه لـيس علـيك إلاّ بلاغهم ما أرسلت به. و يعني بقوله الـمُبِـينُ الذي يبـين لـمن سمعه حتـى يفهمه. ٨٣وأما قوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ثُمّ يُنْكِرُونَها فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنّى بـالنعمة التـي أخبر اللّه تعالـى ذكره عن هؤلاء الـمشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها، فقال بعضهم: هو النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٨٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن السديّ، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد اللّه تعالـى ذكره فـي هذه السورة من النعم من عند اللّه ، وأن اللّه هو الـمنعم بذلك علـيهم، ولكنهم يُنكرون ذلك، فـيزعمون أنهم ورثوه عن آبـائهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٨٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: هي الـمساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابـيـل من الـحديد والثـياب، تعرف هذا كفـار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لاَبـائنا، فروّحونا إياه. ١٦٤٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: فورّثونا إياها. وزاد فـي الـحديث عن ابن جريج، قال ابن جريج: قال عبد اللّه بن كثـير: يعلـمون أن اللّه خـلقهم وأعطاهم ما أعطاهم، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد. وقال آخرون فـي ذلك، ما: ١٦٤٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاوية، عن عمرو، عن أبـي إسحاق الفزاري، عن لـيث، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ثُمّ يُنْكِرُونَها قال: إنكارهم إياها، أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا. وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفـار إذا قـيـل لهم: من رزقكم؟ أقرّوا بأن اللّه هو الذي رزقهم، ثم يُنكرون ذلك بقوله م: رزقنا ذلك بشفـاعة آلهتنا. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب وأشبهها بتأويـل الاَية، قول من قال: عُنـي بـالنعمة التـي ذكرها اللّه فـي قوله يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه النعمة علـيهم بإرسال مـحمد صلى اللّه عليه وسلم إلـيهم داعيا إلـى ما بعثه بدعائهم إلـيه. وذلك أن هذه الاَية بـين آيتـين كلتاهما خبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعما بعث به، فأولـى ما بـينهما أن يكون فـي معنى ما قبله وما بعده، إذ لـم يكن معنى يدلّ علـى انصرافه عما قبله وعما بعده فـالذي قبل هذه الاَية قوله: فإنْ تَوَلّوْا فإنّـمَا عَلَـيْكَ البَلاغُ الـمُبِـينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ثُمّ يُنْكِرُونَها وما بعده: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وهو رسولها. فإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الاَية: يعرف هؤلاء الـمشركون بـاللّه نعمة اللّه علـيهم يا مـحمد بك، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك. وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ يقول: وأكثر قومك الـجاحدون نبوّتك، لا الـمقرّون بها. ٨٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً ثُمّ لاَ يُؤْذَنُ لِلّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }. يقول تعالـى ذكره: يعرفون نعمة اللّه ثم يُنكرونها الـيوم ويستنكرون يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وهو الشاهد علـيها بـما أجابت داعي اللّه ، وهو رسولهم الذي أرسل إلـيهم. ثُمّ لا يُؤْذَنُ للّذِينَ كَفَرُوا يقول: ثم لا يؤذن للذين كفروا فـي الاعتذار، فـيعتذروا مـما كانوا بـاللّه وبرسوله يكفرون. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ فـيتركوا الرجوع إلـى الدنـيا فـينـيبوا ويتوبوا وذلك كما قال تعالـى: هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَـيَعْتَذِرُونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وشاهدها نبـيها، علـى أنه قد بلغ رسالات ربه، قال اللّه تعالـى: وَجِئْنا بِكَ شَهِيدا عَلـى هَؤُلاءِ. ٨٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَإِذَا رَأى الّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا عاين الذين كذّبوك يا مـحمد وجَحَدوا نُبوّتك والأمـم الذين كانوا علـى منهاج مشركي قومك عذاب اللّه ، فلا ينـجيهم من عذاب اللّه شيء لأنهم لا يؤذن لهم فـيعتذرون فـيخفّف عنهم العذاب بـالعذر الذي يدّعونه، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يقول: ولا يُرْجَئُون بـالعقاب، لأن وقت التوبة والإنابة قد فـات، فلـيس ذلك وقتا لهما، وإنـما هو وقت للـجزاء علـى الأعمال، فلا ينظر بـالعتاب لـيعتب بـالتوبة. ٨٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا رَأى الّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبّنَا هَـَؤُلاَءِ شُرَكَآؤُنَا الّذِينَ كُنّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنّكُمْ لَكَاذِبُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا رأى الـمشركون بـاللّه يوم القـيامة ما كانوا يعبدون من دون اللّه من الاَلهة والأوثان وغير ذلك، قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا فـي الكفر بك، والشركاء الذين كنا ندعوهم آلهة من دونك. قال اللّه تعالـى ذكره: فألْقَوْا يعني : شركاءهم الذين كانوا يعبدونهم من دون اللّه القَوْلَ يقول: قالوا لهم: إنكم لكاذبون أيها الـمشركين، ما كنا ندعوكم إلـى عبـادتنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فألْقَوْا إلَـيْهِمُ القَوْلَ قال: حدّثوهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ٨٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَلْقَوْاْ إِلَىَ اللّه يَوْمَئِذٍ السّلَمَ وَضَلّ عَنْهُم مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وألقـى الـمشركون إلـى اللّه يومئذ السلـم يقول: استسلـموا يومئذ وذَلّوا لـحكمه فـيهم، ولـم تغن عنهم آلهتهم التـي كانوا يدعون فـي الدنـيا من دون اللّه ، وتبرأت منهم، ولا قومهم، ولا عشائرُهم الذين كانوا فـي الدنـيا يدافعون عنهم. والعرب تقول: ألقـيت إلـيه كذا تعنـي بذلك قلت له. وقوله: وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول: وأخطأهم من آلهتهم ما كانوا يَأْملون من الشفـاعة عند اللّه بـالنـجاة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وألْقَوْا إلـى اللّه يَوْمَئِذٍ السّلَـمَ يقول: ذلوا واستسلـموا يومئذ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ. ٨٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدّواْ عَن سَبِيلِ اللّه زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ }. يقول تعالـى ذكره: الذين جحدوا يا مـحمد نبوّتك وكذّبوك فـيـما جئتهم به من عند ربك، وصَدّوا عن الإيـمان بـاللّه وبرسوله ومن أراده، زدناهم عذابـا يوم القـيامة فـي جهنـم فوق العذاب الذي هم فـيه قبل أن يزادوه. وقـيـل: تلك الزيادة التـي وعدهم اللّه أن يزيدهموها عقارب وحيات. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٩٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه : زِدْناهُمْ عَذَابـا فَوْقَ العَذَابِ قال: عقارب لها أنـياب كالنـخـل. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية وابن عيـينة، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه : زِدْناهُمْ عَذَابـا فَوْقَ العَذَابِ قال: زِيدوا عقارب لها أنـياب كالنـخـل الطوال. حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجوزجانـي، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه ، مثله. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن سلـيـمان، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه ، نـحوه. ١٦٤٩٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن السديّ، عن مرّة، عن عبد اللّه ، قال: زِدْناهُمْ عَذَابـا فَوْقَ العَذَابِ قال: أفـاعِيَ. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن إسرائيـل، عن السديّ، عن مرّة عن عبد اللّه ، قال: أفـاعيَ فـي النار. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مرّة، عن عبد اللّه ، مثله. ١٦٤٩٤ـ حدثنا مـجاهد بن موسى والفضل بن الصبـاح، قالا: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا الأعمش، عن مـجاهد، عن عبـيد بن عمير، قال: إن لـجهنـم جِبـابـا فـيها حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال الدهم، يستغيث أهل النار إلـى تلك الـجبِـاب أو الساحل، فتثب إلـيهم فتأخذ بشِفـاههم وشفـارهم إلـى أقدامهم، فـيستغيثون منها إلـى النار، فـيقولون: النارَ النارَ فتتبعهم حتـى تـجد حرّها فترجع، قال: وهي فـي أسراب. ١٦٤٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي حَيـي بن عبد اللّه ، عن أبـي عبد الرحمن الـحبلـي عن عبد اللّه بن عمرو، قال: إن لـجهنـم سواحل فـيها حيات وعقارب أعناقها كأعناق البخت. وقوله: بِـمَا كانُوا يُفْسِدُونَ يقول: زدناهم ذلك العذاب علـى ما بهم من العذاب بـما كانوا يفسدون، بـما كانوا فـي الدنـيا يعصُون اللّه ويأمرون عبـاده بـمعصيته، فذلك كان إفسادهم، اللهمّ إنا نسألك العافـية يا مالك الدنـيا والاَخرة البـاقـية. ٨٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مّنْ أَنْفُسِهِمْ ... }. يقول تعالـى ذكره: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِـي كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا عَلَـيْهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ يقول: نسأل نبـيهم الذي بعثناه إلـيهم للدعاء إلـى طاعتنا. وقال: مِنْ أنُفُسِهِمْ لأنه تعالـى ذكره كان يبعث إلـى أمـم أنبـياءها منها: ماذا أجابوكم، وما ردّوا علـيكم؟ وَجِئْنا بِكَ شَهِيدا عَلـى هُؤلاءِ يقول لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وجئنا بك يا مـحمد شاهدا علـى قومك وأمتك الذين أرسلتك إلـيهم بـما أجابوك وماذا عملوا فـيـما أرسلتك به إلـيهم. وقوله: وَنَزّلْنا عَلَـيْكَ الكِتابَ تِبْـيانا لِكُلّ شَيْءٍ يقول: نزل علـيك يا مـحمد هذا القرآن بـيانا لكلّ ما بـالناس إلـيه الـحاجة من معرفة الـحلال والـحرام والثواب والعقاب. وَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةً لـمن صدّق به، وعمل بـما فـيه من حدود اللّه وأمره ونهيه، فأحل حلاله وحرّم حرامه. وبُشْرَى للـمسْلـمِينَ يقول: وبشارة لـمن أطاع اللّه وخضع له بـالتوحيد وأذعن له بـالطاعة، يبشره بجزيـل ثوابه فـي الاَخرة وعظيـم كرامته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٤٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، قال: حدثنا أبـان بن تغلب، عن الـحكم، عن مـجاهد: تِبْـيانا لِكُلّ شَيْءٍ قال: مـما أحلّ وحرّم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيـينة، عن أبـان بن تغلب، عن مـجاهد، فـي قوله: تِبْـيانا لِكُلّ شَيْءٍ مـما أحلّ لهم وحرّم علـيهم. ١٦٤٩٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مـجاهد، قوله: تِبْـيانا لِكُلّ شَيْءٍ قال: ما أمر به، وما نَهَى عنه. ١٦٤٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: وَنَزّلْنا عَلَـيْكَ الكِتابَ تِبْـيانا لِكُلّ شَيْءٍ قال: ما أمِروا به، ونهوا عنه. ١٦٤٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن أشعث، عن رجل، قال: قال ابن مسعود: أنزل فـي هذا القرآن كل علـم وكلّ شيء قد بـين لنا فـي القرآن. ثم تلا هذه الاَية. ٩٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: إن اللّه يأمر فـي هذا الكتاب الذي أنزله إلـيك يا مـحمد بـالعدل، وهو الإنصاف ومن الإنصاف: الإقرار بـمن أنعم علـينا بنعمته، والشكر له علـى إفضاله، وتولـي الـحمد أهله. وإذا كان ذلك هو العدل ولـم يكن للأوثان والأصنام عندنا يد تستـحقّ الـحمد علـيها، كان جهلاً بنا حمدها وعبـادتها، وهي لا تنعِم فتشكر ولا تنفع فتعبد، فلزمنا أن نشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، ولذلك قال من قال: العدل فـي هذا الـموضع شهادة أن لا إله إلا اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٦٥٠٠ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّ اللّه يَأْمُرُ بـالعَدْلِ والإحْسانِ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه . وقوله: والإحْسَانِ فإن الإحسان الذي أمر به تعالـى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله علـى طاعته فـيـما أمر ونهى، فـي الشدّة والرخاء والـمَكْرَه والـمَنْشَط، وذلك هو أداء فرائضه. كما: ١٦٥٠١ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : والإحْسَانِ يقول: أداء الفرائض. وقوله: وَإيتاءِ ذِي القُرْبى يقول: وإعطاء ذي القربى الـحقّ الذي أوجبه اللّه علـيك بسبب القرابة والرحم. كما: ١٦٥٠٢ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وإيتاءِ ذِي القُرْبى يقول: الأرحام. وقوله: وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ قال: الفحشاء فـي هذا الـموضع: الزنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٠٣ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشاءِ يقول: الزنا. وقد بـيّنا معنى الفحشاء بشواهده فـيـما مضى قبل. وقوله: والبَغْيِ قـيـل: عنِـيَ بـالبغي فـي هذا الـموضع: الكبر والظلـم. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : والبَغْيِ يقول: الكبر والظلـم. وأصل البغي: التعدّي ومـجاوزة القدر والـحدّ من كلّ شيء. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى قبل. وقوله: يَعظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: يذكركم أيها الناس ربكم لتذكروا فتنـيبوا إلـى أمره ونهيه، وتعرفوا الـحقّ لأهله. كما: ١٦٥٠٥ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : يَعِظُكُمْ يقول: يوصيكم، لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ. وقد ذُكر عن ابن عيـينة أنه كان يقول فـي تأويـل ذلك: إن معنى العدل فـي هذا الـموضع استواء السريرة والعلانـية من كلّ عامل لله عملاً، وإن معنى الإحسان: أن تكون سريرته أحسن من علانـيته، وإن الفحشاء والـمنكر أن تكون علانـيته أحسن من سريرته. وذُكر عن عبد اللّه بن مسعود أنه كان يقول فـي هذه الاَية، ما: ١٦٥٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت منصور بن النعمان، عن عامر، عن شُتَـير بن شَكَل، قال: سمعت عبد اللّه يقول: إن أجمع آية فـي القرآن فـي سورة النـحل: إنّ اللّه يَأْمُرُ بـالعَدْلِ والإحْسانِ وَإيتاءِ ذِي القُرْبَى... إلـى آخر الاَية. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبـي، عن شُتَـيْر بن شَكَل، قال: سمعت عبد اللّه يقول: إن أجمع آية فـي القرآن لـخير أو لشرّ، آية فـي سورة النـحل: إنّ اللّه يَأْمُرُ بـالعَدْلِ والإحْسانِ.... الاَية. ١٦٥٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ اللّه يَأْمُرُ بـالعَدْلِ والإحْسانِ وَإيتاءِ ذِي القُرْبَى... الاَية، إنه لـيس من خـلق حسن كان أهل الـجاهلـية يعملون به ويستـحسنونه إلا أمر اللّه به، ولـيس من خُـلق سيّىء كانوا يتعايرونه بـينهم إلا نهى اللّه عنه وقدّم فـيه. وإنـما نهى عن سفـاسف الأخلاق ومَذامهّا. ٩١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّه إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّه عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنّ اللّه يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وأوفوا بـميثاق اللّه إذا واثقتـموه، وعقده إذا عاقدتـموه، فأوجبتـم به علـى أنفسكم حقّا لـمن عاقدتـموه به وواثقتـموه علـيه. وَلا تَنقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها يقول: ولا تـخالفوا الأمر الذي تعاقدتـم فـيه الأيـمان، يعني بعد ما شددتـم الأيـمان علـى أنفسكم، فتـحنثوا فـي أيـمانكم وتكذبوا فـيها وتنقضوها بعد إبرامها، يقال منه: وكّد فلان يـمينه يوكّدها توكيدا: إذا شددها وهي لغة أهل الـحجاز، وأما أهل نـجد، فإنهم يقولون: أكّدتها أؤكدها تأكيدا. وقوله: وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللّه عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً يقول: وقد جعلتـم اللّه بـالوفـاء بـما تعاقدتـم علـيه علـى أنفسكم راعيا يرعى الـموفـى منكم بعهد اللّه الذي عاهد علـى الوفـاء به والناقض. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل علـى اختلاف بـينهم فـيـمن عُنِـيَ بهذه الاَية وفـيـما أنزلت، فقال بعضهم: عُنِـي بها الذين بـايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الإسلام، وفـيهم أنزلت. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو لـيـلـى، عن بريدة، قوله: وأوْفُوا بِعَهْدِ اللّه إذَا عاهَدْتُـمْ قال: أنزلت هذه الاَية فـي بـيعة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، كان من أسلـم بـايع علـى الإسلام، فقالوا: وأوْفُوا بِعَهْدِ اللّه إذَا عاهَدْتُـمْ هذه البَـيعة التـي بـايعتـم علـى الإسلام، وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها البـيعة، فلا يحملكم قلة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وكثرة الـمشركين أن تنقضوا البـيعة التـي بـايعتـم علـى الإسلام، وإن كان فـيهم قلة والـمشركين فـيهم كثرة. وقال آخرون: نزلت فـي الـحِلْف الذي كان أهل الشرك تـحالفوا فـي الـجاهلـية، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ فـي الإسلام أن يوفّوا به ولا ينقضوه. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها قال: تغلـيظها فـي الـحلف. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٦٥١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها يقول: بعد تشديدها وتغلـيظها. ١٦٥١١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هؤلاء قوم كانوا حلفـاء لقوم تـحالفوا وأعطى بعضهم العهد، فجاءهم قوم، فقالوا: نـحن أكثر وأعزّ وأمنع، فـانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلـينا ففعلوا، فذلك قول اللّه تعالـى: وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللّه عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً أن تكون أمة هي أربى من أمة، هي أرَبى أكثر من أجل أن كان هؤلاء أكثر من أولئك، نقضتـم العهد فـيـما بـينكم وبـين هؤلاء، فكان هذا فـي هذا. ١٦٥١٢ـ حدثنـي ابن البرَقـيّ، قال: حدثنا ابن أبـي مَريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: سألت يحيى بن سعيد، عن قول اللّه :وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها قال: العهود. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى أمر فـي هذه الاَية عبـاده بـالوفـاء بعهوده التـي يجعلونها علـى أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيـمان بعد توكيدها علـى أنفسهم لاَخرين بعقود تكون بـينهم بحقّ مـما لا يكرهه اللّه . وجائز أن تكون نزلت فـي الذين بـايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنهيهم عن نقض بـيعتهم حذرا من قلة عدد الـمسلـمين وكثرة عدد الـمشركين، وأن تكون نزلت فـي الذين أرادوا الانتقال بحلفهم عن حلفـائهم لقلة عددهم فـي آخرين لكثرة عددهم، وجائز أن تكون فـي غير ذلك. ولا خبر تَثْبُت به الـحجة أنها نزلت فـي شيء من ذلك دون شيء، ولا دلالة فـي كتاب ولا حجة عقل أيّ ذلك عُنِـيَ بها، ولا قول فـي ذلك أولـى بـالـحقّ مـما قلنا لدلالة ظاهره علـيه، وأن الاَية كانت قد نزلت لسبب من الأسبـاب، ويكون الـحكم بها عامّا فـي كلّ ما كان بـمعنى السبب الذي نزلت فـيه. ١٦٥١٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللّه عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً قال: وكيلاً. وقوله: إنّ اللّه يَعْلَـمُ ما تَفْعَلُونَ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه أيها الناس يعلـم ما تفعلون فـي العهود التـي تعاهدون اللّه من الوفـاء بها والأحلاف والأيـمان التـي تؤكدونها علـى أنفسكم، أتبرّون فـيها أم تنقضونها وغير ذلك من أفعالكم، مـحصٍ ذلك كله علـيكم، وهو مسائلكم عنها وعما عملتـم فـيها، يقول: فـاحذروا اللّه أن تلقوه وقد خالفتـم فـيها أمره ونهيه، فتستوجبوا بذلك منه ما لا قِبَل لكم به من ألـم عقابه. ٩٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوّةٍ أَنكَاثاً تَتّخِذُونَ ...}. يقول تعالـى ذكره ناهيا عبـاده عن نقض الأيـمان بعد توكيدها، وآمرا بوفـاء العهود، ومـمثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس فـي نقضكم أيـمانكم بعد توكيدها وإعطائكم اللّه بـالوفـاء بذلك العهود والـمواثـيق كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ يعني : من بعد إبرام. وكان بعض أهل العربـية يقول: القوّة: ما غُزِل علـى طاقة واحدة ولـم يثن. وقـيـل: إن التـي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بـمكة. ذكر من قال ذلك: ١٦٥١٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير: كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ قال: خرقاء كانت بـمكة تنقضه بعد ما تُبْرِمه. ١٦٥١٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبـير، عن ابن عيـينة، عن صدقة، عن السديّ: وَلا تَكُونُوا كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ أنْكاثا تَتّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ قال: هي خَرْقَاءُ بـمكة كانت إذا أبرمت غزلها نقضته. وقال آخرون: إنـما هذا مثل ضربه اللّه لـمن نقض العهد، فشبهه بـامرأة تفعل هذا الفعل. وقالوا فـي معنى نقضت غزلها من بعد قوّة، نـحوا مـما قلنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٥١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا تَكُونُوا كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ أنْكاثا فلو سمعتـم بـامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتـم: ما أحمق هذه وهذا مثل ضربه اللّه لـمن نكث عهده. ١٦٥١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَلا تَكُونُوا كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ قال: غزلها: حبلها تنقضه بعد إبرامها إياه ولا تنتفع به بعد. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ قال: نقضت حبلها من بعد إبرام قوّة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٦٥١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَكُونُوا كالّتِـي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ أنْكاثا قال: هذا مثل ضربه اللّه لـمن نقض العهد الذي يعطيه، ضرب اللّه هذا له مثلاً بـمثل التـي غزلت ثم نقضت غزلها، فقد أعطاهم ثم رجع، فنكث العهد الذي أعطاهم. وقوله: أنكاثا يعني : أنقاضا، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نِكْث حبلاً كان ذلك أو غزلاً، يقال منه: نَكَث فلان هذا الـحبل فهو ينكُثُه نَكْثا، والـحبل منتكِثٌ: إذا انتقضت قُواه. وإنـما عُنـي به فـي هذا الـموضع نكث العهد والعقد. وقوله: تَتّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ يقول تعالـى ذكره: تـجعلون أيـمانكم التـي تـحلفون بها علـى أنكم موفون بـالعهد لـمن عاقدتـموه دَخَلاً بَـيْنَكُمْ يقول: خديعة وغرورا لـيطمئنوا إلـيكم وأنتـم مضمرون لهم الغدر وترك الوفـاء بـالعهد والنّقلة عنهم إلـى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عددا منهم. والدّخَـل فـي كلام العرب: كلّ أمر لـم يكن صحيحا، يقال منه: أنا أعلـم دَخَـلَ فلان ودُخْـلُلَهُ وداخِـلةَ أمره ودُخْـلَتَهُ ودَخِيـلَتَهُ. وأما قوله: أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ فإن قوله أرَبى: أفعل من الربـا، يقال: هذا أربى من هذا وأربأ منه، إذا كان أكثر منه ومنه قول الشاعر: وأسْمَرَ خَطّيّ كأنّ كُعُوبَهُنَوى القسْبِ قد أرْبَى ذرَاعا علـى العَشْرِ وإنـما يقال: أربى فلان من هذا وذلك للزيادة التـي يريدها علـى غريـمه علـى رأس ماله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥١٩ـ حدثنـي الـمثنى، وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ يقول: أكثر. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ يقول: ناس أكثر من ناس. ١٦٥٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ قال: كانوا يحالفون الـحلفـاء، فـيجدون أكثر منهم وأعزّ، فـينقضون حِلْف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ منهم، فنُهوا عن ذلك. حدثنا ابن الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد.... وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٥٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تَتّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ يقول: خيانة وغدرا بـينكم. أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ أن يكون قوم أعزّ وأكثر من قوم. ١٦٥٢٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا أبو ثور، عن معمر، عن قتادة: دَخَلاً بَـيْنَكُمْ قال: خيانة بـينكم. ١٦٥٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: تَتّـخِذُونَ أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ يغرّ بها، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزلّ قدمه وهو فـي مأمن، ثم يعود يريد الغدر، قال: فأوّل بدو هذا قوم كانوا حلفـاء لقوم تـحالفوا وأعطى بعضهم بعضا العهد، فجاءهم قوم قالوا: نـحن أكثر وأعزّ وأمنع، فـانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلـينا ففعلوا، وذلك قول اللّه تعالـى: وَلا تَنْقُضُوا الأيـمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُـمُ اللّه عَلَـيْكُمْ كَفِـيلاً أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ هي أربى: أكثر من أجل أن كانوا هؤلاء أكثر من أولئك نقضتـم العهد فـيـما بـينكم وبـين هؤلاء، فكان هذا فـي هذا، وكان الأمر الاَخر فـي الذي يعاهده فـينزله من حِصْنه ثم ينكث علـيه، الاَية الأولـى فـي هؤلاء القوم وهي مبدؤه، والأخرى فـي هذا. ١٦٥٢٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: أنْ تَكُونَ أُمّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أُمّةٍ يقول: أكثر، يقول: فعلـيكم بوفـاء العهد. وقوله: إنّـمَا يَبْلُوكُمُ اللّه بِهِ يقول تعالـى ذكره: إنـما يختبركم اللّه بأمره إياكم بـالوفـاء بعهد اللّه إذا عاهدتـم، لـيتبـين الـمطيع منكم الـمنتهي إلـى أمره ونهيه من العاصي الـمخالف أمره ونهيه. وَلَـيُبِـينَنّ لَكُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ ما كُنْتُـمْ فِـيهِ تَـخْتَلِفُونَ يقول تعالـى ذكره: ولـيبـينن لكم أيها الناس ربكم يوم القـيامة إذا وردتـم علـيه بـمـجازاة كلّ فريق منكم علـى عمله فـي الدنـيا، الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته، ما كُنْتُـمْ فـيه تَـخْتَلِفُونَ والذي كانوا فـيه يختلفون فـي الدنـيا أن الـمؤمن بـاللّه كان يقرّ بوحدانـية اللّه ونبوّة نبـيه، ويصدق بـما ابتعث به أنبـياءه، وكان يكذّب بذلك كله الكافر فذلك كان اختلافهم فـي الدنـيا الذي وعد اللّه تعالـى ذكره عبـاده أن يبـينه لهم عند ورودهم علـيه بـما وصفنا من البـيان. ٩٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ شَآءَ اللّه لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلـَكِن يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولو شاء ربكم أيها الناس للطف بكم بتوفـية من عنده، فصرتـم جميعا جماعة واحدة وأهل ملة واحدة لا تـختلفون ولا تفترقون ولكنه تعالـى ذكره خالف بـينكم فجعلكم أهل ملل شتـى، بأن وفّق هؤلاء للإِيـمان به والعمل بطاعته فكانوا مؤمنـين، وخذل هؤلاء فحَرَمَهم توفـيقه فكانوا كافرين، ولـيسألنكم اللّه جميعا يوم القـيامة عما كنتـم تعملون فـي الدنـيا فـيـما أمركم ونهاكم، ثم لـيَجازينكم جزاء الـمطيع منكم بطاعته والعاصي له بـمعصيته. ٩٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَتّخِذُوَاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسّوَءَ بِمَا صَدَدتّمْ عَن سَبِيلِ اللّه وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره: ولا تتـخذوا أيـمانكم بـينكم دَخَلاً وخديعة بـينكم، تَغُرّون بها الناس فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها يقول: فتهلكوا بعد أن كنتـم من الهلاك آمنـين. وإنـما هذا مثل لكلّ مبتلـي بعد عافـية، أو ساقطٍ فـي ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: (زلّت قدمه) ، كما قال الشاعر: سيَـمْنَعُ منكَ السّبْقُ إنْ كُنْتَ سابِقاوتُلْطَعُ إنْ زَلّتْ بكَ النّعْلانِ وقوله: وَتَذُوقُوا السّوءَ يقول: وتذوقوا أنتـم السوء وذلك السوء هو عذاب اللّه الذي يعذّب به أهل معاصيه فـي الدنـيا، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر. بِـمَا صَدَدْتُـمْ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه يقول: بـما فَتنتـم من أراد الإيـمان بـاللّه ورسوله عن الإيـمان. وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ فـي الاَخرة، وذلك نار جهنـم. وهذه الاَية تدلّ علـى أن تأويـل برَيُدة الذي ذكرنا عنه فـي قوله: وأوْفُوا بعَهْدِ اللّه إذَا عاهَدْتُـمْ والاَيات التـي بعدها، أنه عُنِـي بذلك: الذين بـايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الإسلام، عن مفـارقة الإسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مـجاهد أنهم عنوا به، لأنه لـيس فـي انتقال قوم تـحالفوا عن حلفـائهم إلـى آخرين غيرهم صدّ عن سبـيـل اللّه ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالـى ذكره فـي هذه الاَية فـاعِلِـي ذلك أنهم بـاتـخاذهم الأيـمان دخلا بـينهم ونقضهم الأيـمان بعد توكيدها، صادّون عن سبـيـل اللّه ، وأنهم أهل ضلال فـي التـي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر بـاللّه لا صفة أهل النّقْلة بـالـحلف عن قوم إلـى قوم. ٩٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّه ثَمَناً قَلِيلاً إِنّمَا عِنْدَ اللّه هُوَ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس وعقودكم التـي عاقدتـموها من عاقدتـم مؤكّديها بأيـمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضا من الدنـيا قلـيلاً ولكن أوفوا بعهد اللّه الذي أمركم بـالوفـاء به يثبكم اللّه علـى الوفـاء به، فإن ما عند اللّه من الثواب لكم علـى الوفـاء بذلك هو خير لكم إن كنتـم تعلـمون فضل ما بـين العِوَضين اللذين أحدهما الثمن القلـيـل الذي تشترون بنقض عهد اللّه فـي الدنـيا والاَخر الثواب الـجزيـل فـي الاَخرة علـى الوفـاء به. ٩٦ثم بـين تعالـى ذكره فَرْق ما بـين العِوَضين وفضل ما بـين الثوابـين، فقال: ما عندكم أيها الناس مـما تتـملكونه فـي الدنـيا وإن كَثُر فنافدٌ فـانٍ، وما عند اللّه لـمن أوفـى بعهده وأطاعه من الـخيرات بـاق غير فـان، فلـما عنده فـاعملوا وعلـى البـاقـي الذي لا يفنى فـاحرصوا. وقوله: وَلَنَـجْزِيَنّ الّذِينَ صَبَرُوا أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: ولـيثـيبنّ اللّه الذين صبروا علـى طاعتهم إياه فـي السرّاء والضرّاء، ثوابهم يوم القـيامة علـى صبرهم علـيها ومسارعتهم فـي رضاه، بأحسن ما كانوا يعملُون من الأعمال دون أسوئها، ولـيغفرنّ اللّه لهم سيئها بفضله. ٩٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: من عمل بطاعة اللّه ، وأوفـى بعهود اللّه إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بنـي آدم وهُوَ مُؤْمِنٌ يقول: وهو مصدّق بثواب اللّه الذي وعد أهل طاعته علـى الطاعة، وبوعيد أهل معصيته علـى الـمعصية فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً. واختلف أهل التأويـل فـي الذي عَنَى اللّه بـالـحياة الطيبة التـي وعد هؤلاء القوم أن يُحْيـيهموها، فقال بعضهم: عنـي أنه يحيـيهم فـي الدنـيا ما عاشوا فـيها بـالرزق الـحلال. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٢٥ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيـل بن سَميع، عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس : فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الـحياة الطيبة: الرزق الـحلال فـي الدنـيا. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيـل بن سَمِيع، عن أبـي مالك وأبـي الربـيع، عن ابن عبـاس ، بنـحوه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل بن سَمِيع، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الرزق الـحسن فـي الدنـيا. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن إسماعيـل بن سَمِيع، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس : فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الرزق الطيب فـي الدنـيا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل بن سَمِيع، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس : فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الرزق الطيب فـي الدنـيا. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً يعني فـي الدنـيا. ١٦٥٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن مطرف، عن الضحاك : فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الرزق الطيب الـحلال. ١٦٥٢٧ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عون بن سلام القرشيّ، قال: أخبرنا بشر بن عُمارة، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك ، فـي قوله: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: يأكل حلالاً ويـلبس حلالاً. وقال آخرون: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً بأن نرزقه القناعة. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٢٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن الـمنهال بن خـلـيفة، عن أبـي خزيـمة سلـيـمان التـمّار، عمن ذكره عن علـيّ: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: القنوع. ١٦٥٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو عصام، عن أبـي سعيد، عن الـحسن البصريّ، قال: الـحياة الطيبة: القناعة. وقال آخرون: بل يعني بـالـحياة الطيبة الـحياة مؤمنا بـاللّه عاملاً بطاعته. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٣٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً يقول: من عمل عملاً صالـحا وهو مؤمن فـي فـاقة أو ميسرة، فحياته طيبة، ومن أعرض عن ذكر اللّه فلـم يؤمن ولـم يعمل صالـحا، عيشته ضنكة لا خير فـيها. وقال آخرون: الـحياة الطيبة السعادة. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٣١ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود، قالا: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: السعادة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: الـحياة فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٣٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هَوْذة، عن عوف، عن الـحسن: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: لا تطيب لأحد حياة دون الـجنة. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الـحسن: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: ما تطيب الـحياة لأحد إلا فـي الـجنة. ١٦٥٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً فإن اللّه لا يشاء عملاً إلا فـي إخلاص، ويوجب من عمل ذلك فـي إيـمان، قال اللّه تعالـى: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً وهي الـجنة. ١٦٥٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الاَخرة يحيـيهم حياة طيبة فـي الاَخرة. ١٦٥٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً قال: الـحياة الطيبة فـي الاَخرة: هي الـجنة، تلك الـحياة الطيبة، قال: وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وقال: ألا تراه يقول: يا لَـيْتَنِـي قَدّمْتُ لِـحَياتـي؟ قال: هذه آخرته. وقرأ أيضا: وَإنّ الدّارَ الاَخِرَةَ لَهِيَ الـحَيَوَانُ قال: الاَخرة دار حياة لأهل النار وأهل الـجنة، لـيس فـيها موت لأحد من الفريقـين. ١٦٥٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ قال: الإيـمان: الإخلاص لله وحده، فبـين أنه لا يقبل عملاً إلا بـالإخلاص له. وأولـى الأقوال بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك: فلنـحيـينه حياة طيبة بـالقناعة وذلك أن من قنعه اللّه بـما قسم له من رزق لـم يكثر للدنـيا تعبه ولـم يعظم فـيها نَصَبه ولـم يتكدّر فـيها عيشه بـاتبـاعه بغية ما فـاته منها وحرصه علـى ما لعله لا يدركه فـيها. وإنـما قلت ذلك أولـى التأويلات فـي ذلك بـالاَية لأن اللّه تعالـى ذكره أوعد قوما قبلها علـى معصيتهم إياه إن عصوه أذاقهم السوء فـي الدنـيا والعذاب فـي الاَخرة، فقال تعالـى: وَلا تَتّـخِذُوا أيـمَانَكُمْ دَخَلاً بَـيْنَكُمْ فَتزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السّوءَ بِـمَا صَدَدَتُـمْ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه فهذا لهم فـي الدنـيا، ولهم فـي الاَخرة عذاب عظيـم، فهذا لهم فـي الاَخرة. ثم أتبع ذلك ما لـمَن أوفـى بعهد اللّه وأطاعه فقال تعالـى: ما عندكم فـي الدنـيا ينفد، وما عند اللّه بـاق، فـالذي هذه السيئة بحكمته أن يعقب ذلك الوعد لأهل طاعته بـالإحسان فـي الدنـيا، والغفران فـي الاَخرة، وكذلك فَعَلَ تعالـى ذكره. وأما القول الذي رُوِيعن ابن عبـاس أنه الرزق الـحلال، فهو مـحَتـمَل أن يكون معناه الذي قلنا فـي ذلك، من أنه تعالـى يقنعه فـي الدنـيا بـالذي يرزقه من الـحلال وإن قلّ فلا تدعوه نفسه إلـى الكثـير منه من غير حله، لا أنه يرزقه الكثـير من الـحلال، وذلك أن أكثر العاملـين لله تعالـى بـما يرضاه من الأعمال لـم نرهم رُزِقوا الرزق الكثـير من الـحلال فـي الدنـيا، ووجدنا ضيق العيش علـيهم أغلب من السعة. وقوله: وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فذلك لا شكّ أنه فـي الاَخرة وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٣٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيـل بن سميع، عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس : وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: إذا صاروا إلـى اللّه جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيـل بن سُمَيع، عن أبـي مالك، وأبـي الربـيع، عن ابن عبـاس ، مثله. ١٦٥٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن إسماعيـل بن سُمَيع، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس : وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ قال: فـي الاَخرة. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن إسماعيـل بن سُمَيع، عن أبـي الربـيع، عن ابن عبـاس ، مثله. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: يجزيهم أجرهم فـي الاَخرة بأحسن ما كانوا يعملون. وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت بسبب قوم من أهل مِلَل شتـى تفـاخروا، فقال أهل كلّ ملة منها: نـحن أفضل، فبـين اللّه لهم أفضل أهل الـملل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٣٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح، قال: جلس ناس من أهل الأوثان وأهل التوراة وأهل الإنـجيـل، فقال هؤلاء: نـحن أفضل وقال هؤلاء: نـحن أفضل فأنزل اللّه تعالـى: مَنْ عَمِلَ صَالِـحا مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُـحْيِـيَنّهُ حَياةً طَيّبَةً وَلَنَـجْزِيَنّهُمْ أجْرَهُمْ بأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. ٩٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّه مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وإذا كنت يا مـحمد قارئا القرآن، فـاستعذ بـاللّه من الشيطان الرجيـم. وكان بعض أهل العربـية يزعم أنه من الـمؤخر الذي معناه التقديـم. وكأن معنى الكلام عنده: وإذا استعذت بـاللّه من الشيطان الرجيـم، فـاقرأ القرآن. ولا وجه لـما قال من ذلك، لأن ذلك لو كان كذلك لكان متـى استعاذ مستعيذ من الشيطان الرجيـم لزمه أن يقرأ القرآن، ولكن معناه ما وصفناه. ولـيس قوله: فـاسْتَعِذْ بـاللّه مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ بـالأمر اللازم، وإنـما هو إعلام وندب وذلك أنه لا خلاف بـين الـجميع أن من قرأ القرآن ولـم يستعذ بـاللّه من الشيطان الرّجيـم قبل قرأته أو بعدها أنه لـم يضيع فرضا واجبـا. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك نـحو الذي قلنا. ١٦٥٤٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فإذَا قَرأتَ القُرآنَ فـاسْتَعِذ بـاللّه مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ قال: فهذا دلـيـل من اللّه تعالـى دلّ عبـاده علـيه. ٩٩وأما قوله: إنّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ فإنه يعني بذلك: أن الشيطان لـيست له حجة علـى الذين آمنوا بـاللّه ورسوله وعملوا بـما أمر اللّه به وانتهوا عما نهاهم اللّه عنه. وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: وعلـى ربهم يتوكلون فـيـما نابهم من مهمات أمورهم. ١٠٠إنّـمَا سُلْطَانُه عَلـىَ الّذِينَ يتَولّونَهُ يقول: إنـما حجته علـى الذين يعبدونه، وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ يقول: والذين هم بـاللّه مشركون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: إنّـمَا سُلْطانُهُ قال: حجته. ١٦٥٤٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: إنّـمَا سُلْطانُهُ علـى الّذِينَ يتَوَلّوْنَهُ قال: يطيعونه. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي من أجله لـم يسلط فـيه الشيطان علـى الـمؤمن. فقال بعضهم بـما: ١٦٥٤٣ـ حُدثت عن واقد بن سلـيـمان، عن سفـيان، فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ قال: لـيس له سلطان علـى أن يحملهم علـى ذنب لا يغفر. وقال آخرون: هو الاستعاذة، فإنه إذا استعاذ بـاللّه منع منه ولـم يسلط علـيه. واستشهد لصحة قوله ذلك بقول اللّه تعالـى: وإمّا يَنْزَغَنّكَ منَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللّه إنّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ وقد ذكرنا الرواية بذلك فـي سورة الـحِجْر. وقال آخرون فـي ذلك، بـما: ١٦٥٤٤ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، فـي قوله: إنّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ إلـى قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ يقال: إن عدوّ اللّه إبلـيس قال: لاَغْوِيَنّهُمْ أجَمعينَ إلاّ عبـادَكَ مِنْهُمُ الـمُخْـلَصِينَ فهؤلاء الذين لـم يجعل للشيطان علـيهم سبـيـل، وإنـما سلطانه علـى قوم اتـخذوه ولـيّا وأشركوه فـي أعمالهم. ١٦٥٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّهُ لَـيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلـى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ يقول: السلطان علـى من تولـى الشيطان وعمل بـمعصية اللّه . ١٦٥٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّـمَا سُلْطانُهُ عَلـى الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ يقول: الذين يطيعونه ويعبدونه. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: معناه: إنه لـيس له سلطان علـى الذين آمنوا فـاستعاذوا بـاللّه منه، بـما ندب اللّه تعالـى ذكره من الاستعاذة وَعَلـى رَبهِمْ يَتَوَكّلُونَ علـى ما عرض لهم من خطراته ووساوسه. وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات بـالاَية لأن اللّه تعالـى ذكره أتبع هذا القول: فإذَا قَرأتَ القُرآنَ فـاسْتَعِذْ بـاللّه مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيـمِ وقال فـي موضع آخر: وَإمّا يَنْزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فـاسْتَعِذْ بـاللّه إنّهُ سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ فكان بـينا بذلك أنه إنـما ندب عبـاده إلـى الاستعاذة منه فـي هذه الأحوال لـيُعيذهم من سلطانه. وأما قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله، فقال بعضهم فـيه بـما قلنا إن معناه: والذين هم بـاللّه مشركون. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال: يعدلون بربّ العالـمين. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قال: يعدلون بـالله. ١٦٥٤٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول: فـي قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ عدلوا إبلـيس بربهم، فإنهم بـاللّه مشركون. وقال آخرون: معنى ذلك: والذين هم به مشركون، أشركوا الشيطان فـي أعمالهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ أشركوه فـي أعمالهم. والقول الأوّل، أعنـي قول مـجاهد، أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب وذلك أن الذين يتولون الشيطان إنـما يشركونه بـاللّه فـي عبـادتهم وذبـائحهم ومطاعمهم ومشاربهم، لا أنهم يشركون بـالشيطان. ولو كان معنى الكلام ما قاله الربـيع، لكان التنزيـل: الذين هم مشركوه، ولـم يكن فـي الكلام (به) ، فكان يكون لو كان التنزيـل كذلك: والذين هم مشركوه فـي أعمالهم، إلا أن يوجه موجه معنى الكلام إلـى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان ويشركون اللّه به فـي عبـادتهم إياه، فـيصحّ حينئذ معنى الكلام، ويخرج عما جاء التنزيـل به فـي سائر القرآن وذلك أن اللّه تعالـى وصف الـمشركين فـي سائر سور القرآن أنهم أشركوا بـاللّه ما لـم ينزل به علـيهم سلطانا، وقال فـي كل موضع تقدّم إلـيهم بـالزجر عن ذلك: لا تشركوا بـاللّه شيئا، ولـم نـجد فـي شيء من التنزيـل: لا تشركوا اللّه بشيء، ولا فـي شيء من القرآن خبرا من اللّه عنهم أنهم أشركوا اللّه بشيء فـيجوز لنا توجيه معنى قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ إلـى والذين هم بـالشيطان مشركو اللّه . فبـين إذا إذ كان ذلك كذلك أن الهاء فـي قوله: وَالّذِينَ هُمْ بِهِ عائدة علـى (الربّ) فـي قوله: وَعَلـى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ. ١٠١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا بَدّلْنَآ آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّه أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم أخرى، واللّه أعْلَـمُ بـما يُنَزّلُ يقول: واللّه أعلـم بـالذي هو أصلـح لـخـلقه فـيـما يبدّل ويغير من أحكامه، قالوا إنـما أنْتَ مُفْتَرٍ يقول: قال الـمشركون بـاللّه الـمكذبو رسوله لرسوله: إنـما أنت يا مـحمد مفتر أي مكذب تـخرص بتقوّل البـاطل علـى اللّه . يقول اللّه تعالـى: بل أكثر هؤلاء القائلـين لك يا مـحمد إنـما أنت مفتر جهالٌ بأنّ الذي تأتـيهم به من عند اللّه ناسخه ومنسوخه لا يعلـمون حقـيقة صحته. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ رفعناها فأنزل غيرها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ قال: نسخناها، بدّلناها، رفعناها، وأثبتنا غيرها. ١٦٥٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ هو ك قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها. ١٦٥٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ قالوا: إنـما أنت مفتر، تأتـي بشيء وتنقضه، فتأتـي بغيره. قال: وهذا التبديـل ناسخ، ولا نبدّل آية مكان آية إلا بنسخ. ١٠٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ نَزّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رّبّكَ بِالْحَقّ لِيُثَبّتَ الّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُسْلِمِينَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد للقائلـين لك إنـما أنت مفتر فـيـما تتلو علـيهم من آي كتابنا: أنزله روح القُدُس يقول: قل جاء به جبرَئيـل من عند ربـي بـالـحقّ. وقد بـيّنت فـي غير هذا الـموضع معنى روح القُدس، بـما أغنى عن إعادته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٣ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا جعفر بن عون العمَريّ، عن موسى بن عبـيدة الرّبَذيّ، عن مـحمد بن كعب، قال: روح القُدُس: جبرئيـل. وقوله: لِـيُثَبّتَ الّذِينَ آمَنُوا يقول تعالـى ذكره: قل نزل هذا القرآن ناسخه ومنسوخه روح القدس علـيّ من ربـي، تثبـيتا للـمؤمنـين وتقوية لإيـمانهم، لـيزدادوا بتصديقهم لناسخه ومنسوخه إيـمانا لإيـمانهم وهدى لهم من الضلالة، وبُشرى للـمسلـمين الذين استسلـموا لأمر اللّه وانقادوا لأمره ونهيه وما أنزله فـي آي كتابه، فأقرّوا بكلّ ذلك وصدّقوا به قولاً وعملاً. ١٠٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لّسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَـَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مّبِينٌ }. يقول تعالـى ذكره: ولقد نعلـم أن هؤلاء الـمشركين يقولون جهلاً منهم: إنـما يعلّـم مـحمدا هذا الذي يتلوه بشر من بنـي آدم، وما هو من عند اللّه . يقول اللّه تعالـى ذكره مكذّبهم فـي قـيـلهم ذلك: ألا تعلـمون كذب ما تقولون؟ إن لسان الذين تلـحدون إلـيه، يقول: تـميـلون إلـيه. بأنه يعلـم مـحمدا، أعجميّ. وذلك أنهم فـيـما ذُكر كانوا يزعمون أن الذي يعلّـم مـحمدا هذا القرآن عبد روميّ، فلذلك قال تعالـى: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهذَا لِسانٌ عَرَبـيّ مُبِـينٌ يقول: وهذا القرآن لسان عربـيّ مبـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي اسم الذي كان الـمشركون يزعمون أنه يعلّـم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم هذا القرآن من البشر، فقال بعضهم: كان اسمه بَلْعام، وكان قَـيْنا بـمكة نصرانـيّا. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٤ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطّوسِيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا إبراهيـم بن طَهْمان، عن مسلـم بن عبد اللّه الـمَلائي، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلّـم قـينا بـمكة، وكان أعجميّ اللسان، وكان اسمه بَلْعام، فكان الـمشركون يَرَوْن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين يدخـل علـيه وحين يخرج من عنده، فقالوا: إنـما يعلّـمه بَلْعام فأنزل اللّه تعالـى ذكره: وَلَقَدْ نَعْلَـمُ أنّهُمْ يَقُولُونَ إنّـمَا يُعَلّـمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. وقال آخرون: اسمه يعيش. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حبـيب، عن عكرمة، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يقرىء غلاما لبنـي الـمغيرة أعجميّا قال سفـيان: أراه يقال له: يَعِيش قال: فذلك قوله: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. ١٦٥٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَقَدْ نَعْلَـمُ أنّهُم يَقُولُونَ إنّـمَا يُعَلّـمُهُ بَشَرٌ وقد قالت قريش: إنـما يعلـمه بشر، عبد لبنـي الـحَضْرميّ يقال له يعيش، قال اللّه تعالـى: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ وكان يعيش يقرأ الكُتُب. وقال آخرون: بل كان اسمهَ جْبر. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما بلغنـي كثـيرا ما يجلس عند الـمَرْوَة إلـى غلام نصرانـي يقال له جَبْر، عبد لبنـي بـياضةَ الـحَضَرِميّ، فكانوا يقولون: واللّه ما يعلّـم مـحمدا كثـيرا مـما يأتـي به إلا جَبْرٌ النصرانـيّ غلام الـحضرميّ فأنزل اللّه تعالـى فـي قولهم: وَلَقَدْ نَعْلَـمُ أنّهُم يَقُولُونَ إنّـمَا يُعَلّـمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. ١٦٥٥٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عبد اللّه بن كثـير: كانوا يقولون: إنـما يعلـمه نصرانـيّ علـى الـمَرْوة، ويعلـم مـحمدا رُوميّ يقولون اسمه جَبْر وكان صاحب كُتُب عبد لابن الـحضرميّ، قال اللّه تعالـى: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ قال: وهذا قول قريش إنـما يعلـمه بشر، قال اللّه تعالـى: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. وقال آخرون: بل كانا غلامين اسم أحدهما يسار والاَخر جَبْر. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٥٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن حُصَين، عن عبد اللّه بن مسلـم الـحضرميّ: أنه كان لهم عبدان من أهل عير الـيـمن، وكانا طفلـين، وكان يُقال لأحدهما يسار والاَخر جبر، فكانا يقرآن التوراة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ربـما جلس إلـيهما، فقال كفـار قريش: إنـما يجلس إلـيهما يتعلـم منهما، فأنزل اللّه تعالـى: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معن بن أسد، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن حصين، عن عبد اللّه بن مسلـم الـحضرميّ، نـحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن حصين، عن عبد اللّه بن مسلـم، قال: كان لنا غلامان فكان يقرآن كتابـا لهما بلسانهما، فكان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يـمرّ علـيهما، فـيقوم يستـمع منهما، فقال الـمشركون: يتعلـم منهما، فأنزل اللّه تعالـى ما كذّبهم به، فقال: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. وقال آخرون: بل كان ذلك سَلْـمان الفـارسي. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٦٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ كانوا يقولون: إنـما يعلّـمه سَلْـمان الفـارسي. ١٦٥٦١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَقَدْ نَعْلَـمُ أنّهُم يَقُولُونَ إنّـمَا يُعَلّـمُهُ بَشَرٌ قال: قول كفـار قريش: إنـما يعلّـم مـحمدا عبدُ بن الـحضرمي، وهو صاحب كتاب، يقول اللّه :لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ أعْجَمِيّ وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ. وقـيـل: إن الذي قال ذلك رجل كاتب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ارتدّ عن الإسلام. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٦٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب: أن الذي ذكر اللّه إنـما يعلـمه بشر إنـما افتتن إنه كان يكتب الوحي، فكان يـملـي علـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (سميع علـيـم) أو (عزيز حكيـم) وغير ذلك من خواتـم الاَي، ثم يشتغل عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو علـى الوحي، فـيستفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فـ يقول: أعزيز حكيـم، أو سميع علـيـم، أو عزيز علـيـم؟ فـ يقول: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أيّ ذلك كتبت فهو كذلك) . ففتنه ذلك، فقال: إن مـحمدا يكل ذلك إلـيّ، فأكتب ما شئت. وهو الذي ذكر لـي سعيد بن الـمسيب من الـحروف السبعة. واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: يُـلْـحِدُونَ فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة: لِسانُ الّذِي يُـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ بضم الـياء من ألـحد يـلـحد إلـحادا، بـمعنى يعترضون ويعدلون إلـيه ويعرجون إلـيه من قول الشاعر: قَدْنِـيَ منْ نَصْرِ الـخُبَـيْبَـيْنِ قَدِيلَـيْسَ أميرِي بـالشّحيحِ الـمُلْـحِدِ وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (لِسانُ الّذِي يَـلْـحِدُونَ إلَـيْهِ) بفتـح الـياء، يعني : يـميـلون إلـيه، من لَـحَدَ فلان إلـى هذا الأمر يَـلْـحِدُ لَـحدا ولُـحودا. وهما عندي لغتان بـمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـيهما الصواب. وقـيـل: وَهَذَا لِسانٌ عَرَبِـيّ مُبِـينٌ يعني : القرآن كما تقول العرب لقصيدة من الشعر يعرضها الشاعر: هذا لسان فلان، تريد قصيدته كما قال الشاعر: لِسانُ السّوءِ تُهْدِيها إلَـيْنا وحِنْتَ وَما حَسِبْتُكَ أنْ تَـحِينا يعني بـاللسان القصيدة والكلـمة. ١٠٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّه لاَ يَهْدِيهِمُ اللّه وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. يقول تعالـى: إن الذين لا يؤمنون بحجج اللّه وأدلته فـيصدّقون بـما دلّت علـيه، لا يَهْدِيهِمُ اللّه يقول: لا يوفقهم اللّه لإصابة الـحقّ ولا يهديهم لسبـيـل الرشد فـي الدنـيا، ولَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ وعند اللّه إذا وردوا علـيه يوم القـيامة عذاب مؤلـم موجع. ١٠٥إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ثم أخبر تعالـى ذكره الـمشركين الذين قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إنـما أنت مفتر، أنهم هم أهل الفرية والكذب، لا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم والـمؤمنون به، وبرّأ من ذلك نبـيه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، فقال: إنـما يتـخرّص الكذب ويتقوّل البـاطل، الذين لا يصدّقون بحجج اللّه وإعلامه لأنهم لا يرجون علـى الصدق ثوابـا ولا يخافون علـى الكذب عقابـا، فهم أهل الإفك وافتراء الكذب، لا من كان راجيا من اللّه علـى الصدق الثواب الـجزيـل، وخائفـا علـى الكذب العقاب الألـيـم. وقوله: وأُولَئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ يقول: والذين لا يؤمنون بآيات اللّه هم أهل الكذب لا الـمؤمنون. ١٠٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَفَرَ بِاللّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ ...}. اختلف أهل العربـية فـي العامل فـي (مَن) من قوله: مَنْ كَفَرَ بـاللّه ومن قوله: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بـالكُفْرِ صَدْرا، فقال بعض نـحويـي البصرة: صار قوله: فَعَلَـيْهِمْ خبرا ل قوله: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بـالكُفْرِ صَدْرا، وقوله: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدَ إيـمانِهِ فأخبر لهم بخبر واحد، وكان ذلك يدلّ علـى الـمعنى. وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما هذان جزءان اجتـمعا، أحدهما منعقد بـالاَخر، فجوابهما واحد كقول القائل: من يأتنا فمن يحسن نكرمه، بـمعنى: من يحسن مـمن يأتنا نكرمه. قال: وكذلك كلّ جزاءين اجتـمعا الثانـي منعقد بـالأوّل، فـالـجواب لهما واحد. وقال آخر من أهل البصرة: بل قوله: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مرفوع بـالردّ علـى (الذين) فـي قوله: إنّـمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بآياتِ اللّه ومعنى الكلام عنده: إنـما يفتري الكذب من كفر بـاللّه من بعد إيـمانه، إلا من أكره من هؤلاء وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان. وهذا قول لا وجه له وذلك أن معنى الكلام لو كان كما قال قائل هذا القول، لكان اللّه تعالـى ذكره قد أخرج مـمن افترى الكذب فـي هذه الاَية الذين وُلدوا علـى الكفر وأقاموا علـيه ولـم يؤمنوا قطّ، وخصّ به الذين قد كانوا آمنوا فـي حال، ثم راجعوا الكفر بعد الإيـمان والتنزيـل يدلّ علـى أنه لـم يخصص بذلك هؤلاء دون سائر الـمشركين الذين كانوا علـى الشرك مقـيـمين، وذلك أنه تعالـى أخبر خبر قوم منهم أضافوا إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم افتراء الكذب، فقال: وَإذَا بَدّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّه أعْلَـمُ بِـمَا يُنَزّلُ قَالُوا إنـمَا أنْتَ مُفْترٍ، بَلْ أكْثرُهُمْ لاَ يَعْلَـمُونَ وكذّب جميع الـمشركين بـافترائهم علـى اللّه وأخبر أنهم أحقّ بهذه الصفة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: إنـما يَفْتَرِي الكَذِبَ الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بآياتِ اللّه وأُولَئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ. ولو كان الذين عنوا بهذه الاَية هم الذين كفروا بـاللّه من بعد إيـمانهم، وجب أن يكون القائلون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنـما أنت مفتر حين بدّل اللّه آية مكان آية، كانوا هم الذين كفروا بـاللّه بعد الإيـمان خاصة دون غيرهم من سائر الـمشركين لأن هذه فـي سياق الـخبر عنهم، وذلك قول إن قاله قائلٌ فبـين فساده مع خروجه عن تأويـل جميع أهل العلـم بـالتأويـل. والصواب من القول فـي ذلك عندي أن الرافع ل (من) الأولـى والثانـية، قوله: فَعَلَـيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّه والعرب تفعل ذلك فـي حروف الـجزاء إذا استأنفت أحدهما علـى آخر. وذكر أن هذه الاَية نزلت فـي عمار بن ياسر وقوم كانوا أسلـموا ففتنهم الـمشركون عن دينهم، فثبت علـى الإسلام بعضهم وافتتن بعض. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ... إلـى آخر الاَية. وذلك أن الـمشركين أصابوا عمار بن ياسر فعذّبوه، ثم تركوه، فرجع إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحدّثه بـالذي لقـي من قريش والذي قال فأنزل اللّه تعالـى ذكره عذره: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ... إلـى قوله: ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ. ١٦٥٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ قال: ذُكر لنا أنها نزلت فـي عمار بن ياسر، أخذه بنو الـمغيرة فغطوه فـي بئر ميـمون وقالوا: اكفر بـمـحمد فتابعهم علـى ذلك وقلبه كاره، فأنزل لله تعالـى ذكره: إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بـالكُفْرِ صَدْرا: أي من أتـى الكفر علـى اختـيار واستـحبـاب، فَعَلَـيهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّه وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ. ١٦٥٦٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريـم الـجزري، عن أبـي عبـيدة بن مـحمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ الـمشركون عمار بن ياسر، فعذّبوه حتـى بـاراهم فـي بعض ما أرادوا. فشكا ذلك إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (كَيْفَ تَـجدُ قَلْبَكَ؟) قال: مطمئنا بـالإيـمان. قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فإنْ عادُوا فَعُدْ) . ١٦٥٦٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك، فـي قوله: إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بـالإِيـمَانَ قال: نزلت فـي عمار بن ياسر. ١٦٥٦٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـي، قال: لـما عذّب الأعبد أعطوهم ما سألوا إلا خبـاب بن الأرت، كانوا يضجعونه علـى الرضف فلـم يستقلوا منه شيئا. فتأويـل الكلام إذن: من كفر بـاللّه من بعد إيـمانه، إلا من أكره علـى الكفر فنطق بكلـمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان، موقن بحقـيقته صحيح علـيه عزمه غير مفسوح الصدر بـالكفر لكن من شرح بـالكفر صدرا فـاختاره وآثره علـى الإيـمان وبـاح به طائعا، فعلـيهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ورد الـخبر عن ابن عبـاس . ١٦٥٦٨ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بـالإيـمَانِ فأخبر اللّه سبحانه أنه من كفر من بعد إيـمانه، فعلـيه غضب من اللّه وله عذاب عظيـم. فأما من أكره فتكلـم به لسانه وخالفه قلبه بـالإيـمان لـينـجو بذلك من عدوّه، فلا حرج علـيه، لأن اللّه سبحانه إنـما يأخذ العبـاد بـما عقدت علـيه قلوبهم. ١٠٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ذَلِكَ بِأَنّهُمُ اسْتَحَبّواْ الْحَيَاةَ الْدّنْيَا عَلَىَ الاَخِرَةِ وَأَنّ اللّه لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }. يقول تعالـى ذكره: حلّ بهؤلاء الـمشركين غضب اللّه ووجب لهم العذاب العظيـم، من أجل أنهم اختاروا زينة الـحياة الدنـيا علـى نعيـم الاَخرة، ولأن اللّه لا يوفق القوم الذين يجحدون آياته مع إصرارهم علـى جحودها. ١٠٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُولَـَئِكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّه عَلَىَ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الـمشركون الذين وصفت لكم صفتهم فـي هذه الاَيات أيها الناس، هم القوم الذين طبع اللّه علـى قلوبهم، فختـم علـيها بطابعه، فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصمّ أسماعهم فلا يسمعون داعي اللّه إلـى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج اللّه إبصار معتبر ومتعظ. وأُولَئِكَ هُمُ الغافِلُونَ يقول: وهؤلاء الذين جعل اللّه فـيهم هذه الأفعال هم الساهون عما أعدّ اللّه لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم. ١٠٩وقوله: لا جَرَمَ أنّهُمْ فِـي الاَخِرَةِ هُمُ الـخاسرُونَ الهالكون، الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من كرامة اللّه تعالـى. ١١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ إِنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنّ رَبّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره: ثم إن ربك يا مـحمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من الـمشركين، وانتقلوا عنهم إلـى ديار أهل الإسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم، من بعد ما فتنهم الـمشركون الذين كانوا بـين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم، ثم جاهدوا الـمشركين بعد ذلك بأيديهم بـالسيف وبألسنتهم بـالبراءة منهم ومـما يعبدون من دون اللّه وصبروا علـى جهادهم إنّ رَبّكَ منْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور، يقول: لذو ستر علـى ما كان منهم من إعطاء الـمشركين ما أرادوا منهم من كلـمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون وللإيـمان معتقدون، رحيـم بهم أن يعاقبهم علـيها مع إنابتهم إلـى اللّه وتوبتهم. وذُكر عن بعض أهل التأويـل أن هذه الاَية نزلت فـي قوم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانوا تـخـلّفوا بـمكة بعد هجرة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـاشتدّ الـمشركون علـيهم حتـى فتنوهم عن دينهم، فأيسوا من التوبة، فأنزل اللّه فـيهم هذه الاَية، فهاجروا ولـحقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ قال: ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إلـيهم بعض أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتـى تهاجروا إلـينا فخرجوا يريدون الـمدينة، فأدركتهم قريش بـالطريق، ففتنوهم وكفروا مكرهين، ففـيهم نزلت هذه الاَية. حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه. قال ابن جريج: قال اللّه تعالـى ذكره: مَنْ كَفَرَ بـاللّه مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ ثم نسخ واستثنى، فقال: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ. ١٦٥٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ ذكر لنا أنه لـما أنزل اللّه أن أهل مكة لا يُقبل منهم إسلام حتـى يهاجروا، كتب بها أهل الـمدينة إلـى أصحابهم من أهل مكة. فلـما جاءهم ذلك تبـايعوا بـينهم علـى أن يخرجوا، فإن لـحق بهم الـمشركون من أهل مكة قاتلوهم حتـى ينـجوا أو يـلـحقوا بـالله. فخرجوا فأدركهم الـمشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قُتل ومنهم من نـجا، فأنزل اللّه تعالـى: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا منْ بَعْدِ ما فُتِنُوا... الاَية. فوصف الـيومين بـالغيـمين، وإنـما يكون الغيـم فـيهما. وقد يجوز أن يكون أريد به فـي يوم عاصف الريح، فحُذفت الريح لأنها قد ذُكرت قبل ذلك، فـيكون ذلك نظير قول الشاعر: ذَا جاءَ يَوْمٌ مُظْلِـمُ الشّمْسِ كاسِفُ يريد: كاسف الشمس. وقـيـل: هو من نعت الريح خاصة، غير أنه لـما جاء بعد الـيوم أتبع إعرابه، وذلك أن العرب تتبع الـخفضَ الـخفضَ فـي النعوت، كما قال الشاعر: تُرِيكَ سُنّةَ وَجْهٍ غيرِ مُقْرِفَةٍمَلْساءَ لـيس بها خالٌ ولا نَدَبُ فخفض (غير) إتبـاعا لإعراب الوجه، وإنـما هي من نعت السنة، والـمعنى: سُنّة وجه غَيرَ مقرفة، وكما قالوا: هذا جُحرُ ضبّ خربٍ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بِهِ الرّيحُ قال: حملته الريح فِـي يَوْمٍ عَاصِفٍ. ١٦٥٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا بَرَبّهِمْ أعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بِهِ الرّيحُ فِـي يَوْمٍ عاصِفٍ يقول: الذين كفروا بربهم وعبدوا غيره، فأعمالهم يوم القـيامة كرماد اشتدّت به الريح فـي يوم عاصف، لا يقدرون علـى شيء من أعمالهم ينفعهم، كما لا يقدر علـى الرماد إذا أرسل علـيه الريح فـي يوم عاصف. ١١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نّفْسِهَا وَتُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: إن ربك من بعدها لغفور رحيـم يَوْمَ تَأْتِـي كُلّ نَفْسٍ تـخاصم عن نفسها، وتـحتـجّ عنها بـما أسلفت فـي الدنـيا من خير أو شرّ أو إيـمان أو كفر. وَتُوَفّـي كُلّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ فـي الدنـيا من طاعة ومعصية. وَهُمْ لا يُظْلَـمُونَ: يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستـحقونه ويستوجبونه بـما قدّموه من خير أو شرّ، فلا يجزي الـمـحسن إلا بـالإحسان ولا الـمسيء إلا بـالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب مـحسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله. واختلف أهل العربـية فـي السبب الذي من أجله قـيـل (تـجادل) فأنّث الكلّ، فقال بعض نـحوّيـي البصرة: قـيـل ذلك لأن معنى كلّ نفس: كل إنسان، وأنث لأن النفس تذكر وتؤنث، يقال: ما جاءنـي نفس واحد وواحدة. وكان بعض أهل العربـية يرى هذا القول من قائله غلطا و يقول: (كلّ) إذا أضيفت إلـى نكرة واحدة خرج الفعل علـى قدر النكرة: كلّ امرأة قائمة، وكلّ رجل قائم، وكل امرأتـين قائمتان، وكلّ رجلـين قائمان، وكل نساء قائمات، وكل رجال قائمون، فـيخرج علـى عدد النكرة وتأنـيثها وتذكيرها، ولا حاجة به إلـى تأنـيث النفس وتذكيرها. ١١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً ... }. يقول اللّه تعالـى ذكره: ومثل اللّه مثلاً لـمكّة التـي سكانها أهل الشرك بـاللّه هي القرية التـي كانت آمنة مطمئنة. وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى ويقتل بعضها بعضا ويَسْبِـي بعضها بعضا، وأهل مكة لا يُغار علـيهم ولا يحارَبون فـي بلدهم، فذلك كان أمنها. وقوله: مُطْمَئِنّةً يعني : قارّة بأهلها، لا يحتاج أهلها إلـى النّـجْع كما كان سكان البوادي يحتاجون إلـيها. يَأتِـيها رِزْقُها رَغَدا يقول: يأتـي أهلها معايشهم واسعة كثـيرة. وقوله: مِنْ كُلّ مَكانٍ يعني : من كلّ فجّ من فِجاج هذه القرية ومن كل ناحية فـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي أن القرية التـي ذُكرت فـي هذا الـموضع أريد بها مكة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً يَأْتِـيها رِزْقُها رَغَدا مِنْ كُلّ مَكانٍ يعني : مكة. ١٦٥٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً قال: مكة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٥٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً قال: ذُكر لنا أنها مكة. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً قال: هي مكة. ١٦٥٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً... إلـى آخر الاَية. قال: هذه مكة. وقال آخرون: بل القرية التـي ذكر اللّه فـي هذا الـموضع مدينة الرسول صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٧٧ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـيّ، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثنـي عبد الرحمن بن شريح، أن عبد الكريـم بن الـحارث الـحضرميّ، حدث أنه سمع مِشْرَحَ بن عاهانَ، يقول: سمعت سلـيـم بن نـمير يقول: صدرنا من الـحجّ مع حفصة زوج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وعثمان مـحصور بـالـمدينة فكانت تسأل عنه ما فعل، حتـى رأت راكبـين، فأرسلت إلـيهما تسألهما، فقالا: قُتل فقالت حفصة: والذي نفسي بـيده إنها القرية، تعنـي الـمدينة التـي قال اللّه تعالـى: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنّةً يَأْتِـيها رِزْقُها رَغَدا مِنْ كُلّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بأنْعُمِ اللّه قرأها. قال أبو شريح: وأخبرنـي عبد اللّه بن الـمغيرة عمن حدثه، أنه كان يقول: إنها الـمدينة. وقوله: فَكَفَرَتْ بأنْعُمِ اللّه يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم اللّه التـي أنعم علـيها. واختلف أهل العربـية فـي واحد (الأَنْعُم) ، فقال بعض نـحويّـي البصرة: جمع النعمة علـى أنعم، كما قال اللّه : حتـى إذَا بَلَغَ أشُدّهُ فزعم أنه جمع الشّدّة. وقال آخر منهم الواحد نُعْم، وقال: يقال: أيام طُعْم ونُعْم: أي نعيـم، قال: فـيجوز أن يكون معناها: فكفرت بنعيـم اللّه لها. واستشهد علـى ذلك بقول الشاعر: وعندي قُرُوضُ الـخَيرِ والشّرّ كلّهفبُؤْسٌ لذي بُؤْسٍ ونُعْمٍ بأنْعُمِ وكان بعض أهل الكوفة يقول: أنْعُم: جمع نعماء، مثل بأساء وأبؤس، وضرّاء وأَضُرّ فأما الأشدّ فإنه زعم أنه جمع شَدّ. وقوله: فأذَاقَها اللّه لِبـاسَ الـجُوعِ والـخَوْفِ يقول تعالـى ذكره: فأذاق اللّه أهل هذه القرية لبـاس الـجوع وذلك جوع خالط أذاه أجسامهم، فجعل اللّه تعالـى ذكره ذلك لـمخالطته أجسامهم بـمنزلة اللبـاس لها. وذلك أنهم سلط علـيهم الـجوع سنـين متوالـية بدعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتـى أكلوا العِلْهِزَ والـجِيَف. قال أبو جعفر: والعلهز: الوبر يعجن بـالدم والقُراد يأكلونه. وأما الـخوف فإن ذلك كان خوفهم من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التـي كانت تطيف بهم. وقوله: بِـمَا كانُوا يَصْنَعُونَ يقول: بـما كانوا يصنعون من الكفر بأنعم اللّه ، ويجحدون آياته، ويكذّبون رسوله. وقال: بـما كَانُوا يَصْنَعُونَ وقد جرى الكلام من ابتداء الاَية إلـى هذا الـموضع علـى وجه الـخبر عن القرية، لأن الـخبر وإن كان جرى فـي الكلام عن القرية استغناء بذكرها عن ذكر أهلها لـمعرفة السامعين بـالـمراد منها، فإن الـمراد أهلها فلذلك قـيـل: بِـمَا كانُوا يَصْنَعُونَ فردّ الـخبر إلـى أهل القرية، وذلك نظير قوله: فجاءَها بأْسُنا بَـياتا أوْ هُمْ قائِلُونَ ولـم يقل قائلة، وقد قال قبله: فَجاءَها بأْسُنا، لأنه رجع بـالـخبر إلـى الإخبـار عن أهل القرية ونظائر ذلك فـي القرآن كثـيرة. ١١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ فَكَذّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية التـي وصف اللّه صفتها فـي هذه الاَية التـي قبل هذه الاَية رَسُولٌ مِنْهُمْ يقول: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلـى الـحقّ وإلـى طريق مستقـيـم. فَكَذّبُوهُ ولـم يقبلوا منه ما جاءهم به من عند اللّه . فَأخَذَهُمُ العَذَابُ وذلك لبـاس الـجوع والـخوف مكان الأمن والطمأنـينة والرزق الواسع الذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقْتل بـالسيف. وَهُمْ ظالِـمُونَ يقول: وهم مشركون، وذلك أنه قتل عظماؤهم يوم بدر بـالسيف علـى الشرك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ إي والله، يعرفون نسبه وأمره. فَكَذّبُوه فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وَهُم ظَالِـمُون، فأخذهم اللّه بـالـجوع والـخوف والقتل. ١١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّه حَلالاً طَيّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ }. يقول تعالـى ذكره: فكلوا أيها الناس مـما رزقكم اللّه من بهائم الأنعام التـي أحلها لكم حلالاً طيبـا مُذَكّاة غير مـحرّمة علـيكم. وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه يقول: واشكروا اللّه علـى نعمه التـي أنعم بها علـيكم فـي تـحلـيـله ما أحلّ لكم من ذلك، وعلـى غير ذلك من نعمه. إنْ كُنْتُـمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ يقول: إن كنتـم تعبدون اللّه ، فتطيعونه فـيـما يأمركم وينهاكم. وكان بعضهم يقول: إنـما عنـي ب قوله: فَكُلُوا مِـمّا رَزَقَكُمُ اللّه حَلالاً طَيّبـا طعاما كان بعث به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمشركين من قومه فـي سِنِـي الـجدب والقحط رقة علـيهم، فقال اللّه تعالـى للـمشرلـين: فكلوا مـما رزقكم اللّه من هذا الذي بعث به إلـيكم حلالاً طيبـا. وذلك تأويـل بعيد مـما يدلّ علـيه ظاهر التنزيـل، وذلك أن اللّه تعالـى قد أتبع ذلك ب قوله: إنّـمَا حَرّمَ عَلَـيْكُمُ الـمَيْتَةَ والدّمَ... الاَية والتـي بعدها، فبـين بذلك أن قوله: فَكُلُوا مِـمّا رَزَقَكُمُ اللّه حَلالاً طَيّبـا إعلام من اللّه عبـاده أن ما كان الـمشركون يحرّمونه من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مـما قد بـيّنا قبل فـيـما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشيطان، فإن كلّ ذلك حلال لـم يحرّم اللّه منه شيئا. ١١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا حَرّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدّمَ وَلَحْمَ الْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّه بِهِ فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره مكذّبـا الـمشركين الذين كانوا يحرّمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرّم اللّه علـيكم أيها الناس إلا الـميتة والدم ولـحم الـخنزير وما ذبح للأنصاب فسُمّي علـيه غير اللّه لأن ذلك من ذبـائح من لا يحلّ أكل ذبـيحته، فمن اضطرّ إلـى ذلك أو إلـى شيء منه لـمـجاعة حلّت فأكله غيرَ بـاغٍ وَلا عاد فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: ذو ستر علـيه أن يؤاخذه بأكله ذلك فـي حال الضرورة، رحيـم به أن يعاقبه علـيه. وقد بـيّنا اختلاف الـمختلفـين فـي قوله: غيرَ بـاغٍ وَلا عادٍ والصواب عندنا من القول فـي ذلك بشواهده فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. ١٦٥٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّـمَا حَرّمَ عَلَـيْكُمْ الـمَيْتَةَ والدّمَ... الاَية قال: وإن الإسلام دين يطهره اللّه من كلّ سوء، وجعل لك فـيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلـى شيء من ذلك. قوله فَمَنِ اضْطُرّ غيرَ بـاغٍ وَلا عادٍ غير بـاغ فـي أكله ولا عاد أن يتعدّى حلالاً إلـى حرام، وهو يجد عنه مندوحة. ١١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـَذَا حَلاَلٌ ...}. اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والعراق وَلا تَقُولُوا لِـمَا تَصِفُ ألْسِنتُكُمُ الكَذِبَ فتكون تصف الكذب، بـمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، فتكون (ما) بـمعنى الـمصدر. وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ: (وَلا تَقُولُوا لِـمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبِ) هذا بخفض الكذب، بـمعنى: ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم، هَذَا حَلاَلٌ وهذَا حَرَامٌ فـيجعل الكذب ترجمة عن (ما) التـي فـي (لِـمَا) ، فتـخفضه بـما تـخفض به (ما) . وقد حُكي عن بعضهم: (لِـمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكمُ الكُذُبُ) يرفع (الكُذُب) ، فـيجعل الكُذُب من صفة الألسنة، ويخرج علـى فُعُل علـى أنه جمع كُذُوب وكُذُب، مثل شُكُور وشُكُر. والصواب عندي من القراءة فـي ذلك نصب (الكَذِب) لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. فتأويـل الكلام إذ كان ذلك كذلك لـما ذكرنا: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبَ فـيـما رزق اللّه عبـاده من الـمطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا علـى اللّه بقـيـلكم ذلك الكذبَ، فإن اللّه لـم يحرم من ذلك ما تـحرّمون، ولا أحلّ كثـيرا مـما تُـحِلّون. ثم تقدّم إلـيهم بـالوعيد علـى كذبهم علـيه، فقال: إنّ الّذِينَ يَفْتَرُونَ علـى اللّه الكَذِبَ يقول: إن الذين يتـخرّصون علـى اللّه الكذب ويختلقونه، لا يخـلّدون فـي الدنـيا ولا يبقون فـيها، إنـما يتـمتعون فـيها قلـيلاً. وقال: ١١٧مَتاعٌ قَلِـيـلٌ فرفع، لأن الـمعنى الذي هم فـيه من هذه الدنـيا متاع قلـيـل، أو لهم متاع قلـيـل فـي الدنـيا. وقوله: ولَهُمْ عَذَابٌ ألـيـمٌ يقول: ثم إلـينا مرجعهم ومعادهم، ولهم علـى كذبهم وافترائهم علـى اللّه بـما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إلـيه ألـيـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: لِـمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هذَا حَلالٌ وهذَا حَرَامٌ فـي البحيرة والسائبة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: البحائر والسوائب. ١١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَلَىَ الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن كَانُوَاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وحرّمنا من قبلك يا مـحمد علـى الـيهود ما أنبأناك به من قبل فـي سورة الأنعام، وذاك كلّ ذي ظفر، ومن البقر والغنـم حرّمنا علـيهم شحومهما إلا ما حملت ظُهورهما أو الـحوايا أو ما اختلط بعظم. وَما ظَلَـمْناهُمْ بتـحريـمنا ذلك علـيهم، ولكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ فجزيناهم ذلك ببغيهم علـى ربهم وظُلـمِهم أنفسهم بـمعصية اللّه ، فأورثهم ذلك عقوبة اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٥٨١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، عن عكرمة، فـي قوله: وَعلـى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا ما قَصَصْنا عَلَـيْكَ مِنْ قَبْلُ قال فِـي سورة الأنعام. ١٦٥٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَعلـى الّذِينَ هادُوا حَرّمْنا ما قَصَصْنا عَلَـيْكَ مِنْ قَبْلُ قال: ما قصّ اللّه تعالـى فـي سورة الأنعام حيث يقول: وعلـى الذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظُفُر… الاَية. ١١٩الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ، ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَصَوْا اللَّهَ فَجَهِلُوا بِرُكُوبِهِمْ مَا رَكِبُوا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَسَفُهُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ رَاجَعُوا طَاعَةَ اللَّهِ، وَالنَّدَمَ عَلَيْهَا، وَالِاسْتِغْفَارَ، وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا مِنْ بَعْدَ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ رُكُوبِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَصْلَحَ، فَعَمِلَ بِمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} [الأعراف: ١٥٣] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَعْدِ تَوْبَتِهِمْ لَهُ {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ١٦٥] ١٢٠الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ، اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ كَانَ مُعَلِّمَ خَيْرٍ يَأْتَمُّ بِهِ أَهْلُ الْهُدَى {قَانِتًا} [النحل: ١٢٠] يَقُولُ: مُطِيعًا للَّهِ {حَنِيفًا} [البقرة: ١٣٥] يَقُولُ: مُسْتَقِيمًا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ ، {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٠] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، فَيَكُونُ مِنْ أَوْلِيَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ، وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنَّهُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ ١٢١{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} يَقُولُ: كَانَ يُخْلِصُ الشُّكْرَ للَّهِ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجْعَلْ مَعَهُ فِي شُكْرِهِ فِي نِعَمِهِ عَلَيْهِ شَرِيكًا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا يَفْعَلُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ. {اجْتَبَاهُ} [النحل: ١٢١] يَقُولُ: اصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ لِخُلَّتِهِ. {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: ١٢١] يَقُولُ: وَأَرْشَدَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَذَلِكَ دِينُ الْإِسْلَامِ، لَا الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى {أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: ١٢٠] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مَنْ نَسْأَلُ إِذَا لَمْ نَسْأَلْكَ؟ فَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَقَّ لَهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَنِ الْأُمَّةِ، قَالَ: «الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ [ص:٣٩٤] مَسْعُودٍ عَنِ الْأُمَّةِ الْقَانِتِ، قَالَ: " الْأُمَّةُ: مُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ للَّهِ وَرَسُولِهِ " حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَنْصُورٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: ثني فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ حَنِيفًا» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: غَلِطَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ} [النحل: ١٢٠] فَقَالَ: تَدْرِي مَا الْأُمَّةُ وَمَا الْقَانِتُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: الْأُمَّةُ: الَّذِي يُعَلِّمُ الْخَيْرَ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُعَلِّمُ الْخَيْرَ، وَكَانَ مُطِيعًا للَّهِ وَلِرَسُولِهِ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ فِرَاسًا يُحَدِّثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ، قَالَ: " إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: نَسِيَ، إِنَّمَا ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَنْ نَسِيَ، إِنَّمَا كُنَّا نُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيمَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ: " مُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ للَّهِ وَرَسُولِهِ " حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ} [النحل: ١٢٠] ، فَقَالَ: " كَانَ مُعَاذٌ أُمَّةً قَانِتًا. قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْأُمَّةُ؟ الْأُمَّةُ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ، وَالْقَانِتُ: الَّذِي يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: ثنا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ الْبَجَلِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: نَسِيتَ قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّهُ شَبِيهُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأُمَّةُ: مُعَلِّمُ الْخَيْرِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ " حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٠] قَالَ: «مُطِيعًا» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ» وَذُكِرَ فِي الْأُمَّةِ أَشْيَاءُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، قَالَ: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: ٤٥] ، يَعْنِي: بَعْدَ حِينٍ، وَ {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: «لَمْ تَبْقَ الْأَرْضُ إِلَّا وَفِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَتَخْرُجُ بَرَكَتُهَا، إِلَّا زَمَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، وَمُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَزَادَ فِيهِ: " الْأُمَّةُ: الَّذِي يُعَلِّمُ الْخَيْرَ وَيُؤْتَمُّ بِهِ [ص:٣٩٦] وَيُقْتَدَى بِهِ، وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ ". قَالَ لَهُ أَبُو فَرْوَةَ الْكِنْدِيُّ: إِنَّكَ وَهِمْتَ " حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] عَلَى حِدَةٍ، {قَانِتًا للَّهِ} [النحل: ١٢٠] ، قَالَ: مُطِيعًا ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: مُطِيعًا للَّهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عُوَيْمِرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ، قَالَ: " قَانِتًا: مُطِيعًا " حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّهِ} [النحل: ١٢٠] قَالَ: «كَانَ إِمَامَ هُدًى، مُطِيعًا، تُتَّبَعُ سُنَّتُهُ وَمِلَّتُهُ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا قَالَ غَيْرُ قَتَادَةَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأُمَّةُ؟ الَّذِي يُعَلِّمُ الْخَيْرَ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ [ص:٣٩٧] فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: ١٢٠] ، فَقَالَ: " إِنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا، قَالَ: فَأَعَادُوا، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْأُمَّةُ؟ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ، وَالْقَانِتُ: الَّذِي يُطِيعُ اللَّهَ " وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأُمَّةِ وَوُجُوهِهَا وَمَعْنَى الْقَانِتِ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ١٢٢الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: ١٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَآتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قُنُوتِهِ للَّهِ وَشُكْرِهِ عَلَى نِعَمِهِ وَإِخْلَاصِهِ الْعِبَادَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ذِكْرًا حَسَنًا وَثَنَاءً جَمِيلًا بَاقِيًا عَلَى الْأَيَّامِ {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: ١٣٠] يَقُولُ: وَإِنَّهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمِمَّنْ صَلُحَ أَمْرُهُ وَشَأْنُهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَحَسُنَتْ فِيهَا مَنْزِلَتُهُ وَكَرَامَتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {[ص:٣٩٨] وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: ١٢٢] قَالَ: «لِسَانَ صِدْقٍ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: ١٢٢] فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلَّا يَتَوَلَّاهُ وَيَرْضَاهُ " ١٢٤الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ...} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَقُلْنَا لَكَ: اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيَّةَ الْمُسْلِمَةَ {حَنِيفًا} [البقرة: ١٣٥] يَقُولُ: مُسْلِمًا عَلَى الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، بَرِيئًا مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ الَّتِي يَعْبُدُهَا قَوْمُكَ، كَمَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ تَبَرَّأَ مِنْهَا وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ١٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا فَرَضَ اللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ تَعْظِيمَ يَوْمِ السَّبْتِ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَغَ مِنْ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ سَبَتَ يَوْمَ السَّبْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْأَحَدِ، لِأَنَّهُ الْيَوْمَ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ [ص:٣٩٩] خَلْقَ الْأَشْيَاءِ، فَاخْتَارُوهُ وَتَرَكُوا تَعْظِيمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمَهُ وَاسْتَحَلُّوهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ١٢٤] «اتَّبَعُوهُ وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ} [النحل: ١٢٤] قَالَ: «أَرَادُوا الْجُمُعَةَ فَأَخْطَئُوا، فَأَخَذُوا السَّبْتَ مَكَانَهُ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ١٢٤] «اسْتَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ١٢٤] قَالَ: «بِاسْتِحْلَالِهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: ١٢٤] قَالَ: «كَانُوا يَطْلُبُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَخْطَئُوهُ، وَأَخَذُوا يَوْمَ السَّبْتِ، فَجَعَلَهُ عَلَيْهِمْ» وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لِيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النحل: ١٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لِيَحْكُمُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِحْلَالِ السَّبْتِ وَتَحْرِيمِهِ عِنْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا بِالْحَقِّ، وَيَفْصِلُ بِالْعَدْلِ بِمُجَازَاةِ الْمُصِيبِ فِيهِ جَزَاءَهُ، وَالْمُخْطِئِ فِيهِ مِنْهُمْ مَا هُوَ أَهْلُهُ ١٢٥الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ادْعُ} [البقرة: ٦٨] يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَرْسَلَكَ إِلَيْهِ رَبُّكَ بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ {إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: ١٢٥] يَقُولُ: إِلَى شَرِيعَةِ رَبِّكَ الَّتِي شَرَعَهَا لِخَلْقِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ {بِالْحِكْمَةِ} [النحل: ١٢٥] يَقُولُ بِوَحْيِ اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْكَ وَكِتَابِهِ الَّذِي يُنْزِلُهُ عَلَيْكَ {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: ١٢٥] يَقُولُ: وَبِالْعِبَرِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِهَا فِي تَنْزِيلِهِ، كَالَّتِي عَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ حُجَجِهِ، وَذَكَّرَهُمْ فِيهَا مَا ذَكَّرَهُمْ مِنْ آلَائِهِ {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] يَقُولُ: وَخَاصِمْهُمْ بِالْخُصُومَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهَا، أَنْ تَصْفَحَ عَمَّا نَالُوا بِهِ عِرْضِكَ مِنَ الْأَذَى، وَلَا تَعْصِهِ فِي الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْكَ مِنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] «أَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [النحل: ١٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ جَارَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي السَّبْتِ وَغَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَحَادَّ اللَّهَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَالِكًا قَصْدَ السَّبِيلِ وَمَحَجَّةَ الْحَقِّ، وَهُوَ مُجَازٍ جَمِيعَهُمْ جَزَاءَهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ ١٢٦الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ ظَلَمَكُمْ وَاعْتَدَى عَلَيْكُمْ، فَعَاقِبُوهُ بِمِثْلِ الَّذِي نَالَكُمْ بِهِ ظَالِمِكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَنْ عُقُوبَتِهِ وَاحْتَسَبْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَا نَالَكُمْ بِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَوَكَّلْتُمْ أَمْرَهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي عُقُوبَتَهُ، {لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] يَقُولُ: لَلصَّبْرُ عَنْ عُقُوبَتِهِ بِذَلِكَ خَيْرٌ لِأَهْلِ الصَّبْرِ احْتِسَابًا وَابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُهُ مِنَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنَالَهُ بِانْتِقَامِهِ مِنْ ظَالِمِهِ عَلَى ظُلْمِهِ إِيَّاهُ مِنْ لَذَّةِ الِانْتِصَارِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {لَهُوَ} [آل عمران: ٦٢] كِنَايَةٌ عَنِ الصَّبْرِ وَحَسُنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الصَّبْرَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل: ١٢٦] عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكَمَةٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَقْسَمُوا حِينَ فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا فَعَلُوا بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّمْثِيلِ بِهِمْ أَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَهُمْ فِي الْمُثْلَةِ بِهِمْ إِنْ رُزِقُوا الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ يَوْمًا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ إِنْ هُمْ ظَفَرُوا عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرْكِ التَّمْثِيلِ وَإِيثَارِ الصَّبْرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] فَنُسِخَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْمُثْلَةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لَمَّا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَاهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ: «لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] قَالُوا: بَلْ نَصْبِرُ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ [ص:٤٠٣] قَالَ: لَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ مَا فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَاهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، مِنْ تَبْقِيرِ الْبُطُونِ وَقَطْعِ الْمَذَاكِيرِ وَالْمُثْلَةِ السَّيِّئَةِ، قَالُوا: «لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللَّهُ بِهِمْ، لَنَفْعَلَنَّ وَلَنَفْعَلَنَّ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] " حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: " نَزَلَتْ سُورَةُ النَّحْلِ كُلِّهَا بِمَكَّةَ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ فِي آخِرِهَا نَزَلَتْ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ أُحُدٍ، حَيْثُ قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ» ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، قَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ قَطُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] قَالَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] إِلَى قَوْلِهِ: {لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] " حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ فِي أَهْلِ أُحُدٍ الْمُثَلُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: «لَئِنْ أَصَبْنَاهُمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ» ، فَقَالَ اللَّهُ [ص:٤٠٤]: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] ثُمَّ عَزَمَ وَأَخْبَرَ فَلَا يُمَثِّلُ، فَنُهِيَ عَنِ الْمُثَلِ، قَالَ: مَثَّلَ الْكُفَّارُ بِقَتْلَى أُحُدٍ، إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ، كَانَ الرَّاهِبُ أَبُو عَامِرٍ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، فَتَرَكُوا حَنْظَلَةَ لِذَلِكَ ". وَقَالَ آخَرُونَ: نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي بَرَاءَةَ: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قَالُوا: وَإِنَّمَا قَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] خَبَرًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يَبْدَءُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُمْ بِهِ، فَقَالَ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: ١٩٠] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] قَالَ: " هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ، قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ وَانْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، قَالَ: فَهَذَا مِنَ الْمَنْسُوخِ ". [ص:٤٠٥] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] نَبِيَّ اللَّهِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ لَهُ عَزِيمَةً مِنَ اللَّهِ دُونَهُمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] قَالَ: " أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَعْفُوا عَنِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ رِجَالٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَنَا لَانْتَصَرْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكِلَابِ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] وَاصْبِرْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، وَلَا تَكُنْ فِي ضِيقٍ مِمَّنْ يَنْتَصِرُ، وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ، فَهَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ ". وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يُعْنَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِمَا أَنَّ مَنْ ظُلِمَ بِظُلَامَةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنَالَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ أَكْثَرَ مِمَّا نَالَ الظَّالِمُ مِنْهُ، وَقَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] يَقُولُ: «[ص:٤٠٦] إِنْ أَخَذَ مِنْكَ رَجُلٌ شَيْئًا، فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِنْ أَخَذَ مِنْكَ شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ» . قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ: إِنْ أَخَذَ مِنْكَ دِينَارًا فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ إِلَّا دِينَارًا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْكَ شَيْئًا فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ إِلَّا مِثْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] «لَا تَعْتَدُوا» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ مَنْ عُوقِبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعُقُوبَةٍ أَنْ يُعَاقِبَ مَنْ عَاقَبَهُ بِمِثْلِ الَّذِي عُوقِبَ بِهِ، إِنِ اخْتَارَ عُقُوبَتَهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى تَرْكِ عُقُوبَتِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ خَيْرٌ، وَعَزَمَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْبِرَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهَرُ التَّنْزِيلِ، وَالتَّأْوِيلَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرُوهَا عَنْهُ مُحْتَمِلَتُهَا الْآيَةُ كُلُّهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَيِ ذَلِكَ عَنَى بِهَا مَنْ خُبِّرَ وَلَا عَقَلَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمَ بِهَا إِلَى [ص:٤٠٧] نَاطِقٍ لَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقَالَ: هِيَ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزُوا فِيمَا وَجَبَ لَهُمْ قَبْلَ غَيْرِهِمْ مِنْ حَقٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ الْحَقَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، إِذْ كَانَ لَا دَلَالَةَ عَلَى نَسْخِهَا، وَأَنَّ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَجْهًا صَحِيحًا مَفْهُومًا ١٢٧الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْ أَذًى فِي اللَّهِ {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] يَقُولُ: وَمَا صَبْرُكَ إِنْ صَبَرْتَ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاكَ لِذَلِكَ {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر: ٨٨] يَقُولُ: وَلَا تَحْزَنْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَكَ وَيُنْكِرُونَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ فِي أَنْ وَلَّوْا عَنْكَ وَأَعْرَضُوا عَمَّا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: ١٢٧] يَقُولُ: وَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ مِنَ الْجَهْلِ وَنِسْبَتُهُمْ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ إِلَى أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ شِعْرٌ أَوْ كَهَانَةٌ {مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: ١٢٧] مِمَّا يَحْتَالُونَ بِالْخِدَعِ فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِكَ وَالتَّصْدِيقَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ} [النحل: ١٢٧] بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الضَّيْقِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَقِرَاءَةُ بَعْضِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (وَلَا تَكُ فِي ضِيقٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: {فِي ضَيْقٍ} [النحل: ١٢٧] بِفَتْحِ الضَّادِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضِيقَ صَدْرُهُ مِمَّا يَلْقَى مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى تَبْلِيغِهِ إِيَّاهُمْ وَحْيَ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ، فَقَالَ لَهُ: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ} [الأعراف: ٢] ، وَقَالَ: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود: ١٢] ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي نَهَاهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَفَتْحُ الضَّادِ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، تَقُولُ الْعَرَبُ: فِي صَدْرِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ ضَيْقٌ، وَإِنَّمَا تُكْسَرُ الضَّادُ فِي الشَّيْءِ الْمُعَاشِ وَضِيقُ الْمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ الضَّيْقُ بِفَتْحِ الضَّادِ فِي مَوْضِعِ الضِّيقِ بِالْكَسْرِ، كَانَ عَلَى الَّذِي يَتَّسِعُ أَحْيَانًا وَيَضِيقُ مِنْ قِلَّةٍ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، إِمَّا عَلَى جَمْعِ الضَّيْقَةِ، كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ: [البحر الرمل] فَلَئِنْ رَبُّكَ مِنْ رَحْمَتِهِ ... كَشَفَ الضَّيْقَةَ عَنَّا وَفَسَحْ وَالْآخَرُ عَلَى تَخْفِيفِ الشَّيْءِ الضَّيِّقِ، كَمَا يُخَفَّفُ الْهَيِّنُ اللَّيِّنُ، فَيُقَالُ: هُوَ هَيِّنٌ لَيِّنٌ ١٢٨الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّ اللَّهَ} [البقرة: ٢٠] يَا مُحَمَّدُ {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوُا} [النحل: ١٢٨] اللَّهَ فِي مَحَارِمِهِ فَاجْتَنِبُوهَا، وَخَافُوا عِقَابَهُ عَلَيْهَا، فَأَحْجَمُوا عَنِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] يَقُولُ: وَهُوَ مَعَ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ رِعَايَةَ فَرَائِضِهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَلُزُومِ طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] قَالَ: «اتَّقُوُا اللَّهَ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، وَأَحْسَنُوا فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ» . حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا، أَنَّ هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ الْعَبْدِيَّ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قِيلَ لَهُ: أَوْصِ، قَالَ: " مَا أَدْرِي مَا أُوصِي، وَلَكِنْ [ص:٤١٠] بِيعُوا دِرْعِي فَاقْضُوا عَنِّي دَيْنِي، فَإِنْ لَمْ تَفِ فَبِيعُوا فَرَسِي، فَإِنْ لَمْ يَفِ فَبِيعُوا غُلَامِي، وَأُوصِيكُمْ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَ: «بَلْ نَصْبِرُ» |
﴿ ٠ ﴾