تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الإسراءسُورَة الإسْراءِ مَكيّة وآياتها إحدى عشرة ومائة بِسمِ اللّه الرحمَن الرّحِيـمِ ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ }. قال أبو جعفر مـحمد بن جرير الطبري: يعني تعالـى ذكره بقوله تعالـى: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بعَبْدِه لَـيْلاً تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مـما يقول فـيه الـمشركون من أنّ له من خـلقه شريكا، وأن له صاحبة وولدا، وعاوّا له وتعظيـما عما أضافوه إلـيه، ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم. وقد بـيّنت فـيـما مضى قبل، أن قوله سبحان اسم وُضع موضع الـمصدر، فنصب لوقوعه موقعه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد كان بعضهم يقول: نصب لأنه غير موصوف، وللعرب فـي التسبـيح أماكن تستعمله فـيها. فمنها الصلاة، كان كثـير من أهل التأويـل يتأوّلون قول اللّه :فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ: فلولا أنه كان من الـمصلـين. ومنها الاستثناء، كان بعضهم يتأول قول اللّه تعالـى: ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبّحُونَ: لولا تستثنون، وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل الـيـمن، ويستشهد لصحة تأويـله ذلك ب قوله: إذْ أقْسَمُوا لَـيَصْرِمُنّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ قال: قَال أوْسَطُهمْ ألَـم أقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحونَ فذكرهم تركهم الاستثناء. ومنها النور، وكان بعضهم يتأوّل فـي الـخبر الذي رُوي عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْلا ذلكَ لاَءَحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ما أدْرَكَتْ مِنْ شَيْء) أنه عنى ب قوله: سبحات وجهه: نور وجهه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٢١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلـحة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه سُئل عن التسبـيح أن يقول الإنسان: سُبْحانَ اللّه ، قال: (إنْزَاهُ اللّه عَنِ السّوءِ) . ١٦٦٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان، عن الـحسن بن صالـح، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: سبحان اللّه : قال: إنكاف لله. وقد ذكرنا من الاَثار فـي ذلك ما فـيه الكفـاية فـيـما مضى من كتابنا هذا قبل. والإسراء والسّرى: سير اللـيـل. فمن قال: أَسْرى، قال: يُسري إسراء ومن قال: سرى، قال: يَسري سُرَىً، كما قال الشاعر: ولَـيْـلَةٍ ذَاتِ دُجّى سَرَيْتُولَـمْ يَـلِتْنِـي عَنْ سُراها لَـيْتُ ويروى: ذات ندى سَريْت. و يعني ب قوله: لَـيْلاً من اللـيـل. وكذلك كان حُذيفة بن الـيـمان يقرؤها. ١٦٦٢٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبـا بكر بن عياش ورجل يحدّث عنده بحديث حين أُسري بـالنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال له: لا تـجيء بـمثل عاصم ولا زر، قال: قرأ حُذيفة: (سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللّـيْـلِ منَ الـمَسجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى) وكذا قرأ عبد اللّه . وأما قوله: مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ فإنه اختُلف فـيه وفـي معناه، فقال بعضهم: يعني من الـحرم، وقال: الـحرم كله مسجد. وقد بـيّنا ذلك فـي غير موضع من كتابنا هذا. وقال: وقد ذُكر لنا أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان لـيـلة أُسري به إلـى الـمسجد الأقصى كان نائما فـي بـيت أمّ هانىء ابنة أبـي طالب. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن السائب، عن أبـي صالـح بن بـاذام عن أمّ هانىء بنت أبـي طالب، فـي مسرى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلاّ وهو فـي بـيتـي نائم عندي تلك اللـيـلة، فصلـى العشاء الاَخرة، ثم نام ونـمنا، فلـما كان قُبَـيـل الفجر، أهبّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلـما صلـى الصبح وصلـينا معه قال: (يا أُمّ هانِىءٍ لَقَدْ صَلّـيْتُ مَعَكُمُ العِشاءَ الاَخِرَةِ كمَا رأيْتِ بهَذَا الوَادِي، ثُمّ جِئْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ فَصَلّـيْتُ فِـيهِ، ثُمّ صَلّـيْتُ صَلاةَ الغَدَاةِ مَعَكُمُ الاَنَ كمَا تَرَيْنَ) . وقال آخرون: بل أُسرى به من الـمسجد، وفـيه كان حين أسرى به. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٢٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر بن عدي، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، وهو رجل من قومه قال: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (بَـيْنا أنا عِنْدَ البَـيْتِ بـينَ النائمِ والـيَقْظانِ، إذْ سَمِعْتُ قائلاً يَقُولُ، أحَدُ الثلاثَةِ، فأتِـيتُ بطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِـيها مِنْ ماءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إلـى كَذَا وكَذَا) قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلـى أسفل بطنه قال: (فـاسْتَـخْرَجَ قَلْبِـي فغُسلَ بِـمَاءِ زَمْزَمَ ثُمّ أُعِيدَ مَكانَهُ، ثُمّ حُشِيَ إيـمَانا وَحِكْمَةً، ثُمّ أتِـيتُ بِدَابّةٍ أبْـيَض) ، وفـي رواية أخرى: (بِدَابّة بَـيْضَاءَ يُقالُ لَهُ البُرَاقُ، فَوْقَ الـحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فحُمِلْتُ عَلَـيْهِ، ثُمّ انْطَلَقْنا حتـى أتَـيْنا إلـى بَـيْتِ الـمَقْدِسِ فَصَلّـيْتُ فِـيِه بـالنّبِـيّـينَ والـمُرْسَلِـينَ إماما، ثُمّ عُرِجَ بِـي إلـى السّماءِ الدّنْـيا) ... فذكر الـحديث. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا خالد بن الـحرث، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك، يعني ابن صعصعة رجل من قومه، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحوه. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، قال: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم ذكر نـحوه. ١٦٦٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: قال مـحمد بن إسحاق: ثنـي عمرو بن عبد الرحمن، عن الـحسن بن أبـي الـحسن، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (بَـيْنا أنا نائمٌ فـي الـحِجْرِ جاءَنِـي جبْرِيـلُ فَهَمَزَنـي بِقَدمِهِ، فجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنِـي الثّانِـيَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ فَلَـمْ أرَ شَيْئا، فَعُدْتُ لِـمَضْجَعي، فجاءَنـي الثّالِثَةَ فَهَمَزَنِـي بقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأخَذَ بعَضُدِي فَقُمْتُ مَعَهُ، فخَرَجَ بِـي إلـى بـابِ الـمَسْجدِ، فإذَا دَابّةٌ بَـيْضَاءُ بـينَ الـحِمارِ والبَغْلِ، لَهُ فِـي فَخِذَيْهِ جَناحان يَحْفِزُ بِهما رِجْلَـيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِـي مُنْتَهَى طَرْفهِ، فحَمَلَنـي عَلَـيْهِ ثُمّ خَرَجَ مَعي، لا يَفُوتُنـي وَلا أفُوتُهُ) . ١٦٦٢٧ـ حدثنا الربـيع بن سلـيـمان، قال: أخبرنا ابن وهب، عن سلـيـمان بن بلال، عن شريك بن أبـي نـمر، قال: سمعت أنسا يحدثنا عن لـيـلة الـمسرى برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إلـيه وهو نائم فـي الـمسجد الـحرام، فقال أوّلهم: أيهم هو؟ قال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللـيـلة، فلـم يرهم حتـى جاءوا لـيـلة أخرى فـيـما يرى قلبه والنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه. وكذلك الأنبـياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم فلـم يكلـموه حتـى احتـملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبرئيـل علـيه السلام، فشقّ ما بـين نـحره إلـى لبّته، حتـى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم حتـى أنقـى جوفه، ثم أُتـي بطست من ذهب فـيه تَوْرٌ مـحشوّ إيـمانا وحكمة، فحشا به جوفه وصدره ولغاديده، ثم أطبقه ثم ركب البراق، فسار حتـى أتـى به إلـى بـيت الـمقدس فصلـى فـيه بـالنّبـيـين والـمرسلـين إماما، ثم عرج به إلـى السماء الدنـيا، فضرب بـابـا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال: هذا جبرائيـل، قـيـل: من معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أَوَ قَد بُعث إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبـا به وأهلاً، فـيستبشر به أهل السماء، لا يعلـم أهل السماء بـما يريد اللّه بأهل الأرض حتـى يُعلـمهم، فوجد فـي السماء الدنـيا آدم، فقال له جبرائيـل: هذا أبوك، فسلّـم علـيه، فردّ علـيه، فقال: مرحبـا بك وأهلاً يا بنـي، فنعم الابن أنت، ثم مضى به إلـى السماء الثانـية، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـا من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ فقال: جبرئيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أو قد أرسل إلـيه؟ قال: نعم قد أُرسل إلـيه، فقـيـل: مرحبـا به وأهلاً، ففُتـح لهما فلـما صعد فـيها فإذا هو بنهرين يجريان، فقال: ما هذان النهران يا جبرائيـل؟ قال: هذا النـيـل والفرات عنصرهما ثم عرج به إلـى السماء الثالثة، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـا من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرئيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد، قـيـل: أَوَ قَد بُعث إلـيه؟ قال: نعم قد بُعث إلـيه، قـيـل: مرحبـا به وأهلاً، ففُتـح له فإذا هو بنهر علـيه قبـاب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، وغير ذلك مـما لا يعلـمه إلاّ اللّه ، فذهب يشمّ ترابه، فإذا هو مسك أذفر، فقال: يا جبرائيـل ما هذا النهر؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك فـي الاَخرة ثم عرج به إلـى الرابعة، فقالوا به مثل ذلك ثم عرج به إلـى الـخامسة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى السادسة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلـى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، وكلّ سماه فـيها أنبـياء قد سماهم أنس، فوعيت منهم إدريس فـي الثانـية، وهارون فـي الرابعة، وآخر فـي الـخامسة لـم أحفظ اسمه، وإبراهيـم فـي السادسة، وموسى فـي السابعة بتفضيـل كلامه اللّه ، فقال موسى: رب لـم أظنّ أن يرفع علـيّ أحد ثم علا به فوق ذلك بـما لا يعلـمه إلاّ اللّه ، حتـى جاء سدرة الـمنتهى، ودنا بـاب الـجبّـار ربّ العزّة، فتدلـى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلـى عبده ما شاء، وأوحى اللّه فـيـما أوحى خمسين صلاة علـى أمته كل يوم ولـيـلة، ثم هبط حتـى بلغ موسى فـاحتبسه، فقال: يا مـحمد ماذا عهد إلـيك ربك؟ قال: (عهد إلـيّ خمسين صلاة علـى أمتـي كل يوم ولـيـلة) قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فـارجع فلـيخفف عنك وعنهم، فـالتفتّ إلـى جبرائيـل كأنه يستشيره فـي ذلك، فأشار إلـيه أن نعم، فعاد به جبرائيـل حتـى أتـى الـجبّـارَ عزّ وجلّ وهو مكانه، فقال: (ربّ خفف عنا، فإن أمتـي لا تستطيع هذا) ، فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلـى موسى علـيه السلام فـاحتبسه، فلـم يزل يردّده موسى إلـى ربه حتـى صارت إلـى خمس صلوات، ثم احتبسه عند الـخمس، فقال: يا مـحمد قد واللّه راودتُ بنـي إسرائيـل علـى أدنى من هذه الـخمس، فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبـا وأبصارا وأسماعا، فـارجع فلـيخفف عنك ربك، كلّ ذلك يـلتفت إلـى جبرئيـل لـيشير علـيه، ولا يكره ذلك جبرئيـل، فرفعه عند الـخمس، فقال: (يا ربّ إن أمتـي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فخفف عنا) ، قال الـجبّـار جلّ جلاله: يا مـحمد، قال: (لبّـيك وسعديك) ، فقال: إنـي لا يُبدّل القول لديّ كما كتبت علـيك فـي أمّ الكتاب، ولك بكلّ حسنة عشر أمثالها، وهي خمسون فـي أمّ الكتاب، وهي خمس علـيك فرجع إلـى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: (خفّف عنـي، أعطانا بكلّ حسنة عشر أمثالها) ، قال: قد واللّه راودت بنـي إسرائيـل علـى أدنى من هذا فتركوه فـارجع فلـيخفف عنك أيضا، قال: (يا موسى قد واللّه استـحيـيت من ربـي مـما أختلف إلـيه) ، قال: فـاهبط بـاسم اللّه ، فـاستـيقظ وهو فـي الـمسجد الـحرام. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، أن يقال: إن اللّه عزّ وجلّ أخبر أنه أسرى بعبده من الـمسجد الـحرام، والـمسجد الـحرام هو الذي يتعارفه الناس بـينهم إذا ذكروه، وقوله: إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى يعني : مسجد بـيت الـمقدس، و قـيـل له: الأقصى، لأنه أبعد الـمساجد التـي تزار، ويُبتَغى فـي زيارته الفضل بعد الـمسجد الـحرام. فتأويـل الكلام تنزيها لله، وتبرئة له مـما نـحله الـمشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة، وما يجلّ عنه جلّ جلاله، الذي سار بعبده لـيلاً من بـيته الـحرام إلـى بـيته الأقصى. ثم اختلف أهل العلـم فـي صفة إسراء اللّه تبـارك وتعالـى بنبـيه صلى اللّه عليه وسلم من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد الأقصى، فقال بعضهم: أسرى اللّه بجسده، فسار به لـيلاً علـى البُراق من بـيته الـحرام إلـى بـيته الأقصى حتـى أتاه، فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيـم سُلطانه، فجمعت له به الأنبـياء، فصلـى بهم هُنالك، وعَرج به إلـى السماء حتـى صعد به فوق السموات السبع، وأوحى إلـيه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلـى الـمسجد الـحرام من لـيـلته، فصلـى به صلاة الصبح. ذكر من قال ذلك، وذكر بعض الروايات التـي رُويت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتصحيحه: ١٦٦٢٨ـ حدثنا يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي ابن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أُسري به علـى البُراق، وهي دابّة إبراهيـم التـي كان يزور علـيها البـيت الـحرام، يقع حافرها موضع طرفها، قال: فمرّت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية، فنفرت العير، وفـيها بعير علـيه غرارتان: سوداء، وزرقاء، حتـى أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إيـلـياء فأتـى بقدحين: قدح خمر، وقدح لبن، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قدح اللبن، فقال له جبرئيـل: هُديت إلـى الفطرة، لو أخذت قدح الـخمر غوت أمتك. قال ابن شهاب: فأخبرنـي ابن الـمسيب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقـي هناك إبراهيـم وعيسى، فنعتهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: (فأمّا مُوسَى فَضَرْبٌ رَجْلُ الرأسِ كأنّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ، وأمّا عِيسَى فَرَجْلٌ أحْمَرُ كأنّـمَا خَرَجَ مِنْ دِيـمَاسٍ، فأشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ الثّقَـفِـيّ وأمّا إبْرَاهِيـمُ فأنا أشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ) فلـما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حدّث قريشا أنه أُسري به. قال عبد اللّه : فـارتدّ ناس كثـير بعد ما أسلـموا، قال أبو سلـمة: فأتـى أبو بكر الصدّيق، ف قـيـل له: هل لك فـي صاحبك، يزعم أنه أسري به إلـى بـيت الـمقدس ثم رجع فـي لـيـلة واحدة، قال أبو بكر: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أفتشهد أنه جاء الشام فـي لـيـلة واحدة؟ قال: إنـي أصدّقه بأبعد من ذلك، أصدّقه بخبر السماء. قال أبو سلـمة: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لَـمّا كَذّبَتْنِـي قُرَيْشٌ قُمْتُ فَمَثّلَ اللّه لـي بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، فَطَفِقُت أُخْبرُهُمْ عَنْ آياتِه وأنا أنْظُرُ إلَـيْهِ) . ١٦٦٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبـيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبـي وقاص، عن أنس بن مالك، قال: لـما جاء جبرائيـل علـيه السلام بـالبراق إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكأنها ضربت بذنبها، فقال لها جبرئيـل: مه يا براق، فواللّه إن ركبك مثله فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق: أي علـى جنب الطريق. قال أو جعفر: ينبغي أن يقال: نائية، ولكن أسقط منها التأنـيث. فقال: (ما هذه يا جبرائيـل؟) قال: سر يا مـحمد، فسار ما شاء اللّه أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنـحيا عن الطريق يقول: هلـمّ يا مـحمد، قال جبرائيـل: سر يا مـحمد، فسار ما شاء اللّه أن يسير قال: ثم لقـيه خـلق من الـخلائق، فقال أحدهم: السلام علـيك يا أوّل، والسلام علـيك يا آخر، والسلام علـيك يا حاشر، فقال له جبرائيـل: اردد السلام يا مـحمد، قال: فردّ السلام ثم لقـيه الثانـي، فقال له مثل مقالة الأوّلـين حتـى انتهى إلـى بـيت الـمقدس، فعرض علـيه الـماء واللبن والـخمر، فتناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللبن، فقال له جبرائيـل: أصبت يا مـحمد الفطرة، ولو شربت الـماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الـخمر لغويت وغوت أمتك. ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبـياء، فأمّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك اللـيـلة، ثم قال له جبرائيـل: أما العجوز التـي رأيت علـى جانب الطريق، فلـم يبق من الدنـيا إلاّ بقدر ما بقـي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تـميـل إلـيه، فذاك عدوّ اللّه إبلـيس، أراد أن تـميـل إلـيه وأما الذين سلّـموا علـيك، فذاك إبراهيـم وموسى وعيسى. ١٦٦٣٠ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا حجاج، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية الرياحي، عن أبـي هريرة أو غيره شك أبو جعفرفي قول اللّه عز وجل: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنّهُ هُوَ السّميع البَصِيرُ قال: جاء جبرائيـل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومعه ميكائيـل، فقال جبرائيـل لـميكائيـل: ائتنـي بطست من ماء زمزم كيـما أطهر قلبه، وأشرح له صدره، قال: فشقّ عن بطنه، فغسله ثلاث مرّات، واختلف إلـيه ميكائيـل بثلاث طسات من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما كان فـيه من غلّ، وملأه حلـما وعلـما وإيـمانا ويقـينا وإسلاما، وختـم بـين كتفـيه بخاتـم النبوّة، ثم أتاه بفرس فحمل علـيه كلّ خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره. قال: فسار وسار معه جبرائيـل علـيه السلام، فأتـى علـى قوم يزرعون فـي يوم ويحصدون فـي يوم، كلـما حصدوا عاد كما كان، فقال النبـي صلى اللّه عليه وسلم: (يا جبْرائيـلُ ما هَذَا؟) قال: هؤلاء الـمـجاهدون فـي سبـيـل اللّه ، تُضاعف لهم الـحسنة بسبع مئة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخـلفه وهو خير الرازقـين ثم أتـى علـى قوم تُرضخ رؤوسهم بـالصخر، كلـما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: (ما هؤلاء يا جَبرائِيـل؟) قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة الـمكتوبة ثم أتـى علـى قوم علـى أقبـالهم رقاع، وعلـى أدبـارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنـم، ويأكلون الضريع والزقّوم ورضف جهنـم وحجارتها، قال: (ما هَؤُلاء يا جَبْرِائيـلُ؟) قال: هؤلاء الذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلـمهم اللّه شيئا، وما اللّه بظلام للعبـيد ثم أتـى علـى قوم بـين أيديهم لـحم نضيج فـي قدور، ولـحم آخر نـيء قذر خبـيث، فجعلوا يأكلون من النـيء، ويدعَون النضيج الطيّب، فقال: (ما هَؤُلاء يا جَبْرَئِيـلُ؟) قال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده الـمرأة الـحلال الطيّب، فـيأتـي امرأة خبـيثة فـيبـيت عندها حتـى يصبح، والـمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيبـا، فتأتـي رجلاً خبـيثا، فتبـيت معه حتـى تصبح. قال: ثم أتـى علـى خشبة فـي الطريق لا يـمرّ بها ثوب إلاّ شقّته، ولا شيء إلاّ خرقته، قال: (ما هَذَا يا جَبْرَئِيـلُ؟) قال: هذا مثَل أقوام من أمتك يقعدون علـى الطريق فـيقطعونه. ثم قرأ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ... الاَية. ثم أتـى علـى رجل قد جمع حزمة حطب عظيـمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد علـيها، فقال: (ما هذا يا جَبْرائِيـلُ؟) قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر علـى أدائها، وهو يزيد علـيها، ويريد أن يحملها، فلا يستطيع ذلك ثم أتـى علـى قوم تقرض ألسنتهم وشفـاههم بـمقاريض من حديد، كلـما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: (ما هؤلاء يا جَبْرَئِيـلُ؟) فقال: هؤلاء خطبـاء أمتك خطبـاء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ثم أتـى علـى جحر صغير يخرج منه ثور عظيـم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: (ما هَذَا يا جَبْرَئِيـلُ؟) قال: هذا الرجل يتكلـم بـالكلـمة العظيـمة، ثم يندم علـيها، فلا يستطيع أن يردّها ثم أتـى علـى واد، فوجد ريحا طيبة بـاردة، وفـيه ريح الـمسك، وسمع صوتا، فقال: (يا جَبْرائِيـلُ ما هَذِهِ الرّيحُ الطّيّبَةُ البـارِدَةُ وَهذِهِ الرّائحَةُ الّتـي كَرِيحِ الـمسْكِ، وَما هَذَا الصّوْتُ؟) قال: هذا صوت الـجنة تقول: يا ربّ آتنـي ما وعدتنـي، فقد كثرت غرفـي واستبرقـي وحريري وسندسي وعبقري، ولؤلؤي ومرجانـي، وفضتـي وذهبـي، وأكوابـي وصحافـي وأبـاريقـي، وفواكهي ونـخـلـي ورمانـي، ولبنـي وخمري، فآتنـي ما وعدتنـي، فقال: لكِ كلّ مسلـم ومسلـمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بـي وبرسلـي، وعمل صالـحا ولـم يُشرك بـي، ولـم يتـخذ من دونـي أندادا، ومن خشينـي فهو آمن، ومن سألنـي أعطيته، ومن أقرضنـي جزيته، ومن توكّل علـيّ كفـيته، إنـي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا لا أخـلف الـميعاد، وقد أفلـح الـمؤمنون، وتبـارك اللّه أحسن الـخالقـين، قالت: قد رضيت ثم أتـى علـى واد فسمع صوتا منكرا، ووجد ريحا منتنة، فقال: (ما هَذِهِ الرّيحُ يا جَبْرَئيـلُ وَما هَذَا الصّوْتُ؟) قال: هذا صوت جهنـم، تقول: يا ربّ آتنـي ما وعدتنـي، فقد كثرت سلاسلـي وأغلالـي، وسعيري وجحيـمي، وضريعي وغسّاقـي، وعذابـي وعقابـي، وقد بعُد قعري واشتدّ حرّي، فآتنـي ما وعدتنـي، قال: لك كلّ مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكلّ خبـيث وخبـيثة، وكلّ جبّـار لا يؤمن بـيوم الـحساب، قالت: قد رضيت قال: ثم سار حتـى أتـى بـيت الـمقدس، فنزل فربط فرسه إلـى صخرة، ثم دخـل فصلـى مع الـملائكة فلـما قُضيت الصلاة. قالوا: يا جبرئيـل من هذا معك؟ قال: مـحمد، فقالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء قال: ثم لقـي أرواح الأنبـياء فأثنوا علـى ربهم، فقال إبراهيـم: الـحمد لله الذي اتـخذنـي خـلـيلاً وأعطانـي ملكا عظيـما، وجعلنـي أمّة قانتا لله يؤتـمّ بـي، وأنقذنـي من النار، وجعلها علـيّ بردا وسلاما ثم إن موسى أثنى علـى ربه فقال: الـحمد لله الذي كلّـمنـي تكلـيـما، وجعل هلاك آل فرعون ونـجاة بنـي إسرائيـل علـى يدي، وجعل من أمتـي قوما يهدون بـالـحقّ وبه يعدلون ثم إن داود علـيه السلام أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي جعل لـي ملكا عظيـما وعلّـمنـي الزّبور، وألان لـي الـحديد، وسخّر لـي الـجبـال يسبحن والطير، وأعطانـي الـحكمة وفصل الـخطاب ثم إن سلـيـمان أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي سخّر لـي الرياح، وسخّر لـي الشياطين، يعملون لـي ما شئت من مـحاريب وتـماثـيـل وجفـان كالـجواب، وقدور راسيات، وعلّـمنـي منطق الطير، وآتانـي من كلّ شيء فضلاً، وسخّر لـي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضّلنـي علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين، وآتانـي ملكا عظيـما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبـا لـيس علـيّ فـيه حساب ثم إن عيسى علـيه السلام أثنى علـى ربه، فقال: الـحمد لله الذي جعلنـي كلـمته وجعل مثلـي مثل آدم خـلقه من تراب، ثم قال له: كن فـيكون، وعلـمنـي الكتاب والـحكمة والتوراة والإنـجيـل، وجعلنـي أخـلق من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فـيه، فـيكون طيرا بإذن اللّه ، وجعلنـي أبرىء الأكنه والأبرص، وأحيـي الـموتـى بإذن اللّه ، ورفعنـي وطهرنـي، وأعاذنـي وأمي من الشيطان الرجيـم، فلـم يكن للشيطان علـينا سبـيـل قال: ثم إن مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أثنى علـى ربه، فقال: (كُلّكُمْ أثْنَى عَلـى رَبّهِ، وأنا مُثْنٍ عَلـى رَبّـي) ، فقال: (الـحَمْدُ لِلّهِ الذِي أرْسَلَنِـي رَحْمَةً للعالَـمِينَ، وكافةً للناس بَشِيرا وَنَذِيرا، وأنْزَلَ عَلـيّ الفُرقَانَ فِـيه تِبْـيانُ كُلّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمّتـي خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ، وَجَعَلَ أُمّتِـي وَسَطا، وَجَعَلَ أُمّتِـي هُمُ الأوّلُونَ وَهُمُ الاَخِرُونَ، وَشَرَحَ لـي صَدْري، وَوَضَعَ عَنـي وِزْرِي وَرَفَعَ لـي ذِكْرِي، وَجَعَلَنـي فـاتـحا خاتِـما) قال إبراهيـم: بهذا فضلكم مـحمد. قال: أبو جعفر: وهو الرازي: خاتـم النبوّة، وفـاتـح بـالشفـاعة يوم القـيامة ثم أتـى إلـيه بآنـية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتـى بإناء منها فـيه ماء، فقـيـل: اشرب، فشرب منه يسيرا ثم دفع إلـيه إناء آخر فـيه لبن، ف قـيـل له: اشرب، فشرب منه حتـى روى ثم دفع إلـيه إناء آخر فـيه خمر، ف قـيـل له: اشرب، فقال: (لا أريده قد رويت) فقال له جبرئيـل صلى اللّه عليه وسلم: أما إنها سَتُـحَرّم علـى أمتك، ولو شربت منها لـم يتبعك من أمتك إلاّ القلـيـل، ثم عَرَج به إلـى سماء الدنـيا، فـاستفتـح جبرائيـل بـابـا من أبوابها، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قـيـل: ومن معك؟ فقال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه، قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء فدخـل فإذا هو برجل تامّ الـخـلق لـم ينقص من خـلقه شيء، كما ينقص من خـلق الناس، علـى يـمينه بـاب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله بـاب يخرج منه ريح خبـيثة، إذا نظر إلـى البـاب الذي عن يـمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلـى البـاب الذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: (يا جَبْرَئِيـلَ مَنْ هَذَا الشّيْخُ التّامُ الـخَـلْقِ الّذِي لَـمْ يَنْقُصْ مِنْ خَـلْقِهِ شَيْءٌ، وَما هَذَانِ البـابـانِ؟) قال: هذا أبوك آدم، وهذا البـاب الذي عن يـمينه بـاب الـجنة، إذا نظر إلـى من يدخـله من ذرّيته ضحك واستبشر، والبـاب الذي عن شماله بـاب جهنـم، إذا نظر إلـى من يدخـله من ذرّيته بكى وحزن ثم صعد به جبرئيـل صلى اللّه عليه وسلم إلـى السماء الثانـية فـاستفتـح، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قـيـل: ومن معك؟ قال: مـحمد رسول اللّه ، فقالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فإذا هو بشابـين، فقال: (يا جَبْرَئِيـلُ مَنْ هَذَانِ الشابّـانِ؟) قال: هذا عيسى ابن مريـم، ويحيى بن زكريا ابنا الـخالة، قال: فصعد به إلـى السماء الثالثة، فـاستفتـح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فدخـل فإذا هو برجل قد فَضَل علـى الناس كلهم فـي الـحُسن، كما فُضّل القمرُ لـيـلة البدر علـى سائر الكواكب، قال: (مَنْ هَذَا يا جِبْرائِيـلُ الّذِي فَضَلَ علـى النّاسِ فـي الـحُسْنِ؟) قال: هذا أخوك يوسف ثم صعد به إلـى السماء الرابعة، فـاستفتـح، فقـيـل: من هذا؟ قال جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء قال: فدخـل، فإذا هو برجل، قال: (مَنْ هَذَا يا جَبْرَئيـلُ؟) قال: هذا إدريس رفعه اللّه مكانا علـيّا. ثم صعد به إلـى السماء الـخامسة، فـاستفتـح جبرائيـل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء ثم دخـل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ علـيهم، قال: (مَنْ هَذَا يا جَبْرَئِيـلُ وَمَنْ هَؤُلاءِ الّذِينَ حَوْلَهُ؟) قال: هذا هارون الـمـحبب فـي قومه، وهؤلاء بنو إسرائيـل ثم صعد به إلـى السماء السادسة، فـاستفتـح جبرائيـل، ف قـيـل له: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء فإذا هو برجل جالس، فجاوزه، فبكى الرجل، فقال: (يا جَبْرائِيـلُ مَنْ هَذَا؟) قال: موسى، قال: (فَمَا بـالُهُ يَبْكي؟) قال: تزعم بنو إسرائيـل أنـي أكرم بنـي آدم علـى اللّه ، وهذا رجل من بنـي آدم قد خـلفنـي فـي دنـيا، وأنا فـي أخرى، فلو أنه بنفسه لـم أبـال، ولكن مع كلّ نبـيّ أمته ثم صَعَد به إلـى السماء السابعة، فـاستفتـح جبرائيـل، فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معك؟ قال: مـحمد، قالوا: أَوَ قَد أُرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فدخـل فإذا هو برجل أشمط جالس عند بـاب الـجنة علـى كرسي، وعنده قوم جلوسٍ بـيض الوجوه، أمثال القراطيس، وقوم فـي ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين فـي ألوانهم شيء، فدخـلوا نهرا فـاغتسلوا فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، ثم دخـلوا نهرا آخر، فـاغتسلوا فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، ثم دخـلوا نهرا آخر فـاغتسلو فـيه، فخرجوا وقد خـلص من ألوانهم شيء، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلـى أصحابهم، فقال: (يا جَبْرَئِيـلُ مَنْ هَذَا الأشْمَطُ، ثُمّ مَنْ هَؤُلاءِ البِـيضُ وُجُوهُهُمْ، وَمَنْ هَؤُلاءِ الّذِينَ فـي ألْوَانِهِمْ شَيْءٌ، وَما هَذِهِ الأنهَارُ الّتـي دَخَـلُوا، فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ ألْوَانُهُمْ؟) قال: هذا أبوك إبراهيـم أوّل من شَمِط علـى الأرض، وأما هؤلاء البـيض الوجوه: فقوم لـم يُـلْبِسوا إيـمانهم بظلـم، وأما هؤلاء الذين فـي ألوانهم شيء، فقوم خـلطوا عملاً صالـحا وآخر شيئا، فتابوا، فتاب اللّه علـيهم، وأما الأنهار: فأولها رحمة اللّه ، وثانـيها: نعمة اللّه ، والثالث: سقاهم ربهم شرابـا طهورا قال: ثم انتهى إلـى السّدرة، ف قـيـل له: هذه السدرة ينتهي إلـيها كلّ أحد خلا من أمتك علـى سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لـم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّة للشاربـين، وأنهار من عسل مصفّـى، وهي شجرة يسير الراكب فـي ظلّها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، قال: فغشيها نور الـخلاّق عزّ وجلّ، وغشيتها الـملائكة أمثال الغربـان حين يقعن علـى الشجرة، قال: فكلـمه عند ذلك، فقال له: سل، فقال: (اتـخذتَ إبراهيـم خـلـيلاً، وأعطيته مُلكا عظيـما، وكلـمت موسى تكلـيـما، وأعطيت داود ملكا عظيـما، وألنت له الـحديد، وسخرت له الـجبـال، وأعطيت سلـيـمان ملكا عظيـما، وسخرت له الـجنّ والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلّـمت عيسى التوراة والإنـجيـل، وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص، ويحيـي الـموتـى بإذن اللّه ، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيـم، فلـم يكن للشيطان علـيهما سبـيـل) . فقال له ربه: قد اتـخذتك حبـيبـا وخـلـيلاً، وهو مكتوب فـي التوراة: حبـيب اللّه وأرسلتك إلـى الناس كافّة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلاّ ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأوّلون والاَخرون، وجعلت أمتك لا تـجوز لهم خطبة، حتـى يشهدوا أنك عبدي ورسولـي، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيـلهم، وجعلتك أوّل النّبـيـين خَـلْقا، وآخرهم بَعْثا، وأوّلَهم يُقْضَى له، وأعطيتك سبعا من الـمثانـي، لـم يُعطها نبـيّ قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانـية أسهم الإسلام والهجرة، والـجهاد، والصدقة، والصلاة، وصوم رمضان، والأمر بـالـمعروف، والنهي عن الـمنكر، وجعلتك فـاتـحا وخاتـما، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فضّلَنِـي رَبّـي بسِتّ: أعْطانِـي فَوَاتِـحَ الكَلِـمِ وَخَوَاتِـيـمَهُ، وَجَوَامِعَ الـحَدِيثِ، وأرْسَلَنِـي إلـى النّاسِ كافّةً بَشِيرا وَنَذِيرا، وَقَذَفَ فِـي قُلُوبِ عَدُوّي الرُعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وأُحِلّتْ لـيَ الغَنائمُ ولَـمْ تَـحِلّ لأَحَدٍ قَبْلِـي، وجُعِلَتْ لـي الأرْضُ كُلّها طَهُورا وَمَسْجِدا، قال: وَفَرَضَ عَلـيّ خَمْسِينَ صَلاةٍ) فلـما رجع إلـى موسى، قال: بِـم أُمرت يا مـحمد، قال: (بخَمْسِينَ صَلاةً) ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التّـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، فقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشرا، ثم رجع إلـى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: (بأرْبَعِينَ) ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيتُ من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع إلـى ربه، فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلـى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: (أُمِرْتُ بِثَلاثِـينَ) ، فقال له موسى: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلـى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: (بعشرين) ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدة، قال: فرجع إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلـى موسى، فقال: لكم أمرت؟ قال: قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيت من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: فرجع علـى حياء إلـى ربه فسأله التـخفـيف، فوضع عنه خمسا، فرجع إلـى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: (بخمس) ، قال: ارجع إلـى ربك فـاسأله التـخفـيف، فإن أمتك أضعف الأمـم، وقد لقـيتُ من بنـي إسرائيـل شدّة، قال: (قَدْ رَجَعْتُ إلـى رَبّـي حتـى اسْتَـحْيَـيْت فَمَا أنا رَاجِعٌ إلَـيْهِ) ، ف قـيـل له: أما إنك كما صبرت نفسك علـى خمس صلوات فإنهنّ يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كلّ حسنة بعشر أمثالها، قال: فرضي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم كلّ الرضا، فكان موسى أشدّهم علـيه حين مرّ به، وخيرهم له حين رجع إلـيه. حدثنـي مـحمد بن عبـيد اللّه ، قال: أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية أو غيره شكّ أبو جعفر عن أبـي هريرة فـي قوله: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِه... إلـى قوله: إنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ قال: جاء جبرائيـل إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحو حديث علـيّ بن سهل، عن حجاج، إلا أنه قال: جاء جبرائيـل ومعه مكائيـل، وقال فـيه: وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم، وقال فـي كل موضع قال علـيّ: (ما هؤلاء) ، (من هؤلاء يا جبرئيـل) ، وقال فـي موضع (تقرض ألسنتهم) (تقص ألسنتهم) ، وقال أيضا فـي موضع قال علـيّ فـيه: (ونعم الـخـلـيفة) . قال فـي ذكر الـخمر، فقال: (لا أريده قد رويت) ، قال جبرئيـل: قد أصبت الفطرة يا مـحمد، إنها ستـحرم علـى أمتك، وقال فـي سدرة الـمنتهى أيضا: هذه السدرة الـمنتهى، إلـيها ينتهي كلّ أحد خلا علـى سبـيـلك من أمتك وقال أيضا فـي الورقة منها: (تظلّ الـخـلق كلهم، تغشاها الـملائكة مثل الغربـان حين يقعن علـى الشجرة، من حُبّ اللّه عزّ وجلّ) وسائر الـحديث مثل حديث علـيّ. ١٦٦٣١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن أبـي هارون العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري وحدثنـي الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، قال: أخبرنا أبو هارون العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري، واللفظ لـحديث الـحسن بن يحيى، فـي قوله: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِد الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى قال: حدثنا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم عن لـيـلة أُسري به فقال نبـيّ اللّه : (أُتِـيتُ بِدَابّةٍ هِيَ أشْبَهُ الدّوَابّ بـالبَغْلِ، لَهُ أذُنانِ مُضْطَرِبَتان وَهُوَ البُرَاقُ، وَهُوَ الّذِي كانَ تَرْكَبُهُ الأنْبِـياءُ قَبْلِـي، فَرَكِبْتُهُ، فـانْطَلَقَ بِـي يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ، فَسَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَـمِينِـي: يا مُـحَمّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلَـمْ أعَرّجْ عَلَـيْهِ ثُمّ سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ شِمالـي: يا مُـحَمّدُ عَلـى رِسُلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلـمْ أعَرّجْ عَلَـيْهِ ثُمّ اسْتَقْبَلْتُ امْرأةً فِـي الطّرِيقِ، فَرأيْتُ عَلَـيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدّنـيْا رَافِعَةً يَدَها، تَقُولُ: يا مُـحَمّدُ علـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضْيتُ وَلَـمْ أعَرّجْ عَلَـيْها، ثُمّ أتَـيْتُ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، أوْ قالَ الـمَسْجِدَ الأقْصَى، فَنَزَلْتُ عَنِ الدّابَةِ فَأوْثْقْتُها بـالـحَلْقَةِ التـي كانَنِ الأنْبِـياءُ تُوثِقُ بِها، ثُمّ دَخَـلْتُ الـمَسْجِدَ فَصَلّـيْتُ فِـيهِ، فقالَ لِـي جَبْرَئِيـل: ماذَا رأيْتَ فِـي وَجْهِكَ، فَقُلْتُ: سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَـمِينِـي أنْ يا مُـحَمّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَـمْ أعَرّجْ عَلَـيْهِ، قالَ: ذَاكَ داعِيَ الـيَهُودِ، أمَا لَوَ أنّكَ وَقَـفْتَ عَلَـيْهِ لَتهَوّدَتْ أُمّتُكَ، قال: ثُمّ سَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يَسارِي أنْ يا مُـحَمّدُ عَلـى رِسْلِكَ أسألْكَ، فَمَضَيْتُ وَلَـمْ أعَرّجْ عَلَـيْهِ، قال: ذَاكَ داعي النّصَارَى، أمَا إنّكَ لَوْ وَقَـفْتَ عَلَـيْهِ لَتَنَصّرَتْ أُمّتُكَ، قُلْتُ: ثُمّ استْقَبَلَتَنِـي امْرأةٌ عَلَـيْها مِنْ كُلّ زِينَةٍ مِنْ زِينَةِ الدّنـيْا رَافِعَةً يَدَها تَقُولُ عَلـى رِسْلِكَ، أسألْكَ، فَمَضَيْتُ ولَـمْ أُعَرّجْ عَلَـيْها، قال: تِلْكَ الدّنـيْا تَزَيّنَتْ لَكَ، أمَا إنّكَ لَوْ وَقَـفْتَ عَلَـيْها لاخْتارَتْ أُمّتُكَ الدّنْـيا علـى الاَخِرَةِ، ثُمّ أُتِـيتُ بإناءَيْنِ أحَدُهُما فِـيهِ لَبنٌ، والاَخَرُ فِـيهِ خَمْرٌ، فَقِـيـلَ لِـي: اشْرَبْ أيّهُما شِئْتَ، فَأخَذْتُ اللّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، قال: أصَبْتَ الفِطْرَةَ أوْ قالَ: أخَذْتَ الفِطْرَةَ) . قال معمر: وأخبرنـي الزهري، عن ابن الـمسيب أنه قـيـل له: أما إنك لو أخذت الـخمر غوت أمتك. قال أبو هارون فـي حديث أبـي سعيد: (ثُمّ جِيءَ بـالـمِعْرَاجِ الّذِي تَعْرُجُ فِـيهِ أرْوَاحُ بَنِـي آدَمَ فإذَا هُوَ أحْسَنُ ما رأيْتُ ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَيّتِ كَيْفَ يُحِدّ بَصَرَهُ إلَـيْهِ فَعُرِجَ بِنا فِـيهِ حتـى انْتَهَيْنا إلـى بـابِ السّماءِ الدّنـيْا، فـاسْتَفْتَـحَ جَبْرَائِيـلُ، فَقـيـلَ مَنْ هَذا؟ قال: جَبْرَئِيـلُ؟ قِـيـلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: مُـحَمّدٌ، قِـيـلَ: أوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَـيْهِ؟ قال: نَعَمْ، فَفَتَـحُوا وَسَلّـمُوا عَلَـيّ، وَإذَا مَلَكٌ مُوَكّلٌ يَحْرُسُ السّماءَ يُقال لَهُ إسْماعِيـلُ، مَعَهُ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ مَعَ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ مِئَةُ ألْفٍ، ثم قرأ: وَما يَعْلَـمُ جُنُودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ وَإذَا أنا بِرَجُلٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَـلَقَهُ اللّه لَـمْ يَتَغَيّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، فإذَا هُوَ تُعْرَض عَلَـيْهِ أرْوَاحُ ذُرّيّتِهِ، فإذَا كانَتْ رُوح مُؤْمِنٍ، قالَ: رُوحٌ طَيّبَةٌ، وَرِيحٌ طَيّبَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِـي عِلّـيِـينَ وَإذَا كانَ رُوحَ كافِرٍ قالَ: رُوحٌ خَبِـيثَةٌ وَرِيحٌ خَبِـيثَةٌ، اجْعَلُوا كِتابَهُ فِـي سِجيّـلٍ، فَقُلْتُ: يا جَبْرَائِيـلُ مَنْ هَذَا؟ قال: أبُوكَ آدَمُ، فَسَلّـمَ عَلـيّ وَرَحّبَ بِـي وَدَعا لِـي بِخَيرٍ وَقال: مَرْحَبـا بـالنّبِـيّ الصّالِـحِ والوَلَدِ الصّالِـحِ، ثُمّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بقَوْمٍ لَهُمْ مَشافِرُ كمَشافِرِ الإبلِ، وَقَدْ وُكّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِـمَشافِرِهِمْ، ثُمّ يُجْعَلُ فـي أفْوَاهِهِمْ صَخْرا مِنْ نارٍ يَخْرُجُ مِنْ أسافِلِهِمْ، قُلْتُ: يا جَبرْئِيـلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قال: هَؤُلاءِ الّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـما. ثُمّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بَقَوْمٍ يُحْذَي مِنْ جُلُودِهِمْ ويُرَدّ فِـي أفْوَاهِهِمْ، ثُمّ يُقال: كُلُوا كمَا أكَلْتُـمْ، فإذَا أكْرَهُ ما خَـلَقَ اللّه لَهُمْ ذلكَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الهَمّازُونَ اللّـمازُونَ الذِينَ يأكُلُونَ لُـحُومَ النّاسِ، وَيَقَعُونَ فِـي أعْرَاضِهِمْ بـالسّبّ ثُمّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بِقَوْمٍ عَلـى مائِدَةٍ عَلَـيْها لَـحْمٌ مَشْوِيّ كأحْسَنِ ما رأيْتُ مِنَ اللـحْمِ، وَإذَا حَوْلَهُمْ جِيَفٌ، فَجعلُوا يَـمِيـلُونَ عَلـى الـجِيفِ يَأكُلُونَ مِنْها وَيَدَعُونَ ذلكَ اللـحْمَ، قُلْتُ: مَنْ هَؤلاءِ يا جَبْرَائِيَـلُ؟ قالَ: هَؤُلاءِ الزّناةُ عَمَدُوا إلـى مَا حَرّمَ اللّه عَلَـيْهِمْ، وَتَرَكُوا ما أحَلّ اللّه لَهُمْ ثمّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بِقَوْمٍ لَهُمْ بُطونٌ كأنّها البُـيُوتُ وَهِيَ علـى سابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، فإذَا مَرّ بِهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ ثارُوا، فَـيَـمِيـلُ بأحَدِهِمْ بَطْنُهُ فَـيَقَعُ، فَـيَتَوَطئُوهُمْ آلُ فِرْعَوْنَ بأرْجُلِهِمْ، وَهُمْ يُعْرَضُونَ عَلـى النارِ غُدُوّا وَعَشِيّا قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاء يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: هَؤُلاءِ أكَلَةُ الرّبـا، رَبـا فِـي بُطُونِهِمْ، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي يَتَـخَبّطُهُ الشّيْطانُ مِن الـمَسّ ثُمّ نَظَرْتُ، فإذَا أنا بِنِساءٍ مُعَلّقاتٍ بِثُدُيّهِنّ، وَنِساءٌ مُنَكّساتٌ بأرْجُلِهِنّ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يا جِبْرَئِيـلُ؟ قال: هنّ اللاتـي يَزْنِـينَ وَيَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ قالَ: ثُمّ صَعَدْنا إلـى السّماءِ الثّانِـيَةِ، فإذَا أنا بِـيُوسُف وحَوْلهُ تَبَعٌ مِنْ أُمّتِهِ، وَوَجْهُهُ كالقَمَرِ لَـيْـلَةَ البَدْرِ، فَسَلّـمَ عَلـيّ وَرَحّبَ بِـي، ثُمّ مَضَيْنا إلـى السّماءِ الثّالِثَةِ، فإذا أنا بـابْنِـيَ الـخالَةِ يَحيَى وَعِيَسى، يُشْبِهُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ، ثِـيابُهما وَشَعْرُهُما، فَسَلّـما عَلـيّ، وَرَحبّـابِـي ثُمّ مَضَيْنَا إلـى السّماءِ الرّابِعَةِ، فإذا أنا بإدْرِيَس، فَسَلّـمَ عَلـيّ وَرَحّب وَقَدْ قالَ اللّه : وَرَفَعْناه مَكانا عَلِـيّا ثُمّ مَضَيْنا إلـى السّماءِ الـخامِسَةِ، فإذَا أنا بِهارُونَ الـمُـحَبّبِ فِـي قَوْمِهِ، حَوْلَهُ تَبَعٌ كَثِـيرٌ مِنْ أُمّتِهِ) فَوَصَفَهُ النّبِـي صلى اللّه عليه وسلم: (طَوِيـلُ اللّـحْيَةِ تَكادُ لِـحْيَتُهُ تَـمَسّ سُرّتَهُ، فَسلّـمَ علـيّ وَرَحَبَ ثُمّ مَضَيْنا إلـى السّماءِ السّادِسَةِ فإذَا أنا بـمُوسَى بْنِ عِمْرانَ) فَوَصَفَهُ النّبِـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقالَ: (كَثِـيرُ الشّعْرِ لَوْ كانَ عَلَـيْهِ قَمِيصَانِ خَرَجَ شَعْرُهُ مِنْهُمَا قالَ مُوسَى: تَزْعَمُ النّاسُ أنّـي أكْرَمُ الـخَـلْقِ عَلـى اللّه ، فَهَذَا أكْرَمُ عَلـى اللّه مِنّـي، وَلَوْ كانَ وَحْدَهُ لَـمْ أكُنْ أُبـالـي، وَلَكِنْ كُلّ نَبِـيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمّتِهِ ثُمّ مَضَيْنا إلـى السّماءِ السّابِعَةِ، فإذَا أنا بإبْرَاهِيـمَ وَهُوَ جالِس مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلـى البَـيْتِ الـمَعْمُورَ فَسَلّـمَ عَلـيّ وَقال: مَرْحبـا بـالنّبِـيّ الصّالِـحِ وَالَوَلَدِ الصّالِـحِ، فَقِـيـلَ: هذَا مَكانُكَ وَمَكانُ أُمّتِك، ثُمّ تَلا: إنّ أوْلَـى النّاسِ بـابْرَاهِيـمَ للّذِينَ اتّبَعُوا وَهَذا النّبِـيّ وَالّذِينَ آمَنُوا، وَاللّه وَلِـيّ الـمُؤْمِنِـينَ ثُمّ دَخَـلْتُ البَـيْتَ الـمَعْمُورَ فَصَلّـيْتُ فِـيهِ، وَإذَا هُوَ يَدْخُـلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ ثُمّ نَظَرْتُ فإذَا أنا بشَجَرَةٍ إنْ كانَتْ الوَرَقَةُ مِنْها لُـمغَطّيَةٌ هَذِهِ الأُمّةَ، فإذَا فِـي أصْلِها عَيْنٌ تَـجْرِي قَدْ تَشَعّبَتْ شُعْبَتَـيْنِ، فَقُلْتُ: ما هذَا يا جَبْرَائِيـلُ؟ قال: أمّا هَذَا: فَهُوَ نَهْرُ الرّحْمَةِ، وأمّا هذَا: فَهُوَ الكَوْثَرُ الذِي أعْطاكَهُ اللّه ، فـاغْتَسَلْتُ فِـي نَهْرِ الرّحمَةِ فَغُفِرَ لِـي ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِـي وَما تَأخّرَ، ثُمّ أَخَذْتُ عَلـى الكَوْثَرِ حتـى دَخَـلْتُ الـجَنّة، فإذَا فِـيها ما لا عَيْنٌ رأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمَعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإذَا فِـيها رُمّانٌ كأنّهُ جُلُودُ الإبِلِ الـمُقَتّبَةُ، وإذَا فِـيها طَيْرٌ كأنّها البُخْتُ) فقالَ أبُو بَكْرِ: إنّ تِلكَ الطّيْرَ لَناعِمَةٌ، قالَ: (أكَلَتْها أنْعَمُ مِنْها يا أبـا بَكْرٍ، وإنّـي لأَرْجُو أنْ تَأكُلَ مِنْها، ورأيْتُ فِـيها جارِيَةً، فَسألْتُها: لَـمَنْ أنْتِ؟ فَقالَتْ: لزَيْدِ بْنِ حارِثَة) فَبَشّرَ بِها رَسُولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلمزَيْدا قالَ: (ثُمّ إنّ اللّه أمَرَنِـي بأمْرِهِ، وَفَرَض عَلـيّ خَمْسِينَ صَلاةً، فَمَرَرْتُ عَلـى مُوسَى، فقالَ: بِـمَ أمَرَكَ رَبّكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلـيّ خَمْسِينَ صَلاةَ، قالَ: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فأسألْهُ التّـخْفِـيفَ، فإنّ أُمّتَكَ لَنْ يَقُومُوا بِهذَا، فَرَجَعْتُ إلـى رَبّـي فَسألْتُهُ فَوَضَعَ عَنّـي عَشْرا، ثُمّ رَجَعْتُ إلـى مُوسَى، فَلَـمْ أزَلْ أرْجِعُ إلـى رَبّـي إذَا مَرَرْتُ بِـمُوسَى حتـى فَرَض عَلَـيّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَقالَ مُوسَى: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ التّـخْفِـيفَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إلـى رَبّـي حتـى اسْتَـحْيَـيْتُ) أوْ قالَ: (قُلْت: ما أنا بِرَاجِعٍ، فَقـيـلَ لـي: إنّ لَكَ بِهذِهِ الـخَمْسِ صَلَوَاتِ خَمْسِينَ صَلاةً، الـحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَمَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَـمْ يَعْمَلْها كُتِبتْ لَهُ حَسَنَة، وَمَنْ عَمِلَها كُتِبَتْ لَهُ عَشْرا، وَمَنْ هَمّ بِسيَئَةٍ فَلَـم يَعْمَلْها لَـمْ تُكْتَبْ شَيْئا، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ وَاحِدَةً) . حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي روح بن القاسم، عن أبـي هارون عمارة بن جوين العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: وثنـي أبو جعفر، عن أبـي هارون، عن أبـي سعيد، قال: سمعت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لَـمّا فَرَغْتُ مِـمّا كانَ فِـي بَـيْتِ الـمَقْدِسِ، أُتِـيَ بـالـمِعْرَاجِ، ولَـمْ أرَ شَيْئا قَطّ أحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الّذِي يَـمُدّ إلَـيْهِ مَيّتُكُمْ عَيْنَـيْهِ إذا حَضَرَ، فَأصْعَدَنِـي صَاحِبـي فِـيهِ حتـى انْتَهَى إلـى بـابٍ مِنَ الأبْوَابِ يُقالُ لَهُ بـابُ الـحَفَظَةِ، عَلَـيْهِ مَلَكٌ يُقالُ لَهُ إسْماعِيـلُ، تَـحْتَ يَدَيهِ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ، تَـحْت يَدَيْ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنا عَشَرَ ألْفَ مَلَكٍ) فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين حدّث هذا الـحديث: (ما يَعْلَـمُ جُنُودَ رَبّكَ إلاّ هُوَ) ثم ذكر نـحو حديث معمر، عن أبـي هارون إلا أنه قال فـي حديثه: قال: (ثُمّ دَخَـلَ بِـيَ الـجَنّةَ فَرأيْتُ فِـيها جارِيَةً، فسألتُها لِـمَنْ أنْتِ؟ وَقَدْ أعْجَبَتْنِـي حينَ رأيْتُها، فَقالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حارِثَةَ) فبشّر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد بن حارثة، ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلـمة إلـى ههنا. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن الـمسيب، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصف لأصحابه لـيـلة أُسري به إبراهيـمَ وموسى وعيسى فقال: (أمّا إبْرَاهِيـمُ فَلَـمْ أرَ رَجُلاً أشْبَهً بِصَاحِبِكُمْ مِنْهُ. وأمّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمٌ طِوَالٌ جَعْدٌ أقْنَى، كأنّه مِنْ رِجالِ شُنُوءَةَ. وأمّا عِيسَى فَرجُلٌ أحْمَرُ بـينَ القَصِيرِ والطّوِيـلِ سَبطُ الشّعْرِ كَثِـيرُ خِيلانِ الوَجْهِ، كأنّه خَرَجَ مِنْ دِيـماَسٍ كأنّ رأسَهُ يَقْطُرُ ماءً، وَما بِهِ ماءٌ، أشْبَهُ مِنْ رأيْتُ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ) . حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه، ولـم يقل عن أبـي هريرة. ١٦٦٣٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلمأُتِـي بـالبراق لـيـلة أُسري به مسرجا ملـجما لـيركبه، فـاستصعب علـيه، فقال له جبرئيـل: ما يحملك علـى هذا، فواللّه ما ركبك أحد قطّ أكرم علـى اللّه منه قال: فـارفض عرقا. ١٦٦٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ أسري بِنَبِـيّ اللّه عشاء من مكة إلـى بـيت الـمقدس، فصلـى نبـيّ اللّه فـيه، فأراه اللّه من آياته وأمره بـما شاء لـيـلة أسري به، ثم أصبح بـمكة. ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (حُمِلْتُ عَلـى دَابّةٍ يُقالُ لَهَا البُرَاقُ، فَوْقَ الـحِمارِ وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) فحدث نبـيّ اللّه بذلك أهل مكة، فكذب به الـمشركون وأنكروه وقالوا: يا مـحمد تـخبرنا أنك أتـيت بـيت الـمقدس، وأقبلت من لـيـلتك، ثم أصبحت عندنا بـمكة، فما كنت تـجيئنا به، وتأتـي به قبل هذا الـيوم مع هذا فصدقه أبو بكر، فسمّي أبو بكر الصدّيق من أجل ذلك. ١٦٦٣٤ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا سلـيـمان الشيبـانـي، عن عبد اللّه بن شدّاد، قال: لـما كان لـيـلة أُسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتـي بدابة يقال لها البراق، دون البغل وفوق الـحمار، تضع حافرها عند منتهى ظفرها فلـما أتـى بـيت الـمقدس أُتِـيَ بإناءين: إناء من لبن، وإناء من خمر، فشرب اللبن. قال: فقال له جبرائيـل: هديت وهديت أمتك. وقال آخرون مـمن قال: أسرى بـالنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمسجد الأقصى بنفسه وجسمه أسرى به علـيه السلام، غير أنه لـم يدخـل بـيت الـمقدس، ولـم يصلّ فـيه، ولـم ينزل عن البراق حتـى رجع إلـى مكة. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٣٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبـيش، عن حُذيفة بن الـيـمان، أنه قال فـي هذه الاَية: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى قال: لـم يصلّ فـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولو صلـى فـيه لكتب علـيكم ألصلاة فـيه، كا كتب علـيكم الصلاة عند الكعبة. حدثنا أبو كريب، قال: سمعا أبـا بكر بن عياش، ورجل يحدّث عنده بحديث حين أسري بـالنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال له: لا تـجِيء بـمثل عاصم ولا زرّ قال: قال حُذيفة لزرّ بن حبـيش قال: وكان زِرّ رجلاً شريفـا من أشراف العرب، قال: قرأ حُذيفة سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللّـيْـلِ مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنّهُ هُوَ السّميعُ البَصِيرُ وكذا قرأ عبد اللّه ، قال: وهذا كما يقولون: إنه دخـل الـمسجد فصلـى فـيه، ثم دخـل فربط دابته، قال: قلت: واللّه قد دخـله، قال: من أنت فإنـي أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك، قال: قلت: زر بن حبـيش، قال: ما عملك هذا؟ قال: قلت: من قبَل القرآن، قال: من أخذ بـالقرآن أفلـح، قال: فقلت: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَـيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ إلـى الـمَسْجِدِ الأَقْصَى الّذِي بـارَكْنا حَوْلَهُ قال: فنظر إلـيّ فقال: يا أصلع، هل ترى دخـله؟ قال: قلت: لا والله، قال حُذيفة: أجل واللّه الذي لا إله إلا هو ما دخـله، ولو دخـله لوجبت علـيكم صلاة فـيه، لا واللّه ما نزل عن البراق حتـى رأى الـجنة والنار، وما أعدّ اللّه فـي الاَخرة أجمع وقال: تدري ما البراق؟ قال: دابة دون البغل وفوق الـحمار، خطوه مدّ البصر. وقال آخرون: بل أسري بروحه، ولـم يسر بجسده. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي يعقوب بن عتبة بن الـمغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبـي سفـيان، كان إذا سئل عن مسرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كانت رؤيا من اللّه صادقة. ١٦٦٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد، قال: ثنـي بعض آل أبـي بكر، أن عائشة كانت تقول: ما فقد جسد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكن اللّه أسرى بروحه. ١٦٦٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال ابن إسحاق: فلـم يُنكر ذلك من قولها الـحسن أن هذه الاَية نزلت وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ ولقول اللّه فـي الـخبر عن إبراهيـم، إذ قال لابنه: يا بنـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ فـانْظُرْ ماذَا تَرَى ثم مضى علـى ذلك، فعرفت أن الوحي يأتـي بـالأنبـياء من اللّه أيقاظا ونـياما، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (تَنامُ عَيْسَى وَقَلْبِـي يَقْظانُ) فـاللّه أعلـم أيّ ذلك كان قد جاءه ؤعاين فـيه من أمر اللّه ما عاين علـى أيّ حالاته كان نائما أو يقظانا كلّ ذلك حقّ وصدق. والصواب من القؤل فـي ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه أسرى بعبده مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد الأقصى، كما أخبر اللّه عبـاده، وكما تظاهرت به الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن اللّه حمله علـى البراق حين أتاه به، وصلـى هنالك بـمن صلـى من الأنبـياء والرسل، فأراه ما أراه من الاَيات ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لـم يكن فـي ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دلـيلاً علـى نبوّته، ولا حجة له علـى رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقـيقة ذلك من أهل الشرك، وكانوا يدفعون به عن صدقه فـيه، إذ لـم يكن منكرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بنـي آدم أن يرى الرائي منهم فـي الـمنام ما علـى مسيرة سنة، فكيف ما هو علـى مسيرة شهر أو أقلّ؟ وبعد، فإن اللّه إنـما أخبر فـي كتابه أنه أسرى بعبده، ولـم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، ولـيس جائزا لأحد أن يتعدّى ما قال اللّه إلـى غيره. فإن ظنّ ظانّ أن ذلك جائز، إذ كانت العرب تفعل ذلك فـي كلامها، كما قال قائلهم: حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِـي عَناقاوَما هِيَ وَيْبَ غيرِكِ بـالْعَناقِ يعني : حسبت بغام راحلتـي صوت عناق، فحذف الصوت واكتفـى منه بـالعناق، فإن العرب تفعل ذلك فـيـما كان مفهوما مراد الـمتكلـم منهم به من الكلام. فأما فـيـما لا دلالة علـيه إلا بظهوره، ولا يوصل إلـى معرفة مراد الـمتكلّـم إلا ببـيانه، فإنها لا تـحذف ذلك ولا دلالة تدلّ علـى أن مراد اللّه من قوله: أسْرَى بِعَبْدِهِ أسرى بروح عبده، بل الأدلة الواضحة، والأخبـار الـمتتابعة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه أسرى به علـى دابة يُقال لها البراق ولو كان الإسراء بروحه لـم تكن الروح مـحمولة علـى البراق، إذ كانت الدوابّ لا تـحمل إلا الأجسام. إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا: أسرى بروحه: رأى فـي الـمنام أنه أسرى بجسده علـى البراق، فـيكذب حينئذٍ بـمعنى الأخبـار التـي رُويت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أن جبرئيـل حمله علـى البراق، لأن ذلك إذا كان مناما علـى قول قائل هذا القول، ولـم تكن الروح عنده مـما تركب الدوابّ، ولـم يحمل علـى البراق جسم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، لـم يكن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم علـى قوله حُمل علـى البراق لا جسمه، ولا شيء منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين، وذلك دفع لظاهر التنزيـل، وما تتابعت به الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجاءت به الاَثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين. وقوله: الّذِي بـاركْنا حَوْلَهُ يقول تعالـى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه فـي معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. وقوله: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا يقول تعالـى ذكره: كي نرى عبدنا مـحمدا من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت فـي الأخبـار التـي رويتها آنفـا، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أريه فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس، وبعد مصيره إلـيه من عجائب العبر والـمواعظ. كما: ١٦٦٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ما أراه اللّه من الاَيات والعبر فـي طريق بـيت الـمقدس. وقوله: إنّهُ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ يقول تعالـى ذكره: إن الذي أسرى بعبده هو السميع لـما يقول هؤلاء الـمشركون من أهل مكة فـي مسرى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلـى بـيت الـمقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بـما يعملون من الأعمال، لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علـم شيء منه، بل هو مـحيط بجميعه علـما، ومـحصيه عددا، وهو لهم بـالـمرصاد، لـيجزى جميعهم بـما هم أهله. وكان بعض البصريـين يقول: كسرت (إن) من قوله: إنّهُ هَوَ السّمِيعُ البَصِيرُ لأن معنى الكلام: قل يا مـحمد: سبحان الذي أسرى بعبده، وقل: إنه هو السميع البصير. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاّ تَتّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده لـيلاً وآتـى موسى الكتاب، وردّ الكلام إلـى وآتَـيْنا وقد ابتدأ بقوله أسرى لـما قد ذكرنا قبل فـيـما مضى من فعل العرب فـي نظائر ذلك من ابتداء الـخبر بـالـخبر عن الغائب، ثم الرجوع إلـى الـخطاب وأشبـاهه. وعنى بـالكتاب الذي أوتـى موسى: التوراة. وَجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِـي إسْرَائِيـلَ يقول: وجعلنا الكتاب الذي هو التوراة بـيانا للـحقّ، ودلـيلاً لهم علـى مـحجة الصواب فـيـما افترض علـيهم، وأمرهم به، ونهاهم عنه. وقوله: ألاّ تَتّـخِذُوا مِنْ دُونِـي وَكِيلاً اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والكوفة ألاّ تَتّـخِذُوا بـالتاء بـمعنى: وآتـينا موسى الكتاب بأن لا تتـخذوا يا بنـي إسرائيـل مِنْ دُونِـي وَكيِلاً. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: (ألاّ يَتّـخِذُوا) بـالـياء علـى الـخبر عن بنـي إسرائيـل، بـمعنى: وجعلناه هدى لبنـي إسرائيـل، ألا يتّـخذ بنو إسرائيـل، من دونـي وكيلاً، وهما قراءتان صحيحتا الـمعنى، متفقتان غير مختلفتـين، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب، غير أنـي أوثر القراءة بـالتاء، لأنها أشهر فـي القراءة وأشدّ استفـاضة فـيهم من القراءة بـالـياء. ومعنى الكلام: وآتـينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنـي إسرائيـل ألا تتـخذوا حفـيظا لكم سواي. وقد بـينا معنى الوكيـل فـيـما مضى. وكان مـجاهد يقول: معناه فـي هذا الـموضع: الشريك. ١٦٦٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله: ألاّ تَتّـخِذُوا مِنْ دُونِـي وَكِيلاً قال: شريكا. وكأن مـجاهدا جعل إقامة من أقام شيئا سوى اللّه مقامه شريكا منه له، ووكيلاً للذي أقامه مقام اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل هذه الاَية، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وآتَـيْنا مُوسَى الكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِـي إسْرَائِيـلَ جعله اللّه لهم هدى، يخرجهم من الظلـمات إلـى النور، وجعله رحمة لهم. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }. يقول تعالـى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده لـيلاً من الـمسجد الـحرام إلـى الـمسجد الأقصى، وآتـينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنـي إسرائيـل ذريّة من حملنا مع نوح. وعنى بـالذرية: جميع من احتـجّ علـيه جل ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمـم، عربهم وعجمهم من بنـي إسرائيـل وغيرهم، وذلك أنّ كلّ من علـى الأرض من بنـي آدم، فهم من ذرية من حمله اللّه مع نوح فـي السفـينة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ والناس كلهم ذرّية من أنـجى اللّه فـي تلك السفـينة وذُكر لنا أنه ما نـجا فـيها يومئذٍ غير نوح وثلاثة بنـين له، وامرأته وثلاث نسوة، وهم: سام، وحام، ويافث فأما سام: فأبو العرب وأما حام: فأبو الـحبش وأما يافث: فأبو الروم. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ذَرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ قال: بنوه ثلاثة ونساؤهم، ونوح وامرأته. ١٦٦٤٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مـجاهد: بنوه ونساؤهم ونوح، ولـم تكن امرأته. وقد بـيّنا فـي غير هذا الـموضع فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وقوله: إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا يعني بقوله تعالـى ذكره: (إنه) إن نوحا، والهاء من ذكر نوح، كان عبدا شكورا لله علـى نعمه. وقد اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي سماه اللّه من أجله شكورا، فقال بعضهم: سماه اللّه بذلك لأنه كان يحمد اللّه علـى طعامه إذا طعمه. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٤٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا سفـيان، عن التـيـمي، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبـا أو أكل طعاما حمد اللّه ، فسمّي عبدا شكورا. ١٦٦٤٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن عبد اللّه بن سنان، عن سعيد بن مسعود بـمثله. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن أبـي حصين، عن عبد اللّه بن سنان، عن سعيد بن مسعود قال: ما لبس نوح جديدا قطّ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد اللّه فلذلك قال اللّه : عَبْدا شَكُورا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: ثنـي سفـيان الثوري، قال: ثنـي أيوب، عن أبـي عثمان النهدي، عن سلـمان، قال: إنـما سمى نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبـا حمد اللّه ، وإذا أكل طعاما حمد اللّه . ١٦٦٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ من بنـي إسرائيـل وغيرهم إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا قال: إنه لـم يجدّد ثوبـا قطّ إلا حمد اللّه ، ولـم يبل ثوبـا قطّ إلا حمد اللّه ، وإذا شرب شربة حمد اللّه ، قال: الـحمد لله الذي سقانـيها علـى شهوة ولذّة وصحة، ولـيس فـي تفسيرها، وإذا شرب شربة قال هذا، ولكن بلغنـي ذا. ١٦٦٤٧ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو فضالة، عن النضر بن شفـي، عن عمران بن سلـيـم، قال: إنـما سمّى نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال: الـحمد لله الذي أطعمنـي، ولو شاء أجاعنـي وإذا شرب قال: الـحمد لله الذي سقانـي، ولو شاء أظمأنـي وإذا لبس ثوبـا قال: الـحمد لله الذي كسانـي، ولو شاء أعرانـي وإذا لبس نعلاً قال: الـحمد لله الذي حذانـي، ولو شاء أحفـانـي وإذا قضى حاجة قال: الـحمد لله الذي أخرج عنـي أذاه، ولو شاء حبسه. وقال آخرون فـي ذلك بـما. ١٦٦٤٨ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عبد الـجبـار بن عمر أن ابن أبـي مريـم حدّثه، قال: إنـما سمى اللّه نوحا عبدا شكورا، أنه كان إذا خرج البراز منه قال: الـحمد لله الذي سوّغنـيك طيبـا، وأخرج عنـي أذاك، وأبقـى منفعتك. وقال آخرون فـي ذلك بـما: ١٦٦٤٩ـ حدثنا به بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال اللّه لنوح إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا ذكر لنا أنه لـم يستـجد ثوبـا قطّ إلا حمد اللّه ، وكان يأمر إذا استـجدّ الرجل ثوبـا أن يقول: الـحمد لله الذي كسانـي ما أتـجمّل به، وأواري به عورتـي. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةإنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا قال: كان إذا لبس ثوبـا قال: الـحمد لله، وإذا أخـلقه قال: الـحمد لله. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَضَيْنَآ إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً }. وقد بـيّنا فـيـما مضى قبل أن معنى القضاء: الفراغ من الشيء، ثم يستعمل فـي كلّ مفروغ منه، فتأويـل الكلام فـي هذا الـموضع: وفرغ ربك إلـى بنـي إسرائيـل فـيـما أنزل من كتابه علـى موسى صلوات اللّه وسلامه علـيه بإعلامه إياهم، وإخبـاره لهم لَتُفْسِدُنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ يقول: لتعصنّ اللّه يا معشر بنـي إسرائيـل ولتـخالفنّ أمره فـي بلاده مرّتـين وَلَتَعْلُنّ عَلُوّا كَبِـيرا يقول: ولتستكبرنّ علـى اللّه بـاجترائكم علـيه استكبـارا شديدا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه :وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائيِـلَ قال: أعلـمناهم. ١٦٦٥١ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ يقُول: أعلـمناهم. وقال آخرون: معنى ذلك: وقضينا علـى بنـي إسرائيـل فـي أمّ الكتاب، وسابق علـمه. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: هو قضاء قضى علـيهم. ١٦٦٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سيعد، عن قتادة، قوله: وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ قضاء قضاه علـى القوم كما تسمعون. وقال آخرون: معنى ذلك: أخبرنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٥٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ فِـي الكِتابِ قال: أخبرنا بنـي إسرائيـل. وكلّ هذه الأقوال تعود معانـيها إلـى ما قلت فـي معنى قوله: وَقَضَيْنا وإن كان الذي اخترنا من التأويـل فـيه أشبه بـالصواب لإجماع القرّاء علـى قراءة قوله لَتُفْسِدُنّ بـالتاء دون الـياء، ولو كان معنى الكلام: وقضينا علـيهم فـي الكتاب، لكانت القراءة بـالـياء أولـى منها بـالتاء، ولكن معناه لـما كان أعلـمناهم وأخبرناهم، وقلنا لهم، كانت التاء أشبه وأولـى للـمخاطبة. وكان فساد بنـي إسرائيـل فـي الأرض الـمرّة الأولـى ما: ١٦٦٥٥ـ حدثنـي به هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي صالـح، وعن أبـي مالك، عن ابن عبـاس ، وعن مرّة، عن عبد اللّه أن اللّه عهد إلـى بنـي إسرائيـل فـي التوراة لَتُفْسِدُنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ فكان أوّل الفسادين: قتل زكريا، فبعث اللّه علـيهم ملك النبط، وكان يُدعى صحابـين فبعث الـجنود، وكان أساورته من أهل فـارس، فهم أولو بأس شديد، فتـحصنت بنو إسرائيـل، وخرج فـيهم بختنصر يتـيـما مسكينا، إنـما خرج يستطعم، وتلطف حتـى دخـل الـمدينة فأتـى مـجالسهم، فسمعهم يقولون: لو يعلـم عدوّنا ما قُذف فـي قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا، فخرج بختنصرحين سمع ذلك منهم، واشتدّ القـيام علـى الـجيش، فرجعوا، وذلك قول اللّه : فإذَا جاء وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عبـادا لنَا أُولـى بَأْسٍ شَدِيدٍ، فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ وكانَ وَعْدا مَفْعولاً ثم إن بنـي إسرائيـل تـجهّزوا، فغزوا النبط، فأصابوا منهم واستنقذوا ما فـي أيديهم، فذلك قول اللّه ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَـيْهِمْ وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِـينَ، وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا يقول: عددا. ١٦٦٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان إفسادهم الذي يفسدون فـي الأرض مرّتـين: قتل زكريا ويحيى بن زكريا، سلط اللّه علـيهم سابور ذا الأكتاف ملكا من ملوك فـارس، من قتل زكريا، وسلّط علـيهم بختنصر من قتل يحيى. ١٦٦٥٧ـ حدثنا عصام بن رواد بن الـجراح، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوري، قال: حدثنا منصور بن الـمعتـمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حُذيفة بن الـيـمان يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ لَـمّا اعْتَدَوْا وَعَلَوْا، وَقَتَلُوا الأنْبِـياءَ، بَعَثَ اللّه عَلَـيْهِمْ مَلِكَ فـارِسَ بُخْتَنَصّر، وكانَ اللّه مَلّكَهُ سَبْعَ مئَةِ سَنةٍ، فَسارَ إلَـيْهِمْ حتـى دَخَـلَ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ فَحاصَرَهَا وَفَتَـحَها، وَقَتَلَ عَلـي دَمِ زَكَرِيّا سَبْعِينَ ألْفـا، ثُمّ سَبِـي أهْلَها وَبَنِـي الأَنْبِـياءِ، وَسَلَبَ حُلـيّ بَـيْتِ الـمَقْدِسِ، وَاسْتَـخْرَجَ مِنْها سَبْعِينَ ألْفـا وَمِئَةَ ألْفِ عَجَلَةٍ مِنْ حُلِـيَ حتـى أوْرَدَهُ بـابِلَ) قال حُذيفة: فقتل: يا رسول اللّه لقد كان بـيت الـمقدس عظيـما عند اللّه ؟ قال: (أجَلْ بَناهُ سُلَـيْـمانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ ذَهَبٍ وَدُرّ وَياقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، وكانَ بَلاطُهُ بَلاطَةً مِنْ ذَهَبٍ وَبَلاطَةً مِنْ فَضّةٍ، وعُمُدُهُ ذَهَبـا، أعْطاهُ اللّه ذلكَ، وسَخّرَ لَهُ الشّياطينَ يَأْتُونَهُ بِهِذِهِ الأشْياءِ فِءَ طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَسارَ بُخْتَنَصّر بهذهِ الأشيْاءِ حتـى نَزَلَ بِها بـابِلَ، فَأقامَ بَنُوا إسْرَائيـلَ فِـي يَدَيِهِ مِئَةَ سَنَةٍ تُعَذّبُهُمُ الـمَـجُوسُ وأبْناءُ الـمَـجُوسِ، فِـيهِمُ الأنْبِـياءُ وأبْناءُ الأنْبِـياءِ ثُمّ إنّ اللّه رَحِمَهُمْ، فأوْحَى إلـى مَلِكِ مِنْ مُلُوكِ فـارِسَ يُقالُ لُهُ كُورَسُ، وكانَ مُؤْمِنا، أنْ سِرْ بَقايَا بَنِـي إسْرَائِيـلَ حتـى تَسْتَنْقِذَهُمْ، فَسارَ كُورَسُ بِبَنـي إسْرَائِيـل وحُلـيّ بَـيْتِ الـمَقْدِسِ حتـى رَدّهُ إلَـيْهِ، فَأقامَ بَنُوا إسْرَائِيـلَ مُطِيعينَ لِلّهِ مِئَةَ سَنَةِ، ثُمّ إنّهُمْ عادُوا فِـي الـمَعاصِي، فَسَلّطَ اللّه عَلَـيْهِمْ ابْطِيانْـحُوسَ، فَغَزَا بأْبْناءِ مَنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصّر، فَغَزَا بَنِـي إسْرَائِيـلَ حتـى أتاهُمْ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، فَسَبـي أهْلَها، وأحْرَقَ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ، وَقالَ لَهُمْ: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ إنْ عُدْتُـمْ فِـي الـمَعاصِي عُدْنا عَلَـيْكُمْ بـالسّبـاءِ، فَعادُوا فِـي الـمَعاصِي، فَسَيّرَ اللّه عَلَـيْهِمُ السّبـاءَ الثّالِثَ مَلِكَ رُومِيّةَ، يُقالُ لَهُ قاقِسُ بْنُ إسْبـايُوس، فَغَزَاهُمْ فِـي البَرّ والبَحْرِ، فَسَبـاهُمْ وَسَبَى حُلِـيّ بَـيْتِ الـمَقْدِسِ، وأحْرَقَ بَـيْتَ الـمَقْدِسِ بـالنّـيرانِ) فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هذَا مِنْ صَنْعَةِ حُلِـيّ بَـيْتِ الـمَقْذِسِ، ويَرُدّهُ الـمَهْدِيّ إلـى بَـيْتِ الـمَقْدِسِ، وَهُوَ ألْفُ سَفِـينَةٍ وسَبْعُ مِئَةٍ سَفِـينَةٍ، يُرْسَى بِها عَلـى يافـا حتـى تُنْقَلَ إلـى بَـيْتِ الـمَقْذِسِ، وبِها يَجْمَعُ اللّه الأوّلِـينَ والاَخِرِينَ) . ١٦٦٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، قال: كان مـما أنزل اللّه علـى موسى فـي خبره عن بنـي إسرائيـل، وفـي أحداثهم ما هم فـاعلون بعده، فقال: وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ فِـي الكتابِ لَتُفْسِدّنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ، وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِـيرا... إلـى قوله: وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للْكافرِينَ حَصِيرا فكانت بنو إسرائيـل، وفـيهم الأحداث والذنوب، وكان اللّه فـي ذلك متـجاوزا عنهم، متعطفـا علـيهم مـحسنا إلـيهم، فكان مـما أُنزل بهم فـي ذنوبهم ما كان قدّم إلـيهم فـي الـخبر علـى لسان موسى مـما أنزل بهم فـي ذنوبهم. فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع، أن ملكا منهم كان يُدعي صديقة، وكان اللّه إذا ملّك الـملِك علـيهم، بعث نبـيا يسدّده ويرشده، ويكون فـيـما بـينه وبـين اللّه ، ويحدث إلـيه فـي أمرهم، لا ينزل علـيهم الكتب، إنـما يؤمرون بـاتبـاع التوراة والأحكام التـي فـيها، وينهونهم عن الـمعصية، ويدعونهم إلـى ما تركوا من الطاعة فلـما ملك ذلك الـملك، بعث اللّه معه شعياء أمُصيا، وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى وشعياء الذي بشّر بعيسى ومـحمد، فملك ذلك الـملك بنـي إسرائيـل وبـيت الـمقدس زمانا فلـما انقضى ملكه عظمت فـيهم الأحداث، وشعياء معه، بعث اللّه علـيهم سنـحاريب ملك بـابل، ومعه ستّ مئة ألف راية، فأقبل سائرا حتـى نزل نـحو بـيت الـمقدس، والـملك مريض فـي ساقه قرحة، فجاء النبـيّ شعياء، فقال له: يا ملك بنـي إسرائيـل إن سنـحاريق ملك بـابل، قد نزل بك هو وجنوده ستّ مئة ألف راية، وقد هابهم الناس وفرَقوا منهم، فكبر ذلك علـى الـملك، فقال: يا نبـيّ اللّه هل أتاك وحي من اللّه فـيـما حدث، فتـخبرنا به كيف يفعل اللّه بنا وبسنـحاريب وجنوده؟ فقال له النبـيّ علـيه السلام: لـم يأتنـي وحي أحدث إلـيّ فـي شأنك. فبـيناهم علـى ذلك، أوحى اللّه إلـى شعياء النبـيّ: أن ائت ملك بنـي إسرائيـل، فمره أن يوصي وصيته، ويستـخـلف علـى ملكه من شاء من أهل بـيته. فأتـى النبـيّ شيعاء ملك بـين إسرائيـل صديقة، فقال له: إن ربك قد أوحى إلـيّ أن آمرك أن توصي وصيتك، وتستـخـلف من شئت علـى مُلكك من أهل بـيتك، فإنك ميت فلـما قال ذلك شعياء لصديقة، أقبل علـى القبلة، فصلـى وسبح ودعا وبكى، فقال وهو يبكي ويتضرّع إلـى اللّه بقلب مخـلص وتوكل وصبر وصدق وظنّ صادق. اللهمّ ربّ الأربـاب، وإله الاَلهة، قدّوس الـمتقدسين، يا رحمن يا رحيـم، الـمترحم الرؤوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، اذكرنـي بعملـي وفعلـي وحُسن قضائي علـى بنـي إسرائيـل وذلك كله كان منك، فأنت أعلـم به من نفسي سرّي وعلانـيتـي لك وإن الرحمن استـجاب له، وكان عبدا صالـحا، فأوحى اللّه إلـى شعياء أن يخبر صديقة الـملك أن ربه قد استـجاب له وقبل منه ورحمه، وقد رأى بكاءه، وقد أخّر أجله خمس عشرة سنة، وأنـجاه من عدوّه سنـحاريب ملك بـابل وجنوده، فأتـى شعياء النبـيّ إلـى ذلك الـملك فأخبره بذلك، فلـما قال له ذلك ذهب عنه الوجع، وانقطع عنه الشرّ والـحزن، وخرّ ساجدا وقال: يا إلهي وإله آبـائي، لك سجدت وسبّحت وكرمت وعظمت، أنت الذي تعطي الـمُلك من تشاء، وتنزعه مـمن تشاء، وتعزّ من تشاء، وتذلّ من تشاء، عالـم الغيب والشهادة، أنت الأوّل والاَخر، والظاهر والبـاطن، وأنت ترحم وتستـجيب دعوة الـمضطرّين، أنت الذي أحببت دعوتـي ورحمت تضرّعي فلـما رفع رأسه، أوحى اللّه إلـى شعياء إن قل للـملك صديقة فـيأمر عبدا من عبـيده بـالتـينة، فـيأتـيه بـماء التـين فـيجعله علـى قرحته فـيشفـى، ويصبح وقد برأ، ففعل ذلك فشفـي. وقال الـملك لشعياء النبـيّ: سل ربك أن يجعل لنا علـما بـما هو صانع بعدوّنا هذا. قال: فقال اللّه لشعياء النبـيّ: قل له: إنـي قد كفـيتك عدوّك، وأنـجيتك منه، وإنهم سيصبحون موتـى كلهم إلاّ سنـحاريب وخمسة من كتابه فلـما أصبحوا جاءهم صارخ ينبئهم، فصرخ علـى بـاب الـمدينة: يا ملك بنـي إسرائيـل، إن اللّه قد كفـاك عدوّك فـاخرج، فإن سنـحاريب ومن معه قد هلكوا فلـما خرج الـملك التـمس سنـحاريب، فلـم يُوجد فـي الـموتـى، فبعث الـملك فـي طلبه، فأدركه الطلب فـي مغارة وخمسة من كتابه، أحدهم بختنصر، فجعلوهم فـي الـجوامع، ثم أتوا بهم ملك بنـي إسرائيـل فلـما رآهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس حتـى كانت العصر، ثم قال لسنـحاريب: كيف ترى فعل ربنا بكم؟ ألـم يقتلكم بحوله وقوّته، ونـحن وأنتـم غافلون؟ فقال سنـحاريب له: قد أتانـي خبر ربكم، ونصره إياكم، ورحمته التـي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي، فلـم أطع مرشدا، ولـم يـلقنـي فـي الشقوة إلاّ قلة عقلـي، ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، ولكن الشقوة غلبت علـيّ وعلـى من معي، فقال ملك بنـي إسرائيـل: الـحمد لله ربّ العزّة الذي كفـاناكم بـما شاء، إن ربنا لـم يُبقك ومن معك لكرامة بك علـيه، ولكنه إنـما أبقاك ومن معك لـما هو شرّ لك، لتزدادوا شقوة فـي الدنـيا، وعذابـا فـي الاَخرة، ولتـخبروا من وراءكم بـما لقـيتـم من فعل ربنا، ولتنذر من بعدكم، ولولا ذلك ما أبقاكم، فلدمُك ودم من معك أهون علـى اللّه من دم قراد لو قتلته. ثم إن ملك بنـي إسرائيـل أمر أمير حرسه، فقذف فـي رقابهم الـجوامع، وطاف بهم سبعين يوما حول بـيت الـمقدس إيـلـيا، وكان يرزقهم فـي كلّ يوم خبزتـين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنـحاريب لـملك بنـي إسرائيـل: القتل خير مـما يفعل بنا، فـافعل ما أمرت فنقل بهم الـملك إلـى سجن القتل، فأوحى اللّه إلـى شعياء النبـيّ أن قل لـملك بنـي إسرائيـل يرسل سنـحاريب ومن معه لـينذروا من وراءهم، ولـيكرمهم ويحملهم حتـى يبلغوا بلادهم فبلّغ النبـيّ شعياء الـملك ذلك، ففعل، فخرج سنـحاريب ومن معه حتـى قدموا بـابل فلـما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل اللّه بجنوده، فقال له كهّانه وسحرته: يا ملك بـابل قد كنا نقصّ علـيك خبر ربهم وخبر نبـيهم، ووحى اللّه إلـى نبـيهم، فلـم تطعنا، وهي أمّة لا يستطيعها أحد مع ربهم، فكان أمر سنـحاريب مـما خوّفوا، ثم كفـاهم اللّه تذكرة وعبرة، ثم لبث سنـحاريب بعد ذلك سبع سنـين، ثم مات. ١٦٦٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما مات سنـحاريب استـخـلف بختنصر ابن ابنه علـى ما كان علـيه جدّه يعمل بعمله، ويقضي بقضائه، فلبث سبع عشرة سنة. ثم قبض اللّه ملك بنـي إسرائيـل صديقة فمرج أمر بنـي إسرائيـل وتنافسوا الـمُلك، حتـى قتل بعضهم بعضا علـيه، ونبـيهم شعياء معهم لا يذعنون إلـيه، ولا يقبلون منه فلـما فعلوا ذلك، قال اللّه فـيـما بلغنا لشعياء: قم فـي قومك أُوحِ علـى لسانك فلـما قام النبـيّ أنطق اللّه لسانه بـالوحي فقال: يا سماء استـمعي، ويا أرض أنصتـي، فإن اللّه يريد أن يقصّ شأن بنـي إسرائيـل الذين ربـاهم بنعمته، واصطفـاهم لنفسه، وخصّهم بكرامته، وفضّلهم علـى عبـاده، وفضلهم بـالكرامة، وهم كالغنـم الضائعة التـي لا راعي لها، فآوى شاردتها، وجمع ضالتها، وجبر كسيرها، وداوى مريضها، وأسمن مهزولها، وحفظ سمينها فلـما فعل ذلك بطرت، فتناطحت كبـاشها فقتل بعضها بعضا، حتـى لـم يبق منها عظم صحيح يخبر إلـيه آخر كسير، فويـل لهذه الأمة الـخاطئة، وويـل لهؤلاء القوم الـخاطئين الذين لا يدرون أين جاءهم الـحين. إن البعير ربـما يذكر وطنه فـينتابه، وإن الـحمار ربـما يذكر الاَريّ الذي شبع علـيه فـيراجعه، وإن الثور ربـما يذكر الـمرج الذي سمن فـيه فـينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يدرون من حيث جاءهم الـحين، وهم أولو الألبـاب والعقول، لـيسوا ببقر ولا حمير وإنـي ضارب لهم مثلاً فلـيسمعوه: قل لهم: كيف ترون فـي أرض كانت خواء زمانا، خربة مواتا لا عمران فـيها، وكان لها ربّ حكيـم قويّ، فأقبل علـيها بـالعمارة، وكره أن تـخرب أرضه وهو قويّ، أو يقال ضيع وهو حكيـم، فأحاط علـيها جدارا، وشيّد فـيها قصرا، وأنبط فـيها نهرا، وصف فـيها غراسا من الزيتون والرمان والنـخيـل والأعناب، وألوان الثمار كلها، وولـى ذلك واستـحفظه قـيـما ذا رأي وهمّة، حفـيظا قويا أمينا، وتأنى طلعها وانتظرها فلـما أطلعت جاء طلعها خروبـا، قالوا: بئست الأرض هذه، نرى أن يهدم جدرانها وقصرها، ويدفن نهرها، ويقبض قـيّـمها، ويحرق غراسها حتـى تصير كما كانت أوّل مرّة، خربة مواتا لا عمران فـيها. قال اللّه لهم: فإن الـجدار ذمتـي، وإن القصر شريعتـي، وإن النهر كتابـي، وإن القَـيّـمَ نبِـيـي، وإن الغراس هم، وإن الـخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الـخبـيثة، وإنـي قد قضيت علـيهم قضاءهم علـى أنفسهم، وإنه مَثلٌ ضربه اللّه لهم يتقرّبون إلـيّ بذبح البقر والغنـم، ولـيس ينالنـي اللـحم ولا آكله، ويدّعون أن يتقرّبوا بـالتقوى والكفّ عن ذبح الأنفس التـي حرمتها، فأيديهم مخضوبة منها، وثـيابهم متزملة بدمائها، يشيدون لـي البـيوت مساجد، ويطهرون أجوافها، وينـجسون قلوبهم وأجسامهم ويدنسونها، ويزوّقون لـي البـيوت والـمساجد ويزينونها، ويخرّبون عقولهم وأحلامهم ويفسدونها، فأيّ حاجة لـي إلـى تشيـيد البـيوت ولـيست أسكنها، وأيّ حاجة إلـى تزويق الـمساجد ولست أدخـلها، إنـما أمرت برفعها لأذكر فـيها وأسبح فـيها، ولتكون معلـما لـمن أراد أن يصلـي فـيها، يقولون: لو كان اللّه يقدر علـى أن يجمع ألفتنا لـجمعها، ولو كان اللّه يقدر علـى أن يفقّه قلوبنا لأفقهها، فـاعمد إلـى عودين يابسين، ثم ائت بهما ناديهما فـي أجمع ما يكونون، فقل للعودين: إن اللّه يأمركما أن تكونا عودا واحدا فلـما قال لهما ذلك، اختلطا فصارا واحدا، فقال اللّه : قل لهم: إنـي قدرت علـى ألفة العيدان الـيابسة وعلـى أن أولّف بـينها، فكيف لا أقدر علـى أن أجمع ألفتهم إن شئت، أم كيف لا أقدر علـى أن أفقّه قلوبهم، وأنا الذي صوّرتها يقولون: صمنا فلـم يرفع صيامنا، وصلّـينا فلـم تنوّر صلاتنا، وتصدّقنا فلـم تزكّ صدقاتنا، ودعونا بـمثل حنـين الـحمام، وبكينا بـمثل عواء الذئب، فـي كلّ ذلك لا نسمع، ولا يُستـجاب لنا قال اللّه : فسلهم ما الذي يـمنعنـي أن أستـجيب لهم، ألست أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأقرب الـمـجيبـين، وأرحم الراحمين؟ ألأنّ ذات يدي قلت كيف ويداي مبسوطتان بـالـخير، أنفق كيف أشاء، ومفـاتـيح الـخزائن عندي لا يفتـحها ولا يغلقها غيري ألا وإن رحمتـي وسعت كلّ شيء، إنـما يتراحم الـمتراحمون بفضلها أو لأن البخـل يعترينـي أو لست أكرم الأكرمين والفتاح بـالـخيرات، أجود من أعطى، وأكرم من سُئل لو أنّ هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بـالـحكمة التـي نوّرت فـي قلوبهم فنبذوها، واشتروا بها الدنـيا، إذن لأبصروا من حيث أتوا، وإذن لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى العداة لهم، فكيف أرفع صيامهم وهم يـلبسونه بقول الزور، ويتقوّون علـيه بطعمة الـحرام؟ وكيف أنوّر صلاتهم، وقلوبهم صاغية إلـى من يحاربنـي ويحادّنـي، وينتهك مـحارمي؟ أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدّقون بأموال غيرهم؟ وإنـما أوجر علـيها أهلها الـمغصوبـين أم كيف أستـجيب لهم دعاءهم وإنـما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد؟ وإنـما أستـجيب للداعي اللـين، وإنـما أسمع من قول الـمستضعف الـمسكين، وإن من علامة رضاي رضا الـمساكين فلو رحموا الـمساكين، وقرّبوا الضعفـاء، وأنصفوا الـمظلوم، ونصروا الـمغصوب، وعدلوا للغائب، وأدّوا إلـى الأرملة والـيتـيـم والـمسكين، وكلّ ذي حقّ حقه، ثم لو كان ينبغي أن أكلـم البشر إذن لكلـمتهم، وإذن لكنت نور أبصارهم، وسمع آذانهم، ومعقول قلوبهم، وإذن لدعمت أركانهم، فكنت قوّة أيديهم وأرجلهم، وإذن لثبّت ألسنتهم وعقولهم. يقولون لـمّا سمعوا كلامي، وبلغتهم رسالاتـي بأنها أقاويـل منقولة، وأحاديث متوارثة، وتآلـيف مـما تؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، وأن يطلعوا علـى الغيب بـما توحي إلـيهم الشياطين طلعوا، وكلهم يستـخفـى بـالذي يقول ويسرّ، وهم يعلـمون أنـي أعلـم غيب السموات والأرض، وأعلـم ما يبدون وما يكتـمون وإنـي قد قضيت يوم خـلقت السموات والأرض قضاء أثبته علـى نفسي، وجعلت دونه أجلاً مؤجلاً، لا بدّ أنه واقع، فإن صدقوا بـما ينتـحلون من لـم الغيب، فلـيخبروك متـى أنفذه، أو فـي أيّ زمان يكون، وإن كانوا يقدرون علـى أن يأتوا بـما يشاءون، فلـيأتوا بـمثل القُدرة التـي بها أمضيت، فإنـي مظهره علـى الدين كله ولو كره الـمشركون، وإن كانوا يقدرون علـى أن يقولوا ما يشاءون فلـيؤلّفوا مثل الـحكمة التـي أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقـين، فإنـي قد قضيت يوم خـلقت السموات والأرض أن أجعل النبوّة فـي الأُجراء، وأن أحوّل الـملك فـي الرعاء، والعزّ فـي الأذلاء، والقوّة فـي الضعفـاء، والغنى فـي الفقراء، والثروة فـي الأقلاء، والـمدائن فـي الفلوات، والاَجام فـي الـمفـاوز، والبردى فـي الغيطان، والعلـم فـي الـجهلة، والـحكم فـي الأميـين، فسلهم متـى هذا، ومن القائم بهذا، وعلـى يد من أسنه، ومن أعوان هذه الأمر وأنصاره إن كانوا يعلـمون فإنـي بـاعث لذلك نبـيا أمّيا، لـيس أعمى من عميان، ولا ضالاً من ضالّـين، ولـيس بفظّ ولا غلـيظ، ولا صخّاب فـي الأسواق، ولا متزين بـالفُحش، ولا قوّال للـخنا، أسدده لكل جميـل، أهب له كلّ خـلق كريـم، أجعل السكينة لبـاسه، والبرّ شعاره، والتقوى ضميره، والـحكمة معقوله، والصدق والوفـاء طبـيعته، والعفو والعرف خـلقه والعدل والـمعروف سيرته، والـحقّ شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملّته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلـم به بعد الـجهالة، وأرفع به بعد الـخمالة، وأشهر به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلّة، وأغنـي به بعد العيـلة، وأجمع به بعد الفُرقة، وأؤلّف به قلوبـا مختلفة، وأهواء مشتتة، وأمـما متفرّقة، وأجعل أمته خير أمّة أُخرجت للناس، تأمر بـالـمعروف، وتنهى عن الـمنكر، توحيدا لـي، وإيـمانا وإخلاصا بـي، يصلون لـي قـياما وقعودا، وركوعا وسجودا، يُقاتلون فـي سبـيـلـي صفوفـا وزحوفـا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضوانـي، ألهمهم التكبـير والتوحيد، والتسبـيح والـحمد والـمدحة، والتـمـجيد لـي فـي مساجدهم ومـجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهلّلون، ويقدّسون علـى رؤوس الأسواق، ويطهرون لـي الوجوه والأطراف، ويعقدون الثـياب فـي الأنصاف، قربـانهم دماؤهم، وأناجيـلهم صدورهم، رهبـان بـاللـيـل، لـيوث بـالنهار، ذلك فضلـي أوتـيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيـم. فلـما فرغ نبـيهم شعياء إلـيهم من مقالته، عدوا علـيه فـيـما بلغنـي لـيقتلوه، فهرب منهم، فلقـيته شجرة، فـانفلقت فدخـل فـيها، وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها، فوضعوا الـمنشار فـي وسطها فنشروها حتـى قطعوها، وقطعوه فـي وسطها. قال أبو جعفر: فعلـى القول الذي ذكرنا عن ابن عبـاس من رواية السديّ، وقول ابن زيد، كان إفساد بنـي إسرائيـل فـي الأرض الـمرّة الأولـى قتلهم زكريا نبـيّ اللّه ، مع ما كان سلف منهم قبل ذلك وبعده، إلـى أن بعث اللّه علـيهم من أحلّ علـى يده بهم نقمته من معاصي اللّه ، وعتوّهم علـى ربهم. وأما علـى قول ابن إسحاق الذي روينا عنه، فكان إفسادهم الـمرّة الأولـى ما وصف من قتلهم شعياء بن أمصيا نبـيّ اللّه . وذكر ابن إسحاق أن بعض أهل العلـم أخبره أن زكريا مات موتا ولـم يُقتل، وأن الـمقتول إنـما هو شعياء، وأن بختنصر هو الذي سُلّط علـى بنـي إسرائيـل فـي الـمرّة الأولـى بعد قتلهم شعياء. حدثنا بذلك ابن حميد، عن سلـمة عنه. وأما إفسادهم فـي الأرض الـمرّة الاَخرة، فلا اختلاف بـين أهل العلـم أنه كان قتلهم يحيى بن زكريا. وقد اختلفوا فـي الذي سلّطه اللّه علـيهم منتقما به منهم عند ذلك، وأنا ذاكر اختلافهم فـي ذلك إن شاء اللّه . وأما قوله: وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِـيرا فقد ذكرنا قول من قال: يعني به: استكبـارهم علـى اللّه بـالـجراءة علـيه، وخلافهم أمره. وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما: ١٦٦٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِـيرا قال: ولتعلنّ الناس علوّا كبـيرا. حدثنا الـحارث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٥وأما قوله: فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني : فإذا جاء وعد أولـى الـمرّتـين اللتـين يفسدون بهما فـي الأرض كما: ١٦٦٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما قال: إذا جاء وعد أولـى تـينك الـمرّتـين اللتـين قضينا إلـى بنـي إسرائيـل لَتُفْسِدُنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ. وقوله: بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً يعني تعالـى ذكره ب قوله: بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ وجّهنا إلـيكم، وأرسلنا علـيكم عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ يقول: ذوي بطش فـي الـحروب شديد. وقوله: فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ، وكانَ وَعدا مَفْعُولاً يقول: فتردّدوا بـين الدور والـمساكن، وذهبوا وجاءوا. يقال فـيه: جاس القوم بـين الديار وجاسوا بـمعنى واحد، وجست أنا أجوس جوسا وجوسانا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، رُوي الـخبر عن ابن عبـاس : ١٦٦٦٢ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ قال: مشوا. وكان بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: معنى جاسوا: قتلوا، ويستشهد لقوله ذلك ببـيت حسان: وَمِنّا الّذِي لاقـى بسَيْفِ مُـحَمّدٍفَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْضَ العَساكِرِ وجائز أن يكون معناه: فجاسوا خلال الديار، فقتلوهم ذاهبـين وجائين، فـيصحّ التأويلان جميعا. و يعني ب قوله: وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً وكان جوس القوم الذين نبعث علـيهم خلال ديارهم وعدا من اللّه لهم مفعولاً ذلك لا مـحالة، لأنه لا يخـلف الـميعاد. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنى اللّه ب قوله: أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ فـيـما كان من فعلهم فـي الـمرّة الأولـى فـي بنـي إسرائيـل حين بعثوا علـيهم، ومن الذين بعث علـيهم فـي الـمرّة الاَخرة، وما كان من صنعهم بهم، فقال بعضهم: كان الذي بعث اللّه علـيهم فـي الـمرّة الأولـى جالوت، وهو من أهل الـجزيرة. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: فَإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً قال: بعث اللّه علـيهم جالوت، فجاس خلال ديارهم، وضرب علـيهم الـخراج والذلّ، فسألوا اللّه أن يبعث لهم ملكا يُقاتلون فـي سبـيـل اللّه ، فبعث اللّه طالوت، فقاتلوا جالوت، فنصر اللّه بنـي إسرائيـل، وقُتل جالوت بـيدي داود، ورجع اللّه إلـى بنـي إسرائيـل ملكهم. ١٦٦٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ، فجاسُوا خِلالَ الدّيارِ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً قضاء قضى اللّه علـى القوم كما تسمعون، فبعث علـيهم فـي الأولـى جالوت الـجزري، فسبى وقتل، وجاسوا خلال الديار كما قال اللّه ، ثم رجع القوم علـى دخن فـيهم. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: أما الـمرّة الأولـى فسلّط اللّه علـيهم جالوت، حتـى بعث طالوت ومعه داود، فقتله داود. وقال آخرون: بل بعث علـيهم فـي الـمرّة الأولـى سنـحاريب، وقد ذكرنا بعض قائلـي ذلك فـيـما مضى ونذكر ما حضرنا ذكره مـمن لـم نذكره قبل. ١٦٦٦٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي الـمعلـى، قال: سمعت سعيد بن جبـير، يقول فـي قوله: بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال: بعث اللّه تبـارك وتعالـى علـيهم فـي الـمرّة الأولـى سنـحاريب من أهل أثور ونـينوى فسألت سعيدا عنها، فزعم أنها الـموصل. ١٦٦٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج، قال: ثنـي يعلـى بن مسلـم بن سعيد بن جبـير، أنه سمعه يقول: كان رجل من بنـي إسرائيـل يقرأ، حتـى إذا بلغ بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ بكى وفـاضت عيناه، وطبق الـمصحف، فقال ذلك ما شاء اللّه من الزمان، ثم قال: أي ربّ أرنِـي هذا الرجل الذي جعلت هلاك بنـي إسرائيـل علـى يديه، فأُري فـي الـمنام مسكينا ببـابل، يقال له بختنصر، فـانطلق بـمال وأعبد له، وكان رجلاً موسرا، فقـيـل له أين تريد؟ قال: أريد التـجارة، حتـى نزل دارا ببـابل، فـاستكراها لـيس فـيها أحد غيره، فجعل يدعو الـمساكين ويـلطف بهم حتـى لـم يبق أحد، فقال: هل بقـي مسكين غيركم؟ قالوا: نعم، مسكين بفجّ آل فلان مريض يقال له بختنصر، فقال لغلـمته: انطلقوا، حتـى أتاه، فقال: ما اسمك؟ قال: بختنصر، فقال لغلـمته: احتـملوه، فنقله إلـيه ومرّضه حتـى برأ، فكساه وأعطاه نفقة، ثم آذن الإسرائيـلـي بـالرحيـل، فبكى بختنصر، فقال الإسرائيـلـي: ما يبكيك؟ قال: أبكي أنك فعلت بـي ما فعلت، ولا أجد شيئا أجزيك، قال: بلـى شيئا يسيرا، إن ملكت أطعتنـي فجعل الاَخر يتبعه و يقول: تستهزىء بـي؟ ولا يـمنعه أن يعطيه ما سأله، إلاّ أنه يرى أنه يستهزىء به، فبكى الإسرائيـلـي وقال: ولقد علـمت ما يـمنعك أن تعطينـي ما سألتك، إلاّ أن اللّه يريد أن ينفذ ما قد قضاه وكتب فـي كتابه وضرب الدهر من ضربه فقال يوما صيحون، وهو ملك فـارس ببـابل: لو أنا بعثنا طلـيعة إلـى الشام قالوا: وما ضرّك لو فعلت؟ قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان، فبعث رجلاً وأعطاه مئة ألف، وخرج بختنصر فـي مطبخه، لـم يخرج إلاّ لـيأكل فـي مطبخه فلـما قدم الشام ورأى صاحب الطلـيعة أكثر أرض اللّه فرسا ورجلاً جلدا، فكسر ذلك فـي ذرعه، فلـم يسأل، قال: فجعل بختنصر يجلس مـجالس أهل الشام فـ يقول: ما يـمنعكم أن تغزوا بـابل، فلو غزوتـموها ما دون بـيت مالها شيء، قالوا: لا نُـحسن القتال، قال: فلو أنكم غزوتـم، قالوا: إنا لا نـحسن القتال ولا نقاتل حتـى أنفذ مـجالس أهل الشام، ثم رجعوا فأخبر الطلـيعة ملكهم بـما رأى، وجعل بختنصر يقول لفوارس الـملك: لو دعانـي الـملك لأخبرته غير ما أخبره فلان فرُفع ذلك إلـيه، فدعاه فأخبره الـخبر وقال: إن فلانا لـما رأى أكثر أرض اللّه فرسا ورجلاً جلدا، كبر ذلك فـي روعه ولـم يسألهم عن شيء، وإنـي لـم أدع مـجلسا بـالشام إلاّ جالست أهله، فقلت لهم كذا وكذا، وقالوا لـي كذا وكذا، الذي ذكر سعيد بن جبـير أنه قال لهم، قال الطلـيعة لبختنصر: إنك فضحتنـي لك مئة ألف وتنزع عما قلت، قال: لو أعطيتنـي بـيت مال بـابل ما نزعت، ضرب الدهر من ضربه فقال الـملك: لو بعثنا جريدة خيـل إلـى الشام، فإن وجدوا مساغا ساغوا، وإلاّ انثنوا ما قدروا علـيه، قالوا: ما ضرّك لو فعلت؟ قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان، قال: بل الرجل الذي أخبرنـي ما أخبرنـي، فدعا بختنصر وأرسله، وانتـخب معه أربعة آلاف من فرسانهم، فـانطلقوا فجاسوا خلال الديار، فسبوا ما شاء اللّه ولـم يخربوا ولـم يقتلوا. ومات صيحون الـملك قالوا: استـخـلفوا رجلاً، قالوا: علـى رسلكم حتـى تأتـي أصحابكم فإنهم فرسانكم، لن ينقضوا علـيكم شيئا، أمهلوا فأمهلوا حتـى جاء بختنصر بـالسبـي وما معه، فقسمه فـي الناس، فقالوا: ما رأينا أحدا أحق بـالـملك من هذا، فملّكوه. ١٦٦٦٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن الـمسيب يقول: ظهر بختنصر علـى الشام، فخرّب بـيت الـمقدس وقتلهم، ثم أتـى دمشق، فوجد بها دما يغلـي علـى كبـا: أي كناسة، فسألهم ما هذا الدم؟ قالوا: أدركنا آبـاءنا علـى هذا وكلـما ظهر علـيه الكبـا ظهر، قال: فقتل علـى ذلك الدم سبعين ألفـا من الـمسلـمين وغيرهم، فسكن. وقال آخرون: يعني بذلك قوما من أهل فـارس، قالوا: ولـم يكن فـي الـمرّة الأولـى قتال. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدفإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خلالَ الدّيارِ قال: من جاءهم من فـارس يتـجسسون أخبـارهم، ويسمعون حديثهم، معهم بختنصر، فوعى أحاديثهم من بـين أصحابه، ثم رجعت فـارس ولـم يكن قتال، ونُصرت علـيهم بنو إسرائيـل، فهذا وعد الأولـى. حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدبَعَثْنَا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ جند جاءهم من فـارس يتـجسسون أخبـارهم، ثم ذكر نـحوه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدفإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكُمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال: ذلك أي من جاءهم من فـارس، ثم ذكر نـحوه. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }. يقول تعالـى ذكره: ثم أدلناكم يا بنـي إسرائيـل علـى هؤلاء القوم الذين وصفهم جل ثناؤه أنه يبعثهم علـيهم، وكانت تلك الإدالة والكرّة لهم علـيهم، فـيـما ذكر السديّ فـي خبره أن بنـي إسرائيـل غزوهم، وأصابوا منهم، واستنقذوا ما فـي أيديهم منهم. وفـي قول آخرين: إطلاق الـملك الذي غزاهم ما فـي يديه من أسراهم، وردّ ما كان أصاب من أموالهم علـيهم من غير قتال. وفـي قول ابن عبـاس الذي رواه عطية عنه هي إدالة اللّه إياهم من عدوّهم جالوت حتـى قتلوه، وقد ذكرنا كلّ ذلك بأسانـيده فـيـما مضى وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِـينَ يقول: وزدنا فـيـما أعطيناكم من الأموال والبنـين. وقوله: وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا يقول: وصيرناكم أكثر عدَدَ نافرٍ منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قولهوَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا: أي عددا، وذلك فـي زمن داود. ١٦٦٧٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا يقول: عددا. ١٦٦٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَـيْهِمْ لبنـي إسرائيـل، بعد أن كانت الهزيـمة، وانصرف الاَخرون عنهم وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا قال: جعلناكم بعد هذا أكثر عددا. ١٦٦٧٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور عن معمر، عن قتادةثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَـيْهِمْ ثم رددت الكرّة لبنـي إسرائيـل. ١٦٦٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن سفـيان، فـي قوله: وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَال وبَنِـينَ قال: أربعة آلاف. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ...} يقول تعالـى ذكره لبنـي إسرائيـل فـيـما قضى إلـيهم فـي التوراة: إنْ أحْسَنْتُـمْ يا بنـي إسرائيـل، فأطعتـم اللّه وأصلـحتـم أمركم، ولزمتـم أمره ونهيه أحْسنْتُـمْ وفعلتـم ما فعلتـم من ذلك لأَنْفُسِكُمْ لأنّكم إنـما تنفعون بفعلتكم ما تفعلون من ذلك أنفسكم فـي الدنـيا والاَخرة. أما فـي الدنـيا فإن اللّه يدفع عنكم من بغاكم سوءا، وينـمي لكم أموالكم، ويزيدكم إلـى قوّتكم قوّة. وأما فـي الاَخرة فإن اللّه تعالـى يثـيبكم به جنانه وإنْ أسأْتُـمْ يقول: وإن عصيتـم اللّه وركبتـم ما نهاكم عنه حينئذٍ، فإلـى أنفسكم تسيئون، لأنكم تسخطون بذلك علـى أنفسكم ربكم، فـيسلط علـيكم فـي الدنـيا عدوّكم، ويـمكّن منكم من بغاكم سوءا، ويخـلدكم فـي الاَخرة فـي العذاب الـمهين. وقال جل ثناؤه وَإنْ أسأْتُـمْ فلها والـمعنى: فإلـيها كما قالبأنّ رَبّكَ أوْحى لَها والـمعنى: أوحى إلـيها. وقوله: فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ يقول: فإذا جاء وعد الـمرّة الاَخرة من مرّتـي إفسادكم يا بنـي إسرائيـل فـي الأرض لِـيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ يقول: لـيسوء مـجيء ذلك الوعد للـمرّة الاَخرة وجوهكم فـيقبّحها. وقد اختلف القرّاء فـي قراءة قوله لِـيْسُوءُوا وُجُوهَكُمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة لِـيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ بـمعنى: لـيسوء العبـاد أولو البأس الشديد الذين يبعثهم اللّه علـيكم وجوهكم، واستشهد قارئوا ذلك لصحة قراءتهم كذلك بقوله وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجِدَ وقالوا: ذلك خبر عن الـجميع فكذلك الواجب أن يكون قوله لِـيَسُوءُوا. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: (لِـيَسُوءَ وُجُوهَكُمْ) علـى التوحيد وبـالـياء. وقد يحتـمل ذلك وجهين من التأويـل أحدهما ما قد ذكرت، والاَخر منهما: لـيسوء اللّه وجوهكم. فمن وجّه تأويـل ذلك إلـى لـيسوء مـجيء الوعد وجوهَكم، جعل جواب قوله (فإذا) مـحذوفـا، وقد استغنـي بـما ظهر عنه، وذلك الـمـحذوف (جاء) ، فـيكون الكلام تأويـله: فإذا جاء وعد الاَخرة لـيسوء وجوهكم جاء. ومن وجّهَ تأويـله إلـى: لـيسوء اللّه وجوهكم، كان أيضا فـي الكلام مـحذوف، قد استغنـي هنا عنه بـما قد ظهر منه، غير أن ذلك الـمـحذوف سوى (جاء) ، فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: فإذا جاء وعد الاَخرة بعثناهم لـيسوء اللّه وجوهكم، فـيكون الـمضمر بعثناهم، وذلك جواب (إذا) حينئذٍ. وقرأ ذلك بعض أهل العربـية من الكوفـيـين: (لِنَسُوءَ وُجُوهَكُمْ) علـى وجه الـخبر من اللّه تبـارك وتعالـى اسمه عن نفسه. وكان مـجيء وعد الـمرّة الاَخرة عند قتلهم يحيى. ذكر الرواية بذلك، والـخبر عما جاءهم من عند اللّه حينئذٍ كما: ١٦٦٧٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي الـحديث الذي ذكرنا إسناده قبل أن رجلاً من بنـي إسرائيـل رأى فـي النوم أن خراب بـيت الـمقدس وهلاك بنـي إسرائيـل علـى يدي غلام يتـيـم ابن أرملة من أهل بـابل، يدعى بختنصر، وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم، فأقبل فسأل عنه حتـى نزل علـى أمه وهو يحتطب، فلـما جاء وعلـى رأسه حزمة من حطب ألقاها، ثم قعد فـي جانب البـيت فضمه، ثم أعطاه ثلاثة دراهم، فقال: اشتر لنا بها طعاما وشرابـا، فـاشترى بدرهم لـحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا، فأكلوا وشربوا حتـى إذا كان الـيوم الثانـي فعل به ذلك، حتـى إذا كان الـيوم الثالث فعل ذلك، ثم قال له: إنـي أُحبّ أن تكتب لـي أمانا إن أنت ملكت يوما من الدهر، فقال: أتسخر بـي؟ فقال: إنـي لا أسخر بك، ولكن ما علـيك أن تتـخذ بها عندي يدا، فكلـمته أمه، فقالت: وما علـيك إن كان ذلك وإلاّ لـم ينقصك شيئا، فكتب له أمانا، فقال له: أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بـينـي وبـينك، فـاجعل لـي آية تعرفنـي بها قال: نرفع صحيفتك علـى قصبة أعرفك بها، فكساه وأعطاه. ثم إن ملك بنـي إسرائيـل كان يكرم يحيى بن زكريا، ويدنـي مـجلسه، ويستشيره فـي أمره، ولا يقطع أمرا دونه، وأنه هوى أن يتزوّج ابنة امرأة له، فسأل يحيى عن ذلك، فنهاه عن نكاحها وقال: لست أرضاها لك، فبلغ ذلك أمها فحقدت علـى يحيى حين نهاه أن يتزوّج ابنتها، فعمدت أمّ الـجارية حين جلس الـملك علـى شرابه، فألبستها ثـيابـا رقاقا حمرا، وطيّبتها وألبستها من الـحُلـيّ، وقـيـل: إنها ألبستها فوق ذلك كساء أسود، وأرسلتها إلـى الـملك، وأمرتها أن تسقـيه، وأن تعرض له نفسها، فإن أرادها علـى نفسها أبت علـيه حتـى يعطيها ما سألته، فإذا أعطاها ذلك سألته أن يأتـي برأس يحيى بن زكريا فـي طست، ففعلت، فجعلت تسقـيه وتعرض له نفسها فلـما أخذ فـيه الشراب أرادها علـى نفسها، فقالت: لا أفعل حتـى تعطينـي ما أسألك، فقال: ما الذي تسألـينـي؟ قالت: أسألك أن تبعث إلـى يحيى بن زكريا، فأوتَـى برأسه فـي هذا الطست، فقال: ويحك سلـينـي غير هذا، فقالت له: ما أريد أن أسألك إلاّ هذا. قال: فلـما ألّـحت علـيه بعث إلـيه، فأتـى برأسه، والرأس يتكلـم حتـى وضع بـين يديه وهو يقول: لا يحلّ لك ذلك فلـما أصبح إذا دمه يغلـي، فأمر بتراب فألقـى علـيه، فرقـى الدم فوق التراب يغلـي، فألقـى علـيه التراب أيضا، فـارتفع الدم فوقه فلـم يزل يـلقـي علـيه التراب حتـى بلغ سور الـمدينة وهو يغلـى وبلغ صيحابـين، فثار فـي الناس، وأراد أن يبعث علـيهم جيشا، ويؤمّر علـيهم رجلاً، فأتاه بختنصر وكلّـمه وقال: إن الذي كنت أرسلته تلك الـمرّة ضعيف، وإنـي قد دخـلت الـمدينة وسمعت كلام أهلها، فـابعثنـي، فبعثه، فسار بختنصر حتـى إذا بلغوا ذلك الـمكان تـحصنوا منه فـي مدائنهم، فلـم يطقهم، فلـما اشتدّ علـيهم الـمقام وجاع أصحابه، أرادوا الرجوع، فخرجت إلـيهم عجوز من عجائز بنـي إسرائيـل فقالت: أين أمير الـجند؟ فأتـى بها إلـيه، فقالت له: إنه بلغنـي أنك تريد أن ترجع بجندك قبل أن تفتـح هذه الـمدينة، قال: نعم، قد طال مقامي، وجاع أصحابـي، فلست أستطيع الـمقام فوق الذي كان منـي، فقالت: أرأيتك إن فتـحت لك الـمدينة أتعطينـي ما سألتك، وتقتل من أمرتك بقتله، وتكفّ إذا أمرتك أن تكفّ؟ قال: نعم، قالت: إذا أصبحت فـاقسم جندك أربعة أربـاع، ثم أقم علـى كلّ زاوية ربعا، ثم ارفعوا بأيديكم إلـى السماء فنادوا: إنا نستفتـحك يا اللّه بدم يحيى بن زكريا، فإنها سوف تسّاقط ففعلوا، فتساقطت الـمدينة، ودخـلوا من جوانبها، فقالت له: اقتل علـى هذا الدم حتـى يسكن، وانطلقت به إلـى دم يحيى وهو علـى تراب كثـير، فقتل علـيه حتـى سكن سبعين ألفـا وامرأة فلـما سكن الدم قالت له: كفّ يدك، فإن اللّه تبـارك وتعالـى إذا قتل نبـيّ لـم يرض، حتـى يقتل من قتله، ومن رضي قتله، وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته، فكفّ عنه وعن أهل بـيته، وخرّب بـيت الـمقدس، وأمر به أن تطرح فـيه الـجيف، وقال: من طرح فـيه جيفة فله جزيته تلك السنة، وأعانه علـى خرابه الروم من أجل أن بنـي إسرائيـل قتلوا يحيى، فلـما خرّبه بختنصر ذهب معه بوجوه بنـي إسرائيـل وأشرافهم، وذهب بدانـيال وعلـيا وعزاريا وميشائيـل، هؤلاء كلهم من أولاد الأنبـياء وذهب معه برأس جالوت فلـما قدم أرض بـابل وجد صحابـين قد مات، فملك مكانه، وكان أكرم الناس علـيه دانـيال وأصحابه، فحسدهم الـمـجوس علـى ذلك، فوشوا بهم إلـيه وقالوا: إن دانـيال وأصحابه لا يعبدون إلهك، ولا يأكلون من ذبـيحتك، فدعاهم فسألهم، فقالوا: أجل إن لنا ربـا نعبده، ولسنا نأكل من ذبـيحتكم، فأمر بخدّ فخدّ لهم، فألقوا فـيه وهم ستة، وألقـى معهم سبعا ضاريا لـيأكلهم، فقال: انطلقوا فلنأكل ولنشرب، فذهبوا فأكلوا وشربوا، ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه بـينهم، ولـم يخدش منهم أحدا، ولـم ينكأه شيئا، ووجدوا معهم رجلاً، فعدّوهم فوجدوهم سبعة، فقالوا: ما بـال هذا السابع إنـما كانوا ستة؟ فخرج إلـيهم السابع، وكان ملَكا من الـملائكة، فلطمه لطمة فصار فـي الوحش، فكان فـيهم سبع سنـين، لا يراه وحشيّ إلاّ أتاه حتـى ينكحه، يقتصّ منه ما كان يصنع بـالرجال ثم إنه رجع ورد اللّه علـيه مُلكه، فكانوا أكرم خـلق اللّه علـيه. ثم إن الـمـجوس وَشَوا به ثانـية، فألقوا أسدا فـي بئر قد ضَرِي، فكانوا يـلقون إلـيه الصخرة فـيأخذها، فألقوا إلـيه دانـيال، فقام الأسد فـي جانب، وقام دانـيال فـي جانب لا يـمسه، فأخرجوه، وقد كان قبل ذلك خدّ لهم خدّا، فأوقد فـيه نارا، حتـى إذا أججها قذفهم فـيها، فأطفأها اللّه علـيهم ولـم ينلهم منها شيء. ثم إن بختنصر رأى بعد ذلك فـي منامه صنـما رأسه من ذهب، وعنقه من شَبَه، وصدره من حديد، وبطنه أخلاط ذهب وفضة وقوارير، ورجلاه من فخار فبـينا هو قائم ينظر، إذ جاءت صخرة من السماء من قِبَل القبلة، فكسرت الصنـم فجعلته هشيـما، فـاستـيقظ فزعا وأُنسيها، فدعا السحرة والكهنة، فسألهم، فقال: أخبرونـي عما رأيت فقالوا له: لا، بل أنت أخبرنا ما رأيت فنعبره لك. قال: لا أدري، قالوا له: فهؤلاء الفتـية الذين تكرمهم، فـادعهم فـاسألهم، فإن هم لـم يخبروك بـما رأيت فما تصنع بهم؟ قال: أقتلهم فأرسل إلـى دانـيال وأصحابه، فدعاهم، فقال لهم: أخبرونـي ماذا رأيت؟ فقال له دانـيال: بل أنت أخبرنا ما رأيت فنعبره لك قال: لا أدري قد نسيتها فقال له دانـيال: كيف نعلـم رؤيا لـم تـخبرنا بها؟ فأمر البوّاب أن يقتلهم، فقال دانـيال للبوّاب: إن الـملك إنـما أمر بقتلنا من أجل رؤياه، فأخّرنا ثلاثة أيام، فإن نـحن أخبرنا الـملك برؤياه وإلا فـاضرب أعناقنا فأجّلهم فدعوا اللّه فلـما كان الـيوم الثالث أبصر كل رجل منهم رؤيا بختنصر علـى حدة، فأتوا البوّاب فأخبروه، فدخـل علـى الـملك فأخبره، فقال: أدخـلهم علـيّ وكان بختنصر لا يعرف من رؤياه شيئا، إلا شيئا يذكرونه، فقالوا له: أنت رأيت كذا وكذا، فقصوها علـيه، فقال: صدقتـم قالوا: نـحن نعبرها لك. أما الصنـم الذي رأيت رأسه من ذهب، فإنه ملك حسن مثل الذهب، وكان قد ملك الأرض كلها وأما العنق من الشّبَه، فهو ملك ابنك بعد، يـملك فـيكون ملكه حسنا، ولا يكون مثل الذهب وأما صدره الذي من حديد فهو ملك أهل فـارس، يـملكون بعدك ابنك، فـيكون ملكهم شديدا مثل الـحديد وأما بطنه الأخلاط، فإنه يذهب ملك أهل فـارس، ويتنازع الناس الـملك فـي كلّ قرية، حتـى يكون الـملك يـملك الـيوم والـيومين، والشهر والشهرين، ثم يُقتل، فلا يكون للناس قوام علـى ذلك، كما لـم يكن للصنـم قوام علـى رجلـين من فخار فبـينـما هم كذلك، إذ بعث اللّه تعالـى نبـيا من أرض العرب، فأظهره علـى بقـية مُلك أهل فـارس، وبقـية مُلك ابنك وملكك، فدمره وأهلكه حتـى لا يبقـى منه شيء، كما جاءت الصخرة فهدمت الصنـم فعطف علـيهم بختنصر فأحبهم. ثم إن الـمـجوس وشوا بدانـيال، فقالوا: إن دانـيال إذا شرب الـخمر لـم يـملك نفسه أن يبول، وكان ذلك فـيهم عارا، فجعل لهم بختنصر طعاما، فأكلوا وشربوا، وقال للبوّاب: انظر أوّل من يخرج علـيك يبول، فـاضربه بـالطبرزين، وإن قال: أنا بختنصر، فقل: كذبت، بختنصر أمرنـي. فحبس اللّه عن دانـيال البول، وكان أوّل من قام من القوم يريد البول بختنصر، فقام مدلاً، وكان ذلك لـيلاً، يسحب ثـيابه فلـما رآه البوّاب شدّ علـيه، فقال: أنا بختنصر، فقال: كذبت، بختنصر أمرنـي أن أقتل أوّل من يخرج، فضربه فقتله. ١٦٦٧٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي الـمعلـى، قال: سمعت سعيد بن جبـير، قال: بعث اللّه علـيهم فـي الـمرّة الأولـى سنـحاريب. قال: فردّ اللّه لهم الكرّة علـيهم، كما قال قال: ثم عصوا ربهم وعادوا لـما نهوا عنه، فبعث علـيهم فـي الـمرّة الاَخرة بختنصر، فقتل الـمقاتلة، وسبى الذرّية، وأخذ ما وجد من الأموال، ودخـلوا بـيت الـمقدس، كما قال اللّه عزّ وجلّ: وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجدَ كمَا دَخَـلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ وَلـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا دخـلوه فتبّروه وخرّبوه وألقوا فـيه ما استطاعوا من العذرة والـحيض والـجيف والقذر، فقال اللّه عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا فرحمهم فردّ إلـيهم ملكهم وخـلص من كان فـي أيديهم من ذرّية بنـي إسرائيـل، وقال لهم: إن عدتـم عدنا. فقال أبو الـمعلـى، ولا أعلـم ذلك، إلاّ من هذا الـحديث، ولـم يَعِدهم الرجعة إلـى ملكهم. ١٦٦٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فإذَا جاء وَعْدُ الاَخرَةِ لـيَسُوءُوا وُجوهَكمْ قال: بعث اللّه ملك فـارس ببـابل جيشا، وأمر علـيهم بختنصر، فأتوا بنـي إسرائيـل، فدمروهم، فكانت هذه الاَخرة ووعدها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٦٦٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: ثنـي يعلـى بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير، قال: لـما ضرب لبختنصر الـملك بجرانه، قال: ثلاثة فمن استأخر منكم بعدها فلـيـمش إلـى خشبته، فغزا الشام، فذلك حين قتل وأخرج بـيت الـمقدس، ونزع حلـيته، فجعلها آنـية لـيشرب فـيها الـخمور، وخوانا يأكل علـيه الـخنازير، وحمل التوراة معه، ثم ألقاها فـي النار، وقدم فـيـما قدم به مئة وصيف منهم دانـيال وعزريا وحنانـيا ومشائيـل، فقال لإنسان: أصلـح لـي أجسام هؤلاء لعلـي أختار منهم أربعة يخدموننـي، فقال دانـيال لأصحابه: إنـما نصروا علـيكم بـما غيرتـم من دين آبـائكم، لا تأكلوا لـحم الـخنزير، ولا تشربوا الـخمر، فقالوا للذي يصلـح أجسامهم: هل لك أن تطعمنا طعاما، هو أهون علـيك فـي الـمؤونة مـما تطعم أصحابنا، فإن لـم نسمن قبلهم رأيت رأيك، قال: ماذا؟ قال: خبز الشعير والكرّاث، ففعل فسمنوا قبل أصحابهم، فأخذهم بختنصر يخدمونه فبـينـما هم كذلك، إذ رأى بختنصر رؤيا، فجلس فنسيها فعاد فرقد فرآها، فقام فنسيها، ثم عاد فرقد فرآها، فخرج إلـى الـحجرة، فنسيها فلـما أصبح دعا العلـماء والكهّان، فقال: أخبرونـي بـما رأيت البـارحة، وأوّلوا لـي رؤياي، وإلا فلـيـمش كل رجل منكم إلـى خشبته، موعدكم ثالثة. فقالوا: هذا لو أخبرنا برؤياه وذكر كلاما لـم أحفظه، قال: وجعل دانـيال كلـما مرّ به أحد من قرابته يقول: لو دعانـي الـملك لأخبرته برؤياه، ولأوّلتها له، قال: فجعلوا يقولون: ما أحمق هذا الغلام الإسرائيـلـي إلـى أن مرّ به كهل، فقال له ذلك، فرجع إلـيه فأخبره، فدعاه فقال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت تـمثالاً، قال: إيه، قال: ورأسه من ذهب، قال: إيه، قال: وعنقه من فضة، قال: إيه، قال: وصدره من حديد، قال: إيه، قال: وبطنه من صُفر، قال: إيه، قال: ورجلاه من آنُك، قال: إيه، قال: وقدماه من فخار، قال: هذا الذي رأيت؟ قال: إيه، قال: فجاءت حصاة فوقعت فـي رأسه، ثم فـي عنقه، ثم فـي صدره، ثم فـي بطنه، ثم فـي رجلـيه، ثم فـي قدميه، قال: فأهلكته. قال: فما هذا؟ قال: أما الذهب فإنه ملكك، وأما الفضة فملك ابنك من بعدك، ثم ملك ابن ابنك، قال: وأما الفخار فملك النساء، فكساه جبة ترثون، وسوّره وطاف به فـي القرية، وأجاز خاتـمه فلـما رأت ذلك فـارس، قالوا: ما الأمر إلا أمر هذا الإسرائيـلـي، فقالوا: ائتوه من نـحو الفتـية الثلاثة، ولا تذكروا له دانـيال، فإنه لا يصدقكم علـيه، فأتوه، فقالوا: إن هؤلاء الفتـية الثلاثة لـيسوا علـى دينك، وآية ذلك أنك إن قرّبت إلـيهم لـحم الـخنزير والـخمر لـم يأكلوا ولـم يشربوا فأمر بحطب كثـير فوضع، ثم أرقاهم علـيه، ثم أوقد فـيه نارا، ثم خرج من آخر اللـيـل يبول، فإذا هم يتـحدّثون، وإذا معهم رابع يروح علـيهم يصلـي، قال: من هذا يا دانـيال؟ قال: هذا جبريـل، إنك ظلـمتهم، قال: ظلـمتهم مُرْ بهم ينزلوا فأمر بهم فنزلوا، قال: ومسخ اللّه تعالـى بختنصر من الدوابّ كلها، فجعل من كلّ صنف من الدوابّ رأسه رأس سبع من السبـاع الأسد، ومن الطير النسر، وملك ابنه فرأى كفـا خرجت بـين لوحين، ثم كتبت سطرين، فدعا الكهان والعلـماء فلـم يجدوا لهم فـي ذلك علـما، فقالت له أمه: إنك لو أعدت إلـى دانـيال منزلته التـي كانت له من أبـيك أخبرك، وكان قد جفـاه، فدعاه، فقال: إنـي معيد إلـيك منزلتك من أبـي، فأخبرنـي ما هذان السطران؟ قال: أما أن تعيد إلـيّ منزلتـي من أبـيك، فلا حاجة لـي بها، وأما هذان السطران فإنك تقتل اللـيـلة، فأخرج من فـي القصر أجمعين، وأمر بقـفله، فأقـفلت الأبواب علـيه، وأدخـل معه آمنَ أهل القرية فـي نفسه معه سيف، فقال: من جاءك من خـلق اللّه فـاقتله، وإن قال أنا فلان وبعث اللّه علـيه البطن، فجعل يـمشي حتـى كان شطر اللـيـل، فرقد ورقد صاحبه ثم نبهه البطن، فذهب يـمشي والاَخر نائم، فرجع فـاستـيقظ به، فقال له: أنا فلان، فضربه بـالسيف فقتله. ١٦٦٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنْ أحْسَنْتُـمْ أحْسَنْتُـمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإنْ أسأْتُـمْ فَلَها فإذا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ آخر العقوبتـين لِـيَسُوءُوا وُجوهَكمْ وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجدَ كمَا دَخَـلُوهُ أوّل مَرّةٍ كما دخـله عدوّهم قبل ذلك وَلـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا فبعث اللّه علـيهم فـي الاَخرة بختنصر الـمـجوسي البـابلـي، أبغض خـلق اللّه إلـيه، فسبـا وقتل وخرّب بـيت الـمقدس، وسامهم سوء العذاب. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ من الـمرتـين لِـيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ قال: لـيقبحوا وجوهكم وَلـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا قال: يدمّروا ما علوا تدميرا، قال: هو بختنصر، بعثه اللّه علـيهم فـي الـمرّة الاَخرة. ١٦٦٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: فلـما أفسدوا بعث اللّه علـيهم فـي الـمرّة الاَخرة بختنصر، فخرّب الـمساجد وتبّرما علوا تتبـيرا. ١٦٦٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، قال: فـيـما بلغنـي، استـخـلف اللّه علـى بنـي إسرائيـل بعد ذلك، يعني بعد قتلهم شعياء رجلاً منهم يقال له: ناشة بن آموص، فبعث اللّه الـخضر نبـيا، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما قد بلغنـي يقول: (إنّـمَا سُمّيَ الـخَضِرُ خَضِرا، لأنَهُ جَلَسَ عَلـى فَرْوَةٍ بَـيْضَاءَ، فَقامَ عَنْها وَهيَ تَهْتَزّ خَضْرَاءَ) قال: واسم الـخضر فـيـما كان وهب بن منبه يزعم عن بنـي إسرائيـل: أرميا بن حلفـيا، وكان من سبط هارون بن عمران. ١٦٦٨١ـ حدثنـي مـحمد بن سهل بن عسكر، ومـحمد بن عبد الـملك بن زنـجويه، قالا: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل، عن وهب بن منبه. وحدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق عمن لايتهم، عن وهب بن منبه الـيـمانـي، واللفظ لـحديث ابن حميد أنه كان يقول: قال اللّه تبـارك وتعالـى لإرميا حين بعثه نبـيا إلـى بنـي إسرائيـل: يا إرميا من قبل أن أخـلقك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك فـي بطن أمك قدّستك، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك، ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك، ولأمر عظيـم اختبأتك فبعث اللّه إرميا إلـى ذلك الـملك من بنـي إسرائيـل يسدّده ويرشده، ويأتـيه بـالـخبر من اللّه فـيـما بـينه وبـين اللّه قال: ثم عظمت الأحداث فـي بنـي إسرائيـل، وركبوا الـمعاصي، واستـحلّوا الـمـحارم، ونَسوا ما كان اللّه تعالـى صنع بهم، وما نـجاهم من عدوّهم سنـحاريب وجنوده. فأوحى اللّه تعالـى إلـى إرمياء: أن ائت قومك من بنـي إسرائيـل، واقصص علـيهم ما آمرك به، وذكّرهم نعمتـي علـيهم، وعرّفهم أحداثهم، فقال إرمياء: إنـي ضعيف إن لـم تقوّنـي، وعاجز إن لـم تبلّغنـي، ومخطىء إن لـم تسدّدنـي، ومخذول إن لـم تنصرنـي، وذلـيـل إن لـم تعزّنـي. قال: اللّه تبـارك وتعالـى: أوَ لـم تعلـم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتـي، وأن القلوب كلها والألسنة بـيدي، أقلبها كيف شئت، فتط يعني ، وإنـي أنا اللّه الذي لا شيء مثلـي، قامت السموات والأرض وما فـيهنّ بكلـمتـي، وأنا كلّـمت البحار، ففهمت قولـي، وأمرتها فعقلت أمري، وحدَدت علـيها بـالبطحاء فلا تَعدّي حدّي، تأتـي بأمواج كالـجبـال، حتـى إذا بلغت حدّي ألبستها مذلّة طاعتـي خوفـا واعترافـا لأمري إنـي معك، ولن يصل إلـيك شيء معي، وإن بعثتك إلـى خـلق عظيـم من خـلقـي، لتبلغهم رسالاتـي، ولتستـحق بذلك مثل أجر من تبعك منهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، وإن تقصّر عنها فلك مثل وزر من تركب فـي عماه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا انطلق إلـى قومك فقل: إن اللّه ذكر لكم صلاح آبـائكم، فحمله ذلك علـى أن يستتـيبكم يا معشر الأبناء، وسلهم كيف وجد آبـاؤهم مغبّة طاعتـي، وكيف وجدوا هم مغبّة معصيتـي، وهل علـموا أن أحدا قبلهم أطاعنـي فشقـي بطاعتـي، أو عصانـي فسعد بـمعصيتـي، فإن الدّوابّ مـما تذكر أوطانها الصالـحة، فتنتابها، وإن هؤلاء القوم قد رتعوا فـي مروج الهَلَكة. أما أحبـارهم ورهبـانهم فـاتـخذوا عبـادي خوَلاً لـيعبدوهم دونـي وتـحكّموا فـيهم بغير كتابـي حتـى أجهلوهم أمري، وأنسوهم ذكري، وغروهم منـي. أما أمراؤهم وقاداتهم فبطروا نعمتـي، وأمنوا مكري، ونبذوا كتابـي، ونسوا عهدي، وغيروا سنتـي، فـادّان لهم عبـادي بـالطاعة التـي لا تنبغي إلا لـي، فهم يطيعونهم فـي معصيتـي، ويتابعونهم علـى البدع التـي يبتعدعون فـي دينـي جراءة علـيّ وغرّة وفِرْية علـيّ وعلـى رسلـي، فسبحان جلالـي وعلوّ مكانـي، وعظم شأنـي، فهل ينبغي لبشر أن يُطاع فـي معصيتـي، وهل ينبغي لـي أن أخـلق عبـادا أجعلهم أربـابـا من دونـي. وأما قرّاؤهم وفقهاؤهم فـيتعبدون فـي الـمساجد، ويتزيّنون بعمارتها لغيري، لطلب الدنـيا بـالدين، ويتفقّهون فـيها لغير العلـم، ويتعلّـمون فـيها لغير العمل. وأما أولاد الأنبـياء، فمكثرون مقهورون مغيّرون، يخوضون مع الـخائضين، ويتـمنّون علـيّ مثل نُصرة آبـائهم والكرامة التـي أكرمتهم بها، ويزعمون أن لا أحدَ أولـى بذلك منهم منـي بغير صدق ولا تفكر ولا تدبّر، ولا يذكرون كيف كان صبر آبـائهم لـي، وكيف كان جِدّهم فـي أمري حين غير الـمغيّرهن، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم، فصبروا وصَدَقوا حتـى عزّ أمري، وظهر دينـي، فتأنّـيت بهؤلاء القوم لعلهم يستـجيبون، فأطْوَلت لهم، وصفحت عنهم، لعلهم يرجعون، فأكثرت ومددت لهم فـي العمر لعلهم يتذكرون، فأعذرت فـي كل ذلك، أمطر علـيهم السماء، وأنبت لهم الأرض، وألبسهم العافـية وأظهرهم علـى العدوّ فلا يزدادون إلا طغيانا وبُعدا منـي، فحتـى متـى هذا؟ أبـي يتـمرّسون أم إياي يخادعون؟ وإنـي أحلف بعزّتـي لأقـيضنّ لهم فتنة يتـحيرُ فـيها الـحلـيـم، ويضلّ فـيها رأي ذي الرأي، وحكمة الـحكيـم، ثم لأسلطنّ علـيهم جبـارا قاسيا عاتـيا، ألبسه الهيبة، وأنتزع من صدره الرأفة والرحمة والبـيان، يتبعه عدد وسواد مثل سواد اللـيـل الـمظلـم، له عساكر مثل قطع السحاب، ومراكب أمثال العجاج، كأن خفـيق راياته طيران النسور، وأن حملة فُرسانه كوبر العقبـان. ثم أوحى اللّه إلـى إرميا: إنـي مهلك بنـي إسرائيـل بـيافث، ويافث أهل بـابل، وهم من ولد يافث بن نوح. ثم لـما سمع إرميا وحي ربه صاح وبكى وشقّ ثـيابه، ونبذَ الرماد علـى رأسه وقال: ملعون يوم ولدت فـيه، ويوم لقـيت التوراة، ومن شرّ أيامي يوم ولدت فـيه، فما أُبقـيت آخر الأنبـياء إلا لـما هو أشرّ علـيّ لو أراد بـي خيرا ما جعلنـي آخر الأنبـياء من بنـي إسرائيـل، فمن أجلـي تصيبهم الشّقوة والهلاك فلـما سمع اللّه تضرّع الـخضر وبكاءه، وكيف يقول، ناداه: يا إرميا أشقّ ذلك علـيك فـيـما أوحيت لك؟ قال: نعم يا ربّ أهلكْنـي قبل أن أرى فـي بنـي إسرائيـل ما لا أسرّ به فقال اللّه : وعزّتـي العزيزة لا أهلك بـيت الـمقدس وبنـي إسرائيـل حتـى يكون الأمر من قِبَلك فـي ذلك ففرح عند ذلك إرميا لـما قال له ربه، وطابت نفسه، وقال: لا، والذي بعث موسى وأنبـياءه بـالـحقّ لا آمر ربـي بهلاك بنـي إسرائيـل أبدا ثم أتـى ملك بنـي إسرائيـل فأخبره ما أوحى اللّه إلـيه فـاستبشر وفرح وقال: إن يعذّبنا ربنا فبذنوب كثـيرة قدّمناها لأنفسنا، وإن عفـا عنا فبقدرته. ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنـين لـم يزدادوا إلا معصية وتـماديا فـي الشرّ، وذلك حين اقترب هلاكهم فقلّ الوحي حين لـم يكونوا يتذكرون الاَخرة، وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنـيا وشأُنها، فقال لهم ملكهم: يا بنـي إسرائيـل، انتهوا عما أنتـم علـيه قبل أن يـمسكم بأس اللّه ، وقبل أن يُبعث علـيكم قوم لا رحمة لهم بكم، وإن ربكم قريب التوبة، مبسوط الـيدين بـالـخير، رحيـم بـمن تاب إلـيه. فأبَوا علـيه أن ينزِعوا عن شيء مـما هم علـيه وإن اللّه قد ألقـى فـي قلب بختنصر بن نـجور زاذان بن سنـحاريب بن دارياس بن نـمرود بن فـالـخ بن عابر بن نـمرود صاحب إبراهيـم الذي حاجّه فـي ربه، أن يسير إلـى بـيت الـمقدس، ثم يفعل فـيه ما كان جدّه سنـحاريب أراد أن يفعل، فخرج فـي ستّ مئة ألف راية يريد أهل بـيت الـمقدس فلـما فصل سائرا أتـى ملك بنـي إسرائيـل الـخبر أن بختنصر قد أقبل هو وجنوده يريدكم، فأرسل الـملك إلـى إرميا، فجاءه فقال: يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربك أوحى إلـيك أن لا يهلك أهل بـيت الـمقدس، حتـى يكون منك الأمر فـي ذلك؟ فقال إرميا للـملك: إن ربـي لايخـلف الـميعاد، وأنا به وائق. فلـما اقترب الأجل ودنا انقطاع ملكهم وعزم اللّه علـى هلاكهم، بعث اللّه مَلَكا من عنده، فقال له: اذهب إلـى إرميا فـاسَتْفتِه، وأمَرَه بـالذي يُستفتَـى فـيه فأقبل الـمَلك إلـى إرمياء، وكان قد تـمثّل له رجلاً من بنـي إسرائيـل، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: رجل من بنـي إسرائيـل أستفتـيك فـي بعض أمري فأذن له، فقال له الـمَلَك: يا نبـيّ اللّه أتـيتك أستفتـيك فـي أهل رحمي، وصلت أرحامهم بـما أمرنـي اللّه به، لـم آت إلـيهم إلا حسنا، ولـم آلُهم كرامة، فلا تزيدهم كرامتـي إياهم إلا إسخاطا لـي، فأفتنـي فـيهم يا نبـيّ اللّه فقال له: أحسن فـيـما بـينك وبـين اللّه ، وصل ما أمرك اللّه أن تصل، وأبشر بخير وانصرف عنه. فمكث أياما، ثم أقبل إلـيه فـي صورة ذلك الذي جاءه، فقعد بـين يديه، فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الرجل الذي أتـيتك أستفتـيك فـي شأن أهلـي، فقال له نبـيّ اللّه : أَوَ ما ظهرت لك أخلاقهم بعد، ولـم تر منهم الذي تـحبّ؟ فقال: يا نبـيّ اللّه ، والذي بعثك بـالـحقّ ما أعلـم كرامة يأتـيها أحد من الناس لأهل رحمه إلا قد أتـيتها إلـيهم وأفضل من ذلك، فقال النبـيّ: ارجع إلـى أهلك فأحسن إلـيهم، أسأل اللّه الذي يصلـح عبـاده الصالـحين أن يصلـح ذات بـينكم، وأن يجمعكم علـى مرضاته، ويجنبكم سخطه فقال الـمَلك من عنده، فلبث أياما وقد نزل بختنصر وجنوده حول بـيت الـمقدس، ومعه خلائق من قومه كأمثال الـجراد، ففزع منهم بنو إسرائيـل فزعا شديدا، وشق ذلك علـى ملك بنـي إسرائيـل، فدعا إرميا، فقال: يا نبـيّ اللّه أين ما وعدك اللّه ؟ فقال: إنـي بربـي واثق. ثم إن الـملك أقبل إلـى إرميا وهو قاعد علـى جدار بـيت الـمقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده، فقعد بـين يديه فقال له إرميا: من أنت؟ قال: أنا الذي كنت أتـيتك فـي شأن أهلـي مرّتـين، فقال له النبـيّ: أَوَ لَـم يأنِ لهم أن يـمتنعوا من الذي هم فـيه مقـيـمون علـيه؟ فقال له الـملك: يا نبـيّ اللّه ، كلّ شيء كان يصيبنـي منهم قبل الـيوم كنت أصبر علـيه، وأعلـم أن مأربهم فـي ذلك سخطي فلـما أتـيتهم الـيوم رأيتهم فـي عمل لا يرضي اللّه ولا يحبه اللّه عزّ وجلّ. فقال له نبـيّ اللّه : علـى أيّ عمل رأيتهم؟ قال: يا نبـيّ اللّه رأيتهم علـى عمل عظيـم من سخط اللّه ، فلو كانوا علـى مثل ما كانوا علـيه قبل الـيوم لـم يشتدّ علـيهم غضبـي، وصبرت لهم ورجوتهم، ولكن غضبت الـيوم لله ولك، فأتـيتك لأخبرك خبرهم، وإنـي أسألك بـاللّه الذي بعثك بـالـحقّ إلا ما دعوت علـيهم ربك أن يهلكهم فقال إرميا: يا مالك السموات والأرض، إن كانوا علـى حقّ وصواب فأبقهم، وإن كانوا علـى سخطك وعمل لا ترضاه فأهلكهم. فما خرجت الكلـمة مِن فـي إرميا حتـى أرسل اللّه صاعقة من السماء فـي بـيت الـمقدس، فـالتهب مكان القربـان، وخسف بسبعة أبواب من أبوابها فلـما رأى ذلك إرميا صاح وشقّ ثـيابه، ونبذ الرماد علـى رأسه وقال: يا ملك السموات والأرض بـيدك ملكوت كلّ شيء وأنت أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتنـي؟ فنودي إرميا: إنهم لـم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتـياك التـي أفتـيت بها رسولنا فـاستـيقن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أنها فتـياه التـي أفتـى بها ثلاث مرّات، وأنه رسول ربه. ثم إن إرميا طار حتـى خالط الوحش، ودخـل بختنصر وجنوده بـيت الـمقدس، فوطىء الشام، وقتل بنـي إسرائيـل حتـى أفناهم، وخرّب بـيت الـمقدس، أمر جنوده أن يـملأ كلّ رجل منهم ترسه ترابـا ثم يقذفه فـي بـيت الـمقدس، فقذفوا فـيه التراب حتـى ملأوه، ثم انصرف راجعا إلـى أرض بـابل، واحتـمل معه سبـايا بنـي إسرائيـل، وأمرهم أن يجمعوا من كان فـي بـيت الـمقدس كلهم، فـاجتـمع عنده كلّ صغير وكبـير من بنـي إسرائيـل، فـاختار منهم سبعين ألف صبـيّ فلـما خرجت غنائم جنده، وأراد أن يقسمها فـيهم، قالت له الـملوك الذين كانوا معه: أيها الـملك لك غنائمنا كلها، واقسم بـيننا هؤلاء الصبـيان الذين اخترتهم من بنـي إسرائيـل، ففعل، وأصاب كلّ رجل منهم أربعة أغلـمة، وكان من أولئك الغلـمان دانـيال وحنانـيا وعزاريا وميشائيـل وسبعة آلاف من أهل بـيت داود، وأحد عشر ألفـا من سبط يوسف بن يعقوب، وأخيه بنـيامين، وثمانـية آلاف من سبط أشر بن يعقوب، وأربعة عشر ألفـا من سبط زبـالون بن يعقوب ونفثالـي بن يعقوب، وأربعة آلاف من سبط يهوذا بن يعقوب، وأربعة آلاف من سبط روبـيـل ولاوي ابنـي يعقوب. ومن بقـى من بنـي إسرائيـل، وجعلهم بختنصر ثلاث فرق، فثلثا أَقَرّ بـالشام، وثلثا قتل، وذهب بآنـية بـيت الـمقدس حتـى أقدمها بـابل، وذهب بـالصبـيان السبعين الألف حتـى أقدمهم بـابل، فكانت هذه الوقعة الأولـى التـي أنزل اللّه ببنـي إسرائيـل بـاحداثهم وظلـمهم. فلـما ولّـي بختنصر عنهم راجعا إلـى بـابل بـمن معه من سبـايا بنـي إسرائيـل، أقبل أرميا علـى حمار له معه عصير ثم ذكر قصته حين أماته اللّه مئة عام، ثم بعثه، ثم خبر رؤيا بختنصر وأمر دانـيال، وهلاك بختنصر، ورجوع من بقـي من بنـي إسرائيـل فـي أيدي أصحاب بختنصر بعد هلاكه إلـى الشام، وعمارة بـيت الـمقدس، وأَمْرَ عُزيرَ وكيف ردّ اللّه علـيه التوراة. ١٦٦٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق، قال: ثم عمدت بنو إسرائيـل بعد ذلك يحُدِثون الأحداث، يعني بعد مهلك عُزيرَ، ويعود اللّه علـيهم، ويبعث فـيهم الرسل، ففريقا يكذّبون، وفريقا يقتلون، حتـى كان آخر من بعث اللّه فـيهم من أنبـيائهم زكريا ويحيى بن زكريا وعيسى ابن مريـم، وكانوا من بـيت آل داود. ١٦٦٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن عمر بن عبد اللّه بن عروة، عن عبد اللّه بن الزبـير أنه قال، وهو يحدّث عن قتل يحيى بن زكريا قال: ما قُتل يحيى بن زكريا إلا بسبب امرأة بغيّ من بغايا بنـي إسرائيـل كان فـيهم ملك، وكان يحيى بن زكريا تـحت يدي ذلك الـملك، فهمّت ابنة ذلك الـملك بأبـيها، فقالت: لو أنـي تزوّجت بأبـي فـاجتـمع لـي سلطانه دون النساء، فقالت له: يا أبتِ تزوّجنـي ودعته إلـى نفسها، فقال لها: يا بنـية إن يحيى بن زكريا لا يحل لنا هذا، فقالت: من لـي بـيحيى بن زكريا؟ ضيّق علـيّ، وحال بـينـي وبـين أن أتزوّج بأبـي، فأغلِبَ علـى مُلكه ودنـياه دون النساء قال: فأمرت اللعابـين ومـحلت بذلك لأجل قتل يحيى بن زكريا، فقالت: ادخـلوا علـيه فـالعبوا، حتـى إذا فرغتـم فإنه سيُحَكمكم، فقولوا: دم يحيى بن زكريا، ولا تقبلوا غيره. وكان اسم الـملك رواد، واسم ابنته البغيّ، وكان الـملك فـيهم إذا حدّث فكذب، أو وعد فأخـلف، خـلع فـاستُبدل به غيرهُ فلـما ألعبوه وكثر عجبه منهم، قال: سلونـي أعطكم، فقالوا له: نسألك دم يحيى بن زكريا أعطنا إياه قال: ويحكم سلونـي غير هذا فقالوا: لا نسألك شيئا غيره. فخاف علـى ملكه إن هو أخـلفهم أن يُسْتـحَلّ بذلك خَـلْعه، فبعث إلـى يحيى بن زكريا وهو جالس فـي مـحرابه يصلـي، فذبحوه فـي طست ثم حزّوا رأسه، فـاحتـمله رجل فـي يده والدم يحمل فـي الطّسْت معه. قال: فطلع برأسه يحمله حتـى وقـف به علـى الـملك، ورأسه يقول فـي يدي الذي يحمله لا يحلّ لك ذلك فقال رجل من بنـي إسرائيـل: أيها الـملك لو أنك وهبت لـي هذا الدم؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: أطهر منه الأرض، فإنه كان قد ضيقها علـينا، فقال: أعطوه هذا الدم، فأخذه فجعله فـي قلة، ثم عمد به إلـى بـيت فـي الـمذبح، فوضع القلة فـيه، ثم أغلق علـيه، ففـار فـي القُلّة حتـى خرج منها من تـحت البـاب من البـيت الذي هو فـيه فلـما رأى الرجل ذلك، فَظع به، فأخرجه فجعله فـي فلاة من الأرض، فجعل يفور وعظمت فـيهم الأحداث. ومنهم من يقول: أقرّ مكانه فـي القربـان ولـم يحوّل. ١٦٦٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: قال ابن إسحاق: فلـما رفع اللّه عيسى من بـين أظهرهم وقتلوا يحيى بن زكريا (وبعض الناس يقول: وقتلوا زكريا) ، ابتعث اللّه علـيهم ملكا من ملوك بـابل يقال له خردوس، فسار إلـيه بأهل بـابل حتـى دخـل علـيهم الشام فلـما ظهر علـيهم أمر رأسا من رؤوس جنده يدعى نبور زاذان صاحب القتل، فقال له: إنـي قد كنت حلفت بإلهي لئن أظهرنا علـى أهل بـيت الـمقدس لأقتلنهم حتـى تسيـل دماؤهم فـي وسط عسكري، إلا أن لا أجد أحدا أقتله فأمر أن يقتلهم حتـى يبلغ ذلك منهم نبور زاذان، فدخـل بـيت الـمقدس، فقال فـي البقعة التـي كانوا يقربون فـيها قربـانهم، فوجد فـيها دما يغلـي، فسألهم فقال: يا بنـي إسرائيـل، ما شأن هذا الدم الذي يغلـي، أخبرونـي خبره ولا تكتـمونـي شيئا من أمره؟ فقالوا: هذا دم قربـان كان لنا كنا قرّبناه فلـم يُتَقبّل منا، فلذلك هو يغلـي كما تراه ولقد قرّبنا منذ ثمان مئة سنة القربـان فتقبّل منا إلا هذا القربـان قال: ما صَدَقْتـمونـي الـخبر قالوا له: لو كان كأوّل زماننا لقُبل منا، ولكنه قد انقطع منا الـمُلك والنبوّة والوحي، فلذلك لـم يُتقبل منا فذبح منهم نبور زاذان علـى ذلك الدم سبع مئة وسبعين روحا من رؤوسهم، فلـم يهدأ فأمر بسبع مئة غلام من غلـمانهم فذبحوا علـى الدم فلـم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيعهم وأزواجهم، فذبحهم علـى الدم فلـم يبرد ولـم يهدأ فلـما رأى نبور زاذان أن الدم لا يهدأ قال لهم: ويْـلكم يا بنـي إسرائيـل، أصدقونـي واصبروا علـى أمر ربكم فقد طال ما ملكتـم فـي الأرض تفعلون فـيها ما شئتـم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار، لا أنثى ولا ذكرا إلا قتلته فلـما رأوا الـجهد وشدّة القتل صدقوه الـخبر، فقالوا له: إن هذا دم نبـيّ منا كان ينهانا عن أمور كثـيرة من سخط اللّه ، فلو أطعناه فـيها لكان أرشد لنا، وكان يخبرنا بأمركم، فلـم نصدّقه، فقتلناه، فهذا دمه فقال لهم نبور زاذان: ما كان اسمه؟ قالوا: يحيى بن زكريا، فقال: الاَنَ صَدَقْتـمونـي بـمثل هذا ينتقم ربكم منكم فلـما رأى نبور زاذان أنهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لـمن حوله: غلقوا الأبواب، أبواب الـمدينة، وأخرجوا من كان ههنا من جيش خردوس. وخلافـي بنـي إسرائيـل ثم قال: يا يحيى بن زكريا، قد علـم ربـي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك، وما قُتل منهم من أجلك، فـاهدأ بإذن اللّه قبل أن لا أبقـي من قومك أحدا فهدأ دم يحيى بن زكريا بإذن اللّه ، ورفع نبور زاذان عنهم القتل وقال: آمنت بـما آمنت به بنو إسرائيـل، وصدّقت وأيقنت أنه لا ربّ غيره، ولو كان معه آخر لـم يصلـح، ولو كان له شريك لـم تستـمسك السموات والأرض، ولو كان له ولد لـم يصلـح، فتبـارك وتقدّس، وتسبح وتكبر وتعظم، ملك الـملوك الذي له ملك السموات السبع والأرض وما فـيهنّ، وما بـينهما، وهو علـى كل شيء قدير، فله الـحلـم والعلـم والعزّة والـجبروت، وهو الذي بسط الأرض وألقـى فـيها رواسي لئلا تزول، فكذلك ينبغي لربـي أن يكون ويكون مُلكه. فأوحى اللّه إلـى رأس من رؤوس بقـية الأنبـياء أن نبور زاذان حَبُور صدوق والـحبور بـالعبرانـية: حديث الإيـمان. وإن نبور زاذان قال لبنـي إسرائيـل: يا بنـي إسرائيـل، إن عدوّ اللّه خردوس أمرنـي أن أقتل منكم حتـى تسيـل دماؤكم وسط عسكره، وإنـي لست أستطيع أن أعصيه. قالوا له: افعل ما أُمرت به. فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الـخيـل والبغال والـحمير والبقر والغنـم والإبل، فذبحها حتـى سال الدم فـي العسكر، وأمر بـالقتلـى الذين كانوا قبل ذلك، فطُرحوا علـى ما قُتل من مواشيهم حتـى كانوا فوقهم، فلـم يظنّ خردوس إلا أن ما كان فـي الـخندق من بنـي إسرائيـل. فلـما بلغ الدم عسكره، أرسل إلـى نبور زاذان أن ارفع عنهم، فقد بلغتنـي دماؤهم، وقد انتقمت منهم بـما فعلوا. ثم انصرف عنهم إلـى أرض بـابل، وقد أفنى بنـي إسرائيـل أو كاد، وهي الوقعة الاَخرة التـي أنزل اللّه ببنـي إسرائيـل. يقول اللّه عزّ ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وَقَضَيْنا إلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ فِـي الكِتابِ لتَفْسِدُنّ فِـي الأرْضِ مَرّتَـيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِـيرا فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَـيْكمْ عِبـادا لَنا أُولـي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَـيْهِمْ وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِـينَ وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِـيرا إنْ أحْسَنْتُـمْ أحْسَنْتُـمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإنْ أسأْتُـمْ فَلَها فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لـيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجدَ كمَا دَخَـلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ ولِـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبـيرا عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافرِينَ حَصِيرا وعسى من اللّه حقّ، فكانت الوقعة الأولـى: بختنصرَ وجنوده، ثم ردّ اللّه لكم الكرّة علـيهم، وكانت الوقعة الاَخرة خردوس وجنوده، وهي كانت أعظم الوقعتـين، فـيها كان خراب بلادهم، وقتل رجالهم، وسبى ذراريهم ونسائهم. يقول اللّه تبـارك وتعالـى: وَلـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا ثم عاد اللّه علـيهم، فأكثر عددهم، ونشرهم فـي بلادهم، ثم بَدّلوا وأحدثوا الأحداث، واستبدلوا بكتابهم غيره، وركبوا الـمعاصي، واستـحلوا الـمـحارم وضيّعوا الـحدود. ١٦٦٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن أبـي عَتّاب رجل من تغلب كان نصرانـيا عمرا من دهره، ثم أسلـم بعد، فقرأ القرآن، وفقه فـي الدين، وكان فـيـما ذكر أنه كان نصرانـيا أربعين سنة، ثم عُمّر فـي الإسلام أربعين سنة. قال: كان آخر أنبـياء بنـي إسرائيـل نبـيا بعثه اللّه إلـيهم، فقال لهم: يا بنـي إسرائيـل إن اللّه يقول لكم: إنـي قد سلبت أصواتكم، وأبغضتكم بكثرة أحداثكم فهَمّوا به لـيقتلوه، فقال اللّه تبـارك وتعالـى له: ائتهم واضرب لـي ولهم مثلاً، فقل لهم: إن اللّه تبـارك وتعالـى يقول لكم: اقضوا بـينـي وبـين كرمي ألـم أختر له البلاد، وطيبت له الـمَدَرة، وحظرته بـالسياج، وعرشته السويق والشوك والسياج والعَوْسَج، وأحطته بردائي، ومنعته من العالـم وفضّلته، فلقـينـي بـالشوك والـجذوع، وكل شجرة لا تؤكل؟ ما لهذا اخترت البلدة، ولا طيّبت الـمَدَرة، ولا حَظَرته بـالسّياج، ولا عَرَشتْه السويق، ولا حُطْته بردائي، ولا منعته من العالـم فضلتكم وأتـمـمت علـيكم نعمتـي، ثم استقبلتـمونـي بكلّ ما أكره من معصيتـي وخلاف أمري لَـمَهْ إن الـحمار لـيعرف مذوده لَـمَهْ إن البقرة لتعرف سيدها وقد حلفت بعزتـي العزيزة، وبذراعي الشديد لاَخذنّ ردائي، ولأمرجنّ الـحائط، ولأجعلنكم تـحت أرجل العالـم. قال: فوثبوا علـى نبـيهم فقتلوه، فضرب اللّه علـيهم الذلّ، ونزع منهم الـملك، فلـيسوا فـي أمة من الأمـم إلا وعلـيهم ذلّ وصغار وجزية يؤدّونها، والـملك فـي غيرهم من الناس، فلن يزالوا كذلك أبدا، ما كانوا علـى ما هم علـيه. قال: قال: فهذا ما انتهى إلـينا من جماع أحاديث بنـي إسرائيـل. ١٦٦٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَة لِـيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجِدَ كمَا دَخَـلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ وَلِـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا قال: كانت الاَخرة أشدّ من الأولـى بكثـير، قال: لأن الأولـى كانت هزيـمة فقط، والاَخرة كان التدمير، وأحرق بختنصر التوراة حتـى لـم يبق منها حرف واحد، وخرب الـمسجد. ١٦٦٨٧ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: بعث عيسى ابن مريـم يحيى بن زكريا، فـي اثنـي عشر من الـحواريـين يعلّـمون الناس. قال: فكان فـيـما نهاهم عنه، نكاح ابنة الأخ. قال: وكانت لـملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوّجها، وكانت لها كل يوم حاجة يقضيها فلـما بلغ ذلك أمها قالت لها: إذا دخـلت علـى الـملك فسألك حاجتك، فقولـي: حاجتـي أن تذبح لـي يحيى بن زكريا فلـما دخـلت علـيه سألها حاجتها، فقالت: حاجتـي أن تذبح يحيى بن زكريا، فقال: سلـي غير هذا فقالت: ما أسألك إلا هذا قال: فلـما أبت علـيه دعا يحيى ودعا بطست فذبحه، فبدرت قطرة من دمه علـى الأرض، فلـم تزل تغلـي حتـى بعث اللّه بختنصر علـيهم، فجاءته عجوز من بنـي إسرائيـل، فدلّته علـى ذلك الدم. قال: فألقـى اللّه فـي نفسه أن يقتل علـى ذلك الدم منهم حتـى يسكن، فقتل سبعين ألفـا منهم من سنّ واحد فسكن. وقوله: وَلِـيَدْخُـلُوا الـمَسْجِدَ كمَا دَخَـلُوهُ أوّلَ مَرّةٍ يقول: ولـيدخـل عدوّكم الذي أبعثه علـيكم مسجد بـيت الـمقدس قهرا منهم لكم وغلبة، كما دخـلوه أوّل مرّة حين أفسدتـم الفساد الأوّل فـي الأرض. وأما قوله: وَلِـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا فإنه يقول: ولـيدمّروا ما غلبوا علـيه من بلادكم تدميرا. يقال منه: دمّرت البلد: إذا خرّبته وأهلكت أهله. وَتَبَر تَبْرا وَتَبـارا، وتَبّرْتُه أتبّرُه تتبـيرا. ومنه قول اللّه تعالـى ذكره وَلا تَزِدِ الظّالِـمِينَ إلاّ تَبَـارا يعني : هلاكا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : وَلِـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا قال: تدميرا. ١٦٦٨٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَلِـيُتَبّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِـيرا قال: يدمروا ما علوا تدميرا. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }. يقول تعالـى ذكره: لعلّ ربكم يا بنـي إسرائيـل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم بـالقوم الذين يبعثهم اللّه علـيكم لـيسوء مبعثه علـيكم وجوهكم، ولـيدخـلوا الـمسجد كما دخـلوه أوّل مرّة، فـيستنقذكم من أيديهم، وينتشلكم من الذلّ الذي يحله بكم، ويرفعكم من الـخمولة التـي تصيرون إلـيها، فـيعزّكم بعد ذلك. و(عسى) من اللّه : واجب. وفعل اللّه ذلك بهم، فكثر عددهم بعد ذلك، ورفع خَساستهم، وجعل منهم الـملوك والأنبـياء، فقال جل ثناؤه لهم: وإن عدتـم يا معشر بنـي إسرائيـل لـمعصيتـي وخلاف أمري، وقتل رسلـي، عدنا علـيكم بـالقتل والسّبـاء، وإحلال الذلّ والصّغار بكم، فعادوا، فعاد اللّه علـيهم بعقابه وإحلال سخطه بهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٩٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، عن عمر بن ثابت، عن أبـيه، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عَدْنا قال: عادوا فعاد، ثم عادوا فعاد، ثم عادوا فعاد. قال: فسلّط اللّه علـيهم ثلاثة ملوك من ملوك فـارس: سندبـادان وشهربـادان وآخر. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قال: قال اللّه تبـارك وتعالـى بعد الأولـى والاَخرة: عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا قال: فعادوا فسلّط اللّه علـيهم الـمؤمنـين. ١٦٦٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ فعاد اللّه علـيهم بعائدته ورحمته وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا قال: عاد القوم بشرّ ما يحضرهم، فبعث اللّه علـيهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته. ثم كان ختام ذلك أن بعث اللّه علـيهم هذا الـحيّ من العرب، فهم فـي عذاب منهم إلـى يوم القـيامة قال اللّه عزّ وجلّ فـي آية أخرى وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ... الاَية، فبعث اللّه علـيهم هذا الـحيّ من العرب. ١٦٦٩٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدْتُـمْ عُدْنا فعادوا، فبعث اللّه علـيهم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، فهم يعطون الـجزية عن يد وهم صاغرون. ١٦٦٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه تعالـى: عَسَى رَبّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ قال بعد هذا وَإنْ عُدْتُـمْ لـما صنعتـم لـمثل هذا من قتل يحيى وغيره من الأنبـياء عُدْنا إلـيكم بـمثل هذا. وقوله: وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِينَ حَصِيرا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: وجعلنا جهنـم للكافرين سجنا يسجنون فـيها. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٩٤ـ حدثنا مـحمد بن مَسْعدة، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن أبـي عمران وجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِين حَصِيرا قال: سجنا. ١٦٦٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِينَ حَصِيرا يقول: جعل اللّه مأواهم فـيها. ١٦٦٩٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِينَ حَصِيرا قال: مَـحْبِسا حَصُورا. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للْكافِرِينَ حَصِيرا يقول: سجنا. ١٦٦٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه تعالـى: حَصِيرا قال: يحصرون فـيها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للْكافِرِينَ حَصِيرا قال: يُحصرون فـيها. ١٦٦٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِينَ حَصِيرا سجنا يسجنون فـيها حصروا فـيها. حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله وَجَعَلْنا جَهَنّـمَ للكافِرِينَ حَصِيرا يقول: سجنا. وقال آخرون: معناه: وجعلنا جهنـم للكافرين فراشا ومهادا. ذكر من قال ذلك: ١٦٦٩٩ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الـحسن: الـحصير: فِراش ومِهاد. وذهب الـحسن بقوله هذا إلـى أن الـحصير فـي هذا الـموضع عنـي به الـحصير الذي يُبْسط ويفترش، وذلك أن العرب تسمى البساط الصغير حصيرا، فوجّه الـحسن معنى الكلام إلـى أن اللّه تعالـى جعل جهنـم للكافرين به بساطا ومهادا، كما قال: لَهُمْ مِنْ جَهَنّـمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وهو وجه حسن وتأويـل صحيح. وأما الاَخرون، فوجهوه إلـى أنه فعيـل من الـحصر الذي هو الـحبس. وقد بـيّنت ذلك بشواهده فـي سورة البقرة، وقد تسمي العرب الـملك حصيرا بـمعنى أنه مـحصور: أي مـحجوب عن الناس، كما قال لبـيد: وَمَقامَةٍ غُلْبِ الرّقابِ كأنّهُمْجِنّ لَدَى بـابِ الـحَصِيرِ قِـيامُ يعني بـالـحصير: الـملك، ويقال للبخيـل: حصور وحصر: لـمنعه ما لديه من الـمال عن أهل الـحاجة، وحبسه إياه عن النفقة، كما قال الأخطل: وَشارِبٍ مُرْبحٍ بـالكأْسِ نادَمَنِـيلا بـالـحَصُورِ وَلا فِـيها بِسَوّارِ ويروى: بسآر. ومنه الـحصر فـي الـمنطق لامتناع ذلك علـيه، واحتبـاسه إذا أراده. ومنه أيضا الـحصور عن النساء لتعذّر ذلك علـيه، وامتناعه من الـجماع، وكذلك الـحصر فـي الغائط: احتبـاسه عن الـخروج، وأصل ذلك كله واحد وإن اختلفت ألفـاظه. فأما الـحصيران: فـالـجنبـان، كماقال الطرّماح: قَلِـيلاً تَتَلّـى حاجَةً ثُمّ عُولِـيَتْعَلـى كُلّ مَفْرُوشِ الـحَصِيرَيْنِ بـادِنِ يعني بـالـحصيرين: الـجنبـين. والصواب من القول فـي ذلك عندي أي يقال: معنى ذلك: وَجَعَلْنا جَهَنَـمٍ للْكافرِينَ حَصِيرا فراشا ومهادا لا يزايـله من الـحصير الذي بـمعنى البساط، لأن ذلك إذا كان كذلك كان جامعا معنى الـحبس والامتهاد، مع أن الـحصير بـمعنى البساط فـي كلام العرب أشهر منه بـمعنى الـحبس، وأنها إذا أرادت أن تصف شيئا بـمعنى حبس شيء، فإنـما تقول: هو له حاصر أو مـحصر فأما الـحصير فغير موجود فـي كلامهم، إلا إذا وصفته بأنه مفعول به، فـيكون فـي لفظ فعيـل، ومعناه مفعول به ألا ترى بـيت لبـيد: لدى بـاب الـحصير؟ فقل: لدى بـاب الـحصير، لأنه أراد: لدى بـاب الـمـحصور، فصرف مفعولاً إلـى فعيـل. فأما فعيـل فـي الـحصر بـمعنى وصفه بأنه الـحاصر. فذلك ما لا نـجده فـي كلام العرب، فلذلك قلت: قول الـحسن أولـى بـالصواب فـي ذلك. وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن ذلك جائز، ولا أعلـم لـما قال وجها يصحّ إلا بعيدا وهو أن يقال: جاء حصير بـمعنى حاصر، كما قـيـل: علـيـم بـمعنى عالـم، وشهيد بـمعنى شاهد، ولـم يسمع ذلك مستعملاً فـي الـحاصر كما سمعنا فـي عالـم وشاهد. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ هَـَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }. يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلناه علـى نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به للّتِـي هِيَ أقْوَمُ يقول: للسبـيـل التـي هي أقوم من غيرها من السبل، وذلك دين اللّه الذي بعث به أنبـياءه وهو الإسلام. يقول جلّ ثناؤه: فهذا القرآن يهدي عبـاد اللّه الـمهتدين به إلـى قصد السبـيـل التـي ضلّ عنها سائر أهل الـملل الـمكذّبـين به، كما: ١٦٧٠٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ هَذَا القُرآنَ يَهْدِي للّتِـي هِيَ أقْوَمُ قال: للتـي هي أصوب: هو الصواب وهو الـحقّ قال: والـمخالف هو البـاطل. وقرأ قول اللّه تعالـى: فِـيها كُتُبٌ قَـيّـمَةٌ قال: فـيها الـحقّ لـيس فـيها عوج. وقرأ ولَـمْ نَـجْعَلْ لَهُ عِوْجا قَـيّـما يقول: قـيـما مستقـيـما. وقوله: وَيُبَشّرُ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبـيـل الأقصد الذين يؤمنون بـاللّه ورسوله، ويعملون فـي دنـياهم بـما أمرهم اللّه به، وينتهون عما نهاهم عنه بأن لهُمْ أجْرا من اللّه علـى إيـمانهم وعملهم الصالـحات كَبِـيرا يعني ثوابـا عظيـما، وجزاء جزيلاً، وذلك هو الـجنة التـي أعدّها اللّه تعالـى لـمن رضي عمله، كما: ١٦٧٠١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِـيرا قال: الـجنة، وكلّ شيء فـي القرآن أجر كبـير، أجر كريـم، ورزق كريـم فهو الـجنة، وأن فـي قوله: أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِـيرا نصب مه، كما: ١٦٧٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِـيرا قال: الـجنة، وكلّ شيء فـي القرآن أجر كبـير، أجر كريـم، ورزق كريـم فهو الـجنة، وأن فـي قوله: أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِـيرا نصب يقول: أعددنا لهم، لقدومهم علـى ربهم يوم القـيامة عَذَابـا ألِـيـما يعني موجعا، وذلك عذاب جهنـم. ١٠قَوْلُهُ: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الإسراء: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْمَعَادِ إِلَى اللّه ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي الدُّنْيَا، فَهُمْ لِذَلِكَ لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ رُكُوبِ مَعَاصِي اللّه {أَعْتَدْنَا لَهُمْ} [النساء: ١٨] يَقُولُ: أَعْدَدْنَا لَهُمْ، لِقُدُومِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٨] يَعْنِي مُوجِعًا، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشّرّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً }. يقول تعالـى ذكره مذكرا عبـاده أياديه عندهم، ويدعو الإنسان علـى نفسه وولده وماله بـالشرّ، فـ يقول: اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بـالـخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له العافـية، ويرزقه السلامة فـي نفسه وماله وولده، يقول: فلو استـجيب له فـي دعائه علـى نفسه وماله وولده بـالشرّ كما يستـجاب له فـي الـخير هلك، ولكن اللّه بفضله لا يستـجيب له فـي ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٠٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَيَدْعُ الإنْسانُ بـالشّرّ دعاءَه بـالـخَيْرِ وكانَ الإنْسان عَجُولاً يعني قول الإنسان: اللهمّ العنه واغضب علـيه، فلو يُعَجل له ذلك كما يُعجِل له الـخير، لهلك، قال: ويقال: هو وإذَا مَسّ الإنْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِـجَنِبِهْ أوْ قَاعِدا أَوْ قائِما أن يكشف ما به من ضرّ، يقول تبـارك وتعالـى: لو أنه ذكرنـي وأطاعنـي، واتبع أمري عند الـخير، كما يدعونـي عند البلاء، كان خيرا له. ١٦٧٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيَدْع الإنْسَانُ بـالشّرّ دعاءَهُ بـالـخَيْرِ وكانَ الإنْسَانُ عَجُولاً يدعو علـى ماله، فـيـلعن ماله وولده، ولو استـجاب اللّه له لأهلكه. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةويَدْعُ الإنْسانُ بـالشّرّ دُعاءَهُ بـالـخَيْرِ قال: يدعو علـى نفسه بـما لو استـجيب له هلك، وعلـى خادمه، أو علـى ماله. ١٦٧٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَيَدْعُ الإنْسانُ بـالشّرّ دُعاءَهُ بـالـخَيْرِ وكانَ الإنْسانُ عَجولاً قال: ذلك دعاء الإنسان بـالشرّ علـى ولده وعلـى امرأته، فـيعجل: فـيدعو علـيه، ولا يحب أن يصيبه. واختلف فـي تأويـل قوله: وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً فقال مـجاهد ومن ذكرت قوله: معناه: وكان الإنسان عَجولاً، بـالدعاء علـى ما يكره، أن يُستـجاب له فـيه. وقال آخرون: عنى بذلك آدم أنه عجل حين نفخ فـيه الروح قبل أن تـجري فـي جميع جسده، فرام النهوض، فوصف ولده بـالاستعجال، لـما كان من استعجال أبـيهم آدم القـيام، قبل أن يتـمّ خـلقه. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٠٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شُعبة، عن الـحكم، عن إبراهيـم، أن سلـمان الفـارسيّ، قال: أوّل ما خـلق اللّه من آدم رأسه، فجعل ينظر وهو يُخـلق، قال: وبقـيت رجلاه فلـما كان بعد العصر قال: يا ربّ عَجّل قبل اللـيـل، فذلك قوله: وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً. ١٦٧٠٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك عن ابن عبـاس ، قال: لـما نفخ اللّه فـي آدم من روحه أتت النفخة من قبَل رأسه، فجعل لا يجرى شيء منها فـي جسده، إلا صار لـحما ودما فلـما انتهت النفخة إلـى سرّته، نظر إلـى جسده، فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لـينهض فلـم يقدر، فهو قول اللّه تبـارك وتعالـى: وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً قال: ضَجِرا لا صبر له علـى سرّاء، ولا ضرّاء. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَا الْلّيْلَ وَالنّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النّهَارِ مُبْصِرَةً ...}. يقول تعالـى ذكره: ومن نعمته علـيكم أيها الناس، مخالفته بـين علامة اللـيـل وعلامة النهار، بإظلامه علامة اللـيـل، وإضاءته علامة النهار، لتسكنوا فـي هذا، وتتصرّفوا فـي ابتغاء رزق اللّه الذي قدره لكم بفضله فـي هذا، ولتعلـموا بـاختلافهما عدد السنـين وانقضاءها، وابتداء دخولها، وحساب ساعات النهار واللـيـل وأوقاتها وكُلّ شَيْءٍ فَصّلْناه تَفْصِيلاً يقول: وكلّ شيء بـيناه بـيانا شافـيا لكم أيها الناس لتشكروا اللّه علـى ما أنعم به علـيكم من نعمه، وتـخـلصوا له العبـادة، دون الاَلهة والأوثان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رُفـيع، عن أبـي الطُفـيـل، قال: قال ابن الكَوّاء لعلـيّ: يا أمير الـمؤمنـين، ما هذه اللّطْخة التـي فـي القمر؟ فقال: ويْحَك أما تقرأ القرآن فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ، فهذه مـحوه. ١٦٧٠٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا طلق، عن زائدة، عن عاصم، عن علـيّ بن ربـيعة، قال: سأل ابن الكوّاء علـيا فقال: ما هذا السواد فـي القمر؟ فقال علـيّ: فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ وجَعَلْنا آيَةَ النهارِ مُبْصِرَةً هُوَ الـمَـحْو. ١٦٧١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عبد اللّه بن عمر، قال: كنت عند علـيّ، فسأله ابن الكَوّاء عن السواد الذي فـي القمر؟ فقال: ذاك آية اللـيـل مُـحِيت. ١٦٧١١ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زُريع، قال: حدثنا عمران بن حُدير، عن رفـيع بن أبـي كثـير قال: قال علـيّ بن أبـي طالب رضوان اللّه علـيه: سَلُوا عما شئتـم، فقام ابن الكوّاء فقال: ما السواد الذي فـي القمر، فقال: قاتلك اللّه ، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك؟ قال: ذلك مَـحْو اللـيـل. ١٦٧١٢ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصريّ، قال: حدثنا ابن عُفَـير، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن حُيَـيّ بن عبد اللّه ، عن أبـي عبد الرحمن الـحُبُلـي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أن رجلاً قال لعلـيّ: ما السواد الذي فـي القمر؟ قال: إن اللّه يقول: وجَعَلْنا اللّـيْـلَ والنّهار آيَتَـيْنِ فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النّهارِ مُبْصِرَةً. ١٦٧١٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَجَعَلْنا اللّـيْـلَ والنّهارَ آيَتَـيْنِ فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ قال: هو السواد بـاللـيـل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية اللـيـل، والشمس آية النهار، فمـحونا آية اللـيـل: السواد الذي فـي القمر. ١٦٧١٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، قال: ذكر ابن جريج، عن مـجاهد، فـي قوله: وَجَعَلْنا اللـيْـلَ والنّهَارَ آيَتَـيْنِ قال: الشمس آية النهار، والقمر آية اللـيـل فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ قال: السواد الذي فـي القمر، وكذلك خـلقه اللّه . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَجَعَلْنا اللّـيْـل والنهارَ آيَتَـيْنِ قال: لـيلاً ونهارا، كذلك خـلقهما اللّه . ١٦٧١٥ـ قال ابن جريج: وأخبرنا عبد اللّه بن كثـير، قال: فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النّهارِ مُبْصِرَةً قال: ظلـمة اللـيـل وسُدْفَة النهار. ١٦٧١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَجَعَلْنا اللّـيْـلَ والنّهارَ آيَتَـيْنِ فَمَـحَوْنا آيَةَ اللّـيْـلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النّهارِ مُبْصِرَةً: أي منـيرة، وخـلق الشمس أنور من القمر وأعظم. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَجَعَلْنا اللّـيْـلَ والنّهارَ آيَتَـيْنِ قال: لـيلاً ونهارا، كذلك جعلهما اللّه . واختلف أهل العربـية فـي معنى قوله: وَجَعَلْنا آيَةَ النّهارِ مُبْصِرَةً فقال بعض نـحويـي الكوفة معناها: مضيئة، وكذلك قوله: والنّهار مُبْصرا معناه: مضيئا، كأنه ذهب إلـى أنه قـيـل مبصرا، لإضاءته للناس البصر. وقال آخرون: بل هو من أبصر النهار: إذا صار الناس يبصرون فـيه فهو مبصر، كقولهم: رجل مـجبن: إذا كان أهله وأصحابه جبناء، ورجل مضعف: إذا كانت رواته ضعفـاء، فكذلك النهار مبصرا: إذا كان أهله بصراء. ١٦٧١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةلتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبّكُمْ قال: جعل لكم سبحا طويلاً. ١٦٧١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوكُلّ شَيْءٍ فَصّلْناهُ تَفْصِيلاً: أي بـيّناه تبـيـينا. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وكلّ إنسان ألزمناه ما قضى له أنه عامله، وهو صائر إلـيه من شقاء أو سعادة بعمله فـي عنقه لا يفـارقه. وإنـما قوله ألْزَمْناهُ طائِرَهُ مثل لـما كانت العرب تتفـاءل به أو تتشاءم من سوانـح الطير وبوارحها، فأعلـمهم جل ثناؤه أن كلّ إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره فـي عنقه نـحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر، وشقاء يورده سعيرا، أو كان سعدا يورده جنات عدن. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧١٩ـ حدثنـي مـحمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثنـي أبـي، عن قتادة، عن جابر بن عبد اللّه أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَه فِـي عُنُقِهِ) . ١٦٧٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ قال: الطائر: عمله، قال: والطائر فـي أشياء كثـيرة، فمنه التشاؤم الذي يتشاءم به الناس بعضهم من بعض. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس ، قوله: وكُلّ إنْسانٍ ألْزمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ قال: عمله وما قدر علـيه، فهو ملازمه أينـما كان، فزائل معه أينـما زال. قال ابن جريج: وقال: طائره: عمله. ١٦٧٢١ـ قال: ابن جريج: وأخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قال: عمله وما كتب اللّه له. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: طائره: عمله. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو جميعا عن منصور، عن مـجاهدوكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ قال: عمله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، مثله. ١٦٧٢٢ـ حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن الـحسن بن عمرو الفقـيـمي، عن الـحكم، عن مـجاهد، فـي قوله: وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ قال: ما من مولدو يولد إلا وفـي عنقه ورقة مكتوب فـيها شقـيّ أو سعيد. قال: وسمعته يقول: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، قال: هو ما سبق. ١٦٧٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكُلّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ: إي واللّه بسعادته وشقائه بعمله. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: طائره: عمله. فإن قال قائل: وكيف قال: ألزمناه طائره فـي عنقه إن كان الأمر علـى ما وصفت، ولـم يقل: ألزمناه فـي يديه ورجلـيه أو غير ذلك من أعضاء الـجسد؟ قـيـل: لأن العنق هو موضع السمات، وموضع القلائد والأطوقة، وغير ذلك مـما يزين أو يشين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللازمة بنـي آدم وغيرهم من ذلك إلـى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك حتـى أضافوا الأشياء اللازمة سائر الأبدان إلـى الأعناق، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلـى الـيد، فقالوا: ذلك بـما كسبت يداه، وإن كان الذي جرّ علـيه لسانه أو فرجه، فكذلك قوله ألْزَمْناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: ونُـخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كتابـا يَـلْقاهُ مَنْشُورا فقرأه بعض أهل الـمدينة ومكة، وهو نافع وابن كثـير وعامة قرّاء العراق ونُـخْرِجُ بـالنون لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـا يَـلْقاه مَنْشُورا بفتـح الـياء من يَـلْقاه وتـخفـيف القاف منه، بـمعنى: ونـخرج له نـحن يوم القـيامة ردّا علـى قوله ألْزَمْناهُ ونـحن نـخرج له يوم القـيامة كتاب عمله منشورا. وكان بعض قرّاء أهل الشام يوافق هؤلاء علـى قراءة قوله ونُـخْرِجُ ويخالفهم فـي قوله يَـلْقاهُ فـيقرؤه: (يُـلَقّاهُ) بضم الـياء وتشديد القاف، بـمعنى: ونـخرج له نـحن يوم القـيامة كتابـا يـلقاه، ثم يردّه إلـى ما لـم يسمّ فـاعله، فـ يقول: يـلقـى الإنسان ذلك الكتاب منشورا. وذكر عن مـجاهد ما: ١٦٧٢٤ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم عن حميد، عن مـجاهد أنه قرأها، (وَيَخْرَجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـا) قال: يزيد: يعني يَخرج الطائر كتابـا، هكذا أحسبه قرأها بفتـح الـياء، وهي قراءة الـحسن البصري وابن مـحيصن وكأن من قرأ هذه القراءة وجّه تأويـل الكلام إلـى: ويخرج له الطائر الذي ألزمناه عنق الإنسان يوم القـيامة، فـيصير كتابـا يقرؤه منشورا. وقرأ ذلك بعض أهل الـمدينة: (ويُخَرجُ لَهُ) بضم الـياء علـى مذهب ما لـم يسمّ فـاعله، وكأنه وجّه معنى الكلام إلـى ويخرج له الطائر يوم القـيامة كتابـا، يريد: ويخرج اللّه ذلك الطائر قد صيره كتابـا، إلا أنه نـحاه نـحو ما لـم يسمّ فـاعله. وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب، قراءة من قرأه: ونُـخْرِجُ بـالنون وضمها لَهُ يَوْمَ القـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ منْشُورا بفتـح الـياء وتـخفـيف القاف، لأن الـخبر جري قبل ذلك عن اللّه تعالـى أنه الذي ألزم خـلقه ما ألزم من ذلك فـالصواب أن يكون الذي يـلـيه خبرا عنه، أنه هو الذي يخرجه لهم يوم القـيامة، أن يكون بـالنون كما كان الـخبر الذي قبله بـالنون. وأما قوله: يَـلقاهُ فإنّ فـي إجماع الـحجة من القرّاء علـى تصويب ما اخترنا من القراءة فـي ذلك، وشذوذ ما خالفه الـحجة الكافـية لنا علـى تقارب معنى القراءتـين: أعنـي ضمّ الـياء وفتـحها فـي ذلك، وتشديد القاف وتـخفـيفها فـيه فإذا كان الصواب فـي القراءة هو ما اخترنا بـالذي علـيه دللنا، فتأويـل الكلام: وكلّ إنسان منكم يا معشر بنـي آدم، ألزمناه نـحسه وسعده، وشقاءه وسعادته، بـما سبق له فـي علـمنا أنه صائر إلـيه، وعامل من الـخير والشرّ فـي عنقه، فلا يجاوز فـي شيء من أعماله ما قضينا علـيه أنه عامله، وما كتبنا له أنه صائر إلـيه، ونـحن نـخرج له إذا وافـانا كتابـا يصادفه منشورا بأعماله التـي عملها فـي الدنـيا، وبطائره الذي كتبنا له، وألزمناه إياه فـي عنقه، قد أحصى علـيه ربه فـيه كلّ ما سلف فـي الدنـيا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، ونُـخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ مَنْشُورا قال: هو عمله الذي عمل أحصي علـيه، فأخرج له يوم القـيامة ما كتب علـيه من العمل يـلقاه منشورا. ١٦٧٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةونُـخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ مَنْشُورا: أي عمله. ١٦٧٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادةألزَمناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ قال: عمله ونُـخرِجُ لَهُ قال: نـخرج ذلك العمل كِتابـا يَـلقاهُ مَنْشُورا قال معمر: وتلا الـحسن: عَنِ الـيَـمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملَكان كريـمان، أحدهما عن يـمينك، والاَخر عن يسارك. فأما الذي عن يـمينك فـيحفظ حسناتك. وأما الذي عن شمالك فـيحفظ سيئاتك، فـاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتـى إذا متّ طُويت صحيفتك، فجعلت فـي عنقك معك فـي قبرك، حتـى تـخرج يوم القـيامة كتابـا يـلقاه منشورا اقرأ كِتابَكَ كَفَـى بِنَفْسِكَ الـيَوْمَ عَلَـيكَ حَسِيبـا قد عدل واللّه علـيك من جعلك حسيب نفسك. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: طائره: عمله، ونـخرج له بذلك العمل كتابـا يـلقاه منشورا. وقد كان بعض أهل العربـية يتأوّل قوله وكُلّ إنْسانٍ ألزَمناهُ طائِرَهُ فِـي عُنُقِهِ: أي حظه، من قولهم: طار سهم فلان بكذا: إذا خرج سهمه علـى نصيب من الأنصبـاء وذلك وإن كان قولاً له وجه، فإن تأويـل أهل التأويـل علـى ما قد بـينت، وغير جائز أن يتـجاوز فـي تأويـل القرآن ما قالوه إلـى غيره، علـى أن ما قاله هذا القائل، إن كان عنى بقوله حظه من العمل والشقاء والسعادة، فلـم يبعد معنى قوله من معنى قولهم. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىَ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }. يقول تعالـى ذكره: ونُـخرِجُ لَهُ يَوْمَ القِـيامَةِ كِتابـا يَـلقاهُ مَنْشُورا فـيقال له: اقرأْ كِتابَكَ كَفَـى بِنَفسكَ الـيَوْمَ عَلَـيكَ حَسِيبـا فترك ذكر قوله: فنقول له، اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه. وعنى ب قوله: اقرأْ كِتابَكَ: اقرأ كتاب عملك الذي عملته فـي الدنـيا، الذي كان كاتبـانا يكتبـانه، ونـحصيه علـيك كَفَـى بَنَفسِكَ الـيَوْمَ عَلَـيكَ حَسِيبـا يقول: حسبك الـيوم نفسك علـيك حاسبـا يحسب علـيك أعمالك، فـيحصيها علـيك، لا نبتغي علـيك شاهدا غيرها، ولا نطلب علـيك مـحصيا سواها. ١٦٧٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة اقرأ كِتابَكَ كَفَـى بِنَفسِكَ الـيَوْمَ عَلَـيكَ حَسِيبـا سيقرأ يومئذٍ من لـم يكن قارئا فـي الدنـيا. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ حَتّىَ نَبْعَثَ رَسُولاً }. يقول تعالـى ذكره: من استقام علـى طريق الـحقّ فـاتبعه، وذلك دين اللّه الذي ابتعث به نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم علـيه وسلـم فإنّـما يَهتَدي لِنَفسِهِ يقول: فلـيس ينفع بلزومه الاستقامة، وإيـمانه بـاللّه ورسوله غير نفسه وَمَنْ ضَلّ يقول: ومن جار عن قصد السبـيـل، فأخذ علـى غير هدى، وكفر بـاللّه وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وبـما جاء به من عند اللّه من الـحقّ، فلـيس يضرّ بضلاله وجوره عن الهدى غير نفسه، لأنه يوجب لها بذلك غضب اللّه وألـيـم عذابه.. وإنـما عنى بقوله فإنّـمَا يَضِلّ عَلَـيها فإنـما يكسب إثم ضلاله علـيها لا علـى غيرها. وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يعني تعالـى ذكره: ولا تـحمل حاملة حمل أخرى غيرها من الاَثام. وقال: وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لأن معناها: ولا تزر نفس وازرة وزر نفس أخرى. يقال منه: وزرت كذا أزره وزرا، والوزر: هو الإثم، يجمع أوزارا، كما قال تعالـى: وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ وكأن معنى الكلام: ولا تأثم آثمة إثم أخرى، ولكن علـى كل نفس إثمها دون إثم غيرها من الأنفس، كما: ١٦٧٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرَى: واللّه ما يحمل اللّه علـى عبد ذنب غيره، ولا يؤاخذ إلا بعمله. وقوله: وَما كُنّا مَعَذّبِـينَ حتـى نَبْعَثَ رَسُولاً يقول تعالـى ذكره: وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إلـيهم بـالرسل، وإقامة الـحجة علـيهم بـالاَيات التـي تقطع عذرهم. كما: ١٦٧٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما كُنّا مُعَذّبِـينَ حتـى نَبَعَثَ رَسُولاً: إن اللّه تبـارك وتعالـى لـيس يعذب أحدا حتـى يسبق إلـيه من اللّه خبرا، أو يأتـيه من اللّه بـيّنة، ولـيس معذّبـا أحدا إلا بذنبه. ١٦٧٣١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبـي هريرة، قال: إذا كان يوم القـيامة، جمع اللّه تبـارك وتعالـى نسم الذين ماتوا فـي الفترة والـمعتوه والأصمّ والأبكم، والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا، ثم أرسل رسولاً، أن ادخـلوا النار، فـيقولون: كيف ولـم يأتنا رسول، وايـم اللّه لو دخـلوها لكانت علـيهم بردا وسلاما، ثم يرسل إلـيهم، فـيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتـم وَما كُنا مُعَذّبِـينَ حتـى نَبعَثَ رَسُولاً. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن همام، عن أبـي هريرة نـحوه. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً }. اختلف القرّاء فـي قراءة قوله أمَرْنا مُتْرَفِـيها فقرأت ذلك عامة قرّاء الـحجاز والعراق أمَرْنا بقصر الألف وغير مدها وتـخفـيف الـميـم وفتـحها. وإذا قرىء ذلك كذلك، فإن الأغلب من تأويـله: أمرنا مترفـيها بـالطاعة، ففسقوا فـيها بـمعصيتهم اللّه ، وخلافهم أمره، كذلك تأوّله كثـير مـمن قرأه كذلك. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس أمَرْنا مُتْرَفـيها قال: بطاعة اللّه ، فعصوا. ١٦٧٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا شريك، عن سلـمة أو غيره، عن سعيد بن جبـير، قال: أمرنا بـالطاعة فعصوا. وقد يحتـمل أيضا إذا قرىء كذلك أن يكون معناه: جعلناهم أمراء ففسقوا فـيها، لأن العرب تقول: هو أمير غير مأمور. وقد كان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: قد يتوجّه معناه إذا قرىء كذلك إلـى معنى أكثرنا مترفـيها، ويحتـجّ لتصحيحه ذلك بـالـخبر الذي رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ الـمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أوْ سِكّةٌ مَأْبُورَةٌ) و يقول: إن معنى قوله: مأمورة: كثـيرة النسل. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من الكوفـيـين ينكر ذلك من قـيـله، ولا يجيزنا أمرنا، بـمعنى أكثرنا إلا بـمدّ الألف من أمرنا. ويقول فـي قوله (مهرة مأمورة) : إنـما قـيـل ذلك علـى الاتبـاع لـمـجيء مأبورة بعدها، كما قـيـل: (ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غيرَ مَأْجُورَات) فهمز مأزورات لهمز مأجورات، وهي من وزرت إتبـاعا لبعض الكلام بعضا. وقرأ ذلك أبو عثمان (أمّرْنا) بتشديد الـميـم، بـمعنى الإمارة. ١٦٧٣٤ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم عن عوف، عن أبـي عثمان النهدي أنه قرأ: (أمّرْنا) مشدّدة من الإمارة. وقد تأوّل هذا الكلام علـى هذا التأويـل، جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٣٥ـ حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: (أمّرْنا مُترَفِـيها) يقول: سلطنا أشرارها فعصوا فـيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بـالعذاب، وهو قوله: وكذلكَ جَعَلنا فِـي كُلّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُـجْرِمِيها لِـيَـمْكُرُوا فِـيها. ١٦٧٣٦ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدّث عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، أنه قرأها: (أمّرْنا) وقال: سلّطنا. ١٦٧٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي حفص، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: (أمّرْنا) مثقلة: جعلنا علـيها مترفـيها: مستكبريها. ١٦٧٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحرث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه تبـارك وتعالـى: (أمّرْنا مُترَفِـيها) قال: بعثنا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وذكر عن الـحسن البصري أنه قرأ ذلك: (آمَرْنا) بـمدّ الألف من أمرنا، بـمعنى: أكثرنا فسقتها. وقد وجّه تأويـل هذا الـحرف إلـى هذا التأويـل جماعة من أهل التأويـل، إلا أن الذين حدّثونا لـم يـميزوا لنا اختلاف القراءات فـي ذلك، وكيف قرأ ذلك الـمتأوّلون، إلا القلـيـل منهم. ذكر من تأوّل ذلك كذلك: ١٦٧٣٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: (وَإذَا أرَدْنا أنْ نُهِلكَ قَرْيَةً آمَرْنا مُترَفِـيها فَفَسَقُوا فِـيها) يقول: أكثرنا عددهم. ١٦٧٤٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة قوله: (آمَرْنا مُتْرَفِـيها) قال: أكثرناهم. ١٦٧٤١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله أمَرْنا مُتْرَفِـيها قال: أكثرناهم. ١٦٧٤٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله أمَرْنا مُتْرَفـيها يقول: أكثرنا مترفـيها: أي كبراءها. ١٦٧٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَإذَا أرَدْنا أنْ نُهْلكَ قَرْيَةً آمَرْنا مُتْرَفِـيها فَفَسَقُوا فِـيها، فَحَقّ عَلَـيْها القَوْلُ) يقول: أكثرنا مترفـيها: أي جبـابرتها، ففسقوا فـيها وعملوا بـمعصية اللّه فَدَمّرْناها تَدْميرا. وكان يقول: إذا أراد اللّه بقوم صلاحا، بعث علـيهم مصلـحا. وإذا أراد بهم فسادا بعث علـيهم مفسدا، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفـيها. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةآمَرْنا مُتْرَفِـيها قال: أكثرناهم. ١٦٧٤٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: دخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما علـى زينب وهو يقول: (لا إلَهَ إلاّ اللّه وَيْـلٌ للْعَرَبِ مِنْ شَرَ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِـحَ الـيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ مِثُلُ هَذَا) وحلق بـين إبهامه والتـي تلـيها، قالت: يا رسول اللّه أنهلك وفـينا الصالـحون؟ قال: (نَعَمْ إذَا كَثُرَ الـخَبَثُ) . ١٦٧٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَإذَا أرَدْنا أنْ نُهْلكَ قَرْيَةٍ أمَرْنا مُتْرَفِـيها فَفَسَقُوا فِـيها قال: ذكر بعض أهل العلـم أن أمرنا: أكثرنا. قال: والعرب تقول للشيء الكثـير أمِرَ لكثرته. فأما إذا وصف القوم بأنهم كثروا، فإنه يقال: أمر بنو فلان، وأمر القوم يأمرون أمرا، وذلك إذا كثروا وعظم أمرهم، كما قال لبـيد. إنْ يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وَإنْ أَمَرُوايَوْما يَصِيرُوا للقُلّ والنّفَدِ والأمر الـمصدر، والاسم الإمر، كما قال اللّه جل ثناؤه لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرا قال: عظيـما، وحكي فـي مثل شرّ إمْر: أي كثـير. وأولـى القراءات فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأ أمَرْنا مُتْرَفِـيها بقصر الألف من أمرنا وتـخفـيف الـميـم منها، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى تصويبها دون غيرها. وإذا كان ذلك هو الأولـى بـالصواب بـالقراءة، فأولـى التأويلات به تأويـل من تأوّله: أمرنا أهلها بـالطاعة فعصوا وفسقوا فـيها، فحقّ علـيهم القول: لأن الأغلب من معنى أمرنا: الأمر، الذي هو خلاف النهي دون غيره، وتوجيه معانـي كلام اللّه جل ثناؤه إلـى الأشهر الأعرف من معانـيه، أولـى ما وجد إلـيه سبـيـل من غيره. ومعنى قوله: فَفَسَقُوا فِـيهَا: فخالفوا أمر اللّه فـيها، وخرجوا عن طاعته فَحَقّ عَلَـيْها القَوْلُ يقول: فوجب علـيهم بـمعصيتهم اللّه وفسوقهم فـيها، وعيد لله الذي أوعد من كفر به، وخالف رسله، من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بـالرسل والـحجج فَدَمّرْناها تَدْميرا يقول: فخرّبناها عند ذلك تـخريبـا، وأهلكنا من كان فـيها من أهلها إهلاكا، كما قال الفرزدق: وكانَ لَهُمْ كَبكْرِ ثَمُودَ لَـمّارَغا ظُهْرا فَدَمّرَهُمْ دَمارا ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىَ بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }. وهذا وعيد من اللّه تعالـى ذكره مكذّبـي رسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من مشركي قريش، وتهديدهم لهم بـالعقاب، وإعلام منه لهم، أنهم إن لـم ينتهوا عما هم علـيه مقـيـمون من تكذيبهم رسوله علـيه الصلاة والسلام أنه مـحلّ بهم سخطه، ومنزل بهم من عقابه ما أنزل بـمن قبلهم من الأمـم الذين سلكوا فـي الكفر بـالله، وتكذيب رسله سبـيـلهم. يقول اللّه تعالـى ذكره: وقد أهلكنا أيها القوم من قبلكم من بعد نوح إلـى زمانكم قرونا كثـيرة كانوا من جحود آيات اللّه والكفر به، وتكذيب رسله، علـى مثل الذي أنتـم علـيه، ولستـم بأكرم علـى اللّه تعالـى منهم، لأنه لا مناسبة بـين أحد وبـين اللّه جلّ ثناؤه، فـيعذّب قوما بـما لا يعذّب به آخرين، أو يعفو عن ذنوب ناس فـيعاقب علـيها آخرين يقول جلّ ثناؤه: فأنـيبوا إلـى طاعة اللّه ربكم، فقد بعثنا إلـيكم رسولاً ينبهكم علـى حججنا علـيكم، ويوقظكم من غفلتكم، ولـم نكن لنعذّب قوما حتـى نبعث إلـيهم رسولاً منبها لهم علـى حجج اللّه ، وأنتـم علـى فسوقكم مقـيـمون، وكفـى بربك يا مـحمد بذنوب عبـاده خبـيرا يقول: وحسبك يا مـحمد بـاللّه خابرا بذنوبن خـلقه عالـما، فإنه لا يخفـى علـيه شيء من أفعال مشركي قومك هؤلاء، ولا أفعال غيرهم من خـلقه، هو بجميع ذلك عالـم خابر بصير، يقول: يبصر ذلك كله فلا يغيب عنه منه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فـي الأرض ولا فـي السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. وقد اختلف فـي مبلغ مدّة القرن: ١٦٧٤٦ـ فحدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن أبـي مـحمد بن عبد اللّه بن أبـي أوفـى، قال: القرن: عشرون ومئة سنة، فبُعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي أوّل قرن كان، وآخرهم يزيد بن معاوية. وقال آخرون: بل هو مئة سنة. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٤٧ـ حدثنا حسان بن مـحمد بن عبد الرحمن الـحمصي أبو الصلت الطائي، قال: حدثنا سلامة بن حواس، عن مـحمد بن القاسم، عن عبد اللّه بن بسر الـمازنـي، قال: وضع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يده علـى رأسه وقال: (سَيَعِيشُ هذَا الغُلام قَرْنا) قلت: كم القرن؟ قال: (مِئَةُ سَنَةٍ) . ١٦٧٤٨ـ حدثنا حسان بن مـحمد، قال: حدثنا سلامة بن حواس، عن مـحمد بن القاسم، قال: ما زلنا نعدّ له حتـى تـمّت مئة سنة ثم مات، قال أبو الصلت: أخبرنـي سلامة أن مـحمد بن القاسم هذا كان ختن عبد اللّه بن بسر. وقال آخرون فـي ذلك بـما: ١٦٧٤٩ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، عن ابن سيرين، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (القَرْنُ أرْبَعُونَ سَنَةً) . وقوله: وكَفَـى بِرَبّكَ أدخـلت البـاء فـي قوله: بِرَبّكَ وهو فـي مـحلّ رفع، لأن معنى الكلام: وكفـاك ربك، وحسبك ربك بذنوب عبـاده خبـيرا، دلالة علـى الـمدح وكذلك تفعل العرب فـي كلّ كلام كان بـمعنى الـمدح أو الذمّ، تدخـل فـي الاسم البـاء والاسم الـمدخـلة علـيه البـاء فـي موضع رفع لتدلّ بدخولها علـى الـمدح أو الذمّ كقولهم: أكرم به رجلاً، وناهيك به رجلاً، وجاد بثوبك ثوبـا، وطاب بطعامكم طعاما، وما أشبه ذلك من الكلام، ولو أسقطت البـاء مـما دخـلت فـيه من هذه الأسماء رفعت، لأنها فـي مـحلّ رفع، كما قال الشاعر: ويُخْبِرنُـي عَنْ غائبِ الـمَرْءِ هَدْيُه كَفَـى الهَدْىُ عَمّا غَيّبَ الـمَرْءُ مُخْبرا فأما إذا لـم يكن فـي الكلام مدح أو ذمّ فلا يدخـلون فـي الاسم البـاء لا يجوز أن يقال: قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، إلا أن تريد: قام رجل آخر به، وذلك معنى غير الـمعنى الأوّل. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مّدْحُوراً }. يقول تعالـى ذكره: من كان طلبه الدنـيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبتغي، لا يوقن بـمعاد، ولا يرجو ثوابـا ولا عقابـا من ربه علـى عمله عَجّلْنا لَهُ فِـيها ما نَشاءُ لِـمَنْ نُرِيدُ يقول: يعجل اللّه له فـي الدنـيا ما يشاء من بسط الدنـيا علـيه، أو تقتـيرها لـمن أراد اللّه أن يفعل ذلك به، أو إهلاكه بـما يشاء من عقوبـاته. ثُمّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنّـمَ يَصْلاها يقول: ثم أصلـيناه عند مقدمه علـينا فـي الاَخرة جهنـم، مَذْمُوما علـى قلة شكره إيانا، وسوء صنـيعه فـيـما سلف من أيادينا عنده فـي الدنـيا مَدْحُورا يقول: مبعدا: مقصى فـي النار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجّلْنا لَهُ فِـيها ما نَشاءُ لِـمَنْ نُرِيدُ يقول: من كانت الدنـيا همّه وسَدَمَه وطلبته ونـيته، عجّل اللّه له فـيها ما يشاء، ثم اضطّره إلـى جهنـم. قال: ثمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّـمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوما مَدْحُورا مذموما فـي نعمة اللّه مدحورا فـي نقمة اللّه . ١٦٧٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو طيبة شيخ من أهل الـمصيصة، أنه سمع أبـا إسحاق الفزاري يقول: عَجّلْنا لَهُ فِـيها ما نَشاءُ لِـمَنْ نُرِيدُ قال: لـمن نريد هلكته. ١٦٧٥٢ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله مَذْمُوما يقول: ملوما. ١٦٧٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجّلْنا لَهُ فِـيها ما نَشاءُ لِـمَنْ نُرِيدُ قال: العاجلة: الدنـيا. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَنْ أَرَادَ الاَخِرَةَ وَسَعَىَ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مّشْكُوراً }. يقول تعالـى ذكره: من أراد الاَخرة وإياها طلب، ولها عمل عملها، الذي هو طاعة اللّه وما يرضيه عنه. وأضاف السعي إلـى الهاء والألف، وهي كناية عن الاَخرة، فقال: وسعى للاَخرة سعى الاَخرة، ومعناه: وعمل لها عملها لـمعرفة السامعين بـمعنى ذلك، وأن معناه: وسعى لها سعيه لها وهو مؤمن، يقول: هو مؤمن مصدّق بثواب اللّه ، وعظيـم جزائه علـى سعيه لها، غير مكذّب به تكذيب من أراد العاجلة، يقول اللّه جلّ ثناؤه: فَأوُلئِكَ يعني : فمن فعل ذلك كانَ سَعْيُهُمْ يعني عملهم بطاعة اللّه مَشْكُورا وشكر اللّه إياهم علـى سعيهم ذلك حسن جزائه لهم علـى أعمالهم الصالـحة، وتـجاوزه لهم عن سيئها برحمته. كما: ١٦٧٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمَنْ أرَادَ الاَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورا شكر اللّه لهم حسناتهم، وتـجاوز عن سيئاتهم. ٢٠الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَمُدُّ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ مُرِيدِي الْعَاجِلَةِ وَمُرِيدِي [ص:٥٣٨] الْآخِرَةِ، السَّاعِي لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ عَطَائِهِ فَيَرْزُقُهُمَا جَمِيعًا مِنْ رِزْقِهِ إِلَى بُلُوغِهِمَا الْأَمَدَ وَاسْتِيفَائِهِمَا الْأَجَلَ مَا كَتَبَ لَهُمَا، ثُمَّ تَخْتَلِفُ بِهِمَا الْأَحْوَالُ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَتَفْتَرِقُ بِهِمَا بَعْدَ الْوُرُودِ الْمَصَادِرُ، فَفَرِيقُ مُرِيدِي الْعَاجِلَةِ إِلَى جَهَنَّمَ مَصْدَرُهُمْ، وَفَرِيقُ مُرِيدِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ مَآبُهُمْ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] يَقُولُ: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ الَّذِي يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا مَمْنُوعًا عَمَّنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ آتَاهُ اللّه إِيَّاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] أَيْ مَنْقُوصًا، وَإِنَّ اللّه عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَ الدُّنْيَا بَيْنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْآخِرَةُ خُصُوصًا عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] قَالَ: مَنْقُوصًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللّه الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ السَّرَّاجُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} [الإسراء: ٢٠] قَالَ: كُلًّا نُعْطِي مِنَ الدُّنْيَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} [الإسراء: ١٨] . . الْآيَةَ {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ} [الإسراء: ١٩] . . ثُمَّ قَالَ {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} [الإسراء: ٢٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَيَرْزُقُ مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا، وَيَرْزُقُ مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] قَالَ: مَمْنُوعًا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ} [الإسراء: ٢٠] أَهْلُ الدُّنْيَا وَأَهْلُ الْآخِرَةِ {مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] قَالَ: مَمْنُوعًا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ} [الإسراء: ٢٠] أَهْلُ الدُّنْيَا وَأَهْلُ الْآخِرَةِ {مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ، قَالَ: وَالْمَحْظُورُ: الْمَمْنُوعُ، وَقَرَأَ {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: ٢١] ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى{انظُرْ كَيْفَ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ وَلَلاَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: انظر يا مـحمد بعين قلبك إلـى هذين الفريقـين اللذين هم أحدهما الدار العاجلة، وإياها يطلب، ولها يعمل والاَخر الذي يريد الدار الاَخرة، ولها يسعى موقنا بثواب اللّه علـى سعيه، كيف فضّلنا أحد الفريقـين علـى الاَخر، بأن بصرّنا هذا رشده، وهديناه للسبـيـل التـي هي أقوم، ويسرناه للذي هو أهدى وأرشد، وخذلنا هذا الاَخر، فأضللناه عن طريق الـحقّ، وأغشينا بصره عن سبـيـل الرشد وَللاَخِرَةُ أكْبَرُ دَرَجاتٍ يقول: وفريق مريد الاَخرة أكبر فـي الدار الاَخرة درجات بعضهم علـى بعض لتفـاوت منازلهم بأعمالهم فـي الـجنة وأكبر تفضيلاً بتفضيـل اللّه بعضهم علـى بعض من هؤلاء الفريق الاَخرين فـي الدنـيا فـيـما بسطنا لهم فـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله انْظُرْ كَيْفَ فَضّلْنا بَعْضَهُمْ عَلـى بَعضٍ: أي فـي الدنـيا وَللاَخِرَةُ أكْبَرُ دَرَجاتٍ وأكْبَرُ تَفْصِيلاً وإن للـمؤمنـين فـي الـجنة منازل، وإن لهم فضائل بأعمالهم. وذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ بـينَ أعْلَـى أهْلِ الـجَنّةِ وأسْفَلِهِمْ دَرَجَةً كالنّـجْمِ يُرَى فِـي مَشارِقِ الأرْضِ ومَغَارِبها) . ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى{لاّ تَجْعَل مَعَ اللّه إِلَـَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مّخْذُولاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: لا تـجعل يا مـحمد مع اللّه شريكا فـي ألوهته وعبـادته، ولكن أخـلص له العبـادة، وأفرد له الألوهة، فإنه لا إله غيره، فإنك إن تـجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه، تقعد مذموما يقول: تصير ملوما علـى ما ضيعت من شكر اللّه علـى ما أنعم به علـيك من نعمه، وتصيـيرك الشكر لغير من أولاك الـمعروف، وفـي إشراكك فـي الـحمد من لـم يشركه فـي النعمة علـيك غيره، مخذولاً قد أسلـمك ربك لـمن بغاك سوءا، وإذا أسلـمك ربك الذي هو ناصر أولـيائه لـم يكن لك من دونه ولـيّ ينصرك ويدفع عنك. كما: ١٦٧٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله لا تَـجْعَلْ مَعَ اللّه إلَها آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوما مَخْذُولاً يقول: مذموما فـي نعمة اللّه . وهذا الكلام وإن كان خرج علـى وجه الـخطاب النبـيّ لله صلى اللّه عليه وسلم، فهو معنـيّ به جميع من لزمه التكلـيف من عبـاد اللّه جل وعزّ. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ...}. يعني بذلك تعالـى ذكره حكم ربك يا مـحمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا اللّه ، فإنه لا ينبغي أن يعبد غيره. وقد اختلفت ألفـاظ أهل التأويـل فـي تأويـل قوله وَقَضَى رَبّكَ وإن كان معنى جميعهم فـي ذلك واحدا. ذكر ما قالوا فـي ذلك: ١٦٧٦١ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاه يقول: أمر. ١٦٧٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا زكريا بن سلام، قال: جاء رجل إلـى الـحسن، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك عصيتَ ربك، وبـانت منك امرأتك، فقال الرجل: قضى اللّه ذلك علـيّ، قال الـحسن، وكان فصيحا: ما قضى اللّه : أي ما أمر اللّه ، وقرأ هذه الاَية وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ فقال الناس: تكلـم الـحسن فـي القدر. ١٦٧٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ: أي أمر ربك فـي ألا تعبدوا إلا إياه، فهذا قضاء اللّه العاجل، وكان يُقال فـي بعض الـحكمة: من أرضى والديه: أرض خالقه، ومن أسخط والديه، فقد أسخط ربه. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَوَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ إيّاهُ قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وفـي حرف ابن مسعود: (وَصّى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ) . ١٦٧٦٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، قال: حدثنا نصير بن أبـي الأشعث، قال: ثنـي ابن حبـيب بن أبـي ثابت، عن أبـيه، قال: أعطانـي ابن عبـاس مصحفـا، فقال: هذا علـى قراءة أبـيّ بن كعب، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت الـمصحف عند نصير فـيه: (وَوَصّى رَبّكَ) يعني : وقضى ربك. ١٦٧٦٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ قال: وأوصى ربك. ١٦٧٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه. ١٦٧٦٧ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي إسحاق الكوفـي، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قرأها: (وَوَصّى رَبّكَ) وقال: إنهم ألصقوا الواو بـالصاد فصارت قافـا. وقوله: وَبـالوَالِدَيْنِ إحْسانا يقول: وأمركم بـالوالدين إحسانا أن تـحسنوا إلـيهما وتبرّوهما. ومعنى الكلام: وأمركم أن تـحسنوا إلـى الوالدين فلـما حذفت (أن) تعلق القضاء بـالإحسان، كما يقال فـي الكلام: آمرك به خيرا، وأوصيك به خيرا، بـمعنى: آمرك أن تفعل به خيرا، ثم تـحذف (أن) فـيتعلق الأمر والوصية بـالـخير، كما قال الشاعر: عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذْ تَشْكُوناومِنْ أبـي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا خَيْرا بها كأننا جافُونا وعمل يوصينا فـي الـخير. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله إمّا يَبْلُغَنّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفـيـين: إمّا يَبْلُغَنّ علـى التوحيد علـى توجيه ذلك إلـى أحدهما لأن أحدهما واحد، فوحدوا يَبْلُغَنّ لتوحيده، وجعلوا قوله أوْ كِلاهُما معطوفـا علـى الأحد. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: (إما يَبْلُغانّ) علـى التثنـية وكسر النون وتشديدها، وقالوا: قد ذكر الوالدان قبل، وقوله: (يَبْلُغانّ) خبر عنهما بعد ما قدّم أسماءهما. قالوا: والفعل إذا جاء بعد الاسم كان الكلام أن يكون فـيه دلـيـل علـى أنه خبر عن اثنـين أو جماعة. قالوا: والدلـيـل علـى أنه خبر عن اثنـين فـي الفعل الـمستقبل الألف والنون. قالوا: وقوله أحَدُهُما أوْ كِلاهُما كلام مستأنف، كما قـيـل: فَعَمُوا وَصَمّوا ثم تَاب اللّه عَلَـيْهِمْ، ثم عَمُوا وَصَمّوا كَثِـيرٌ منهُمْ وكقوله وأسَرّوا النّـجْوَى ثم ابتدأ فقال الّذِينَ ظَلَـمُوا. وأولـى القراءتـين بـالصواب عندي فـي ذلك، قراءة من قرأه إما يَبْلُغَنّ علـى التوحيد علـى أنه خبر عن أحدهما، لأن الـخبر عن الأمر بـالإحسان فـي الوالدين، قد تناهى عند قوله وَبـالوَالِدَيْنِ إحْسانا ثم ابتدأ قوله إمّا يَبْلُغَنّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما. وقوله: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفَ يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مـما يتأذّى به الناس، ولكن اصبر علـى ذلك منهما، واحتسب فـي الأجر صبرك علـيه منهما، كما صبرا علـيك فـي صغرك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٦٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن مـحبب، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفّ وَلا تَنْهَرْهُما قال: إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويخرآن، فلا تقل لهما أفّ تقذّرهما. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: إما يَبْلُغانّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتـميط عنهما الـخلاء والبول، كما كانا يـميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما. وقد اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى (أفّ) ، فقال بعضهم: معناه: كلّ ما غلظ من الكلام وقبُح. وقال آخرون: الأفّ: وسخ الأظفـار والتف كلّ ما رفعت بـيدك من الأرض من شيء حقـير. وللعرب فـي (أُفّ) لغات ستّ رفعها بـالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها فمن خفض ذلك بـالتنوين، وهي قراءة عامة أهل الـمدينة. شبهها بـالأصوات التـي لا معنى لها، كقولهم فـي حكاية الصوت غاق غاق، فخفضوا القاف ونوّنوها، وكان حكمها السكون، فإنه لا شيء يعربها من أجل مـجيئها بعد حرف ساكن وهو الألف، فكرهوا أن يجمعوا بـين ساكنـين، فحرّكوا إلـى أقرب الـحركات من السكون، وذلك الكسر، لأن الـمـجزوم إذا حرّك، فإنـما يحرّك إلـى الكسر. وأما الذين خفضوا بغير تنوين، وهي قراءة عامة قرّاء الكوفـيـين والبصريـين، فإنهم قالوا: إنـما يدخـلون التنوين فـيـما جاء من الأصوات ناقصا، كالذي يأتـي علـى حرفـين مثل: مَه وصَه وبَخ، فـيتـمـم بـالتنوين لنقصانه عن أبنـيه الأسماء. قالوا: وأفّ تامّ لا حاجة بنا إلـى تتـمته بغيره، لأنه قد جاء علـى ثلاثة أحرف. قالوا: وإنـما كسرنا الفـاء الثانـية لئلا نـجمع بـين ساكنـين. وأما من ضمّ ونوّن، فإنه قال: هو اسم كسائر الأسماء التـي تُعرب ولـيس بصوت، وعدل به عن الأصوات. وأما من ضمّ ذلك بغير تنوين، فإنه قال: لـيس هو بـاسم متـمكن فـيُعرب بإعراب الأسماء الـمتـمكنة، وقالوا: نضمه كما نضمّ قوله لِلّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وكما نضمّ الاسم فـي النداء الـمفرد، فنقول: يا زيد. ومن نصبه بغير تنوين، وهو قراءة بعض الـمكيـين وأهل الشام فإنه شبهه بقوله م: مدّ يا هذا وردّ. ومن نصب بـالتنوين، فإنه أعمل الفعل فـيه، وجعله اسما صحيحا، فـ يقول: ما قلت له: أفـا ولا تفـا. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: قُرِئت: أفّ، وأفـا لغة جعلوها مثل نعتها. وقرأ بعضهم (أُفّ) ، وذلك أن بعض العرب يقول: (أفّ لك) علـى الـحكاية: أي لا تقل لهما هذا القول. قال: والرفع قبـيح، لأنه لـم يجيء بعده بلام، والذين قالوا: (أُفّ) فكسروا كثـير، وهو أجود. وكسر بعضهم ونوّن. وقال بعضهم: (أُفّـي) ، كأنه أضاف هذا القول إلـى نفسه، فقال: أُفّـي هذا لكما، والـمكسور من هذا منوّن وغير منوّن علـى أنه اسم غير متـمكن، نـحو أمس وما أشبهه، والـمفتوح بغير تنوين كذلك. وقال بعض أهل العربـية: كل هذه الـحركات الستّ تدخـل فـي (أفّ) حكاية تشبه بـالاسم مرّة وبـالصوت أخرى. قال: وأكثر ما تُكسر الأصوات بـالتنوين إذا كانت علـى حرفـين مثل صه ومه وبخ. وإذا كانت علـى ثلاثة أحرف شبهت بـالأدوات (أفّ) مثل: لـيت ومَدّ، وأُفّ مثل مُدّ يُشبه بـالأدوات. وإذا قال أَفّ مثل صَهّ. وقالوا سمعت مِضّ يا هذا ومِضّ. وحُكي عن الكسائي أنه قال: سمعت (ما علـمك أهلك إلا مِضّ ومِضّ) ، وهذا كأفّ وأفّ. ومن قال: (أُفّـا) جعله مثل سُحْقا وبُعدا. والذي هو أولـى بـالصحة عندي فـي قراءة ذلك، قراءة من قرأه: (فلا تَقُلْ لَهُما أُفّ) بكسر الفـاء بغير تنوين لعلّتـين إحداهما: أنها أشهر اللغات فـيها وأفصحها عند العرب والثانـية: أن حظّ كلّ ما لـم يكن له معرَب من الكلام السكون فلـما كان ذلك كذلك. وكانت الفـاء فـي أفّ حظها الوقوف، ثم لـم يكن إلـى ذلك سبـيـل لاجتـماع الساكنـين فـيه، وكان حكم الساكن إذا حُرّك أن يحرّك إلـى الكسر حرّكت إلـى الكسر، كما قـيـل: مُدّ وشُدّ ورُدّ البـاب. وقوله: وَلا تَنْهَرْهُما يقول جلّ ثناؤه: ولا تزجُرهما. كما: ١٦٧٦٩ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمَسي، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا واصل الرّقاشَيّ، عن عطاء ابن أبـي رَبـاح، فـي قوله: وَلا تَقُلْ لَهُما أُفَ وَلا تَنْهَرْهُما قال: لا تنفض يدك علـى والديك. يقال منه: نَهرَه يَنهره نَهْرا، وانتهره ينتهره انتهارا. وأما قوله: وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـما فإنه يقول جلّ ثناؤه: وقل لهما قولاً جميلاً حسنا. كما: ١٦٧٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـما قال: أحسن ما تـجد من القول. ١٦٧٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا الـمتعمر بن سلـيـمان، عن عبد اللّه بن الـمختار، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عمر بن الـخطاب قَوْلاً كَرِيـما قالا: لا تـمتنع من شيء يريدانه. قال أبو جعفر: وهذا الـحديث خطأ، أعنـي حديث هشام بن عُروة، إنـما هو عن هشام بن عروة، عن أبـيه، لـيس فـيه عمر، حدّث عن ابن عُلـية وغيره، عن عبد اللّه بن الـمختار. ١٦٧٧٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـما: أي قولاً لـيّنا سهلاً. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. ١٦٧٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي حَرْملة بن عمران، عن أبـي الهَدّاج التّـجِيبـي، قال: قلت لسعيد بن الـمسيب: كلّ ما ذكر اللّه عزّ وجلّ فـي القرآن من برّ الوالدين، فقد عرفته، إلاّ قوله وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيـما ما هذا القول الكريـم؟ فقال ابن الـمسيب: قول العبد الـمذنب للسيد الفظّ. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراً }. يقول تعالـى ذكره: وكن لهما ذلـيلاً رحمة منك بهما تطيعهما فـيـما أمراك به مـما لـم يكن لله معصية، ولا تـخـلفهما فـيـما أحبّـا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٧٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ قال: لا تـمتنع من شيء يُحبـانه. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، قال: سمعت هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَاخْفِض لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ قال: هو أن تلـين لهما حتـى لا تـمتنع من شيء أحبّـاه. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ قال: لا تـمتنع من شيء أحبـاه. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن عبد اللّه بن الـمختار، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ قال: هو أن لا تـمتنع من شيء يريدانه. ١٦٧٧٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمقرىء أبو عبد الرحمن، عن حرملة بن عمران، عن أبـي الهداج، قال: قلت لسعيد بن الـمسيب: ما قوله وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ قال: ألـم تر إلـى قول العبد الـمذنب للسيد الفظّ الغلـيظ. والذّلّ بضم الذال والذّلّة مصدران من الذلـيـل، وذلك أن يتذلل، ولـيس بذلـيـل فـي الـخـلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلاً، وذلك نظير القلّ والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذّلّ، والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذّلة، والقاف من القِلّة، لـما قال الأعشى: (وَمَا كُنْتُ قُلاّ قبلَ ذلكَ أزْيَبَـا ) يريد: القلة. وأما الذّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذّلول من قولهم: دابة ذَلول: بـينة الذلّ، وذلك إذا كانت لـينة غير صعبة. ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً يُجمع ذلك ذُلُلاً، كما قال جلّ ثناؤه: فـاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكَ ذُلُلاً. وكان مـجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعّر علـيها مكان سلكته. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والعراق والشام وَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ بضمّ الذال علـى أنه مصدر من الذلـيـل. وقرأ ذلك سعيد بن جبـير وعاصم الـجَحْدَرِيّ: (جنَاحَ الذّلّ) بكسر الذال. ١٦٧٧٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا بهز بن أسد، قال: حدثنا أبو عَوانة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير أنه قرأ: (وَاخْفِضْ لَهُما جُناحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ) قال: كن لهما ذلـيلاً، ولا تكن لهما ذلولاً. ١٦٧٧٧ـ حدثنا نصر بن علـيّ، قال: أخبرنـي عمر بن شقـيق، قال: سمعت عاصما الـجحدري يقرأ: (وَاخْفِضْ لَهُما جنَاجَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ) قال: كن لهما ذلـيلاً، ولا تكن لهما ذَلولاً. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عمر بن شقـيق، عن عاصم، مثله. قال أبو جعفر: وعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها. حدثنا نصر وابن بشار وحُدثت عن الفراء، قال: ثنـي هشيـم، عن أبـي بشر جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، أنه قرأ: (وَاخفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ) . قال الفرّاء: وأخبرنـي الـحكيـم بن ظهير، عن عاصم بن أبـي النّـجود، أنه قرأها الذّلّ أيضا، فسألت أبـا بكر فقال: الذّلّ قرأها عاصم. وأما قوله: وَقُلْ رَبّ ارْحمْهُما كمَا رَبّـيَانِـي صَغِيرا فإنه يقول: ادع اللّه لوالديك بـالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف علـيهما بـمغفرتك ورحمتك، كما تعطّفـا علـيّ فـي صغري، فرحمانـي وربـيانـي صغيرا، حتـى استقللت بنفسي، واستغنـيت عنهما. كما: ١٦٧٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَاخْفِضْ لَهُما جنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُلْ رَبّ ارْحَمْهُما كمَا رَبّـيانِـي صَغِيرا هكذا عُلّـمتـم، وبهذا أمرتـم، خذوا تعلـيـم اللّه وأدبه. ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول: (مَنْ أدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمّ دَخَـلَ النّارَ بَعْدَ ذلكَ فَأبْعَدَهُ اللّه وأسْحَقَهُ) . ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه، وكان فـيه أدنى تُقـي، فإن ذلك مُبْلِغه جسيـم الـخير. وقال جماعة من أهل العلـم: إن قول اللّه جلّ ثناؤه: وَقُل رَبّ ارحَمْهُما كمَا رَبّـيانِـي صَغِيرا منسوخ ب قوله: ما كانَ للنّبِـيّ والّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَو كانُوا أُولـي قُربَى من بَعْدِ ما تَبَـيّنَ لَهُم أنّهُم أصْحابُ الـجَحِيـمِ. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٧٩ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقُل رَبّ ارحَمْهُما كمَا رَبّـيانِـي صَغِيرا ثم أنزل اللّه عزّ وجلّ بعد هذا: ما كانَ للنّبِـيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَو كانُوا أُولـي قُربَى. ١٦٧٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قال فـي سورة بنـي إسرائيـل إمّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أو كِلاهُما... إلـى قوله وَقُل رَبّ ارْحَمْهُما كمَا رَبّـيانِـي صَغِيرا فنسختها الاَية التـي فـي براءة ما كانَ للنّبِـيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولـي قُرْبَى... الاَية. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس وَقُلْ رَبّ ارْحَمْهُما... الاَية، قال: نسختها الاَية التـي فـي براءة ما كانَ للنّبِـيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْـمُشْرِكينَ... الاَية. وقد تـحتـمل هذه الاَية أن تكون وإن كان ظاهرها عامّا فـي كلّ الاَبـاء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويـلها علـى الـخصوص، فـيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنـين، كما رَبـيانـي صغيرا، فتكون مرادا بها الـخصوص علـى ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقول ربـيانـي: نَـمّيَانـي. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنّهُ كَانَ لِلأوّابِينَ غَفُوراً }. يقول تعالـى ذكره رَبّكُمْ أيها الناس أعْلَـمُ منكم بِـمَا فِـي نُفُوسِكُمْ من تعظيـمكم أمر آبـائكم وأمهاتكم وتكرمتهم، والبرّ بهم، وما فـيها من اعتقاد الاستـخفـاف بحقوقهم، والعقوق لهم، وغير ذلك من ضمائر صدوركم، لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، وهو مـجازيكم علـى حَسَن ذلك وسيّئه، فـاحذروا أن تُضمروا لهم سوءا، وتعقِدوا لهم عقوقا. وقوله إنْ تَكُونُوا صَالِـحِينَ يقول: إن أنتـم أصلـحتـم نـياتكم فـيهم، وأطعتـم اللّه فـيـما أمركم به من البرّ بهم، والقـيام بحقوقهم علـيكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلة فـي واجب لهم علـيكم مع القـيام بـما ألزمكم فـي غير ذلك من فرائضه، فإنه كان للأوّابـين بعد الزّلة، والتائبـين بعد الهَفْوة غفورا لهم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي وعمي عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن سعيد بن جبـير رَبّكُمْ أعْلَـمُ بِـمَا فِـي نُفُوسِكُمْ قال: البـادرة تكون من الرجل إلـى أبويه لا يريد بذلك إلا الـخير، فقال: ربّكُمْ أعْلَـمُ بِـمَا فِـي نُفُوسِكُمْ. حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنـي أبـي، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن سعيد بن جبـير، بـمثله. ١٦٧٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، عن حبـيب بن أبـي ثابت، فـي قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: هو الرجل تكون منه البـادرة إلـى أبويه وفـي نـيته وقلبه أنه لا يؤاخَذ به. واختلف أهل التأويـل، فـي تأويـل قوله: فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا فقال بعضهم: هم الـمسبّحون. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨٣ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة وحدثنـي ابن سنان القزاز، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فإنّهُ كانَ للأوّابِـينَ غَفُورا قال: الـمسبحين. ١٦٧٨٤ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا أبو خيثمة زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن أبـي ميسرة، عن عمرو بن شرحبـيـل، قال: الأوّاب: الـمسبح. وقال آخرون: هم الـمطيعون الـمـحسنون. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨٥ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا يقول: للـمطيعين الـمـحسنـين. ١٦٧٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: هم الـمطيعون، وأهل الصلاة. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة فإنه كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: للـمطيعين الـمصلـين. وقال آخرون: بل هم الذين يصلون بـين الـمغرب والعشاء. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن أبـي صخر حميد بن زياد، عن ابن الـمنكدر يرفعه فإنّهُ كان للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: الصلاة بـين الـمغرب والعشاء. وقال آخرون: هم الذين يصلّون الضّحَى. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨٨ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا ربـاح أبو سلـيـمان الرقاء، قال: سمعت عونا العُقـيـلـيّ يقول فـي هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: الذين يصلون صلاة الضحى. وقال آخرون: بل هو الراجع من ذنبه، التائب منه. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٨٩ـ حدثنا أحمد بن الولـيد القرشيّ، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب أنه قال فـي هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا سلـيـمان بن داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب، قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب فـي هذا الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا. حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن الـمسيب يُسْأَل عن هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب، بنـحوه. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن الـمسيب، بنـحوه. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: هو العبد يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي اللـيث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن الـمسيب يقول: فذكر مثله. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ ومعمر، عن يحيى بن سعيد، عن ابن الـمسيب، قال: الأوّاب: الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب. ١٦٧٩٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية فإنّهُ كانَ للأَوّابِـينَ غَفُورا قال: الراجعين إلـى الـخير. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، بنـحوه. ١٦٧٩١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، جميعا عن منصور، عن مـجاهد، عن عبـيد بن عمير فإنّهُ كان للأوّابِـين غَفُورا قال: الذي يذكر ذنوبه فـي الـخلاء، فـيستغفر اللّه منها. ١٦٧٩٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن منصور، عن مـجاهد، قال: الأوّاب: الذي يذكر ذنوبه فـي الـخلاء فـيستغفر اللّه منها. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن مـجاهد، عن عبـيد بن عمير، أنه قال فـي هذه الاَية إنّهُ كان للأوّابِـينَ غَفُورا قال: الذي يذكر ذنبه ثم يتوب. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قوله جل ثناؤه للأوّابِـين غَفُورا قال: الأوّابون: الراجعون التائبون. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. قال ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب: الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، عن عبـيد بن عمير، قوله فإنّه كان للأوّابِـين غَفُورا قال: الذي يتذكر ذنوبه، فـيستغفر اللّه لها. ١٦٧٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن شريح، عن عقبة بن مسلـم، عن عطاء بن يسار، أنه قال فـي قوله فإنّهُ كان للأوّابِـين غَفُورا يذنب العبد ثم يتوب، فـيتوب اللّه علـيه ثم يذنب فـيتوب، فـيتوب اللّه علـيه ثم يذنب الثالثة، فإن تاب، تاب اللّه علـيه توبة لا تُـمْـحَى. وقد رُوي عن عبـيد بن عمير، غير القول الذي ذكرنا عن مـجاهد، وهو ما: ١٦٧٩٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مـحمد بن مسلـم، عن عمرو بن دينار، عن عبـيد بن عمير، فـي قوله فإنّهُ كان للأوّابِـين غَفُورا قال: كنا نَعُدّ الأوّاب: الـحفـيظ، أن يقول: اللهمّ اغفر لـي ما أصبت فـي مـجلسي هذا. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: الأوّاب: هو التائب من الذنب، الراجع من معصية اللّه إلـى طاعته، ومـما يكرهه إلـى ما يرضاه، لأن الأوّاب إنـما هو فعّال، من قول القائل: آب فلان من كذا إما من سفره إلـى منزله، أو من حال إلـى حال، كما قال عبَـيد بن الأبرص: وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَئُوبُوغائِبُ الـمَوْتِ لا يَئُوبُ فهو يئوب أوبـا، وهو رجل آئب من سفره، وأوّاب من ذنوبه. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيراً }. اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله وآتِ ذَا القُرْبى فقال بعضهم: عَنى به: قرابة الـميت من قِبل أبـيه وأمه، أمرا اللّه جل ثناؤه عبـاده بصلتها. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٩٥ـ حدثنا عمرانُ بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا حبـيب الـمعلـم، قال: سأل رجل الـحسن، قال: أُعْطِي قرابتـي زكاة مالـي، فقال: إن لهم فـي ذلك لـحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الاَية وآت ذا القُرْبى حَقّهُ. ١٦٧٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله وآتِ ذَا القُرْبى حَقّهُ قال: صلته التـي تريد أن تصله بها ما كنت تريد أن تفعله إلـيه. ١٦٧٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وآتِ ذَا القُرْبى حَقّهُ وَالـمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِـيـلِ قال: هو أن تصل ذا القربة والـمسكين وتـحسُن إلـى ابن السبـيـل. وقال آخرون: بل عنى به قرابه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـان، قال: حدثنا الصبـاح بن يحيى الـمَزنـيّ، عن السّديّ، عن أبـي الديـلـم، قال: قال علـيّ بن الـحسين علـيهما السلام لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفما قرأت فـي بنـي إسرائيـل وآتِ ذَا القُرْبى حَقّهُ قال: وإنكم للقْرابة التـي أمر اللّه جل ثناؤه أن يُؤتـي حقه؟ قال: نعم. وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب، تأويـل من تأوّل ذلك أنها بـمعنى وصية اللّه عبـاده بصلة قرابـات أنفسهم وأرحامهم من قِبَل آبـائهم وأمهاتهم، وذلك أن اللّه عزّ وجلّ عَقّب ذلك عقـيب حَضّه عبـاده علـى بر الاَبـاء والأمّهات، فـالواجب أن يكون ذلك حَضّا علـى صلة أنسابهم دون أنساب غيرهم التـي لـم يجر لها ذكر. وإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: وأعط يا مـحمد ذا قرابتك حقه من صلتك إياه، وبرّك به، والعطف علـيه. وخرج ذلك مَخْرج الـخطاب لنبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والـمراد بحكمه جميع من لزمته فرائض اللّه ، يدلّ علـى ذلك ابتداؤه الوصية بقوله جلّ ثناؤه: وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ وَبـالوَالِدَيْنِ إحْسانا إمّا يَبْلُغَنّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما فوجّه الـخطاب بقوله وَقَضَى رَبّكَ إلـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ فرجع بـالـخطاب به إلـى الـجميع، ثم صرف الـخطاب بقوله إمّا يَبْلُغَنّ عِنْدَكَ إلـى إفراده به. والـمعنـيّ بكل ذلك جميع من لزمته فرائض اللّه عزّ وجلّ، أفرد بـالـخطاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحده، أو عمّ به هو وجميع أمته. وقوله: والـمِسْكِينَ وهو الذلّة من أهل الـحاجة. وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى الـمسكين بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقوله وَابْنَ السّبِـيـلِ يعني : الـمسافر الـمنقطع به، يقول تعالـى: وصِل قرابتك، فأعطه حقه من صلتك إياه، والـمسكين ذا الـحاجة، والـمـجتاز بك الـمنقطع به، فأعنه، وقوّه علـى قطع سفره. وقد قـيـل: إنـما عنى بـالأمر بإتـيان ابن السبـيـل حقه أن يضاف ثلاثة أيام. والقول الأوّل عندي أولـى بـالصواب، لأن اللّه تعالـى لـم يخصُصْ من حقوقه شيئا دون شيء فـي كتابه، ولا علـى لسان رسوله، فذلك عامّ فـي كلّ حقّ له أن يُعطاه من ضيافة أو حمولة أو مَعُونة علـى سفره. وقوله وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرا يقول: ولا تفرّق يا مـحمد ما أعطاك اللّه من مال فـي معصيته تفريقا. وأصل التبذير: التفريق فـي السّرَف ومنه قول الشاعر: أُناسٌ أجارُونا فَكانَ جِوَارُهُمْأعاصِيرَ مِنْ فِسْقِ العِرَاقِ الـمُبَذّرِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٧٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبـي إسحاق، عن أبـي العبـيدين، قال: قال عبد اللّه فـي قوله وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرا قال: التبذير فـي غير الـحقّ، وهو الإسراف. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـمة، عن مسلـم البطين، عن أبـي العبـيدين، قال: سُئل عبد اللّه عن الـمبذّر فقال: الإنفـاق فـي غير حقّ. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: سمعت يحيى بن الـجزار يحدّث عن أبـي العبُـيدين، ضرير البصر، أنه سأل عبد اللّه بن مسعود عن هذه الاَية ولا تُبَذّرْ تَبْذِيرا قال: إنفـاق الـمال فـي غير حقه. حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الـحكم، عن يحيى بن الـجزار، عن أبـي العُبـيدين، عن عبد اللّه ، مثله. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا شعبة، عن الـحكم بن عتـيبة، عن يحيى بن الـجزار أن أبـا العبـيدين، كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود فقال: ما التبذير؟ فقال: إنفـاق الـمال فـي غير حقه. حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا الـمسعودي، قال: أخبرنا سلـمة بن كُهيـل، عن أبـي العُبـيدين، وكانت به زَمانة، وكان عبد اللّه يعرف له ذلك، فقال: يا أبـا عبد الرحمن، ما التبذير؟ فذكر مثله. حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا أبو الـحوءَب، عن عمار بن زُريق، عن أبـي إسحاق، عن حارثة بن مُضرِب، عن أبـي العُبـيدين، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: كنا أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم نتـحدّث أن التبذير: النفقة فـي غير حقه. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن كثـير العنبري، قال: حدثنا شعبة، قال: كنت أمشي مع أبـي إسحاق فـي طريق الكوفة، فأتـى علـى دار تُبنى بجصّ وآجر، فقال: هذا التبذير فـي قول عبد اللّه : إنفـاق الـمال فـي غير حقه. ١٦٨٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرا قال: الـمبذّر: الـمنفق فـي غير حقه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبـاد، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: الـمبذّر: الـمنفق فـي غير حقه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عبـاس ، قال: لا تنفق فـي البـاطل، فإن الـمبذّر: هو الـمسرف فـي غير حقّ. قال ابن جريج وقال مـجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله فـي الـحقّ ما كان تبذيرا، ولو أنفق مدّا فـي بـاطل كان تبذيرا. ١٦٨٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَلا تُبَذّرْ تَبْذِيرا قال: التبذير: النفقة فـي معصية اللّه ، وفـي غير الـحقّ وفـي الفساد. ١٦٨٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله وآتِ ذَا القُرْبَى حَقّهُ وَالـمِسْكينَ وَابْنَ السّبِـيـلِ قال: بدأ بـالوالدين قبل هذا، فلـما فرغ من الوالدين وحقهما، ذكر هؤلاء وقال لا تُبَذّرْ تَبْذِيرا: لا تعطِ فـي معاصي اللّه . ٢٧وأما قوله إنّ الـمُبَذّرِينَ كانُوا إخْوَانَ الشّياطِينِ فإنه يعني : إنّ الـمفرّقـين أموالهم فـي معاصي اللّه الـمنفقـيها فـي غير طاعته أولـياء الشياطين وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنة قوم وتابع أثرهم: هو أخوهم وكانَ الشّيُطانُ لِرَبّهِ كَفُورا يقول: وكان الشيطان لنعمة ربه التـي أنعمها علـيه جحودا لا يشكره علـيه، ولكنه يكفرها بترك طاعة اللّه ، وركوبه معصيته، فكذلك إخوانه من بنـي آدم الـمبذّرون أموالهم فـي معاصي اللّه ، لا يشكرون اللّه علـى نعمه علـيهم، ولكنهم يخالفون أمره ويعصُونه، ويستنون فـيـما أنعم اللّه علـيهم به من الأموال التـي خوّلهموها وجل عزّ سنته من ترك الشكر علـيها، وتلقّـيها بـالكُفران. كالذي: ١٦٨٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إنّ الـمُبَذّرِينَ: إن الـمنفقـين فـي معاصي اللّه كانُوا إخْوَانَ الشّياطينِ وكانَ الشّيْطانُ لرَبّهِ كَفُورا. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَإِمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مّن رّبّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لّهُمْ قَوْلاً مّيْسُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وإن تعرض يا مـحمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتـيهم حقوقهم إذا وجدت إلـيها السبـيـل بوجهك عند مسألتهم إياك، ما لا تـجد إلـيه سبـيلاً، حياء منهم ورحمة لهم ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ يقول: انتظار رزق تنتظره من عند ربك، وترجو تـيسير اللّه إياه لك، فلا تؤيسهم، ولكن قل لهم قولاً ميسورا. يقول: ولكن عدهم وعدا جميلاً، بأن تقول: سيرزق اللّه فأعطيكم، وما أشبه ذلك من القول اللـين غير الغلـيظ، كما قال جل ثناؤه وأمّا السّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٠٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم وإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها قال: انتظار الرزق فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا قال: لـينا تَعِدُهم. ١٦٨٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـي، عن ابن عبـاس ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ قال: رزق أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَـحْنُ قَسَمْنا بَـيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ. ١٦٨٠٦ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عمارة، عن عكرمة، فـي قوله وَإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها قال: انتظار رزق من اللّه يأتـيك. ١٦٨٠٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله وَإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها قال: إن سألوك فلـم يجدوا عندك ما تعطيهم ابتغاء رحمة، قال: رزق تنتظره ترجوه فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا قال: عِدْهم عِدَةً حسنة: إذا كان ذلك، إذا جاءنا ذلك فعلنا، أعطيناكم، فهو القول الـميسور. قال ابن جريج، قال مـجاهد: إن سألوك فلـم يكن عندك ما تعطيهم، فأعرضت عنهم ابتغاء رحمة، قال: رزق تنتظره فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً ميْسُورا. ١٦٨٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه عزّ وجلّ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ قال: انتظار رزق اللّه . ١٦٨٠٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضّحَى، عن عبـيدة فـي قوله ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها قال: ابتغاء الرزق. ١٦٨١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد وإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها قال: أي رزق تنتظره فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا أي معروفـا. ١٦٨١١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةفَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا قال: عدهم خيرا. وقال الـحسن: قل لهم قولاً لـينا وسهلاً. ١٦٨١٢ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله وَإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُم يقول: لا نـجد شيئا تعطيهم ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ يقول: انتظار الرزق من ربك، نزلت فـيـمن كان يسأل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من الـمساكين. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنـي حرمي بن عمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: ثنـي عمارة، عن عكرمة فـي قول اللّه فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا قال: الرفق. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما: ١٦٨١٣ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُم عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجوها إذا خشيت إن أعطيتهم، أن يتقوّوا بها علـى معاصي اللّه عزّ وجلّ، ويستعينوا بها علـيها، فرأيت أن تـمنعهم خيرا، فإذا سألوك فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورا قولاً جميلاً: رزقك اللّه ، بـارك اللّه فـيك. وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن زيد مع خلافه أقوال أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الاَية، بعيد الـمعنى، مـما يدلّ علـيه ظاهرها، وذلك أن اللّه تعالـى قال لنبـيه صلى اللّه عليه وسلموَإمّا تُعْرِضَنّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبّكَ تَرْجُوها فأمره أن يقول إذا كان إعراضه عن القوم الذين ذكرهم انتظار رحمة منه يرجوها من ربه قَوْلاً مَيْسُورا وذلك الإعراض ابتغاء الرحمة، لن يخـلو من أحد أمرين: إما أن يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من اللّه يرجوها لنفسه، فـيكون معنى الكلام كما قلناه، وقاله أهل التأويـل الذين ذكرنا قولهم، وخلاف قوله أو يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من اللّه يرجوها للسائلـين الذين أُمِر نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزعمه أن يـمنعهم ما سألوه خشية علـيهم من أن ينفقوه فـي معاصي اللّه ، فمعلوم أن سخط اللّه علـى من كان غير مأمون منه صَرْف ما أُعْطي من نفقة لـيتقوّى بها علـى طاعة اللّه فـي معاصيه، أخوف من رجاء رحمته له، وذلك أن رحمة اللّه إنـما ترجى لأهل طاعته، لا لأهل معاصيه، إلا أن يكون أراد توجيه ذلك إلـى أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر بـمنعهم ما سألوه، لـينـيبوا من معاصي اللّه ، ويتوبوا بـمنعه إياهم ما سألوه، فـيكون ذلك وجها يحتـمله تأويـل الاَية، وإن كان لقول أهل التأويـل مخالفـا. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىَ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مّحْسُوراً }. وهذا مثلٌ ضربه اللّه تبـارك وتعالـى للـمـمتنع من الإنفـاق فـي الـحقوق التـي أوجبها فـي أموال ذوي الأموال، فجعله كالـمشدودة يده إلـى عنقه، الذي لا يقدر علـى الأخذ بها والإعطاء. وإنـما معنى الكلام: ولا تـمسك يا مـحمد يدك بخلاً عن النفقة فـي حقوق اللّه ، فلا تنفق فـيها شيئا إمساك الـمغلولة يده إلـى عنقه، الذي لا يستطيع بسطها وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ يقول: ولا تبسطها بـالعطية كلّ البسط، فتَبقـى لا شيء عندك، ولا تـجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك فَتَقْعُدَ مَلُوما مَـحْسُورا يقول: فتقعد يـلومك سائلوك إذا لـم تعطهم حين سألوك، وتلومك نفسك علـى الإسراع فـي مالك وذهابه، مـحسورا يقول: مَعِيبـا، قد انقُطِع بك، لا شيء عندك تنفقه. وأصله من قولهم للدابة التـي قد سير علـيها حتـى انقَطَع سيرها، وكلّت ورَزحَت من السير، بأنه حَسِير. يقال منه: حَسَرْت الدابة فأنا أحسِرُها، وأحسُرها حَسْرا، وذلك إذا أنضيته بـالسير وحَسَرته بـالـمسألة إذا سألته فألـحفت وحَسَرَ البصرُ فهو يَحْسِر، وذلك إذا بلغ أقصى الـمنظر فكَلّ. ومنه قوله عزّ وجلّ: يَنْقَلِبْ إلَـيْكَ البَصَرُ خاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ (الـملك: ٤ وكذلك ذلك فـي كلّ شيء كَلّ وأزحف حتـى يَضْنَى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨١٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هودة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ قال: لا تـجعلها مغلولة عن النفقة وَلا تَبْسُطْها: تبذّر بسرف. ١٦٨١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يوسف بن بهز، قال: حدثنا حوشب، قال: كان الـحسن إذا تلا هذه الاَية وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوما مَـحْسُورا يقول: لا تطفّف برزقـي عن غير رضاي، ولا تضعْه فـي سُخْطي فأسلُبَك ما فـي يديك، فتكون حسيرا لـيس فـي يديك منه شيء. ١٦٨١٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقُك وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوما مـحْسُورا يقول هذا فـي النفقة، يقول لا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ يقول: لا تبسطها بـالـخير وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ يعني التبذير فَتَقْعُدَ مَلُوما يقول: يـلوم نفسه علـى ما فـات من ماله مَـحْسُورا يعني : ذهب ماله كله فهو مـحسور. حدثنـي علـي، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عبـاس ، قوله وَلا تـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ يعني بذلك البخـل. ١٦٨١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ أي لا تـمسكها عن طاعة اللّه ، ولا عن حقه وَلا تبْسُطْها كُلّ البَسْطِ يقول: لا تنفقها فـي معصية اللّه ، ولا فـيـما يصلـح لك، ولا ينبغي لك، وهو الإسراف. قوله فَتَقْعُدَ مَلُوما مَـحْسُورا قال: ملوما فـي عبـاد اللّه ، مـحسورا علـى ما سلف من دهره وفرّط. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ قال: فـي النفقة، يقول: لا تـمسك عن النفقة وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ يقول: لا تبذر تبذيرا فَتَقْعُدَ مَلُوما فـي عبـاد اللّه مَـحْسُورا يقول: نادما علـى ما فرط منك. ١٦٨١٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: لا تـمسك عن النفقة فـيـما أمرتك به من الـحق وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ فـيـما نهيتك فَتَقْعُدَ مَلُوما قال: مذنبـا مَـحْسُورا قال: منقطعا بك. ١٦٨١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلولَةً إلـى عُنُقِكَ قال: مغلولة لا تبسطها بخير ولا بعطية وَلا تَبْسُطْها كُلّ البَسْطِ فـي الـحق والبـاطل، فـينفَذ ما معك، وما فـي يديك، فـيأتـيك من يريد أن تعطيه فـيحسر بك، فـيـلومك حين أعطيت هؤلاء، ولـم تعطهم. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِنّ رَبّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: إن ربك يا مـحمد يبسط رزقه لـمن يشاء من عبـاده، فـيوسع علـيه، ويقدر علـى من يشاء، يقول: ويُقَتّر علـى من يشاء منهم، فـيضيّق علـيه إنّهُ كَانَ بِعِبَـادِهِ خَبِـيرا: يقول: إن ربك ذو خبرة بعبـاده، ومن الذي تصلـحه السعة فـي الرزق وتفسده ومن الذي يصلـحه الإقتار والضيق ويهلكه. بصيرا: يقول: هو ذو بصر بتدبـيرهم وسياستهم، يقول: فـانته يا مـحمد إلـى أمرنا فـيـما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فـيـما تبسطها فـيه، وفـيـمن تبسطها له، ومِن كفها عمن تكفها عنه، وتكفها فـيه، فنـحن أعلـم بـمصالـح العبـاد منك، ومن جميع الـخـلق وأبصر بتدبـيرهم، كالذي: ١٦٨٢٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، ثم أخبرنا تبـارك وتعالـى كيف يصنع، فقال: إنّ رَبّكَ يَبْسُط الرّزْقَ لِـمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ قال: يقدر: يقلّ، وكل شيء فـي القرآن يَقْدِر كذلك ثم أخبر عبـاده أنه لا يرزَؤُه ولا يئُوده أن لو بسط علـيهم، ولكن نظرا لهم منه، فقال: وَلَوْ بَسَطَ اللّه الرّزْقَ لِعِبـادِهِ لَبَغَوْا فِـي الأرْضِ وَلكِنْ يُنَزّلُ بقَدَرٍ ما يَشاءُ إنّهُ بِعبـادِهِ خَبِـيرٌ بَصِيرٌ قال: والعرب إذا كان الـخصب وبُسِط علـيهم أَشِروا، وقتل بعضهم بعضا، وجاء الفساد، فإذا كان السنة شُغِلوا عن ذلك. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُم إنّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً }. يقول تعالـى ذكره: وَقَضَى رَبّكَ يا مـحمد ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ وَبـالوَالِدَيْنِ إحْسانا، وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ فموضع تقتلوا نُصب عطفـا علـى ألا تعبدوا. و يعني ب قوله: خَشْيَةَ إمْلاقٍ خوف إقتار وفقر. وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـيـما مضى، وذكرنا الرواية فـيه. وإنـما قال جل ثناؤه ذلك للعرب، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيـلة علـى أنفسهم بـالإنفـاق علـيهن، كما: ١٦٨٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَة إمْلاقٍ: أي خشية الفـاقة، وقد كان أهل الـجاهلـية يقتلون أولادهم خشية الفـاقة، فوعظهم اللّه فـي ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم علـى اللّه ، فقال: نَـحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإيّاكُمْ إنّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبـيرا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةخَشْيَة إمْلاقٍ قال: كانوا يقتلون البنات. ١٦٨٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهدوَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَة إمْلاقٍ قال: الفـاقة والفقر. ١٦٨٢٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله خَشْيَة إمْلاقٍ يقول: الفقر. وأما قوله: إنّ قَتْلَهُمْ كان خِطْأً كَبِـيرا فإن القراء اختلفت فـي قراءته فقرأته عامّة قراء أهل الـمدينة والعراق إنّ قَتْلَهُمْ كان خِطْأً كَبِـيرا بكسر الـخاء مِن الـخطإِ وسكون الطاء. وإذا قرىء ذلك كذلك، كان له وجهان من التأويـل: أحدهما أن يكون اسما من قول القائل: خَطِئت فأنا أَخْطَأ، بـمعنى: أذنبت وأثمت. ويُحكى عن العرب: خَطِئتَ: إذا أذنبتَ عمدا، وأخطأت: إذا وقع منك الذنب خَطَأ علـى غير عمد منك له. والثانـي: أن يكون بـمعنى خَطَأ بفتـح الـخاء والطاء، ثم كسرت الـخاء وسكنت الطاء، كما قـيـل: قِتْب وقَتَب وحَذَر وحِذْر، ونَـجِس ونَـجَس. والـخِطْء بـالكسر اسم، والـخَطَأ بفتـح الـخاء والطاء مصدر من قولهم: خَطِىء الرجل وقد يكون اسما من قولهم: أخطأ. فأما الـمصدر منه فـالإخطاء. وقد قـيـل: خَطِىء، بـمعنى أخطأ، كما قال الشاعر: لَهْفَ هِنْدٍ إذْ خَطِئْنَ كاههِلا بـمعنى: أخطأن. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الـمدينة: (إنّ قَتْلَهُمْ كانَ خَطَأً) بفتـح الـخاء والطاء مقصورا علـى توجيهه إلـى أنه اسم من قولهم: أخطأ فلان خطأ. وقرأه بعض قراء أهل مكة: (إنّ قَتْلهُمْ كان خَطاءً) بفتـح الـخَاء والطاء، ومدّ الـخَطَاء بنـحو معنى من قرأه خطأ بفتـح الـخاء والطاء، غير أنه يخالفه فـي مدّ الـحرف. وكان عامة أهل العلـم بكلام العرب من أهل الكوفة وبعض البصريـين منهم يرون أن الـخِطْء والـخَطَأ بـمعنى واحد، إلاّ أن بعضهم زعم أن الـخِطْء بكسر الـخاء وسكون الطاء فـي القراءة أكثر، وأَن الـخطأ بفتـح الـخاء والطاء فـي كلام الناس أفشى، وأنه لـم يسمع الـخِطْء بكسر الـخاء وسكون الطاء، فـي شيء من كلامهم وأشعارهم، إلا فـي بـيت أنشده لبعض الشعراء: الـخِطْءُ فـاحِشَةٌ والبِرّ نافِلَةٌكعَجْوَة غُرِسَتْ فِـي الأرْضِ تُؤْتَبرُ وقد ذكرت الفرق بـين الـخِطْء بكسر الـخاء وسكون الطاء وفتـحهما. وأولـى القراءات فـي ذلك عندنا بـالصواب، القراءة التـي علـيها قراء أهل العراق، وعامة أهل الـحجاز، لإجماع الـحجة من القراء علـيها، وشذوذ ما عداها. وإن معنى ذلك كان إثما وخطيئة، لا خَطَأ من الفعل، لأنهم إنـما كانوا يقتلونهم عمدا لا خطأ، وعلـى عمدهم ذلك عاتبهم ربهم، وتقدم إلـيهم بـالنهي عنه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدخِطْأً كَبِـيرا قال: أي خطيئة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدإنّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِـيرا قال: خطيئة. قال ابن جريج، وقال ابن عبـاس : خِطأ: أي خطيئة. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: وقضى أيضا أن لا تَقْرَبُوا أيها الناس الزّنا إنّهُ كانَ فـاحِشَةً يقول: إن الزّنا كان فـاحشة وَساءَ سَبـيلاً يقول: وساء طريق الزنا طريقا، لأن طريق أهل معصية اللّه ، والـمخالفـين أمره، فأسوىءْ به طريقا يورد صاحبه نار جهنـم. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّه إِلاّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً ...}. يقول جل ثناؤه: وقضى أيضا أن لا تَقْتُلُوا أيها الناس النّفْسَ التـي حَرّمَ اللّه قتلها إلاّ بـالـحَقّ وحقها أن لا تقتل إلا بكفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قود نفس، وإن كانت كافرة لـم يتقدّم كفرها إسلام، فأن لا يكون تقدم قتلها لها عهد وأمان، كما: ١٦٨٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَلا تقْتُلُوا النّفْسَ التـي حَرّمَ اللّه إلاّ بـالـحَقّ وإنا واللّه ما نعلـم بحلّ دم امرىء مسلـم إلاّ بإحدى ثلاث، إلا رجلاً قتل متعمدا، فعلـيه القَوَد، أو زَنى بعد إحصانه فعلـيه الرجم أو كفر بعد إسلامه فعلـيه القتل. ١٦٨٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن الزهريّ، عن عُروة أو غيره، قال: قـيـل لأبـي بكر: أتقتل من يرى أن لا يؤدي الزكاة، قال: لو منعونـي شيئا مـما أقروا به لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاتلتهم. فقـيـل لأبـي بكر: ألـيس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتـى يَقُولُوا: لا إلَه إلاّ اللّه ، فإذَا قالُوها عَصَمُوا مِنّـي دِماءهُمْ وأمْوالُهم إلاّ بِحَقّها، وحِسابُهُمْ عَلـى اللّه ) فقال أبو بكر: هذا من حقها. ١٦٨٢٧ـ حدثنـي موسى بن سهل، قال: حدثنا عمرو بن هاشم، قال: حدثنا سلـيـمان بن حيان، عن حميد الطويـل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِل النّاسِ حتـى يقُولُوا لا إلَه إلاّ اللّه ، فإذَا قالُوها عَصمُوا مِنّى دِماءهُمْ وأمْوالهُمْ إلاّ بِحَقّها وحِسابُهمْ عَلـى اللّه ) قـيـل: وما حقها؟ قال: (زِنا بَعْد إحْصانٍ، وكُفْرٌ بَعْد إيـمَانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ فَـيُقْتَلُ بِها) . وقوله: ومَنْ قُتِل مَظْلُوما يقول: ومن قتل بغير الـمعانـي التـي ذكرنا أنه إذا قتل بها كان قتلاً بحقّ فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيّهِ سُلْطانا يقول: فقد جعلنا لولـيّ الـمقتول ظلـما سلطانا علـى قاتل ولـيه، فإن شاء استقاد منه فقتله بولـيه، وإن شاء عفـا عنه، وإن شاء أخذ الدية. وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى السلطان الذي جُعل لولـيّ الـمقتول، فقال بعضهم فـي ذلك، نـحو الذي قُلنا. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٢٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله ولا تَقْتَلُوا النّفْسَ التـي حَرّمَ اللّه إلاّ بـالـحَقّ وَمَنْ قُتِل مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لولـيّه سُلْطانا قال: بـيّنة من اللّه عزّ وجلّ أنزلها يطلبها ولـيّ الـمقتول، العَقْل، أو القَوَد، وذلك السلطان. ١٦٨٢٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن جُويبر، عن الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيّهِ سُلْطانا قال: إن شاء عفـا، وإن شاء أخذ الدية. وقال آخرون: بل ذلك السلطان: هو القتل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمَنْ قُتِل مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيّهِ سُلْطانا وهو القَوَد الذي جعله اللّه تعالـى. وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك تأويـل من تأول ذلك: أن السلطان الذي ذكر اللّه تعالـى فـي هذا الـموضع ما قاله ابن عبـاس ، من أن لولـيّ القتـيـل القتل إن شاء وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء العفو، لصحة الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال يوم فتـح مكة: (ألا وَمن قُتِل لَهُ قَتِـيـلٌ فَهُو بِخَيْرِ النّظَريْنِ بـينِ أنْ يَقْتُل أوْ يأْخُذ الدّيَة) وقد بـيّنت الـحكم فـي ذلك فـي كتابنا: كتاب الـجراح. وقوله: فَلا يُسْرِفْ فـي القَتْلِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة: (فلا تُسْرِفْ) بـمعنى الـخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والـمراد به هو والأئمة من بعده، يقول: فلا تقتل بـالـمقتول ظُلْـما غير قاتله، وذلك أن أهل الـجاهلـية كانوا يفعلون ذلك إذا قتل رجل رجلاً عمد ولـيّ القتـيـل إلـى الشريف من قبـيـلة القاتل، فقتله بولـيه، وترك القاتل، فنهى اللّه عزّ وجلّ عن ذلك عبـاده، وقال لرسوله علـيه الصلاة والسلام: قتل غير القاتل بـالـمقتول معصية وسرف، فلا تقتل به غير قاتله، وإن قتلت القاتل بـالـمقتول فلا تـمثّل به. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: فَلا يُسْرِفْ بـالـياء، بـمعنى فلا يسرف ولـيّ الـمقتول، فـيقتل غير قاتل ولـيه. وقد قـيـل: عنى به: فلا يسرف القاتل الأول لأولـي الـمقتول. والصواب من القول فـي ذلك عندي، أن يقال: إنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، وذلك أن خطاب اللّه تبـارك وتعالـى نبـيه صلى اللّه عليه وسلم بأمر أو نهى فـي أحكام الدين، قضاء منه بذلك علـى جميع عبـاده، وكذلك أمره ونهيه بعضهم، أمر منه ونهى جميعهم، إلا فـيـما دلّ فـيه علـى أنه مخصوص به بعض دون بعض، فإذا كان ذلك كذلك بـما قد بـيّنا فـي كتابنا (كتاب البـيان، عن أصول الأحكام) فمعلوم أن خطابه تعالـى بقوله فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ نبـيه صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان موجّها إلـيه أنه معنّى به جميع عبـاده، فكذلك نهيه ولـيّ الـمقتول أو القاتل عن الإسراف فـي القتل، والتعدّي فـيه نهى لـجميعهم، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب صواب القراءة فـي ذلك. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـلهم ذلك نـحو اختلاف القرّاء فـي قراءتهم إياه. ذكر من تأوّل ذلك بـمعنى الـخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ١٦٨٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن طلق بن حبـيب، فـي قوله: فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ قال: لا تقتل غير قاتله، ولا تـمثّل به. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير. عن منصور، عن طلق بن حبـيب، بنـحوه. ١٦٨٣٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ قال: لا تقتل اثنـين بواحد. ١٦٨٣٣ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ إنّهُ كان مَنْصُورا كان هذا بـمكة، ونبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها، وهو أوّل شيء نزل من القرآن فـي شأن القتل، كان الـمشركون يغتالون أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقال اللّه تبـارك وتعالـى: من قتلكم من الـمشركين، فلا يحملنّكم قتله إياكم عن أن تقتلوا له أبـا أو أخا أو أحدا من عشيرته، وإن كانوا مشركين، فلا تقتلوا إلا قاتلكم وهذا قبل أن تنزل براءة، وقبل أن يؤمروا بقتال الـمشركين، فذلك قوله: فَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ يقول: لا تقتل غير قاتلك، وهي الـيوم علـى ذلك الـموضع من الـمسلـمين، لا يحلّ لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم. ذكر من قال: عُنِـي ولـيّ الـمقتول: ١٦٨٣٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا أبو رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِولِـيّهِ سُلْطانا قال: كان الرجل يُقتل فـيقول ولـيه: لا أرضى حتـى أقتل به فلانا وفلانا من أشراف قبـيـلته. ١٦٨٣٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةفَلا تُسْرِفْ فـي القَتْلِ قال: لا تقتل غير قاتلك، ولا تـمثّل به. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةفَلا يُسْرِفْ فـي القَتْلِ قال: لا يقتل غير قاتله من قَتَل بحديدة قُتل بحديدة ومن قَتَل بخشبة قُتِل بخشبة ومن قَتل بحجر قُتل بحجر. ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (إنّ منْ أعْتَـى النّاسِ علـى اللّه جَلّ ثَناؤُهُ ثَلاَثَةً: رَجُلٌ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بدَخَنٍ فِـي الـجاهِلِـيّةِ، أوْ قَتَلَ فِـي حَرَمِ اللّه ) . ١٦٨٣٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سمعته، يعني ابن زيد، يقول فـي قول اللّه جل ثناؤه وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِـيّهِ سُلْطانا قال: إن العرب كانت إذا قُتل منهم قتـيـل، لـم يرضوا أن يقتلوا قاتل صاحبهم، حتـى يقتلوا أشرف من الذي قتله، فقال اللّه جل ثناؤه فَقَدْ جَعَلَنا لِوَلِـيّهِ سُلْطانا ينصره وينتصف من حقه فلا يُسْرِفْ فِـي القَتْلِ يقتل بريئا. ذكر من قال عُنِـي به القاتل: ١٦٨٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير عن مـجاهدفَلا يُسْرِفْ فِـي القَتْلِ قال: لا يسرف القاتل فـي القتل. وقد ذكرنا الصواب من القراءة فـي ذلك عندنا، وإذا كان كلا وجهي القراءة عندنا صوابـا، فكذلك جميع أوجه تأويـله التـي ذكرناها غير خارج وجه منها من الصواب، لاحتـمال الكلام ذلك وإن فـي نهي اللّه جل ثناؤه بعض خـلقه عن الإسراف فـي القتل، نهى منه جميعَهم عنه. وأما قوله: إنّهُ كانَ مَنْصُورا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيـمن عُنِـي بـالهاء التـي فـي قوله إنّهُ وعلـى ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة علـى ولـيّ الـمقتول، وهو الـمعنـيّ بها، وهو الـمنصور علـى القاتل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٣٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةإنّهُ كانَ مَنْصُورا قال: هو دفع الإمام إلـيه، يعني إلـى الولـيّ، فإن شاء قتل، وإن شاء عفـا. وقال آخرون: بل عُنِـي بها الـمقتول، فعلـى هذا القول هي عائدة علـى (مَن) فـي قوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهدإنّهُ كانَ مَنْصُورا إن الـمقتول كان منصورا. وقال آخرون: عُنِـي بها دم الـمقتول، وقالوا: معنى الكلام: إن دم القتـيـل كان منصورا علـى القاتل. وأشبه ذلك بـالصواب عندي. قول من قال عُنِـي بها الولـيّ، وعلـيه عادت، لأنه هو الـمظلوم، وولـيه الـمقتول، وهي إلـى ذكره أقرب من ذكر الـمقتول، وهو الـمنصور أيضا، لأن اللّه جل ثناؤه قضى فـي كتابه الـمنزل، أن سلّطه علـى قاتل ولـيه، وحكّمه فـيه، بأن جعل إلـيه قتله إن شاء، واستبقاءه علـى الدية إن أحبّ، والعفو عنه إن رأى، وكفـى بذلك نُصرة له من اللّه جلّ ثناؤه، فلذلك قلنا: هو الـمعنـيّ بـالهاء التـي فـي قوله: إنّهُ كانَ مَنْصُورا. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }. يقول تعالـى ذكره: وقضى أيضا أن لا تقربوا مال الـيتـيـم بأكل، إسرافـا وبدارا أن يَكْبَروا، ولكن اقرَبوه بـالفَعْلَة التـي هي أحسن، والـخَـلّة التـي هي أجمل، وذلك أن تتصرّفوا فـيه له بـالتثمير والإصلاح والـحيطة. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما: ١٦٨٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الـيَتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ لـما نزلت هذه الاَية، اشتدّ ذلك علـى أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكانوا لا يخالطونهم فـي طعام أو أكل ولا غيره، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى وَإن تُـخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ فكانت هذه لهم فـيها رُخْصة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَلا تَقَرْبُوا مالَ الـيَتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ قال: كانوا لا يخالطونهم فـي مال ولا مأكل ولا مركب، حتـى نزلت وإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ. وقال ابن زيد فـي ذلك ما: ١٦٨٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلاَ تَقْرَبُوا مالَ الـيتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ قال: الأكل بـالـمعروف، أن تأكل معه إذا احتـجت إلـيه، كان أُبـيّ يقول ذلك. وقوله: حتـى يَبْلُغَ أشُدّهُ يقول: حتـى يبلغ وقت اشتداده فـي العقل، وتدبـير ماله، وصلاح حاله فـي دينه وأوْفُوا بـالعَهْدِ يقول: وأوفوا بـالعقد الذي تعاقدون الناس فـي الصلـح بـين أهل الـحرب والإسلام، وفـيـما بـينكم أيضا، والبـيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود إنّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولاً يقول: إن اللّه جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقصوا العهود الـجائزة بـينكم، وبـين من عاهدتـموه أيها الناس فتـخفروه، وتغدروا بـمن أعطيتـموه ذلك. وإنـما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبـا يقال فـي الكلام: لـيسئلنّ فلان عهد فلان. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: وَ قضى أن أوْفُوا الكَيْـلَ للناس إذَا كِلْتُـمْ لهم حقوقهم قِبَلَكم، ولا تبخَسُوهم وَزِنُوا بـالقِسْطاسِ الـمُسْتَقِـيـمِ يقول: وقَضَى أو زنوا أيضا إذا وزنتـم لهم بـالـميزان الـمستقـيـم، وهو العدل الذي لا اعوجاج فـيه، ولا دَغَل، ولا خديعة. وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى القسطاس، فقال بعضهم: هو القبـان. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٤٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: حدثنا الـحسن بن ذكوان، عن الـحسن: وَزِنُوا بـالقِسْطاسِ الـمُسْتَقِـيـمِ قال: القَبّـان. وقال آخرون: هو العدل بـالرومية. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٤٣ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: القِسطاس: العدل بـالرومية. وقال آخرون: هو الـميزان صغر أو كبر وفـيه لغتان: القِسطاس بكسر القاف، والقُسطاس بضمها، مثل القِرطاس والقُرطاس وبـالكسر يقرأ عامّة قرّاء أهل الكوفة، وبـالضمّ يقرأ عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة، وقد قرأ به أيضا بعض قرّاء الكوفـيـين، وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، لأنهما لغتان مشهورتان، وقراءتان مستفـيضتان فـي قرّاء الأمصار. وقوله: ذلكَ خَيْرٌ يقول: إيفـاؤكم أيها الناس من تكيـلون له الكيـل، ووزنكم بـالعدل لـمن توفون له خَيْرٌ لَكُمْ من بخسكم إياهم ذلك، وظلـمكموهم فـيه. وقوله: وأحْسَنُ تأْوِيلاً يقول: وأحسن مردودا علـيكم وأولـى إلـيه فـيه فعلكم ذلك، لأن اللّه تبـارك وتعالـى يرضى بذلك علـيكم، فـيُحسن لكم علـيه الـجزاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأوْفُوا الكَيْـلَ كِلْتُـمْ وَزِنُوا بـالقِسْطاسِ الـمُسْتَقِـيـمِ ذلكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلاً أي خير ثوابـا وعاقبة. وأخبرنا أن ابن عبـاس كان يقول: يا معشر الـموالـي، إنكم وَلِـيتـم أمرين بهما هلك الناس قبلكم: هذا الـمِكيال، وهذا الـمِيزان. قال: وذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (لا يَقْدِرُ رَجُلٌ علـى حَرَامٍ ثُمّ يَدَعُهُ، لَـيْسَ بِهِ إلاّ مَخافَةُ اللّه ، إلاّ أبْدَلَهُ اللّه فِـي عاجِلِ الدّنْـيا قَبْلَ الاَخِرَةِ ما هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذلكَ) . حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوأحْسَنُ تَأْوِيلاً قال: عاقبة وثوابـا. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولـَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: وَلا تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ فقال بعضهم: معناه: ولا تقل ما لـيس لك به علـم. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٤٥ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ يقول: لا تقل. ١٦٨٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَلا تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ إنّ السّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً لا تقل رأيت ولـم تر، وسمعت ولـم تسمع، فإن اللّه تبـارك وتعالـى سائلك عن ذلك كله. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَلا تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ قال: لا تقل رأيت ولـم تر، وسمعت ولـم تسمع، وعلـمت ولـم تعلـم. ١٦٨٤٧ـ حُدثت عن مـحمد بن ربـيعة، عن إسماعيـل الأزرق، عن أبـي عمر البزار، عن ابن الـحنفـية قال: شهادة الزور. وقال آخرون: بل معناه: ولا ترم. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وَلا تَقْـفُ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ يقول: لا ترم أحدا بـما لـيس لك به علـم. ١٦٨٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَلا تَقْـفُ ولا ترمِ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وهذان التأويلان متقاربـا الـمعنى، لأن القول بـما لا يعلـمه القائل يدخـل فـيه شهادة الزور، ورمى الناس بـالبـاطل، وادّعاء سماع ما لـم يسمعه، ورؤية ما لـم يره. وأصل القـفو: العضه والبهت. ومنه قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (نَـحْنُ بَنُو النّضْرِ بْنِ كِنانَة لا نَقْـفُو أمّنا وَلا نَنْتَفِـي مِنُ أبِـينا) ، وكان بعض البصريـين ينشد فـي ذلك بـيتا: وَمِثْلُ الدّمَى شُمّ العَرَانِـينِ ساكِنٌبِهِنّ الـحَياءُ لا يُشِعْنَ التّقافِـيا يعني بـالتقافـي: التقاذف. ويزعم أن معنى قوله لا تَقْـفُ لا تتبع ما لا تعلـم، ولا يعني ك. وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة، يزعم أن أصله القـيافة، وهي اتبـاع الأثر وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة: (وَلا تَقُـفْ) بضم القاف وسكون الفـاء، مثل: ولا تقل. قال: والعرب تقول: قـفوت أثره، وقُـفت أثره، فتقدّم أحيانا الواو علـى الفـاء وتؤخرها أحيانا بعدها، كما قـيـل: قاع الـجمل الناقة: إذا ركبها وقَعَا وعاثَ وعَثَى وأنشد سماعا من العرب. ولَوْ أنّـي رَمَيْتُكَ مِنْ قَرِيبٍلَعاقَكَ مِنْ دُعاءٍ الذّئْبِ عاقِ يعني عائق، ونظائر هذا كثـيرة فـي كلام العرب. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: لا تقل للناس وفـيهم ما لا علـم لك به، فترميهم بـالبـاطل، وتشهد علـيهم بغير الـحقّ، فذلك هو القـفو. وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب، لأن ذلك هو الغالب من استعمال العرب القـفو فـيه. وأما قوله إنّ السّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً فإن معناه: إن اللّه سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها، من أنه سمع أو أبصر أو علـم، تشهد علـيه جوارحه عند ذلك بـالـحقّ، وقال (أولئك) ، ولـم يقل (تلك) ، كما قال الشاعر: ذُمّ الـمَنازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللّوَىوالعَيْشَ بَعْدِ أُولَئِكَ الأيّامِ وإنـما قـيـل: أولئك، لأن أولئك وهؤلاء للـجمع القلـيـل الذي يقع للتذكير والتأنـيث، وهذه وتلك للـجمع الكثـير فـالتذكير للقلـيـل من بـاب أَنْ كان التذكير فـي الأسماء قبل التأنـيث. لك التذكير للـجمع الأوّل، والتأنـيث للـجمع الثانـي، وهو الـجمع الكثـير، لأن العرب تـجعل الـجمع علـى مثال الأسماء. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً }. يقول تعالـى ذكره: ولا تـمش فـي الأرض مختالاً مستكبرا إنّكَ لَنْ تَـخْرِقَ الأرْضَ يقول: إنك لن تقطع الأرض بـاختـيالك، كما قال رُؤْبة: وقاتِـمِ الأعماقِ خاوِي الـمُخْتَرَق يعني بـالـمخترق: الـمقطع وَلَنْ تَبلُغَ الـجِبـالَ طُولاً بفخرك وكبرك، وإنـما هذا نهي من اللّه عبـاده عن الكبر والفخر والـخُيَلاء، وتقدم منه إلـيهم فـيه معرّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا إنّكَ لَنْ تَـخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الـجِبـالِ طُولاً يعني بكبرك ومرحك. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا قال: لا تـمش فـي الأرض فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الـجبـال، ولا تـخرق الأرض بكبرك وفخرك. ١٦٨٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ قال: لا تفخر. وقـيـل: لا تـمش مرَحا، ولـم يقل مرِحا، لأنه لـم يرد بـالكلام: لا تكن مرِحا، فـيجعله من نعت الـماشي، وإنـما أريد لا تـمرح فـي الأرض مرَحا، ففسر الـمعنى الـمراد من قوله: ولا تـمش، كما قال الراجز: يُعْجِبُهُ السّخُونُ والعَصِيدُوالتّـمْرُ حَبّـا ما لَهُ مَزيدُ فقال: حبـا، لأن فـي قوله: يعجبه، معنى يحبّ، فأخرج قوله: حبـا، من معناه دون لفظه. ٣٨وقوله: كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها فإن القرّاء اختلفت فـيه، فقرأه بعض قرّاء الـمدينة وعامة قرّاء الكوفة كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها علـى الإضافة بـمعنى: كلّ هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التـي عددنا من مبتدإ قولنا وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إياهُ... إلـى قولنا وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا كانَ سَيّئُهُ يقول: سيىء ما عددنا علـيك عند ربك مكروها. وقال قارئو هذه القراءة: إنـما قـيـل كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ بـالإضافة، لأن فـيـما عددنا من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ أمورا، هي أمر بـالـجميـل، كقوله وَبـالوَالدَيْنِ إحْسانا، وقوله وآتِ ذَا القُرْبَى حَقّهُ وما أشبه ذلك، قالوا: فلـيس كلّ ما فـيه نهيا عن سيئة، بل فـيه نهى عن سيئة، وأمر بحسنات، فلذلك قرأنا سَيّئُهُ. وقرأ عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: (كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئَةً) وقالوا: إنـما عنى بذلك: كلّ ما عددنا من قولنا وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ ولـم يدخـل فـيه ما قبل ذلك. قالوا: وكلّ ما عددنا من ذلك الـموضع إلـى هذا الـموضع سيئة لا حسنة فـيه، فـالصواب قراءته بـالتنوين. ومن قرأ هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون من نـيته أن يكون الـمكروه مقدما علـى السيئة، وأن يكون معنى الكلام عنده: كلّ ذلك كان مكروها سيئة لأنه إن جعل قوله: مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة، لزمه أن تكون القراءة: كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة، وذلك خلاف ما فـي مصاحف الـمسلـمين. وأولـى القراءتـين عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ كُلّ ذلكَ كانَ سيّئُهُ علـى إضافة السيىء إلـى الهاء، بـمعنى: كلّ ذلك الذي عددنا من وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ... كانَ سَيّئُهُ لأن فـي ذلك أمورا منهيا عنها، وأمورا مأمورا بها، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الـموضع دون قوله وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ إنـما هو عطف علـى ما تقدّم من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ فإذا كان ذلك كذلك، فقرأته بإضافة السيىء إلـى الهاء أولـى وأحقّ من قراءته سيئةً بـالتنوين، بـمعنى السيئة الواحدة.
فتأويـل الكلام إذن: كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التـي عددناها علـيك كان سيئه مكروها عند ربك يا مـحمد، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه، فـاتق مواقعته والعمل به. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى{ذَلِكَ مِمّآ أَوْحَىَ إِلَيْكَ رَبّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّه إِلَـَهاً آخَرَ فَتُلْقَىَ فِي جَهَنّمَ مَلُوماً مّدْحُوراً }. يقول تعالـى ذكره: هذا الذي بـيّنا لك يا مـحمد من الأخلاق الـجميـلة التـي أمرناك بجميـلها، ونهيناك عن قبـيحها مِـمّا أوْحَى إلَـيْكَ رَبّكَ مِنَ الـحِكْمَةِ يقول: من الـحكمة التـي أوحيناها إلـيك فـي كتابنا هذا، كما: ١٦٨٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ذلكَ مِـمّا أوْحَى إلَـيْكَ رَبّكَ مِنَ الـحِكْمَةِ قال: القرآن. وقد بـيّنا معنى الـحكمة فـيـما مضى من كتابنا هذا، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وَلا تَـجْعَلْ مَعَ اللّه إلها آخَرَ فَتُلْقَـى فِـي جَهَنّـمَ مَلُوما مَدْحُورا يقول: ولا تـجعل مع اللّه شريكا فـي عبـادتك، فتُلقـى فـي جهنـم ملوما تلومك نفسك وعارفوك من الناس مَدْحُورا يقول: مُبْعَدا مقصيا فـي النار، ولكن أخـلص العبـادة لله الواحد القهّار، فتنـجوَ من عذابه. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله مَلُوما مَدْحُورا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٥٣ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: مَلُوما مَدْحُورا يقول: مطرودا. ١٦٨٥٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةمَلُوما مَدْحُورا قال: ملوما فـي عبـادة اللّه ، مدحورا فـي النار. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُم بِالْبَنِينَ وَاتّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثاً إِنّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }. يقول تعالـى ذكره للذين قالوا من مشركي العرب: الـملائكة بنات اللّه أفأصْفـاكُمْ أيها الناس رَبّكُمْ بـالبَنـينَ يقول: أفخصكم ربكم بـالذكور من الأولاد واتّـخَذَ مِنَ الـمَلائِكَةِ إناثا وأنتـم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدونهن، وتقتلونهن، فجعلتـم لله ما لا ترضونه لأنفسكم إنّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيـما يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين الذين قالوا من الفرية علـى اللّه ما ذكرنا: إنكم أيها الناس لتقولون بقـيـلكم: الـملائكة بنات اللّه ، قولاً عظيـما، وتفترون علـى اللّه فرية منكم. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما: ١٦٨٥٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةواتّـخَذَ مِنَ الـمَلائِكَةِ إناثا قال: قالت الـيهود: الـملائكة بنات اللّه . ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ صَرّفْنَا فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ لِيَذّكّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ نُفُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ صَرّفْتا لهؤلاء الـمشركين الـمفترين علـى اللّه فِـي هَذَا القُرآنِ العِبَر والاَيات والـحجج، وضربنا لهم فـيه الأمثال، وحذّرناهم فـيه وأنذرناهم لِـيَذّكّرُوا يقول: لـيتذكروا تلك الـحجج علـيهم، فـيعقلوا خطأ ما هم علـيه مقـيـمون، ويعتبروا بـالعبر، فـيتعظوا بها، وينـيبوا من جهالتهم، فما يعتبرون بها، ولا يتذكرون بـما يرد علـيهم من الاَيات والنّذر، وما يزيدهم تذكيرنا إياهم إلاّ نُفُورا يقول: إلا ذهابـا عن الـحقّ، وبُعدا منه وهربـا. والنفور فـي هذا الـموضع مصدر من قولهم: نفر فلان من هذا الأمر ينفِر منه نَفْرا ونفورا. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ لّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاّبْتَغَوْاْ إِلَىَ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين الذين جعلوا مع اللّه إلها آخر: لو كان الأمر كما تقولون: من أن معه آلهة، ولـيس ذلك كما تقولون، إذن لابتغت تلك الاَلهة القُربة من اللّه ذي العرش العظيـم، والتـمست الزّلْفة إلـيه، والـمرتبة منه. كما: ١٦٨٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كمَا يَقُولُونَ إذًا لابْتَغَوْا إلـى ذِي العَرْشِ سَبِـيلاً يقول: لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته علـيهم، فـابتغوا ما يقرّبهم إلـيه. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةإذًا لابْتَغَوْا إلـى ذِي العَرْشِ سَبِـيلاً قال: لابتغَوا القُرب إلـيه، مع أنه لـيس كما يقولون. ٤٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً }. وهذا تنزيه من اللّه تعالـى ذكره نفسه عما وصفه به الـمشركون، الـجاعلون معه آلهة غيره، الـمضيفون إلـيه البنات، فقال: تنزيها لله وعلوّا له عما تقولون أيها القوم، من الفرية والكذب، فإن ما تضيفون إلـيه من هذه الأمور لـيس من صفته، ولا ينبغي أن يكون له صفة. كما: ١٦٨٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةسُبْحانَهُ وَتَعالـى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّا كَبِـيرا يسبح نفسه إذ قـيـل علـيه البهتان. وقال تعالـى: عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّا ولـم يقل: تعالـيا، كما قال: وَتَبَتّلْ إلَـيْهِ تَبْتِـيلاً كما قال الشاعر: أنْتَ الفِدَاءُ لكَعْبَةٍ هَدّمْتَهاونَقَرْتَها بـيَدَيْكَ كُلّ مَنَقّرِ مُنِعَ الـحَمامُ مَقِـيـلَهُ مِنْ سَقْـفِهاومِنَ الـحَطِيـمِ فَطارَ كُلّ مُطَيّرِ ٤٤وقوله: تُسَبّحُ لَهُ السّمَواتُ السّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فِـيهِنّ يقول: تنزّه اللّه أيها الـمشركون عما وصفتـموه به إعظاما له وإجلالاً، السموات السبع والأرض، ومن فـيهنّ من الـمؤمنـين به من الـملائكة والإنس والـجنّ، وأنتـم مع إنعامه علـيكم، وجميـل أياديه عندكم، تفترون علـيه بـما تَفْتَرون. وقوله: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ يقول جلّ ثناؤه: وما من شيء من خـلقه إلا يسبح بحمده، كما: ١٦٨٥٨ـ حدثنـي به نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ، قال: حدثنا مـحمد بن يعلَـى، عن موسى بن عبـيدة، عن زيد بن أسلـم، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ألا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إنّ نُوحا قالَ لاِبْنِهِ يا بُنَـيّ آمُرُكَ أنْ تَقُولَ سُبْحانَ اللّه وبِحَمْدِهِ فإنّها صَلاةُ الـخَـلْقِ، وَتَسْبِـيحُ الـخَـلْقِ، وبِها تُرْزَقُ الـخَـلْقُ، قالَ اللّه وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ) . ١٦٨٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عيسى بن عبـيد، قال: سمعت عكرمة يقول: لا يَعِيبنّ أحدكم دابته ولا ثوبه، فإن كلّ شيء يسبح بحمده. ١٦٨٦٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ قال: الشجرة تسبح، والأُسْطوانة تسبح. ١٦٨٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح وزيد بن حبـاب، قالا: حدثنا جرير أبو الـخطاب، قال: كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الـحسن فـي طعام، فقدّموا الـخوان، فقال يزيد الرقاشي: يا أبـا سعيد يسبح هذا الـخوان: فقال: كان يسبح مرّة. ١٦٨٦٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، ويونس، عن الـحسن أنهما قالا فـي قوله: وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّح بِحَمْدِهِ قالا: كلّ شيء فـيه الروح. ١٦٨٦٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الكبـير بن عبد الـمـجيد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: الطعام يسبح. ١٦٨٦٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر عن قتادةوَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ قال: كلّ شيء فـيه الروح يسبح، من شجر أو شيء فـيه الروح. ١٦٨٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد اللّه بن أبـيَ، عن عبد اللّه بن عمرو، أن الرجل إذا قال: لا إله إلا اللّه ، فهي كلـمة الإخلاص التـي لا يقبل اللّه من أحد عملاً حتـى يقولها، فإذا قال الـحمد لله، فهي كلـمة الشكر التـي لـم يشكر اللّه عبد قطّ حتـى يقولها: فإذا قال اللّه أكبر، فهي تـملأ ما بـين السماء والأرض، فإذا قال سبحان اللّه ، فهي صلاة الـخلائق التـي لـم يَدْعُ اللّه أحد من خـلقه إلا نوّره بـالصلاة والتسبـيح، فإذا قال لا حول ولا قوّة إلا بـالله، قال: أسلـم عبدي واستسلـم. وقوله: ولَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِـيحَهُمْ يقول تعالـى ذكره: ولكن لا تفقهون تسبـيح ما عدا تسبـيح من كان يسبح بـمثل ألسنتكم إنّهُ كانَ حَلِـيـما يقول: إن اللّه كان حلـيـما لا يعجل علـى خـلقه، الذين يخالفون أمره، ويكفرون به، ولولا ذلك لعاجل هؤلاء الـمشركين الذين يدعون معه الاَلهة والأنداد بـالعقوبة غَفُورا يقول: ساترا علـيهم ذنوبهم، إذا هم تابوا منها بـالعفو منه لهم، كما: ١٦٨٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةإنّهُ كانَ حَلِـيـما عن خـلقه، فلا يعجل كعجلة بعضهم علـى بعض غَفُورا لهم إذا تابوا. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ حِجَاباً مّسْتُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وإذا قرأت يا مـحمد القرآن علـى هؤلاء الـمشركين الذين لا يصدّقون بـالبعث، ولا يقرّون بـالثواب والعقاب، جعلنا بـينك وبـينهم حجابـا، يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه علـيهم، فـينتفعوا به، عقوبة منا لهم علـى كفرهم. والـحجاب ههنا: هو الساتر، كما: ١٦٨٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَـيْنَكَ وبـينَ الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـالاَخرة حِجابـا مَسْتُورا الـحجاب الـمستور أكنة علـى قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فـاستـحوذ علـيهم. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة حِجابـا مَسْتُورا قال: هي الأكنة. ١٦٨٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَـيْنَكَ وبـينَ الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ حِجابـا مَسْتُورا قال: قال أُبـيّ: لا يفقهونه، وقرأ قُلُوبُهُمْ فِـي أكِنّةٍ وفِـي آذَانِهِمْ وَقْرٌ لا يخـلص ذلك إلـيهم. وكان بعض نـحويـيّ أهل البصرة يقول: معنى قوله حِجابـا مَسْتُورا حِجابـا ساترا، ولكنه أخرج وهو فـاعل فـي لفظ الـمفعول، كما يقال: إنك مشئوم علـينا وميـمون، وإنـما هو شائم ويامن، لأنه من شأمهم ويـمنهم. قال: والـحجاب ههنا: هو الساتر. وقال: مستورا. وكان غيره من أهل العربـية يقول: معنى ذلك: حجابـا مستورا عن العبـاد فلا يرونه. وهذا القول الثانـي أظهر بـمعنى الكلام أن يكون الـمستور هو الـحجاب، فـيكون معناه: أن لله سترا عن أبصار الناس فلا تدركه أبصارهم، وإن كان للقول الأوّل وجه مفهوم. ٤٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيَ آذَانِهِمْ وَقْراً ...}. يقول تعالـى ذكره: وجعلنا علـى قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة عند قراءتك علـيهم القرآن أكنة وهي جمع كِنان، وذلك ما يتغشّاها من خِذلان اللّه إياهم عن فهم ما يُتلـى علـيهم وفِـي آذانِهمْ وَقْرا يقول: وجعلنا فـي آذانهم وقرا عن سماعه، وصمـما. والوَقر بـالفتـح فـي الأذن: الثقل. والوِقر بـالكسر: الـحِمْل. وقوله: وَإذَا ذَكَرْتَ رَبّكَ فـي القُرْآنِ وَحْدَهُ يقول: وإذا قلت: لا إله إلا اللّه فـي القرآن وأنت تتلوه وَلّوْا علـى أدْبـارِهِمْ نُفُورا يقول: انفضوا، فذهبوا عنك نفورا من قولك استكبـارا له واستعظاما من أن يوحّد اللّه تعالـى. وبـما قلنا فـي ذلك، قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا ذَكَرْتَ رَبّكَ فِـي القُرآنِ وَحْدَهُ وَلّوْا وإن الـمسلـمين لـما قالوا: لا إله إلا اللّه ، أنكر ذلك الـمشركون وكبرت علـيهم، فصافها إبلـيس وجنوده، فأبى اللّه إلا أن يـمضيها وينصرها ويفلـجها ويظهرها علـى من ناوأها، إنها كلـمة من خاصم بها فلـج، ومن قاتل بها نُصِر، إنـما يعرفها أهل هذه الـجزيرة من الـمسلـمين، التـي يقطعها الراكب فـي لـيال قلائل ويسير الدهر فـي فِئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرّون بها. ١٦٨٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذَا ذَكَرْتَ رَبّكَ فِـي القُرآنِ وَحْدَهُ وَلّوْا علـى أدْبـارِهِمْ نُفُورا قال: بغضا لـما تكلـم به لئلا يسمعوه، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم فـي آذانهم لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفـار والتوبة، ويستغشُون ثـيابهم، قال: يـلتفون بثـيابهم، ويجعلون أصابعهم فـي آذانهم لئلا يسمعوا ولا يُنظر إلـيهم. وقال آخرون: إنـما عُنِـي بقوله وَلّوْا علـى أدْبـارِهِمْ نُفُورا الشياطين، وإنها تهرب من قراءة القرآن، وذكر اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٦٨٧١ـ حدثنـي الـحسين بن مـحمد الذارع، قال: حدثنا روح بن الـمسيب أبو رجاء الكلبـي، قال: حدثنا عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَإذَا ذَكَرْتَ رَبّكَ فِـي القُرآنِ وَحْدَهُ وَلّوْا عَلـى أدْبـارِهِمْ نُفُورا هم الشياطين. والقول الذي قلنا فـي ذلك أشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل، وذلك أن اللّه تعالـى أتبع ذلك قوله وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَـيْنَكَ وبـينَ الّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بـالاَخِرِةِ حِجابـا مَسْتُورا فأن يكون ذلك خبرا عنهم أولـى إذ كان بخبرهم متصلاً من أن يكون خبرا عمن لـم يجز له ذكر. وأما النفور، فإنها جمع نافر، كما القعود جمع قاعد، والـجلوس جمع جالس وجائز أن يكون مصدرا أخرج من غير لفظه، إذ كان قوله وَلّوْا بـمعنى: نفروا، فـيكون معنى الكلام: نفروا نفورا، كما قال امرؤ القـيس: رُضْتُ فَذَلّتْ صَعْبَةٌ أيّ إذْلالِ إذا كان رُضْت بـمعنى: أذللت، فأخرج الإذلال من معناه، لا من لفظه. ٤٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىَ إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مّسْحُوراً }. يقول تعالـى ذكره: نـحن أعلـم يا مـحمد بـما يستـمع به هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة من مشركي قومك، إذ يستـمعون إلـيك وأنت تقرأ كتاب اللّه وَإذْ هُمْ نَـجْوَى. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول: النـجوى: فعلهم، فجعلهم هم النـجوى، كما يقول: هم قوم رضا، وإنـما رضا: فعلهم. وقوله إذْ يَقُولُ الظّالِـمُونَ إنْ تَتّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورا يقول: حين يقول الـمشركون بـاللّه ما تتبعون إلا رجلاً مسحورا. وعنى فـيـما ذُكِر بـالنـجوى: الذين تشاوروا فـي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي دار النّدوة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدإذْ يَسْتَـمِعُونَ إلَـيْكَ قال: هي مثل قـيـل الولـيد بن الـمُغيرة ومن معه فـي دار الندوة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه. ١٦٨٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. قوله: إذْ يَسْتَـمِعُونَ إلَـيْكَ وَإذْ هُمْ نَـجْوَى إذْ يَقُولُ الظّالِـمُونَ... الاَية، ونـجواهم أن زعموا أنه مـجنون. وأنه ساحر، وقالوا: أساطِيرُ الأوّلِـينَ. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يذهب بقوله إنْ تَتّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَسْحُورا إلـى معنى: ما تتبعون إلا رجلاً له سَحْر: أي له رثة، والعرب تسمي الرئة سَحْرا، والـمسحّر من قولهم للرجل إذا جبن: قد انتفخ سَحْره، وكذلك يقال لكل ما أكَلَ أو شرب من آدميّ وغيره: مَسحور ومُسَحّر، كما قال لبـيد: فإنْ تَسأَلَـينا فِـيـم نَـحْنُ فإنّناعَصَافِـيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ الـمُسَحّر وقال آخرون: (ونُسْحَرُ بـالطعام وبـالشراب ) أي نغذّي بهما. فكأن معناه عنده كان: إن تتبعون إلا رجلاً له رئة، يأكل الطعام، ويشرب الشراب، لا مَلَكا لا حاجة به إلـى الطعام والشراب، والذي قال من ذلك غير بعيد من الصواب. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمْثَالَ فَضَلّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: انظر يا مـحمد بعين قلبك فـاعتبر كيف مثّلوا لك الأمثال، وشبهوا لك الأشبـاه، بقوله م: هو مسحور، وهو شاعر، وهو مـجنون فَضَلّوا يقول: فجاروا عن قصد السبـيـل بقـيـلهم ما قالوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِـيلاً يقول: فلا يهتدون لطريق الـحقّ لضلالهم عنه وبُعدهم منه، وأن اللّه قد خذلهم عن إصابته، فهم لا يقدرون علـى الـمَخْرَج مـما هم فـيه من كفرهم بتوفقّهم إلـى الإيـمان به، كما: ١٦٨٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدفَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِـيلاً قال: مخرجا، الولـيد بن الـمغيرة وأصحابه أيضا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدانْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِـيلاً مخرجا الولـيد بن الـمغيرة وأصحابه. ٤٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُوَاْ أَإِذَا كُنّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة من مشركي قريش، وقالوا بعنتهم: أئِذَا كُنّا عِظاما لـم نتـحطم ولـم نتكسّر بعد مـماتنا وبلانا وَرُفـاتا يعني ترابـا فـي قبورنا، كما: ١٦٨٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، يقول اللّه : رُفـاتا قال: ترابـا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٨٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَقالُوا أئذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا يقول: غُبـارا، ولا واحد للرّفـات، وهو بـمنزلة الدّقاق والـحُطَام، يقال منه: رُفِتَ يُرْفَت رَفْتا فهو مرفوت: إذا صُيّر كالـحُطام والرّضاض. وقوله: أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا قالوا، إنكارا منهم للبعث بعد الـموت: إنا لـمبعوثون بعد مصيرنا فـي القبور عظاما غير منـحطمة، ورفـاتا منـحطمة، وقد بَلِـينا فصرنا فـيها ترابـا، خـلقا مُنْشَأ كما كنا قبل الـمـمات جديدا، نعاد كما بدئنا؟ فأجابهم جلّ جلاله يعرّفهم قُدرته علـى بعثه إياهم بعد مـماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بِلاهُم خـلقا جديدا، علـى أيّ حال كانوا من الأحوال، عظاما أو رُفـاتا، أو حجارة أو حديدا، أو غير ذلك مـما يعظُم عندهم أن يحدث مثله خَـلقْا أمثالَهم أحياء، قل يا مـحمد: كونوا حجارة أو حديدا، أو خـلقا مـما يكبر فـي صدوركم. ٥٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد للـمكذّبـين بـالبعث بعد الـمـمات من قومك القائلـين أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا: كونوا إن عجبتـم من إنشاء اللّه إياكم، وإعادته أجسامكم، خـلقا جديدا بعد بِلاكم فـي التراب، ومصيركم رُفـاتا، وأنكرتـم ذلك من قُدرته حجارة أو حديدا، ٥١أو خـلقا مـما يكبر فـي صدوركم إن قدرتـم علـى ذلك، فإنـي أحيـيكم وأبعثكم خـلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بقوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ فقال بعضهم: عُنِـي به الـموت، وأريد به: أو كونوا الـموت، فإنكم إن كنتـموه أمتّكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٧٧ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية، عن ابن عمر أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت، قال: لو كنتـم موتـى لأحيـيتكم. ١٦٨٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ يعني الـموت. يقول: إن كنتـم الـموت أحيـيتكم. ١٦٨٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا أبو مالك الـجنبـي، قال: حدثنا ابن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قوله أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت. ١٦٨٨٠ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا سلـيـمان أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: الـموت. ١٦٨٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال سعيد بن جبـير، فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ كونوا الـموت إن استطعتـم، فإن الـموت سيـموت قال: ولـيس شيء أكبر فـي نفس ابن آدم من الـموت. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغنـي، عن سعيد بن جبـير، قال: هو الـموت. ١٦٨٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن عبد اللّه بن عمر، أنه كان يقول: (يجاء بـالـموت يوم القـيامة كأنه كبش أملـح حتـى يُجعل بـين الـجنة والنار، فـينادى مناد يُسمِع أهلَ الـجنة وأهل النار، فـ يقول: هذا الـموت قد جئنا به ونـحن مهلكوه، فأيقنوا يا أهل الـجنة وأهل النار أن الـموت قد هلك) . ١٦٨٨٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ يعني الـموت، يقول: لو كنتـم الـموت لأمتكم. وكان عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول: إن اللّه يجيء بـالـموت يوم القـيامة، وقد صار أهل الـجنة وأهل النار إلـى منازلهم، كأنه كبش أملـح، فـيقـف بـين الـجنة والنار، فـينادي أهل الـجنة وأهل النار هذا الـموت، ونـحن ذابحوه، فأيقنوا بـالـخـلود. وقال آخرون: عنى بذلك السماء والأرض والـجبـال. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٨٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةأوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: السماء والأرض والـجبـال. وقال آخرون: بل أريد بذلك: كونوا ما شئتـم. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدكُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: ما شئتـم فكونوا، فسيعيدكم اللّه كما كنتـم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٨٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةقُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَـلْقا مِـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ قال: من خـلق اللّه ، فإن اللّه يـميتكم ثم يبعثكم يوم القـيامة خـلقا جديدا. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره قال: أوْ خَـلْقا مـمّا يَكْبُرُ فِـي صُدُورِكُمْ، وجائز أن يكون عنى به الـموت، لأنه عظيـم فـي صدور بنـي آدم وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض وجائز أن يكون أراد به غير ذلك، ولا بـيان فـي ذلك أبـين مـما بـين جلّ ثناؤه، وهو كلّ ما كبر فـي صدور بنـي آدم من خـلقه، لأنه لـم يخصص منه شيئا دون شيء. وأما قوله: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا فإنه يقول: فسيقول لك يا مـحمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة مَنْ يُعِيدُنا خـلقا جديدا، إن كنا حجارة أو حديدا أو خـلقا مـما يكبر فـي صدورنا، فقل لهم: يعيدكم الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ يقول: يعيدكم كما كنتـم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء، الذي خـلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة، كما: ١٦٨٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةقُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ أي خـلقكم فَسَيُنْغَضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك، فسيهزّون إلـيك رءوسهم برفع وخفض وكذلك النّغْض فـي كلام العرب، إنـما هو حركة بـارتفـاع ثم انـخفـاض، أو انـخفـاض ثم ارتفـاع، ولذلك سمي الظلـيـم نَغْضا، لأنه إذا عجل الـمشي ارتفع وانـخفض، وحرّك رأسه، كما قال الشاعر: أسكّ نَغْضا لا يَنِـي مُسْتَهْدِجا ويقال: نَغَضَت سنه: إذا تـحرّكت وارتفعت من أصلها ومنه قول الراجز: نَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها وقول الاَخر: ـمّا رأتْنِـي أنْغَضَتْ لـيَ الرأسا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ أي يحرّكون رءوسهم تكذيبـا واستهزاء. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوُسَهُمْ قال: يحرّكون رءوسهم. ١٦٨٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله فَسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: سيحركونها إلـيك استهزاء. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عبـاس فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ قال: يحرّكون رءوسهم يستهزءون ويقولون متـى هو. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فسَيُنْغِضُونَ إلَـيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول: يهزؤون. وقوله: وَيَقُولُونَ مَتـى هُوَ يقول جلّ ثناؤه: ويقولون متـى البعث، وفـي أيّ حال ووقت يعيدنا خـلقا جديدا، كما كنا أوّل مرّة؟ قال اللّه عزّ وجلّ لنبـيه: قل لهم يا مـحمد إذ قالوا لك: متـى هو، متـى هذا البعث الذي تعدنا؟: عسى أن يكون قريبـا وإنـما معناه: هو قريب، لأن عسى من اللّه واجب، ولذلك قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَـيْن، وأشار بـالسّبـابة والوُسطَى) ، لأن اللّه تعالـى كان قد أعلـمه أنه قريب مـجيب. ٥٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: قل عسى أن يكون بعثكم أيها الـمشركون قريبـا، ذلك يوم يدعوكم ربكم بـالـخروج من قبوركم إلـى موقـف القـيامة، فتستـجيبون بحمده. اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: فتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ فقال بعضهم: فتستـجيبون بأمره. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: ثنـي عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ يقول: بأمره. ١٦٨٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ قال: بأمره. وقال آخرون: معنى ذلك: فتستـجيبون بـمعرفته وطاعته. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَـجِيبُونَ بِحَمْدِهِ: أي بـمعرفته وطاعته. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: معناه: فتستـجيبون لله من قبوركم بقدرته، ودعائه إياكم. ولله الـحمد فـي كلّ حال، كما يقول القائل: فعلت ذلك الفعل بحمد اللّه ، يعني : لله الـحمد عن كلّ ما فعلته، وكما قال الشاعر: فإنّـي بِحَمْد اللّه لا ثَوْبَ فـاجِرٍلَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنّعُ بـمعنى: فإنـي والـحمد لله لا ثوب فـاجر لبست. وقوله: وَتَظُنّونَ إنْ لَبثْتُـمْ إلاّ قَلِـيلاً يقول: وتـحسِبون عند موافـاتكم القـيامة من هول ما تعاينون فـيها ما لبثتـم فـي الأرض إلا قلـيلاً، كما قال جل ثناؤه قالَ كَمْ لَبِثْتُـمْ فِـي الأرْض عَدَدَ سِنِـينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْما أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فـاسألِ العادّينَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَتَظُنّونَ إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ قَلِـيلاً: أي فـي الدنـيا، تـحاقرت الدنـيا فـي أنفسهم وقلّت، حين عاينوا يوم القـيامة. ٥٣وقوله: وَقُلْ لِعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِيَ أحْسَنُ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وقل يا مـحمد لعبـادي يقل بعضهم لبعض التـي هي أحسن من الـمـحاورة والـمخاطبة. كما: ١٦٨٩٤ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا النضر، قال: أخبرنا الـمبـارك، عن الـحسن فـي هذه الاَية وَقُلْ لِعِبـادِي يَقُولُوا التـي هِيَ أحْسَنُ قال: التـي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله يقول له: يرحمك اللّه يغفر اللّه لك. وقوله: إنّ الشّيْطانَ يَنْزَغُ بَـيْنَهُمْ يقول: إن الشيطان يسوء مـحاورة بعضهم بعضا ينزغ بـينهم، يقول: يفسد بـينهم، يهيج بـينهم الشرّ إنّ الشّيْطانَ كانَ للإنْسانِ عَدُوّا مُبِـينا يقول: إن الشيطان كان لاَدم وذرّيته عدوّا، قد أبـان لهم عداوته بـما أظهر لاَدم من الـحسد، وغروره إياه حتـى أخرجه من الـجنة. ٥٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين من قريش الذين قالوا أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا: رَبّكُمْ أيها القوم أعْلَـمُ بِكُمْ إنْ يَشأْ يَرْحَمُكُمْ فـيتوب علـيكم برحمته، حتـى تنـيبوا عما أنتـم علـيه من الكفر به وبـالـيوم الاَخر وَإنْ يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ بأن يخذلكم عن الإيـمان، فتـموتوا علـى شرككم، فـيعذّبكم يوم القـيامة بكفركم به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن عبد الـملك بن جريج قوله: رَبّكُمْ أعْلَـمُ بِكُمْ إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ قال: فتؤمنوا أوْ إنْ يَشأْ يُعَذّبْكُمْ فتـموتوا علـى الشرك كما أنتـم. وقوله: وَما أرْسَلْناكَ عَلَـيْهِمْ وَكِيلاً يقول لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وما أرسلناك يا مـحمد علـى من أرسلناك إلـيه لتدعوه إلـى طاعتنا ربـا ولا رقـيبـا، إنـما أرسلناك إلـيهم لتبلغهم رسالاتنا، وبأيدينا صرفهم وتدبـيرهم، فإن شئنا رحمناهم، وإن شئنا عذّبناهم. ٥٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَرَبّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِيّينَ عَلَىَ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم: وربك يا مـحمد أعلـم بـمن فـي السموات والأرض وما يصلـحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، وهو أعلـم بـمن هو أهل للتوبة والرحمة، ومن هو أهل للعذاب، أهدى للـحقّ من سبق له منـي الرحمة والسعادة، وأُضلّ من سبق له منـي الشقاء والـخذلان، يقول: فلا يكبرنّ ذلك علـيك، فإن ذلك من فعلـي بهم لتفضيـلـي بعض النبـيـين علـى بعض، بإرسال بعضهم إلـى بعض الـخـلق، وبعضهم إلـى الـجميع، ورفعي بعضهم علـى بعض درجات. كما: ١٦٨٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَرَبّكَ أعْلَـمُ بِـمَنْ فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنا بَعْضَ النّبِـيّـينَ عَلـى بَعْضٍ اتـخذ اللّه إبراهيـم خـلـيلاً، وكلّـم موسى تكلـيـما، وجعل اللّه عيسى كمثل آدم خـلقه من تراب، ثم قال له كن فـيكون، وهو عبد اللّه ورسوله، من كلـمة اللّه وروحه، وآتـى سلـيـمان مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتـى داود زبورا، كنا نـحدّث دعاء عُلّـمه داود، تـحميد وتـمـجيد، لـيس فـيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لـمـحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. ١٦٨٩٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَلَقَدْ فَضّلْنا بَعْض النّبِـيّـينَ عَلـى بَعْضٍ قال: كلـم اللّه موسى، وأرسل مـحمدا إلـى الناس كافّة. ٥٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ ادْعُواْ الّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الذين يعبدون من دون اللّه من خـلقه: ادعو أيها القوم الذين زعمتـم أنهم أربـاب وآلهة من دونه عند ضرّ ينزل بكم، فـانظروا هل يقدرون علـى دفع ذلك عنكم، أو تـحويـله عنكم إلـى غيركم، فتدعوهم آلهة، فإنهم لا يقدرون علـى ذلك، ولا يـملكونه، وإنـما يـملكه ويقدر علـيه خالقكم وخالقهم. وقـيـل: إن الذين أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول، كانوا يعبدون الـملائكة وعُزيرا والـمسيح، وبعضهم كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: قُلِ ادْعُوا الّذِين زَعَمْتُـمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَـمْلِكُونَ كَشْفَ الضّرّ عَنْكُمْ وَلا تَـحْوِيلاً قال: كان أهل الشرك يقولون: نعبد الـملائكة وعُزَيرا، وهم الذين يدعون، يعني الـملائكة والـمسيح وعُزيرا. ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُولَـَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىَ رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ ... }. يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء الـمشركون أربـابـا يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ يقول: يبتغي الـمدعوّون أربـابـا إلـى ربهم القُربة والزّلفة، لأنهم أهل إيـمان به، والـمشركون بـاللّه يعبدونهم من دون اللّه أيّهُمْ أقْرَبُ أيهم بصالـح عمله واجتهاده فـي عبـادته أقرب عنده زلفة وَيَرْجُونَ بأفعالهم تلك رَحْمَتَهُ وَيخافُونَ بخلافهم أمره عَذَابَهُ إنّ عَذَابَ رَبّكَ يا مـحمد كانَ مَـحْذورا متقـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، غير أنهم اختلفوا فـي الـمدعويّن، فقال بعضهم: هم نفر من الـجنّ. ذكر من قال ذلك: ١٦٨٩٩ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه ، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: كان ناس من الإنس يعبدون قوما من الـجنّ، فأسلـم الـجن وبقـي الإنس علـى كفرهم، فأنزل اللّه تعالـى أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ يعني الـجنّ. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد اللّه العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن سلـيـمان، عن إبراهيـم، عن أبـي معمر، قال: قال عبد اللّه فـي هذه الاَية أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ قال: قَبـيـل من الـجنّ كانوا يعبدون فأسلـموا. حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي الـحسين، عن قتادة، عن معبد بن عبد اللّه الزّمّانـي، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: نزلت فـي نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم الـجنـيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم، فأنزلت الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهُمُ الوَسيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن حديث عمه عبد اللّه بن مسعود، قال: نزلت هذه الاَية فـي نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم الـجنـيون والنفر من العرب لا يشعرون بذلك. ١٦٩٠٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةالّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قوم عبدوا الـجنّ، فأسلـم أولئك الـجنّ، فقال اللّه تعالـى ذكره: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن أبـي معمر، عن عبد اللّه أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم النفر من الـجنّ، واستـمسك الإنس بعبـادتهم، فقال أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن الأعمش، عن إبراهيـم عن أبـي معمر، قال: قال عبد اللّه : كان ناس يعبدون نفرا من الـجنّ، فأسلـم أولئك الـجنـيون، وثبتت الإنس علـى عبـادتهم، فقال اللّه تبـارك وتعالـى: أوَلِئكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ. ١٦٩٠١ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ أيّهُمْ أقْرَبُ قال كان أناس من أهل الـجاهلـية يعبدون نفرا من الـجنّ فلـما بعث النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أسلـموا جميعا، فكانوا يبتغون أيهم أقرب. وقال آخرون: بل هم الـملائكة. ١٦٩٠٢ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا يحيى بن السكن، قال: أخبرنا أبو العوّام، قال: أخبرنا قتادة، عن عبد اللّه بن معبد الزّمّانـي، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: كان قبـائل من العرب يعبدون صنفـا من الـملائكة يقال لهم الـجنّ، ويقولون: هم بنات اللّه ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ معشر العرب يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ. ١٦٩٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: الذين يدعون الـملائكة تبتغي إلـى ربها الوسيـلة أيّهُمْ أقْرَبُ وَيَرْجُون رَحْمَتَهُ حتـى بلغ إنّ عَذَابَ رَبّكَ كانَ مَـحْذُورا قال: وهؤلاء الذين عبدوا الـملائكة من الـمشركين. وقال آخرون: بل هم عزير وعيسى، وأمه. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٠٤ـ حدثنـي يحيى بن جعفر، قال: أخبرنا يحيى بن السكن، قال: أخبرنا شعبة، عن إسماعيـل السديّ، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: عيسى وأمه وعُزير. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد اللّه العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيـل السدي، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، قال: عيسى ابن مريـم وأمه وعُزير فـي هذه الاَية أولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ. ١٦٩٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهديَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: عيسى ابن مريـم وعُزير والـملائكة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٩٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: كان ابن عبـاس يقول فـي قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلـى رَبّهِمُ الوَسِيـلَةَ قال: هو عُزير والـمسيح والشمس والقمر. وأولـى الأقوال بتأويـل هذه الاَية قول عبد اللّه بن مسعود الذي رويناه، عن أبـي معمر عنه، وذلك أن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن الذين يدعوهم الـمشركون آلهة أنهم يبتغون إلـى ربهم الوسيـلة فـي عهد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ومعلوم أن عُزيرا لـم يكن موجودا علـى عهد نبـينا علـيه الصلاة والسلام، فـيبتغي إلـى ربه الوسيـلة وأن عيسى قد كان رُفع، وإنـما يبتغي إلـى ربه الوسيـلة من كان موجودا حيا يعمل بطاعة اللّه ، ويتقرّب إلـيه بـالصالـح من الأعمال. فأما من كان لا سبـيـل له إلـى العمل، فبـم يبتغي إلـى ربه الوسيـلة. فإذ كان لا معنى لهذا القول، فلا قول فـي ذلك إلا قول من قال ما اخترنا فـيه من التأويـل، أو قول من قال: هم الـملائكة، وهما قولان يحتـملهما ظاهر التنزيـل. وأما الوسيـلة، فقد بـيّنا أنها القربة والزلفة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٠٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : الوسيـلة: القربة. ١٦٩٠٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: الوسيـلة، قال: القربة والزلفـى. ٥٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وما من قرية من القرى إلا نـحن مهلكوا أهلها بـالفناء، فمبـيدوهم استئصالاً قبل يوم القـيامة، أو معذّبوها، إما ببلاء من قتل بـالسيف، أو غير ذلك من صنوف العذاب عذابـا شديدا. كما: ١٦٩٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، في قول اللّه عز وجل: وَإنَ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْن مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَة فمبـيدوها أوْ معذّبُوها بـالقتل والبلاء، قال: كل قرية فـي الأرض سيصيبها بعض هذا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه، إلا أنه قال: سيصيبها هذا أو بعضه. ١٦٩١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْن مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَةِ أوْ مُعَذّبوها قضاء من اللّه كما تسمعون لـيس منه بدّ، إما أن يهلكها بـموت وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره، وكذّبوا رسله. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَإنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ نَـحْنُ مُهْلِكُوها قال: مبـيدوها. ١٦٩١١ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه ، قال: إذا ظهر الزنا والربـا فـي أهل قرية أذن اللّه فـي هلاكها. وقوله: كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا يعني فـي الكتاب الذي كتب فـيه كلّ ما هو كائن، وذلك اللوح الـمـحفوظ. كما: ١٦٩١٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كانَ ذلكَ فِـي الكِتابِ مَسْطُورا قال: فـي أمّ الكتاب، وقرأ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللّه سَبَق و يعني بقوله مَسْطُورا مكتوبـا مبـينا ومنه قول العجاج: واعْلَـمْ بأنّ ذَا الـجَلالِ قَدْ قَدَرْفـي الكُتُبِ الأُولـى التـي كان سَطَرْأمْرَكَ هَذَا فـاحْتَفِظْ فِـيهِ النّهَرْ ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نّرْسِلَ بِالاَيَاتِ إِلاّ أَن كَذّبَ بِهَا الأوّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاَيَاتِ إِلاّ تَخْوِيفاً }. يقول تعالـى ذكره: وما منعنا يا مـحمد أن نرسل بـالاَيات التـي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمـم الـمكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم فلـما أتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلـم يصدّقوا مع مـجيء الاَيات، فعوجلوا فلـم نرسل إلـى قومك بـالاَيات، لأنّا لو أرسلنا بها إلـيها، فكذّبوا بها، سلكنا فـي تعجيـل العذاب لهم مسلك الأمـم قبلها. وبـالذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩١٣ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن أياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: سأل أهل مكة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم الصفـا ذهبـا، وأن ينـحي عنهم الـجبـال، فـيزرعوا، ف قـيـل له: إن شئت أن نستأنـي بهم لعلنا نـجتنـي منهم، وإن شئت أن نؤتـيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم، قال: (بل تستأنـي بهم) ، فأنزل اللّه : وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً. ١٦٩١٤ـ حدثنـي إسحاق بن وهب، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا مسعود بن عبـاد، عن مالك بن دينار، عن الـحسن فـي قول اللّه تعالـى وَما مَنَعَنَا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: رحمة لكم أيتها الأمة، إنا لو أرسلنا بـالاَيات فكذّبتـم بها، أصابكم ما أصاب من قبلكم. ١٦٩١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبـير، قال: قال الـمشركون لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم: يا مـحمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبـياء، فمنهم من سخرت له الريح، ومنهم من كان يحيـي الـموتـى، فإن سرّك أن نؤمن بك ونصدّقك، فـادع ربك أن يكون لنا الصفـا ذهبـا، فأوحى اللّه إلـيه: إنـي قد سمعت الذي قالوا، فإن شئت أن نفعل الذي قالوا، فإن لـم يؤمنوا نزل العذاب، فإنه لـيس بعد نزول الاَية مناظرة، وإن شئت أن تستأنـي قومك استأنـيت بها، قال: (يا ربّ أستأنـي) . ١٦٩١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال: قال أهل مكة لنبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا، ويسرّك أن نؤمن، فحوّل لنا الصفـا ذهبـا، فأتاه جبرئيـل علـيه السلام، فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك، ولكنه إن كان ثم لـم يؤمنوا لـم يناظروا، وإن شئت استأنـيت بقومك، قال: (بَلِ أسْتَأْنِـي بقَومْي) فأنزل اللّه : وآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَـمُوا بِها وأنزل اللّه عزّ وجلّ ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ. ١٦٩١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، أنهم سألوا أن يحوّل الصفـا ذهبـا، قال اللّه : وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بـالاَياتِ إلاّ أنْ كَذّبَ بِها الأوّلُونَ قال ابن جريج: لـم يأت قرية بآية فـيكذّبوا بها إلا عذّبوا، فلو جعلت لهم الصفـا ذهبـا ثم لـم يؤمنوا عذّبوا. و(أن) الأولـى التـي مع مَنَعَنا، فـي موضع نصب بوقوع منعنا علـيها، وأن الثانـية رفع، لأن معنى الكلام: وما منعنا إرسال الاَيات إلا تكذيب الأوّلـين من الأمـم، فـالفعل لأن الثانـية. يقول تعالـى ذكره: وقد سأل الاَيات يا مـحمد من قِبَل قومك ثمود، فآتـيناها ما سألت، وجعلنا تلك الاَية ناقة مبصرة. جعل الإبصار للناقة، كما تقول للشجة: موضحة، وهذه حجة مبـينة. وإنـما عنى بـالـمبصرة: الـمضيئة البـينة التـي من يراها كانوا أهل بصر بها، أنها لله حجة، كما قـيـل: والنهارَ مُبْصِرا كما: ١٦٩١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوآتَـيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً: أي بـيّنة. ١٦٩١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه عزّ ذكره النّاقَةَ مُبْصِرَةً قال: آية. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وقوله: فَظَلَـمُوا بِها يقول عزّ وجلّ: فكان بها ظلـمهم، وذلك أنهم قتلوها وعقروها، فكان ظلـمهم بعقرها وقتلها. وقد قـيـل: معنى ذلك: فكفروا بها، ولا وجه لذلك إلا أن يقول قائله أراد: فكفروا بـاللّه بقتلها، فـيكون ذلك وجها. وأما قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا فإنه يقول: وما نرسل بـالعبر والذكر إلا تـخويفـا للعبـاد، كما: ١٦٩٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما نُرْسِلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا وإن اللّه يخوّف الناس بـما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكّرون، أو يرجعون، ذُكر لنا أن الكوفة رجفت علـى عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه. ١٦٩٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا نوح بن قـيس، عن أبـي رجاء، عن الـحسن وَما نُرْسلُ بـالاَياتِ إلاّ تَـخْوِيفـا قال: الـموت الذريع. ٦٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنّ رَبّكَ أَحَاطَ بِالنّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرّؤيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لّلنّاسِ...}. وهذا حضّ من اللّه تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، علـى تبلـيغ رسالته، وإعلام منه أنه قد تقدّم منه إلـيه القول بأنه سيـمنعه من كلّ من بغاه سوءا وهلاكا، يقول جلّ ثناؤه: واذكر يا مـحمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بـالناس قدرة، فهم فـي قبضته لا يقدرون علـى الـخروج من مشيئته، ونـحن مانعوك منهم، فلا تتهيّب منهم أحدا، وامض لـما أمرناك به من تبلـيغ رسالتنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٢٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي رجاء، قال: سمعت الـحسن يقول: أحاط بـالناس، عصمك من الناس. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو بكر الهُذلـي، عن الـحسن وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ قال: يقول: أحطت لك بـالعرب أن لا يقتلوك، فعرف أنه لا يُقتل. ١٦٩٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدأحاطَ بـالنّاسِ قال: فهم فـي قبضته. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٩٢٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبـير قوله أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس. قال معمر، قال قتادة، مثله. ١٦٩٢٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله وَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّك أحاطَ بـالنّاسِ قال: منعك من الناس. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَإذْ قُلْنا لَكَ إنّ رَبّكَ أحاطَ بـالنّاسِ أي منعك من الناس حتـى تبلّغ رسالة ربك. وقوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: هو رؤيا عين، وهي ما رأى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـما أُسري به من مكة إلـى بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٢٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين أريها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيـلة أُسري به، ولـيست برؤيا منام. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، سُئِل عن قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاسِ قال: هي رؤيا عين رآها النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لـيـلة أُسري به. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، بنـحوه. ١٦٩٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عمرو، عن فرات القزاز، عن سعيد بن جبـير وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: كان ذلك لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فرأى ما رأى فكذّبه الـمشركون حين أخبرهم. ١٦٩٢٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: أسري به عشاء إلـى بـيت الـمقدس، فصلـى فـيه، وأراه اللّه ما أراه من الاَيات، ثم أصبح بـمكة، فأخبرهم أنه أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، فقالوا له: يا مـحمد ما شأنك، أمسيت فـيه، ثم أصبحت فـينا تـخبرنا أنك أتـيت بـيت الـمقدس، فعجبوا من ذلك حتـى ارتدّ بعضهم عن الإسلام. ١٦٩٢٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أريْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: قال كفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبشة أنه يزعم أنه سار مسيرة شهرين فـي لـيـلة. ١٦٩٣٠ـ حدثنـي أبو حصين، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: مسيره إلـى بـيت الـمقدس. ١٦٩٣١ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبد اللّه ، عن أبـي الضحى، عن مسروق فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: حين أُسري به. ١٦٩٣٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: لـيـلة أُسري به. ١٦٩٣٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فتْنَةً للنّاس قال: الرؤيا التـي أريناك فـي بـيت الـمقدس حين أُسري به، فكانت تلك فتنة الكافر. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يقول: اللّه أراه من الاَيات والعبر فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس. ذُكر لنا أن ناسا ارتدّوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـمسيره، أنكروا ذلك وكذّبوا له، وعجبوا منه، وقالوا: تـحدّثنا أنك سرت مسيرة شهرين فـي لـيـلة واحدة. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هو ما أُري فـي بـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به. ١٦٩٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ قال: أراه اللّه من الاَيات فـي طريق بـيت الـمقدس حين أُسري به، نزلت فريضة الصلاة لـيـلة أُسري به قبل أن يهاجر بسنة وتسع سنـين من العشر التـي مكثها بـمكة، ثم رجع من لـيـلته، فقالت قريش: تعشى فـينا وأصبح فـينا، ثم زعم أنه جاء الشام فـي لـيـلة ثم رجع، وايـم اللّه إن الـحدأة لتـجيئها شهرين: شهرا مقبلة، وشهرا مُدبرة. ١٦٩٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا الّتـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: هذا حين أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، افتتن فـيها ناس، فقالوا: يذهب إلـى بـيت الـمقدس ويرجع فـي لـيـلة وقال: (لَـمّا أتانـي جَبْرائيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ بـالبُرَاقِ لِـيَحْمِلَنـي عَلَـيْها صَرّتْ بأذُنَـيْها، وَانْقَبَض بَعْضُها إلـى بَعْضٍ، فَنَظَرَ إلَـيْها جَبْرائيـلُ، فقالَ: وَالّذِي بَعَثَنِـي بـالـحَقّ منْ عِنْدِهِ ما رَكِبَكَ أحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ خَيْرٌ مِنْهُ) ، قالَ: (فَصرّتْ بأُذُنَـيْها وَارْفَضّتْ عَرَقا حتـى سالَ ما تَـحْتَها، وكانَ مُنْتَهَى خَطْوها عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفها) فلـما أتاهم بذلك، قالوا: ما كان مـحمد لـينتهي حتـى يأتـي بكذبة تـخرج من أقطارها، فأتوا أبـا بكر رضي اللّه عنه، فقالوا: هذا صاحبك يقول كذا وكذا، فقال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: إن كان قد قال ذلك فقد صدق، فقالوا: تصدّقه إن قال ذهب إلـى بـيت الـمقدس ورجع فـي لـيـلة؟ فقال أبو بكر: إي، نزع اللّه عقولكم، أصدّقه بخبر السماء، والسماء أبعد من بـيت الـمقدس، ولا أصدّقه بخبر بـيت الـمقدس؟ قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إنا قد جئنا بـيت الـمقدس فصفه لنا، فلـما قالوا ذلك، رفعه اللّه تبـارك وتعالـى ومثله بـين عينـيه، فجعل يقول: (هو كذا، وفـيه كذا) ، فقال بعضهم: وأبـيكم إن أخطأ منه حرفـا، فقالوا: هذا رجل ساحر. ١٦٩٣٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ يعني لـيـلة أُسري به إلـى بـيت الـمقدس، ثم رجع من لـيـلته، فكانت فتنة لهم. ١٦٩٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله الرّؤحيا التـي أرَيْناكَ قال: حين أُسري بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه. وقال آخرون: هي رؤياه التـي رأى أنه يدخـل مكة. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ قال: يقال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أُري أنه دخـل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بـالـمدينة، فعجّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم السير إلـى مكة قبل الأجل، فردّه الـمشركون، فقالت أناس: قد ردّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقد كان حدثنا أنه سيدخـلها، فكانت رجعته فتنتهم. وقال آخرون مـمن قال: هي رؤيا منام: إنـما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى فـي منامه قوما يعلون منبره. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٣٩ـ حُدثت عن مـحمد بن الـحسن بن زبـالة، قال: حدثنا عبد الـمهيـمن بن عبـاس بن سهل بن سعد، قال: ثنـي أبـي، عن جدّي، قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـي فلان ينزون علـى منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استـجمع ضاحكا حتـى مات. قال: وأنزل اللّه عزّ وجلّ فـي ذلك (وَما جَعَلْنا الرّؤْيا التـي أرَيْناكَ إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ) ... الاَية. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: عنى به رؤيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما رأى من الاَيات والعبر فـي طريقه إلـى بـيت الـمقدس، وبـيت الـمقدس لـيـلة أُسري به، وقد ذكرنا بعض ذلك فـي أوّل هذه السورة. وإنـما قُلنا ذلك أولـى بـالصواب، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن هذه الاَية إنـما نزلت فـي ذلك، وإياه عنى اللّه عزّ وجلّ بها، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: وما جعلنا رؤياك التـي أريناك لـيـلة أسرينا بك من مكة إلـى بـيت الـمقدس، إلاّ فتنة للناس: يقول: إلا بَلاء للناس الذين ارتدّوا عن الإسلام، لـمّا أُخبروا بـالرؤيا التـي رآها علـيه الصلاة والسلام، وللـمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تـماديا فـي غيهم، وكفرا إلـى كفرهم، كما: ١٦٩٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلاّ فِتْنَةً للنّاسِ. وأما قوله: والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيها، فقال بعضهم: هي شجرة الزّقّوم. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٤١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيـل، قال: حدثنا أبو عبـيدة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبـاس والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم. ١٦٩٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم. قال أبو جهل: أيخوّفنـي ابن أبـي كبشة بشجرة الزّقوم، ثم دعا بتـمر وزُبد، فجعل يقول: زقمنـي، فأنزل اللّه تعالـى طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِين وأنزل ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا. ١٦٩٤٣ـ حدثنـي أبو السائب ويعقوب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن عبـيد اللّه ، عن أبـي الضحى، عن مسروق والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزّقوم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الـحسن بن عبـيد اللّه ، عن أبـي الضحى، عن مسروق، مثله. ١٦٩٤٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ فإن قريشا كانوا يأكلون التـمر والزبد، ويقولون: تزقموا هذا الزقوم. قال أبو رجاء: فحدثنـي عبد القدّوس، عن الـحسن، قال: فوصفها اللّه لهم فـي الصافـات. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، قال: قال أبو جهل وكفـار أهل مكة: ألـيس من كذب ابن أبـي كبَشة أنه يوعدكم بنار تـحترق فـيها الـحجارة، ويزعم أنه ينبت فـيها شجرة؟ والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزّقوم. ١٦٩٤٥ـ حدثنـي عن عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن أبـي مالك، قال فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: هي شجرة الزقوم. ١٦٩٤٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن رجل يقال له بدر، عن عكرمة، قال: شجرة الزقوم. ١٦٩٤٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن فرات القزّار، قال: سُئل سعيد بن جبـير عن الشجرة الـملعونة، قال: شجرة الزقوم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشيـم، عن عبد الـملك العَزْرميّ، عن سعيد بن جبـير وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: شجرة الزقوم. ١٦٩٤٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، بـمثله. ١٦٩٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنـي الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن أبـي الـمَـحجل، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، أنه كان يحلف ما يستثنـي، أن الشجرة الـملعونة: شجرة الزقوم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن فُرات القزاز، قال: سألت سعيد بن جبـير، عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن، قال: شجرة الزّقوم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة عن ابن عبـاس ، قال: هي الزقوم. ١٦٩٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا وهي شجرة الزقوم، خوّف اللّه بها عبـاده، فـافتتنوا بذلك، حتـى قال قائلهم أبو جهل بن هشام: زعم صاحبكم هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر، وإنا واللّه ما نعلـم الزقوم إلاّ التـمر والزبد، فتزقموا، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى حين عجبوا أن يكون فـي النار شجرة: إِنّها شَجَرَةٌ تـخْرُجُ فـي أصْلِ الـجَحِيـمِ طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينِ، إنـي خـلقتها من النار، وعذّبت بها من شئت من عبـادي. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: الزقوم وذلك أن الـمشركين قالوا: يخبرنا هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر حتـى لا تدع منه شيئا، وذلك فتنة. ١٦٩٥١ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ قال: شجرة الزقوم. ١٦٩٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ الزقوم التـي سألوا اللّه أن يـملأ بـيوتهم منها. وقال: هي الصّرَفـان بـالزبد تتزقمه، والصرفـان: صنف من التـمر. قال: وقال أبو جهل: هي الصرفـان بـالزبد، وافتتنوا بها. وقال آخرون: هي الكَشُوث. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٥٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي فديك، عن ابن أبـي ذئب، عن مولـى بنـي هاشم حدثه، أن عبد اللّه بن الـحارث بن نوفل، أرسله إلـى ابن عبـاس ، يسأله عن الشجرة الـملعونة فـي القرآن؟ قال: هي هذه الشجرة التـي تلوي علـى الشجرة، وتـجعل فـي الـماء، يعني الكشوثـي. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب عندنا قول من قال: عنى بها شجرة الزقوم، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك. ونصبت الشجرة الـملعونة عطفـا بها علـى الرؤيا. فتأويـل الكلام إذن: وما جعلنا الرؤيا التـي أريناك، والشجرة الـملعونة فـي القرآن إلاّ فتنة للناس، فكانت فتنتهم فـي الرؤيا ما ذكرت من ارتداد من ارتدّ، وتـمادِي أهل الشرك فـي شركهم، حين أخبرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـما أراه اللّه فـي مسيره إلـى بـيت الـمقدس لـيـلة أُسريَ به. وكانت فتنتهم فـي الشجرة الـملعونة ما ذكرنا من قول أبـي جهل والـمشركين معه: يخبرنا مـحمد أن فـي النار شجرة نابتة، والنار تأكل الشجر فكيف تنبت فـيها؟ وقوله: ونُـخَوّفُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا يقول: ونـخوّف هؤلاء الـمشركين بـما نتوعدهم من العقوبـات والنكال، فما يزيدهم تـخويفنا إلاّ طغيانا كبـيرا، يقول: إلاّ تـماديا وغيا كبـيرا فـي كفرهم وذلك أنهم لـما خُوّفوا بـالنار التـي طعامهم فـيها الزقوم دعوا بـالتـمر والزبد، وقالوا: تزقموا من هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك وقد تقدّم ذكر بعض من قال ذلك، ونذكر بعض من بقـي: ١٦٩٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال قال ابن جريج وَالشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ قال: طلعها كأنه رءوس الشياطين، والشياطين ملعونون. قال والشّجَرَةَ الـمَلْعُونَةَ فِـي القُرآنِ لـما ذكرها زادهم افتتانا وطغيانا، قال اللّه تبـارك وتعالـى، ونـخوّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيانا كَبِـيرا. ٦١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: واذكر يا مـحمد تـمادي هؤلاء الـمشركين فـي غيهم وارتدادهم عتوّا علـى ربهم بتـخويفه إياهم تـحقـيقهم قول عدّوهم وعدوّ والدهم، حين أمره ربه بـالسجود له فعصاه وأبى السجود له، حسدا واستكبـارا لَئِنْ أخّرْتَنِ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَه إلاّ قَلِـيلاً وكيف صدّقوا ظنه فـيهم، وخالفوا أمر ربهم وطاعته، واتبعوا أمر عدوّهم وعدوّ والدهم. و يعني بقوله وَإذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ: واذكر إذ قلنا للـملائكة اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ فإنه استكبر وقال أأسْجُدَ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا يقول: لـمن خـلقته من طين فلـما حذفت (مِن) تعلّق به قوله خَـلَقْتَ فنصب، يفتـخر علـيه الـجاهل بأنه خُـلِق من نار، وخـلق آدم من طين. كما: ١٦٩٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: بعث ربّ العزّة تبـارك وتعالـى إبلـيس، فأخذ من أديـم الأرض، من عذبها وملـحها، فخـلق منه آدم، فكل شيء خُـلق من عذبها فهو صائر إلـى السعادة وإن كان ابن كافرين، وكلّ شيء خَـلقه من مِلـحها فهو صائر إلـى الشقاوة وإن كان ابن نبـيـين ومن ثم قال إبلـيس أأسْجُدُ لِـمَنْ خَـلَقْتَ طِينا: أي هذه الطينة أنا جئت بها، ومن ثم سُمّي آدم. لأنه خُـلق من أديـم الأرض. ٦٢وقوله: أرَأيْتَكَ هَذَا الّذِي كَرّمْتَ عَلـيّ يقول تعالـى ذكره: أرأيت هذا الذي كرّمته علـيّ، فأمرتنـي بـالسجود له، و يعني بذلك آدم لئِنْ أخرتّنِ أقسم عدوّ اللّه ، فقال لربه: لئن أخرت إهلاكي إلـى يوم القـيامة لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ علـيهم، ولأستأصلنهم، ولأستـميـلنهم. يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علـم أو غير ذلك، ومنه قول الشاعر: نَشْكُو إلَـيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْجَهْدا إلـى جَهْدٍ بنا فأضْعَفَتْواحْتَنَكَتْ أمْوَالَنا وجَلّفَتْ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تبـارك وتعالـى لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً قال: لأحتوينهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٩٥٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس ، قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قَلِـيلاً يقول: لأستولـينّ. ١٦٩٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله لأَحْتَنِكَنّ ذُرّيّتَهُ إلاّ قلـيلاً قال: لأضلنهم. وهذه الألفـاظ وإن اختلفت فإنها متقاربـات الـمعنى، لأن الاستـيلاء والاحتواء بـمعنى واحد، وإذا استولـى علـيهم فقد أضلهم. ٦٣الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ اللّه لِإِبْلِيسَ إِذْ قَالَ لَهُ {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٦٢] اذْهَبْ فَقَدْ أَخَّرْتُكَ، فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَطَاعَكَ، فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكَ وَجَزَاؤُهُمْ، يَقُولُ: ثَوَابُكَ [ص:٦٥٦] عَلَى دُعَائِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَثَوَابُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ إِيَّاكَ وَخِلَافِهِمْ أَمْرِي {جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: ٦٣] يَقُولُ: ثَوَابًا مَكْثُورًا مُكَمِّلًا. كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: ٦٣] عَذَابُ جَهَنَّمَ جَزَاؤُهُمْ، وَنِقْمَةٌ مِنَ اللّه مِنْ أَعْدَائِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا شَيْءٌ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: ٦٣] قَالَ: وَافِرًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {مَوْفُورًا} [الإسراء: ٦٣] قَالَ: وَافِرًا ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ... }. يقول تعالـى ذكره بقوله وَاسْتَفزِزْ واستـخفف واستـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِكَ. اختلف أهل التأويـل فـي الصوت الذي عناه جل ثناؤه بقوله وَاسْتَفْزِز مَ.نِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوتِك فقال بعضهم: عنى به: صوت الغناء واللعب. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٦١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله وَاسْتَفْزِز مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بـاللهو والغناء. حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر، عن مـجاهد، فـي قوله: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: اللعب واللهو. وقال آخرون: عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية اللّه . ذكر من قال ذلك: ١٦٩٦٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: صوته كلّ داع دعا إلـى معصية اللّه . ١٦٩٦٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ قال: بدعائك. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يقال: إن اللّه تبـارك وتعالـى قال لإبلـيس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولـم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إلـيه وإلـى عمله وطاعته، وخلافـا للدعاء إلـى طاعة اللّه ، فهو داخـل فـي معنى صوته الذي قال اللّه تبـارك وتعالـى اسمه له وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ. وقوله: وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلكَ يقول: وأجمع علـيهم من ركبـان جندك ومشاتهم من يجلب علـيها بـالدعاء إلـى طاعتك، والصرف عن طاعتـي. يقال منه: أجلب فلان علـى فلان إجلابـا: إذا صاح علـيه. والـجَلَبة: الصوت، وربـما قـيـل: ما هذا الـجَلَب، كما يقال: الغَلَبة والغَلَب، والشّفَقَة والشّفَق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، ذكر من قال ذلك: ١٦٩٦٤ـ حدثنـي سلـم بن جنادة، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال: كلّ راكب وماش فـي معاصي اللّه تعالـى. ١٦٩٦٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: إن له خيلاً ورجلاً من الـجنّ والإنس، وهم الذين يطيعونه. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ ورَجِلِكَ قال الرجال: الـمشاة. ١٦٩٦٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: خيـله: كل راكب فـي معصية اللّه ورجله: كل راجل فـي معصية اللّه . حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وأجْلِبْ عَلَـيْهِمْ بِخَيْـلِكَ وَرَجِلِكَ قال: ما كان من راكب يقاتل فـي معصية اللّه فهو من خيـل إبلـيس، وما كان من راجل فـي معصية اللّه فهو من رجال إبلـيس. والرجْل: جمع راجل، كما التـجْر: جمع تاجر، والصّحْب: جمع صاحب. وأما قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمشاركة التـي عنـيت بقوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفـاق أموالهم فـي غير طاعة اللّه واكتسابهموها من غير حلها. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٦٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهدوَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ التـي أصابوها من غير حلها. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ قال: ما أكل من مال بغير طاعة اللّه . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٦٩٦٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، قال: الشرك فـي أموال الربـا. ١٦٩٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: قد واللّه شاركهم فـي أموالهم، وأعطاهم اللّه أموالاً فأنفقوها فـي طاعة الشيطان فـي غير حقّ اللّه تبـارك اسمه، وهو قول قتادة. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الـحسن وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ مرهم أن يكسبوها من خبـيث، وينفقوها فـي حرام. ١٦٩٧٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: كلّ مال فـي معصية اللّه . ١٦٩٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأموال والأولاد، ما زَيّن لهم فـيها من معاصي اللّه حتـى ركبوها. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهدوَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ كلّ ما أنفقوا فـي غير حقه. وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك كلّ ما كان من تـحريـم الـمشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: الأموال: ما كانوا يحرّمون من أنعامهم. ١٦٩٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى، عن عمران بن سلـيـمان. عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، قال: مشاركته فـي الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيـلة لغير اللّه . ١٦٩٧٤ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ فإنه قد فعل ذلك أما فـي الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيـلة وحاما. قال أبو جعفر: الصواب: حاميا. وقال آخرون: بل عُنِـي به ما كان الـمشركون يذبحونه لاَلهتهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٧٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ يعني ما كانوا يذبحون لاَلهتهم. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى اللّه فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للاَلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصيا به أو فـيه، وذلك أن اللّه قال وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى اللّه فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض. وقوله: والأوْلادِ اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا. ١٦٩٧٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهدوشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ قال: أولاد الزنا. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا. ١٦٩٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: أولاد الزنا، يعني بذلك أهل الشرك. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: الأولاد: أولاد الزنا. وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٧٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام. وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولاد قال: قد واللّه شاركهم فـي أموالهم وأولادهم، فمـجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان. ١٦٩٨١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَال والأولادِ قال: قد فعل ذلك، أما فـي الأولاد فإنهم هوّدوهم ونصّروهم ومـجّسوهم. وقال آخرون: بل عنـي بذلك تسميتهم أولادهم عبد الـحرث وعبد شمس. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح عن ابن عبـاس وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ قال: مشاركته إياهم فـي الأولاد، سموا عبد الـحرث وعبد شمس وعبد فلان. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: كلّ ولد ولدته أنثى عصى اللّه بتسميته ما يكرهه اللّه ، أو بإدخاله فـي غير الدين الذي ارتضاه اللّه ، أو بـالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التـي يعصى اللّه بها بفعله به أو فـيه، فقد دخـل فـي مشاركة إبلـيس فـيه من ولد ذلك الـمولود له أو منه، لأن اللّه لـم يخصص بقوله وَشارِكْهُم فـي الأمْوَالِ والأولادِ معنى الشركة فـيه بـمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى اللّه فـيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فـيه، فهو مشاركة من عصى اللّه فـيه أو به إبلـيس فـيه. وقوله: وَعِدْهُم وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: وعد أتبـاعك من ذرّية آدم، النصرة علـى من أرادهم بسوء. يقول اللّه :وَما يَعِدُهُمْ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا لأنه لا يغنـي عنهم من عقاب اللّه إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته فـي بـاطل وخديعة، كما قال لهم عدوّ اللّه حين حصحص الـحقّ إنّ اللّه وَعَدَكُمْ وَعَدَ الـحَقّ وَوَعَدتُكُمْ فَأخْـلَفْتُكُمْ وَما كَانَ لِـي عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلاّ أنْ دَعَوْتُكْمْ فـاسْتَـجَبَتُـمْ لـي فَلا تَلُومُونِـي وَلُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِـمُصْرِخِكُمْ وَما أنْتُـمْ بِـمُصْرِخِيّ إنّـي كَفَرْتُ بِـمَا أشْرَكْتُـمُونِ مِنْ قَبْلُ. ٦٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىَ بِرَبّكَ وَكِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لإبلـيس: إن عبـادي الذين أطاعونـي. فـاتبعوا أمري وعصوك يا إبلـيس. لـيس لك علـيهم حجة. وقوله: وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وكفـاك يا مـحمد ربك حفـيظا، وقـيـما بأمرك. فـانقَدْ لأمره. وبلغ رسالاته هؤلاء الـمشركين. ولا تـخف أحدا، فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك، كما: ١٦٩٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفَـى بَرَبّكَ وَكِيلاً وعبـاده الـمؤمنون. وقال اللّه فـي آية أخرى إنّـما سُلْطانُهُ عَلـى الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ والّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. ٦٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رّبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }. يقول تعالـى ذكره للـمشركين به: ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن فـي البحر. فـيحملكم فـيها لَتْبتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ لتوصلوا بـالركوب فـيها إلـى أماكن تـجاراتكم ومطالبكم ومعايشكم، وتلتـمسون من رزقه إنّه كانَ بِكُمْ رَحِيـما يقول: إن اللّه كان بكم رحيـما حين أجرى لكم الفلك فـي البحر، تسهيلاً منه بذلك علـيكم التصرّف فـي طلب فضله فـي البلاد النائية التـي لولا تسهيـله ذلك لكم لصعب علـيكم الوصول إلـيها. وبنـحو ما قلنا فـي قوله: يُزْجِي لَكُمْ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٨٤ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ. عن ابن عبـاس . قوله: رَبّكُمُ الّذِي يُزْجِي لَكُمُ الفُلْكَ فـي البَحْرِ يقول: يجري الفلك. ١٦٩٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةرَبّكُمُ الّذِين يُزْجي لَكُمُ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يسيرها فـي البحر. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس رَبّكُمُ الّذِي يُزْجي لَكُمُ الفُلكَ فِـي البَحْرِ قال: يجري. ١٦٩٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: رَبّكُمْ الّذِي يُزْجي لَكُمْ الفُلْكَ فِـي البَحْرِ قال: يجريها. ٦٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّكُمُ الْضّرّ فِي الْبَحْرِ ضَلّ مَن تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً }. يقول تعالـى ذكره: وإذا نالتكم الشدّة والـجهد فـي البحر ضلّ من تدعون: يقول: فقد تـمّ من تدعون من دون اللّه من الأنداد والاَلهة، وجار عن طريقكم فلـم يغثكم، ولـم تـجدوا غير اللّه مغيثا يغيثكم دعوتـموه، فلـما دعوتـموه وأغاثكم، وأجاب دعاءكم ونـجاكم من هول ما كنتـم فـيه فـي البحر، أعرضتـم عما دعاكم إلـيه ربكم من خـلع الأنداد، والبراءة من الاَلهة، وإفراده بـالألوهة كفرا منكم بنعمته وكانَ الإنْسانُ كَفُورا يقول: وكان الإنسان إذا جحد لنعم ربه. ٦٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: أَفَأمنْتِـم أيها الناس من ربكم، وقد كفرتـم نعمته بتنـجيته إياكم من هول ما كنتـم فـيه فـي البحر، وعظيـم ما كنتـم قد أشرفتـم علـيه من الهلاك، فلـما نـجاكم وصرتـم إلـى البرّ كفرتـم، وأشركتـم فـي عبـادته غيره أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ يعني ناحية البرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَـيْكُمْ حاصِبـا يقول: أو يـمطركم حجارة من السماء تقتلكم، كما فعل بقوم لوط ثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ وَكيلاً يقول: ثم لا تـجدوا لكم ما يقوم بـالـمدافعة عنكم من عذابه وما يـمنعكم منه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفأمِنْتُـمْ أن يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَـيْكُمْ حاصِبـا يقول: حجارة من السماء ثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً: أي منعة ولا ناصرا. ١٦٩٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: أفأمِنْتُـمْ أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسلَ عَلَـيْكُمْ حاصِبـا قال: مطر الـحجارة إذا خرجتـم من البحر. وكان بعض أهل العربـية يوجه تأويـل قوله أوْ يُرْسلَ عَلَـيْكُمْ حاصِبـا إلـى: أو يرسل علـيكم ريحا عاصفـا تـحصب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر: مُسْتَقْبِلـينَ شَمالَ الشّامِ تَضْرِبُنابِحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ وأصل الـحاصب: الريح تـحصب بـالـحصبـاء الأرض فـيها الرمل والـحصى الصغار. يقال فـي الكلام: حصب فلان فلانا: إذا رماه بـالـحصبـاء. وإنـما وُصفت الريح بأنها تـحصب لرميها الناس بذلك، كما قال الأخطل: ولَقَدْ عَلـمْتُ إذَا العِشارُ تَرَوّحَتْهُدْجَ الرّئالِ تَكبّهُنّ شَمالاً تَرْمي العضاَهُ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْـجهاحتـى يَبِـيتَ عَلـى العِضَاهِ جِفـالا ٦٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىَ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مّنَ الرّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }. يقول تعالـى ذكره: أم أمنتـم أيها القوم من ربكم، وقد كفرتـم به بعد إنعامه علـيكم، النعمة التـي قد علـمتـم أن يعيدكم فـي البحر تارة أخرى: يقول: مرّة أخرى، والهاء التـي فـي قوله (فـيه) من ذكر البحر. كما: ١٦٩٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةأنْ يُعيدَكُمْ فِـيهِ تارَةً أُخْرَى: أي فـي البحر مرّة أخرى فَـيُرْسلَ عَلَـيْكُمْ قاصِفـا مِنَ الرّيحِ وهي التـي تقصف ما مرّت به فتـحطمه وتدقه، من قولهم: قصف فلان ظهر فلان: إذا كسره فَـيُغْرِقَكُمْ بِـمَا كَفَرتُـمْ يقول: فـيغرقكم اللّه بهذه الريح القاصف بـما كفرتـم، يقول: بكفركم به ثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ عَلَـيْنا بِهِ تَبِـيعا يقول: ثم لا تـجدوا لكم علـينا تابعا يتبعنا بـما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم. وقـيـل: تبـيعا فـي موضع التابع، كما قـيـل: علـيـم فـيـموضع عالـم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دين أو غيره: تبـيع. ومنه قول الشاعر: عَدَوْا وَعَدَتْ غِزْلانُهُمْ فَكأنّهَاضَوَامنُ غُرْمٍ لَزّهُنّ تَبِـيعُ وبنـحو الذي قلنا فـي القاصف والتبـيع، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٩٠ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: فَـيُرْسِلَ عَلَـيْكُمْ قَاصِفـا مِنَ الرّيحِ يقول: عاصفـا. ١٦٩٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : قاصفـا التـي تُغْرق. ١٦٩٩٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: ثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ عَلَـيْنا بِهِ تَبِـيعا يقول نصيرا. ١٦٩٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال مـحمد: ثائرا، وقال الـحرث: نصيرا ثائرا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ عَلَـيْنا بِهِ تَبِـيعا قال: ثائرا. ١٦٩٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ عَلَـيْنا بِهِ تَبِـيعا أي لا نـخاف أن نتبع بشيء من ذلك. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةثُمّ لا تَـجِدُوا لَكُمْ عَلَـيْنا بِهِ تَبِـيعا يقول: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك. والتارة: جمعه تارات وتـير، وأفعلت منه: أترت. ٧٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ كَرّمْنا بَنِـي آدَمَ بتسلـيطنا إياهم علـى غيرهم من الـخـلق، وتسخيرنا سائر الـخـلق لهم وَحَملْناهُمْ فِـي البَرّ علـى ظهور الدوابّ والـمراكب و فـي البَحْرِ فـي الفلك التـي سخرناها لهم وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: من طيبـات الـمطاعم والـمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها وَفَضّلْناهم عَلـى كَثِـيرٍ مِـمّنْ خَـلَقْنا تَفْضِيلاً ذكر لنا أن ذلك تـمكنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها ورفعها بها إلـى أفواههم، وذلك غير متـيسر لغيرهم من الـخـلق، كما: ١٦٩٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله وَلَقَدْ كَرّمْنا بَنِـي آدم... الاَية، قال: وَفَضّلْناهُمْ فـي الـيدين يأكل بهما، ويعمل بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك. ١٦٩٩٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلـم، فـي قوله: وَلَقَدْ كَرّمْنا بَنِـي آدَمَ قال: قالت الـملائكة: يا ربنا إنك أعطيت بنـي آدم الدنـيا يأكلون منها، ويتنعّمون، ولـم تعطنا ذلك، فأعطناه فـي الاَخرة فقال: وعزّتـي لا أجعل ذرّية من خـلقت بـيدي، كمن قلت له كن فكان. ٧١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـَئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }. اختلفت أهل التأويـل فـي معنى الإمام الذي ذكر اللّه جل ثناؤه أنه يدعو كلّ أناس به، فقال بعضهم: هو نبـيه، ومن كان يقتدي به فـي الدنـيا ويأتـمّ به. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٩٧ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهديَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال: نبـيهم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهديَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال: نبـيهم. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بِإمامِهِمْ قال: نبـيهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله. ١٦٩٩٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةكُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال: نبـيهم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يدعوهم بكتب أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك: ١٦٩٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ قال: الإمام: ما عمل وأملـى، فكتب علـيه، فمن بعث متقـيا لله جعل كتابه بـيـمينه، فقرأه واستبشر، ولـم يظلـم فتـيلاً، وهو مثل قوله: وإنّهُما لَبِإمامٍ مُبِـينٍ والإمام: ما أملـى وعمل. ١٧٠٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسِ بإمامِهِمْ قال: بأعمالهم. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الـحسن: بكتابهم الذي فـيه أعمالهم. ١٧٠٠١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ يقول: بكتابهم. ١٧٠٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: بأعمالهم. وقال آخرون: بل معناه: يوم ندعو كلّ أناس بكتابهم الذي أنزلت علـيهم فـيه أمري ونهيـي. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت يحيى بن زيد فـي قول اللّه عزّ وجلّ يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامهِمْ قال: بكتابهم الذي أنزل علـيهم فـيه أمر اللّه ونهيه وفرائضه، والذي علـيه يحاسبون، وقرأ: لِكُلَ جَعَلنا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا قال: الشرعة: الدين، والـمنهاج: السنة، وقرأ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحا قال: فنوح أوّلهم، وأنت آخرهم. ١٧٠٠٤ـ حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهديَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامِهِمْ بكتابهم. وأولـى هذه الأقوال عندنا بـالصواب، قول من قال: معنى ذلك: يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به، ويأتـمّون به فـي الدنـيا، لأن الأغلب من استعمال العرب الإمام فـيـما ائتـمّ واقتدي به، وتوجيه معانـي كلام اللّه إلـى الأَشهر أَوْلـى ما لـم تثبت حجة بخلافه يجب التسلـيـم لها. وقوله: فَمَنْ أُوتِـيَ كِتابَهُ بِـيَـمِينَهِ يقول: فمن أعطي كتاب عمله بـيـمينه فَأُولَئِكَ يَقَرَءُونَ كِتابَهُمْ ذلك حتـى يعرفوا جميع ما فـيه وَلا يُظلَـمُونَ فَتِـيلاً يقول تعالـى ذكره: ولا يظلـمهم اللّه من جزاء أعمالهم فتـيلاً، وهو الـمنفتل الذي فـي شقّ بطن النواة. وقد مضى البـيان عن الفَتـيـل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. ١٧٠٠٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله وَلا يُظلَـمُونَ فَتِـيلاً قال: الذي فـي شقّ النواة. ٧٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن كَانَ فِي هَـَذِهِ أَعْمَىَ فَهُوَ فِي الاَخِرَةِ أَعْمَىَ وَأَضَلّ سَبِيلاً }. اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أشير إلـيه بقوله (هذه) ، فقال بعضهم: أشير بذلك إلـى النعم التـي عدّدها تعالـى ذكره ب قوله: وَلَقَدْ كَرّمنا بَنِـي آدَمَ وَحَملناهُمْ فِـي البَرّ والبَحرِ وَرَزَقناهُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ وَفَضّلناهُمْ علـى كَثِـيرٍ مِـمّنْ خَـلَقْنا تَفَضِيلاً فقال: وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعمَى فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى وأضَلّ سَبِـيلاً. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٠٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن مـحمد بن أبـي موسى، قال: سئل عن هذه الاَية وَمَنْ كانَ فِـي هذِهِ أعمَى فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعمَى وأضَلّ سَبِـيلاً فقال: قال وَلَقد كَرّمنا بَنِـي آدَمَ وَحَمَلناهُمْ فِـي البَرّ والبَحرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ وَفَضّلْناهُمْ علـى كَثِـيرٍ مِـمّنْ خَـلَقْنا تَفْضِيلاً قال: من عمي عن شكر هذه النعم فـي الدنـيا، فهو فـي الاَخرة أعمى وأضلّ سبـيلاً. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن كان فـي هذه الدنـيا أعمى عن قدرة اللّه فـيها وحججه، فهو فـي الاَخرة أعمى. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٠٧ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى يقول: من عمي عن قُدرة اللّه فـي الدنـيا فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى. ١٧٠٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي هَذِهِ أعْمَى قال: الدنـيا. ١٧٠٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى يقول: من كان فـي هذه الدنـيا أعمى عما عاين فـيها من نعم اللّه وخـلقه وعجائبه فَهُوَ فِـي الاَخَرَةِ أعْمَى وأضَلّ سَبِـيلاً فـيـما يغيب عنه من أمر الاَخرة وأعمى. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى فـي الدنـيا فـيـما أراه اللّه من آياته من خـلق السموات والأرض والـجبـال والنـجوم فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ الغائبة التـي لـم يرها أعْمى وأضَلّ سَبِـيلاً. ١٧٠١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسئل عن قول اللّه تعالـى وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى وأضَلّ سَبِـيلاً فقرأ: إنّ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ لاَياتٍ للْـمُؤْمِنِـينَ وفِـي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ. وقرأ: وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ إذَا أنْتُـمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وقرأ حتـى بلغ: وَلَهُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ كُلّ لَهُ قانِتُونَ قال: كلّ له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كانت فـي هذه الاَيات التـي يعرف أنها منا، ويشهد علـيها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى، فهو فـي الاَخرة التـي لـم يرها أعمى وأضلّ سبـيلاً. وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ومن كان فـي هذه الدنـيا أعمى عن حجج اللّه علـى أنه الـمنفرد بخـلقها وتدبـيرها، وتصريف ما فـيها، فهو فـي أمر الاَخرة التـي لـم يرها ولـم يعاينها، وفـيـما هو كائن فـيها أعمى وأضلّ سبـيلاً: يقول: وأضلّ طريقا منه فـي أمر الدنـيا التـي قد عاينها ورآها. وإنـما قلنا: ذلك أولـى تأويلاته بـالصواب، لأن اللّه تعالـى ذكره لـم يخصص فـي قوله وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ الدنـيا أعْمَى عمى الكافر به عن بعض حججه علـيه فـيها دون بعض، فـيوجه ذلك إلـى عماه عن نعمه بـما أنعم به علـيه من تكريـمه بنـي آدم، وحمله إياهم فـي البرّ والبحر، وما عدّد فـي الاَية التـي ذكر فـيها نعمه علـيهم، بل عمّ بـالـخبر عن عماه فـي الدنـيا، فهم كما عمّ تعالـى ذكره. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى فكسرت القَرأَةُ جميعا أعنـي الـحرف الأوّل قوله وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى. وأما قوله فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى فإن عامة قرّاء الكوفـيـين أمالت أيضا قوله: فَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى. وأما بعض قرّاء البصرة فإنه فتـحه، وتأوّله بـمعنى: فهو فـي الاَخرة أشدّ عمى. واستشهد لصحة قراءته ب قوله: وأضَلّ سَبِـيلاً. وهذه القراءة هي أَوْلـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب للشاهد الذي ذكرنا عن قارئه كذلك، وإنـما كره من كره قراءته كذلك ظنا منه أن ذلك مقصود به قصد عمى العينـين الذي لا يوصف أحد بأنه أعمى من آخر أعمى، إذ كان عمى البصر لا يتفـاوت، فـيكون أحدهما أزيد عمى من الاَخر، إلا بإدخال أشدّ أو أبـين، فلـيس الأمر فـي ذلك كذلك. وإنـما قلنا: ذلك من عمى القلب الذي يقع فـيه التفـاوت، فإنـما عُنِـي به عمى قلوب الكفـار، عن حجج اللّه التـي قد عاينتها أبصارهم، فلذلك جاز ذلك وحسُن. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧٠١١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدفَهُوَ فِـي الاَخِرَةِ أعْمَى قال: أعمى عن حجته فـي الاَخرة. ٧٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاّتّخَذُوكَ خَلِيلاً }. اختلف أهل التأويـل فـي الفتنة التـي كاد الـمشركون أن يفتنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها عن الذي أوحى اللّه إلـيه إلـى غيره فقال بعضهم: ذلك الإلـمام بـالاَلهة، لأن الـمشركين دعوه إلـى ذلك، فهمّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٧٠١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّي، من جعفر، عن سعيد، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستلـم الـحجر الأسود، فمنعته قريش، وقالوا: لا نَدَعُه حتـى يـلـم بآلهتنا، فحدّث نفسه، وقال: (ما عَلَـيّ أنْ أُلـمّ بِها بَعْدَ أنْ يَدَعُونِـي أسْتَلِـمُ الـحَجَرَ، وَاللّه يَعْلَـمُ أنّـي لَهَا كارِهٌ) ، فَأَبَى اللّه ، فَأنْزَلَ اللّه : وإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَنِ الّذِي أَوْحَيْنا إلَـيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غيرَهُ الاَية. ١٧٠١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كدْتَ تَرْكَن إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً ذكر لنا أن قريشا خـلوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات لـيـلة إلـى الصبح يكلـمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه، وكان فـي قولهم أن قالوا: إنك تأتـي بشيء لا يأتـي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا، فما زالوا يكلّـمونه حتـى كاد أن يقارفهم ثم منعه اللّه وعصمه من ذلك، فقال: وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةلِتَفْتَرِيَ عَلَـيْنا غيرَهُ قال: أطافوا به لـيـلة، فقالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، فأرادوه علـى بعض ما يريدون فهمّ أن يقارفَهُمْ فـي بعض ما يريدون، ثم عصمه اللّه ، فذلك قوله: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً الذي أرادوا فهمّ أن يقارفهم فـيه. ١٧٠١٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: قالوا له: ائت آلهتنا فـامْسَسْها، فذلك قوله: شَيْئا قلـيلاً. وقال آخرون: إنـما كان ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم همّ أن يُنِظر قوما بإسلامهم إلـى مدة سألوه الإنظار إلـيها. ذكر من قال ذلك: ١٧٠١٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَفْتِنُونَكَ عَن الّذي أوْحَيْنا إلَـيْكَ لِتَفْتَري عَلَـيْنا غيرَهُ وإذا لاتّـخَذوكَ خَـلِـيلاً وذلك أن ثقـيفـا كانوا قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: يا رسول لله أَجّلنا سنة حتـى يُهْدَى لاَلهتنا، فإذا قبضنا الذي يُهْدى لاَلهتنا أخذناه، ثم أسلـمنا وكسرنا الاَلهة، فهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجّلهم، فقال اللّه : وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كَدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن نبـيه صلى اللّه عليه وسلم، أن الـمشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه اللّه إلـيه لـيعمل بغيره، وذلك هو الافتراء علـى اللّه وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يـمسّ آلهتهم، ويـلـمّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكر عن ابن عبـاس من أمر ثقـيف، ومسألتهم إياه ما سألواه مـما ذكرنا وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بـيان فـي الكتاب ولا فـي خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فـيه موجود علـى ما ذكرنا، فلا شيء فـيه أصوب من الإيـمان بظاهره، حتـى يأتـي خبر يجب التسلـيـم له ببـيان ما عُنِـي بذلك منه. وقوله: وَإذا لاتّـخَذُوكَ خَـلِـيلاً يقول تعالـى ذكره: ولو فعلت ما دَعَوْك إلـيه من الفتنة عن الذي أوحينا إلـيك لاتـخذوك إذا لأنفسهم خـلـيلاً، وكنت لهم وكانوا لك أولـياء. ٧٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: ولولا أن ثبّتناك يا مـحمد بعصمتنا إياك عما دعاك إلـيه هؤلاء الـمشركون من الفتنة لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً يقول: لقد كدت تـميـل إلـيهم وتطمئنّ شيئا قلـيلاً، وذلك ما كان صلى اللّه عليه وسلم همّ به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما ذكر حين نزلت هذه الاَية، ما: ١٧٠١٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة، فـي قوله وَلَوْلا أنْ ثَبّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنْ إلَـيْهِمْ شَيْئا قَلِـيلاً فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تَكِلْنِـي إلـى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ) . ٧٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً }. يقول تعالـى ذكره: لو ركنت إلـى هؤلاء الـمشركين يا مـحمد شيئا قلـيلاً فـيـما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الـحياة، وضعف عذاب الـمـمات. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧٠١٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الـحَياةِ وَضِعْفَ الـمَـماتِ يعني : ضعف عذاب الدنـيا والاَخرة. ١٧٠١٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه :ضِعْفَ الـحَياةِ قال: عذابها وَضِعْفَ الـمَـماتِ قال: عذاب الاَخرة. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧٠١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الـحَياة وَضِعْفَ الـمَـماتِ: أي عذاب الدنـيا والاَخرة. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ضِعْفَ الـحَياةِ وضِعْفَ الـمَـمَاتِ قال: عذاب الدنـيا وعذاب الاَخرة. ١٧٠٢٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله ضِعْفَ الـحَياةِ وَضِعْفَ الـمَـماتِ يعني عذاب الدنـيا وعذاب الاَخرة. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول فـي قوله: إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الـحَياةِ مختصر، كقولك: ضعف عذاب الـحياة وَضِعْفَ الـمَـماتِ فهما عذابـان، عذاب الـمـمات به ضوعف عذاب الـحياة. وقوله ثُمّ لا تَـجِدُ لَكَ عَلَـيْنا نَصِيرا يقول: ثم لا تـجد لك يا مـحمد إن نـحن أذقناك لركونك إلـى هؤلاء الـمشركين لو ركنت إلـيهم، عذاب الـحياة وعذاب الـمـمات علـينا نصيرا ينصرك علـينا، ويـمنعك من عذابك، وينقذك مـما نالك منا من عقوبة. ٧٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً }. يقول عزّ وجلّ: وإن كاد هؤلاء القوم لـيستفزونك من الأرض: يقول: لـيستـخفونك من الأرض التـي أنت بها لـيخرجوك منها وَإذا لا يَـلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: ولو أخرجوك منها لـم يـلبثوا بعدك فـيها إلاّ قلـيلاً، حتـى أهلكهم بعذاب عاجل. واختلف أهل التأويـل فـي الذين كادوا أن يستفزّوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيخرجوه من الأرض وفـي الأرض التـي أرادوا أن يخرجوه منها فقال بعضهم: الذين كادوا أن يستفزّوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذلك الـيهود، والأرض التـي أرادوا أن يخرجوه منها الـمدينة. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٢١ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: زعم حضرميّ أنه بلغه أن بعض الـيهود قال للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إن أرض الأنبـياء أرض الشام، وإن هذه لـيست بأرض الأنبـياء، فأنزل اللّه وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها. وقال آخرون: بل كان القوم الذين فعلوا ذلك قريشا، والأرض مكة. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذا لا يَـلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاّ قَلِـيلاً وقد همّ أهل مكة بإخراج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من مكة، ولو فعلوا ذلك لـما توطنوا، ولكن اللّه كفهم عن إخراجه حتـى أمره، ولقلـما مع ذلك لبثوا بعد خروج نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة حتـى بعث اللّه علـيهم القتل يوم بدر. حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةلَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ قال: قد فعلوا بعد ذلك، فأهلكهم اللّه يوم بدر، ولـم يـلبثوا بعده إلاّ قلـيلاً حتـى أهلكهم اللّه يوم بدر. وكذلك كانت سنّة اللّه فـي الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. ١٧٠٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدخِلافَكَ إلاّ قَلِـيلاً قال: لو أخرجت قريش مـحمدا لعذّبوا بذلك. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب، قول قتادة ومـجاهد، وذلك أن قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ فـي سياق خبر اللّه عزّ وجلّ عن قريش وذكره إياهم، ولـم يجر للـيهود قبل ذلك ذكر، فـيوجه قوله وَإنْ كادُوا إلـى أنه خبر عنهم، فهو بأن يكون خبرا عمن جرى له ذكر أولـى من غيره. وأما القلـيـل الذي استثناه اللّه جلّ ذكره فـي قوله وإذا لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً فإنه فـيـما قـيـل، ما بـين خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلـى أن قتل اللّه من قتل من مشركيهم ببدر. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وإذا لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً يعني بـالقلـيـل يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القلـيـل الذي لبثوا بعد. ١٧٠٢٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإذا لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً كان القلـيـل الذي لبثوا بعد خروج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من بـين أظهرهم إلـى بدر، فأخذهم بـالعذاب يوم بدر، وعُنِـي بقوله خلافك بعدك، كما قال الشاعر: عَقَبَ الرّذَاذُ خِلافَها فكأنّـمَابسَط الشّواطِبُ بَـيْنَهُنّ حَصِيرا يعني ب قوله: خلافها: بعدها. وقد حُكي عن بعضهم أنه كان يقرؤها: خـلفك. ومعنى ذلك، ومعنى الـخلاف فـي هذا الـموضع واحد. ٧٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى{سُنّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنّتِنَا تَحْوِيلاً }. يقول تعالـى ذكره: لو أخرجوك لـم يـلبثوا خلافك إلاّ قلـيلاً، ولأهلكناهم بعذاب من عندنا، سنتنا فـيـمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا، فإنا كذلك كنا نفعل بـالأمـم إذا أخرجت رسلها من بـين أظهرهم ونصبت السنة علـى الـخروج من معنى قوله لا يَـلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاّ قَلِـيلاً لأن معنى ذلك: لعذّبناهم بعد قلـيـل كسنتنا فـي أمـم من أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تـجد لسنتنا تـحويلاً عما جرت به. كما: ١٧٠٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سُنّةَ مَنْ قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَـجِدُ لِسُنّتِنا تَـحْوِيلاً: أي سنة الأمـم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذّبوا رسلهم وأخرجوهم، لـم يناظروا أن اللّه أنزل علـيهم عذابه. ٧٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى{أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَىَ غَسَقِ الْلّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: أقِمِ الصّلاةَ يا مـحمد لِدُلُوكِ الشّمْسِ. واختلف أهل التأويـل فـي الوقت الذي عناه اللّه بدلوك الشمس، فقال بعضهم: هو وقت غروبها، والصلاة التـي أمر بإقامتها حينئذٍ: صلاة الـمغرب. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٢٧ـ حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى الأسدي، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن أبـي إسحاق، يعني الشيبـانـي، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبـيه، أنه كان مع عبد اللّه بن مسعود، علـى سطح حين غربت الشمس، فقرأ: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَق اللّـيـل، حتـى فرغ من الاَية، ثم قال: والذي نفسي بـيده إن هذا لَـحِينَ دَلَكَتِ الشمس وأفطر الصائم ووقت الصلاة. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، أن أبـا عُبـيدة بن عبد اللّه كتب إلـيه أن عبد اللّه بن مسعود كان إذا غربت الشمس صلّـى الـمغرب، ويفطر عندها إن كان صائما، ويقسم علـيها يـمينا ما يقسمه علـى شيء من الصلوات بـاللّه الذي لا إله إلاّ هو، إن هذه الساعة لـميقات هذه الصلاة، ويقرأ فـيها تفسيرها من كتاب اللّه أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكَ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن عاصم، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه قال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق اللـيـل، وأشار إلـى الـمشرق والـمغرب. ١٧٠٢٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: قال ابن عبـاس : دلوك الشمس: غروبها، يقول: دلكت براح. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبـي إسحاق، عن الأسود، عن عبد اللّه ، أنه قال: حين غربت الشمس دلكت، يعني براح مكانا. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس ، قال: دلوكها: غروبها. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: قد ذكر لنا أن ابن مسعود كان يصلـيها إذا وجبت وعندها يفطر إذا كان صائما، ثم يقسم علـيها قسما لا يقسمه علـى شيء من الصلوات بـاللّه الذي لا إله إلاّ هو، إن هذه الساعة لـميقات هذه الصلاة، ثم يقرأ ويصلـيها وتصديقها من كتاب اللّه : أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ. ١٧٠٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ قال: كان أبـي يقول: دلوكها: حين تريد الشمس تغرب إلـى أن يغسق اللـيـل، قال: هي الـمغرب حين يغسق اللـيـل، وتَدلُك الشمس للغروب. حدثنـي سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، سمع عمرو بن دينار أبـا عبـيدة بن عبد اللّه بن مسعود يقول: كان عبد اللّه بن مسعود يصلـي الـمغرب حين يغرب حاجب الشمس، ويحلف أنه الوقت الذي قال اللّه أقِمِ الصّلاةَ لدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: قال عبد اللّه حين غربت الشمس: هذا واللّه الذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة. وقال: دلوكها: غروبها. وقال آخرون: دلوك الشمس: ميـلها للزوال، والصلاة التـي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإقامتها عند دلوكها: الظهر. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللّه ، قال: دلوكها: ميـلها، يعني الشمس. ١٧٠٣١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، عن ابن عبـاس ، قال، فـي قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْس قال: دلوكها: زوالها. ١٧٠٣٢ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عبد الـحميد بن جعفر، عن نافع، عن ابن عمر، فـي قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ قال: دلوكها: ميـلها. ١٧٠٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن سيار بن سلامة، عن أبـي برزة الأسلـميّ، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ قال: إذا زالت. حدثنا ابن حميد مرة أخرى، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، قال: حدثنا سيار بن سلامة الرياحي، قال: أتـيت أبـا برزة فسأله والدي عن مواقـيت صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلـي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ. ١٧٠٣٤ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا مبـارك، عن الـحسن، قال: قال اللّه عزّ وجلّ لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلمأقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ قال: الظهر دلوكها، إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها فـي الأرض فَـيْء. حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله أقِمِ الصّلاةَ لدُلُوكِ الشّمْسِ قال: دلوكها: زوالها. ١٧٠٣٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثل ذلك. ١٧٠٣٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن أبـي جعفر فـي أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ قال: لزوال الشمس. حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن ابن عبـاس ، قال دلوك الشمس: زيغها بعد نصف النهار، يعني الظلّ. ١٧٠٣٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: دلوك الشمس، قال: حين تزيغ عن بطن السماء. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ أي إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر. ١٧٠٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدلِدُلُوكِ الشّمْسِ قال: حين تزيغ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: دلوك الشمس: حين تزيغ. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عنى بقوله أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ: صلاة الظهر، وذلك أن الدلوك فـي كلام العرب: الـميـل، يقال منه: دلك فلان إلـى كذا: إذا مال إلـيه. ومنه الـخبر الذي روي عن الـحسن أن رجلاً قال له: أيُدالك الرجل امرأته؟ يعني بذلك: أيـميـل بها إلـى الـمـماطلة بحقها. ومنه قول الراجز: هَذَا مَقامُ قَدَميْ رَبـاحِغُدْوَةَ حتـى دَلَكَتْ بِرَاحِ ويروى: براح بفتـح البـاء، فمن روى ذلك: بِراح، بكسر البـاء، فإنه يعني : أنه يضع الناظر كفه علـى حاجبه من شعاعها، لـينظر ما لقـي من غيارها. وهذا تفسير أهل الغريب أبـي عبـيدة والأصمعي وأبـي عمرو الشيبـانـيّ وغيرهم. وقد ذكرت فـي الـخبر الذي رويت عن عبد اللّه بن مسعود، أنه قال حين غربت الشمس: دلكت براح، يعني : براح مكانا، ولست أدري هذا التفسير، أعنـي قوله: براح مكانا مِنْ كلام من هو مـمن فـي الإسناد، أو من كلام عبد اللّه ، فإن يكن من كلام عبد اللّه ، فلا شكّ أنه كان أعلـم بذلك من أهل الغريب الذين ذكرت قولهم، وأن الصواب فـي ذلك قوله، دون قولهم، وإن لـم يكن من كلام عبد اللّه ، فإن أهل العربـية كانوا أعلـم بذلك منه، ولـما قال أهل الغريب فـي ذلك شاهد من قول العجاج، وهو قوله: والشّمْسُ قد كادَتْ تَكُونُ دَنَفـاأدْفَعُها بـالرّاحِ كَيْ تَزَحْلَفـا فأخبر أنه يدفع شعاعها لـينظر إلـى مغيبها براحه. ومن روى ذلك بفتـح البـاء، فإنه جعله اسما للشمس وكسر الـحاء لإخراجه إياه علـى تقدير قَطامِ وحَذامِ ورَقاشِ، فإذا كان معنى الدلوك فـي كلام العرب هو الـميـل، فلا شكَ أن الشمس إذا زالت عن كبد السماء، فقد مالت للغروب، وذلك وقت صلاة الظهر، وبذلك ورد الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان فـي إسناد بعضه بعض النظر. ١٧٠٣٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: ثنـي مـحمد بن جعفر، قال: ثنـي يحيى بن سعيد، قال: ثنـي أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن أبـي مسعود عقبة بن عمرو، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أتانِـي جَبْرَائِيـلُ عَلَـيْهِ السّلامُ لِدُولُوكِ الشّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَصَلّـى بِـيَ الظّهْرَ) . ١٧٠٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، قال: ثنـي سيار بن سلامة الرياحي، قال: قال أبو بَرزة: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلـي الظهر إذا زالت الشمس، ثم تلا أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ. ١٧٠٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن رجل، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: دعوت نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن شاء من أصحابه، فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: (اخْرُجْ يا أبـا بَكْرٍ قَدْ دَلَكَتِ الشّمْسُ) . حدثنـي مـحمد بن عثمان الرازي، قال: حدثنا سهل بن بكار، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأسود بن قـيس، عن نُبَـيح العَنَزِيّ، عن جابر بن عبد اللّه ، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، نـحو حديث ابن حميد. فإذا كان صحيحا ما قلنا بـالذي به استشهدنا، فبـين إذن أن معنى قوله جلّ ثناؤه: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ أن صلاة الظهر والعصر بحدودهما مـما أوجب اللّه علـيك فـيهما لأنهما الصلاتان اللتان فرضهما اللّه علـى نبـيه من وقت دلوك الشمس إلـى غسق اللـيـل وغسق اللـيـل: هو إقبـاله ودنوّه بظلامه، كما قال الشاعر: (آبَ هَذَا اللّـيْـلُ إذْ غَسَقَا ) وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي الصلاة التـي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإقامتها عنده، فقال بعضهم: الصلاة التـي أمر بإقامتها عنده صلاة الـمغرب. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله أقِمِ الصّلاةَ لِدِلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ قال: غسق اللـيـل: بدوّ اللـيـل. ١٧٠٤٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سمعت عكرمة سئل عن هذه الاَية: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ قال: بدوّ اللـيـل. ١٧٠٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: غسق اللـيـل: غروب الشمس. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧٠٤٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةغَسَقِ اللّـيْـلِ: صلاة الـمغرب. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ بدوّ اللـيـل لصلاة الـمغرب. وقد ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (لا تَزَالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمّتِـي عَلـى الفِطْرَةِ ما صَلّوْا صَلاةَ الـمَغْرِبِ قَبْلَ أنْ تَبْدُوَ النّـجومُ) . ١٧٠٤٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله إلـى غَسَقٍ اللّـيْـلِ يعني ظلام اللـيـل. ١٧٠٤٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان أبـي يقول: غَسَقِ اللّـيْـلِ: ظلـمة اللـيـل. وقال آخرون: هي صلاة العصر. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٤٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن أبـي جعفر إلـى غَسَقِ اللّـيْـلِ قال: صلاة العصر. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب، قول من قال: الصلاة التـي أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بإقامتها عند غسق اللـيـل، هي صلاة الـمغرب دون غيرها، لأن غسق اللـيـل هو ما وصفنا من إقبـال اللـيـل وظلامه، وذلك لا يكون إلا بعد مغيب الشمس. فأما صلاة العصر، فإنها مـما تقام بـين ابتداء دلوك الشمس إلـى غسق اللـيـل، لا عند غسق اللـيـل. وأما قوله: وقُرآنَ الفَجْرِ فإن معناه وأقم قرآن الفجر: أي ما تقرأ به صلاة الفجر من القرآن، والقرآن معطوف علـى الصلاة فـي قوله: أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: نصب قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ علـى الإغراء، كأنه قال: وعلـيك قرآن الفجر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا يقول: إن ما تقرأ به فـي صلاة الفجر من القرآن كان مشهودا، يشهده فـيـما ذكر ملائكة اللـيـل وملائكة النهار. وبـالذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل: وجاءت الاَثار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٤٩ـ حدثنـي عبـيد بن أسبـاط بن مـحمد القرشي، قال: ثنـي أبـي، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن ابن مسعود عن أبـي صالـح، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي هذه الاَية وقُرآنَ الفَجْرِ إن قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: (تَشْهَدُهُ مَلائِكَةُ اللّـيْـلِ وَمَلائِكَةُ النّهارِ) . ١٧٠٥٠ـ حدثنا مـحمد بن سهل، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا لـيث بن سعد وحدثنا مـحمد بن سهل بن عسكر، قال حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: حدثنا اللـيث بن سعد، عن زيادة بن مـحمد، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبـيد، عن أبـي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه يَفْتَـحُ الذّكْرَ فِـي ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقَـينَ مِنَ اللّـيْـلِ: فِـي السّاعَةِ الأُولـى مِنْهُنّ يَنْظُرُ فِـي الكِتابِ الّذِي لا يَنْظُرُ فِـيهِ أحدٌ غيرُه فَـيَـمْـحُوا ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ، ثُمّ يَنْزِلُ فِـي السّاعَةِ الثّانِـيَةِ إلـى جَنّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الّتِـي لَـمْ تَرَها عَيْنٌ، وَلا تَـخْطُرُ عَلـى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلا يَسْكُنُ مَعَهُ مِنْ بَنِـي آدَمَ غيرُ ثَلاثَةٍ: النّبِـيّـينَ والصّدّيقِـينَ والشّهَدَاءِ، ثُمّ يَقولُ: طُوبَى لِـمَنْ دَخَـلَكِ، ثُمّ يَنْزِلُ فِـي السّاعَةِ الثّالِثَةِ إلـى السمّاءِ الدّنـيْا بِرُوحِهِ وَمَلائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ، فَـ يَقُولُ: قُومي بَعوْنِـي، ثُمّ يَطّلعُ إلـى عِبـادِهِ، فَـ يَقُولُ: مَنْ يَسْتَغْفِرُنِـي أغْفِرْ لَهُ، مَنْ يَسْألْنِـي أُعْطِهِ، مَنْ يَدْعُونِـي فَأسْتَـجِيبَ لَهُ حتـى يَطْلُعَ الفَجْرُ، فذلك حين يقول وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا) قال موسى فـي حديثه: شهده اللّه وملائكة اللـيـل وملائكة النهار. وقال ابن عسكر فـي حديثه: فـيشهده اللّه وملائكة اللـيـل وملائكة النهار. ١٧٠٥١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، قال: قال أبو عبـيدة بن عبد اللّه : كان عبد اللّه يحدّث أن صلاة الفجر عندها يجتـمع الـحرسان من ملائكة اللّه ، ويقرأ هذه الاَية: وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا. ١٧٠٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا وقرآن الفجر: صلاة الصبح، كنا نـحدّث أن عندها يجتـمع الـحَرَسان من ملائكة اللّه حَرَس: اللـيـل وحَرَس النهار. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَقُرآنَ الفَجْرِ صلاة الفجر. وأما قوله: كانَ مَشْهُودا فإنه يقول: ملائكة اللـيـل وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة. ١٧٠٥٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه أنه قال فـي هذه الاَية: وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: تنزل ملائكة النهار وتصعد ملائكة اللـيـل. حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار بن عبد اللّه بن أبـي الهُذيـل، عن أبـي عبـيدة، فـي قوله: وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: يشهده حرس اللـيـل وحرس النهار من الـملائكة فـي صلاة الفجر. ١٧٠٥٤ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: كانوا يقولون تـجتـمع ملائكة اللـيـل وملائكة النهار فـي صلاة الفجر فتشهد فـيها جميعا، ثم يصعد هؤلاء ويقـيـم هؤلاء.
١٧٠٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا يعني صلاة الصبح. ١٧٠٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدوَقرآنَ الفَجْرِ قال: صلاة الصبح. ١٧٠٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَقُرآنَ الفَجْرِ صلاة الصبح إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: تـجتـمع فـي صلاة الفجر ملائكة اللـيـل وملائكة النهار. ١٧٠٥٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ يعني صلاة الغداة. ١٧٠٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَقُرآنَ الفَجْرِ قال: صلاة الفجر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: مشهودا من الـملائكة فـيـما يذكرون. قال: وكان علـيّ بن أبـي طالب، وأُبـيّ بن كعب يقولان: الصلاة الوسطى التـي حضّ اللّه علـيها: صلاة الصبح. قال: وذلك أن صلاة الظهر وصلاة العصر: صلاتا النهار، والـمغرب والعشاء: صلاتا اللـيـل، وهي بـينها، وهي صلاة نوم، ما نعمل صلاة يُغفل عنها مثلها. ١٧٠٦٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن الـجريري، عن أبـي الورد بن ثمامة، عن أبـي مـحمد الـحضرمي، قال: حدثنا كعب فـي هذا الـمسجد، قال: والذي نفس كعب بـيده، إن هذه الاَية وَقُرآنَ الفَجْر إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا إنها لصلاة الفجر إنها لـمشهودة. حدثنـي الـحسن بن علـيّ بن عبـاس، قال: حدثنا بشر بن شعيب، قال: أخبرنـي أبـي، عن الزهري، قال: ثنـي سعيد بن الـمسيب، وأبو سلـمة بن عبد الرحمن، أن أبـا هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (تَـجْتَـمِعُ مَلائِكَةُ اللّـيْـلِ وَمَلائِكَةُ النّهارِ فِـي صَلاةِ الفَجْرِ) ، ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتـم وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآن الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله وَقُرآنَ الفَجْرِ إنّ قُرآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودا قال: صلاة الفجر تـجتـمع فـيها ملائكة اللـيـل وملائكة النهار. ٧٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ومن اللـيـل فـاسهر بعد نومة يا مـحمد بـالقرآن، نافلة لك خالصة دون أمتك. والتهجد: التـيقظ والسهر بعد نومة من اللـيـل. وأما الهجود نفسه: فـالنوم، كما قال الشاعر: ألا طَرَقْتَنا والرّفـاقُ هُجُودُفَبـاتَتْ بِعُلاّتِ النّوَالِ تَـجُودُ وقال الـحُطَيئة: ألا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وُصحْبَتِـيبِحَوْرَانَ حَوَرَانِ الـجُنُودِ هُجُودُ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٦١ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث، عن اللـيث، عن مـجاهد بن يزيد، عن أبـي هلال، عن الأعرج أنه قال: أخبرنـي حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن رجل من الأنصار، أنه كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي سفر، فقال: لأنظرنّ كيف يصلـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم استـيقظ، فرفع رأسه إلـى السماء، فتلا أربع آيات من آخر سورة آل عمران إنّ فِـي خَـلْقٍ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَاخْتِلافِ اللّـيْـلِ والنّهارِ حتـى مرّ بـالأربع، ثم أهوى إلـى القربة، فأخذ سواكا فـاستنّ به، ثم توضأ، ثم صلـى، ثم نام، ثم استـيقظ فصنع كصنعه أوّل مرّة، ويزعمون أنه التهجد الذي أمره اللّه . ١٧٠٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سعيد، عن أبـي إسحاق، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن علقمة والأسود أنهما قالا: التهجد بعد نومة. ١٧٠٦٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: التهجد: بعد نومة. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: ثنـي أبو إسحاق، عن مـحمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن علقمة والأسود، بـمثله. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، قال: التهجد: بعد النوم. ١٧٠٦٤ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن هشام، عن الـحسن، قال: التهجد: ما كان بعد العشاء الاَخرة. ١٧٠٦٥ـ حُدثت عن عبد اللّه بن صالـح، عن اللـيث، عن جعفر بن ربـيعة، عن الأعرج، عن كثـير بن العبـاس، عن الـحجاج بن عمرو، قال: إنـما التهجد بعد رقدة. وأما قوله نافِلَةً لَكَ فإنه يقول: نفلاً لك عن فرائضك التـي فرضتها علـيك. واختُلف فـي الـمعنى الذي من أجله خصّ بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مع كون صلاة كلّ مصلّ بعد هجوده، إذا كان قبل هجوده قد كان أدّى فرائضه نافلة نفلاً، إذ كانت غير واجبة علـيه، فقال بعضهم: معنى خصوصه بذلك: هو أنها كانت فريضة علـيه، وهي لغيره تطوّع، و قـيـل له: أقمها نافلة لك: أي فضلاً لك من الفرائض التـي فرضتها علـيك عما فرضت علـى غيرك. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَمِنَ اللّـيْـلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ يعني بـالنافلة أنها للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة، أُمر بقـيام اللـيـل وكُتب علـيه. وقال آخرون: بل قـيـل ذلك له علـيه الصلاة والسلام لأنه لـم يكن فعله ذلك يكفّر عنه شيئا من الذنوب، لأن اللّه تعالـى كان قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فكان له نافلة فضل، فأما غيره فهو له كفـارة، ولـيس هو له نافلة. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٦٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قال: النافلة للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة من أجل أنه قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فما عمل من عمل سوى الـمكتوبة، فهو نافلة من أجل أنه لا يعمل ذلك فـي كفـارة الذنوب، فهي نوافل وزيادة، والناس يعملون ما سوى الـمكتوبة لذنوبهم فـي كفـارتها، فلـيست للناس نوافل. وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك، القول الذي ذكرنا عن ابن عبـاس ، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان اللّه تعالـى قد خصه بـما فرض علـيه من قـيام اللـيـل، دون سائر أمته. فأما ما ذكر عن مـجاهد فـي ذلك، فقول لا معنى له، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما ذُكِر عنه أكثر ما كان استغفـارا لذنوبه بعد نزول قول اللّه عزّ وجلّ علـيه لِـيَغْفِرَ لَكَ اللّه ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ وذلك أن هذه السورة أنزلت علـيه بعد مُنْصَرِفَه من الـحديبـية، وأنزل علـيه إذَا جاءَ نَصْرُ اللّه وَالفَتْـحُ عام قبض. وقـيـل له فـيها فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابـا فكان يُعدّ له صلى اللّه عليه وسلمفـي الـمـجلس الواحد استغفـار مئة مرّة، ومعلوم أن اللّه لـم يأمره أن يستغفر إلا لـما يغفر له بـاستغفـاره ذلك، فبـين إذن وجه فساد ما قاله مـجاهد. ١٧٠٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، عن شمر، عن عطية، عن شهر، عن أبـي أُمامة، قال: إنـما كانت النافلة للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة. ١٧٠٦٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةنافِلَةً لَكَ قال: تطوّعا وفضيـلة لك. وقوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمودا وعسى من اللّه واجبة، وإنـما وجه قول أهل العلـم: عسى من اللّه واجبة، لعلـم الـمؤمنـين أن اللّه لا يدع أن يفعل بعبـاده ما أطمعهم فـيه من الـجزاء علـى أعمالهم والعوض علـى طاعتهم إياه لـيس من صفته الغرور، ولا شكّ أنه قد أطمع من قال ذلك له فـي نفعه، إذا هو تعاهده ولزمه، فإن لزم الـمقول له ذلك وتعاهده ثم لـم ينفعه، ولا سبب يحول بـينه وبـين نفعه إياه مع الأطماع الذي تقدم منه لصاحبه علـى تعاهده إياه ولزومه، فإنه لصاحبه غارّ بـما كان من إخلافه إياه فـيـما كان أطمعه فـيه بقوله الذي قال له. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير جائز أن يكون جل ثناؤه من صفته الغرور لعبـاده صحّ ووجب أن كلّ ما أطمعهم فـيه من طمع علـى طاعته، أو علـى فعل من الأفعال، أو أمر أو نهى أمرهم به، أو نهاهم عنه، فإنه موف لهم به، وإنهم منه كالعدة التـي لا يخـلف الوفـاء بها، قالوا: عسى ولعلّ من اللّه واجبة. وتأويـل الكلام: أقم الصلاة الـمفروضة يا مـحمد فـي هذه الأوقات التـي أمرتك بإقامتها فـيها، ومن اللـيـل فتهجد فرضا فرضته علـيك، لعلّ ربك يبعثك يوم القـيامة مقاما تقوم فـيه مـحمودا تـحمده، وتغبط فـيه. ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك الـمقام الـمـحمود، فقال أكثر أهل العلـم: ذلك هو الـمقام الذي هو يقومه صلى اللّه عليه وسلم يوم القـيامة للشفـاعة للناس لـيريحهم ربهم من عظيـم ما هم فـيه من شدّة ذلك الـيوم. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٧٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن صلة بن زُفَر، عن حُذيفة، قال: يجمع الناس فـي صعيد واحد، فـيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حُفـاة عراة كما خُـلقوا، قـياما لا تكلّـم نفس إلا بإذنه، ينادَى: يا مـحمد، فـ يقول: (لبـيك وسعديك والـخير فـي يديك، والشرّ لـيس إلـيك، والـمهديّ من هَدَيت، عبدك بـين يديك، وبك وإلـيك، لا ملـجأ ولا منـجا منك إلا إلـيك، تبـارك وتعالـيت، سبحانك ربّ هذا البـيت) فهذا الـمقام الـمـحمود الذي ذكره اللّه تعالـى. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن صلة بن زُفر، عن حُذيفة، قال: يُجْمع الناس فـي صعيد واحد. فلا تَكَلّـم نفس، فأوّل ما يدعو مـحمد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـيقوم مـحمد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فـ يقول: (لبـيك) ، ثم ذكر مثله. ١٧٠٧١ـ حدثنا سلـيـمان بن عمرو بن خالد الرقـي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبـيه عن ابن عبـاس ، قوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمودا قال: الـمقام الـمـحمود: مقام الشفـاعة. ١٧٠٧٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـمة بن كهيـل، قال: حدثنا أبو الزعراء، عن عبد اللّه فـي قصة ذكرها، قال: ثم يؤمر بـالصراط فـيضرب علـى جسر جهنـم، فـيـمرّ الناس بقدر أعمالهم يـمرّ أوّلهم كالبرق، وكمرّ الريح، وكمرّ الطير، وكأسرع البهائم، ثم كذلك حتـى يـمرّ الرجل سعيا، ثم مشيا، حتـى يجيء آخرهم يتلبّط علـى بطنه، فـ يقول: ربّ لـما أبطأت بـي، فـ يقول: إنـي لـم أبطأ بك، إنـما أبطأ بك عملك، قال: ثم يأذن اللّه فـي الشفـاعة، فـيكون أوّل شافع يوم القـيامة جبرئيـل علـيه السلام، روح القُدس، ثم إبراهيـم خـلـيـل الرحمن، ثم موسى، أو عيسى، قال أبو الزعراء: لا أدري أيهما قال قال: ثم يقوم نبـيكم علـيه الصلاة والسلام رابعا، فلا يشفع أحد بعده فـيـما يشفع فـيه، وهو الـمقام الـمـحمود الذي ذكر اللّه عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمودا. ١٧٠٧٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن عوف، عن الـحسن فـي قول اللّه تعالـى وَمِنَ اللّـيْـلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَك رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا قال: الـمقام الـمـحمود: مقام الشفـاعة يوم القـيامة. ١٧٠٧٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى: مَقاما مَـحْمُودا قال: شفـاعة مـحمد يوم القـيامة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧٠٧٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبـي عثمان، عن سلـيـمان، قال: هو الشفـاعة، يشفعه اللّه فـي أمته، فهو الـمقام الـمـحمود. ١٧٠٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا، وقد ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلمخُيّر بـين أن يكون نبـيا عبدا، أو ملكا نبـيا، فأومأ إلـيه جبرئيـل علـيه السلام: أن تَوَاضَعْ، فـاختار نبـيّ اللّه أن يكون عبدا نبـيا، فأُعْطِي به نبـيّ اللّه ثنتـين: إنه أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل شافع. وكان أهل العلـم يَرَوْن أنه الـمقام الـمـحمود الذي قال اللّه تبـارك وتعالـى عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا شفـاعة يوم القـيامة. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةمَقاما مَـحْمُودا قال: هي الشفـاعة، يشفّعه اللّه فـي أمته. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر والثوريّ، عن أبـي إسحاق، عن صلة بن زُفَر، قال: سمعت حُذيفة يقول فـي قوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا قال: يجمع اللّه الناس فـي صعيد واحد حيث يُسمعهم الداعي، فَـيْنَفُذُهم البصرُ حُفـاة عُراة، كما خُـلِقوا سكوتا لا تكلّـم نفس إلا بإذنه، قال: فـينادَى مـحمد، فـ يقول: لَبّـيك وسَعْديك، والـخيرُ فـي يديك، والشرّ لـيس إلـيك، والـمهديّ من هَدَيْت، وعبدُك بـين يديك، ولك وإلـيك، لا مْلـجَأَ ولا منـجَى منك إلا إلـيك، تبـاركت وتعالـيت، سبحانك ربّ البـيت، قال: فذلك الـمقامُ الـمـحمودُ الذي ذكر اللّه عَسَى أنْ يْبَعَثَكَ رَبّكَ مَقامَا مَـحْمُودا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن أبـي إسحاق، عن صلة بن زُفَر، قال حُذيفة: يجمع اللّه الناس فـي صعيد واحد، حيث يَنْفُذُهم البصر، ويُسْمعهم الداعي، حُفـاة عُراة كما خُـلقوا أوّل مرّة، ثم يقوم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـ يقول: (لبـيك وسعديك) ، ثم ذكر نـحوه، إلا أنه قال: هو الـمقام الـمـحمود. وقال آخرون: بل ذلك الـمقام الـمـحمود الذي وعد اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يبعثه إياه، هو أن يقاعده معه علـى عرشه. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٧٧ـ حدثنا عبـاد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا قال: يُجْلسه معه علـى عرشه. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ما صحّ به الـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وذلك ما: ١٧٠٧٨ـ حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن داود بن يزيد، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمعَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمودا سُئل عنها، قال: (هِيَ الشّفـاعَةُ) . ١٧٠٧٩ـ حدثنا علـيّ بن حرب، قال: حدثنا مَكّيّ بن إبراهيـم، قال: حدثنا داود بن يزيد الأَوْدِيّ، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي قوله: عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا قال: (هو الـمقام الذي أشفع فـيه لأمتـي) . ١٧٠٨٠ـ حدثنا أبو عُتبة الـحِمْصِيّ أحمد بن الفَرَج، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، عن الزّبـيديّ، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (يُحشَرُ النّاسُ يَوْمَ القِـيامَةِ، فَأكُونُ أنا وأُمّتِـي علـى تَلَ، فَـيَكْسُونِـي رَبّـي حُلّةً خَضْراءَ، ثُمّ يُؤْذَنَ لِـي، فأقُولُ ما شاءَ اللّه أنْ أقُولَ، فَذَلِكَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ) . ١٧٠٨١ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا شعيب بن اللـيث، قال: ثنـي اللـيث، عن عبـيد اللّه بن أبـي جعفر، أنه قال: سمعت حمزة بن عبد اللّه بن عمر يقول: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ الشّمْسَ لَتَدْنُو حتـى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَـيْنَـما هُمْ كَذلِكَ اسْتَغاثُوا بآدَمَ عَلَـيْهِ السّلامُ، فَـ يَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذلكَ، ثُمّ بِـمُوسَى عَلَـيْهِ السّلامُ، فَـيَقُولُ كَذلكَ ثُمّ بِـمُـحَمّدٍ فَـيَشْفَعُ بـينَ الـخَـلْقِ فَـيَـمْشِي حتـى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الـجَنّةِ، فَـيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللّه مَقاما مَـحْمُودا) . ١٧٠٨٢ـ حدثنـي أبو زيد عمر بن شَبّة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيـل، قال: حدثنا سعيد بن زيد، عن علـيّ بن الـحكم، قال: ثنـي عثمان، عن إبراهيـم، عن الأسود وعلقمة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّـي لأَقُومُ الـمَقامَ الـمَـحْمُودَ) فقال رجل: يا رسول اللّه ، وما ذلك الـمقام الـمـحمود؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ذَاكَ إذَا جِيءَ بِكُمْ حُفـاةً عُرَاةً غُرْلاً فَـيَكُونُ أوّلَ مَنْ يُكْسَى إبْراهِيـمُ عَلَـيْهِ السّلامُ، فَـيُؤْتَـى برِيطَتْـينِ بَـيْضَاوَيْنِ، فَـيَـلْبَسُهُما، ثُمّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ العَرْشِ، ثُمّ أوَتـى بكِسْوتَـي فألْبَسُها، فَأقُومُ عَنْ يَـمِينِهِ مَقاما لا يَقُومُهُ غَيرِي يَغْبِطُنِـي فِـيهِ الأوّلُونَ والاَخِرُونَ، ثُمّ يُفْتَـحُ نَهْرٌ مِنَ الكَوْثَرِ إلـى الـحَوْضِ) . ١٧٠٨٣ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، عن علـيّ بن الـحسين، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذَا كانَ يَوْمَ القِـيامَةِ مَدّ اللّه الأرْضُ مَدّ الأدِيـمِ حتـى لا يَكُونَ لِبَشِرٍ مِنَ النّاسِ إلاّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ) ، قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (فَأكُونُ أوّلَ مَنْ يُدْعَى وَجَبْرَئِيـلُ عَنْ يَـمِينِ الرّحْمَنِ، واللّه ما رآهُ قَبْلَها، فَأقُولُ: أيّ ربّ إنّ هَذَا أخْبَرَنِـي أنّكَ أرْسَلْتَهُ إلـيّ، فَـيَقول اللّه عزّ وجلّ: صَدَقَ، ثُمّ أشْفَعُ، قال: فَهُوَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ) . حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن علـيّ بن الـحسين، قال: قال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ) ، فذكر نـحوه، وزاد فـيه: (ثُمّ أشْفَعُ فَأقُولُ: يا ربّ عِبـادُكَ عَبَدُوكَ فـي أطْرافِ الأرْضِ، وَهُوَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ) . ١٧٠٨٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا إبراهيـم بن طهمان، عن آدم، عن علـيّ، قال: سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يحشرون يوم القـيامة، فـيجيء مع كلّ نبـيّ أمته، ثم يجيء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي آخر الأمـم هو وأمته، فـيرقـى هو وأمته علـى كَوم فوق الناس، فـ يقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، فما زال يردّها بعضهم علـى بعض يرجع ذلك إلـيه، وهو الـمقام الـمـحمود الذي وعده اللّه إياه. حدثنا مـحمد بن عوف، قال: حدثنا حَيْوة وربـيع، قالا: حدثنا مـحمد بن حرب، عن الزبـيديّ، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القِـيامَةِ فَأكُونُ أنا وأمّتِـي علـى تَلّ، فَـيَكْسُونِـي رَبّـي عَزّ وَجَلّ حُلّةً خَضْرَاءَ، ثُمّ يُؤْذَنُ لـيَ فأقُولُ ما شاءَ اللّه أنْ أقُولَ، فذلكَ الـمَقامُ الـمَـحْمُودُ) . وهذا وإن كان هو الصحيح من القول فـي تأويـل قوله عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَـحْمُودا لـما ذكرنا من الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مـجاهد من أن اللّه يُقعد مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم علـى عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتـحل الإسلام إنـما اختلفوا فـي معنى ذلك علـى أوجه ثلاثة: فقالت فرقة منهم: اللّه عزّ وجلّ بـائن من خـلقه كان قبل خـلقه الأشياء، ثم خـلق الأشياء فلـم يـماسّها، وهو كما لـم يزل، غير أن الأشياء التـي خـلقها، إذ لـم يكن هو لها مـماسا، وجب أن يكون لها مبـاينا، إذ لا فعال للأشياء إلا وهو مـماسّ للأجسام أو مبـاين لها. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه عزّ وجلّ فـاعل الأشياء، ولـم يجز فـي قولهم: إنه يوصف بأنه مـماسّ للأشياء، وجب بزعمهم أنه لها مبـاين، فعلـى مذهب هؤلاء سواء أقعد مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم علـى عرشه، أو علـى الأرض إذ كان من قولهم إن بـينونته من عرشه، وبـينونته من أرضه بـمعنى واحد فـي أنه بـائن منهما كلـيهما، غير مـماسّ لواحد منهما. وقالت فرقة أخرى: كان اللّه تعالـى ذكره قبل خـلقه الأشياء، لا شيء يـماسه، ولا شيء يبـاينه، ثم خـلق الأشياء فأقامها بقدرته، وهو كما لـم يزل قبل الأشياء خـلقه لا شيء يـماسه ولا شيء يبـاينه، فعلـى قول هؤلاء أيضا سواء أقعد مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم علـى عرشه، أو علـى أرضه، إذ كان سواء علـى قولهم عرشه وأرضه فـي أنه لا مـماس ولا مبـاين لهذا، كما أنه لا مـماس ولا مبـاين لهذه. وقالت فرقة أخرى: كان اللّه عزّ ذكره قبل خـلقه الأشياء لا شيء يـماسه، ولا شيء يبـاينه، ثم أحدث الأشياء وخـلقها، فخـلق لنفسه عرشا استوى علـيه جالسا، وصار له مـماسا، كما أنه قد كان قبل خـلقه الأشياء لا شيء يرزقه رزقا، ولا شيء يحرمه ذلك، ثم خـلق الأشياء فرزق هذا وحرم هذا، وأعطى هذا، ومنع هذا، قالوا: فكذلك كان قبل خـلقه الأشياء يـماسه ولا يبـاينه، وخـلق الأشياء فماس العرش بجلوسه علـيه دون سائر خـلقه، فهو مـماس ما شاء من خـلقه، ومبـاين ما شاء منه، فعلـى مذهب هؤلاء أيضا سواء أقعد مـحمدا علـى عرشه، أو أقعده علـى منبر من نور، إذ كان من قولهم: إن جلوس الربّ علـى عرشه، لـيس بجلوس يشغل جميع العرش، ولا فـي إقعاد مـحمد صلى اللّه عليه وسلم موجبـا له صفة الربوبـية، ولا مخرجه من صفة العبودية لربه، كما أن مبـاينة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ما كان مبـاينا له من الأشياء غير موجبة له صفة الربوبـية، ولا مخرجته من صفة العبودية لربه من أجل أنه موصوف بأنه له مبـاين، كما أن اللّه عزّ وجلّ موصوف علـى قول قائل هذه الـمقالة بأنه مبـاين لها، هو مبـاين له. قالوا: فإذا كان معنى مبـاين ومبـاين لا يوجب لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم الـخروج من صفة العبودة والدخول فـي معنى الربوبـية، فكذلك لا يوجب له ذلك قعوده علـى عرش الرحمن، فقد تبـين إذا بـما قُلنا أنه غير مـحال فـي قول أحد مـمن ينتـحل الإسلام ما قاله مـجاهد من أن اللّه تبـارك وتعالـى يُقْعِد مـحمدا علـى عرشه. فإن قال قائل: فإنا لا ننكر إقعادا اللّه مـحمدا علـى عرشه، وإنـما ننكر إقعاده. ١٧٠٨٥ـ حدثنـي عبـاس بن عبد العظيـم، قال: حدثنا يحيى بن كثـير، عن الـجَريريّ، عن سيف السّدُوسيّ، عن عبد اللّه بن سلام، قال: إن مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم يوم القـيامة علـى كرسيّ الربّ بـين يدي الربّ تبـارك وتعالـى، وإنـما ينكر إقعاده إياه معه. قـيـل: أفجائز عندك أن يقعده علـيه لا معه. فإن أجاز ذلك صار إلـى الإقرار بأنه إما معه، أو إلـى أنه يقعده، واللّه للعرش مبـاين، أو لا مـماسّ ولا مبـاين، وبأيّ ذلك قال كان منه دخولاً فـي بعض ما كان ينكره وإن قال ذلك غير جائز كان منه خروجا من قول جميع الفرق التـي حكينا قولهم، وذلك فراق لقول جميع من ينتـحل الإسلام، إذ كان لا قول فـي ذلك إلا الأقوال الثلاثة التـي حكيناها، وغير مـحال فـي قول منها ما قال مـجاهد فـي ذلك. ٨٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُل رّبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لّي مِن لّدُنْكَ سُلْطَاناً نّصِيراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه: وقل يا مـحمد يا ربّ أدخـلنـي مدخـل صدق. واختلف أهل التأويـل فـي معنى مُدْخـل الصدق الذي أمره اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يرغب إلـيه فـي أن يدخـله إياه، وفـي مخرج الصدق الذي أمره أن يرغب إلـيه فـي أن يخرجه إياه، فقال بعضهم: عَنَى بـمُدْخـل الصّدق: مُدْخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمدينة، حين هاجر إلـيها، ومُخْرج الصدق: مُخْرجه من مكة، حين خرج منها مهاجرا إلـى الـمدينة.ذكر من قال ذلك: ١٧٠٨٦ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن قابوس بن أبـي ظَبْـيان، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـمكة، ثم أمر بـالهجرة، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى اسمه وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا. ١٧٠٨٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، عن عوف عن الـحسن، فـي قول اللّه :أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال: كفـار أهل مكة لـما ائتـمروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيقتلوه، أو يطردوه، أو يُوثِقوه، وأراد اللّه قتال أهل مكة، فأمره أن يخرج إلـى الـمدينة، فهو الذي قال اللّه أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقِ. ١٧٠٨٨ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن مَعْمر، عن قتادةمُدْخَـلَ صِدْقٍ قال: الـمدينة وَمُخْرَجَ صِدْقٍ قال: مكة. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ أخرجه اللّه من مكة إلـى الهجرة بـالـمدينة. ١٧٠٨٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال: الـمدينة حين هاجر إلـيها، ومخرج صدق: مكة حين خرج منها مخرج صدق، قال ذلك حين خرج مهاجرا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقل ربّ أمتنـي إماتة صِدْق، وأخرجنـي بعد الـمـمات من قبري يوم القـيامة مُخْرَج صدق. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ... الاَية، قال: يعني بـالإدخال: الـموت، والإخراج: الـحياة بعد الـمـمات. وقال آخرون: بل عَنَى بذلك: أدخـلنـي فـي أمرك الذي أرسلتنـي من النبوّة مُدْخَـل صدق، وأخرجنـي منه مُخْرَج صدق. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدأدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ قال: فـيـما أرسلتنـي به من أمرك وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ قال كذلك أيضا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، بنـحوه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخـلنـي مدخـل صدق: الـجنة، وأخرجنـي مخرج صدق: من مكة إلـى الـمدينة. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال الـحسن: أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ الـجنة ومُخْرَجَ صِدْقٍ من مكة إلـى الـمدينة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخـلنـي فـي الإسلام مُدْخـل صدق. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٣ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا ابن نـمير، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قوله: رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ قال: أدخـلنـي فـي الإسلام مدخـل صدق وأخْرِجْنِـي منه مُخْرَجَ صِدْقٍ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أدخـلنـي مكة آمنا، وأخرجنـي منها آمنا. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك قال فـي قوله: رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني مكة، دخـل فـيها آمنا، وخرج منها آمنا. وأشبه هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وأدخـلنـي الـمدينة مُدْخـل صدق، وأخرجنـي من مكة مُخْرج صدق. وإنـما قلنا ذلك أولـى بتأويـل الاَية، لأن ذلك عقـيب قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِن الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وإذا لا يَـلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إلاّ قَلِـيلاً. وقد دللنا فـيـما مضى، علـى أنه عنى بذلك أهل مكة فإذ كان ذلك عقـيب خبر اللّه عما كان الـمشركون أرادوا من استفزازهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لـيخرجوه عن مكة، كان بـيّنا، إذ كان اللّه قد أخرجه منها، أن قوله: وَقُلْ رَبّ أدْخِـلْنِـي مُدْخَـلَ صِدْقٍ وأخْرِجْنِـي مُخْرَجَ صِدْقٍ أمر منه له بـالرغبة إلـيه فـي أن يخرجه من البلدة التـي هم الـمشركون بإخراجه منها مخرج صدق، وأن يدخـله البلدة التـي نقله اللّه إلـيها مدخـل صدق. وقوله: وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: واجعل لـي ملكا ناصرا ينصرنـي علـى من ناوأنـي، وعِزّا أقـيـم به دينك، وأدفع به عنه من أراده بسوء. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، عن عوف، عن الـحسن، في قول اللّه عز وجل: وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا يُوعِده لَـيَنْزِعَنّ مُلك فـارس، وعزّ فـارس، ولـيجعلنه له، وعزّ الرّوم، ومُلك الروم، ولـيجعلنه له. ١٧٠٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَاجْعَلْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا وإن نبـيّ اللّه علـم أن لا طاقةَ له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب اللّه عزّ وجلّ، ولـحدود اللّه ، ولفرائض اللّه ، ولإقامة دين اللّه ، وإن السلطان رحمة من اللّه جعلها بـين أظهر عبـاده، لولا ذلك لأغار بعضهم علـى بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم. وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك حجة بـينة. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه عزّ وجلّ سُلْطانا نَصِيرا قال: حجة بـينة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك أمر من اللّه تعالـى نبـيه بـالرغبة إلـيه فـي أن يؤتـيه سلطانا نصيرا له علـى من بغاه وكاده، وحاول منعه من إقامته فرائض اللّه فـي نفسه وعبـاده. وإنـما قلت ذلك أولـى بـالصواب، لأن ذلك عقـيب خبر اللّه عما كان الـمشركون هموا به من إخراجه من مكة، فأعلـمه عزّ وجلّ أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بـالعذاب عن قريب، ثم أمره بـالرغبة إلـيه فـي إخراجه من بـين أظهرهم إخراج صدق يحاوله علـيهم، ويدخـله بلدة غيرها، بـمدخـل صدق يحاوله علـيهم ولأهلها فـي دخولها إلـيها، وأن يجعل له سلطانا نصيرا علـى أهل البلدة التـي أخرجه أهلها منها، وعلـى كلّ من كان لهم شبـيها، وإذا أوتـي ذلك، فقد أوتـي لا شكّ حجة بـينة. وأما قوله: نَصِيرا فإن ابن زيد كان يقول فـيه، نـحو قولنا الذي قلنا فـيه. ١٧٠٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاجْعَلَ لِـي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانا نَصِيرا قال: ينصرنـي، وقد قال اللّه لـموسى سَنَشُدّ عَضُدَكَ بأخِيكَ وَنـجْعَلُ لَكُما سُلْطانا فَلا يَصِلُونَ إلَـيكُما بآياتنا هذا مقدّم ومؤخّر، إنـما هو سلطان بآياتنا فلا يصلون إلـيكما. ٨١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُلْ جَآءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }. يقول تعالـى ذكره: وقل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين الذين كادوا أن يستفزّونك من الأرض لـيخرجوك منها: جاءَ الـحَقّ وَزَهَقَ البـاطِلُ. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحقّ الذي أمر اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يُعْلـم الـمشركين أنه قد جاء، والبـاطل الذي أمره أن يعلـمهم أنه قد زَهَق، فقال بعضهم: الـحقّ: هو القرآن فـي هذا الـموضع، والبـاطل: هو الشيطان. ذكر من قال ذلك: ١٧٠٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقُلْ جاءَ الـحَقّ قال: الـحقّ: القرآن وَزَهَقَ البـاطِلُ إنّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَقُلْ جاءَ الـحَقّ قال: القرآن: وَزَهَقَ البـاطِلُ قال: هلك البـاطل وهو الشيطان. وقال آخرون: بل عُنِـي بـالـحقّ جهاد الـمشركين وبـالبـاطل الشرك. ذكر من قال ذلك: ١٧١٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: وَقُلْ جاءَ الـحَقّ قال: دنا القتال وَزَهَقَ البـاطِلُ قال: الشرك وما هم فـيه. ١٧١٠١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، عن أبـي معمر، عن ابن مسعود، قال: دخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة، وحول البـيت ثلاثُ مئة وستون صنـما، فجعل يطعنها و يقول: جاءَ الـحَقّ وَزَهَقَ البـاطِلُ إنّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقا. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: أمر اللّه تبـارك وتعالـى نبـيه علـيه الصلاة والسلام أن يخبر الـمشركين أن الـحقّ قد جاء، وهو كلّ ما كان لله فـيه رضا وطاعة، وأن البـاطل قد زهق: يقول: وذهب كلّ ما كان لا رضا لله فـيه ولا طاعة مـما هو له معصية وللشيطان طاعة، وذلك أن الـحقّ هو كلّ ما خالف طاعة إبلـيس، وأن البـاطل: هو كلّ ما وافق طاعته، ولـم يخصص اللّه عزّ ذكره بـالـخبر عن بعض طاعاته، ولا ذهاب بعض معاصيه، بل عمّ الـخبر عن مـجيء جميع الـحقّ، وذهاب جميع البـاطل، وبذلك جاء القرآن والتنزيـل، وعلـى ذلك قاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل الشرك بـالله، أعنـي علـى إقامة جميع الـحقّ، وإبطال جميع البـاطل. وأما قوله عزّ وجلّ: وَزَهَقَ البـاطِلُ فإن معناه: ذهب البـاطل، من قولهم: زَهَقت نفسه: إذا خرجت وأزهقتها أنا ومن قولهم: أزهق السهم: إذا جاوز الغرض فـاستـمرّ علـى جهته، يقال منه: زهق البـاطل، يزهَق زُهوقا، وأزهقه اللّه : أي أذهبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٠٢ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس إنّ البـاطِلَ كانَ زَهُوقا يقول: ذاهبـا. ٨٢وقوله عزّ وجلّ: ونُنَزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ يقول تعالـى ذكره: وننزّل علـيك يا مـحمد من القرآن ما هو شفـاء يستشفـى به من الـجهل من الضلالة، ويبصر به من العمى للـمؤمنـين ورحمة لهم دون الكافرين به، لأن الـمؤمنـين يعملون بـما فـيه من فرائض اللّه ، ويحلون حلاله، ويحرّمون حرامه فـيدخـلهم بذلك الـجنة، ويُنـجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من اللّه ، أنعم بها علـيهم وَلا يَزِيدُ الظّالِـمِينَ إلاّ خَسارا يقول: ولا يزيد هذا الذي ننزل علـيك من القرآن الكافرين به إلا خسارا: يقول: إهلاكا، لأنهم كلـما نزل فـيه أمر من اللّه بشيء أو نهى عن شيء كفروا به، فلـم يأتـمروا لأمره، ولـم ينتهوا عما نهاهم عنه، فزادهم ذلك خسارا إلـى ما كانوا فـيه قبل ذلك من الـخسار، ورجسا إلـى رجسهم قبلُ، كما: ١٧١٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَنُنّزّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفـاءٌ وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ إذا سمعه الـمؤمن انتفع به وحفظه ووعاه وَلا يَزِيدُ الظّالِـمِينَ به إلاّ خَسارا أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإن اللّه جعل هذا القرآن شفـاء ورحمة للـمؤمنـين. ٨٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ يَئُوساً }. يقول تبـارك وتعالـى: وإذا أنعمنا علـى الإنسان، فنـجّيناه من رب ما هو فـيه فـي البحر، وهو ما قد أشرف فـيه علـيه من الهلاك بعصوف الريح علـيه إلـى البرّ، وغير ذلك من نعمنا، أعرض عن ذكرنا، وقد كان بنا مستغيثا دون كلّ أحد سوانا فـي حال الشدّة التـي كان فـيها وَنأَي بِجانِبِهِ يقول: وبعد منا بجانبه، يعني بنفسه، كَأَنْ لَـمْ يَدْعُنَا إِلَـيَ ضُرَ مَسّهُ قبل ذلك، كما: ١٧١٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن مـجاهد، فـي قوله: وَنأَي بِجانِبِهِ قال: تبـاعد منا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. والقراءة علـى تصيـير الهمزة فـي نَأَى قبل الألف، وهي اللغة الفصيحة، وبها نقرأ. وكان بعض أهل الـمدينة يقرأ ذلك (وَناء) فـيصير الهمزة بعد الألف، وذلك وإن كان لغة جائزة قد جاءت عن العرب بتقديـمهم فـي نظائر ذلك الهمز فـي موضع هو فـيه مؤخرّ، وتأخيرهموه فـي موضع، هو مقدّم، كما قال الشاعر: أعلامٌ يِقَلّلُ رَاءَ رُؤْيافَهْوَ يَهْذِي بِـما رأى فِـي الـمَنامِ وكما قال آبـار وهي أبآر، فقدموا الهمزة، فلـيس ذلك هو اللغة الـجُودَي، بل الأخرى هي الفصيحة. وقوله عزّ وجل: وَإذَا مَسّهُ الشّرّ كانَ يَئُوسا يقول: وإذا مسه الشرّ والشدّة كان قنوطا من الفرج والرّوْح. وبنـحو الذي قلنا فـي الـيئوس، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٠٥ـ حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَإذَا مَسّهُ الشّرُ كانَ يَئُوسا يقول: قَنُوطا. ١٧١٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَإذَا مَسّهُ الشّرّ كانَ يَئُوسا يقول: إذا مسه الشرّ أَيِس وقَنِط. ٨٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلَىَ شَاكِلَتِهِ فَرَبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىَ سَبِيلاً }. يقول عزّ وجلّ لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد للناس: كلكم يعمل علـى شاكلته: علـى ناحيته وطريقته فَرَبّكُمْ أعْلَـمُ بِـمَنْ هو منكم أهْدَى سَبِـيلاً يقول: ربكم أعلـم بـمن هو منكم أهدى طريقا إلـى الـحقّ من غيره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٠٧ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: كُلّ يَعْمَلُ عَلـى شاكِلَتِهِ يقول: علـى ناحيته. ١٧١٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: عَلـى شاكِلَتِهِ قال: علـى ناحيته. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدقُلْ كُلّ يَعْمَلُ علـى شاكِلَتِهِ قال: علـى طبـيعته علـى حِدَته. ١٧١٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةقُلْ كُل يَعْمَلُ عَلـى شاكِلَتِهِ يقول: علـى ناحيته وعلـى ما ينوي. وقال آخرون: الشاكلة: الدّين. ذكر من قال ذلك: ١٧١١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كُلّ يَعْمَلُ علـى شاكِلَتِهِ قال: علـى دينه، الشاكلة: الدين. ٨٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: ويسألك الكفـار بـاللّه من أهل الكتاب عن الروح ما هي؟ قل لهم: الروح من أمر ربـي، وما أوتـيتـم أنتـم وجميع الناس من العلـم إلا قلـيلاً. وذُكِر أن الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح، فنزلت هذه الاَية بـمسألتهم إياه عنها، كانوا قوما من الـيهود. ذكر الرواية بذلك: ١٧١١١ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: كنت مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي حرث بـالـمدينة، ومعه عَسِيب يتوكأ علـيه، فمر بقوم من الـيهود، فقال بعضهم: اسألوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، فقام متوكئا علـى عسيبه، فقمت خـلفه، فظننت أنه يوحَى إلـيه، فقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرُوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فقال بعضهم لبعض: ألـم نقل لكم لا تسألوه. حدثنا يحيى بن إبراهيـم الـمسعوديّ، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: بـينا أنا أمشي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي حَرّة بـالـمدينة، إذ مررنا علـى يهود، فقال بعضهم: سَلُوه عن الروح، فقالوا: ما أربكم إلـى أن تسمعوا ما تكرهون، فقاموا إلـيه، فسألوه، فقام فعرفت أنه يوحَى إلـيه، فقمت مكانـي، ثم قرأ: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فقالوا: ألـم ننهكم أن تسألوه. ١٧١١٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، قال: سأل أهل الكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح، فأنزل اللّه تعالـى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيُتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فقالوا: أتزعم أنا لـم نؤتَ من العلـم إلا قلـيلا، وقد أوتـينا التوراة، وهي الـحكمة، وَمَنْ يُؤْتَ الـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوِتَـيَ خَيْرا كَثِـيرا. قال: فنزلت: وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ من شَجَرَةٍ أقْلامٌ والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه قال: ما أوتـيتـم علـى علـم، فنـجاكم اللّه به من النار، فهو كثـير طيب، وهو فـي علـم اللّه قلـيـل. حدثنـي إسماعيـل بن أبـي الـمتوكل، قال: حدثنا الأشجعيّ أبو عاصم الـحِمْصيّ، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى أبو يعقوب، قال: حدثنا القاسم بن معن، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: إنـي لـمع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فـي حرث بـالـمدينة، إذ أتاه يهوديّ، قال: يا أبـا القاسم، ما الروح؟ فسكت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل اللّه عزّ وجلّ: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ ربّـي. ١٧١١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ لقـيت الـيهود نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتغَشّوه وسألوه وقالوا: إن كان نبـيا علـم، فسيعلـم ذلك، فسألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنـين فأنزل اللّه فـي كتابه ذلك كله وَيَسْئَلُونَكَ عَن الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً يعني الـيهود. ١٧١١٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قال: يهود تسأل عنه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهدوَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قال: يهود تسأله. ١٧١١٥ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ... الاَية: وذلك أن الـيهود قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: أخبرنا ما الروح، وكيف تعذّب الروح التـي فـي الـجسد وإنـما الروح من اللّه عزّ وجلّ، ولـم يكن نزل علـيه فـيه شيء، فلـم يُحِر إلـيهم شيئا، فأتاه جَبرئيـل علـيه السلام، فقال له: قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي وَما أُوتِـيُتـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فأخبرهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بذلك، قالوا له: من جاءك بهذا؟ فقال لهم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (جاءنِـي بِهِ جِبْرِيـلُ مِنْ عِنْدِ اللّه ) ، فقالوا: واللّه ما قاله لك إلا عدوّ لنا، فأنزل اللّه تبـارك اسمه: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوّا لِـجْبرِيـلَ فإنّهُ نَزّلَهُ عَلـى قَلْبِكَ... الاَية. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه ، قال: كنت أمشي مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم، فمررنا بأناس من الـيهود، فقالوا: يا أبـا القاسم ما الرّوح؟ فأُسْكِت، فرأيت أنه يوحَى إلـيه، قال: فتنـحيت عنه إلـى سُبـاطة، فنزلت علـيه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ... الاَية، فقالت الـيهود: هكذا نـجده عندنا. واختلف أهل التأويـل فـي الروح الذي ذُكِر فـي هذا الـموضع ما هي؟ فقال بعضهم: هي جبرئيـل علـيه السلام. ذكر من قال ذلك: ١٧١١٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةوَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قال: هو جبرائيـل، قال قتادة: وكان ابن عبـاس يكتـمه. وقال آخرون: هي مَلك من الـملائكة. ذكر من قال ذلك: ١٧١١٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروحِ قال: الروح: مَلك. ١٧١١٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي أبو مروان يزيد بن سمرة صاحب قـيسارية، عمن حدثه عن علـيّ بن أبـي طالب، أنه قال فـي قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قال: هو ملَك من الـملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه منها سبعون ألف لسان، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح اللّه عزّ وجلّ بتلك اللغات كلها، يخـلق اللّه من كلّ تسبـيحة ملَكا يطير مع الـملائكة إلـى يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى الرّوح فـي غير هذا الـموضع من كتابنا، بـما أغنى عن إعادته. وأما قوله: منْ أمْرِ رَبّـي فإنه يعني : أنه من الأمر الذي يعلـمه اللّه عزّ وجلّ دونكم، فلا تعلـمونه ويعلـم ما هو. وأما قوله: وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي الـمعنـيّ بقوله وَما أُوتِـيتُـمْ منَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فقال بعضهم: عنى بذلك: الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح وجميع الناس غيرهم، ولكن لـما ضمّ غير الـمخاطب إلـى الـمخاطب، خرج الكلام علـى الـمخاطبة، لأن العرب كذلك تفعل إذا اجتـمع فـي الكلام مخبر عنه غائب ومخاطب، أخرجو الكلام خطابـا للـجمع. ذكر من قال ذلك: ١٧١١٩ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت بـمكة وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً فلـما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة أتاه أحبـار يهود، فقالوا: يا مـحمد ألـم يبلغنا أنك تقول وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً أفعنـيتنا أم قومك؟ قال: (كُلاّ قَدْ عَنَـيْتُ) ، قالوا: فإنك تتلو أنا أوتـينا التوراة وفـيها تبـيان كلّ شيء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هِيَ فـي عِلْـمِ اللّه قَلِـيـلٌ، وَقَدْ آتاكُمْ ما إنْ عَمِلْتُـمْ بِهِ انْتَفَعْتُـمْ) ، فَأنْزَل اللّه وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ... إلـى قوله إنّ اللّه سَميعٌ بَصِيرٌ. ١٧١٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله عزّ وجلّ وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً قال: يا مـحمد والناس أجمعون. وقال آخرون: بل عنى بذلك الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح خاصة دون غيرهم. ذكر من قال ذلك: ١٧١٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً يعني : الـيهود. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: خرج الكلام خطابـا لـمن خوطب به، والـمراد به جميع الـخـلق، لأن علـم كلّ أحد سوى اللّه ، وإن كثر فـي علـم اللّه قلـيـل. وإنـما معنى الكلام: وما أوتـيتـم أيها الناس من العلـم إلاّ قلـيلاً من كثـير مـما يعلـم اللّه . ٨٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنّ بِالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً }. يقول ذكره: ولئن شئنا لنذهبنّ بـالذي آتـيناك من العلـم الذي أوحينا إلـيك من هذا القرآن لنذهبنّ به، فلا تعلـمه، ثم لا تـجد لنفسك بـما نفعل بك من ذلك وكيلاً، يعني : قـيّـما يقوم لك، فـيـمنعنا من فعل ذلك بك، ولا ناصرا ينصرك، فـيحول بـيننا وبـين ما نريد بك، قال: وكان عبد اللّه بن مسعود يتأوّل معنى ذهاب اللّه عزّ وجلّ به رفعه من صدور قارئيه. ذكر الرواية بذلك: ١٧١٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفـيع، عن بُنْدار، عن معقل، قال: قلت لعبد اللّه ، وذكر أنه يُسرى علـى القرآن: كيف وقد أثبتناه فـي صدورنا ومصاحفنا؟ قال: يُسرى علـيه لـيلاً، فلا يبقـى منه فـي مصحف ولا فـي صدر رجل، ثم قرأ عبد اللّه : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بـالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن إسحاق بن يحيى، عن الـمسيب بن رافع، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: تطرق الناسَ ريح حمراء من نـحو الشام، فلا يبقـى فـي مصحف رجل ولا قلبه آية. قال رجل: يا أبـا عبد الرحمن، إنـي قد جمعت القرآن، قال: لا يبقـى فـي صدرك منه شيء. ثم قرأ ابن مسعود: (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بـالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ) . ٨٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ إِنّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }. يقول عزّ وجلّ: ولئنْ شِئْنا لنذهبنّ يا مـحمد بـالّذِي أوْحيْنَا إلـيْكَ ولكنه لا يشاء ذلك، رحمة من ربك وتفضلاً منه علـيك إنّ فضْلهُ كانَ علـيكَ كبـيرا بـاصطفـائه إياك لرسالته، وإنزاله علـيك كتابه، وسائر نعمه علـيك التـي لا تـحصى. ٨٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }. يقول جل ثناؤه: قل يا مـحمد للذين قالوا لك: أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن: لئن اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لا يأتون أبدا بـمثله، ولو كان بعضهم لبعض عونا وظهرا. وذُكِر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبب قوم من الـيهود جادلوه فـي القرآن، وسألوه أن يأتـيهم بآية غيره شاهدة له علـى نبّوته، لأن مثل هذا القرآن بهم قدرة علـى أن يأتوا به. ذكر الرواية بذلك: ١٧١٢٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مـحمود بن سيحان وعمر بن أصان وبحري بن عمرو، وعزيز بن أبـي عزيز، وسلام بن مِشْكم، فقالوا: أخبرنا يا مـحمد بهذا الذي جئنا به حقّ من عند اللّه عزّ وجلّ، فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أما وَاللّه أنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّه تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكُمْ، وَلَوِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِهِ ما جاءُوا بِهِ) فقال عند ذلك، وهم جميعا: فِنْـحاص، وعبد اللّه بن صُورِيا، وكِنانة بن أبـي الـحُقـيق، وأَشِيع، وكعب بن أسد، وسموءَل بن زيد، وجبل بن عمرو: يا مـحمد ما يعلّـمك هذا إنس ولا جان؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أما وَاللّه إنّكُمْ لَتَعْلَـمُونَ أنّهُ مِنْ عِنْدَ اللّه تَـجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَكمْ فِـي التّوْرَاةِ والإنـجِيـلِ) ، فقالوا: يا مـحمد، إن اللّه يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء، ويقدر منه علـى ما أراد، فأنزل علـينا كتابـا نقرؤه ونعرفه، وإلاّ جئناك بـمثل ما يأتـي به، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فـيهم وفـيـما قالوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ عَلـى أنْ يَأْتُوا بِـمِثْلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا. ١٧١٢٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله لَئِنِ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ... إلـى قوله وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا قال: معينا، قال: يقول: لو برزت الـجنّ وأعانهم الإنس، فتظاهروا لـم يأتوا بـمثل هذا القرآن. وقوله عزّ وجلّ لا يَأْتُونَ بِـمِثْلهِ رفع، وهو جواب لقوله (لئن) ، لأن العرب إذا أجابت لئن بلا رفعوا ما بعدها، لأن (لئن) كالـيـمين وجواب الـيـمين بلا مرفوع، وربـما جزم لأن التـي يجاب بها زيدت علـيه لام، كما قال الأعشى: لَئِنْ مُنِـيتَ بِنا عَنْ غِبّ مَعْرَكةٍلا تُلْفنا عَنْ دِماءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ ٨٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىَ أَكْثَرُ النّاسِ إِلاّ كُفُوراً }. يقول ذكره: ولقد بـيّنا للناس فـي هذا القرآن من كلّ مثل، احتـجاجا بذلك كله علـيهم، وتذكيرا لهم، وتنبـيها علـى الـحقّ لـيتبعوه ويعملوا به فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلاّ كُفُورا يقول: فأبى أكثر الناس إلاّ جحودا للـحقّ، وإنكارا لـحجج اللّه وأدلته. ٩٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً }. يقول ذكره: وقال يا مـحمد، الـمشركون بـاللّه من قومك لك: لن نصدّقك، حتـى تفجّر لنا من أرضنا هذه عينا تنبع لنا بـالـماء. وقوله يَنْبُوعا يفعول من قول القائل: نبع الـماء: إذا ظهر وفـار، ينْبُع ويَنْبَع، وهو ما نبع. كما: ١٧١٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا: أي حتـى تفْجُر لنا من الأرض عيونا: أي ببلدنا هذا. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: عيونا. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. ١٧١٢٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهديَنْبُوعا قال: عيونا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله تَفْجُرَ فروي عن إبراهيـم النـخعيّ أنه قرأ حتـى تَفْجُرَ لَنا خفـيفة وقوله فَتُفَجّرَ الأنهَارَ خِلاَلَها تَفْجِيرا بـالتشديد، وكذلك كانت قراء الكوفـيـين يقرءونها، فكأنهم ذهبوا بتـخفـيفهم الأولـى إلـى معنى: حتـى تفجر لنا من الأرض ماء مرّة واحدة. وبتشديدهم الثانـية إلـى أنها تفجر فـي أماكن شتـى، مرّة بعد أخرى، إذا كان ذلك تفجر أنهار لا نهر واحد والتـخفـيف فـي الأولـى والتشديد فـي الثانـية علـى ما ذكرت من قراءة الكوفـيـين أعجب إلـيّ لـما ذكرت من افتراق معنـيـيهما، وإن لـم تكن الأولـى مدفوعة صحتها. ٩١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً }. يقول ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وقال لك يا مـحمد مشركو قومك: لن نصدّقك حتـى تستنبط لنا عينا من أرضنا، تَدفّق بـالـماء أو تفور، أو يكون لك بستان، وهو الـجنة، من نـخيـل وعنب، فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا بأرضنا هذه التـي نـحن بها خلالها، يعني : خلال النـخيـل والكروم و يعني ب قوله: خِلالها تَفجِيرا بـينها فـي أصولها تفجيرا بسبب أبنـيتها. ٩٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ تُسْقِطَ السّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّه وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً }. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: كِسَفـا فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السين، بـمعنى: أو تسقط السماء كما زعمت علـينا كِسفـا، وذلك أن الكِسْف فـي كلام العرب: جمع كِسْفة، وهو جمع الكثـير من العدد للـجنس، كما تـجمع السّدْرة بسِدْر، والتـمرة بتـمر، فحُكي عن العرب سماعا: أعطنـي كِسْفة من هذا الثوب: أي قطعة منه، يقال منه: جاءنا بثريد كِسْف: أي قطع خبز. وقد يحتـمل إذا قرىء كذلك (كِسْفـا) بسكون السين أن يكون مرادا به الـمصدر من كسف. فأما الكِسَفُ بفتـح السين، فإنه جمع ما بـين الثلاث إلـى العشر، يقال: كِسَفة واحدة، وثلاث كِسَف، وكذلك إلـى العشر. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين كِسَفـا بفتـح السين بـمعنى: جمع الكِسْفة الواحدة من الثلاث إلـى العشر، يعني بذلك قِطَعا: ما بـين الثلاث إلـى العشر. وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه بسكون السين، لأن الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك، لـم يقصدوا فـي مسألتهم إياه ذلك أن يكون بحدّ معلوم من القطع، إنـما سألوا أن يُسقط علـيهم من السماء قِطَعا، وبذلك جاء التأويـل أيضا عن أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِسْفـا قال: السماء جميعا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧١٢٨ـ قال ابن جريج: قال عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قوله كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: مرّة واحدة، والتـي فـي الروم ويَجْعَلُهُ كِسَفـا قال: قطعا، قال ابن جريج: كسفـا لقول اللّه :إنْ نَشَأْ نَـخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَـيْهِمْ كِسَفـا مِنَ السّماءِ. ١٧١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةأوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا قال: أي قطعا. ١٧١٣٠ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: كِسَفـا يقول: قطعا. حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادةكِسَفـا قال: قطعا. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله أوْ تُسْقِطَ السّماءَ كمَا زَعَمْتَ عَلَـيْنا كِسَفـا يعني قِطَعا. القول فـي تأويـل قوله: أوْ تَأْتِـيَ بـاللّه وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً: يقول تعالـى ذكره عن قـيـل الـمشركين لنبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أو يأتـي بـاللّه يا مـحمد والـملائكة قبـيلاً. واختلف أهل التأويـل فـي معنى القبـيـل فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: معناه: حتـى يأتـي اللّه والـملائكة كلّ قبـيـلة منا قبـيـلة قبـيـلة، فـيعاينونهم. ذكر من قال ذلك: ١٧١٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: علـى حدتنا، كلّ قبـيـلة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله أوْ تَأْتِـي بـاللّه وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً قال: قبـائل علـى حدتها كلّ قبـيـلة. وقال آخرون: معنى ذلك: أوْ تأتـي بـاللّه والـملائكة عيانا نقابلهم مقابلة، فنعاينهم معاينة. ذكر من قال ذلك: ١٧١٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةأوْ تَأْتـيَ بـاللّه وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً نعاينهم معاينة. ١٧١٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج أوْ تَأْتـيَ بـاللّه وَالـمَلائِكَةِ قَبِـيلاً فنعاينهم. ووجّهه بعض أهل العربـية إلـى أنه بـمعنى الكفـيـل من قولهم: هو قَبـيـلُ فلان بـما لفلان علـيه وزعيـمه. وأشبه الأقوال فـي ذلك بـالصواب، القول الذي قاله قتادة من أنه بـمعنى الـمعاينة، من قولهم: قابلت فلانا مقابلة، وفلان قبـيـل فلان، بـمعنى قبـالته، كما قال الشاعر: نُصَالِـحُكُمْ حتـى تَبُوءُوا بِـمِثْلِهاكصَرْخَةِ حُبْلَـى يَسّرَتْها قَبِـيـلُها يعني قابِلَتها. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: إذا وصفوا بتقدير فعيـل من قولهم قابلت ونـحوها، جعلوا لفظ صفة الاثنـين والـجميع من الـمؤنث والـمذكر علـى لفظ واحد، نـحو قولهم: هذه قبـيـلـي، وهما قبـيـلـي، وهم قبـيـلـي، وهن قبـيـلـي. ٩٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىَ فِي السّمَآءِ ...}. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن الـمشركين الذين ذكرنا أمرهم فـي هذه الاَيات: أو يكون لك يا مـحمد بـيت من ذهب وهو الزخرف. كما: ١٧١٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ يقول: بـيت من ذهب. ١٧١٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧١٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةأوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ والزخرف هنا: الذهب. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ قال: من ذهب. ١٧١٣٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن رجل، عن الـحكم قال: قال مـجاهد: كنا لا ندري ما الزخرف حتـى رأيناه فـي قراءة ابن مسعود: (أوْ يَكُونَ لَكَ بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ) . حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: لـم أدر ما الزخرف، حتـى سمعنا فـي قراءة عبد اللّه بن مسعود: (بَـيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ) . وقوله أوْ تَرْقـى فِـي السّماءِ يعني : أو تصعد فـي درج إلـى السماء وإنـما قـيـل فـي السماء، وإنـما يرقـى إلـيها لا فـيها، لأن القوم قالوا: أو ترقـى فـي سلـم إلـى السماء، فأدخـلت (فـي) فـي الكلام لـيدلّ علـى معنى الكلام، يقال: رَقِـيت فـي السلـم، فأنا أرقَـى رَقـيا ورِقِـيا ورُقـيا، كما قال الشاعر: أنتَ الّذِي كَلّفتَنِـي رَقْـيَ الدّرْجعَلـى الكلالِ والـمَشِيبِ والعَرْجِ وقوله: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِـيّكَ يقول: ولن نصدّقك من أجل رُقِـيك إلـى السماء حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا منشورا نَقْرَؤُهُ فـيه أمرنا بـاتبـاعك والإيـمان بك، كما: ١٧١٣٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله كِتابـا نَقْرَؤُهُ قال: من ربّ العالـمين إلـى فلان، عند كلّ رجل صحيفة تصبح عند رأسه يقرؤها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد بنـحوه، إلاّ أنه قال: كتابـا نقرؤه من ربّ العالـمين، وقال أيضا: تصبح عند رأسه موضوعة يقرؤها. ١٧١٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله حتـى تُنَزّلَ عَلَـيْنا كِتابـا نَقْرَؤُهُ: أي كتابـا خاصا نؤمر فـيه بـاتبـاعك. وقوله: قُلْ سُبْحانَ رَبّـي يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين من قومك، القائلـين لك هذه الأقوال، تنزيها لله عما يصفونه به، وتعظيـما له من أن يؤتـى به وملائكته، أو يكون لـي سبـيـل إلـى شيء مـما تسألونـيه: هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً يقول: هل أنا إلاّ عبد من عبـيده من بنـي آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتـمونـي من هذه الأمور، وإنـما يقدر علـيها خالقـي وخالقكم، وإنـما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إلـيكم، والذي سألتـمونـي أن أفعله بـيد اللّه الذي أنا وأنتـم عبـيد له، لا يقدر علـى ذلك غيره. وهذا الكلام الذي أخبر اللّه أنه كلّـم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما ذكر كان من ملإ من قريش اجتـمعوا لـمناظرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمومُـحاجّته، فكلّـموه بـما أخبر اللّه عنهم فـي هذه الاَيات. ذكر تسمية الذين ناظروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك منهم والسبب الذي من أجله ناظروه به ١٧١٤٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، أن عتبة وشيبة ابنـي ربـيعة وأبـا سفـيان بن حرب ورجلاً من بنـي عبد الدار وأبـا البختري أخا بنـي أسد، والأسود بن الـمطلب، وزمعة بن الأسود، والولـيد بن الـمغيرة، وأبـا جهل بن هشام، وعبد اللّه بن أبـي أمية، وأميّة بن خـلف، والعاص بن وائل، ونُبَـيها ومُنَبها ابنـي الـحجاج السّهميـين اجتـمعوا، أو من اجتـمع منهم، بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلـى مـحمد فكلّـموه وخاصموه حتـى تُعْذِروا فـيه، فبعثوا إلـيه: إن أشراف قومك قد اجتـمعوا إلـيك لـيكلـموك، فجاءهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سريعا، وهو يظنّ أنه بدا لهم فـي أمره بَدَاء، وكان علـيهم حريصا، يحبّ رشدهم ويعزّ علـيه عَنَتهم، حتـى جلس إلـيهم، فقالوا: يا مـحمد إنا قد بعثنا إلـيك لنُعْذِر فـيك، وإنا واللّه ما نعلـم رجلاً من العرب أدخـل علـى قومه ما أدخـلت علـى قومك لقد شتـمت الاَبـاء، وعِبْت الدين، وسفّهت الأحلام، وشتـمت الاَلهة، وفرّقت الـجماعة، فما بقـي أمر قبـيح إلاّ وقد جئته فـيـما بـيننا وبـينك، فإن كنت إنـما جئت بهذا الـحديث تطلب مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتـى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنـما تطلب الشرف فـينا سوّدناك علـينا، وإن كنت تريد به مُلكا ملكناك علـينا، وإن كان هذا الذي يأتـيك بـما يأتـيك به رَئِيا تراه قد غلب علـيك وكانوا يسمون التابع من الـجنّ: الرئيّ فربـما كان ذلك، بذلنا أموالنا فـي طلب الطبّ لك حتـى نبرئك منه، أو نُعذِرَ فـيك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما بِـي ما تَقُولُونَ، ما جِئتُكُمْ بِـمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أطلُبُ أمْوَالَكُمْ، وَلا الشّرَفَ فِـيكُمْ وَلا الـمُلْكَ عَلَـيْكُمْ، وَلَكِنّ اللّه بَعَثَنِـي إلَـيْكُمْ رَسُولاً، وأنْزَلَ عَلـيّ كِتابـا، وأمَرَنِـي أنْ أكُونَ لَكُمْ بَشِيرا وَنَذِيرا، فَبَلّغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبّـي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فإنْ تَقْبَلُوا مِنّـي ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّه حتـى يَحْكُمَ اللّه بَـيْنـيِ وَبَـيْنَكُمْ) أو كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: يا مـحمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا علـيك، فقد علـمت أنه لـيس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقلّ مالاً، ولا أشدّ عيشا منا، فسل ربك الذي بعثك بـما بعثك به، فلـيسيّرْ عنا هذه الـجبـال التـي قد ضيقت علـينا، ويبسط لنا بلادنا، ولـيفجّر لنا فـيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، ولـيبعث لنا من مضى من آبـائنا، ولـيكن فـيـمن يبعث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول، حقّ هو أم بـاطل؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند اللّه ، وأنه بعثك بـالـحقّ رسولاً، كما تقول. فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما بِهذَا بُعِثْتُ، إنّـمَا جِئْتُكُمْ مِنَ اللّه بِـمَا بَعَثَنِـي بِهِ، فَقَدْ بَلّغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إلـيكم، فإنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأمْرِ اللّه حتـى يَحْكُمَ اللّه بَـيْنِـي وَبَـيْنَكُمْ) قالوا: فإن لـم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث ملكا يصدّقك بـما تقول، ويراجعنا عنك، واسأله فلـيجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة، ويغنـيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بـالأسواق، وتلتـمس الـمعاش كما نلتـمسه، حتـى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما أنا بِفـاعِلٍ، ما أنا بـالّذِي يَسألُ رَبّهُ هذَا، وَما بُعِثْتُ إلَـيْكُمْ بِهذَا، وَلَكِنّ اللّه بَعَثَنِـي بَشِيرا وَنَذِيرا، فإنْ تَقْبَلُوا ما جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وَإنْ تَرُدّوهُ عَلـيّ أصْبِرْ لأَمْرِ اللّه حتـى يَحْكُمَ اللّه بَـيْنِـي وبَـيْنَكُمْ) قالوا: فأسقط السماء علـينا كِسَفـا، كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ذلكَ إلـى اللّه إنْ شاءَ فَعَلَ بِكُمْ ذلكَ) ، فقالوا: يا مـحمد، فما علـم ربك أنا سنـجلس معك، ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فـيتقدّم إلـيك، ويعلـمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع فـي ذلك بنا إذ لـم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنـما يعلّـمك هذا رجل بـالـيـمامة يقال له الرحمن، وإنا واللّه ما نؤمن بـالرحمن أبدا، أعذرنا إلـيك يا مـحمد، أما واللّه لا نتركك وما بلغت منا حتـى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نـحن نعبد الـملائكة، وهنّ بنات اللّه ، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتـى تأتـينا بـاللّه والـملائكة قبـيلاً. فلـما قالوا ذلك، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم، وقام معه عبد اللّه بن أبـي أميّة بن الـمُغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم، وهو ابن عمته هو لعاتكة بنت عبد الـمطلب، فقال له: يا مـحمد عرض علـيك قومك ما عرضوا فلـم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورا، لـيعرفوا منزلتك من اللّه فَلـم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تـخوّفهم به من العذاب، فواللّه لا أومن لك أبدا، حتـى تتـخذ إلـى السماء سلـما ترقـى فـيه، وأنا أنظر حتـى تأتـيها، وتأتـي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الـملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايـم اللّه لو فعلت ذلك لظننتُ ألاّ أصدّقك، ثم انصرف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى أهله حزينا أسيفـا لـما فـاته مـما كان يطمع فـيه من قومه حين دعوه، ولِـمَا رأى من مبـاعدتهم إياه فلـما قام عنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن مـحمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتـم آبـائنا، وتسفـيه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وإنـي أعاهد اللّه لأجلسنّ له غدا بحجر قدر ما أطيق حَمْله، فإذا سجد فـي صلاته فضخت رأسه به. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس ، بنـحوه، إلاّ أنه قال: وأبـا سفـيان بن حرب، والنضر بن الـحرث أبناء بنـي عبد الدار، وأبـا البختريّ بن هشام. ١٧١٤١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد، قال: قلت له فـي قوله تعالـى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا قال: قلت له: نزلت فـي عبد اللّه بن أبـي أمية، قال: قد زعموا ذلك. ٩٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىَ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَبَعَثَ اللّه بَشَراً رّسُولاً }. يقول تعالـى ذكره: وما منع يا مـحمد مشركي قومك الإيـمان بـالله، وبـما جئتهم به من الـحقّ إذْ جاءَهُمُ الهُدَى يقول: إذ جاءهم البـيان من عند اللّه بحقـيقة ما تدعوهم وصحة ما جئتهم به، إلاّ قولهم جهلاً منهم أبَعَثَ اللّه بَشَرا رَسُولاً فأن الأولـى فـي موضع نصب بوقوع منع علـيها، والثانـية فـي موضع رفع، لأن الفعل لها. ٩٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى{قُل لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السّمَآءِ مَلَكاً رّسُولاً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لهؤلاء الذين أبوا الإيـمان بك وتصديقك فـيـما جئتهم به من عندي، استنكارا لأن يبعث اللّه رسولاً من البشر: لو كان أيها الناس فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، لَنَزّلْنَا علـيهم من السماء ملَكا رسولاً، لأن الـملائكة إنـما تراهم أمثالهم من الـملائكة، ومن خصّه اللّه من بنـي آدم برؤيتها، فأما غيرهم فلا يقدرون علـى رؤيتها فكيف يبعث إلـيهم من الـملائكة الرسل، وهم لا يقدرون علـى رؤيتهم وهم بهيئاتهم التـي خـلقهم اللّه بها، وإنـما يرسل إلـى البشر الرسول منهم، كما لو كان فـي الأرض ملائكة يـمشون مطمئنـين، ثم أرسلنا إلـيهم رسولاً أرسلناه منهم ملَكا مثلهم. ٩٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى{قُلْ كَفَىَ بِاللّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد للقائلـين لك: أبَعَثَ اللّه بَشَرا رَسُولا كَفَـى بـاللّه شَهِيدا بَـيْنِـي وَبَـيْنِكُمْ فإنه نعم الكافـي والـحاكم إنّهُ كانَ بِعِبـادِهِ خَبِـيرا يقول: إن اللّه بعبـاده ذو خبرة وعلـم بأمورهم وأفعالهم، والـمـحقّ منهم والـمُبطل، والـمهْديّ والضالّ بَصِيرا بتدبـيرهم وسياستهم وتصريفهم فـيـما شاء، وكيف شاء وأحبّ، لا يخفـى علـيه شيء من أمورهم، وهو مـجازٍ جميعَهم بـما قدّم عند ورودهم علـيه. ٩٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى{وَمَن يَهْدِ اللّه فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: ومن يهد اللّه يا مـحمد للإيـمان به، ولتصديقك وتصديق ما جئت به من عند ربك، فوفّقه لذلك، فهو الـمهتد الرشيد الـمصيب الـحقّ، لا من هداه غيره، فإن الهداية بـيده. ومن يضلل يقول: ومن يضلله اللّه عن الـحقّ، فـيخذله عن إصابته، ولـم يوفّقه للإيـمان بـاللّه وتصديق رسوله، فلن تـجد لهم يا مـحمد أولـياء ينصرونهم من دون اللّه ، إذا أراد اللّه عقوبتهم والاستنقاذ منهم. ونَـحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ عَلـى وُجُوهِهِمْ يقول: ونـجمعهم بـموقـف القـيامة من بعد تفرّقهم فـي القبور عند قـيام الساعة علـى وجوههم عُمْيا وَبُكْما وهو جمع أبكم، و يعني بـالبُكْم: الـخُرْس، كما: ١٧١٤٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: وَبُكْما قال: الـخرس وَصُمّا وهو جمع أصمّ. فإن قال قائل: وكيف وصف اللّه هؤلاء بأنهم يحشرون عميا وبكما وصما، وقد قال ورأى الـمُـجْرِمون النّارَ فَظَنّوا أنّهُمْ مُوَاقِعُوها فأخبر أنهم يرون، وقال: إذَا رأتْهُمْ مِنْ مكانٍ بَعيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وزَفِـيرا وإذَا أُلْقُوا مِنْها مَكانا ضَيّقا مُقَرّنِـينَ دَعَوْا هُنالكَ ثُبُورا فأخبر أنهم يسمعون وينطقون؟ قـيـل: جائز أن يكون ما وصفهم اللّه به من العَمي والبكم والصمـم يكون صفتهم فـي حال حشرهم إلـى موقـف القـيامة، ثم يجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق فـي أحوال أُخر غير حال الـحشر، ويجوز أن يكون ذلك، كما روي عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي: ١٧١٤٣ـ حدثنـيه علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله ونَـحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ عَلـى وُجُوهِهِمْ عمْيا وَبْكْما وصُمّا ثم قال: ورأى الـمُـجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوا وقال: سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وَزَفِـيرا وقال دَعَوْا هُنالكَ ثُبُورا. أما قوله: عُمْيا فلا يرون شيئا يسرّهم. وقوله: بُكْما لا ينطقون بحجة. وقوله: صُمّا لا يسمعون شيئا يسرّهم. وقوله: مَأْوَاهُمْ جَهَنّـمُ يقول جلّ ثناؤه: ومصيرهم إلـى جهنـم، وفـيها مساكنهم، وهم وَقُودها، كما: ١٧١٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: مَأءْوَاهُمْ جَهَنّـمُ يعني إنهم وقودها. وقوله: كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يعني بقوله خبت: لانت وسكنت، كما قال عديّ بن زيد العبـادي فـي وصف مزنة: وَسْطُهُ كالْـيَرَاعِ أوْ سُرُجِ الـمِـجْدَلِحِينا يَخْبُو وحِينا يُنِـيرُ يعني ب قوله: يخبو السرج: أنها تلـين وتضعف أحيانا، وتقوى وتنـير أخرى، ومنه قول القطامي: فَـيَخْبو ساعَةً ويَهُبّ ساعا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي العبـارة عن تأويـله. ذكر من قال ذلك: ١٧١٤٥ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: كُلّـما خَبَتْ قال: سكنت. ١٧١٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يقول: كلـما أحرقتهم تسعر بهم حطبـا، فإذا أحرقتهم فلـم تبق منهم شيئا صارت جمرا تتوهّج، فذلك خُبُوّها، فإذا بدّلوا خـلقا جديدا عاودتهم. ١٧١٤٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن مـجاهد حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس كُلّـما خَبَتْ قال: خبوّها أنها تَسَعّر بهم حطبـا، فإذا أحرقتهم، فلـم يبق منهم شيء صارت جمرا تتوهج، فإذا بُدّلوا خـلقا جديدا عاودتهم. ١٧١٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا يقول: كلـما احترقت جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها، لـيذوقوا العذاب. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا قال: كلـما لان منها شيء. ١٧١٤٩ـ حُدثت عن مروان، عن جويبر، عن الضحاك كُلّـما خَبَتْ قال: سكنت. وقوله: زِدْناهُمْ سَعيرا يقول: زدنا هؤلاء الكفـار سعيرا، وذلك إسعار النار علـيهم والتهابها فـيهم وتأججها بعد خبوّها، فـي أجسامهم. ٩٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَإِذَا كُنّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }. يقول تعالـى ذكره: هذا الذي وصفنا من فعلنا يوم القـيامة بهؤلاء الـمشركين، ما ذكرت أن نفعل بهم من حشرهم علـى وجوههم عميا وبكما وصما، وإصلائنا إياهم النار علـى ما بـيّنا من حالتهم فـيها ثوابَهم بكفرهم فـي الدنـيا بآياتنا، يعني بأدلته وحججه، وهم رسله الذين دعوهم إلـى عبـادته، وإفرادهم إياه بـالألوهة دون الأوثان والأصنام، وبقوله م إذا أُمروا بـالإيـمان بـالـميعاد، وبثواب اللّه وعقابه فـي الاَخرة أئِذَا كُنّا عِظاما بـالـية وَرُفـاتا قد صرنا ترابـا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا يقولون: نُبعث بعد ذلك خـلقا جديدا كما ابتدأناه أوّل مرّة فـي الدنـيا استنكارا منهم لذلك، واستعظاما وتعجبـا من أن يكون ذلك. ٩٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّه الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: أو لـم ينظر هؤلاء القائلون من الـمشركين أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفـاتا أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ خَـلْقا جَدِيدا بعيون قلوبهم، فـيعلـمون أن اللّه الذي خـلق السموات والأرض، فـابتدعها من غير شيء، وأقامها بقُدرته، قادر بتلك القُدرة علـى أن يخـلق مثلهم أشكالهم، وأمثالهم من الـخـلق بعد فنائهم، وقبل ذلك، وأن من قدر علـى ذلك فلا يـمتنع علـيه إعادتهم خـلقا جديدا، بعد أن يصيروا عظاما ورُفـاتا. وقوله وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لا رَيْبَ فِـيهِ يقول تعالـى ذكره: وجعل اللّه لهؤلاء الـمشركين أجلاً لهلاكهم، ووقتا لعذابهم لا ريب فـيه. يقول: لا شك فـيه أنه آتـيهم ذلك الأجل. فَأَبَى الظّالِـمُونَ إلاّ كُفُورا يقول: فأبى الكافرون إلا جحودا بحقـيقة وعيده الذي أوعدهم وتكذيبـا به. ١٠٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُوراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين: لو أنتـم أيها الناس تـملكون خزائن أملاك ربـي من الأموال، وعنى بـالرحمة فـي هذا الـموضع: الـمال إذًا لأَمْسَكْتُـمْ خَشْيَةَ الإنْفـاقِ يقول: إذن لبَخِـلْتُـمْ بِهِ، فَلـم تـجودوا بها علـى غيركم، خشية من الإنفـاق والإقتار، كما: ١٧١٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : إذًا لأَمْسَكْتُـمْ خَشْيَةَ الإنْفـاقِ قال: الفقر. ١٧١٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةخَشْيَةَ الإنْفـاقِ أي خشية الفـاقة. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: وكانَ الإنْسانُ قَتُورا يقول: وكان الإنسان بخيلاً مـمسكا، كما: ١٧١٥٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وكاَن الإنْسانُ قَتُورا يقول: بخيلاً. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس ، فـي قوله: وكانَ الإنْسانُ قَتُورا قال: بخيلاً. ١٧١٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوكانَ الإنْسانُ قَتُورا قال: بخيلاً مـمكسا. وفـي القتور فـي كلام العرب لغات أربع، يقال: قَتَر فلان يَقْتُرُ ويَقْتِر، وقتّر يُقَتّر، وأقتر يُقْتِر، ما قال أبو دُواد: لا أعُدّ الإقْتارَ عُدْما وَلَكِن فَقْدُ مَنْ قد رُزِيْتُهُ الإعْدَامُ ١٠١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّي لأظُنّكَ يَمُوسَىَ مَسْحُوراً }. يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا موسى بن عمران تسع آيات بـيّنات تُبـين لـمن رآها أنها حجج لـموسى شاهدة علـى صدقه وحقـيقة نبوّته. وقد اختلف أهل التأويـل فـيهنّ وما هنّ. فقال بعضهم فـي ذلك ما: ١٧١٥٤ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ قال: التسع الاَيات البـينات: يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم آيات مفصلات. ١٧١٥٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ إلقاء العصا مرّتـين عند فرعون، ونزع يده، والعقدة التـي كانت بلسانه، وخمس آيات فـي الأعراف: الطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم. وقال آخرون: نـحوا من هذا القول، غير أنهم جعلوا آيتـين منهنّ: إحداهما الطمسة، والأخرى الـحجر. ذكر من قال ذلك: ١٧١٥٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن برياة بن سفـيان، عن مـحمد بن كعب القرظي، قال: سألنـي عمر بن عبد العزيز، عن قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ فقلت له: هي الطوفـان والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، والبحر، وعصاه، والطمسة، والـحجر، فقال: وما الطمسة؟ فقلت: دعا موسى وأمّن هارون، فقال: قد أجيبت دعوتكما، وقال عمر: كيف يكون الفقه إلا هكذا. فدعا عمر بن عبد العزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بـمصر، فإذا فـيها الـجوزة والبـيضة والعدسة ما تنكر، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بـمصر. وقال آخرون: نـحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتـين منهنّ: إحداهما السنـين، والأخرى النقص من الثمرات. ذكر من قال ذلك: ١٧١٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحوي، عن عكرمة ومطر الورّاق، فـي قوله: تِسْعَ آياتٍ قالا: الطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، والعصا، والـيد، والسنون، ونقص من الثمرات. ١٧١٥٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، عن الشعبـي، فـي قوله: تِسْع آياتٍ بَـيّناتٍ قال: الطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، والسنـين، ونقص من الثمرات، وعصاه، ويده. ١٧١٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: سُئل عطاء بن أبـي ربـاح عن قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتً ما هي؟ قال: الطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، وعصى موسى، ويده. ١٧١٦٠ـ قال: ابن جريج: وقال مـجاهد مثل قول عطاء، وزاد: أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: هما التاسعتان، ويقولون: التاسعتان: السنـين، وذهاب عجمة لسان موسى. ١٧١٦١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ وهي متتابعات، وهي فـي سورة الأعراف وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ وَنِقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: السنـين فـي أهل البوادي، ونقص من الثمرات لأهل القُرى، فهاتان آيتان، والطوافـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، هذه خمس، ويد موسى إذ أخرجها بـيضاء للناظرين من غير سوء: البرص، وعصاه إذ ألقاها، فإذا هي ثعبـان مبـين. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ قال: يد موسى، وعصاه، والطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم والسنـين، ونقص من الثمرات. وقال آخرون نـحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا السنـين، والنقص من الثمرات آية واحدة، وجعلوا التاسعة: تلقـف العصا ما يأفكون. ذكر من قال ذلك: ١٧١٦٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن، فـي قوله: تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ، وَلَقَدْ أخْذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: هذه آية واحدة، والطوفـان، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والدم، ويد موسى، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبـان مبـين، وإذ ألقاها فإذا هي تلقـف ما يأفكون. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٧١٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنـي مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت عبد اللّه بن سلـمة يحدّث عن صفوان بن عسال، قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلـى النبـيّ حتـى نسأله عن هذه الاَية. ولَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى تِسْعَ آياتٍ بَـيّناتٍ قال: لا تقل له نبـيّ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين، قال: فسألا، فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لا تُشْركُوا بـاللّه شَيْئا، وَلا تَسْرقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التـي حَرّمَ اللّه إلاّ بـالـحَقّ، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَأْكُلُوا الرّبـا، وَلا تَـمْشُوا بَبريءٍ إلـى ذي سُلْطانٍ لِـيَقْتُلَهُ، وَلا تَقْذِفُوا مُـحْصَنَةً، أو قال: لا تَفرّوا مِنَ الزّحْف) شعبة الشاكّ (وأنْتُـمْ يا يَهُودُ عَلَـيْكُمْ خاصّةً لا تَعْدُوا فـي السّبْت) فقبّلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبـيّ، قال: (فما يـمنعكما أن تسلـما؟) قالا: إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبـيّ، وإنا نـخشى أن تقتلنا يهود. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا سهل بن يوسف وأبو داود وعبد الرحمن بن مهدي، عن سعيد، عن عمرو، قال: سمعت عبد اللّه بن سلـمة يحدّث عن صفوان بن عسال الـمرادي، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه، إلا أن ابن مهديّ قال: (لا تَـمْشُوا إلـى ذي سُلْطانٍ) وقال ابن مهدي: أراه قال: (ببريء) . حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد اللّه بن إدريس وأبو أسامة بنـحوه، عن شعبة بن الـحجاج، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلـمة، عن صفوان بن عسال، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلـى هذا النبـيّ، فقال صاحبه: لا تقل نبـيّ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين، قال: فأتـيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يسألانه عن تسع آيات بـينات، فقال: (هنّ: وَلا تُشْرِكُوا بـاللّه شَيْئا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النّفْسَ التـي حَرّمَ اللّه إلاّ بـالـحَقّ، وَلا تَـمْشُوا بِبَرِيءٍ إلـى ذِي سُلْطانٍ لِـيَقْتُلَهُ، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَأْكُلُوا الرّبـا، وَلا تَقْذِفُوا الـمُـحْصَنَةَ، وَلا تَوَلّوْا يَوْمَ الزّحْفِ وَعَلَـيْكُمْ خاصَةً يَهُودُ: أنْ لا تَعْدُوا فـي السّبْتِ) قال: فقبّلوا يديه ورجلـيه، وقالوا: نشهد أنك نبـيّ، قال: (فَمَا يَـمْنَعُكُمْ أنْ تَتّبِعُونِـي؟) قالوا: إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبـيّ، وإنا نـخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود. حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا شعبة بن الـحجاج، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلـمة، عن صفوان بن عسّال، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه. وأما قوله: فـاسأَلْ بَنِـي إسْرَائيـلَ إذْ جاءَهُمْ فإن عامّة قرّاء الإسلام علـى قراءته علـى وجه الأمر بـمعنى: فـاسأل يا مـحمد بنـي إسرائيـل إذ جاءهم موسى ورُوي عن الـحسن البصري فـي تأويـله ما: ١٧١٦٤ـ حدثنـي به الـحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيـل، عن الـحسن فأسأَلْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: سؤالك إياهم: نظرك فـي القرآن. ورُوي عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ ذلك: (فَسَأَلَ) بـمعنى: فسأل موسى فرعون بنـي إسرائيـل أن يرسلهم معه علـى وجه الـخبر. ذكر من قال ذلك: ١٧١٦٥ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن حنظلة السّدوسيّ، عن شهر بن حوشب، عن ابن عبـاس ، أنه قرأ: (فَسأَلَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ إذْ جاءَهُمْ) يعني أن موسى سأل فرعونَ بنـي إسرائيـل أن يرسلهم معه. والقراءة التـي لا أستـجيز أن يُقرأ بغيرها، هي القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى تصويبها، ورغبتهم عما خالفهم. وقوله: فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنَ إنّـي لأَطُنّكَ يا مُوسَى مَسْحُورا يقول: فقال لـموسى فرعونُ: إنـي لأظنك يا موسى تتعاطى علـم السحر، فهذه العجائب التـي تفعلها من سحرك وقد يجوز أن يكون مرادا به إنـي لأظنك يا موسى ساحرا، فوُضِع مفعول موضع فـاعل، كما قـيـل: إنك مشؤوم علـينا وميـمون، وإنـما هو شائم ويامن. وقد تأوّل بعضهم حجابـا مستورا، بـمعنى: حجابـا ساترا، والعرب قد تـخرج فـاعلاً بلفظ مفعول كثـيرا. ١٠٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـَؤُلآءِ إِلاّ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنّي لأظُنّكَ يَفِرْعَونُ مَثْبُوراً }. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله لَقَدْ عَلِـمْتَ فقرأ عامة قرّاء الأمصار ذلك لَقَدْ عَلِـمْتَ بفتـح التاء، علـى وجه الـخطاب من موسى لفرعون. ورُوي عن علـيّ بن أبـي طالب رضوان اللّه علـيه فـي ذلك، أنه قرأ: (لَقَدْ عَلِـمْتُ) بضمّ التاء، علـى وجه الـخبر من موسى عن نفسه. ومن قرأ ذلك علـى هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون علـى مذهبه تأويـل قوله إنّـي لأَظُنّكَ يا مُوسَى مَسْحُورا إنـي لأظنك قد سُحِرت، فترى أنك تتكلـم بصواب ولـيس بصواب. وهذا وجه من التأويـل. غير أن القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار خلافها، وغير جائز عندنا خلاف الـحجة فـيـما جاءت به من القراءة مـجمعة علـيه. وبعد، فإن اللّه تعالـى ذكره قد أخبر عن فرعون وقومه أنهم جحدوا ما جاءهم به موسى من الاَيات التسع، مع علـمهم بأنها من عند اللّه بقوله وأدُخِـلْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ فِـي تِسْعِ آياتٍ إلـى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، إنّهُمْ كانُوا قَوْما فـاسِقِـينَ فَلَـمّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِـينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْـما وَعُلُوّا فأخبر جل ثناؤه أنهم قالوا: هي سحر، مع علـمهم واستـيقان أنفسهم بأنها من عند اللّه ، فكذلك قوله: لَقَدْ عَلِـمْتَ إنـما هو خبر من موسى لفرعون بأنه عالـم بأنها آيات من عند اللّه . وقد ذُكر عن ابن عبـاس أنه احتـجّ فـي ذلك بـمثل الذي ذكرنا من الـحجة. قال: ١٧١٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرأ: لَقَدْ عَلِـمْتَ يا فرعون بـالنصب ما أنْزَلَ هَؤُلاءِ إلاّ رَبّ السّمَواتِ والأرْضِ، ثم تلا وَجَحَدُوا بِها واسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْـما وعُلُوّا. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: قال موسى لفرعون: لقد علـمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الاَيات التسع البـينات التـي أريتكها حجة لـي علـى حقـيقة ما أدعوك إلـيه، وشاهدة لـي علـى صدق وصحة قولـي، إنـي لله رسول، ما بعثنـي إلـيك إلا ربّ السموات والأرض، لأن ذلك لا يقدر علـيه، ولا علـى أمثاله أحد سواه. بصائر يعني بـالبصائر: الاَيات، أنهنّ بصائر لـمن استبصر بهنّ، وهدى لـمن اهتدى بهنّ، يعرف بهنّ من رآهنْ أن من جاء بهنّ فمـحقّ، وأنهنّ من عند اللّه لا من عند غيره، إذ كنّ معجزات لا يقدر علـيهنّ، ولا علـى شيء منهنّ سوى ربّ السموات والأرض وهو جمع بصيرة. وقوله: وإنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورا يقول: إنـي لأظنك يا فرعون ملعونا مـمنوعا من الـخير. والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الأمر: أي ما منعك منه، وما صدّك عنه؟ وثبره اللّه فهو يُثْبره ويُثَبَره لغتان، ورجل مثبور: مـحبوس عن الـخيرات هالك ومنه قول الشاعر: إذْ أُجارِي الشّيْطانَ فـي سَننِ الغَيّوَمنْ مالَ مَيْـلَهُ مَثْبُورُهُ وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٦٧ـ حدثنا عبد اللّه بن عبد اللّه الكلابـي، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: حدثنا عمر بن عبد اللّه ، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: إنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورا قال ملعونا. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا عمر بن عبد اللّه الثقـفـي، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنَ مَثْبُورا يقول: ملعونا. وقال آخرون: بل معناه: إنـي لأظنك يا فرعون مغلوبـا. ذكر من قال ذلك: ١٧١٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: إنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنَ مَثْبُورا يعني : مغلوبـا. ١٧١٦٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله إنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنَ مَثْبُورا يقول: مغلوبـا. وقال بعضهم: معنى ذلك: إنى لأظنك يا فرعون هالكا. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: مثبورا: أي هالكا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧١٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوإنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورا: أي هالكا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنـحوه. وقال آخرون: معناه: إنـي لأظنك مبدّلاً مغيرا. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى، عن عيسى بن موسى، عن عطية إنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنَ مَثْبُورا قال: مبدّلاً. وقال آخرون: معناه: مخبولاً لا عقل له. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإنّـي لأَظُنّكَ يا فِرْعَوْنَ مَثْبُورا قال: الإنسان إذا لـم يكن له عقل فما ينفعه؟ يعني : إذا لـم يكن له عقل ينتفع به فـي دينه ومعاشه دعته العرب مثبورا. قال: أظنك لـيس لك عقل يا فرعون، قال: بـينا هو يخافه ولا ينطق لسانـي أن أقول هذا لفرعون، فلـما شرح اللّه صدره، اجترأ أن يقول له فوق ما أمره اللّه . وقد بـيّنا الذي هو أولـى بـالصواب فـي ذلك قبل. ١٠٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزّهُم مّنَ الأرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مّعَهُ جَمِيعاً }. يقول تعالـى ذكره: فأراد فرعون أن يستفزّ موسى وبنـي إسرائيـل من الأرض، فَأَغْرَقْناهُ فـي البحر، وَمَن مَعَهُ من جنده جَمِيعا، ونـجّينا موسى وبنـي إسرائيـل، ١٠٤وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا اْلأَرْضَ... وقلنا لهم مِنْ بَعْدِ هلاك فرعون اسْكُنُوا الأرْضَ أرض الشام فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخَرِةِ جئْنا بكُمْ لَفـيفـا يقول: فإذا جاءت الساعة، وهي وعد الاَخرة، جئنا بكم لفـيفـا: يقول: حشرناكم من قبوركم إلـى موقـف القـيامة لفـيفـا: أي مختلطين قد التفّ بعضكم علـى بعض، لا تتعارفون، ولا ينـحاز أحد منكم إلـى قبـيـلته وحيّه، من قولك: لففت الـجيوش: إذا ضربت بعضها ببعض، فـاختلط الـجميع، وكذلك كلّ شيء خُـلط بشيء فقد لُفّ به. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن ابن أبـي رَزِين جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا قال: من كلّ قوم. وقال آخرون: بل معناه: جئنا بكم جميعا. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، قوله: جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا قال: جميعا. ١٧١٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدجِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا جميعا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧١٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا: أي جميعا، أولكم وآخركم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا قال: جميعا. ١٧١٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا يعني جميعا. ووحّده اللفـيف، وهو خبر عن الـجميع، لأنه بـمعنى الـمصدر كقول القائل: لفقته لفّـا ولفـيفـا. ١٠٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبِالْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشّراً وَنَذِيراً }. يقول تعالـى ذكره: وبـالـحقّ أنزلنا هذا القرآن: يقول: أنزلناه نأمر فـيه بـالعدل والإنصاف والأخلاق الـجميـلة، والأمور الـمستـحسنة الـحميدة، وننهى فـيه عن الظلـم والأمور القبـيحة، والأخلاق الردية، والأفعال الذّميـمة وبـالـحَقّ نَزَلَ يقول: وبذلك نزل من عند اللّه علـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. وقوله: وَما أرْسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرا وَنَذِيرا يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وما أرسلناك يا مـحمد إلـى من أرسلناك إلـيه من عبـادنا، إلا مبشرا بـالـجنّة من أطاعنا، فـانتهى إلـى أمرنا ونَهْينا، ومنذرا لـمن عصانا وخالف أمرنا ونهينَا. ١٠٦وَقُرآنا فَرَقْناهُ لَتَقْرأَهُ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَقْناهُ بتـخفـيف الراء من فرقناه، بـمعنى: أحكمناه وفصلناه وبـيناه. وذُكر عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء (فَرّقْناهُ) بـمعنى: نزّلناه شيئا بعد شيء، آية بعد آية، وقصة بعد قصة. وأولـى القراءتـين بـالصواب عندنا، القراءة الأولـى، لأنها القراءة التـي علـيها الـحجة مـجمعة، ولا يجوز خلافها فـيـما كانت علـيه مـجمعة من أمر الدين والقرآن. فإذا كان ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب، فتأويـل الكلام: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، وفصلناه قرآنا، وبـيّناه وأحكمناه، لتقرأه علـى الناس علـى مكث. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك من التأويـل، قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٧٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ يقول: فصلناه. ١٧١٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن أبـي الربـيع عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب أنه قرأ: وَقُرآنا فَرَقْناهُ مخففـا: يعني بـيناه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس وَقُرآنا فَرَقْناهُ قال: فصلناه. ١٧١٨١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا بدل بن الـمـحبر، قال: حدثنا عبـاد، يعني ابن راشد، عن داود، عن الـحسن أنه قرأ: وَقُرآنا فَرَقْناهُ خفّفها: فرق اللّه بـين الـحقّ والبـاطل. وأما الذين قرأوا القراءة الأخرى، فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويـل. ذكر من قال ما حكيت من التأويـل عن قارىء ذلك كذلك: ١٧١٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: كان ابن عبـاس يقرؤها: (وَقُرآنا فَرّقْناهُ) مثقلة، يقول: أنزل آية آية. ١٧١٨٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك فـي عشرين سنة، قال: وَلا يَأْتُونَكَ بِـمثَلٍ إلاّ جِئْناكَ بـالـحَقّ وأحْسَنَ تَفْسِيرا، (وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلـى النّاسِ علـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً) . ١٧١٨٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله: (وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرأهُ عَلـى النّاسِ) لـم ينزل جميعا، وكان بـين أوّله وآخره نـحو من عشرين سنة. ١٧١٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: (وَقُرآنا فَرّقْناهُ) قال: فرّقه: لـم ينزله جميعه. وقرأ: وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَـيْهِ القُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً حتـى بلغ وأحْسَنَ تَفْسِيرا يَنْقُض علـيهم ما يأتون به. وكان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة يقول: نصب قوله وَقُرآنا بـمعنى: ورحمة، ويتأوّل ذلك: وَما أرسَلْناكَ إلاّ مُبَشّرَا وَنَذِيرا ورحمة، و يقول: جاز ذلك، لأن القرآن رحمة، ونصبه علـى الوجه الذي قلناه أولـى، وذلك كما قال جلّ ثناؤه: والقَمَرَ قَدّرْناهُ مَنازِلَ وقوله: لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ يقول: لتقرأه علـى الناس علـى تُؤَدة، فترتله وتبـينه، ولا تعجل فـي تلاوته، فلا يفهم عنك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧١٨٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبـيد الـمكُتِب، قال: قلت لـمـجاهد: رجل قرأ البقرة وآل عمران، وآخر قرأ البقرة، وركوعهما وسجودهما واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، وقرأ: وَقُرآنا فَرَقْناه لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ. ١٧١٨٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ يقول: علـى تأيـيد. ١٧١٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: عَلـى مُكْثٍ قال: علـى ترتـيـل. ١٧١٨٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قوله: لِتَقْرأَهُ علـى النّاسِ عَلـى مكث قال: فـي ترتـيـل. ١٧١٩٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ قال: التفسير الذي قال اللّه وَرتّلِ القُرآنِ تَرْتـيلاً: تفسيره. ١٧١٩١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن عبـيد، عن مـجاهد، قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ علـى تؤدة. وفـي الـمُكث للعرب لغات: مُكْث، ومَكْث، ومِكْث ومِكّيثـي مقصور، ومُكْثانا، والقراءة بضمّ الـميـم. وقوله: وَنَزّلناهُ تَنْزِيلاً يقول تعالـى ذكره: فرقنا تنزيـله، وأنزلناه شيئا بعد شيء، كما: ١٧١٩٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا، عن أبـي رجاء، قال: تلا الـحسن: (وَقُرآنا فَرّقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً) قال: كان اللّه تبـارك وتعالـى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لـما علـم أنه سيكون ويحدث فـي الناس، لقد ذكر لنا أنه كان بـين أوّله وآخره ثمانـي عشرة سنة، قال: فسألته يوما علـى سخطة، فقلت: يا أبـا سعيد (وَقُرآنا فَرّقْناهُ) فثقلها أبو رجاء، فقال الـحسن: لـيس فرّقناه، ولكن فرَقناه، فقرأ الـحسن مخففة. قلت: من يُحدثك هذا يا أبـا سعيد أصحاب مـحمد؟ قال: فمن يحدّثنـيه قال: أنزل علـيه بـمكة قبل أن يهاجر إلـى الـمدينة ثمانـي سنـين، وبـالـمدينة عشر سنـين. ١٧١٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلـى النّاسِ عَلـى مُكْثٍ وَنَزّلْناهُ تَنْزِيلاً لـم ينزل فـي لـيـلة ولا لـيـلتـين، ولا شهر ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتـين، ولكن كان بـين أوّله وآخره عشرون سنة، وما شاء اللّه من ذلك. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، قال: كان يقول: أنزل علـى نبـيّ اللّه القرآن ثمانـي سنـين، وعشرا بعد ما هاجر. وكان قتادة يقول: عشرا بـمكة، وعشرا بـالـمدينة. ١٠٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوَاْ إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء القائلـين لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتـى تُفَجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا: آمنوا بهذا القرآن الذي لو اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لـم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، أو لا تؤمنوا به، فإن إيـمانكم به لن يزيد فـي خزائن رحمة اللّه ولا ترككم الإيـمان به يُنقص ذلك. وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلـم بـاللّه وآياته من قبل نزوله من مؤمنـي أهل الكتابـين، إذا يتلـى علـيهم هذا القرآن يخرّون تعظيـما له وتكريـما، وعلـما منهم بأنه من عند اللّه ، لأذقانهم سجدا بـالأرض. واختلف أهل التأويـل فـي الذي عُنِـي بقوله يَخِرّونَ للأَذْقانِ فقال بعضهم: عُنِـي به: الوجوه. ذكر من قال ذلك: ١٧١٩٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: يخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا يقول: للوجوه. ١٧١٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةيَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا قال للوجوه. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: بل عُنِـيَ بذلك اللّـحَى. ذكر من قال ذلك: ١٧١٩٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن فـي قوله: يَخِرّونَ للأَذْقانِ قال: اللّـحَى. ١٠٨وقوله: سُبْحانَ رَبّنا إنُ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعُولاً يقول جلّ ثناؤه: ويقول هؤلاء الذين أوتوا العلـم من قبل نزول هذا القرآن، إذ خرّوا للأذقان سجودا عند سماعهم القرآن يُتْلـى علـيهم: تنزيها لربنا وتبرئه له مـما يضيف إلـيه الـمشركون به، ما كان وعد ربنا من ثواب وعقاب، إلا مفعولاً حقا يقـينا، إيـمان بـالقرآن وتصديق به. والأذقان فـي كلام العرب: جمع ذَقَن وهو مـجمع اللّـحيـين، وإذ كان ذلك كذلك، فـالذي قال الـحسن فـي ذلك أشبه بظاهر التنزيـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي الذين عنوا بقوله أُوتُوا العِلْـمَ وفـي يُتْلَـى عَلِـيْهم. ذكر من قال ذلك: ١٧١٩٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ... إلـى قوله خُشُوعا قال: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل اللّه علـى مـحمد قالُوا سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعُولاً. ١٧١٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قُلْ آمِنوا بِهِ أوْ لا تُؤْمِنُوا إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ من قبل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلمإذَا يُتْلَـى عَلَـيهِمْ ما أنزل إلـيهم من عند اللّه يَخِرّونَ للأَذْقانِ سُجّدا وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبّنا لَـمَفْعولاً. وقال آخرون: عُنِـي ب قوله: الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ (القرآن الذي أُنزل علـى) مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ١٧١٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ كتابهم. ١٧٢٠٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إذا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ ما أنزل اللّه إلـيهم من عند اللّه . وإنـما قلنا: عُنِـي ب قوله: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ القرآن، لأنه فـي سياق ذكر القرآن لـم يجر لغيره من الكتب ذكر، فـيصرف الكلام إلـيه، ولذلك جعلت الهاء التـي فـي قوله: مِنْ قَبْلِهِ من ذكر القرآن، لأن الكلام بذكره جرى قبله، وذلك قوله: وَقُرآنا فَرَقْناهُ وما بعده فـي سياق الـخبر عنه، فذلك وجبت صحة ما قلنا إذا لـم يأت بخلاف ما قلنا فـيه حجة يجب التسلـيـم لها. ١٠٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }. يقول تعالـى ذكره: ويخرّ هؤلاء الذين أوتوا العلـم من مؤمنـي أهل الكتابـين من قبل نزول الفرقان، إذا يُتْلَـى علـيهم القرآن لأذقانهم يبكون، ويزيدهم ما فـي القرآن من الـمواعظ والعبر خشوعا، يعني خضوعا لأمر اللّه وطاعته، واستكانة له. ١٧٢٠١ـ حدثنا أحمد بن منـيع، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، قال: أخبرنا مِسْعر، عن عبد الأعلـى التـيـميّ، أن من أوتـي من العلـم ما لـم يبكه لـخـلـيق أن لا يكون أوتـي علـما ينفعه، لأن اللّه نعت العلـماء فقال إنّ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ... الاَيتـين. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن مسعر بن كدام، عن عبد الأعلـى التـيـمي بنـحوه، إلاّ أنه قال: إذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ يَخِرّونَ للأَذْقانِ ثم قال: ويَخِرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ... الاَية. ١٧٢٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ويَخُرّونَ للأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا. قال: هذا جواب وتفسير للاَية التـي فـي كهيعص إذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُ الرّحْمَنَ خَرّوا سُجّدا وَبُكِيّا. ١١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ ادْعُواْ اللّه أَوِ ادْعُواْ الرّحْمَـَنَ أَيّاً مّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسْمَآءَ الْحُسْنَىَ ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه: قل يا مـحمد لـمشركي قومك الـمنكرين دعاء الرحمن: ادْعُوا اللّه أيها القوم أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى بأيّ أسمائه جلّ جلاله تدعون ربكم، فإنـما تدعون واحدا، وله الأسماء الـحُسنى. وإنـما قـيـل ذلك له صلى اللّه عليه وسلم، لأن الـمشركين فـيـما ذكر سمعوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يدعو ربه: يا ربنا اللّه ، ويا ربنا الرحمن، فظنوا أنه يدعو إلهين، فأنزل اللّه علـى نبـيه علـيه الصلاة والسلام هذه الاَية احتـجاجا لنبـيه علـيهم. ذكر الرواية بـما ذكرنا: ١٧٢٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي مـحمد بن كثـير، عن عبد اللّه بن واقد، عن أبـي الـجوزاء عن ابن عبـاس . قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ساجدا يدعو: (يا رَحْمَنُ يا رَحيـمُ) ، فقال الـمشركون: هذا يزعم أنه يدعو واحدا، وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل اللّه تعالـى: قُلِ ادْعُوا اللّه أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى... الاَية. ١٧٢٠٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى، عن الأوزاعي، عن مكحول، أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يتهجّد بـمكة ذات لـيـلة، يقول فـي سجوده: (يا رَحْمَنُ يا رَحيـمُ) ، فسمعه رجل من الـمشركين، فلـما أصبح قال لأصحابه: انظروا ما قال ابن أبـي كبشة، يدعو اللـيـلة الرحمن الذي بـالـيـمامة، وكان بـالـيـمامة رجل يقال له الرحمن: فنزلت: (قُلِ ادْعُوا اللّه أوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى) . ١٧٢٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قُلِ ادْعُوا اللّه أوِ ادْعُوا الرّحْمَن أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى. ١٧٢٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: أيّا مّا تَدْعُوا بشيء من أسمائه. ١٧٢٠٧ـ حدثنـي موسى بن سهل، قال: حدثنا مـحمد بن بكار البصري، قال: ثنـي حماد بن عيسى، عن عبـيد بن الطفـيـل الـجهنـي، قال: حدثنا ابن جريج، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن مكحول، عن عَرّاك بن مالك، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ لِلّهِ تسْعَةً وَتسْعينَ اسْما كُلّهُنّ فـي القُرآنِ، مَنْ أحْصَاهنّ دَخَـلَ الـجَنّةَ) . قال أبو جعفر: ولدخول (ما) فـي قوله أيّا مّا تَدْعُوا وجهان: أحدهما أن تكون صلة، كما قـيـل: عَمّا قَلِـيـلٍ لَـيُصْبِحُنّ نَادِمِينَ. والاَخر أن تكون فـي معنى إن: كررت لـما اختلف لفظاهما، كما قـيـل: ما إن رأيت كاللـيـلة لـيـلة. وقوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً اختلف أهل التأويـل فـي الصلاة، فقال بعضهم: عنى بذلك: ولا تـجهر بدعائك، ولا تـخافت به، ولكن بـين ذلك. وقالوا: عنى بـالصلاة فـي هذا الـموضع: الدعاء. ذكر من قال ذلك: ١٧٢٠٨ـ حدثنـي يحيى بن عيسى الدامغانـي، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قالت: فـي الدعاء. حدثنا بشار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: نزلت فـي الدعاء. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة مثله. ١٧٢٠٩ـ حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن أشعث بن سوار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قول اللّه تعالـى: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كانوا يجهرون بـالدعاء، فلـما نزلت هذه الاَية أُمروا أن لا يجهروا، ولا يخافتوا. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد، عن عمرو بن مالك البكري، عن أبـي الـجوزاء عن عائشة، قالت: نزلت فـي الدعاء. ١٧٢١٠ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدثنا شريك، عن زياد بن فـياض، عن أبـي عياض، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: الدعاء. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن إبراهيـم الهَجري، عن أبـي عياض وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت فـي الدعاء. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شريك، عن زياد بن فـياض، عن أبـي عياض مثله. ١٧٢١١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان عمن ذكره عن عطاء وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت فـي الدعاء. ١٧٢١٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد فـي الاَية: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بها قال: فـي الدعاء. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: نزلت فـي الدعاء. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها فـي الدعاء والـمسألة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: نزلت فـي الدعاء والـمسألة. ١٧٢١٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: ثنـي سفـيان، قال: ثنـي قـيس بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي الدعاء. ١٧٢١٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن عياش العامري، عن عبد اللّه بن شدّاد قال: كان أعراب إذا سلـم النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قالوا: اللهمّ ارزقنا إبلاً وولدا، قال: فنزلت هذه الاَية: وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتكَ وَلا تُـخافتْ بها. ١٧٢١٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي الدعاء. حدثنـي ابن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس ، وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ... الاَية، قال: فـي الدعاء والـمسألة. ١٧٢١٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى، عن الأوزاعي، عن مكحول وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: ذلك فـي الدعاء. وقال آخرون: عنى بذلك الصلاة. واختلف قائلو هذه الـمقالة فـي الـمعنى الذي عنى بـالنهي عن الـجهر به، فقال بعضهم: الذي نهى عن الـجهر به منها القراءة. ذكر من قال ذلك: ١٧٢١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: نزلت هذه الاَية ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متوار وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان إذا صلـى بأصحابه رفع صوته بـالقرآن، فإذا سمع ذلك الـمشركون سبّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، قال: فقال اللّه لنبـيه صلى اللّه عليه وسلموَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ فـيسمع الـمشركون وَلا تُـخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا تُسْمِعهم القرآن حتـى يأخذوا عنك. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إذا جهر بـالصلاة بـالـمسلـمين بـالقرآن، شقّ ذلك علـى الـمشركين إذا سمعوه، فـيُؤْذون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالشتـم والعيب به، وذلك بـمكة، فأنزل اللّه : يا مـحمد لا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ يقول: لا تُعلِنْ بـالقراءة بـالقرآن إعلانا شديدا يسمعه الـمشركون فـيؤذونك، ولا تـخافت بـالقراءة القرآن: يقول: لا تـخفض صوتَك حتـى لا تُسْمِع أذنـيك وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً يقول: اطلب بـين الإعلان والـجهر وبـين التـخافت والـخفض طريقا، لا جهرا شديدا، ولا خفضا لا تُسْمع أذنـيك، فذلك القدر فلـما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة سقط هذا كله، يفعل الاَن أيّ ذلك شاء. ١٧٢١٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها... الاَية، هذا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـمكة كان إذا صلـى بأصحابه، فرفع صوته بـالقراءة أسمع الـمشركين، فآذوه، فأمره اللّه أو لا يرفع صوته، فـيسمع عدوّه، ولا يخافت فلا يُسْمِع مَن خـلفه من الـمسلـمين، فأمره اللّه أن يبتغي بـين ذلك سبـيلاً. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يرفع صوته بـالقرآن، فكان الـمشركون إذا سمعوا صوته سبّوا القرآن، ومن جاء به فكان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلميخفـي القرآن فما يسمعه أصحابه، فأنزل اللّه وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلك سَبِـيلاً. حدثنا مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شقـيق، قال: سمعت أبـي، يقول: أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا رفع صوته وسَمع الـمشركون، سبّوا القرآن، ومن جاء به، وإذا خفض لـم يسمع أصحابه، قال اللّه : وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي داود بن الـحُصَين، من عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا جهر بـالقرآن وهو يصلـي تفرّقوا، وأَبَوا أن يستـمعوا منه، فكان الرجل إذا أراد أن يستـمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلـي، استرق السمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستـمع، ذهب خشية أذاهم، فلـم يستـمع، فإن خفض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صوته، لـم يستـمع الذين يستـمعون من قراءته شيئا، فأنزل اللّه علـيه: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ فـيتفرّقوا عنك وَلا تُـخافِتْ بِها فلا تُسْمِع من أراد أن يسمعها، مـمن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعَوِي إلـى بعض ما يسمع، فـينتفع به، وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً. ١٧٢١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن فـي الـمسجد الـحرام، فقالت قريش: لا تـجهر بـالقراءة فتؤذي آلهتنا، فنهجو ربك، فأنزل اللّه : وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها... الاَية. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مختف بـمكة، فكان إذا صلـى بأصحابه رفع الصوت بـالقرآن، فإذا سمعه الـمشركون سبوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقال اللّه لنبـيه: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ: أي بقراءتك، فـيسمع الـمشركون، فـيسبّوا القرآن وَلا تُـخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا تسمعهم وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: فـي القراءة. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي هذه الاَية وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه، وإذا سمع ذلك الـمشركون سبّوه، فنزلت هذه الاَية. ١٧٢٢٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سلـمة، عن علقمة، عن مـحمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبـا بكر كان إذا صلـى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته قال: فقـيـل لأبـي بكر: لـم تصنع هذا؟ فقال: أناجي ربـي، وقد علـم حاجتـي، قـيـل: أحسنت وقـيـل لعمر: لـم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قـيـل: أحسنت فلـما نزلت وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً قـيـل لأبـي بكر: ارفع شيئا، وقـيـل لعمر: اخفض شيئا. ١٧٢٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا حسان بن إبراهيـم، عن إبراهيـم الصائغ، عن عطاء، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: يقول ناس إنها فـي الصلاة، ويقول آخرون إنها فـي الدعاء. ١٧٢٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادةوَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً وكان نبـيّ اللّه وهو بـمكة، إذا سمع الـمشركون صوته رموه بكلّ خبث، فأمره اللّه أن يغضّ من صوته، وأن يجعل صلاته بـينه وبـين ربه، وكان يقال: ما سمعته أذنك فلـيس بـمخافتة. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، فـي قوله وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم يرفع صوته بـالصلاة، فـيُرمَى بـالـخبث، فقال: لا ترْفعْ صَوْتكَ فتُؤْذَى وَلا تُـخافِتْ بِها، وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً. وقال آخرون: إنـما عُنِـي بذلك: ولا تـجهر بـالتشهد فـي صلاتك، ولا تـخافت بها. ذكر من قال ذلك: ١٧٢٢٣ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غِياث، عن هشام بن عُروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: نزلت هذه الاَية فـي التشهد وَلا تَـجْهَرْ بصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها. ١٧٢٢٤ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين مثله. وزاد فـيه: وكان الأعرابـيّ يجهر فـ يقول: التـحيات لله، والصلوات لله، يرفع فـيها صوته، فنزلت وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ. وقال آخرون: بل كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلـي بـمكة جِهارا، فأمر بإخفـائها. ذكر من قال ذلك: ١٧٢٢٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة والـحسن البصري قالا: قال فـي بنـي إسرائيـل وَلا تَـجْهرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـيَن ذلكَ سَبِـيلاً وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلـى يجهر بصلاته، فآذى ذلك الـمشركين بـمكة، حتـى أخفـى صلاته هو وأصحابه، فلذلك قال وَلا تَـجَهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتَغِ بـيْنَ ذلكَ سَبِـيلاً وقال فـي الأعراف: وَاذْكُرْ رَبّكَ فِـي نَفْسِكَ تَضَرّعا وَخِيفَةً وَدُونَ الـجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بـالغُدُوّ والاَصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلِـينَ. وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تـجهر بصلاتك تـحسنها من إتـيانها فـي العلانـية، ولا تـخافت بها: تسيئها فـي السريرة. ذكر من قال ذلك: ١٧٢٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن أنه كان يقول: ولاَ تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها: أي لا تراء بها عَلاَنـية، ولا تـخفها سرّا وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: لا تـحسن علانـيتها، وتسيء سريرتها. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن عوف، عن الـحسن، فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولاَ تُـخافِتْ بِها قال: لا تراء بها فـي العلانـية، ولا تـخفها فـي السريرة. حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزرقـي، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن منصور، عن الـحسن وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها قال: تـحسن علانـيتها، وتسيء سريرتها. ١٧٢٢٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولاَ تُـخافِتْ بِها قال: لا تصلّ مراءاة الناس ولا تدعها مخافة. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٧٢٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلا تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها وَابْتِغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً قال: السبـيـل بـين ذلك الذي سنّ له جبرائيـل من الصلاة التـي علـيها الـمسلـمون. قال: وكان أهل الكتاب يُخافتون، ثم يجهر أحدهم بـالـحرف، فـيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يُخافت كما يُخافت القوم، ثم كان السبـيـل الذي بـين ذلك، الذي سنّ له جبرائيـل من الصلاة. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة، ما ذكرنا عن ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رواه أبو جعفر، عن سعيد، عن ابن عبـاس ، لأن ذلك أصحّ الأسانـيد التـي رُوِيعن صحابـيّ فـيه قولٌ مخرّجا، وأشبه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل، وذلك أن قوله: وَلا تَـجْهِرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها عقـيب قوله قُلِ ادْعِوا اللّه أوِ ادْعُوا الرّحْمنَ أيّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وعقـيب تقريع الكفـار بكفرهم بـالقرآن، وذلك بعدهم منه ومن الإيـمان. فإذا كان ذلك كذلك، فـالذي هو أولـى وأشبه بقوله وَلاَ تَـجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُـخافِتْ بِها أن يكون من سبب ما هو فـي سياقه من الكلام، ما لـم يأت بـمعنى يوجب صرفه عنه، أو يكون علـى انصرافه عنه دلـيـل يعلـم به الانصراف عما هو فـي سياقه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: قل ادعوا اللّه ، أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا فله الأسماء الـحسنى، ولا تـجهر يا مـحمد بقراءتك فـي صلاتك ودعائك فـيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فـيها، فـيؤذيك بجهرك بذلك الـمشركون، ولا تـخافت بها فلا يسمعها أصحابك وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سبِـيلاً ولكن التـمس بـين الـجهر والـمخافتة طريقا إلـى أن تسمع أصحابك، ولا يسمعه الـمشركون فـيؤذوك. ولولا أن أقوال أهل التأويـل مضت بـما ذكرت عنهم من التأويـل، وأنا لا نستـجير خلافهم فـيـما جاء عنهم، لكان وجها يحتـمله التأويـل أن يقال: ولا تـجهر بصلاتك التـي أمرناك بـالـمخافتة بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تـخافت بصلاتك التـي أمرناك بـالـجهر بها، وهي صلاة اللـيـل، فإنها يجهر بها وَابْتَغِ بـينَ ذلكَ سَبِـيلاً بأن تـجهر بـالتـي أمرناك بـالـجهر بها، وتـخافت بـالتـي أمرناك بـالـمخافتة بها، لا تـجهر بجميعها، ولا تـخافت بكلها، فكان ذلك وجها غير بعيد من الصحة، ولكنا لا نرى ذلك صحيحا لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى خلافه. فإن قال قائل: فأية قراءة هذه التـي بـين الـجهر والـمخافتة؟ قـيـل: ١٧٢٢٩ـ حدثنـي مطر بن مـحمد، قال: حدثنا قتـيبة، ووهب بن جرير، قالا: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سلـيـم، عن الأسود بن هلال، قال: قال عبد اللّه : لـم يخافت من أسمع أذنـيه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث، عن الأسود بن هلال، عن عبد اللّه ، مثله. ١١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لّهُ وَلِيّ مّنَ الذّلّ وَكَبّرْهُ تَكْبِيراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وَقُلْ يا مـحمد الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخذْ وَلَدا فـيكون مربوبـا لاربـا، لأن ربّ الأربـاب لا ينبغي أن يكون له ولد ولَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ فـيكون عاجزا ذا حاجة إلـى معونة غيره ضعيفـا، ولا يكون إلها من يكون مـحتاجا إلـى معين علـى ما حاول، ولـم يكن منفردا بـالـمُلك والسلطان وَلـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذُلّ يقول: ولـم يكن له حلـيف حالفه من الذلّ الذي به، لأن من كان ذا حاجة إلـى نصرة غيره، فذلـيـل مهين، ولا يكون من كان ذلـيلاً مهينا يحتاج إلـى ناصر إلها يطاع وكّبرْهُ تَكْبـيرا يقول: وعظم ربك يا مـحمد بـما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل، وأطعه فـيـما أمرك ونهاك. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: وَلـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٧٢٣٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدولَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلَ قال: لـم يحالف أحدا، ولا يبتغي نصر أحد. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله. ١٧٢٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذُكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعلّـم أهله هذه الاَية الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ وكّبرْهُ تَكْبِـيرا الصغير من أهله والكبـير. ١٧٢٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا أبو الـجنـيد، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عبـاس ، قال: إن التوراة كلها فـي خمس عشرة آية من بنـي إسرائيـل، ثم تلا لا تَـجْعَلْ مَعَ اللّه إلها آخَرَ. ١٧٢٣٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن القُرَظي، أنه كان يقول فـي هذه الاَية: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا... الاَية. قال: إن الـيهود والنصارى قالوا: اتـخذ اللّه ولدا. وقالت العرب: لبـيك، لبـيك، لا شريك لك، إلا شريكا هو لك. وقال الصابئون والـمـجوس: لولا أولـياء اللّه لذلّ اللّه ، فأنزل اللّه : وَقُلِ الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَـمْ يَتّـخِذْ وَلَدا وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِـي الـمُلْكِ وَلَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلِـيّ مِنَ الذّلّ وكبّرْهُ أنت يا مـحمد علـى ما يقولون تَكْبِـيرا. آخر تفسير سورة بنـي إسرائيـل، والـحمد لله ربّ العالـمين. |
﴿ ٠ ﴾